logo
الإمارات تنفي تسليح أي طرف في النزاع السوداني

الإمارات تنفي تسليح أي طرف في النزاع السوداني

الجزيرة٠٨-٠٥-٢٠٢٥

نفت دولة الإمارات العربية المتحدة تزويدها أيا من الأطراف المتورطة بالنزاع الدائر في السودان بالأسلحة.
وقال بيان صادر عن مساعد وزير الخارجية الإماراتي للشؤون الأمنية والعسكرية إن "دولة الإمارات اطلعت على تقرير مضلل نشرته منظمة غير حكومية بشأن مزاعم تتعلق بوجود أنظمة هاوتزر من طراز AH-4 في السودان"، وإنها ترفض بشدة هذه الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة وتفتقر إلى أدلة دامغة.
وأضاف البيان أن "الإمارات تؤكد أنها لا تُقدم أسلحة أو دعما عسكريا لأي من الأطراف المتحاربة في السودان، وقد أبلغت الأمم المتحدة بهذا مباشرة، وانعكس ذلك في أحدث تقرير لفريق خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المعني بنظام عقوبات السودان، والذي لم يُصدر أي أحكام ضد الإمارات، ولم يُقدم أي دعم لمزاعم تورطها في نقل الأسلحة إلى السودان.
وتابع البيان موضحا أن "نظام الهاوتزر المشار إليه في التقرير هو نظام مُصنّع خارج الإمارات ومتوفر في السوق الدولية منذ ما يقرب من عقد من الزمان، والادعاء بأن دولة واحدة فقط هي التي اشترت أو نقلت هذا النظام غير منطقي".
واختتم البيان بالتأكيد على أن "الإمارات تواصل الدعوة إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في السودان، وحماية المدنيين، واستئناف عملية سياسية شاملة تؤدي إلى حكومة مدنية مستقلة عن السيطرة العسكرية".
وكانت منظمة العفو الدولية كشفت، الخميس، عن رصد أسلحة صينية الصنع لدى قوات الدعم السريع مصدرها دولة الإمارات.
وأورد تقرير المنظمة أن أسلحة متطورة تشمل قنابل موجهة ومدافع ميدانية أعادت الإمارات تصديرها من الصين "تمت مصادرتها في الخرطوم، إضافة إلى استخدامها في دارفور (غرب)، في انتهاك فاضح لحظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة".
وكشفت المنظمة، التي تتخذ في بريطانيا مقرّا، عن رصد "قنابل صينية موجّهة من طراز جي بي 50 إيه وقذائف إيه إتش-4 من (عيار) 155 مليمترا"، بالاستناد إلى تحليل صور لمخلّفات عُثر عليها بعد هجمات في إقليم دارفور (الغرب)، وفي الخرطوم خلال مارس/آذار بعدما استعاد الجيش السيطرة على العاصمة.
وأفادت منظمة العفو الدولية بأن الأسلحة الصينية التي تمّ رصدها في السودان "تصنعها مجموعة نورينكو (Norinco)" المعروفة باسم "تشاينا نورث إنداستريز غروب كوربورايشن ليميتد" (China North Industries Group Corporation Limited) وهي مجموعة دفاع مملوكة للدولة الصينية.
وأكّدت المنظمة الحقوقية غير الحكومية بالاستناد إلى بيانات معهد الأبحاث السويدي "ستوكهولم إنترناشونال بيس" أن "البلد الوحيد في العالم الذي استورد من الصين قذائف إيه إتش-4 من 155 مليمترا هو الإمارات في العام 2019".
وأشارت إلى أن "ذلك يدلّ على أن الإمارات مستمرّة في مساندة قوات الدعم السريع" تماشيا مع ما جاء في تقارير سابقة، أحدها للأمم المتحدة. وذكّرت المنظمة أنه سبق لها توثيق أن الدولة الخليجية مدّت الدعم السريع بمسيّرات صينية الصنع.
وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فلطالما نفت أبو ظبي مدّ الدعم السريع بالأسلحة، بالرغم من صدور تقارير من خبراء أمميين ومسؤولين سياسيين أميركيين ومنظمات دولية تفيد بعكس ذلك.
وتتهم الحكومة السودانية المرتبطة بالجيش دولة الإمارات بدعم قوات الدعم السريع، وهو ما تنفيه أبو ظبي.
إعلان
وأعلنت الخرطوم الثلاثاء أن الإمارات "دولة عدوان" وقطعت العلاقات الدبلوماسية معها، وردّت الإمارات الأربعاء بأنها "لا تعترف" بهذا القرار.
ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، في حين قدر بحث لجامعات أميركية عدد القتلى بنحو 130 ألف شخص.
وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فقد قسّمت الحرب السودان بين مناطق في الوسط والشمال والشرق يسيطر عليها الجيش، وأخرى في الجنوب بقبضة قوات الدعم السريع التي تسيطر على إقليم دارفور (غرب) في شكل شبه كامل.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

4 تحديات حاسمة تواجه رئيس وزراء السودان الجديد
4 تحديات حاسمة تواجه رئيس وزراء السودان الجديد

الجزيرة

timeمنذ 6 ساعات

  • الجزيرة

4 تحديات حاسمة تواجه رئيس وزراء السودان الجديد

تحديات جمّة تواجه رئيس الوزراء الجديد في السودان الدكتور كامل الطيب إدريس، الذي جرى تعيينه يوم الاثنين. وقد جاء اختياره بعد مخاض طويل بدأ منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وكانت الأنظار كلها تتجه يمنةً ويَسْرة بحثًا عن شخص مناسب وَفقًا لاشتراطات الواقع ومعايير مجلس السيادة، بأن يكون رئيس الوزراء من الشخصيات المستقلة وأقرب إلى التكنوقراطيين الفنيين. وما كان الدكتور إدريس ليتبوأ موقعه في ظل ظروف وأوضاع سودانية معقّدة وبيئة إقليمية ودولية، لولا اعتبارات سياسية ضاغطة، وحسابات داخلية شديدة الحساسية، هي التي رجّحت كفته على سواه من المرشحين الآخرين ودفعت به نحو الكرسي الساخن في السودان. مع خلفيته القانونية وتجربته الدبلوماسية، وعمله لدورتين متتاليتين مديرًا عامًا للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) التابعة للأمم المتحدة، فإن الدكتور كامل إدريس عُرف في الأوساط السياسية السودانية طوال ما يقارب العقدين من الزمن، بأنه المرشح الأكثر حضورًا في قوائم الترشيح لهذا المنصب أو لمنصب وزير الخارجية، وذلك منذ بزوغ نجمه السياسي في عهد الرئيس عمر البشير. ولم يكن معروفًا لدى كثير من روّاد النادي السياسي السوداني إلا بعد ترتيبه لقاءً نادرًا بين الدكتور حسن الترابي والسيد الصادق المهدي رحمهما الله، في العام 1999، وهو أول لقاء بين الترابي رئيس البرلمان آنذاك وعرّاب النظام الحاكم حينها، والصادق المهدي الذي يُعد أبرز قيادات المعارضة السودانية في ذلك الوقت. دلف دكتور كامل إدريس إلى عالم السياسة بشكل بارز باستضافته وترتيبه لذلك اللقاء في منزله بجنيف، واعتبر نفسه يومئذ مساهمًا في تقريب اللحمة السودانية وساعيًا للمصالحة الوطنية بين مختلف الأطراف السياسية، ونال بطاقة الدخول إلى المضمار السياسي، وصار من فرسان الرهان، كلما لاحت فرصة للتعيين في موقع متقدم وبارز، ولم تخطئه الأعين. منذ دخوله حلبة السياسة، لم يغب الدكتور كامل عن المشهد السوداني، وحُفظت له أدوار في عهد البشير عقب انفجار التمرّد في دارفور عام 2003، وصدور قرارات من المحكمة الجنائية الدولية (الادعاء العام) في 2007 ضد عدد من كبار المسؤولين السودانيين، ثم ضد الرئيس نفسه، عندما التقط اللحظة المناسبة، وقام بترتيب لقاءات سرية في جنيف بين وزير الدولة للعدل السوداني آنذاك (ثم وزير الدولة ووزير الخارجية لاحقًا)، مع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. يحتفظ إدريس بعلاقة متميزة مع لويس مورينو أوكامبو مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، فهما زميلان في إحدى الجامعات الأميركية، أحدهما مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، والثاني مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية (ICC). وقد بلغت تلك الاجتماعات بين أوكامبو والمسؤول السوداني بضعة وثلاثين اجتماعًا مشتركًا بين الجانبين، حكومة السودان والمحكمة، لكنها لم تفلح في تسوية القضية السودانية. ولعب الرجل في تلك الفترة أدوارًا أخرى، إلى نهاية دورته الثانية في المنظمة، ليتفرغ للنشاط السياسي. وتم طرح اسمه أكثر من مرة عندما عمد الرئيس البشير عقب مؤتمر الحوار الوطني إلى اعتماد توصية المؤتمر بتخصيص منصب رئيس وزراء وفصل الجهاز التنفيذي عن السلطة السيادية، وكان ترشيحه يصطدم دائمًا بعقبات حالت دون تعيينه في الموقع الذي استعد له آنذاك وتهيّأ. وتم ترشيحه أيضًا وزيرًا للخارجية، لكنه لم يُوفّق. عندما اندلعت التظاهرات في ديسمبر/ كانون الأول 2018 ضد الرئيس البشير وحكومته، خرج دكتور كامل بموقف معادٍ للرئيس البشير وسلطته، وقف مؤيدًا للتظاهرات وتحركاتها، وكانت لديه تصريحات وتسجيلات مرئية تساند المتظاهرين. وعقب سقوط نظام الإنقاذ، راج ترشيح كامل إدريس مرة أخرى لرئاسة الوزراء، لكن فصائل اليسار وجماعات أخرى في قوى الحرية والتغيير وجهات خارجية عارضت ترشيحه، مفضّلة الدكتور عبدالله حمدوك القادم من منصب نائب رئيس اللجنة الاقتصادية الأفريقية التابعة للأمم المتحدة (UNECA). وغاب الدكتور كامل بعد ترشيح حمدوك، وسط غبار وزحام تلك الفترة، لكنه حافظ على حضور خفيض الجناح في أجواء الفترة الانتقالية وضجيجها. عاد ترشيحه مرة أخرى عقب الإجراءات التي أطاحت قوى الحرية والتغيير عن السلطة في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، ومغادرة عبدالله حمدوك دهليز السلطة، لكن هذا الترشيح تجمّد في مكانه قرابة أربع سنوات. عندما اندلعت الحرب أو قبلها بقليل، ظل الدكتور كامل إدريس يتجوّل في الممشى السياسي بشكل متكرر، ملوّحًا عبر مبادرات وطنية لجمع الصف الوطني والحوار بين الأطراف المختلفة، لكنه لم يحظَ باللحظة الحاسمة، فهو لا يمثل تيارًا سياسيًا ولا حزبًا، ولكنه رسم صورته على أنه شخصية سودانية نخبوية عملت في الوظائف الدولية، وله علاقات في منظمات الأمم المتحدة ودوائر غربية. ولم تتجاوز المبادرات التي قدّمها أو شارك فيها التمنيات الطيبة والمساعي الحميدة والرغبة في تجاوز نقاط الخلاف الحادة بين الفرقاء السودانيين، وقدم مساهمات مكتوبة تحمل تصوراته في كتاب منشور له قبل أعوام عن سودان المستقبل. عقب الحرب وتعقّد الوضع في السودان، وتعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي وتوقف التعاون من جانب الاتحاد الأوروبي، كانت الضرورة تتطلب تعيين حكومة مدنية يشكلها رئيس وزراء مدني، ليفتح الباب من جديد للسودان لاستعادة عضويته ونشاطه الكامل في الاتحاد الأفريقي، وتعاملاته مع الاتحاد الأوروبي والأطراف الغربية التي كانت تشترط ذلك. ومن بين عديد المرشحين، كان الدكتور كامل على رأس القائمة دائمًا، وكثيرًا ما تجد في وسائل الإعلام السوداني وشبكات التواصل الاجتماعي الدعوات المؤيدة لتوليه رئاسة الوزراء، وتجد المناهضين له. وهو حالة أشبه بشعر نزار قباني: إما أن تحبه حد الثمالة، أو تبغضه وتكرهه كراهية التحريم. يبدو أن حظوظ الدكتور كامل إدريس توافقت مع مطالع نجمه السياسي. تم الآن تعيينه في الموقع الذي طالما تراءى له قريبًا ونائيًا، لكنه الآن بين يديه دفة الجهاز التنفيذي بصلاحيات واسعة، فما هي التحديات التي تواجهه؟ وكيف سيتعامل معها؟ وهل بمقدوره اجتياز الاختبار الأصعب بقيادة الحكومة والسودان إلى بر الأمان؟ الإجابة عن هذه الأسئلة ضرورية للغاية، وتكمن في الآتي: أولًا: تحدي الحرب القائمة هو التحدي الأكبر أمام رئيس الوزراء الجديد، ولا بدّ له أن يكون متوافقًا مع موقف مجلس السيادة وقيادة الجيش. عليه أن يكون مشاركًا في عملية إنهاء التمرد ودحره، وأن يقود العملية السياسية الداخلية، ويتحرّك خارجيًا، ويبدأ نشاطًا حكوميًا ناجزًا وناجعًا لدرء المخاطر المحيطة بالبلاد جراء التآمر الخارجي من دول في الإقليم، وإعادة السودان إلى موقعه الطبيعي بالحضور القاري الفاعل، واستعادة المبادرة أفريقيًا لمحاصرة التمرد والدول الداعمة له، والتعامل الحازم مع الجوار السوداني ودول المنطقة المتورطة في الحرب الضروس. ثانيًا: يواجه تحدي إعادة بناء مؤسسات الدولة وتفعيلها، وإعادة الإعمار. وهذه من أعقد التحديات الداخلية، ولا يمكن أن يتقدم رئيس الوزراء الجديد خطوة واحدة للأمام من دون تشكيل حكومة ذات كفاءة عالية غير حزبية، لديها برنامج واقعي وخطط عملية لاستعادة الثقة في أدوات الدولة ومؤسساتها، وتهيئتها للمرحلة المقبلة، وقيادة المجتمع ليتكامل مع الدولة في عملية إعادة الإعمار، وحفظ الأمن والاستقرار، وتوفير الخدمات وعودة النازحين واللاجئين، وإعادة ترميم ما تصدّع في بنية البلاد الاجتماعية، والتئام المجتمع وتعافيه من النعرات المناطقية والجهوية والقبلية، وخطاب الكراهية والعنف. ثالثًا: يتأمل السودانيون في رئيس الوزراء الجديد، أن تكون لديه رؤية متكاملة للنهضة ومعالجة الاختلال والتدهور الاقتصادي، وتقديم تصوّرات شاملة للاستفادة من موارد البلاد، ومن العلاقات مع المجتمع الدولي؛ لاستقطاب المساعدات والقروض والاستثمارات، وبث روح جديدة في أوصال الاقتصاد الوطني بطرح برامج وشعارات تدفع بالإنتاج في كل القطاعات، ليستعيد الاقتصاد السوداني دورته الطبيعية وعافيته من جديد. رابعًا: من التحديات المقترنة بما سبق، فإن أكبر ما يواجه رئيس الوزراء الجديد، أنه جاء من خارج السياق الداخلي الملامس لمشكلات البلاد البنيوية والسياسية والخدمية والتنموية. فالرجل في كل حياته المهنية لم يمكث إلا فترات محدودة جدًا في وزارة الخارجية، ثم هاجر في رحلته الطويلة، وظل بعيدًا عن تفاعلات الداخل وهمومه. ولا يمكن الادعاء بأنه قريب من مواطن الخلل في الدولة والمجتمع، ولم يكتسب خبرة عملية داخلية في مؤسسات الدولة: كيف تعمل، كيف تنطلق، وكيف تُدار؟ ولا صلة له بتعقيدات المجتمع وأمراضه المستعصية التي يتجسّد أبرزها في الولاءات الدنيا: (القبلية – الجهوية – الخطاب العنصري – العصبية العرقية)، وكلها أدواء تتطلب خبرة وحنكة وتجربة وعقلًا مفتوحًا قريبًا من موطن الألم ومكمن السُقام. إذا كانت تحديات المرحلة الراهنة الداخلية والخارجية تقف عقبات كأداء أمام السيد رئيس الوزراء الجديد، فإن أكبر تحدٍ له هو كيفية التعامل مع تقاطعات الواقع الداخلي، ومعالجة حالة الاستقطاب الخارجي، وتفعيل جهاز الدولة، وحسن اختيار الوزراء والمعاونين، وإجراء إصلاح شامل للجهاز التنفيذي، وكبح ومحاربة الفساد، وبعث الأمل في نفوس السودانيين من جديد. وتلك، لعمري، مهمة شاقة دونها خرط القتاد.

4 تحديات مصيرية تواجه رئيس وزراء السودان الجديد
4 تحديات مصيرية تواجه رئيس وزراء السودان الجديد

الجزيرة

timeمنذ 7 ساعات

  • الجزيرة

4 تحديات مصيرية تواجه رئيس وزراء السودان الجديد

تحديات جمّة تواجه رئيس الوزراء الجديد في السودان الدكتور كامل الطيب إدريس، الذي جرى تعيينه يوم الاثنين. وقد جاء اختياره بعد مخاض طويل بدأ منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وكانت الأنظار كلها تتجه يمنةً ويَسْرة بحثًا عن شخص مناسب وَفقًا لاشتراطات الواقع ومعايير مجلس السيادة، بأن يكون رئيس الوزراء من الشخصيات المستقلة وأقرب إلى التكنوقراطيين الفنيين. وما كان الدكتور إدريس ليتبوأ موقعه في ظل ظروف وأوضاع سودانية معقّدة وبيئة إقليمية ودولية، لولا اعتبارات سياسية ضاغطة، وحسابات داخلية شديدة الحساسية، هي التي رجّحت كفته على سواه من المرشحين الآخرين ودفعت به نحو الكرسي الساخن في السودان. مع خلفيته القانونية وتجربته الدبلوماسية، وعمله لدورتين متتاليتين مديرًا عامًا للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) التابعة للأمم المتحدة، فإن الدكتور كامل إدريس عُرف في الأوساط السياسية السودانية طوال ما يقارب العقدين من الزمن، بأنه المرشح الأكثر حضورًا في قوائم الترشيح لهذا المنصب أو لمنصب وزير الخارجية، وذلك منذ بزوغ نجمه السياسي في عهد الرئيس عمر البشير. ولم يكن معروفًا لدى كثير من روّاد النادي السياسي السوداني إلا بعد ترتيبه لقاءً نادرًا بين الدكتور حسن الترابي والسيد الصادق المهدي رحمهما الله، في العام 1999، وهو أول لقاء بين الترابي رئيس البرلمان آنذاك وعرّاب النظام الحاكم حينها، والصادق المهدي الذي يُعد أبرز قيادات المعارضة السودانية في ذلك الوقت. دلف دكتور كامل إدريس إلى عالم السياسة بشكل بارز باستضافته وترتيبه لذلك اللقاء في منزله بجنيف، واعتبر نفسه يومئذ مساهمًا في تقريب اللحمة السودانية وساعيًا للمصالحة الوطنية بين مختلف الأطراف السياسية، ونال بطاقة الدخول إلى المضمار السياسي، وصار من فرسان الرهان، كلما لاحت فرصة للتعيين في موقع متقدم وبارز، ولم تخطئه الأعين. منذ دخوله حلبة السياسة، لم يغب الدكتور كامل عن المشهد السوداني، وحُفظت له أدوار في عهد البشير عقب انفجار التمرّد في دارفور عام 2003، وصدور قرارات من المحكمة الجنائية الدولية (الادعاء العام) في 2007 ضد عدد من كبار المسؤولين السودانيين، ثم ضد الرئيس نفسه، عندما التقط اللحظة المناسبة، وقام بترتيب لقاءات سرية في جنيف بين وزير الدولة للعدل السوداني آنذاك (ثم وزير الدولة ووزير الخارجية لاحقًا)، مع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. يحتفظ إدريس بعلاقة متميزة مع لويس مورينو أوكامبو مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، فهما زميلان في إحدى الجامعات الأميركية، أحدهما مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، والثاني مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية (ICC). وقد بلغت تلك الاجتماعات بين أوكامبو والمسؤول السوداني بضعة وثلاثين اجتماعًا مشتركًا بين الجانبين، حكومة السودان والمحكمة، لكنها لم تفلح في تسوية القضية السودانية. ولعب الرجل في تلك الفترة أدوارًا أخرى، إلى نهاية دورته الثانية في المنظمة، ليتفرغ للنشاط السياسي. وتم طرح اسمه أكثر من مرة عندما عمد الرئيس البشير عقب مؤتمر الحوار الوطني إلى اعتماد توصية المؤتمر بتخصيص منصب رئيس وزراء وفصل الجهاز التنفيذي عن السلطة السيادية، وكان ترشيحه يصطدم دائمًا بعقبات حالت دون تعيينه في الموقع الذي استعد له آنذاك وتهيّأ. وتم ترشيحه أيضًا وزيرًا للخارجية، لكنه لم يُوفّق. إعلان عندما اندلعت التظاهرات في ديسمبر/ كانون الأول 2018 ضد الرئيس البشير وحكومته، خرج دكتور كامل بموقف معادٍ للرئيس البشير وسلطته، وقف مؤيدًا للتظاهرات وتحركاتها، وكانت لديه تصريحات وتسجيلات مرئية تساند المتظاهرين. وعقب سقوط نظام الإنقاذ، راج ترشيح كامل إدريس مرة أخرى لرئاسة الوزراء، لكن فصائل اليسار وجماعات أخرى في قوى الحرية والتغيير وجهات خارجية عارضت ترشيحه، مفضّلة الدكتور عبدالله حمدوك القادم من منصب نائب رئيس اللجنة الاقتصادية الأفريقية التابعة للأمم المتحدة (UNECA). وغاب الدكتور كامل بعد ترشيح حمدوك، وسط غبار وزحام تلك الفترة، لكنه حافظ على حضور خفيض الجناح في أجواء الفترة الانتقالية وضجيجها. عاد ترشيحه مرة أخرى عقب الإجراءات التي أطاحت قوى الحرية والتغيير عن السلطة في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، ومغادرة عبدالله حمدوك دهليز السلطة، لكن هذا الترشيح تجمّد في مكانه قرابة أربع سنوات. عندما اندلعت الحرب أو قبلها بقليل، ظل الدكتور كامل إدريس يتجوّل في الممشى السياسي بشكل متكرر، ملوّحًا عبر مبادرات وطنية لجمع الصف الوطني والحوار بين الأطراف المختلفة، لكنه لم يحظَ باللحظة الحاسمة، فهو لا يمثل تيارًا سياسيًا ولا حزبًا، ولكنه رسم صورته على أنه شخصية سودانية نخبوية عملت في الوظائف الدولية، وله علاقات في منظمات الأمم المتحدة ودوائر غربية. ولم تتجاوز المبادرات التي قدّمها أو شارك فيها التمنيات الطيبة والمساعي الحميدة والرغبة في تجاوز نقاط الخلاف الحادة بين الفرقاء السودانيين، وقدم مساهمات مكتوبة تحمل تصوراته في كتاب منشور له قبل أعوام عن سودان المستقبل. عقب الحرب وتعقّد الوضع في السودان، وتعليق عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي وتوقف التعاون من جانب الاتحاد الأوروبي، كانت الضرورة تتطلب تعيين حكومة مدنية يشكلها رئيس وزراء مدني، ليفتح الباب من جديد للسودان لاستعادة عضويته ونشاطه الكامل في الاتحاد الأفريقي، وتعاملاته مع الاتحاد الأوروبي والأطراف الغربية التي كانت تشترط ذلك. ومن بين عديد المرشحين، كان الدكتور كامل على رأس القائمة دائمًا، وكثيرًا ما تجد في وسائل الإعلام السوداني وشبكات التواصل الاجتماعي الدعوات المؤيدة لتوليه رئاسة الوزراء، وتجد المناهضين له. وهو حالة أشبه بشعر نزار قباني: إما أن تحبه حد الثمالة، أو تبغضه وتكرهه كراهية التحريم. يبدو أن حظوظ الدكتور كامل إدريس توافقت مع مطالع نجمه السياسي. تم الآن تعيينه في الموقع الذي طالما تراءى له قريبًا ونائيًا، لكنه الآن بين يديه دفة الجهاز التنفيذي بصلاحيات واسعة، فما هي التحديات التي تواجهه؟ وكيف سيتعامل معها؟ وهل بمقدوره اجتياز الاختبار الأصعب بقيادة الحكومة والسودان إلى بر الأمان؟ الإجابة عن هذه الأسئلة ضرورية للغاية، وتكمن في الآتي: أولًا: تحدي الحرب القائمة هو التحدي الأكبر أمام رئيس الوزراء الجديد، ولا بدّ له أن يكون متوافقًا مع موقف مجلس السيادة وقيادة الجيش. عليه أن يكون مشاركًا في عملية إنهاء التمرد ودحره، وأن يقود العملية السياسية الداخلية، ويتحرّك خارجيًا، ويبدأ نشاطًا حكوميًا ناجزًا وناجعًا لدرء المخاطر المحيطة بالبلاد جراء التآمر الخارجي من دول في الإقليم، وإعادة السودان إلى موقعه الطبيعي بالحضور القاري الفاعل، واستعادة المبادرة أفريقيًا لمحاصرة التمرد والدول الداعمة له، والتعامل الحازم مع الجوار السوداني ودول المنطقة المتورطة في الحرب الضروس. ثانيًا: يواجه تحدي إعادة بناء مؤسسات الدولة وتفعيلها، وإعادة الإعمار. وهذه من أعقد التحديات الداخلية، ولا يمكن أن يتقدم رئيس الوزراء الجديد خطوة واحدة للأمام من دون تشكيل حكومة ذات كفاءة عالية غير حزبية، لديها برنامج واقعي وخطط عملية لاستعادة الثقة في أدوات الدولة ومؤسساتها، وتهيئتها للمرحلة المقبلة، وقيادة المجتمع ليتكامل مع الدولة في عملية إعادة الإعمار، وحفظ الأمن والاستقرار، وتوفير الخدمات وعودة النازحين واللاجئين، وإعادة ترميم ما تصدّع في بنية البلاد الاجتماعية، والتئام المجتمع وتعافيه من النعرات المناطقية والجهوية والقبلية، وخطاب الكراهية والعنف. ثالثًا: يتأمل السودانيون في رئيس الوزراء الجديد، أن تكون لديه رؤية متكاملة للنهضة ومعالجة الاختلال والتدهور الاقتصادي، وتقديم تصوّرات شاملة للاستفادة من موارد البلاد، ومن العلاقات مع المجتمع الدولي؛ لاستقطاب المساعدات والقروض والاستثمارات، وبث روح جديدة في أوصال الاقتصاد الوطني بطرح برامج وشعارات تدفع بالإنتاج في كل القطاعات، ليستعيد الاقتصاد السوداني دورته الطبيعية وعافيته من جديد. رابعًا: من التحديات المقترنة بما سبق، فإن أكبر ما يواجه رئيس الوزراء الجديد، أنه جاء من خارج السياق الداخلي الملامس لمشكلات البلاد البنيوية والسياسية والخدمية والتنموية. فالرجل في كل حياته المهنية لم يمكث إلا فترات محدودة جدًا في وزارة الخارجية، ثم هاجر في رحلته الطويلة، وظل بعيدًا عن تفاعلات الداخل وهمومه. ولا يمكن الادعاء بأنه قريب من مواطن الخلل في الدولة والمجتمع، ولم يكتسب خبرة عملية داخلية في مؤسسات الدولة: كيف تعمل، كيف تنطلق، وكيف تُدار؟ ولا صلة له بتعقيدات المجتمع وأمراضه المستعصية التي يتجسّد أبرزها في الولاءات الدنيا: (القبلية – الجهوية – الخطاب العنصري – العصبية العرقية)، وكلها أدواء تتطلب خبرة وحنكة وتجربة وعقلًا مفتوحًا قريبًا من موطن الألم ومكمن السُقام. إذا كانت تحديات المرحلة الراهنة الداخلية والخارجية تقف عقبات كأداء أمام السيد رئيس الوزراء الجديد، فإن أكبر تحدٍ له هو كيفية التعامل مع تقاطعات الواقع الداخلي، ومعالجة حالة الاستقطاب الخارجي، وتفعيل جهاز الدولة، وحسن اختيار الوزراء والمعاونين، وإجراء إصلاح شامل للجهاز التنفيذي، وكبح ومحاربة الفساد، وبعث الأمل في نفوس السودانيين من جديد. وتلك، لعمري، مهمة شاقة دونها خرط القتاد.

ماذا يعني نزع القانونية عن جبهة تحرير تيغراي؟
ماذا يعني نزع القانونية عن جبهة تحرير تيغراي؟

الجزيرة

timeمنذ 9 ساعات

  • الجزيرة

ماذا يعني نزع القانونية عن جبهة تحرير تيغراي؟

في خطوة وصفت بالمفصلية، أعلنت اللجنة الوطنية الإثيوبية للانتخابات إلغاء تسجيل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي كحزب سياسي معترف به، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حقيقية حول مستقبل اتفاق بريتوريا للسلام، ويعيد الجدل بشأن مكانة الجبهة القانونية والسياسية داخل المشهد الإثيوبي. ومن خلال 5 أسئلة يسلط هذا التقرير الضوء على الجوانب المختلفة لهذا الملف الشائك، ويحلل السياق الذي شهدته الأحداث منذ اندلاع النزاع وحتى اليوم. كما يسعى إلى استشراف تداعيات هذه الخطوة على المشهد السياسي في إثيوبيا وعلى مسار عملية السلام في إقليم تيغراي. ماذا يعني هذا القرار؟ في 14 مايو/أيار، ألغت اللجنة الوطنية الإثيوبية للانتخابات الصفة القانونية للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وذلك استنادا إلى أحكام قانون الانتخابات الإثيوبي رقم 1162/2019، الذي يشكل المرجع الأساسي الناظم لتسجيل الأحزاب السياسية وسحب الاعتراف القانوني عنها. ويعني إلغاء "الصفة القانونية" عن حزب سياسي في إثيوبيا أنه لم يعد معترفا به رسميا ككيان سياسي مشروع بموجب قانون تسجيل الأحزاب السياسية الفدرالي، وبالتالي يفقد جميع حقوقه السياسية والتنظيمية والمالية. ومن ذلك أنه يُمنع من المشاركة في الانتخابات وتنظيم الأنشطة السياسية، وتجمد أصوله وممتلكاته، ولا يعاد الاعتراف به تلقائيًا كذلك. كيف وصلنا إلى هنا؟ مرّ ملف الوضعية القانونية للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بعدد من المنعطفات التي أفضت في النهاية إلى نزع الصفة الرسمية عن الجبهة، وهذه أبرز هذه المحطات: في 18 يناير/كانون الثاني 2021 ألغت اللجنة الوطنية الإثيوبية للانتخابات الصفة القانونية للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي للمرة الأولى استنادًا إلى مشاركتها في ما وصفته بـ"تمرد مسلح" ضد الحكومة الفدرالية، مما ينتهك قوانين تسجيل الأحزاب السياسية في البلاد، وذلك بعد قرابة شهرين من اشتعال حرب تيغراي التي كانت الجبهة أحد أقطابها الأساسيين. في مايو/أيار2021 صنّفت الحكومة الإثيوبية الجبهة كمنظمة إرهابية، مستندة إلى اتهامات بشن هجمات على قواعد عسكرية في إقليم تيغراي، وهو ما أقره البرلمان الإثيوبي. في نوفمبر/تشرين الثاني تم توقيع اتفاق بريتوريا 2022 لإنهاء النزاع المسلح في إقليم تيغراي والذي تضمنت إحدى بنوده إزالة الجبهة من قائمة الإرهاب، وهو ما تحقق في مارس/آذار 2023 حين صادق برلمان البلاد على قرار الرفع. في أغسطس/آب 2024، وافقت الهيئة الوطنية للانتخابات على تسجيل الجبهة كحزب سياسي جديد "تحت ظروف خاصة"، بشروط، منها عقد مؤتمر عام خلال 6 أشهر، وهو ما سبق لرئيس الجبهة دبرصيون جبر ميكائيل رفضه قائلا "لن نسجل مطلقا كحزب جديد". في فبراير/شباط 2025 علقت اللجنة الوطنية للانتخابات نشاط الجبهة السياسي لـ3 أشهر، وهو قرار اعتبرت الأخيرة أنه "ليس له أي أثر قانوني". في مايو/أيار 2025 تم إلغاء تسجيل الجبهة كحزب سياسي لفشلها في الوفاء بمتطلبات التسجيل، وهو قرار قابلته الجبهة بالرفض. ما حجج الطرفين؟ يرتبط الخلاف العميق بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي والسلطات الفدرالية جزئيًا بكيفية قراءة كل منهما لبعض بنود اتفاقية بريتوريا من جهة، ولتحديد ما له الأولوية في التطبيق العملي بين استناد الجبهة لتفسيرها لبريتوريا وتمسك الطرف الآخر بأولوية القوانين المحلية، وقد تركزت محاججات الطرفين على الشكل التالي: الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي: أكدت بيانات الجبهة اعتمادها اتفاق بريتوريا كإطار قانوني ملزم وأنه وفق تفسيرها ينص صراحة على إعادة وضعها القانوني كحزب سياسي شرعي دون شروط إضافية. ترى الجبهة أن اتفاق بريتوريا أزال الأساس القانوني لقرار لجنة الانتخابات بإلغاء تصنيفها حزبا سياسيا في يناير/كانون الثاني 2021، وأن "بريتوريا" تلزم الحكومة الفدرالية بإلغاء تصنيفها "إرهابية" واستعادة وضعها السياسي السابق للحرب بما في ذلك الحق في المشاركة السياسية الكاملة. في مواجهة التسجيل المؤقت للجبهة الذي أصدرته لجنة الانتخابات في أغسطس/آب 2024 بموجب "المرسوم رقم 1332/2016″، والذي يعاملها كحزب جديد خاضع لشروط مثل عقد مؤتمر عام تحت إشراف المجلس، رفضت قيادة الجبهة هذا القرار واعتبرته يتناقض مع روح اتفاق بريتوريا، الذي ينص على اعتبارها "ممثلًا شرعيًا" لتيغراي دون إعادة تأسيس. السلطات الفدرالية: من جانبها تصر السلطات الفدرالية على أن اتفاق بريتوريا لا يلغي القوانين المحلية ووجوب الالتزام بها، وأن مطالبة الجبهة بالعودة إلى وضعها السابق للحرب دون شروط "انتهاك لمبدأ المساواة بين الأحزاب"، خاصة أنها شاركت في أعمال عنف مسلح، مشيرة إلى أن أحزابا أخرى خضعت لنفس الإجراءات عند إعادة تسجيلها. يؤكد المجلس الوطني للانتخابات أن إعادة تسجيل الجبهة يجب أن تخضع للقوانين الإثيوبية، مثل المرسوم رقم 1332/2016 و1162/2019، التي تتطلب من الأحزاب "ذات الخلفية المسلحة" التسجيل ككيانات جديدة مع الالتزام بشروط محددة منها عقد مؤتمر عام خلال 6 أشهر. أما قرار نزع الشرعية فاستند المجلس فيه إلى المادة 99 من المرسوم رقم 1162/2019، التي تنص على حل الأحزاب التي لا تلتزم بالشروط، مع مصادرة أصولها وحظر نشاطها. ما الدوافع السياسية وراء الخلاف القانوني؟ خلف غبار هذه المحاججات والتفسيرات القانونية حول شرعية الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، ثمة معركة ذات دوافع سياسية عميقة تتجاوز النصوص القانونية والإجرائية إلى الصراع على الدور والفلسفة السياسية القادرة على إدارة بلاد توصف بأنها "متحف الإثنيات". ويشير العديد من المراقبين إلى أن قيادة الجبهة تعتبر الشرعية السياسية مسألة تتخطى البعد القانوني إلى كونها مدخلًا لاستعادة دورها التاريخي كلاعب رئيس في الساحة السياسية الإثيوبية، ولاستمرار الدفاع عن الحكم الذاتي الإقليمي لشعب تيغراي داخل النظام الفدرالي الإثيوبي، وأن الانخراط في عملية إعادة التسجيل كحزب جديد سيفقدها شرعية النضال السابق ويضعف مكانتها التفاوضية في أي تسوية مستقبلية. بجانب ما سبق، يتهم سياسيون تيغراويون، كولدي سيلاسي ولدي ميكيئل، قيادة الجبهة باستخدام "اتفاق بريتوريا كأداة سياسية"، في حين يؤكد دجين ميزجيبي رئيس حزب استقلال تيغراي أن هناك تركيزا داخل الجبهة "تمحور حول وضع إستراتيجيات لاستعادة السيطرة السياسية" على الإقليم، وهو ما يتسق مع إصرارها على اعتبارها "الممثل الشرعي لتيغراي" وفقًا للاتفاق المذكور. في حين يذهب البعض إلى أن الجبهة تسعى من خلال ملف الشرعية السياسية وربطه مباشرة بصمود اتفاقية بريتوريا لاستخدام هذه القضية للضغط على الحكومة الفدرالية، التي اتهمتها الجبهة مرارا بانتهاك الاتفاقية ودعتها، كما في بيانها الصادر في 10 أبريل/نيسان، إلى القيام بواجبها لتنفيذه "بشكل صحيح". وتضمن تحليل صادر عن مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية شكوى قيادة الجبهة مما يصفه بـ"البطء" في تنفيذ بعض البنود التي تضمنتها اتفاقية بريتوريا ويبزر في طياتها عودة النازحين واللاجئين ونزع السلاح وإعادة التسريح وكيفية إعادة دمج الجبهة في المشهد السياسي في إثيوبيا. على الجانب الآخر، يشير مقال نشره دكتور غيريت كيرتز، الباحث المختص بشؤون القرن الأفريقي في "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية"، إلى أن هناك من يرى أن للحكومة الفدرالية يدًا في تأجيج الخلافات داخل الجبهة وإضعافها سياسيا وتفاوضيا، وهو ما يعزوه بعض المراقبين إلى رغبة الحكومة في إضعاف مشروع الفدرالية الإثنية الذي تعتبر الجبهة التيغراوية أحد أبرز القوى السياسية المدافعة عنه مقابل إعادة هيكلة السلطة المركزية التي تسعى إليها الحكومة. ومثّل تحديد آلية التعاطي مع اشتراطات المجلس الانتخابي عاملا رئيسا في تصاعد التوترات بين أجنحة الجبهة، وفي تقرير له لاحظ مرصد سلام إثيوبيا تصاعد الخلاف بشكل غير مسبوق داخل الجبهة في يناير/كانون الثاني 2025 عقب بيان للمجلس الوطني للانتخابات في ديسمبر/كانون الأول 2024 يحثّ الجبهة على عقد جمعيتها العامة، مما أفضى في النهاية إلى خروج رئيس الإدارة الانتقالية السابق للإقليم غيتاتشو رضا من تيغراي ومن الجبهة وتأسيسه حزبا سياسيا منفصلا. وفي بيان صحفي أصدرته جمعية تيغراي للدفاع عن حقوق الإنسان والتنمية في أغسطس/آب 2024، وصفت اشتراط السلطات الفدرالية تسجيل الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي كحزب جديد بـ"المناورة" التي قد تفضي إلى عدم الاعتراف بها كالطرف الموقع على اتفاق بريتوريا، وهو ما سيؤدي إلى إضعافها وحرمانها من الميزات التي كفلتها لها الاتفاقية من قبيل توليها مسؤولية إدارة الإقليم خلال المرحلة الانتقالية. وبينما تؤكد الحكومة أنها لا تتدخل في قرارات المجلس الوطني للانتخابات يشير محللون إلى الصبغة السياسية لهذه الإجراءات وأن تقديمها كإجراء إداري يخدم الحكومة في تقليل الانتقادات الدولية. ما التداعيات المتوقعة لهذا القرار؟ على قتامة الصورة الحالية، يشير خبير قانون انتخابات إثيوبي -في تصريح لبي بي سي الأمهرية- إلى أن قرار إلغاء الجبهة "ليس نهائيا"، وأن لها الحق في استئنافه أمام المحكمة الاتحادية العليا خلال 30 يوما. ورغم ما تحمله هذه الرؤية من أمل بانفراجة ما، فإن ذلك القرار ينطوي على العديد من التداعيات التي تمتد تأثيراتها من تيغراي إلى الديناميات الإقليمية مرورا بالأوضاع داخل إثيوبيا. وفي هذا السياق يبدو اتفاق بريتوريا والسلام الهش في تيغراي أكثر المعرّضين لخطر الانهيار نتيجة الخلاف على شرعية الجبهة. وهي التي أكدت في رسالة إلى الاتحاد الأفريقي عقب إعلان الإلغاء أن هذا القرار يحرمها "من حقٍ استعادتْه من خلال اتفاق بريتوريا ويشكل تهديدا خطيرا لأساس عملية السلام". وبالنظر إلى الضعف الذي أصاب مؤسسات الإقليم نتيجة الانقسامات التي عصفت بالجبهة منذ منتصف العام الماضي، فإن تصاعد المخاوف بشأن عودة التوترات الأمنية إلى الإقليم أو اللجوء إلى "عسكرة الصراع القانوني" يهدد بتفاقم الأزمة الإنسانية والشلل في تقديم خدمات رئيسة كالصحة والتعليم وتعثر برامج نزع السلاح وإعادة الدمج مما يهدد بانخراط المقاتلين المسرّحين في أنشطة إجرامية. ويتخوف العديد من المراقبين من أن تفتح التطورات السلبية في تيغراي الباب لتدخل قوى خارجية ولا سيما إريتريا، حيث تشير العديد من التقارير إلى نشوء علاقة بين قيادة الجبهة وأسمرا في الفترة الأخيرة، وهو ما قد ينذر بتوسع ارتدادات أيّ "هزات أمنية" في شمال إثيوبيا إلى الجوار الإقليمي، حيث تشهد العلاقات الإثيوبية الإريترية حالة من التوتر الشديد منذ توقيع اتفاق بريتوريا. مع تطورات الوضع، يكشف الخلاف حول الجبهة التيغراوية عن هشاشة السلام الذي تم إنجازه عام 2022، وليُصبح مصيرها اختبارا حاسما لالتزام إثيوبيا بتحقيق سلام حقيقي ومستدام وشامل، وبينما لا يزال من غير المؤكد قدرة اتفاق بريتوريا على الصمود في وجه هذا التحدي السياسي، فإن نجاحه أو فشله قد يُحدد مستقبل استقرار أكبر دول القرن الأفريقي وأكثرها تأثيرا فيه. ويُدخل قرار اللجنة الانتخابية الإثيوبية مفارقة قانونية، إذ لم تعد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، الموقعة على الاتفاق الأصلي، تتمتع بنفس الوضع القانوني، مما قد يؤدي إلى طريق مسدود. وإذا اعتُبر التسجيل الجديد للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بمثابة تشكيل كيان قانوني مختلف، فقد يُقال إن الاتفاق الأصلي لم يتضمن أي توقيع قانوني من جانب الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي. وقد يُبطل هذا الوضع التزامات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ومسؤولياتها بموجب الاتفاق، مما يخلق وضعًا قانونيًا هشًا يُهدد عملية السلام برمتها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store