
من السجن إلى رفض جائزة الدولة… سيرة الأديب المتمرّد صنع الله إبراهيم
وكان الراحل قد أمضى مدة في المستشفى في منتصف عام 2025 إثر نزيف داخلي وكسور في الحوض.
ويُعتبر صنع الله إبراهيم من أهم الأدباء العرب المعاصرين، حيث شكّلت تجربته الروائية الممتدة لأكثر من خمسة عقود، مشروعاً روائياً فريداً قائماً على التجريب من جهة والالتزام السياسي الواضح من جهة أخرى.
"مؤرّخ اللحظة"
يقول المفكّر الفرنسي ألبير كامو إن "الصحفي هو مؤرخ اللحظة".
ويمكن القول إن صنع الله إبراهيم الذي بدأ مسيرته المهنية كصحفي في وكالات للأنباء (وكالة أنباء الشرق الأوسط ثم وكالة الأنباء الألمانية في ألمانيا الشرقية)، ظلّ وفيّاً طيلة رحلته الأدبية للصحفي الذي كانه.
إذ إن أعماله الروائية تتميّز ببعدها التوثيقي لمراحل مفصلية في التاريخ المصري المعاصر، حتى أن بعض رواياته تضمنت أجزاء مستقلّة من قصاصات صحفية وإعلانات تأخذ القارئ إلى يوميات الحقبة التاريخية التي تجري فيها أحداث الرواية.
لذلك ظلّت أعمال إبراهيم تحمل بصمة "الصحفي المؤرخ"، حيث تتداخل السرديات الشخصية مع المراجع الواقعية، ما يجعل من رواياته أرشيفاً حيّاً للّحظة التاريخية، وشهادة على زمنها لا تقلّ أهمية عن التأريخ الرسمي.
"السجن جامعتي"
وُلد صنع الله إبراهيم في القاهرة عام 1937 حيث وجد نفسه يحمل اسماً فريداً كان سبباً للمتاعب في طفولته بين رفاقه في المدرسة.
وقد اختار والده هذا الاسم عندما فتح المصحف ووضع أصابعه على إحدى السُّوَر، فوقع على آية "صُنع الله الذي أتقن كل شيء" من سورة النمل، فسمّاه صنع الله.
ولعلّ فرادة الاسم كانت نذيراً بفرادة الحياة التي سيعيشها الكاتب الذي سيلمع في عالم الأدب العربي في النصف الثاني من القرن العشرين.
يقول صنع الله في إحدى المقابلات إن الاتجاه اليساري الذي اعتنقه باكراً "بدأ من المنزل": "كان الوالد من عائلة بورجوازية، وبعد وفاة زوجته الأولى بسبب مرضها، تزوّج من الممرضة (والدة صنع الله) التي رفضتها العائلة لأسباب طبقية".
انخرط إبراهيم في العمل السياسي في سنّ مبكرة، أثناء دراسته في كلية الحقوق في جامعة القاهرة، حيث انضمّ إلى "الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني" (حدتو)، الشيوعيّة السرّية.
وفي عام 1959، اعتقلته السلطات ضمن حملة قمع واسعة شنّها الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر ضد الشيوعيين، وقضى ما يقارب ستّ سنوات في السجون، من بينها سجون القلعة، وأبو زعبل، والواحات.
في تلك الزنازين، نضج مشروع صنع الله إبراهيم الأدبي، حيث كان يقرأ بنهم أعمال فرجينيا وولف وجورج لوكاش وغيرهما، كما تفاعل مع تيارات فكرية متعدّدة، وهي التجربة التي دوّنها لاحقاً في كتابه "يوميات الواحات".
وصف إبراهيم السجن بأنه "جامعته" الحقيقية، حيث ترسّخت قناعته بأن الكتابة ليست مهنة فحسب، بل "شكلاً من أشكال المقاومة".
بين كافكا والأرشيف
في كثير من الأحيان يُقارَن أسلوب إبراهيم بأسلواب الروائي التشيكي فرانز كافكا، نظراً لأجوائه الكابوسية، وشخصياته المأزومة، والبنية الغرائبية والعبثية لعالمه الروائي.
واستطاع بلُغة وُصفت بـ"الاقتصاد إلى درجة التقشّف" أن يمزج بين العوالم الغرائبية وبين الواقع الموثّق بعناية بواسطة البحث في الأرشيف.
روايته الأولى "تلك الرائحة" (1966) أحدثت صدمة عند صدورها، إذ تناولت حالة الاغتراب والفراغ الوجودي لشاب خرج من السجن ليجد نفسه تائهاً في مجتمع فاقد للبوصلة. رُفضت الرواية من قبل الرقابة وصودرت بدعوى "البذاءة"، ولم تُنشر بنسختها الكاملة إلا بعد 20 عاماً، لكنّها اليوم تُعتبر لحظة مفصلية في تطور الرواية العربية الحديثة.
وإلى حينها، ظلت رواية اللجنة (1981) تعتبر أولى رواياته، وهي من دون شك أشهر أعماله وأكثرها رمزية. "رفعتُ يدي المصابة إلى فمي وبدأتُ آكل نفسي" هي الجملة التي اختتم بها الرواية التي تحكي قصة رجل يُستدعى للتحقيق من قبل لجنة مجهولة. الرواية ترصد، من خلال رمزية مكثفة، اغتراب الفرد في زمن "الانفتاح" الذي اتسم به عهد الرئيس الأسبق أنور السادات. وفي جَوٍ كابوسي خانق، يظهر السرد الحياة في مجتمع استبدادي على وقع تغوُّل العولمة والشركات الكبرى. حتى أن إحدى شخصيات الرواية ليست سوى زجاجة "كوكاكولا".
في رواية "ذات" (1992) التي استند إليها المسلسل المصري "بنت اسمها ذات" (2013)، يتناول صنع الله إبراهيم قصة امرأة مصرية من الطبقة الوسطى، تتقاطع حياتها الشخصية مع تحوّلات الدولة المصرية في عهد عبد الناصر، والسادات، ومبارك. تتداخل الحكاية مع قصاصات صحفية واقعية لكون بطلة الرواية تعمل في قسم الأرشيف، ما خلق سرداً توثيقياً يُجسّد تآكل الطبقة الوسطى وتحوُّل الدولة من اشتراكية إلى نيوليبرالية.
بعد "اللجنة"، نشر إبراهيم رواية "بيروت بيروت" (1984) والتي جاءت نتيجة المدة القصيرة التي أمضاها في العاصمة اللبنانية خلال واحدة من هدنات الحرب الأهلية. يقول ابراهيم في إحدى المقابلات الصحفية: "أمضيت في بيروت حوالي شهر، وخلالها نشأت قصة حب. كنت قد انتهيت لتوّي من كتابة اللجنة وتلك الرائحة، وقلت لنفسي: كفى من هذا… أريد أن أكتب قصّة حب. ولكن ما إن بدأت أكتب، حتى وجدت نفسي غارقاً في الحرب الأهلية اللبنانية، وقلت لنفسي: أليس من المفترض أن أحاول فهم ما يحدث هنا بالضبط؟ فبدأت أُجري أبحاثاً. وجدت أفلاماً، ووثائق، وما إلى ذلك، وذهبت إلى الأرشيفات".
وفي "وردة" (2000)، انتقل إبراهيم إلى سلطنة عُمان، مستعيداً تاريخ ثورة ظفار من خلال مذكرات مناضلة يسارية. وكالعادة، تتداخل الوثائق مع السرد الذاتي، مما يجعل من الرواية تأملاً في حدود التاريخ الرسمي، وفي النسيان المتعمّد للثورات المغدورة.
وبين أعماله الأخرى نجد روايات "أمريكانلي"، و"شرف"، و"برلين 69"، و"التلصص"، و"نجمة أغسطس"، ورواية "العمامة والقبعة" التي تتمحور حول الحملة الفرنسية في مصر (1798–1801) وتتناول مواضيع السلطة، والاستعمار، وصدام الحضارات.
رفض جائزة الرواية العربية
في لحظة استثنائية شهيرة عام 2003، رفض صنع الله إبراهيم تسلُّم جائزة الرواية العربية، معلناً أن السبب هو أنها "صادرة عن حكومة تقمع شعبنا وتحمي الفساد".
وفي الكلمة التي ألقاها على مسرح دار الأوبرا المصرية خلال حفل تسليم الجائزة، انتقد صنع الله أيضاً سياسة القاهرة الخارجية، وعلى رأسها التطبيع مع إسرائيل، متهمًا الأخيرة بـ"القتل وتشكيل تهديد فعلي لحدودنا الشرقية". كما ندد بـ"الإملاءات الأمريكية، والعجز في السياسة الخارجية المصرية، وسائر مناحي الحياة".
وبعد نحو عقد من الزمان، علّق إبراهيم على ثورة يناير قائلاً إن ما جرى في ميدان التحرير "لم يكن ثورة بالتأكيد، فالثورة لها برنامج وهدف: تغيير كامل للواقع أو إزاحة طبقة اجتماعية بأخرى. ما حدث كان انتفاضة شعبية مطلبها الأساسي هو تغيير النظام، رغم أن معنى هذا لم يكن واضحاً، باستثناء الإطاحة بأبرز رموز النظام القديم".
وقد أعادت فترة مرض صنع الله الأخيرة الأديب الذي كان قد اقترب من عامه التسعين إلى الأضواء، لا سيما بعد مناشدة عدد من الأشخاص للدولة المصرية في شهر مارس/آذار الماضي بالتدخل والمساعدة في تغطية تكاليف علاجه.
ورغم التدخل الحكومي، الذي وصفه منتقدون بالمتأخر، فقد أعاد مشهد مرض إبراهيم فتْح النقاش حول ما يعتبره معارضون إهمالاً حكومياً للأدباء والمثقفين، خصوصاً أولئك الذين أصبحوا رموزاً في التاريخ الثقافي المصري والعربي، على غرار صنع الله إبراهيم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


موقع كتابات
منذ 8 ساعات
- موقع كتابات
احتفاء بحياة صنع الله إبراهيم: الماركسي العنيد في الأدب المصري
خاص: بقلم- د. مالك خوري: كان لقائي الأول بأعمال صنع الله إبراهيم في عام 2013، حين وجدت نفسي مأخوذًا بالمسلسل الرمضاني (بنت اسمها ذات)، المقتبَّس عن روايته الشهيرة الصادرة عام 1992؛ (ذات)، وقد أخرجته 'كاملة أبو ذكري' وكتبت له السيناريو 'مريم نعوم'. كانت سنوات إقامتي الطويلة في كندا قد أبعدتني عن نبّض الأدب والفن العربيين، ولم أتمكن من تذوّق جمال عمل متلفز مستّوحى من رواية لكاتب سأدرك قريبًا أنه من أقوى الأصوات المَّعاصرة في الأدب العربي، إلا بعد انتقالي إلى القاهرة. شدّني المسلسل على كل المستويات: وجدانيًا، وفكريًا، وجماليًا. كنت أنتظر حلقته الجديدة كل ليلة بلهفة تكاد تشبَّه لهفة الأطفال. وعلى امتداد حلقاته الإحدى والثلاثين، تابع العمل حياة 'ذات'، المرأة المصرية من الطبقة الوسطى الدُنيا، منذ ميلادها عام 1952 مرورًا بعقود من التحوّلات، حيث نسّجت رحلتها الشخصية في نسيج التاريخ الاجتماعي والسياسي والثقافي لمصر الحديثة. وحين انتهت الحلقة الأخيرة، شعرت وكأنني تُركت في العراء، لكن سرعان ما تحوّل انتباهي إلى المصدر نفسه. بدأت أضع خطتي لقراءة روايات إبراهيم، واحدة تلو الأخرى، مأخوذًا بصوت روائي يجمع بين الحميمية والسلطة الأدبية. وخلال الأشهر التالية، قرأت مجمل أعماله، غائصًا ليس فقط في نصوصه، بل في التاريخ المعقّد لهذه الشخصية الأدبية والسياسية البارزة. ومن خلال هذه الرحلة، تعرفت على أسلوبه الفريد في رسم تاريخ مصر الحديث، بتركيزٍ دائم على التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية، وعلى واقع الطبقات العاملة وأحوالها. كشفت ليّ هذه الرحلة القرائية أن صنع الله إبراهيم ليس فقط سيدًا لفن السرد، بل واحدًا من أكثر الروائيين الماركسيين في العالم العربي تمسَّكًا بمواقفه، وكاتبًا يترك بصمة عميقة على المشهدين الأدبي والسياسي في مصر ما بعد 1952. فعلى مدى أكثر من نصف قرن، رفض أن يُخفف من حدّة التزامه الإيديولوجي: رافضًا التكريمات الرسمية، ناشرًا أعماله حصرًا عبر دور نشر مستَّقلة ويسارية، ومبدعًا جسدًا أدبيًا يواجه الاستبداد والإمبريالية والظلم الاجتماعي بدقة تكاد تكون وثائقية. وحتى حين تعرّض للاضطهاد بسبب انتماءاته الشيوعية، كان إبراهيم ـ شأنه شأن كثير من الفنانين والمثقفين الماركسيين في جيله ـ قادرًا على إدراك الأثر التحويلي العميق لثورة الضباط الأحرار عام 1952. فقد أقرّ بإصلاحاتها الجذرية المناهضة للإمبريالية والمَّحققة للتحول الاجتماعي والاقتصادي، دون أن يغضّ الطرف عن الكُلفة التي فرضتها آلة القمع. وكما قال لاحقًا: 'كان لدى ناصر جهاز ينفّذ الأمور. سحب البساط من تحت أقدام الشيوعيين' (محنة مثقف عربي). هذا الموقف المركّب ـ الذي يجمع بين الإشادة بطموحات الثورة التَّحررية وإدانة إفراطها السلطوي ـ يتردد في تصريحاته العلنية وفي النسيج الأخلاقي لأعماله الروائية. بدأ وعي إبراهيم السياسي بالتبلور خلال سنوات دراسته في كلية الحقوق بجامعة القاهرة في أوائل الخمسينيات. وقد انخرط في العمل السري داخل حركة 'التحرر الوطني الديمقراطية' الماركسية، في وقتٍ كانت فيه اليسارية المصرية منتشّية بسقوط الملكية، لكنها تتوجس من إحكام الضباط الأحرار قبضتهم على السلطة. وبلغ هذا التوتر ذروته في عام 1959، عندما شنّ النظام حملة اعتقالات واسعة ضد الشيوعيين، كان إبراهيم بين ضحاياها، وحكم عليه بالسجن سبع سنوات. قضى منها خمسًا، وأُفرج عنه عام 1964 في توقيتٍ يتزامن ـ ليس من قبيل الصدفة ـ مع زيارة الزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف لافتتاح السد العالي بأسوان. وقد كانت سنوات السجن تلك حاسمة في صياغة حسه الأدبي، إذ رسخت لديه أسلوبًا قائمًا على الملاحظة، والتقطيع، والشكل الوثائقي، وهو ما برُز لأول مرة في عمله الأول 'تلك الرائحة' (1966). وغالبًا ما تُقرأ هذه الرواية القصيرة كسجل سجني، إذ تتخلى عن الحبكة التقليدية لصالح الجو العام، وتمزج بين ملاحظات مهرّبة، ومقتطفات صحافية، وروتين يومي رتيب، لتجسيّد القيود النفسية والجسدية للاعتقال. لقد فاجأ شكلها غير المألوف الوسط الأدبي في القاهرة: فهو من جهة فعلٍ مقاومة سياسي، ومن جهة أخرى بيان جمالي لمبدعٍ ماركسي يبحث عن الحقيقة في خام الواقع المعيّش. بعد الإفراج عنه، غادر إبراهيم مصر للدراسة والعمل في الخارج، قاضيًا فترات طويلة في برلين الشرقية وموسكو. وهناك، انغمس في الحياة الثقافية والسياسية للكتلة الشرقية، متشرّبًا رؤية اشتراكية تشكلت من تجارب وطنية متعدَّدة، ما عمّق قناعاته الماركسية ووسّعها إلى ما يتجاوز التجربة المصرية. وقد كانت عودته إلى الأدب موسومة برواية 'نجمة أغسطس' (1974)، التي عكست مزيج الإحباط والأمل العنيد لدى المثقفين اليساريين بعد هزيمة 1967. وجعلت من السد العالي، ورمز التعاون 'المصري-السوفييتي'، خلفية لمسَّاءلة التوتر بين مشاريع التحديث الوطني والسلطوية المتجذرة في الدولة ما بعد الاستعمار. وبحلول الثمانينيات والتسعينيات، اتسعت روايات إبراهيم في النطاق والحدة الساخرة معًا. فجاءت 'اللجنة' (1981) كاستعارة لاذعة عن الامتثال البيروقراطي والإيديولوجي، مستَّعيرة عبثية كافكا لفضح قبضة الدولة على المعرفة والثقافة والجسد. وبعد عقد، صدَّرت 'ذات' (1992)، وهي سجل واسع لحياة امرأة مصرية عبر عقود من التحولات السياسية، مزج فيها بين الشخصي والأرشيفي، وأدرج نصوصًا حقيقية من الصحف المصرية، ليجعل من الإعلام شاهدًا على تدهور المجال العام من تفاؤل عهد عبدالناصر إلى رأسمالية المحاسيّب في عهد السادات وجمود عهد مبارك (إبراهيم، ذات). أما 'شرف' (1997)، فقدمت إدانة شاملة لفكرة السجن التقليدية نفسها، جاعلة منها نموذجًا مصَّغرًا لافتراس الرأسمالية العالمية، ولا سيّما في مجال الصناعة الدوائية الدولية (إبراهيم، شرف). وهنا، لم تُعدّ السجون مجرد رمز للقمع السياسي، بل استعارة للعنف البنيوي للعولمة النيوليبرالية، ما يُعزّز نقد إبراهيم الماركسي لآليات الإمبريالية الاقتصادية. امتدت جغرافيا السرد لدى إبراهيم أيضًا إلى ما وراء حدود مصر. فقد قدّم في 'بيروت بيروت' (1984)، تصويرًا حادًا للحرب الأهلية اللبنانية، ملتقطًا دمارها الإنساني والسياسي بعين الصحافي وحس الروائي الأخلاقي. وبعد عقدين، عاد في 'وردة' (2000)، إلى الكفاح المسَّلح اليساري في منطقة ظفار بسلطنة عُمان، ناسجًا رواية تضع الحركات الثورية العربية ضمن إطار مشترك عابر للحدود. وفي العملين معًا، أكد تضامنه مع النضالات المناهضة للإمبريالية في العالم العربي، مؤسسًا إبداعه على قناعة بأن الإنتاج الثقافي جزء من المهمة التاريخية للأممية الماركسية. جاء عقد الألفين بما حمله من إبداع متجدَّد ومواقف علنية تؤكد صلابته الإيديولوجية. ففي عام 2003، رفض إبراهيم جائزة الدولة التقديرية في الآداب، مستغلًا اللحظة ليُلقي خطابًا لاذعًا ضد فساد النظام وتبعيته للمصالح الأميركية (محنة مثقف عربي). أما أعماله الروائية في تلك المرحلة، فواصلت كسر القوالب الفنية وتوسيّع الأفق الموضوعي. فعاد في 'التلصص' (2007)؛ إلى منطقة السيّرة الذاتية، مستَّعيدًا ملامح الطفولة في بيت بالقاهرة خلال أوائل الأربعينيات. وفي 'الجليد' (2011)، التي تدور أحداثها في الاتحاد السوفييتي إبان الحرب الباردة، قدّم شخصية طالب مصري في موسكو، جاء صوته السردي باردًا يعكس اغتراب المنفى. وأخيرًا، جاءت '1970: الأيام الأخيرة' (2020)؛ كتوثيق متعدَّد الطبقات للحظات الأخيرة في حياة جمال عبدالناصر، جامعًا بين التقرير السياسي وجو الحداد الصامت الذي خيَّم على مصر. وفي مقابلة عام 2011، متأملًا في انتفاضات الربيع العربي، فرّق إبراهيم بوضوح بين الاحتجاج العفوي والتحول الثوري: 'الثورة لها برنامج وهدف ـ تغيّير كامل للواقع أو إزاحة طبقة لتحل محلها طبقة أخرى' (الخيال كفعل انتقالي). وعلى امتداد مسيّرته، حافظ إبراهيم على رؤية ماركسية أصيلة في عدائها للدوغماتية، كما للانتهازية في المواقف. فهو يعترف بإنجازات الحقبة الناصرية في مجالات التصنيع، وتوسيع التعليم، ومناهضة الإمبريالية، لكنه يرفض غض الطرف عن قمع النظام للسياسة اليسارية المستقلة. إن واقعيته الوثائقية، واعتماده على الأرشيف، وسخريته اللاذعة ليست مجرد اختيارات جمالية، بل هي استراتيجيات سياسية، تنبَّع من إيمانه بأن الأدب يجب أن يواجه التناقضات المعيشة في زمنه. وهكذا، تشّكل أعمال صنع الله إبراهيم أرشيفًا لدورات مصر الثورية، وشاهدًا على بقاء الفكر الماركسي في فضاء الثقافة العربية.


ساحة التحرير
منذ 10 ساعات
- ساحة التحرير
صنع الله إبراهيم.. وداعا لجسده وتحية لفكره الخالد!شيماء شناوي
صنع الله إبراهيم.. وداعا لجسده وتحية لفكره الخالد! شيماء شناوي رحل عن عالمنا اليوم الكاتب والروائى والقاص الكبير، صنع الله إبراهيم بجسده، لكن اسمه سيظل محفورًا وخالدًا في المشهد الأدبي والثقافي المصري والعربي، ليس فقط كقلم أمضى عقودًا في عالم الكتابة، بل كشاهد يروي التاريخ، ومدافع حقيقي عن حرية الفكر والضمير، ومقاوم شرس لكل ما يعارضهما. وُلد صنع الله إبراهيم في القاهرة عام 1937، واختار منذ بدياته أن يكون صوتًا يعبّر عن الناس، ودفع ثمن هذا الاختيار من حريته، حيث تعرض للسجن والعزلة والتهميش في كثير من الأحيان، لكنه حظي طوال مشواره بالاحترام والتقدير الكبيرين. شكّل والده جزءًا مهمًا من تكوين شخصيته، حيث حرص على إمداده بالكتب والقصص وتشجيعه على القراءة. بدأت موهبته الأدبية تتفتح منذ صغره، وبعد تخرجه من كلية الحقوق بجامعة القاهرة، تحول إلى عالم الصحافة والسياسة. شهد إبراهيم فترة مضطربة في التاريخ، حيث عاصر نهاية الاستعمار وبداية الدولة الوطنية، ثم خيبة أمل الهزيمة في عام 1967. هذه الأحداث شكلت وعيه العميق، وظهرت بوضوح في كتاباته التي جمعت بين الواقع والخيال، وبين التوثيق والتمرد. انضم إلى منظمة 'حدتو' الشيوعية المصرية، وفي عام 1959، اعتُقل مع آخرين ضمن حملة شنها الرئيس جمال عبد الناصر ضد اليساريين، وقضى في السجن خمس سنوات حتى عام 1964. لم يكن صنع الله إبراهيم مجرد روائي، بل كان ناقدًا شرسًا للمؤسسة الثقافية الرسمية، حيث اعتبر أن جوائزها ومهرجاناتها غالبًا ما تخضع لاعتبارات سياسية لا إبداعية، وهو ما جعله ينتقد الواقع الثقافي العربي بشكل مستمر. في عام 2003، رفض إبراهيم تسلّم جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائي، معلنًا احتجاجه على الأوضاع السياسية في مصر. في كلمته الختامية، قال: 'أنا أعتذر عن عدم قبول الجائزة لأنها من حكومة تقمع شعبنا وتُشجع الفساد، وتسمح للسفير الإسرائيلي بالبقاء هنا، في وقت تقتل فيه إسرائيل شعبنا وتغتصب أرضه.' وفي بيان وزعه على الحضور، أوضح إبراهيم أن إسرائيل 'تنفذ خطة إبادة ممنهجة للشعب الفلسطيني'، بينما تستقبل العواصم العربية قادتها بحفاوة. وأضاف أن 'السفير الإسرائيلي يقيم في طمأنينة' بينما 'ينتشر الجنود الأمريكيون في كل ركن من أركان الوطن الذي كان عربيًا'. تابع إبراهيم في بيانه قائلاً: 'أنا متأكد أن كل مصري هنا يدرك حجم الكارثة التي نعيشها، والتي لا تقتصر على التهديد العسكري الإسرائيلي أو الإملاءات الأمريكية، بل تمتد لتشمل كل جوانب حياتنا'. وأشار إلى تدهور الأوضاع في مجالات المسرح، والسينما، والبحث العلمي، والتعليم، قائلاً: 'لم يعد لدينا سوى المهرجانات والمؤتمرات وصندوق الأكاذيب… تفشى الفساد والنهب، ومن يعترض يُهان ويُعذب'. وأكد أن الكاتب في ظل هذا الواقع لا يمكنه أن يغض الطرف أو يصمت، فمسؤوليته تتجاوز الكتابة لتشمل التعبير عن الحق. تميز مشروع صنع الله إبراهيم الأدبي بما يُعرف بـ'أدب التوثيق'، حيث كان يدمج السرد الروائي التقليدي بالوثائق الأرشيفية والتقارير السياسية، مما خلق نصوصًا فريدة تعكس الواقع وتتحدى الظلم. ترك إبراهيم إرثًا غنيًا من الأعمال الروائية التي أثرت في الأدب العربي، منها: 'ذات'، 'شرف'، 'نجمة أغسطس'، 'اللجنة'، 'أمريكانلي'، 'بيروت بيروت'، وغيرها الكثير. وبالرغم من وفاته، يظل صنع الله إبراهيم بأعماله ومواقفه رمزًا للأدب الملتزم الذي لا يهاب السلطة ويكشف عيوب المجتمع. يستمر صوته كدعوة دائمة للتفكير النقدي والمساءلة، وكمصدر إلهام للأجيال القادمة لقراءة التاريخ بعين مفتوحة على المستقبل. نال صنع الله إبراهيم العديد من الجوائز المرموقة خلال حياته، منها 'جائزة ابن رشد للفكر الحر' في عام 2004، و'جائزة كفافيس للأدب' في عام 2017 2025-08-14


شفق نيوز
منذ 21 ساعات
- شفق نيوز
كيف وأين ولماذا قتل بيليه الفلسطيني؟ أسرة سليمان العبيد تروي لبي بي سي تفاصيل اللحظات الأخيرة من حياته
"قبل أن يغادر سألته: ستقطع كل هذه المسافة سيراً على قدميك؟ قال نعم.. لدينا أطفال أريد أن أطعمهم، ثم نهض لصلاة الفجر واستمع لسورة الكهف مرتين، واصطحب سبحته وهمّ بالمغادرة، شعرت بنخزة في قلبي فبدلاً من أن أقوله له: الله يسهل عليك، قلت له: سليمان متروحش"، لكنه كان مصمماً، وغادر. هذه تفاصيل المحادثة الأخيرة التي دارت بين لاعب الكرة الشهير سليمان العبيد وزوجته قبل مقتله بساعات قرب نقطة توزيع مساعدات، إذ تضيف الزوجة في حديثها مع برنامج "يوميات الشرق الأوسط" المذاع عبر راديو بي بي سي: "بعدها بساعات وصلني خبر أنه مصاب إصابة خطرة، لم يريدوا إخباري بنبأ مقتله دفعة واحدة، لكنني شعرت". وتروي الزوجة: "لم تقو قدماي على حملي، أصبحت ثقيلة ثقل الخبر الذي أشعر به يحوم حولي، ظللت أردد: بدي أروح أشوف جوزي.. أشوف أبو عيالي، راح يجيب لقمة عيش، واستشهد! ليش؟"، ثّمّ انفجرت باكية قبل أن تلتقط أنفاسها وتختم حديثها: "أنا بناشد محمد صلاح ياخدنا يسفرنا برة، ولادي يتعلموا ويصيروا مثل أبوهم، وابني نسيم يخلفه في الملاعب". قنبلة كواد كابتر طراد العبيد شقيق اللاعب الراحل كان معه في لحظات حياته الأخيرة وشهد مقتله بعينيه، ويقول: "في الخامسة فجراً تحركنا معاً لنقطة توزيع المساعدات الأمريكية، كنا عشرة أشخاص أنا وسليمان وابن عمي وأبناء أخي، وفور وصولنا اتخذنا كل الإجراءات الأمنية المطلوبة والتي اعتدنا عليها، اتخذنا من جبل صغير ساتراً يحمينا، فوجئنا بطائرة كواد كابتر تقترب منا بشدة وقامت بتصويرنا ثم انصرفت، قبل أن تعود إلينا لتداهمنا من خلف الجبل وأسقطت قنبلة كواد كابتر على سليمان مباشرة". ويضيف: "أُصِبت بشظية في رقبتي، وأصبحت أنزف فقمت بسحب الشظية وربطت قطعة من ملابسي على الجرح كي يتوقف النزيف، وتحركت باتجاه سليمان فوجدت إصابته الرئيسية في صدره والدم ينفجر منه، فضلاً عن إصابة أخرى في قدمه، ما أدى لمقتله على الفور، وأُصيب أيضاً في نفس الواقعة أربعة من أبناء أخي ونقلوا إلى المستشفى المعمداني لتلقي العلاج". ومضى يستذكر بلسان مثقل: "في هذه اللحظة لم يصبني انهيار، هذه كلمة مرفهة للغاية مقارنة بما شعرت به". ويصف: "صرت أطلع فيه مش مستوعب أنه استشهد.. صرت أصرخ فيه يا خو قوم.. يا خو بدنا نشرد، صح إن الموت مفيش عليه كبير، بس لسه بدري عليك يا سليمان.. بدري عليك.. رحمة الله عليك يا سليمان". طراد العبيد لم يتوقف عند حد استذكار لحظات مقتل شقيقه أمام عينيه، بل ذهب لأبعد من ذلك بكثير، لذكريات طفولتهما معاً قائلاً: "أنا اللي علمت سليمان مهارات لعب كرة القدم، أراه أمامي الآن.. حينما كنت أصحبه إلى الملعب وأضع له الحواجز باستخدام الحجارة وأدربه على الركض والترقيص من بينها، وكيف نسدد الهدف من زوايا مختلفة، وما هو البلانتي وكيف يرفعه، وكيف يشوط الفاول، علمته هذه المهارات واحدة تلو الأخرى ويوما بعد يوم حتى أصبح بيليه الفلسطيني هنا من قلب ملعب كلية غزة، وفي نفس الملعب سأعلم ابنه كما علّمته، وكما أخرجت للملاعب بيليه الفلسطيني، سأخرج لهم أسطورة من ظهر الأسطورة إن شاء الله". "محمولاً على الأكتاف" ميرفت سليمان العبيد، شقيقة اللاعب الراحل تحدّثت في تصريحات لبرنامج الشرق الأوسط المذاع عبر راديو بي بي سي كيف حولت الحرب حياة شقيقها رأساً على عقب، من لاعب كرة مرفه ميسور الحال لنازح يبحث عن مساعدات إنسانية ليفي بأبسط متطلبات الحياة لأبنائه الخمسة. وقالت: "لم يهتم بحاله أحد، الغلاء والعمولات كانا يلتهمان مرتب شقيقي مطلع كل شهر وساءت الأمور أكثر وأكثر مع امتداد عمر الحرب، وارتفاع الأسعار والعمولات أكثر أصبح راتبه يكفي أطفاله طعاماً فقط ليوم واحد. سليمان مرّت عليه فترات قهرية غاية في الصعوبة دفعته لاستبدال الركض في الملاعب بالركض في سبيل الحصول على مساعدات، وبدلاً من أن كان يحمل على الأعناق بعد تحقيقه لبطولة رياضية أو إحرازه لهدف، حمل على الأكتاف قتيلاً غارقاً في دمه". واختتمت تصريحاتها قائلة: "بالرغم من كل هذا لم يترك مجال كرة القدم، لأن الكرة هي معشوقته، وروحه معلقة بالبقاء في الملاعب، كان يتدرب مع نفسه ولم ينس أبداً أنه لاعب كرة، لكن كل هذا التفاني والإخلاص وكل هذه الشهرة والنجومية لم تنفع بشئ ولم تدفع عنه شر الاحتياج، لماذا وصل أخي لهذا الحد من العوز؟ سليمان كان كبير وعزيز النفس، وكان لا يعتمد على أحد سوى على الله، لم يكن هذا أبدا المصير الذي يستحق". نسيم العبيد نجل اللاعب الراحل تحدث إلينا عن كل ما تبقى له من والده قائلا: "لم يتبق لي منه سوى حلمه بأن أصبح خليفته في الملاعب، لاعب كرة مشهور يشار له بالبنان، كان يتمنى أن أسافر معه واتفوق تعليمياً ورياضياً. سأعيش طوال حياتي المقبلة كي أحقق له ما كان يتمناه، سأكمل مسيرته حتى يقولوا اللي خلف مماتش، لكن هذا لا يعني أنني استوعبت وهضمت فكرة أنه لم يعد موجوداً، وكثيراً ما أردد: أبوي مماتش". وأضاف: "عقلي فقد القدرة على الاستيعاب، لم استوعب أبداً ما حصل لوالدي، والدي نجم الكرة الشهير الذي لعب مباريات في الكثير من دول العالم قتل بهذه الطريقة! والدي الذي كان يركض في الملاعب مات وهو يركض خلف حفنة من المساعدات! والدي الذي لم أفوت له مباراة طوال حياتي، كنت أحضر معه كل مبارياته، واهتف باسمه بعد كل هدف يحققه، واحتفل معه بكل بطولة يحرزها لم يبق لي منه سوى ذكريات أنه ذهب لنقطة توزيع مساعدات كي لا أموت أنا وإخوتي جوعا! نحن لا نريد شيئا نريد فقط أن نراه واقفا على قدميه.. يتنفس ويتحدث.. أن يكون بخير". عماد هاشم مدرب ومحاضر فلسطيني تابع للاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يقول: "قمت بتدريب سليمان مرتين؛ الأولى في نادي غزة الرياضي والثانية في نادي خدمات الشاطئ، وبالنسبة لي هو الوحيد الذي يستحق لقب اللاعب المثالي من بين كل من قمت بتدريبتهم من لاعبين، كان شخصية فريدة الطراز، محب وعاشق لكرة القدم لدرجة التفاني، هو وبحق بيليه الفلسطيني، لأنه كان هدّافاً بالفطرة، كانت الكرة تحبه وتطاوعه، ورغم كبر سنه حاز المركز الأول في الاختبارات البدنية عندما أجريناها في نادي خدمات الشاطئ آخر مرة، وعلى المستوى الشخصي كان سليمان اجتماعياً وخدوماً، وطوال الحرب كان يقدم خدماته في مساعدة الناس على النزوح بمنطقة دير البلح". ويضيف: "خبر استشهاده كان فاجعة لنا كرياضيين، لكنني أحمد الله أنه مكننا من أن نواري جثمانه الثرى ونشيعه بطريقة تليق به، لأن الحصول على مقبرة في هذه الأيام أمر ليس بالسهل، فالأمر مكلف جداً من الناحية المادية كما أن المقابر امتلأت عن بكرة أبيها ولم يعد هناك متّسع لجثة جديدة. وأكمل المدرب قبل أن يفصح عن مكان دفن الجثمان قائلاً: "تم دفنه في مقبرة الشيخ رضوان شمال غرب مدينة غزة، لأنه لا يوجد متسع في المقبرة الرئيسية لمدينة غزة والموجودة شرقاً". تغريدة صلاح وتطرق هاشم لتغريدة اللاعب العالمي محمد صلاح عن مقتل سليمان العبيد قائلاً: "هذه التدوينة هي التي عرفت العالم بما تعرض له سليمان، الكل نعاه دون أن يذكر السبب، وحده صلاح فعلها فعرف العالم كيف وأين ولماذا قتل اللاعب الفلسطيني سليمان العبيد". واستدرك قائلاً: "لكن ما نأمله ونطمح له هو أن تكون تغريدة صلاح سبباً في أن يلتفت العالم لمعاناة الرياضيين في غزة، وأن تفعل الاتحادات الرياضية شيئاً من أجلنا حتى لا يلقى أحدنا نفس المصير، فجميعنا من مدربين ولاعبين لم يعد يشغلنا سوى هم تأمين لقمة العيش لأطفالنا، أنا شخصياً لو كلفني الذهاب لنقطة توزيع المساعدات أن أضحي بحياتي من أجل توفير الطحين لأبنائي سأفعل كما فعل العبيد". وبالعودة للحديث عن بيليه الفلسطيني وطموحاته وأحلامه قال المدرب: "سليمان كان يحلم بأن يكون مدرباً فذاً كما كان لاعباً ماهراً، وكثيراً ما كان يحلم بأن يشهد الموسم الكروي 2023 – 2024 وداعه للملاعب كهداف كي يبدأ مسيرته في التدريب. لم يكن يعلم أنه سيودع الدنيا بأكملها، ولكنني أعده في حال انتهت الحرب وأنا من بين الأحياء سأقيم له حفل تأبين ضخم يليق بفخامة اسمه وجميل ذكراه". وبحسب أحدث البيانات الرسمية، فقد بلغ عدد ضحايا مجتمع الرياضة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 نحو 808 رياضيين، وفق ما أعلن عنه اتحاد الإعلام الرياضي الفلسطيني، من بينهم 421 لاعب كرة قدم، ونحو نصفهم من الأطفال. وكانت اللجنة الأولمبية الفلسطينية قد أفادت أن شهر يونيو/ حزيران وحده شهد مقتل 115 رياضياً، ليرتفع الإجمالي في حينه إلى 615. وتشير جمعية الإعلام الرياضي الفلسطيني إلى تدمير ما لا يقل عن 273 منشأة رياضية خلال الحرب، وهو ما يعكس الأثر العميق للنزاع على البنية التحتية الرياضية في غزة وعلى مستقبل آلاف الشبان من مختلف الفئات الرياضية. وكان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي قد قال، إنه لم يتم العثور على سجلات تتعلق بسليمان العبيد، المعروف بـ"بيليه الفلسطيني"، مشيراً إلى أن الجيش يطلب مزيداً من المعلومات والتفاصيل للتحقق من ملابسات وفاته. ويأتي هذا الرد في أعقاب التدوينة التي نشرها النجم المصري محمد صلاح، التي أثارت جدلاً واسعاً حول ظروف مقتل اللاعب الفلسطيني.