logo
دليل مبسّط لفكّ «أسرار» «التفاؤل والتشاؤم»

دليل مبسّط لفكّ «أسرار» «التفاؤل والتشاؤم»

الشرق الأوسط٢٠-٠٧-٢٠٢٥
بعد سقوط نظام الأسد وقيام سلطة الشرع، طغى حديث التفاؤل والتشاؤم على السوريّين، لكنْ أيضاً، وإلى حدّ بعيد، على اللبنانيّين الذين شهدوا بدورهم تغيّراً في سلطتهم الحاكمة. والحقّ أنّ هذين المفهومين، التفاؤل والتشاؤم، ينطويان على جرعة كبيرة من الاعتباط والاختزال: فهما يوحيان أنّ مزاج شخص ما (وربّما خلفيّته النفسيّة) ينوب مناب التحليل الواقعيّ أو الموضوعيّ للوقائع والأحداث.
لكنْ جرياً على الشائع، وتيسيراً للمجادلة، ربّما جازتِ المغامرة برصد الأسباب التالية في تفسير ما نسمّيهِ تفاؤلاً وتشاؤماً، أقلّه في أحوالنا في سوريّا ولبنان وعموم المشرق:
1- يركّز المتفائل على السلطة وما يقوله ويفعله السياسيّون، وما يقال أحياناً عبر التلفزيون، ويركّز المتشائم على العلاقات بين جماعات المجتمع والتي قد يكون المستتر فيها أكثر من الظاهر المعلن.
2- يشدّد المتفائل على ما يجري في العواصم، وربّما المدن الكبرى أيضاً، أي على «الرأي العامّ»، بينما يشدّد المتشائم على أحوال الأرياف والأطراف، أي على الآراء شبه العامّة – شبه الخاصّة التي لا تُحسب غالباً في «الرأي العامّ».
3- يعوّل المتفائل على الدعم الخارجيّ ويعتبره دعامة الاستقرار لنظام ما أو وضع ما، فيما يعوّل المتشائم على السلطة التي ستتلقّى هذا الدعم، وكيف ستتصرّف به، وفي أيّ مجرى من مجاري الاقتصاد القائم سوف يصبّ.
4- يرفع معنويّاتِ المتفائل تدفّقُ السلع واستهلاك التقنيّات، وربّما انتعاش السياحة أيضاً. أمّا المتشائم الذي قد يغضّ النظر عن إنتاج السلع والتقنيّات، ممّا يعتبره مرآة تفوق الاستهلاك دقّةً، فإنّه لا يغضّ النظر عن التصوّر السائد في المجتمع عن السلع والتقنيّات وعن ثقافة استهلاكها.
5- يعتبر المتفائل أنّ الممارسات والأفكار المتداولة (نظام القرابة، الإصلاح الدينيّ، حرّيّات المرأة، أوضاع الأقلّيّات...) ليست مهمّة، أو في أحسن أحوالها ثانويّة أو مؤجّلة إلى ما بعد إنجاز «المهمّات المُلحّة»، بينما يرى المتشائم أنّ تلك الممارسات والأفكار هي البيئة الأعرض التي تُقرّر فيها مصائر السياسة ومساراتها. وهي قد تكون فعلاً مؤجّلة، إلاّ أنّ التسلّح، منذ البداية، بأفكار حاسمة عنها ضمانةٌ لصالح السياسات النبيلة.
6- لا يهتمّ المتفائل إلاّ لماماً بوجود نقاش عامّ في المجتمع. فالقوى السياسيّة الفاعلة، في رأيه، لا صلة لها بالنقاش وبحمولاته الفكريّة. أمّا المتشائم فيميل إلى أنّ وجود نقاش كهذا شرط لإطلاق الديناميّات التي تُحدث تغييراً فعليّاً يكون على درجة من الاستقرار والاستدامة، وهذا فضلاً عن اتّساع رقعة المشاركة الشعبيّة فيه. واستطراداً، يتّجه المتفائل بنظره إلى القوى التقليديّة وحدها. ودون أن يتجاهل تلك القوى، فالمتشائم يجد ما يعزّز تشاؤمَه في ضعف وجود مجتمع مدنيّ (روابط، هيئات، أحزاب، نقابات، أفكار...) قويٍّ ومتماسكٍ يُعَوّل عليه.
7- يميل المتفائل المسكون بتوازن القوى اللحظيّ إلى تجاهل مسائل العدالة، إذ الأقوياء سيدبّرون الأمور على نحو أو آخر. أمّا المتشائم فيرى في تجاهل العدالة وإغلاق القضايا على زغل طريقاً إلى تضخّم المظلوميّات، وربّما النزعات الثأريّة، التي لا بدّ أن تنفجر، إن لم يكن غداً فبعده.
8- يشعر المتشائم بذلّ عميق حين يشاهد إسرائيل تسيطر على أجواء المنطقة وتتحكّم بقرارها، ويؤلمه أنّ السياسات المعمول بها لا تعتمد إجراءات ومواقف تقطع الطريق على وضع كهذا. ويزيد تشاؤم المتشائم حين يتصرّف المتفائل كما لو أنّه لا يريد إلاّ هذا: إمّا لأنّه «يفضح» حجم عدوانيّة إسرائيل، أو لأنّه يشكّل فرصة للتحريض على مقاومتها.
9- يتعاظم تشاؤم المتشائم وهو يرى أنّ الدول عندنا، وبنتيجة ضعف إجماعات المجتمع، لا تنهض، وربّما لن تنهض، وأنّها لن تستطيع فرض سيادتها وتثبيت حدودها في مواجهة الطوائف والعشائر والقبائل. أمّا المتفائل فقد يربط مثل تلك النشأة بوجود قبضة قويّة، طائفيّة أو إثنيّة، مدعومة من الخارج، وقد يشارك في محفل تمجيد الطوائف والعشائر و»أصالتها».
10- يركّز المتشائم على أحوال المجتمعات والدول فيرى أنّها بائسة ومسدودة الآفاق في المستقبل، وهكذا يلحّ على ضرورة مراجعة الأسباب والجذور العميقة في تراكيبنا واجتماعنا وصِيَغ «تعايشنا» المتهالك، وتالياً إعادة النظر بها إذا تطلّبت الأمور ذلك. أمّا المتفائل فيحذّر من الذهاب بعيداً في المراجعة، واثقاً من أنّ الشعوب سترفض ذلك. فالخلاص عنده ممكن وسهل لأنّه يقتصر على تغيير حاكم أو تعديل دستور أو تحسين أداء إداريّ أو غير ذلك. وهكذا فالمتفائل متفائل بـ»الشعب»، ولو أنّه غالباً ما يتوهّم شعباً لا يطابق الشعب الفعليّ. أمّا المتشائم فقد يتشاءم بـ»الشعب» نفسه، بالفعليّ منه وبالمتوهّم.
لا يعني هذا أنّ المتشائم يطلب كلّ شيء كي يتفاءل: لكنّه يطلب بدايات أو إيحاءات لا يعثر إلاّ على عكسها. وأمّا المتفائل فما يطلبه سهل لأنّه ظاهر جدّاً على سطح الواقع، لكنّه لهذا السبب بالضبط نراه، أمام الانتكاسات، يغادر تفاؤله ويروح يتخبّط في التعاسة والشعور بالخيانة والخذلان.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سوريا تشكل لجنة للتحقيق في أحداث السويداء
سوريا تشكل لجنة للتحقيق في أحداث السويداء

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

سوريا تشكل لجنة للتحقيق في أحداث السويداء

أعلنت وزارة العدل السورية، الخميس، تشكيل لجنة كُلفت بالتحقيق في أعمال العنف الدامية التي وقعت في يوليو (تموز) في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية في جنوب البلاد. واستمرت الاشتباكات أسبوعاً، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وأسفرت عن مقتل المئات بحسب مصادر. وأوضحت وزارة العدل في قرارها أن الهدف هو «كشف الظروف والملابسات التي أدت إلى الأحداث»، و«التحقيق في الاعتداءات والانتهاكات التي تعرض لها المواطنون»، و«إحالة من تثبت مشاركته إلى القضاء». تتألف اللجنة من سبعة أعضاء، هم أربعة قضاة ومحاميان وضابط برتبة عميد. ونص القرار على وجوب أن ترفع تقريرها النهائي «خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر». قرار وزير العدل السوري بتشكيل لجنة للتحقيق في أحداث السويداء (وزارة العدل السورية عبر تلغرام) وشهدت محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية بدءاً من 13 يوليو ولمدة أسبوع، اشتباكات اندلعت بين مسلحين من البدو ومقاتلين دروز، قبل أن تتوسع مع تدخل القوات الحكومية ومسلحي العشائر، وفق مصادر وشهود وفصائل درزية.

دمشق تشكل لجنة للتحقيق في أحداث السويداء
دمشق تشكل لجنة للتحقيق في أحداث السويداء

العربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • العربية

دمشق تشكل لجنة للتحقيق في أحداث السويداء

أعلنت وزارة العدل السورية الخميس تشكيل لجنة كلفت التحقيق في أحداث محافظة السويداء (جنوباً) الأخيرة. وأوضحت الوزارة في قرارها أن الهدف هو "كشف الظروف والملابسات التي أدت إلى الأحداث في السويداء والتحقيق في الاعتداءات والانتهاكات التي تعرض لها المواطنون وإحالة من تثبت مشاركته فيها إلى القضاء". سوريا سوريا والشرع جنبلاط لـ"العربية": الهجري حاول الاستفراد بالقرار في السويداء كما أضافت أن اللجنة تتألف من 7 أعضاء، هم 4 قضاة ومحاميان وضابط برتبة عميد. كذلك نص القرار على وجوب أن ترفع اللجنة تقريرها النهائي "خلال مدة لا تتجاوز 3 أشهر من تاريخ تشكيلها، مع حقها في الاستعانة بمن تراه مناسباً من الخبراء والمتخصصين والجهات المختصة". اشتباكات السويداء يذكر أن السويداء شهدت بدءاً من 13 يوليو ولمدة أسبوع اشتباكات بين مسلحين محليين وعشائر بدوية، ما استدعى تدخل قوات حكومية. فيما دخلت إسرائيل على خط المواجهة فشنت في 16 يوليو سلسلة غارات ولا سيما قرب مقر الأركان العامة وفي محيط قصر الرئاسة في دمشق، بحجة "الدفاع عن الدروز". إلى ذلك انسحبت القوات السورية، في 17 يوليو، من السويداء وفقاً لاتفاق وقف للنار تم التوصل إليه وأعلنته وزارة الداخلية. غير أن الاشتباكات استمرت بين مسلحين محليين وعشائر بدوية. ثم أعلنت الرئاسة السورية، فجر 19 يوليو، وقفاً "فورياً" لإطلاق النار ودعت كل الأطراف إلى الالتزام به، مع بدء قوات الأمن الانتشار في السويداء بعد الاشتباكات التي شهدتها المحافظة. كما أعلنت الولايات المتحدة، في 19 يوليو، اتفاق سوريا وإسرائيل على وقف النار، بعد الغارات التي شنتها إسرائيل في خضم المعارك بالسويداء.

الخارجية السورية: لقاء بوتين والشيباني أكد بدء مرحلة جديدة من التفاهم
الخارجية السورية: لقاء بوتين والشيباني أكد بدء مرحلة جديدة من التفاهم

العربية

timeمنذ 2 ساعات

  • العربية

الخارجية السورية: لقاء بوتين والشيباني أكد بدء مرحلة جديدة من التفاهم

أعلنت إدارة الإعلام في وزارة الخارجية السورية أن اللقاء التاريخي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير الخارجية السوري أسعد الشيباني الخميس أكد انطلاق مرحلة جديدة من التفاهم السياسي والعسكري بين البلدين، تقوم على احترام السيادة السورية ودعم وحدة الأراضي السورية. وقالت إدارة الإعلام بالخارجية السورية في بيان إن بوتين شدد على رفض روسيا القاطع لأي تدخلات إسرائيلية أو محاولات لتقسيم سوريا، وأكد التزام موسكو بدعم سوريا في إعادة الإعمار واستعادة الاستقرار. كما أضافت أن الشيباني أكد التزام سوريا بتصحيح العلاقات مع روسيا على أسس جديدة تراعي مصالح الشعب السوري وتفتح آفاق شراكة متوازنة. كذلك أوضحت أن الشيباني شدد خلال اللقاء على التزام بلاده بحماية جميع أبنائها بمختلف مكوناتهم، وعلى ضرورة معالجة إرث النظام السابق، سياسياً وبنيوياً، بما يخدم مستقبل سوريا. مؤشر سياسي قوي وأردفت إدارة الإعلام في الخارجية السورية أن "اللقاء يمثل مؤشراً سياسياً قوياً على بدء مسار إعادة العلاقات السورية الروسية بما يعزز التوازن الإقليمي ويخدم تمكين الدولة السورية". فيما ختمت قائلة إن سوريا تحذر من التدخلات الإسرائيلية التي تدفع البلاد نحو الفوضى، وتؤكد أن أبوابها مفتوحة لكل من يحترم سيادتها ووحدتها ويحافظ على أمنها واستقرارها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store