logo
هل يجب أن تقلق إسرائيل من نجاح ترامب في الشرق الأوسط؟

هل يجب أن تقلق إسرائيل من نجاح ترامب في الشرق الأوسط؟

الغدمنذ 4 أيام

ألون بينكاس* - (الإندبندنت) 18/5/202
قلبت زيارة ترامب السريعة إلى منطقة الخليج العربي معادلات الشرق الأوسط وأبعدت إسرائيل عن مركز الأحداث، مع ما حملته من انفتاح أميركي مفاجئ على إيران وسورية وتهميش واضح لنتنياهو.
اضافة اعلان
كانت الصفقات، وليس المبادئ، هي التي تحكم تحركات ترامب الذي أعاد رسم الدور الأميركي كوسيط انتقائي لا كقوة مهيمنة، واضعاً إسرائيل في موقع المتفرج العاجز. كانت حفاوة الاستقبال الذي حظي به الرئيس الأميركي في دول الخليج ومصافحته الودية للزعيم السوري الجديد أحمد الشرع آخر ما يرغب بنيامين نتنياهو في رؤيته.
***
لم تكن زيارة دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط -التي كانت في جوهرها جولة سريعة في دول الخليج العربي- مخصصة أبدًا لموضوع إسرائيل. ولكن، يبدو أنها كانت كلها وبكل تفاصيلها بالنسبة إلى الإسرائيليين على علاقة بإسرائيل -وليس فقط لأن الرئيس الأميركي تعمد بصورة لافتة استثناء القدس من جدول زيارته الرسمية الدولية الأولى للمنطقة مع بداية عهده الرئاسي الثاني.
حتى قبل أن يصافح ترامب في المملكة العربية السعودية أحمد الشرع؛ الجهادي السابق و"الشاب الوسيم" الذي بات اليوم زعيماً إسلامياً لسورية، ويعلن عن رفع العقوبات التي فرضتها إدارة أوباما على سورية، كانت جولته التي امتدت لأربعة أيام وشملت ثلاث دول خليجية قد قلبت موازين الشرق الأوسط، وأعادت ترتيب الأولويات، ودفعت بإسرائيل إلى موقع المتفرج الغاضب.
خلال تلك الأيام القليلة، لم يكتفِ ترامب بتكرار دعوته إلى إنهاء الحرب في غزة ثلاث مرات، بل مد غصن زيتون لعدو إسرائيل اللدود؛ إيران، مؤكداً اهتمامه بإحياء الاتفاق النووي مع طهران.
كما نجح الرئيس في تأمين إطلاق سراح إيدان ألكسندر، الشاب الأميركي-الإسرائيلي البالغ من العمر 21 عامًا الذي كان قد أُخذ كرهينة في هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 (ووُضع في سجن وتعرض للتعذيب على يد "حماس")، من خلال خوض مفاوضات مباشرة مع خاطفيه الإرهابيين.
كان هذا شيئًا جيدًا في 48 ساعة من العمل الدبلوماسي. لكن اللافت أيضاً كان أن الرئيس الأميركي أجرى محادثات في الرياض مع رجب طيب أردوغان؛ الزعيم التركي والخصم العنيد لبنيامين نتنياهو.
بينما كان ترامب يبدو منشغلاً بتفكيك النظام العالمي القائم على الهيمنة الأميركية -باكس أميركانا- نظام ما بعد العام 1945، فإنه أظهر في الوقت نفسه رغبة جامحة في التدخل، وعرض خدماته لحل أزمات العالم ونزاعاته: من أوكرانيا وروسيا، إلى الهند وباكستان، فحرب غزة، والآن إيران -بل وحتى حل النزاع بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
خلافاً للنهج الذي اتبعته الولايات المتحدة خلال الأعوام الثمانين الماضية حين كانت ترى نفسها صانعة السياسات ومحددة الأجندات العالمية، يعيد ترامب صياغة دور أميركا كمصلح، لا كقوة إمبريالية عسكرية ودبلوماسية تسعى إلى التدخلات ويجري استنزافها في حروب طويلة لا تجني منها واشنطن سوى القليل.
"أميركا لا تملك أعداء دائمين"، هكذا قال ترامب في الرياض، مقتبساً -ولو بصيغة أميركية- اللورد بالمرستون، وزير الخارجية البريطاني الذي قال أمام مجلس العموم البريطاني في العام 1848: "ليست لدى بريطانيا صداقات أبدية، ولا عداوات دائمة، إنها مصالحنا هي الدائمة والأبدية".
بعد أيام فقط من تراجعه المذل عن الرسوم الجمركية المفرطة التي فرضها على الصين، حيث قام بخفضها من 145 إلى 30 في المائة ضمن فترة "تجميد" لمدة 90 يوماً، جاء إعلان لا يقل إثارة، وهو أن الولايات المتحدة سترفع العقوبات المفروضة على سورية.
وبالإضافة إلى ذلك، قادته مقاربته الأكثر تصالحية في الشرق الأوسط إلى إطلاق إشارات تصالحية نحو إيران أيضاً، وقال إن الولايات المتحدة تريد لها أن تكون إيران "بلداً رائعاً وآمناً وعظيماً"، لو أن قادتها فقط تخلوا عن سعيهم المزمن إلى امتلاك السلاح النووي.
وقبل أسبوعين من الزيارة، كان ترامب قد أعلن أيضاً تعليق العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، واصفاً إياهم بـ"الشجعان". تخيلوا فقط العاصفة العارمة من الغضب والصراخ الهستيري التي كانت ستندلع لو أن باراك أوباما أو جو بايدن استخدم هذا الوصف لجماعة تصنفها الإدارة الأميركية كمنظمة إرهابية أجنبية.
أصبح الآن من شبه المؤكد أن دونالد ترامب هو، في طبيعته وسلوكياته، شخص يحركه منطق الصفقات وأنه غير قابل للتوقع. في الواقع، تم تسخيف زيارته إلى المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر والتقليل من شأنها على نطاق واسع وجرى النظر إليها على أنها "زيارة عمل". لكنه بلا شك ضمِن صفقة أسلحة بقيمة 142 مليار دولار -وهو ما كان في الحقيقة تنفيذا لتعهد قطعه السعوديون خلال زيارته السابقة في العام 2017- إلى جانب التزام باستثمار 450 مليار دولار أخرى، وربما أكثر، من الأموال السعودية في الولايات المتحدة.
ولكن، هنا تكمن الحقيقة الجوهرية في دبلوماسية ترامب التجارية: إنه يذهب إلى حيث يمكنه أن يحصل على شيء. والمعاملة بالمثل هي الأساس. ومنذ أن أفسد نتنياهو خطة ترامب بشأن غزة من خلال كسره لوقف إطلاق النار عبر شن ضربات جوية على أهداف تابعة لـ"حماس"، لم يعُد لدى الحكومة الإسرائيلية ما تقدمه فعلياً إلى البيت الأبيض.
وهكذا، بالنسبة لترامب أصبح نتنياهو مصدر إزعاج. وأدت هذه الخيبة إلى تهميش موقع إسرائيل في سياسة الولايات المتحدة.
كانت الحكمة التقليدية المنتشرة قبل ذلك تفيد بأنه على الرغم من كارثة السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، كان وضع إسرائيل الجيوسياسي يتحسن بصورة كبيرة: فقد تم إضعاف حركة "حماس" بطريقة مميتة، كما أُضعفت جماعة "حزب الله" بشكل أكبر من خلال سقوط الأسد في سورية، وكانت إيران قد أصبحت مهددة بشكل أكبر بسبب الهجمات الإسرائيلية الدقيقة ضد مواقع أنظمة دفاعها الجوي. ومع قيام الولايات المتحدة بمهاجمة الحوثيين في اليمن، بدت إسرائيل في أفضل حال على المستوى الاستراتيجي.
ولكن، بعد مرور نحو أربعة أشهر على بدء عهد ترامب الرئاسي الثاني، يبدو أن واشنطن ضاقت ذرعاً بعدم الفائدة من حرب نتنياهو في غزة، فقامت بتعليق هجماتها على الحوثيين وفتحت قنوات دبلوماسية مع طهران، وأصبحت ترى في تركيا والمملكة العربية السعودية حليفين يمكن الاعتماد عليهما.
لم تكن زيارة ترامب إلى الخليج العربي تهدف إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط، أو إلى التركيز على ترتيب العلاقة مع إسرائيل. لكنها سرعان ما تحولت إلى أن تكون كذلك بالتحديد.
ومن الواضح أيضًا أنه لم يعُد بوسع الإسرائيليين التطلع إلى الرئيس ترامب لإيجاد الحلول، وبذلك لم يبق أمامهم سوى رئيس وزرائهم الذي دفع البلاد، وبكثير من الغرور والجبروت، إلى هذا المأزق الاستراتيجي.
*ألون بينكاس: دبلوماسي ومحلل سياسي إسرائيلي بارز، شغل منصب القنصل العام لإسرائيل في نيويورك بين العامين 2000 و2004، وكان مستشاراً سياسياً لرئيسي الوزراء شمعون بيريز وإيهود باراك. تلقى تعليمه في الولايات المتحدة، حيث حصل على درجتي البكالوريوس والماجستير في العلاقات الدولية. يعرف بتحليلاته المتخصصة في العلاقات الأميركية-الإسرائيلية والسياسة الإقليمية، ويكتب بانتظام في صحف مثل "هآرتس"، ويعد من الأصوات المؤثرة في النقاشات السياسية حول الشرق الأوسط.
في ترجمات:
هل يكسر ترامب الجمود الإيراني ويعيد تشكيل الشرق الأوسط؟

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تقرير صادم.. ليبرمان يتهم نتنياهو بتسليح "عصابات" في غزة
تقرير صادم.. ليبرمان يتهم نتنياهو بتسليح "عصابات" في غزة

البوابة

timeمنذ 16 دقائق

  • البوابة

تقرير صادم.. ليبرمان يتهم نتنياهو بتسليح "عصابات" في غزة

اتهم زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف، أفيغدور ليبرمان، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بإعطاء أوامر لتسليم أسلحة لما أسماه "عصابات في غزة"، وفق الإذاعة الرسمية الإسرائيلية. ونقلت الإذاعة عن ليبرمان، قوله إن: "إسرائيل نقلت بنادق هجومية وأسلحة خفيفة إلى مليشيات إجرامية في غزة"، مؤكدا أن هذه الخطوة تمت "بأوامر من نتنياهو". وفي الآونة الأخيرة، نشرت تقارير إعلامية ظهور "مجموعات إجرامية مسلحة" بغزة تعمل بحماية الجيش الإسرائيلي، وتهاجم الفلسطينيين. وأضاف ليبرمان أن تسليح عصابات إجرامية في غزة لم يحصل على مصادقة المجلس الوزاري المصغر، مؤكدا أن رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) يعلم بالأمر. بدوره، رفض "الشاباك" التعقيب على تصريحات ليبرمان، وفق هيئة البث الإسرائيلية. وحذّر ليبرمان من استخدام هذه الأسلحة ضد إسرائيل، مشيراً إلى أن "لا أحد يضمن عدم توجيه هذه الأسلحة إلى إسرائيل. ليس لدينا أي وسيلة للمراقبة أو التتبع". كما نقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن مصدر أن إسرائيل نقلت سلاحا لمليشيا ياسر أبو شباب، وهو من سكان رفح ويُعد قائدا لإحدى المليشيات المتهمة بالتعاون مع إسرائيل في جنوب القطاع. صحيفة "يديعوت أحرونوت" قالت إن رد مكتب رئيس الوزراء لم يتضمن نفيًا قاطعًا، إذ جاء في بيان مقتضب: "إسرائيل تعمل على هزيمة حماس بطرق مختلفة ومتنوعة، بناء على توصية جميع رؤساء جهاز الأمن". ليبرمان كتب تغريدة رداً على بيان رئاسة الوزراء كتب فيها: "لا تعطوهم أسلحة". وفي سياق موازٍ يعكس تزايد تعقيدات المشهد الأمني في القطاع، سلط تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت الضوء على شريط فيديو لياسر أبو شباب، وهو من سكان رفح، أعلن فيه أن قواته تعمل "بموجب الشرعية الفلسطينية" وتحت "مباركة قيادة السلطة الفلسطينية"، وفق تعبيره. ويعاني قطاع غزة من حرب إبادة جماعية تشنها إسرائيل على غزة، بدعم أميركي، منذ السابع من أكتوبر 2023 خلّفت نحو 180 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين، بينهم أطفال. المصدر: وكالات

ترامب يمنع سفر رعايا 12 دولة إلى الولايات المتحدة
ترامب يمنع سفر رعايا 12 دولة إلى الولايات المتحدة

الوكيل

timeمنذ ساعة واحدة

  • الوكيل

ترامب يمنع سفر رعايا 12 دولة إلى الولايات المتحدة

05:47 م ⏹ ⏵ تم الوكيل الإخباري- منع الرئيس الأميركي دونالد ترامب رعايا 12 دولة من السفر إلى الولايات المتّحدة وفرض قيودا على سفر رعايا سبع دول أخرى، في خطوة برّرها برغبته في "حماية" مواطنيه من "إرهابيين أجانب". اضافة اعلان وقال البيت الأبيض في بيان إنّ الحظر الذي سيدخل حيّز التنفيذ في 9 حزيران الحالي يشمل مواطني كلّ من أفغانستان، وبورما، وتشاد، وجمهورية الكونغو، وغينيا الاستوائية، وإريتريا، وهايتي، وإيران، وليبيا، والصومال، والسودان، واليمن. أما الدول السبع المستهدفة بقيود على سفر رعاياها إلى الولايات المتحدة فهي بوروندي وكوبا، ولاوس، وسيراليون، وتوغو، وتركمانستان، وفنزويلا. وإدراج إدارة ترامب التي تنتهج سياسة صارمة للغاية في مكافحة الهجرة، هذه الدول على القائمة يعود إلى افتقار هذه الدول إلى حكومات فعّالة وميل رعايا بعض منها إلى البقاء في الولايات المتّحدة بعد انتهاء صلاحية تأشيراتهم. أما إيران فقد أدرجتها واشنطن على هذه القائمة بسبب دعمها "للإرهاب". - كأس العالم والألعاب الأولمبية - ويُستثنى من هذه القيود حملة تأشيرات معيّنة والأفراد الذين "يخدم سفرهم إلى الولايات المتحدة المصلحة الوطنية". ولن يشمل الحظر لاعبي كرة القدم الذين سيشاركون في كأس العالم 2026 التي ستُقام في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، ولا أيضا الرياضيين الذين سيشاركون في دورة الألعاب الأولمبية التي ستستضيفها لوس أنجلوس في 2028.

الظل لا يُعارض مصدره
الظل لا يُعارض مصدره

الانباط اليومية

timeمنذ 2 ساعات

  • الانباط اليومية

الظل لا يُعارض مصدره

منصور البواريد حين تضعف اللغة، تتعرى النوايا. في تصريح وزير الخارجية الأمريكي، لا تكمن الخطورة في محتواه المباشر، فهو متوقع ومتكرر، بل في ما تقوله كلماته عن المرحلة المقبلة. "الفيتو لحماية إسرائيل"، "حماس يجب أن تنزع سلاحها"، "لا نريد خطوات تقوض الجهود الدبلوماسية".. كل ذلك لا يعكس سياسة عمياء لإسرائيل فحسب، بل إعلان أمريكي صريح، وهذا الإعلان هو: الدبلوماسية هنا مشروطة بمصير سلاح الطرف الأضعف، لا الطرف الأقوى. هذا النوع من الخطاب لا يبني حلولا، بل ينحت سردية مفخخة، وهي: أنَّ أي عدوان إسرائيلي له غطاء شرعي طالما قُدِّم على أنَّه دفاع عن النفس، لكن من الذي يُعرِّف الدفاع عن النفس؟ إسرائيل نفسها.. ومن الذي يُسائل هذا التعريف؟ لا أحد. وحتى مجلس الأمن، حين يتجرأ على طرح تسوية لا ترضى عنها تل أبيب، يُلجم بالفيتو الأمريكي. في المشهد الإسرائيلي الداخلي، ثمة أزمة تكتيكية تأخذ شكلًا مؤسسيًّا، وهي: أزمة تجنيد الحريديم، الأزمة الأخطر داخل الائتلاف الحاكم، لا لأنَّها ستُسقط الحكومة، بل لأنَّها تكشف بنية الهشاشة التي بُنيت عليها كل "وحدة إسرائيلية" منذ أكتوبر 2023، ومن يراقب الداخل الإسرائيلي يدرك أنَّ مسألة "حل الكنيست" ليست نهاية الأزمة، بل مجرد فصل جديد منها، حيث تنتقل الصراعات من البرلمان إلى الشارع، ومن الكتل الحزبية إلى المتدينين الذين لا يؤمنون بالدولة أصلًا. نتنياهو في قلب هذه المعادلة لا بصفته قائدًا فقط، بل باعتباره رمز البقاء السياسي، رجل السرديات المرنة، الذي كلما ضاق عليه المشهد، انتج له مخرجًا لغويًّا أو أمنيًّا أو انتخابيًّا. الخطأ الاستراتيجي العربي ليسَ في العجز عن التدخل، بل في الإحساس بأنَّ الأزمة داخل إسرائيل هي انتصار للحق الفلسطيني أو هزيمة للمنظومة الصهيونية، فما يَجري ليسَ بداية تآكل، بل صراع على ترتيب الأولويات داخل المنظومة نفسها، ومن يراهن على انقسام داخلي في إسرائيل ليوقف المجازر في غزة، يقرأ السياسة وكأنَّها مشهد درامي أخلاقي، لا منظومة مصالح. فاليمين واليسار في إسرائيل يختلفان على شكل الحكم، لا على هدف الحرب. ففكرة "حسم غزة" أو "إخضاع حماس" ليست خلافية، الخلاف يكمن في التوقيت، والتكتيك، وشكل التغطية الإعلامية، لا في المبدأ. تأتي خطورة التصريح الأمريكي، لأنَّه لا يهدف فقط إلى حماية إسرائيل، بل إلى تثبيت سردية ما بعد الحرب، وتتمثل السردية: بأنَّ بقاء إسرائيل واستمرار وجودها مشروط بتفكيك خصومها، لا بمراجعة سياساتها، وأنَّ أمن الإسرائيليين يعني نزع سلاح غزة، لا نزع أسباب الاحتلال.. إنَّها لحظة دولية يعاد فيها تعريف "السلام" على أنَّه ما يُرضي المنتصر، لا ما يُنهي الظلم. تصريح وزير خارجية إسرائيل بالشكر العلني لواشنطن لا يحمل مُجرَّد عرف دبلوماسي، بل إشارة إلى تواطؤ مُعلن، تتوارى فيه الحدود بين الشريك والتابع، بين الحليف والممول السياسي، بين من يستخدم الفيتو ومن يكتب نصه الأولي. أما التصريح الفلسطيني بأنَّ "الفيتو الأمريكي تأكيد على رعاية واشنطن للإجرام"، فهو يصدق في خطورته، لكنه يخفق حين يُبنى عليه أي افتراض سياسي بوجود نية دولية لتغيير الموقف. فالديناميات في واشنطن ليست أخلاقية، بل انتخابية واستراتيجية، تتقاطع فيها مصالح اللوبي الإسرائيلي، مع التنافس الحزبي الداخلي، ومع صراع أمريكا الأوسع على النفوذ العالمي. البراغماتية تفرض قراءة مختلفة، وهذا ليس صراعًا على غزة فقط، بل اختبار لبقاء مفاهيم السيادة، والعدالة الدولية، والحق في المقاومة، أمام منظومة عالمية باتت تُدار بمنطق القوة العارية، والدبلوماسية الشكلية. فلا أحد ينتظر من أمريكا أن تغير موقفها، لكن المطلوب هو ألا نقع أسرى لتحليلات رومانسية تعتقد أنَّ أزمات إسرائيل تعني حلولًا للفلسطينيين. النظام الإسرائيلي قادر على إعادة التشكيل، والمعارضة فيه لا تعني انقلابًا على العقيدة الأمنية، بل منافسة على إدارة نفس الفكرة، وتتمثل الفكرة ب: كيف تحافظ إسرائيل على تفوقها، حتى في حال انكشافها؟ لكن الخطر الحقيقي الذي يتشكل الآن، ويبدو أكثر احتمالًا من تفكك الائتلاف الإسرائيلي نفسه، هو أن يتم تجاوز المرحلة الحالية دون أي كلفة سياسية على إسرائيل، فإذا استطاع نتنياهو البقاء في الحكم، وأُنهكت غزة عسكريًّا واجتماعيًّا دون ردع دولي أو إقليمي، فإنَّ ذلك سيعيد تشكيل معادلة الردع في المنطقة كلها، وسيفتح الباب أمام "نموذج غزة" ليُطبِّق لاحقًا في ساحات عربية أخرى، تحت نفس الغطاء..

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store