logo
تخفيضات التوظيف في أميركا... أبواب مخاطر الطقس مشرّعة

تخفيضات التوظيف في أميركا... أبواب مخاطر الطقس مشرّعة

العربي الجديد١٨-٠٥-٢٠٢٥

قد تهدد
تخفيضات
التوظيف التي نفذتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حياة المواطنين مباشرة بعدما طاولت خبراء وباحثين في
الأرصاد الجوية
، وبعضهم عملوا خلال عقود لتحسين نماذج التوقعات من
الطقس
المتطرف، ومن ثَمّ أبواب المخاطر مشرّعة على الأسوأ
تضرب تخفيضات التوظيف التي شهدتها كوادر الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) منذ تسلّم إدارة الرئيس دونالد ترامب السلطة في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي، موثوقية توقعات الطقس في
الولايات المتحدة
، في حين يحذر باحثون في الأرصاد الجوية من أن "العواقب ستكون وخيمة وواسعة على الشعب الأميركي الذي سيزداد تعرضه للطقس الخطر، وأيضاً على العالم باعتبار أن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي توفر جزءاً كبيراً من بيانات الطقس ونماذجه في الكرة الأرضية".
وفصلت إدارة ترامب أكثر من 880 موظفاً في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، من بينهم باحثون يعملون لتحسين توقعات الأعاصير وبناء الجيل التالي من نماذج الطقس المسؤولة عن التحقق من صحة البيانات وإدماجها في أخرى تُشكل أساس كل التنبؤات الجوية تقريباً. كما جرى فصل أكثر من 200 موظف في هيئة الأرصاد الجوية الوطنية، وهي جزء من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي. وسبق ذلك موافقة 500 موظف إضافي على عروض استقالة، ما فرّغ الوكالة التي كانت تعاني بالفعل نقصاً في أعداد الموظفين.
ورفضت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي مناقشة عمليات الفصل، وقالت إنها "ستستمر في تقديم معلومات الطقس والتنبؤات والتحذيرات تنفيذاً لمهمات السلامة العامة". لكن باحثين خارجيين وموظفين سابقين في هذه الإدارة يقولون إن "التخفيضات قد تُقلّل من دقة تقارير الطقس، حتى تلك التي يراها الناس على هواتفهم الخليوية عبر طرف ثالث، ومن ثم على التنبيهات الخاصة بالأحوال الجوية المتطرفة، مثل الأعاصير والزوابع، علماً أن تطبيقات تجارية للطقس تعتمد على بيانات ونماذج الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي".
صحة
التحديثات الحية
إدارة ترامب تدرس اقتطاع 40 مليار دولار من ميزانية وزارة الصحة
ويقول ويليام غالوس من جامعة "أيوا" لموقع "نيو سايانتيس" إن "16 من أصل 122 مكتباً للتنبؤ بالطقس تديرها الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية في أنحاء الولايات المتحدة، وتوجد في الجزء الأوسط من البلاد المعرض لأعاصير كثيرة، تعاني الآن نقصاً في الموظفين. وقد استقال رؤساء 12 مكتباً في المنطقة الوسطى، ما يعني أن تأخيرات في التنبيهات وأخطاء ستحدث مع حلول موسم الأحوال الجوية المتطرفة في المنطقة قريباً.
واللافت أن هذه التأخيرات المكلفة على صعيد الخسائر حصلت العام الماضي حين أجبر إعصار موظفي مكتب تنبؤات جوية محلي في أيوا على الإخلاء، فتدخلت محطة مجاورة للمساعدة في تتبع العاصفة. لكن في خضمّ هذه الفوضى لم يتلقَّ بعض السكان سوى تحذيرٍ قبل 5 دقائق من اقتراب الإعصار بدلاً من الحد الأدنى المحدد بـ15 دقيقة. وفي حالات الطوارئ، قد تُحدث هذه الدقائق الضائعة فرقاً في الوصول إلى بر الأمان.
بعد 6 أشهر من إعصار "هيلين" في نورث كارولينا، 24 مارس 2025 (Getty)
إلى ذلك اهتم بعض الموظفين المُسرّحين من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي بتحسين تنبؤات الأعاصير لتحديد توقيت اشتدادها ومنح الناس وقتاً أكبر للاستعداد. ويقول برايان تانغ من جامعة ألباني في نيويورك إن "مُصممي نماذج الأعاصير في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي ومؤسسات أخرى حققوا تقدماً كبيراً في التنبؤ بالتكثيف السريع للأعاصير في السنوات الأخيرة بفضل تحسين النماذج وآليات جمع البيانات وإدماجها، لكن تخفيضات التوظيف الأخيرة تُزعزع استقرار هذه العملية".
ويقول إندي هازلتون الذي فُصل من مركز النماذج البيئية التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي: "سيكون تنفيذ التحسينات في توقعات الأعاصير التي عملنا عليها نحو ثلاثين عاماً أبطأ، علماً أنه جرى فصل أشخاص، من بينهم مديرون، ضمن فرق صائدي الأعاصير التي تُسيّر طائرات إلى الأعاصير لجمع البيانات".
طلاب وشباب
التحديثات الحية
جامعة هارفارد تتحدى ترامب وتمويلاته وتستنهض خريجيها للتبرع
وعموماً يؤثر خفض عدد الموظفين على جهود جمع البيانات الحيوية لتوفير تنبؤات جوية دقيقة تعتمد على التدفق المستمر للمعلومات حول الظروف الجوية في الأوقات الفعلية حول العالم، والتي تُجمع من عوامات المحيطات وأقمار اصطناعية ورادارات وأجهزة استشعار أخرى. وتقول إيميلي بيكر من جامعة ميامي في فلوريدا: "يدير أشخاص كل شبكات الرصد ويتولون صيانتها، وقد فقدنا العديد منهم ما سيؤثر على العمليات".
وفي الخلاصة يقول غالوس: "نتجت كل التحسينات في تنبؤات الأحوال الجوية خلال العقود الماضية من التحسينات في النماذج، وفقدان عدد كبير من الباحثين الذين يعملون عليها اليوم يعني أن التوقعات لن تتحسّن أبداً".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تخفيضات التوظيف في أميركا... أبواب مخاطر الطقس مشرّعة
تخفيضات التوظيف في أميركا... أبواب مخاطر الطقس مشرّعة

العربي الجديد

time١٨-٠٥-٢٠٢٥

  • العربي الجديد

تخفيضات التوظيف في أميركا... أبواب مخاطر الطقس مشرّعة

قد تهدد تخفيضات التوظيف التي نفذتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حياة المواطنين مباشرة بعدما طاولت خبراء وباحثين في الأرصاد الجوية ، وبعضهم عملوا خلال عقود لتحسين نماذج التوقعات من الطقس المتطرف، ومن ثَمّ أبواب المخاطر مشرّعة على الأسوأ تضرب تخفيضات التوظيف التي شهدتها كوادر الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) منذ تسلّم إدارة الرئيس دونالد ترامب السلطة في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي، موثوقية توقعات الطقس في الولايات المتحدة ، في حين يحذر باحثون في الأرصاد الجوية من أن "العواقب ستكون وخيمة وواسعة على الشعب الأميركي الذي سيزداد تعرضه للطقس الخطر، وأيضاً على العالم باعتبار أن الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي توفر جزءاً كبيراً من بيانات الطقس ونماذجه في الكرة الأرضية". وفصلت إدارة ترامب أكثر من 880 موظفاً في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، من بينهم باحثون يعملون لتحسين توقعات الأعاصير وبناء الجيل التالي من نماذج الطقس المسؤولة عن التحقق من صحة البيانات وإدماجها في أخرى تُشكل أساس كل التنبؤات الجوية تقريباً. كما جرى فصل أكثر من 200 موظف في هيئة الأرصاد الجوية الوطنية، وهي جزء من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي. وسبق ذلك موافقة 500 موظف إضافي على عروض استقالة، ما فرّغ الوكالة التي كانت تعاني بالفعل نقصاً في أعداد الموظفين. ورفضت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي مناقشة عمليات الفصل، وقالت إنها "ستستمر في تقديم معلومات الطقس والتنبؤات والتحذيرات تنفيذاً لمهمات السلامة العامة". لكن باحثين خارجيين وموظفين سابقين في هذه الإدارة يقولون إن "التخفيضات قد تُقلّل من دقة تقارير الطقس، حتى تلك التي يراها الناس على هواتفهم الخليوية عبر طرف ثالث، ومن ثم على التنبيهات الخاصة بالأحوال الجوية المتطرفة، مثل الأعاصير والزوابع، علماً أن تطبيقات تجارية للطقس تعتمد على بيانات ونماذج الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي". صحة التحديثات الحية إدارة ترامب تدرس اقتطاع 40 مليار دولار من ميزانية وزارة الصحة ويقول ويليام غالوس من جامعة "أيوا" لموقع "نيو سايانتيس" إن "16 من أصل 122 مكتباً للتنبؤ بالطقس تديرها الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية في أنحاء الولايات المتحدة، وتوجد في الجزء الأوسط من البلاد المعرض لأعاصير كثيرة، تعاني الآن نقصاً في الموظفين. وقد استقال رؤساء 12 مكتباً في المنطقة الوسطى، ما يعني أن تأخيرات في التنبيهات وأخطاء ستحدث مع حلول موسم الأحوال الجوية المتطرفة في المنطقة قريباً. واللافت أن هذه التأخيرات المكلفة على صعيد الخسائر حصلت العام الماضي حين أجبر إعصار موظفي مكتب تنبؤات جوية محلي في أيوا على الإخلاء، فتدخلت محطة مجاورة للمساعدة في تتبع العاصفة. لكن في خضمّ هذه الفوضى لم يتلقَّ بعض السكان سوى تحذيرٍ قبل 5 دقائق من اقتراب الإعصار بدلاً من الحد الأدنى المحدد بـ15 دقيقة. وفي حالات الطوارئ، قد تُحدث هذه الدقائق الضائعة فرقاً في الوصول إلى بر الأمان. بعد 6 أشهر من إعصار "هيلين" في نورث كارولينا، 24 مارس 2025 (Getty) إلى ذلك اهتم بعض الموظفين المُسرّحين من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي بتحسين تنبؤات الأعاصير لتحديد توقيت اشتدادها ومنح الناس وقتاً أكبر للاستعداد. ويقول برايان تانغ من جامعة ألباني في نيويورك إن "مُصممي نماذج الأعاصير في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي ومؤسسات أخرى حققوا تقدماً كبيراً في التنبؤ بالتكثيف السريع للأعاصير في السنوات الأخيرة بفضل تحسين النماذج وآليات جمع البيانات وإدماجها، لكن تخفيضات التوظيف الأخيرة تُزعزع استقرار هذه العملية". ويقول إندي هازلتون الذي فُصل من مركز النماذج البيئية التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي: "سيكون تنفيذ التحسينات في توقعات الأعاصير التي عملنا عليها نحو ثلاثين عاماً أبطأ، علماً أنه جرى فصل أشخاص، من بينهم مديرون، ضمن فرق صائدي الأعاصير التي تُسيّر طائرات إلى الأعاصير لجمع البيانات". طلاب وشباب التحديثات الحية جامعة هارفارد تتحدى ترامب وتمويلاته وتستنهض خريجيها للتبرع وعموماً يؤثر خفض عدد الموظفين على جهود جمع البيانات الحيوية لتوفير تنبؤات جوية دقيقة تعتمد على التدفق المستمر للمعلومات حول الظروف الجوية في الأوقات الفعلية حول العالم، والتي تُجمع من عوامات المحيطات وأقمار اصطناعية ورادارات وأجهزة استشعار أخرى. وتقول إيميلي بيكر من جامعة ميامي في فلوريدا: "يدير أشخاص كل شبكات الرصد ويتولون صيانتها، وقد فقدنا العديد منهم ما سيؤثر على العمليات". وفي الخلاصة يقول غالوس: "نتجت كل التحسينات في تنبؤات الأحوال الجوية خلال العقود الماضية من التحسينات في النماذج، وفقدان عدد كبير من الباحثين الذين يعملون عليها اليوم يعني أن التوقعات لن تتحسّن أبداً".

كتاب بلا كاتب: أول كتابٍ فلسفي بتوقيع الذكاء الاصطناعي
كتاب بلا كاتب: أول كتابٍ فلسفي بتوقيع الذكاء الاصطناعي

BBC عربية

time١٧-٠٤-٢٠٢٥

  • BBC عربية

كتاب بلا كاتب: أول كتابٍ فلسفي بتوقيع الذكاء الاصطناعي

نظرية فلسفية جديدة، كتاب آسر، ومؤلّف مجهول. هكذا، بدأت رحلة الصحافيين حول العالم في البحث عن كاتب من هونغ كونغ، اسمع جيانوي شون، لم يسمع عنه أحد من قبل. ولكن، في الأول من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أصبح شون حديث الناس، بعد صدور كتاب بعنوان "الهيبنوقراطية: ترامب، ماسك وهندسة الواقع"، في إيطاليا. والمقصود بمصطلح "هيبنوقراطية" هو "حكم التنويم المغناطيسي". على الغلاف الخلفي للكتاب نجد تعريفاً مقتضباً بشون: "جيانوي شون هو فيلسوف ومنظّر في وسائل الإعلام، يعمل عند تقاطع النظرية النقدية والدراسات الرقمية وفلسفة العقل. يركّز عمله على تأثير التقنيات الرقمية على الوعي الجمعي وتشكّل الذات المعاصرة. الهيبنوقراطية هو أول كتاب له يُترجم إلى اللغة الإيطالية". وطيلة الأشهر الماضية، اهتمت الصحافة الفكرية في أوروبا بهذا الكتاب لراهنية الموضوع الذي يعالجه. "هلاوس" الذكاء الاصطناعي، ما أسبابها؟ وهل يمكن التغلب عليها؟ عندما تتحول الروبوتات إلى أسلحة فتاكة ويدّعي الكتاب نقد النظام العالمي الحالي الذي تتصدّره شخصيتان بارزتان هما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورجل الأعمال الملياردير إيلون ماسك. ويرد في التعريفات المنتشرة بالكتاب: "يبرز اليوم نظام لا يُمارَس فيه التحكم من خلال قمع الحقيقة، بل من خلال تكاثر السرديات إلى درجة يصبح فيها وجود أي نقطة ثابتة أمراً مستحيلاً". ولكن بعد محاولة عدد من الصحافيين البحث عن طريقة للتواصل مع شون من أجل إجراء مقابلة معه حول إصداره الجديد، اتضح، بشكلٍ صادم للجميع، أن شون في الحقيقة غير موجود. التلاعب بالوعي الجماعي" على مواقع قليلة، ترد سيرة ذاتية مقتضبة لشون: "محلّل وفيلسوف ولد في هونغ كونغ". ليس هناك أي معلومات إضافية، كما أن صوره القليلة تبيّن، بعد التدقيق، أنها مصنوعة بالذكاء الاصطناعي. وقد اكتشفت الصحافية الإيطالية سابينا ميناردي، بعد محاولات متكررة لإجراء مقابلة مع المؤلف المزعوم، أن الاسم لم يكن سوى اسماً مستعاراً لعمل خلقه وحرّره المفكّر الإيطالي أندريا كولاميديشي بالتعاون مع أداتين للذكاء الاصطناعي هما "تلون" التابعة لمشروع ثقافي أوسع خاص بأندريا وشريكته مورا، و"كلود" التابع لشركة "أنتروبيك" الأمريكية، في إطار مشروع فلسفي "يهدف إلى كشف تأثير الذكاء الاصطناعي في إنتاج خطاب متلائم ومقنع". والمفارقة التي ارتكز عليها العمل هي أن الكتاب الذي يتأمل في "أشكال جديدة من التلاعب"، لجأ إلى "خداع" الجمهور بشكلٍ ما. حيث أن أطروحة الكتاب تنطلق من أن الخطاب الذي ألقاه دونالد ترامب خلال حفل تنصيبه في الكابيتول لا يُمثل مجرد حدث سياسي أو انتصاراً لأيديولوجيا معيّنة، "بل يُجسّد بشكل حاسم بروز نظام جديد للواقع، حيث تمارس فيه السلطة تأثيرها من خلال التلاعب المباشر بحالات الوعي الجماعي. وتنكشف المنصّات الرقمية على حقيقتها: فهي ليست مجرد أدوات للتواصل، بل تقنيات تنويم مغناطيسي تعيد تشكيل الطريقة التي ندرك بها الواقع ونُفسّره". ويرد في الكتاب أيضاً أن "كل حدث، كل صورة، كل كلمة هي جزء من آلية لا تكتفي بتمثيل الواقع، بل تقوم باستبداله. فالمحاكاة لم تعد تُقلّد الواقع، بل تسبقه. إنها من تُشكّله [...] وهي لا تُقدّم نفسها كنظام سردي واحد، بل ككون من الاحتمالات". انتهاكٌ للقانون؟ ويُعدّ قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي الذي اعتمدته مؤسسات الاتحاد الأوروبي في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2023 وأقرّه البرلمان الأوروبي في 13 مارس/ آذار 2024، أن عدم وسم النصوص أو الفيديوهات أو المقاطع الصوتية المُنتجة بواسطة الذكاء الاصطناعي يُشكّل انتهاكاً جسيماً ــ وهو ما لم يقم به عمل كولاميديشي المنشور في أي موضع. وليس واضحاً بعد إذا كان كولاميديشي سوف يخضع لأي محاسبة بموجب هذا القانون. وبعد الكشف عن الهوية الحقيقية لـ"مؤلف" الكتاب، أضيفت على الموقع الالكتروني الخاص بالعمل الفقرة الآتية: "بعدما عرف الناس أن شون ليس شخصاً حقيقياً بل نتيجة تعاون بين إنسان وذكاء اصطناعي، لم ينتهِ المشروع، بل دخل في مرحلة جديدة. هذه المرحلة تُظهر أن شون هو مثال على طريقة تفكير جديدة، لا تأتي فقط من عقل بشري واحد، بل من تعاون بين البشر والآلات. شون أصبح اليوم وسيلة لاختبار أفكار وأساليب جديدة في الفلسفة، ويساعدنا على فهم كيف يمكن أن نُنتج أفكاراً مختلفة عندما نعمل معاً ــ بشراً وآلات ــ بدلاً من الاعتماد فقط على كاتب واحد أو عقل فردي". تجربة "أدائية" للنظرية في مقابلة مع مجلّة "لو غران كونتينان" الفرنسية نُشرت في 4 أبريل/ نيسان الماضي بعنوان "من هو جيانوي شون حقاً؟". نقرأ عن المؤلف قوله: "نحن نعيش اليوم في زمن لم يعد فيه من يمسك بالسلطة بحاجة إلى العنف أو إلى الإقناع بالعقل والمنطق؛ كل ما عليه فعله هو التأثير على وعي الناس ومشاعرهم الجماعية. يتم توجيه انتباهنا مثل موجة، وتُزرع فينا مشاعر معينة وتُحرَّك كما يريد من يتحكم بالمشهد. هكذا، تتكرر الرسائل والإيحاءات باستمرار، حتى تختفي الحقيقة وسط أحلام كثيرة موجَّهة". ويرى شون في الحوار الذي جرى على الأرجح عن بعد وتعاون فيه المفكّر الإيطالي أندريا كولاميديشي مع الذكاء الاصطناعي: "لم يعد هناك قصة واحدة نفهم من خلالها العالم. نحن ــ وأنتم ــ في عالم متشظٍّ، تتنافس فيه آلاف القصص لتكون كل واحدة منها الحقيقة الوحيدة، ولو لفترة قصيرة. لكن هذه القصص لا تتحاور أو تتكامل، بل تتصارع. تتداخل وتنعكس على بعضها البعض، حتى نجد أنفسنا في متاهة من المرايا، لا نعود نعرف فيها الفرق بين الحقيقة والوهم". ويرى شون أن انكشاف طبيعته المصطنعة "لا يُضعف صلاحية مفهوم الهيبنوقراطية، بل على العكس، يعزّزها. فهو يُضفي على المفهوم بُعداً أدائيّاً يتجاوز الجدل النظري البحت". ويوضح أنه "من أجل فهم الآليات التي تحكم الهيبنوقراطية فهماً حقيقياً، كان لا بد من اختبارها من الداخل، وليس فقط الاكتفاء بوصفها من الخارج. لم يكن الهدف مجرد التنظير حول كيفية بناء السرديات أو كتابة كتيّب آخر عن التلاعب بالإدراك ــ فثمة كتب أفضل قامت بذلك ــ بل كان الهدف أن نُفعّل هذه الآليات، أن نبتكر أداة تُمكّننا من مراقبة كيفية تشكّل السرديات وانتشارها واكتسابها للشرعية، لحظةً بلحظة". مشروع شون، كما يقول، هو تجسيد لفكرة "النظرية المتجسّدة" إنه لا يتحدّث عن الهيبنوقراطية فحسب، بل يُجسّدها، يجعلها مرئيّة من خلال ظهوره نفسه. إن الفرضية لا تُبرهن فقط بالكلمات، بل من خلال تمثيلها الذاتي وانكشافها كجزء من التجربة. ويؤكد أن "مشروع شون، في جوهره، ليس غير مبالٍ بالحقيقة. بل على العكس، فهو مهتم بعمق بالآليات التي تُبنى بها الحقيقة، وتُمنح الشرعية، وتُحرَّف داخل النظام المعرفي المعاصر. لا يتعلق الأمر بتمويه أو خداع بحد ذاته، بل بأداة منهجية تُتيح لنا مراقبة وفهم عمليات كانت لتظل غير مرئية لولا ذلك". ويرى أن "الأطروحات المتعلقة بالهيبنوقراطية تحتفظ بوجاهتها التحليلية وقوتها التفسيرية، بغضّ النظر عن طبيعتي". "ما بعد الحقيقة" يمكن إدراج هذا الكتاب إلى حقل دراسات نظرية "ما بعد الحقيقة" التي تنامى الحديث عنها في السنوات العشر الأخيرة، لا سيما مع صعود الحركات اليمينية في أوروبا وأمريكا. ونظرية "ما بعد الحقيقة" ترصد باختصار الميل المتزايد في عالم اليوم إلى تجاوز الوقائع لمصلحة الحدس والإيمان والأفكار المسبقة، وذلك بعد "خيبة الجماهير من النخب الليبرالية التقليدية". وعادةً ما يعتبر ترامب ومؤيديه مثالاً مكثفاً لهذه الثقافة، ويبدو أن انتشار أدوات الذكاء الاصطناعي وتطور مهاراتها بشكل سريع وفي وقت قياسي، يعطي نظرية "ما بعد الحقيقة" أبعاداً أخرى. وفي هذا السياق، يقول شون إن "الكتاب هو ناتج مباشر للنظام المعقّد من التفاعلات بين البشري وغير البشري، وهو بالضبط ما نسعى إلى تحليله". ويضيف "لقد بدأت الخريطة تتداخل مع الأرض، بل تكاد تندمج بها: يصعب اليوم أن نميّز أين تنتهي الخريطة وأين تبدأ الحقيقة. وهذا التداخل نفسه جزء أساسي من القيمة المعرفية لهذه الأفكار". ويحيل هذا الكلام على نظرية الفيلسوف الفرنسي جان بودريار عن "الواقع الفائق" التي ترصد "اللحظة التي تصبح فيها المحاكاة غير قابلة للتمييز عن الواقع ــ بل، أحياناً، أكثر واقعية منه". في كتابه "التمثلات والمحاكاة" (1981)، رأى بودريار "أننا نعيش اليوم في فضاء تسبق فيه المحاكاة الواقع، وتُحيل فيه العلامات إلى علامات أخرى، وينفصل فيه المعنى عن أي مرجعية ثابتة". وبهذا المعنى، يمكن اعتبار "الهيبنوقراطية" التي يصفها شون وتطبّقها تجربة الكتاب، تجسيداً معاصراً لفكرة بودريار: نظام إدراكي تصبح فيه السرديات والمنصات والخوارزميات ليست مجرد انعكاساً للعالم، بل استبدالاً له. ماذا يعني التفكير والكتابة بعد اليوم؟ تثير هذه التجربة العديد من التساؤلات الفكرية والأخلاقية ولا تخلو من مخاوف حول مستقبل الإنتاج الفكري والمعرفي بصورةٍ عامة وحول معنى الملكية الفكرية بعد اليوم. وفي تعليقٍ له على الجدل الذي أثاره صدور الكتاب، كتب مدير مجلة "ليسبريسو" الإيطالية، إيميليو كاريلي: "في هذه المرحلة، يطرح سؤال إلزامي نفسه: إذا كانت أطروحات هذا الكتاب صحيحة، أو على الأقل قد أثارت نقاشاً ثقافياً حاداً، شارك فيه مثقفون وفلاسفة، من بينهم أكاديميون من مدرسة للدراسات العليا للدراسات التجارية باريس المرموق في باريس الذين استشهدوا به في مقالاتهم العلمية، فهل يهم حقاً إن كان قد كُتب بواسطة الذكاء الاصطناعي؟ أو، كما هو الحال هنا، بالتعاون مع الذكاء الاصطناعي؟ هل يمكن أن يمهّد هذا النموذج الطريق لطريقة جديدة في ممارسة الفلسفة؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن تجربة الهيبنوقراطية الناجحة تعلّمنا شيئاً مهماً: يمكننا أن نقيم علاقة فاعلة مع الذكاء الاصطناعي، وقبل كل شيء، يمكننا استخدامه لنتعلم كيف نفكّر". من جهتها، أشارت الباحثة في معهد الدراسات الأوروبية وحقوق الإنسان سيسيليا دانيسي، إلى الكتاب بوصفه "ديكتاتورية رقمية". في جميع الأحوال، من المؤكد أننا أصبحنا في مرحلة نواجه فيها جميعاً بالفعل صعوبة كبيرة في التمييز بين المحتوى الذي يصنعه البشر وذلك الذي تنتجه الآلات. ويقول شون في المقابلة المذكورة سابقاً إنه "يُجبرنا على إعادة التفكير ليس فقط في معنى الكاتب، ولكن أيضاً في كيفية تطور مفهوم الكاتب ذاته في عصر الذكاء الاصطناعي التوليدي والأنظمة الاجتماعية - التكنولوجية المعقّدة". ويضيف "نحن معتادون على تصور الكاتب كفرد يقوم، من خلال أصالته ونيّته، بإنتاج أعمال تحمل بصمة شخصيته. هذه الرؤية ــ التي كان رولان بارت قد اعترض عليها في الستينيات ــ هي اليوم موضع تساؤل جذري نتيجة لظهور أشكال من الذكاء والإبداع الموزع، حيث يتداخل البشري وغير البشري بطريقة لا يمكن فصلها". ويشير شون هنا إلى نظرية المفكر وعالم السيميائيات الفرنسي رولان بارت عن "موت المؤلف" التي دعت إلى تحرير المعنى من سلطة المؤلف وسيرته الذاتية، ومنح القارئ دوراً مركزياً في إنتاج دلالة النصّ، ما مهّد لتحوّل جذري في مفهوم التأليف. فهل نشهد اليوم نهاية المؤلف مثلما نعرفه؟ هل تحوّل المؤلف من إنسان يستعين بأدوات تقنية، إلى مستوى آخر أكثر جذرية من التفاعل بين الإنسان والآلة؟ يقول شون إن هذه التجربة تشير إلى أننا "ننتقل أيضاً إلى أشكال من التأليف المُوزَّع، حيث لم يعد النص نتيجة عقل واحد، بل ثمرة نظام إدراكي معقّد. نحن لا نتحدث فقط عن التعاون بين أفراد ــ وهو نموذج معروف منذ زمن ــ بل عن تطوّر مشترك بين أشكال مختلفة من الذكاء تنتج الفكر من خلال تفاعلها".

النمر العربي: جوهرة الجزيرة العربية المهددة بالانقراض
النمر العربي: جوهرة الجزيرة العربية المهددة بالانقراض

BBC عربية

time٠٩-٠٢-٢٠٢٥

  • BBC عربية

النمر العربي: جوهرة الجزيرة العربية المهددة بالانقراض

منذ أكثر 500 ألف عام، استوطن النمر العربي واسمه العلمي (Panthera pardus nimr)، أنحاء شبه الجزيرة العربية ومصر آتياً من إفريقيا. ورغم وضعه من قبل الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة على اللائحة الحمراء لتصنيف الحيوانات الأكثر تهديداً بالانقراض في المنطقة العربية، ما يزال النمر العربي يُشاهد في اليمن والسعودية وعُمان. ويذكر موقع الأمم المتحدة في آخر معلومات نُشرت في فبراير/شباط 2024، نقلاً عن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، أنّ عدد النمور العربية المتبقية في البراري لا يتجاوز المئتين. وأعلنت الأمم المتحدة العاشر من فبراير/شباط، يوماً عالمياً للاحتفاء بالنمر العربي في قرار اتخذته جمعيتها العامة في يونيو/حزيران من العام 2023. ترى دول عربية في النمر العربي أهمية ثقافية وإرثاً تاريخياً طبيعياً، ولذلك تصدت لمسألة انقراضه وقامت بمبادرات عبر مؤسساتها المختصة للحفاظ على وجوده وإكثاره وحمايته في بيئته. كما أسست المملكة العربية السعودية صندوقاً خاصاً له في محافظة العلا، كجزء من استراتيجية "رؤية المملكة 2030"، التي "تهدف إلى تعزيز الاستدامة البيئية وتنمية قطاع الأعمال غير الربحي في المملكة العربية السعودية" بحسب الموقع الرسمي للصندوق. ماذا نعرف عن النمر العربي؟ هو الأصغر حجماً بين السنوريات، ومقارنة مع النمور الأخرى في آسيا وإفريقيا، لكنّه أكبر الحيوانات المفترسة في شبه الجزيرة العربية. إذ يبلغ حجمه حوالى نصف حجم مثيله الافريقي. ويبلغ وزن الذكر منه ما بين 24 إلى 34 كيلوغراماً، ووزن الأنثى بين 18 إلى 23.5 كيلوغراماً. ويتراوح طول الذكر بين 1.8 إلى 2.3 متراً، وطول النمرة الأنثى بين 1.6 إلى 1.82 متراً. يتواجد حالياً في الحياة البرّية في مناطق معينة في سلطنة عمان والسعودية واليمن. يعيش في الجبال والصخور ويتسلقها برشاقة، ويساعده ذيله الطويل على التوازن أثناء التسلّق. يستفيد من لونه والبقع على جسده في التموّه والاختباء ضدّ فريسته، ويتميّز بألوانه الفاتحة مقارنة مع السنوريات الأخرى من نوعه. تتغذى النمور العربية على الثدييات التي تعيش في المنطقة مثل الأرانب والنيص والأيل، بالإضافة إلى القوارض والطيور. لكنّ تقلص المساحات البرية وقلّة فرائسها، جعلها تهاجم الماشية والحيوانات الأليفة، الأمر الذي عرّضها للصيد والقتل. مبادرات عربية لحمايته وإكثار عدده في ديسمبر/كانون الأول من العام 2024، أنجبت النمرة "ورد"، ثلاثة هراميس توائم، بعدما حضر الأب "باهر" من سلطنة عُمان بهدف المساهمة في إكثار نسل النمر العربي. أعلنت الهيئة الملكية لمحافظة العلا في السعودية حينها، عن ولادة التوائم الثلاثة، ليرتفع عدد النمور في مركز الإكثار في المحافظة إلى 33 نمراً. حصل ذلك، بعد جهود بدأت عام 2019، حينما دشّن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان شخصياً، مشروع محمية طبيعية لحماية نسل النمر العربي في محافظة العلا شمال غرب السعودية. ورعى بن سلمان تأسيس الصندوق العالمي لحماية النمر العربي في نهاية 2020. وحذرّت قوات الأمن البيئي، وفق ما نقلت صحف محلية سعودية عديدة، من أنّ عقوبة صيد النمر العربي تصل إلى 400 ألف ريال، أي ما يوازي مئة ألف دولار تقريباً. وفي سلطنة عمان، حيث تعتبر جبال ضفار الجنوبية موطن مهمّ للنمر العربي، تولي السلطات اهتماماً واسعاً بالمحافظة على حياته ودراسته. وينشط مكتب حفظ البيئة في السلطنة، للحفاظ على سلالة هذا النمر، وينشأ محمية لمراقته وداسته وحمايته. كما ينشر التوعية بين الأهالي لمنع صيده. وأنشأت سلطنة عمان، محميات طبيعية حيث يتواجد النمر المحلي، وساهمت في إرساء مشاريع لدراسته. كما بادرت السلطات في البلاد إلى تعويض أصحاب الماشية التي يفترسها النمر. وأسست مركزاً خاصاً للإكثار من سلسلة النمر العربي. وفي الإمارات، أطلق حاكم الشارقة، سلطان بن محمد القاسمي، مبادرة منذ عام 2014، تحت عنوان "الحفاظ على النمر العربي في بيئات شبه الجزيرة العربية". وتشمل المبادرات الحفاظ أيضاً على موطن الفرائس الطبيعية للنمر مثل الغزلان، لتجد النمور غذاء وتصمد في موطنها. ومن المعروف أن النمور حيوانات تعيش بعيداً عن البشر ولا تقترب من أمكان سكنهم بسهولة، ولكنّ نقص غذائها يجبرها أحياناً على الاقتراب من بيئة الإنسان. وفي أبريل/نيسان من عام 2020، شكلت الهيئة العامة لحماية البيئة في اليمن، لجنة لحماية النمر العربي، لوضع حدّ لممارسات صيده. وكان مجلس الوزراء اليمني، قد اتخذ قراراً عام 2009، لاعتماد النمر العربي كرمز وطني للجمهورية اليمنية. وحظرت الحكومة صيده أو قتله في قرار صدر عام 1995، تحت رقم 26. وتؤكد تقارير، انتشار النمر العربي في أكثر محافظة يمنية، بينها الضالع وأبين وعمران وحجة والمهرة. لكنّ سياسات حمايته والحفاظ عليه ليست كافية مقارنةً مع دول الجوار. وفي السنوات الأخيرة، تداول ناشطون أكثر من مرة، صوراً لنمور عربية قُتلت في اليمن وتحدثت عنها الهيئة العامة لحماية البيئة. منها صورة لنمر قُتل في يافع في مايو/أيار 2023. وفي يوليو/تموز 2021، أفادت صحف محلية عن مقتل نمرين في محافظة أبين جنوب اليمن.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store