
إرهاق الأخبار
شكل بياني تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي في الأسبوعين الأخيرين، هو رسم يقارن متوسط الأوقات التي يقضيها الشخص قبل ثلاثين عاماً واليوم. المفارقة أن الإنسان لم يعد يقضي وقتاً مع الأسرة، أو مع الأصدقاء، أو في المقهى، يتناقص الزمن لصالح وسائل التواصل الاجتماعي، وتقول لنا بعض الدراسات إن دقائق فقط تمضي بين استيقاظ الإنسان وبين تناوله لتليفونه النقال.
قضاء الوقت الأطول مع الوسائل الرقمية أصبح ظاهرة العصر، وخاصة مع التليفون النقال، فلا تجد أحداً اليوم في عيادة الطبيب، أو في المواصلات العامة، أو في المقهى، أو حتى في المنزل، إلا وهو قابض على جهازه النقال، يتابع أو يتصل أو يقرأ ما يتم بثه على وسائل التواصل، حتى الاجتماعات العائلية لم تعد اجتماعية كما كانت في السابق، بل أصبحت فضاء متصلاً افتراضياً، ومنعزلاً في الواقع.
في عصر باتت المعلومات تتدفق بلا توقف وبكثرة من كل اتجاه، أصبح الإنسان المعاصر محاطاً بكم ضخم ومتغير ومتضارب من الأخبار على منصات التواصل الاجتماعي، وقد برزت ظاهرة جديدة تُعرف باسم «الإنهاك الإخباري» (News Fatigue)، ويمكن أن يحدد هذا المصطلح بشكل عام بأنه شعور الشخص بالإرهاق العقلي والنفسي، نتيجة التعرض المفرط للأخبار، خاصة عندما يكون المحتوى سلبياً أو صادماً أو مكرراً، وقد يتجلى هذا الإرهاق في شكل قلق وتوتر، أو عزوف تام عن متابعة الأخبار، أو حتى الميل إلى العزلة.
المشكلة هنا لا تتوقف عند الأفراد، بل تتعداهم للدول؛ فسرعة الأخبار وكثافتها وتضليلها تجعل متخذ القرار مضطراً للتعليق الدائم، أو الشرح، أو التصحيح، أو التكذيب... مما يسبب تأكُّل التركيز على السياسات الجوهرية للدولة، والانشغال بالأخبار الكاذبة.
التكرار المفرط للأحداث السلبية التي تحيط بنا، مثل الحروب، كما هي أطول حرب في غزة، والمناظر الوحشية القادمة من هناك، وأيضاً حرب السودان وتشتت الملايين، وتهديد حرب الجارتين الهند وباكستان، أو الحرب الممتدة في أوكرانيا، أو أخبار تصاعد الحرب التجارية بين العملاقين الكبيرين الصين والولايات المتحدة... تولد كل تلك الأخبار شعوراً بالعجز والقلق. ومع انتشار تطبيقات التواصل الاجتماعي بأشكالها المختلفة، وقدرة الفرد الواحد على أن تكون له منصة يقول فيها ما يريد حتى لو كان تافهاً، ذاك يتطلب جهداً ذهنياً مستمراً للمتابعة المرهقة.
كثيراً ما يلجأ أصحاب المنصات إلى الإثارة والتشويق الزائد عن طريق السرديات المثيرة، من أجل زيادة التفاعل مع هذه المنصة أو تلك، وبالتالي تقدم أخباراً متناقضة تتضارب فيها الروايات، وأصبحت تلك المهنة عمل من لا عمل له!
لقد أصبحنا أمام ما يسمى الإدمان الرقمي، وهو إدمان ينتشر بين جميع طبقات المجتمع، وخاصة الشباب؛ يخفض الاهتمام بالأحداث الرئيسية، ويعظّم التافه من الأمور.
في هذا الفضاء يزداد الميل إلى عدم الثقة في ما يُنشر على هذه المنصات بين أولئك الأشخاص القادرين على نقد ما يُكتب، وهم قلة. أما الأغلبية فيشعرون بالقلق والتوتر؛ لأنهم يتعرضون إلى تلك الأخبار السلبية بشكل دائم يجبرهم على تصديقها، وكثير منها شعوذة.
أصبحت الحوارات عن بُعد هي السائدة، ويسود بين المجموعات الواتسبية تفاعل سلبي يصل في بعض الأوقات إلى الخصومة الشديدة بين المتحاورين، واستخدام كلمات قد تكون نابية في حق الآخر؛ لأن كتابة الرأي والإنسان بعيد عن الآخرين تختلف عن نطقه هذا الرأي في مجموعة إنسانية عادية.
في المجتمعات التي يجري فيها مشاركات انتخابية دورية تتراجع تلك المشاركات، بسبب تراجع النقاش العام، أو العزوف عن المشاركة المباشرة؛ لما يصل إلى المواطن من أخبار على وسائل التواصل. أما في المجتمعات التي ترتفع فيها حدة الخلافات، فتأتي وسائل التواصل الاجتماعي لتزيد من نار تلك الخلافات من خلال فخ المعلومات المضللة التي تصمم من أجل تزييف الوعي الجماعي، وبعضها مدفوع الثمن، بل أصبحت «مهنة» تدر دخلاً للبعض!
كيف يمكن التعامل مع «إرهاق الأخبار»؟ توصي صديقة في طب العيون فتقول: على الشخص العادي أن ينظر في تليفونه النقال لمدة 1/2 ساعة، ثم يريح عينيه لـ1/2 ساعة أخرى، والأفضل أن يختار كتاباً يستهويه للقراءة المباشرة، بدلاً من شخوص العين في ذلك الجهاز.
والتأكد من المصادر الموثوقة التي تقدم الأفكار أو الأخبار المدققة للحصول على المستجدات، بدلاً من المصادر التي تعتمد على الإثارة والتشويق خوفاً من فقد السيطرة الإعلامية، وترسيخ بيئة ردات الفعل، مما يزيد من الاستقطاب المجتمعي والسياسي.
يقدم بعض المختصين طريقة أخرى، وهي ما يسمى «الصيام الإخباري»، ويعني التوقف لفترة محددة عن متابعة الأخبار، أو ما يكتب الزملاء والأصدقاء في وسائل التواصل الاجتماعي، والاندماج مع المجموعات الاجتماعية بالأحاديث العامة في المنتديات أو التجمعات من أجل الحفاظ على التوازن النفسي؛ لأن الإدمان الإخباري يمكن ببساطة أن يسبب عجزاً في الجسم، أو عجزاً في النفس، وهو الاكتئاب المتوسط أو الحاد. زمن الإرهاق الإخباري معنا، وعلينا التفكير في التخلص منه.
آخر الكلام: إرهاق الأخبار مرض العصر الجديد، وهو انسياق لاستجابة مرضية للأجهزة الرقمية الحديثة، بالإدمان عليها تفقد الراحة الذهنية، وهي كغيرها من الوسائل، الإفراط فيها مرض قد نحتاج إلى متخصصين لعلاجه.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


عكاظ
منذ 36 دقائق
- عكاظ
جازان تحتفي باليوم العالمي للنحل وتُبرز دعم المملكة لقطاع تربيته
احتفلت وزارة البيئة والمياه والزراعة بفعاليات اليوم العالمي للنحل في منطقة جازان، بحضور لافت من المختصين والمهتمين بتربية النحل وإنتاج العسل. تأتي هذه الفعاليات ضمن جهود الوزارة المتواصلة لدعم هذا القطاع الحيوي الذي يُعد ركيزة أساسية في تعزيز الأمن الغذائي بالمملكة. وشهدت الفعاليات معرضاً مصاحباً وعرضاً مرئياً سلط الضوء على الإنجازات الكبيرة للوزارة في دعم قطاع تربية النحل. من أبرز هذه الإنجازات تقديم دعم مباشر تجاوز 190 مليون ريال سنوياً لأكثر من 25 ألف نحال ونحالة في جميع أنحاء المملكة. كما تضمنت جهود الوزارة إنشاء 7 محطات متخصصة لتربية ملكات النحل، وإدارة 8 عيادات متنقلة لتشخيص أمراض وآفات النحل، إضافة إلى تدريب أكثر من 1000 شاب وفتاة على أسس تربية النحل وسبل تسويق منتجاته باحترافية. أخبار ذات صلة وأوضح نائب مدير عام فرع الوزارة بمنطقة جازان المهندس سامي بن أحمد حكمي، أن اليوم العالمي للنحل يمثل فرصة مهمة لتسليط الضوء على أهمية قطاع النحل ودوره المحوري في حماية التنوع البيولوجي ودعم الاقتصاد الوطني. وأشار إلى أن منطقة جازان تتمتع بمقومات طبيعية فريدة تجعلها بيئة مثالية لإنتاج العسل، مما يعزز من مكانتها كمصدر متميز لهذا المنتج الوطني. وأكد أن الوزارة تعمل وفق خطط تطويرية طموحة تسعى إلى تحقيق الريادة في هذا المجال، ودعم كافة الجهود الرامية لتطوير قطاع تربية النحل وتحقيق التنمية البيئية والاقتصادية المستدامة.


صحيفة سبق
منذ 2 ساعات
- صحيفة سبق
فريق طبي بمستشفى محمد بن ناصر بـ"تجمُّع جازان" يُنقذ حياة عشريني من ورم سد قصبته الهوائية
أنقذ فريق طبي متخصص في مستشفى الأمير محمد بن ناصر بـ"تجمُّع جازان الصحي" حياة شاب عشريني، يعاني ورمًا مهددًا لحياته. وذكر الفريق الطبي أن المريض حضر لقسم الطوارئ بالمستشفى في حالة اختناق وصعوبة في التنفس، وبعد إجراء الفحوصات الطبية اللازمة اتضح وجود ورم بالرقبة والصدر وبجوار القلب؛ ما أدى إلى انسداد القصبة الهوائية واختناق المريض. وأضاف بأنه على الفور قرر التنسيق مع الأقسام الطبية الأخرى؛ للتعامل العاجل مع المريض، واتخاذ القرار الطبي المناسب؛ ما استدعى اللجوء الطارئ لتقنية الإيكمو، وعمل تدخُّل جراحي سريع، والبدء الفوري في العلاج الكيماوي؛ لإنقاذ حياة المريض. وتكللت -ولله الحمد- العملية بالنجاح، واستعاد المريض قدرته على التنفس الطبيعي دون الحاجة للبقاء على جهاز الإيكمو. وتكوَّن الفريق الطبي المعالِج من عدد من الأطباء من تخصصات عدة، بقيادة الدكتور علي مكرمي استشاري جراحة أورام الرأس والرقبة، والدكتور محمد عادل استشاري جراحة أورام الرأس والرقبة، وفريق الإيكمو بقيادة الدكتور محمد عقيل استشاري العناية المركزة وقائد فريق الإيكمو، وقسم أمراض الدم بقيادة الدكتور حافظ ملحان استشاري أمراض الدم، وقسم التخدير بقيادة الدكتور معتز عبدالفتاح استشاري التخدير، والدكتور قيس موسوي استشاري التخدير والقلب، والدكتور إسلام محمد اختصاصي التخدير. وتعكس سرعة التنسيق بين الفِرق الطبية متعددة التخصصات، وسرعة اتخاذ القرار الطبي، مدى التكامل في تقديم الخدمات الصحية التي يقدمها تجمُّع جازان للمرضى والمصابين في المنطقة. وتُعتبر تقنية الإيكمو من التقنيات المتطورة والحديثة في المجال الصحي التي حرص تجمُّع جازان على توفيرها؛ إذ كانت مثل هذه الحالات تُحوَّل سابقًا إلى مراكز طبية متخصصة خارج المنطقة.


الرجل
منذ 2 ساعات
- الرجل
دراسة تحذر: العمل لأكثر من 52 ساعة أسبوعياً يضخم حجم الدماغ!
كشفت دراسة حديثة تأثير ساعات العمل الطويلة على الدماغ، حيث أظهرت أن العمل لأكثر من 52 ساعة في الأسبوع يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في بنية الدماغ، مما يتسبب في زيادة حجم بعض مناطقه بنسبة تصل إلى 19%. لكن هذه الزيادة ليست بالضرورة إيجابية، إذ تشير نتائج الدراسة إلى أنها قد تحمل آثارًا سلبية على الصحة النفسية والعقلية. ووفقًا للدراسة التي نشرت في مجلة Occupational and Environmental Medicine، فإن العمل لساعات طويلة قد يؤدي إلى تغييرات تكيفية في الدماغ، مما يؤثر في الأداء المعرفي والمزاج. وأوضح الباحثون أن هذه التغيرات قد تتسبب في اختلالات معرفية واضطرابات نفسية مع مرور الوقت، ما يثير تساؤلات حول التأثيرات السلبية للعمل طويل الساعات على الأداء العقلي والرفاهية النفسية. أهمية التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية أحد النقاط المهمة التي أشار إليها الباحثون، هي ضرورة تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والشخصية، إذ يجب أن يكون هناك اهتمام أكبر بصحة الموظفين العقلية والجسدية من خلال تقليص ساعات العمل الطويلة، وتوفير بيئة عمل مرنة. كما يتعين على أصحاب العمل إعادة تقييم سياسات العمل، لتوفير ظروف صحية تلبي احتياجات الموظفين. وفي هذا السياق، دعا اختصاصيو علم الأعصاب إلى أهمية رفع مستوى الوعي، حول المخاطر الصحية الناتجة عن ساعات العمل الطويلة. إذ يمكن أن يساعد توفير الدعم النفسي والمعرفي للموظفين في تقليل تأثير هذه الساعات على صحتهم العامة، وتحسين جودة حياتهم المهنية والشخصية.