
في بعض العائلات اليهودية الجهر بنصرة لفلسطين يثير السخط
في يوم بارد من أيام ديسمبر/كانون الأول خلال عطلة عيد الميلاد، وصل والد داليا ساريغ البالغ من العمر 80 عاما إلى منزلها في فيينا بعد عودتها من رحلة تزلج.
كان هناك لاصطحاب أختها غير الشقيقة، التي انضمت إلى عائلة ساريغ في الإجازة.
وكانت مقتنعة بأن هذا سيكون لقاءها الأخير بوالدها، حيث كانت خلافاتهما السياسية على وشك أن تبلغ ذروتها.
قالت للجزيرة الإنجليزية: "ودعته. عانقته". "عندما ودعته، ودعته وأنا أعلم أنني ربما لن أراه مرة أخرى".
يلتزم والداها بالصهيونية (Zionism – الأيديولوجية السياسية القومية التي دعت إلى إنشاء دولة يهودية، ويعتبرها الفلسطينيون ومؤيدوهم النظام الذي يرتكز عليه معاناتهم).
عرفت ساريغ خلال ذلك اللقاء في ديسمبر/كانون الأول مع والدها أنها تعتزم تنظيم مظاهرة مؤيدة لفلسطين خارج البرلمان في يناير/كانون الثاني ستقوم بتصويرها محطة تلفزيونية محلية. وكانت المجموعة الناشطة التي تنتمي إليها قد رشحتها لمقابلة تلفزيونية. وانطلاقا من استيائها من الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة وتصميمها على الجهر بالحق، مضت قدما في ذلك.
"تم بث المقابلة ووصلت فورا إلى عائلتي".
سمعت لاحقا أن والدها، الذي يعيش أيضا في العاصمة النمساوية، أخبر أصدقاءه أنه "بالنسبة له، أنا ميتة".
"لكنه لم يتحدث معي عن ذلك قط، ولم يتواصل معي ليخبرني بشيء كهذا. لقد قطع العلاقة ببساطة".
أرسلت لها والدتها البالغة من العمر 77 عامًا، والتي تعيش في ألمانيا، رسالة بعد أسبوع.
"لا أزال أحتفظ بها هنا في هاتفي، تقول: كما تعلمين، لن أقبل نشاطك السياسي. أنتِ خائنة، أنتِ تلطخين العش… وإذا غيرتِ آراءك السياسية، يمكننا العودة إلى طبيعتنا. كوني بصحة جيدة".
لم تتحدث مع والديها منذ ذلك الحين.
الانقسامات العائلية ليست غير شائعة بين العائلات اليهودية من الولايات المتحدة إلى إسرائيل، لكنها أصبحت أكثر تجذرا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
في ذلك اليوم، قادت حماس، الحركة التي تحكم قطاع غزة، توغلا في جنوب إسرائيل قُتل خلاله 1139 شخصا وأُسر أكثر من 200. منذ ذلك الحين، أسفر القصف الإسرائيلي عن استشهاد أكثر من 61 و700 شخص في القطاع.
قال المؤلف والأكاديمي "إيلان بابيه" (Ilan Pappe)، وهو ناقد بارز للصهيونية، للجزيرة: أعتقد أن إحدى أكثر الظواهر إثارة للاهتمام بين الصهاينة الليبراليين هي حقيقة أنه بينما اتجهت الغالبية إلى اليمين بسبب أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أصبحت أقلية أكثر خيبة أمل تجاه إسرائيل والصهيونية".
"فقدتُ مجتمعي اليهودي"
فر أسلاف ساريغ من النمسا عام 1938، عام الضم من قبل ألمانيا النازية، إلى صربيا. استقروا لاحقا في فلسطين تحت "الانتداب البريطاني" (British Mandate) فيما يُعرف الآن بإسرائيل. ولكن بحلول الخمسينيات، عاد معظم أقاربها إلى النمسا، حيث وُلدت.
وعندما كانت طفلة، احتفلت بالأعياد اليهودية بينما كانت تتعلم عن الصهيونية من كبار السن.
قيل لها أيضا إن الفلسطينيين "هم الأعداء، يريدون قتل جميع اليهود… وأن اليهود الذين يعيشون هناك (في إسرائيل) يريدون السلام، لكن العرب لا يريدونه".
في سن الـ18، انتقلت إلى إسرائيل، حيث انضمت، بتشجيع من والديها، إلى حركة شبابية صهيونية يسارية.
إعلان
على مدى 13 عاما في إسرائيل، انضمت إلى "كيبوتس" (Kibbutz – مستوطنة زراعية تعاونية)، وخدمت في الجيش الإسرائيلي في وظيفة مكتبية، وتزوجت. لكن نظرتها للعالم بدأت تتغير أثناء دراستها للسياسة وتاريخ الشرق الأوسط في "جامعة حيفا" (Haifa University).
هناك التقت أستاذا فلسطينيا وأصبحت فيما بعد ناشطة من أجل الحقوق الفلسطينية.
"بدأ الأمر على عشب في أمسية مع أستاذي الفلسطيني، عندما روى لي قصة عائلته التي نزحت من قرية صغيرة".
قالت: "فهمت أن ما قيل لي (الرواية الصهيونية) خاطئ. بدأت أفكر كيف يمكن أن يشعر، كيف يشعر هو، أو كيف يمكن أن أشعر كفلسطينية تعيش في دولة يهودية طُرد منها أسلافي".
بالعودة إلى النمسا، كانت عائلتها تتجادل معها في التجمعات، ويتفقون على عدم التحدث مرة أخرى عن فلسطين والسياسة الإسرائيلية، ثم ينكثون بوعودهم، ويتشاجرون مرة أخرى.
في عام 2015، تخلت عن جنسيتها الإسرائيلية كبادرة ضد الصهيونية.
قالت ساريغ عن تبرؤ بعض أفراد عائلتها منها: "هذا يجعل نشاطي أسهل.. لقد فقدت مجتمعي اليهودي لأنهم اعتبروني، في أحسن الأحوال، غريبة الأطوار، وفي أسوأ الأحوال، خائنة".
ولكن، كما يقول الخبراء، يمكن أن يكون لانقطاع المرء عن عائلته أثر سلبي على الصحة النفسية.
"نظرتي لم تتغير بشكل كبير منذ 7 أكتوبر"
وفقا لفيصل شريف، عالم الأعصاب وطالب الدكتوراه في "جامعة أكسفورد" (University of Oxford)، أظهرت دراسات تصوير الدماغ أن "تجربة العزلة الاجتماعية تثير نشاطا في مناطق الدماغ التي تضيء عادةً استجابة للألم الجسدي".
وقال للجزيرة: "بعبارة أخرى، الألم الاجتماعي ليس مجازيا، إنه حقيقي بيولوجيا".
وقال إن العائلات غالبا ما تشكل "ثقافات مصغرة" بقواعدها ومواقفها الخاصة بشأن القضايا السياسية.
وأضاف: "الخيانة التي يشعر بها المرء عندما يصبح الحب والقبول مشروطين بالصمت أو التواطؤ في الإبادة الجماعية يمكن أن تكون مؤذية للغاية. في سياق غزة، يضيف ذلك طبقة إضافية من الصدمة: ليس فقط أن المرء يشهد معاناة جماعية، ولكنه يدفع أيضا ثمنا شخصيا لرفضه غض الطرف.. يؤدي هذا إلى إجهاد وقلق طويل الأمد، يمكن أن يصل إلى مستويات سريرية".
للحفاظ على العلاقات، قال إن العائلات بحاجة إلى أن تقود الحوار "بالفضول، وليس المواجهة".
"خاصة عندما يكون الموضوع مؤلما مثل الحرب أو الإبادة الجماعية، فإن الحقائق وحدها لن تحرك الناس. تسمية المشاعر الكامنة تحتها، مثل الخوف أو الذنب أو الحزن، غالبا ما تفتح مساحة أكبر لحوار حقيقي".
إجراء مثل هذه المحادثات ليس بالأمر السهل.
قال جوناثان أوفير، وهو موسيقي وُلد في كيبوتس إسرائيلي وهاجر إلى الدانمارك في أواخر التسعينيات، إنه في عام 2009 أدرك أنه "قد تم تلقينه بالفعل دعاية أغفلت وجهة نظر فلسطينية كاملة". قرأ كتاب بابيه "التطهير العرقي لفلسطين"، واصفا تلك التجربة بأنها "نقطة تحول" بالنسبة له.
كانت التوترات مع عائلتها اليهودية تتصاعد منذ سنوات. تبلغ ساريغ من العمر 56 عاما، وهي ناشطة مؤيدة لفلسطين، وتختلف في الرأي مع معظم أقاربها.
في نفس الوقت تقريبا، قرأ لكتاب يهود وفلسطينيين آخرين "تحدوا الرواية الصهيونية".
"لكن لم أشارك هذا علنا ولم أشاركه مع عائلتي أيضا".
ومع ذلك، في عام 2014، خلال حرب إسرائيل على غزة (الثالثة خلال 7 سنوات) قال إنه شعر بالثقة الكافية للتعبير عن آرائه النقدية "للخارج وعلانية".
استشهد أكثر من ألفي فلسطيني بينهم 551 طفلا خلال الصراع الذي دام 50 يوما.
لجأ إلى فيسبوك لنشر صورة لإسرائيليين مجتمعين على تلة بالقرب من "سديروت" (Sderot) يشاهدون غزة وهي تحترق، وهي صورة ظهرت في صحيفة "نيويورك تايمز" (The New York Times).
سرعان ما كتب له أحد أقاربه رسالة بريد إلكتروني اختتمها بالتوصية بأن "يتوقف أوفير عن النشر على الإنترنت".
"أصبح هذا نقاشا محتدما، لكنه توقف بسرعة كبيرة جدا".
بعد سنوات، علم أن عائلته في إسرائيل قررت تجنب الحديث عن السياسة بحضرته "حتى لا تضفي الشرعية على آرائي السياسية"، حسب قوله.
وبعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، اطمأن على عائلته الممتدة التي تعيش بالقرب من موقع الهجوم. لكن التوغل لم يغير موقفه.
"نظرتي لم تتغير بشكل كبير. لكن شيئا ما تغير في المجتمع الإسرائيلي. وبهذا المعنى، يمكن القول إننا قد نكون أكثر تباعدا سياسيا".
"هذه هي القضية الوحيدة حقا في الوقت الحاضر"
دانيال فريدمان، 44 عاما، المقيم في هولندا، نشأ في جنوب أفريقيا على يد والده، ستيفن، وهو أكاديمي وناقد صريح للصهيونية، ووالدته التي كانت جزءا من دائرة من نشطاء مناهضة "الفصل العنصري" (Apartheid).
بينما لا يزال والده مناهضا للصهيونية، قال فريدمان إنه ووالدته يتشاجران بشكل متزايد حول إبادة إسرائيل الجماعية في غزة منذ أواخر عام 2023.
قال: "هذه هي القضية الوحيدة حقا في الوقت الحاضر" التي تؤثر على المحادثات والروابط داخل بعض المجتمعات اليهودية.
كان أحد خلافاتهم السابقة يتعلق بالادعاءات المفندة بأن المقاتلين الفلسطينيين اغتصبوا نساء خلال توغل السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وبعد عدة خلافات غير مريحة، غالبا ما كانت تُخاض عبر تبادل روابط صحف مختلفة لدعم حججهم على واتساب، اتفقا على التوقف عن الحديث عن السياسة.
قال فريدمان: "أنا أحبها، لكن ما أعاني منه هو أنني فقدت الكثير من الثقة بها".
خلال حرب إسرائيلية سابقة على غزة، وقعت والدته على عريضة تدعو إلى وقف إطلاق النار، وهي خطوة أدت إلى رفضها من قبل بعض أفراد عائلتها. قال: "أعتقد أن ذلك كان له تأثير كبير جدا". "لقد اتجهت نوعا ما إلى اليمين".
وقال إنه يتفهم أنه بالنسبة للبعض، فإن اتخاذ موقف يعني المخاطرة بفقدان دعم مجتمع مقرب. ومع ذلك، اختار هو "إخراج الكثير من الناس من حياتي عمدا" بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حسب قوله.
إعلان
بالعودة إلى فيينا، تنشغل ساريغ بتنظيم مؤتمر للمناهضين للصهيونية من اليهود في يونيو/حزيران، يضم متحدثين مثل ستيفن كابوس، وهو ناجٍ من "الهولوكوست" (Holocaust – الإبادة الجماعية لليهود على يد النازيين) مقيم في المملكة المتحدة، والمذيعة والمعلقة الأميركية كاتي هالبر، وروني باركان، وهو ناشط إسرائيلي يهودي. ومن المتوقع أن يحضر بابيه أيضا.
مع استمرار عمليات القتل في غزة، قالت إن تركيزها ينصب على الفلسطينيين الذين يحاولون النجاة من النيران الإسرائيلية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
صحيفة إسرائيلية: استقالة رئيس "مؤسسة غزة الإنسانية"
أفادت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" باستقالة جيك وود الرئيس التنفيذي لـ"مؤسسة غزة الإنسانية" المنظمة غير الحكومية المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل. ونقلت الصحيفة عن بيان لجيك وود قوله إنه "من غير الممكن تنفيذ خطة المساعدات في غزة مع الالتزام الصارم بالمبادئ الإنسانية، الحياد، النزاهة، والاستقلالية الإنسانية، والتي لن أتنازل عنها". وحث وود إسرائيل على توسيع نطاق تقديم المساعدات لغزة بشكل كبير من خلال جميع الآليات، حسب الصحيفة الإسرائيلية. كما حث الأطراف المعنية على مواصلة استكشاف أساليب جديدة ومبتكرة لتسليم المساعدات لسكان قطاع غزة الذين يعانون مجاعة غير مسبوقة. ويقول وود إنه تم الاتصال به لقيادة المؤسسة قبل شهرين بناء على خبرته في العمليات الإنسانية، ويضيف "مثل العديد حول العالم، شعرت بالفزع والحزن على أزمة الجوع في غزة، وكقائد إنساني، شعرت بأنه من واجبي أن أفعل كل ما يمكنني فعله للتخفيف من المعاناة"، حسب الصحيفة الإسرائيلية. وحسب "تايمز أوف إسرائيل"، تشكل استقالة وود ضربة كبيرة لجهود إسرائيل في استئناف المساعدات في غزة بشروطها الخاصة، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت المؤسسة ستكون قادرة على المضي قدما في عملياتها المخطط لها. مخاوف وانتقادات وقبل أسبوعين، أعلنت "مؤسسة غزة الإنسانية" أنها ستبدأ هذا الشهر بتوزيع مساعدات إنسانية في قطاع غزة ، مشيرة إلى أنها أجرت محادثات بهذا الشأن مع مسؤولين في إسرائيل التي تمنع منذ مارس/آذار الماضي دخول أي مساعدات للقطاع الفلسطيني المحاصر، وسط مخاوف وانتقادات أممية لهذه العملية. ولا يُعرف الكثير عن هذه المنظمة المسجل مقرها الرئيسي منذ فبراير/شباط في جنيف، لكن الولايات المتحدة أيدت قبل 3 أسابيع هذه المؤسسة من دون أن تكشف عما إذا كانت تساهم فيها بشكل مباشر. وقبل الأنباء التي تحدثت عن استقالته اليوم، ترأس جيك وود المؤسسة، وله خبرة قيادة منظمة "فريق روبيكون" لتقديم الإغاثة الإنسانية أثناء الكوارث الطبيعية، وهو قناص سابق ومن قدامى المحاربين في قوات المارينز الأميركية الذي سبق له القتال في أفغانستان والعراق.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
إنقاذ طفلة استشهدت والدتها وأشقاؤها بمجزرة حي الدرج
ضجت منصات التواصل الاجتماعي الفلسطينية بمقطع فيديو لطفلة ناجية من مجزرة إسرائيلية جديدة استهدفت فجر اليوم مدرسة فهمي الجرجاوي التي تؤوي نازحين في حي الدرج بمدينة غزة. وأظهر الفيديو أحد عناصر فرق الإنقاذ يحمل الطفلة التي استشهدت والدتها وأشقاؤها بينما نقل والدها إلى المستشفى بعد إصابته جراء القصف الإسرائيلي للمدرسة. وقال مراسل نقلا عن مصادر طبية إن 25 فلسطينيا استشهدوا بينهم 6 أطفال، ووصلت جثث عدد منهم، إلى مستشفيي المعمداني والشفاء، بينما نقل الجرحى لتلقي العلاج وسط ظروف صحية صعبة. وبدعم أميركي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 جرائم إبادة جماعية في غزة خلّفت أكثر من 175 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح -معظمهم أطفال ونساء- وما يزيد على 11 ألف مفقود، إلى جانب مئات آلاف النازحين.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
إعلام إسرائيلي: استقالة الرئيس التنفيذي لمؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة
تايمز أوف إسرائيل: استقالة الرئيس التنفيذي لمؤسسة غزة الإنسانية جيك وود المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة. تايمز أوف إسرائيل عن رئيس مؤسسة غزة الإنسانية جيك وود: من الواضح أنه من غير الممكن تنفيذ خطة المساعدات. من غير الممكن تنفيذ خطة المساعدات بغزة مع الالتزام الصارم بالمبادئ الإنسانية. أحث إسرائيل على توسيع نطاق تقديم المساعدات لغزة بشكل كبير من خلال جميع الآليات. أحث الأطراف المعنية على مواصلة استكشاف أساليب جديدة ومبتكرة لتسليم المساعدات.