logo
هل تمهد تصريحات ترامب الغامضة لاحتلال إسرائيل لغزة؟

هل تمهد تصريحات ترامب الغامضة لاحتلال إسرائيل لغزة؟

العربي الجديد٢٨-٠٧-٢٠٢٥
لا يبدو الانسحاب الأميركي من مفاوضات وقف إطلاق النار في
غزة
، والسماح بدخول الفتات من المساعدات الإنسانية، وتصريحات الرئيس دونالد ترامب عن استنكاره "التخلي الإسرائيلي الخاطئ عن قطاع غزة من البداية"، وأنه قال لرئيس الوزراء الإسرائيلي
بنيامين نتنياهو
"أن يفعل ما يراه مناسباً في القطاع"، وتصريحات السيناتور ليندسي غراهام أحد صقور الحروب في واشنطن، أمس بأن "إسرائيل ستفعل في القطاع مثلما فعلت الولايات المتحدة في طوكيو وبرلين في الحرب العالمية الثانية"، مجرد كلمات عابرة، إذ تمثل حالة مشابهة للإجراءات التي جرت قبل الأيام الأخيرة للهجمات الأميركية على إيران، فهل تمهّد هذه الإجراءات لبدء احتلال إسرائيل لقطاع غزة بعد ما يقارب عامين من القتل والتدمير الكامل للقطاع؟
وقبل الضربات الأميركية العسكرية على إيران، طلب ترامب استسلاماً غير مشروط من طهران، كانت هذه الجملة هي المفتاح، لرغبة إدارة ترامب في استعادة ما يُطلق عليه "السلام من خلال القوة". فقبل أيام من هذه الهجمات وجه السفير الأميركي لدي إسرائيل مايك هاكابي رسالة إلى ترامب دعاه إلى أن يستمع إلى صوت السماء، واستحضر تجربة الرئيس هاري ترومان في تلميح إلى القرار الأميركي التاريخي آنذاك باستخدام السلاح النووي ضدّ اليابان، وهو نفس التلميح الذي أشار إليه السيناتور الأميركي ليندسي غراهام المقرب من ترامب، والذي ادعى أنه كان له دور في إقناع ترامب بضرب المواقع النووية في إيران في يونيو/حزيران الفائت.
ولدى السياسيين الجمهوريين الأميركيين هوس بنتائج الحرب العالمية الثانية، عندما ألقت الولايات المتحدة قنبلتَين نوويتَين على مدينتَي
هيروشيما
وناغازاكي، ما أدى ليس لاستسلام اليابان فحسب وإنما "الخضوع التام" وإنهاء الحرب العالمية الثانية. كانت وفاة آلاف المدنيين في اليابان هي حجر الأساس في تثبيت الولايات المتحدة قدميها عالمياً إمبراطوريةً تتمدّد ببطء من أجل قيادة العالم. اليوم، وبينما تعاني الولايات المتحدة في ظل صعود هادئ للصين ومحاولات روسية للخروج من القمقم، يحرض عشرات الجمهوريين ترامب على فعل الأمر نفسه على أمل أن تتكرر النتيجة ذاتها بعد أن خاضت الولايات المتحدة حربين استمرتا عشرين عاماً ولم تكن نتائجهما على مستوى "إعادة الخضوع الكامل عالمياً"، لكن هذه المرة الهدف "غزة".
خرجت الولايات المتحدة من غزو العراق وأفغانستان، خالية الوفاض، فقد أنفقت ما يقارب 6 تريليونات دولار حسب التقديرات الأميركية، ولم تكن النتائج على المستوى الذي يؤدي لمزيد من الهيمنة العالمية، المتحققة بالفعل آنذاك، فغادرت أفغانستان في فترة الرئيس السابق جو بايدن بعد 20 عاماً من القتال، والبشر يتساقطون من الطائرات التي تحاول إنقاذ المتعاونين الأفغان، وتركت خلفها أسلحة ومعدات متقدمة استولت عليها حركة طالبان التي عادت للحكم (خاضت أميركا حربها هناك من أجل القضاء عليها)، أما حرب العراق فتسبب في شرق أوسط أكثر انقساماً وظهور تنظيم "داعش".
لا أحد يعرف ما يدور في عقل ترامب، لكن دلالات تصريحاته تشير إلى ما يُدبر بليل من أجل غزة، وتبدو هذه التصريحات حتّى هذه اللحظة مماثلة لما جرى خلال الأشهر القليلة الماضية قبل ضرب إيران، كانت الضربة قوية للغاية بحيث ترضي غرور ترامب، وفي الوقت ذاته لا تسمح باشتعال حرب كبرى تخرج من خلالها الأمور عن السيطرة، أما في حالة غزة فسكانها بلا قوة تقريباً كما أن تجربة تجويعهم وقصفهم من إسرائيل وحصارهم وإبادتهم تجري بهدوء على مدار عامين كاملين وبمهادنة عالمية، فلا أحد يقدر على مواجهة الولايات المتحدة التي تدعم إسرائيل بالمال والسلاح والدبلوماسية والتصريحات والحماية حتّى لو كان ذلك على حساب جسد "حقوق الإنسان والمبادئ الإنسانية والشرعية والقوانين الدولية والأمم المتحدة".
أخبار
التحديثات الحية
ترامب: التعامل مع حماس أصبح صعباً وبحثت مع نتنياهو "خططاً مختلفة"
على مدار أشهر من المفاوضات لوقف إطلاق النار، بدا واضحاً أن الولايات المتحدة لا تريد "وقفاً كاملاً لإطلاق النار"، وأن الغاية الأولى لوقف "إطلاق النار المؤقت" هو إخراج المحتجزين الإسرائيليين في غزة دون أي اعتبار لعدد الفلسطينيين الذين يموتون يومياً. دعمت الولايات المتحدة إسرائيل في عدوانها على المدنيين، ودافعت عنها دائماً في مجلس الأمن. ودمرت إسرائيل المستشفيات والمدارس والجامعات وقتلت الصحافيين والأطباء والمدنيين والنساء والأطفال، وارتكبت جرائم لم تُرتكب منذ الهولوكوست باعتراف مسؤولين أميركيين سابقين ويهود وقيادات ومؤسسات دولية، غير أن موقف الولايات المتحدة ظل ثابتاً وهو السماح لاسرائيل بأن تفعل ما يحلو لها، وهو ما عبر عنه الرئيس الأميركي ترامب الذي يزعم أنه زعيم السلام عالمياً والمتعطش لجائزة نوبل للسلام.
سمحت الولايات المتحدة لإسرائيل بنقض اتفاق وقف إطلاق النار في مارس/ آزار الماضي، ثم منع دخول الطعام والدواء، وفي الوقت ذاته كانت تجري عسكرة المساعدات الإنسانية من خلال تأسيس المؤسّسة التي يطلق عليها "مؤسّسة غزة الإنسانية" ذراعاً لشركات مقاولين أمنيين بدعم أميركي إسرائيلي للتحكم في حياة الفلسطينيين والغذاء. كانت الحجة الأميركية الإسرائيلية المزعومة أن حركة حماس تسرق المساعدات الإنسانية، لكن ثبت من خلال تقارير حكومية أميركية وإسرائيلية عدم وجود أي أدلة على هذه المزاعم، في الوقت الذي تدافع فيه الولايات المتحدة عن المؤسّسة وتهاجم مؤسّسات ومنظمات أممية متخصّصة في تقديم المساعدات الإنسانية.
أحد أبرز هؤلاء الجمهوريين الذين يمكن مراقبة تصريحاتهم، والذي يحظي بثقة ترامب في ما يخص السياسات الخارجية رغم علاقتهما المضطربة على مدار السنوات، هو ليندسي غراهام، السيناتور الجمهوري المخضرم في الدعوة للحروب والتأييد المطلق للجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة، إذ كانت تغريداته على مدار الأشهر القليلة دليلاً على بوصلة ترامب في السياسات الخارجية. فبينما كانت الولايات المتحدة تتفاوض مع إيران بخصوص برنامجها النووي، سمحت لإسرائيل -طبقاً لاعترافات ترامب نفسه- بالهجوم عليها وسط التفاوض. كان غراهام واحداً من أهم الداعمين لهجوم أميركي في هذه الأثناء على إيران، والداعمين لخطوات ترامب قبل أن يشير لاحقاً إلى معرفته باتجاهات الإدارة، فقد كانت كتاباته في يونيو/ حزيران الماضي تحمل دلالات كبيرة على الخطط الأميركية لـ"إنهاء المهمة في إيران" كما كتب هو بنفسه على صفحته.
كشف غراهام، في مقابلة عقب الهجمات الأميركية على إيران، أنه كان سبباً من أسباب الضربة الأميركية على المواقع النووية الإيرانية، وأنه نجح في إقناع الرئيس ترامب، إذ قال "أحد الأمور التي كان يفكر فيها (ترامب) وتحدثت معه عنها، أنه إذا فعلت ذلك (الهجوم على إيران) فستصلح الضرر (على سمعة الولايات المتحدة عالمياً) الذي سببه انسحاب جو بايدن من أفغانستان... قامت إسرائيل بعمل رائع (الهجوم على إيران) لكن كنّا بحاجة إلى أن تكون لنا بصماتنا أيضاً، من مصلحة الأمن القومي أن نكون جزءاً من هذا".
دعا غراهام على مدار العامين الماضيين إلى تدمير غزة، ففي مايو/ آيار 2024 حرض في تصريحات له لشبكة إن بي سي الأميركية على قيام إسرائيل بضرب غزة من خلال قنبلة نووية، إذ زعم أنّ هناك مبرراً لها بتسوية القطاع بالأرض باستخدام سلاح نووي، مثلما فعلت الولايات المتحدة في هيروشيما وناغازاكي في الأربعينيات، ووصف القرار الأميركي خلال الحرب العالمية الثانية بأنه كان "القرار الصحيح" من الولايات المتحدة، وقال "أعطوا لإسرائيل القنابل التي تحتاجها لإنهاء الحرب، فهي لا تستطيع تحمل خسارتها، واعملوا معها على تقليل الخسائر البشرية"، وهاجم المعارضين لفكرته قائلاً "لماذا من المقبول أن تسقط أميركا قنبلتَين نوييتَين لإنهاء حرب التهديد الوجودي. لماذا كان من المقبول لنا أن نفعل ذلك... اعتقد أنه كان جيداً".
هذه الأيام، أعاد غراهام طرح رؤيته بطريقة أخرى، لكن هذه المرة متنبئاً بما ستفعله إسرائيل، لكن هذه التصريحات تأتي بالتزامن مع تصريحات متناقضة للرئيس ترامب تمتد من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال وتشير إلى معاناة الفلسطينيين من مجاعة في غزة، وتعهده بمزيد من المساعدات الإنسانية (تجري عبر مؤسّسة غزة الإنسانية التي تدور حولها الشبهات)، وفي الوقت ذاته إلى إعلانه السماح لنتنياهو بفعل ما يحلو له في غزة، إذ ذكر غراهام في مقابلة أمس مع "إن بي سي نيوز"، أنه يعتقد أن إسرائيل ستفعل في القطاع مثلما فعلت الولايات المتحدة في طوكيو وبرلين في الحرب العالمية الثانية، وقال غراهام "لا توجد وسيلة آمنة أمام إسرائيل للتفاوض على إنهاء الحرب مع حماس. إسرائيل ستتولى السيطرة على غزة. سيفعلون ما فعلناه في طوكيو وبرلين. الاستيلاء على المكان بالقوة والبدء من جديد وتقديم مستقبل أفضل للفلسطينين"، وأكمل قائلاً "أعتقد أن الرئيس ترامب توصل إلى هذا الاستنتاج، وبالتأكيد لا توجد طريقة يمكنك بها التفاوض على نهاية الحرب مع حماس".
بناء على تاريخ غراهام، لا يبدو أبداً أنه يذكر ذلك دون معلومة لديه سواء من إدارة ترامب أو إسرائيل أو استشارة أو رأي قدمه هو على سبيل النصيحة. يتوافق هذا التصريح مع الانسحاب الأميركي المفاجئ من المفاوضات لوقف إطلاق النار مع رفض إيقاف الحرب كلياً، وضرورة الإفراج عن المحتجزين في غزة، فضلاً عن تصريحات ترامب التي قال فيها "حماس تعرف ما سيحدث لها عقب الإفراج عن الرهائن لذا لا تريد وقف إطلاق النار"، وتصريحاته الأخرى بأنه "ترك القطاع من البداية كان خطأ"، ثم الحديث عن عن فتات "المساعدات"، ما يدفع إلى تساؤلات مفادها "هل يجري إلقاء القنابل والطعام في الوقت ذاته"، و"ما الذي يجري تدبيره لغزة".
اختبرت الولايات المتحدة على مدار الأشهر الماضية "فائض قوتها العسكرية" في إيران ونجحت التجربة نجاحاً ساحقاً، طبقاً للمعطيات الأميركية. اليوم يبدو أن واشنطن التي تقود مفاوضات منحازة فيها إلى إسرائيل حليفتها التي تتولى هي حمايتها ودعمها وتمثل ذراعها في المنطقة قد انتهت إلى اتخاذ قرار في غزة، يشابه ما حدث في الحرب العالمية الثانية لمزيد من فرض القوة والخضوع عالمياً، وهي الرؤية التي يسعى ترامب لفرضها عالمياً منذ وصوله وهي "الإخضاع التام إمّا بالقوة أو بالإذعان أو بالاقتصاد".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترامب يغذّي أزمة دوائر تكساس: اعتقلوا النواب الديمقراطيين
ترامب يغذّي أزمة دوائر تكساس: اعتقلوا النواب الديمقراطيين

العربي الجديد

timeمنذ ساعة واحدة

  • العربي الجديد

ترامب يغذّي أزمة دوائر تكساس: اعتقلوا النواب الديمقراطيين

فتح حاكم ولاية تكساس الأميركية، الجمهوري غريغ آبوت، خلال اليومين الماضيين، سجالاً قانونياً جديداً، يضاف إلى الأزمة التي تعيشها الولاية، بعدما غادرها أكثر من 50 نائباً ديمقراطياً مجلس من نوابها، لتعطيل نصاب المجلس، ومنع التصويت على مشروع قانون لإعادة ترسيم خرائط الدوائر الانتخابية في الولاية، بما يضمن فوز الجمهوريين بثلاثة إلى خمسة مقاعد نيابية إضافية في مجلس النواب بالكونغرس الأميركي، في الانتخابات النصفية الأميركية المقررة خريف عام 2026. وطلب آبوت، أول من أمس الثلاثاء، من المحكمة العليا في الولاية، حرمان كبير الديمقراطيين في مجلس النواب، جين وو، من منصبه نائباً، متهماً إياه بتحريض زملائه من الحزب للتخلي عن مهامهم، وتعطيل أجندة جلسة للمجلس عقدت يوم الاثنين الماضي، وكانت تحتاج إلى اكتمال النصاب للتصويت على مشروع الدوائر. ويضم مجلس نواب تكساس، 150 نائباً، 62 منهم ديمقراطيون، والباقون جمهوريون. ويحتاج اكتمال النصاب في مجلس نواب تكساس، إلى وجود 100 نائب. واعتبر النواب الفارّون إلى خارج الولاية، أنهم لم يرتكبوا جرماً جنائياً، وأن تحركهم هو لحماية قَسمهم بصفتهم نواباً، وتدخل رئيس اللجنة الوطنية (دي أن سي) للحزب، كين مارتن، دعماً لهم، حيث صرّح أول من أمس، "إننا نتحدث عن حزب ديمقراطي جديد"، و"نحمل سكيّناً بمواجهة سكين الطرف الآخر"، و"سنقاتل على طريقة النار بالنار". تشير التوقعات إلى أن الديمقراطيين قد يفوزون العام المقبل، بانتخابات مجلس النواب على المستوى الوطني تكساس تعتقل مشّرعيها وكانت الأغلبية الجمهورية في مجلس نواب تكساس، وهي ولاية حمراء، أي مؤيدة للجمهوريين، صوّتت يوم الاثنين الماضي، على مذكرة لاعتقال المشرعين الديمقراطيين المتغيبين، والذين توجهوا إلى ولايات إلينوي ونيويورك وماساشوستس، وهي ولايات ديمقراطية. وترتبط الأزمة مباشرة بالبيت الأبيض، وتشير التوقعات إلى أن الديمقراطيين قد يفوزون العام المقبل، بانتخابات مجلس النواب على المستوى الوطني، استناداً إلى سوابق تاريخية بخسارة حزب الرئيس للانتخابات النصفية، تزامناً مع عدم رضا غالبية الأميركيين عن بعض سياسات الرئيس دونالد ترامب الداخلية والخارجية، ومع أرقام رسمية تشير إلى ارتفاع الأسعار بسبب التعرفة الجمركية، وفوق كل هذا الشرخ الذي أحدثه عدم نشر إدارة ترامب وثائق محاكمة جيفري إبستين المدان بجرائم جنسية، ما أغضب قاعدته ماغا (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى). تقارير دولية التحديثات الحية حرب ترسيم الدوائر الانتخابية في أميركا تشتعل بتحريض من ترامب ويبلغ عدد مقاعد مجلس النواب على المستوى الوطني 435 مقعداً موزعة على الولايات طبقاً للتعداد السكاني الذي يُجرى كل عشر سنوات. وأكبر الولايات هي كاليفورنيا (ديمقراطية) بـ52 مقعداً ثم تكساس (جمهورية) بـ38 مقعداً، ويتفوق الجمهوريون في هذه الدورة بأغلبية ضئيلة (219 مقابل 212) بسبعة مقاعد. اعترف ترامب سابقاً أن خططه الطموحة لـ"تغيير وجه أميركا" قد تؤثر سلباً على حزبه في الانتخابات النصفية، ودعا الجمهوريين إلى استخدام طريقة قديمة شهيرة في السياسة الأميركية يطلق عليها خرائط تقسيم الدوائر. وجه ترامب رسالة إلى تكساس في 16 يوليو/ تموز الماضي، قائلاً إن "مجرد رسم بسيط للدوائر في تكساس سيمنحنا خمسة مقاعد جديدة في الولاية". استجاب آبوت سريعاً، ومجلس النواب، وخلال أقل من أسبوعين تمّ رسم خرائط الدوائر الجديدة، ما قد يؤدي إلى حصول الجمهوريين على 30 مقعداً في الانتخابات المقبلة بدلاً من 25 مقعداً حالياً من أصل 38. يخطط فانس للتوجه إلى ولاية إنديانا والتحدث مع مسؤوليها الجمهوريين لإعادة رسم الدوائر الانتخابية في الولاية ودخل ترامب مجدداً على خط الأزمة، خلال اليومين الماضيين، مع هروب النواب الديمقراطيين لتعطيل النصاب، واعتبر في حديث أول من أمس، لشبكة سي أن بي سي، أن النواب الديمقراطيين أيضاً يرسمون دوائر انتخابية جديدة، وأن الجمهوريين في تكساس يستحقون إعادة رسم دوائر الولاية، خصوصاً أنه "حقّق فوزاً تاريخياً وكاسحاً في الولاية" في انتخابات الرئاسة الأميركية التي أجريت في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي. وفي تصريح آخر، قال إن مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) "ربما عليه أن ينخرط في عملية ملاحقة النواب المتغيبين". وطلب السيناتور الجمهوري من تكساس، جون كورنين، أول من أمس، من المكتب، المساعدة في تحديد مكان واعتقال المشرعين الديمقراطيين. من جهته، قال المدعي العام للولاية كين باكستون، وهو جمهوري، إنه إذا لم يعد الديمقراطيون الغائبون بحلول الجمعة (غداً)، فإنه سيطلب صدور أمر قضائي باعتبار مقاعدهم شاغرة. وفتح ذلك الكثير من الأسئلة القانونية. وليس اعتقال النواب مؤكداً، حيث إن معظمهم توجهوا إلى إلينوي، وهي ولاية لا يتوقع أن تتعاون سلطتها الديمقراطية مع الجمهوريين على الإطلاق. ويتعهد نواب تكساس الديمقراطيون، بالبقاء خارج الولاية، لحين انتهاء الموعد المتوقع لنهاية الدورة الاستثنائية بعد أسبوعين، ما لم يمدّدها الحاكم. ويحق لولايات إعادة رسم دوائرها الانتخابية استناداً إلى التعديد السكّاني الذي يجري كل عشر سنوات. وسمح هذا التعداد في عام 2020، للجمهوريين، بالتحكم في إعادة تقسيم 188 مقعداً في الكونغرس بنسبة 43% مقابل إعادة تقسيم 73 مقعداً للديمقراطيين بنسبة 17%. يضاف إلى هذا أن الديمقراطيين، حتى هذه اللحظة، رفضوا استخدام هذه الآلية، وقرّروا بداية العقد الحالي تشكيل لجان مستقلة غير حزبية لتقسيم الخرائط، بما سمح لتسعة أعضاء جمهوريين بالفوز بالانتخابات. اليوم، يهدّد الديمقراطيون في حال استمرار خطط تكساس، بالرد بالمثل. يذكر أن تكساس تخالف بخططها التقليد المعتاد بتقسيم الدوائر كل عشر سنوات، والذي أجرته في 2021 ما منحها بعض الدوائر في انتخابات العام الماضي، لكنها قرّرت هذا العام أيضاً الاستجابة لرغبات ترامب. وبحسب صحيفة واشنطن بوست، أمس الأربعاء، فإن نائب ترامب، جي دي فانس، يخطط للتوجه إلى ولاية إنديانا اليوم الخميس، للتحدث هناك مع المسؤولين الجمهوريين لإعادة رسم الدوائر الانتخابية في الولاية، وذلك بحسب حاكم الولاية مايك براون. اقتصاد الناس التحديثات الحية ترامب يواصل خنق جامعات مالياً: ستانفورد تسرح 363 موظفاً

ترامب يؤكد تحقيق "تقدم كبير" في المحادثات الأمريكية الروسية، ويفرض رسوماً على الهند بسبب شرائها النفط الروسي
ترامب يؤكد تحقيق "تقدم كبير" في المحادثات الأمريكية الروسية، ويفرض رسوماً على الهند بسبب شرائها النفط الروسي

BBC عربية

timeمنذ 2 ساعات

  • BBC عربية

ترامب يؤكد تحقيق "تقدم كبير" في المحادثات الأمريكية الروسية، ويفرض رسوماً على الهند بسبب شرائها النفط الروسي

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن "تقدماً كبيراً" قد أُحرز بشأن أوكرانيا خلال المحادثات التي جرت بين مبعوثه، ستيف ويتكوف، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ووصف ترامب في منشور على منصته "تروث سوشيال"، الاجتماع بأنه "مثمر للغاية". وكان الكرملين قد أصدر في وقت سابق بياناً غامضاً بشأن المحادثات، إذ قال مساعد السياسة الخارجية الروسي، يوري أوشاكوف، إن الجانبين تبادلا "إشارات" في إطار محادثات "بنّاءة" في موسكو. وأضاف أن روسيا والولايات المتحدة ناقشتا إمكانية التعاون الاستراتيجي، لكنه رفض الإدلاء بمزيد من التفاصيل حتى يقدّم ويتكوف تقريره للرئيس الأمريكي. وجاء الاجتماع قبل أيام من الموعد النهائي الذي حدده ترامب للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا. وأضاف ترامب أن "الجميع متفق على أن هذه الحرب يجب أن تنتهي، وسنعمل على تحقيق ذلك في الأيام والأسابيع المقبلة". وفي وقت لاحق، أكد البيت الأبيض لـبي بي سي، أن الروس أعربوا عن رغبتهم في لقاء الرئيس الأمريكي، وأن ترامب "منفتح على لقاء كل من الرئيس بوتين والرئيس زيلينسكي". وقالت المتحدثة باسم ترامب، كارولاين ليفيت، إن "الرئيس ترامب يريد إنهاء هذه الحرب الوحشية". من جانبه، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه تحدث مع ترامب بشأن زيارة ويتكوف، وكان عدد من القادة الأوروبيين أيضاً ضمن المكالمة. وأضاف: "يجب أن تنتهي هذه الحرب". وكان زيلينسكي قد حذّر من أن روسيا لن تتجه بجدية نحو السلام إلا إذا بدأت تنفد أموالها. وبدا أن المحادثات التي جرت الأربعاء بين بوتين وويتكوف كانت ودّية، على الرغم من تزايد انزعاج ترامب من بطء التقدّم في المفاوضات بين موسكو وكييف. وأظهرت صور نشرتها وسائل إعلام روسية بوتين وويتكوف، اللذين التقيا عدة مرات من قبل، وهما يتبادلان الابتسامات ويصافحان بعضهما في قاعة فخمة داخل الكرملين. وكان ترامب قد قال إن روسيا قد تواجه عقوبات كبيرة، أو عقوبات ثانوية على كل من يتعامل معها تجارياً، إذا لم تتخذ خطوات لإنهاء الحرب. وبُعيد مغادرة ويتكوف موسكو، أعلن البيت الأبيض أن ترامب وقّع أمراً تنفيذياً بفرض تعرفة جمركية إضافية بنسبة 25 في المئة على الهند بسبب شرائها النفط من روسيا، على أن تدخل حيز التنفيذ في 27 أغسطس/ آب الجاري. واتّهم الرئيس الأمريكي الهند بعدم الاكتراث بـ"عدد الأشخاص الذين تقتلهم آلة الحرب الروسية في أوكرانيا". ورغم تهديدات ترامب بالعقوبات، لا تزال التوقعات متواضعة بخصوص التوصل إلى اتفاق بحلول يوم الجمعة، كما أن روسيا تواصل هجماتها الجوية الواسعة على أوكرانيا. وكان ترامب قد وعد قبل توليه المنصب في يناير/ كانون الثاني أنه سيكون قادراً على إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا في يوم واحد، لكنه فشل، وأصبح خطابه تجاه روسيا أكثر حدة منذ ذلك الحين. وقال الشهر الماضي: "كنا نظن أننا توصلنا إلى حل للحرب عدة مرات، ثم يخرج الرئيس بوتين ويبدأ في إطلاق الصواريخ على مدينة مثل كييف ويقتل الكثير من الناس في دار رعاية أو شيء من هذا القبيل". وقد فشلت ثلاث جولات من المحادثات بين أوكرانيا وروسيا في إسطنبول في تقريب الحرب من نهايتها، بعد مرور ثلاث سنوات ونصف على بدء الغزو الروسي الشامل. ولا تزال الشروط العسكرية والسياسية التي تطرحها موسكو للسلام غير مقبولة بالنسبة لكييف وشركائها الغربيين. كما أن الكرملين رفض مراراً طلبات كييف لعقد اجتماع بين زيلينسكي وبوتين. وفي غضون ذلك، وافقت الإدارة الأمريكية يوم الثلاثاء على صفقة مبيعات عسكرية إضافية لأوكرانيا بقيمة 200 مليون دولار (150 مليون جنيه إسترليني)، بعد مكالمة هاتفية بين زيلينسكي وترامب، ناقش خلالها الزعيمان التعاون الدفاعي وإنتاج الطائرات المسيّرة. وقد استخدمت أوكرانيا الطائرات المسيّرة لضرب مصافي النفط والمنشآت الحيوية في روسيا، بينما ركزت موسكو هجماتها الجوية على المدن الأوكرانية. وقالت الإدارة العسكرية لمدينة كييف إن حصيلة الهجوم الذي استهدف المدينة الأسبوع الماضي ارتفعت إلى 32 قتيلاً بعد وفاة أحد الجرحى. وكان هذا الهجوم من بين أكثر الهجمات دموية على كييف منذ بداية الغزو. وفي يوم الأربعاء، أفادت السلطات الأوكرانية بأن هجوماً روسياً استهدف مخيماً صيفياً في منطقة زاباروجيا وسط البلاد، مما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة 12 آخرين. وقال زيلينسكي إنه "لا يوجد أي هدف عسكري لهذا الهجوم. إنه مجرد عمل وحشي لترهيب الناس".

ما الغرب؟ وماذا تبقى منه؟ وأسئلة أخرى
ما الغرب؟ وماذا تبقى منه؟ وأسئلة أخرى

العربي الجديد

timeمنذ 3 ساعات

  • العربي الجديد

ما الغرب؟ وماذا تبقى منه؟ وأسئلة أخرى

ثمّة تطورات تاريخية وفكرية حولت دلالة "الغرب" الجغرافية مقابل "الشرق" إلى مفهوم يشير إلى أوروبا اللاتينية الكاثوليكية المرتبطة بالإمبراطورية الرومانية وعاصمتها روما، مقابل "الشرق" البيزنطي الأرثوذكسي المرتبط بالإمبراطورية الرومانية وعاصمتها القسطنطينية، فبدأ بانقسام ثقافي ولغوي وديني (لاتيني كاثوليكي/ يوناني أرثوذكسي). ومع الحروب الصليبية رسخت فكرة أوروبا المسيحية في مواجهة الشرق الإسلامي، ثم بدأت تتشكل معالم تصوّر "الغرب" بوصفه حضارة بعد النهضة الأوروبية والإصلاح الديني، وبعد الاستكشافات الجغرافية الكبرى في القرنين 15-16، لكن المعنى السياسي والفلسفي والثقافي لمصطلح "الغرب" لم يتبلور إلا مع الحداثة الأوروبية، لا سيما بعد القرن 18، فمع الاستعمار الأوروبي، بدأ الغرب يُعرّف ذاته نقيضاً للآخر الشرقي، وساهم تدريجيّاً فلاسفة ومفكرون ومؤرّخون مثل هيغل، وشبنغلر في كتابه "تدهور الغرب"، وتوينبي، في بلورة معناه الفلسفي وتأصيله في الفكر الحديث، وأصبح يظهر بوضوح في أدبيات القرن العشرين، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، حيث صار "الغرب" يعني الحضارة الأوروبية – الأميركية الحديثة. لا يعكس هذا التواتر في استعمال مفهوم الغرب بحال وحدة في تصوره وتعريفه، إذ تتنازع توصيفه اتجاهاتٌ بعضها يحدّده بأبعاد ثقافية وحضارية، فهو منظومة تقوم على مجموعة من المبادئ والقيم (العقلانية، الفردانية، حقوق الإنسان، العلمانية، الديمقراطية، التنوير، السوق الحرّة، العلم والتقنية)، تستند جذورها إلى التراث اليوناني والروماني، والمسيحية الغربية (الكاثوليكية والبروتستانتية)، وعصر النهضة، والثورة العلمية، وعصر التنوير. واتجاه آخر واقعي يربطه بأبعاد جغرافية سياسية واقتصادية، فهو تكتل يتألف من الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا وأستراليا، والتي تتشارك في التحالفات السياسية والاقتصادية. المهام القذرة التي كان الغرب ولا يزال يديرها في العالم ستحدّد تصورات الغرب عن نفسه، أخلاقيّاً على الأقل وثمة اتجاه ثالث نقدي يرى الغرب مشروعاً قهرياً يرتكز على الاستعمار، والعنصرية، وتفوّق العرق الأبيض، وكان لهذا الاتجاه أثره في إعادة إحياء سؤال الغرب، ليصبح موضوعًا للجدل الداخلي الذي سيتصاعد مع مآلات التحولات التي مرّ بها الغرب نفسه عبر مراحل (ما قبل الاستعمار -مرحلة الاستعمار - ما بعد الحرب العالمية الثانية - ثنائية الغرب الليبرالي مقابل الشرق الشيوعي - ما بعد الكولونيالية والعولمة - ظهور قوى جديدة)، وصولًا إلى ما انتهى إليه الحال في الجغرافيا السياسية الغربية نفسها من تناقضات تتصاعد يوماً بعد آخر (الديمغرافيا الغربية - قضايا الهجرة وصعود اليمين المتطرّف، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي – الحرب الروسية الأوكرانية – قضايا الطاقة والمناخ - قضايا الدفاع والوحدة الأوربية - ترامب وابتزاز أوروبا- ...)، وأخيراً تحوّلات الرأي العام الغربي تجاه ثوابت سياسية داخلية وخارجية أبرز عناوينها "إسرائيل"، التي أصبح رئيس وزرائها مطلوباً من أهم محكمة دولية شاركت الدول الغربية بشكل أساسي في تأسيسها ورعايتها. "ما الغرب؟" عنوان كتاب للفيلسوف الفرنسي فيليب نيمو، صدرت طبعته الثانية 2013 وترجمته عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (2023)، اعتصر فيه مؤلفه ما يمكن أن يحصِّن به الغرب المهدد، فعكف على تأصيل فكرة الغرب في التاريخ، وتعداد القواسم المشتركة للدول الغربية (سيادة القانون – الديمقراطية – الحرية الفكرية – العقلانية النقدية- العلم – الاقتصاد الحر)، فهذه "ثقافة حملها العديد من الشعوب تباعًا"، بدءًا من المدينة الإغريقية والحرية والعلوم، فالقانون الروماني والملكية الخاصة والمذهب الإنساني، فثورة الكتاب المقدّس الأخلاقية والأخروية، فالثورة البابوية (القرن: 11-13) التي آلفت بين أثينا وروما والقدس، وأخيرًا ثورات الديمقراطية الليبرالية. هذه الأحداث الخمسة "قد ائتلفت في ما بينها لتكون شكل الغرب"، وستكون عناوين خمسة فصول من الكتاب، وهي الأشياء التي سيتجاهلها الشرق. هذا الإسقاط القسري لأفكار حديثة على مراحل تاريخية معزولة من سياقها مع تجاهل لتناقضاتها، وإنكار قاطع لأية تأثيرات عربية أو إسلامية في مسارها، يهدف منه المؤلف (كما يلاحظ المترجم) إلى الوصول إلى نتيجة أن الديمقراطية الليبرالية ظاهرة غربية من الصعب نقلها أو ترسيخها في مناطق غير غربية، ليس لأن هذه الأخيرة ليست جديرة بها، إنما لأن تطوّرها التاريخي لا يؤهلها لذلك، وليؤكد فضل هذا الغرب على العالم حتى "إن الخمسة مليارات نسمة الذين ظهروا على وجه الأرض منذ عام 1750 هم أبناء الرأسمالية وبناتها، وبهذا المعنى هم أبناء الغرب وبناته"، لكن الفيلسوف لا يحدثنا عن الملايين من ضحايا الحروب والاحتلالات ونحوها في الفترة نفسها، وفي بلاد الغرب نفسه، من هم جزَّاروهم؟ اتجاه نقدي يرى الغرب مشروعاً قهرياً يرتكز على الاستعمار، والعنصرية، وتفوّق العرق الأبيض جواب المؤلف عن سؤال عنوان كتابه "ما الغرب؟" يشبه خطبة واعظ قوم يحكي أمجادهم عبر التاريخ، ويسدل الستار عما عداها، بما في ذلك أدوار الأقوام الآخرين في صناعة تلك الأمجاد والبطولات، وأن يحتاج فيلسوف فرنسي أمضى عقوداً في تدريس الفلسفة السياسية والاجتماعية إلى هذا التنظير التلفيقي للبرهنة على تماسك فكرة الغرب، لهو أكبر دليل على تمزّق الفكرة وتشظيها، ومحاولة بثّ الحياة فيها أمام "مخاطر التفكّك عبر تصاعد الطائفيات أو التهجين الثقافي". "ماذا تبقّى من الغرب؟" عنوان كتاب آخر صدر عام 2014 وترجمه مراد دياني، صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (2023)، يتضمن رسائل متبادلة بين مثقَّفَين فرنسيين متباينين، أحدهما ريجيس دوبريه الذي كان أول من طَرَق إشكالية "نهاية الغرب"، والذي لا يعني بالنسبة له سوى اسم مستعار لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، فهو "وحده يمكنه التحدّث بصوت واحد مع خط قيادة غير متنازع عليه وتوافق عقائدي"، ويرى أن هذا التماسك والصوت الواحد يوحيان للغرب باحتكار ما هو كوني، وأنه مركز العالم وأن مصالحه هي مصالح الإنسانية بأسرها، فيما يرد عليه الكاتب الآخر رينو جيرار بأن الغرب يجمع بلدانًا قائمة على سيادة القانون، في حين أن باقي العالم يعيش في ظل دكتاتوريات تتّخذ صوراً وأشكالاً عدة، مع تأكيده على البعد المسيحي بوصفه من أهم السمات المميزة للغرب. ويتوافق الكاتبان على أن الغرب لا يزال قائماً وثابتاً، وإن كان تفوّقه بدأ يترنح قليلًا، مع خلاف بينهما في توصيف هذه الاستمراية الراجعة لقوته العسكرية والتكنولوجية وفقا لريجيس دوبريه، أو لكون وجوده السياسي لا ينفصل عن جذوره الثقافية الراسخة والوطيدة وفقًا لرينو جيرار. في عرضه "البيانات السريرية" للغرب يعدّد دوبريه خمسة عوامل لنجاح الغرب وقوته (التماسك منقطع النظير، احتكار ما هو كوني، مدرسة أُطر العالم، تنسيق الحساسيات الإنسانية، الابتكار العلمي والتقني) وخمس نقاط لضعفه (الغطرسة العالمية المفرطة، عقدة التفوق المسببة للعمى، إنكار التضحية بالتخلص من المقدّس، سجن الزمن القصير والنتائج السريعة، تناثر العامل المخل بالنظام)، ولكل منها تفاصيل مهمّة لا يتّسع المقام لعرضها، فيما يلخص رينو جيرار المشكلة بقوله "وليست لدى أوروبا مشكلة رقم هاتف فحسب، بل لديها مشكلة الميكرفون. والحالة هذه أشد إزاء مواطنيها مما هي عليه إزاء الأجانب"، يقصد بذلك التشتت وتعدد المتحدثين باسم أوروبا، وأنه "إذا لم يفلح الغرب في أن يجد في داخله الموارد اللازمة للعلاج السريع لأفضل ابتكار أحدثه -الاتحاد الأوروبي- فإنه محكوم في النهاية بالتفكّك السياسي". المعنى السياسي والفلسفي والثقافي لمصطلح "الغرب" لم يتبلور إلا مع الحداثة الأوروبية، لا سيما بعد القرن الثامن عشر ما هو مؤكّد أن الغرب وفق منظِّريه في مآزق تتسع يوماً بعد آخر، لكن حسب دوبريه "إن معرفة كيفية اكتساب المناعة ضد السم من خلال الابتلاع المنظم للسلبية النقدية هي عبقرية الغرب، وهي، في الآن ذاته، ديناميته ودرعه الواقي"، وهذا ما يستند إليه رينو بوصفه "أفضل شاهد على أن الغرب السياسي ليس سيئاً، أو محتضراً، وأنه بالفعل وليد الغرب الثقافي"، هذا التشخيص الدفاعي والنقدي كما عرض أعلاه من خلال الكتابين بما هو نموذج للنقاش الغربي حول نفسه كان قبل أكثر من عقد، ويبدو أن هذا العِقد قد اشتمل من الأحداث ما يضاعف الأسئلة والمراجعات، فهل سيبقى فيليب نيمو بعد ظاهرة الترامبية متمسكًا بقوله "فلا توجد على وجه التأكيد هوية أوروبية يمكن معارضتها بالهوية الأميركية"، وهل لا يزال لتساؤله مكان فيما يخص الوضع الجيوسياسي المستقبلي لدولة إسرائيل نسبة إلى الدول الغربية، إذ رأى أنه يتوقّف من وجهة نظره على اختياراتها الفلسفية والدينية، وبالأخص: هل سيتفادون أن تتحوّل الصهيونية إلى قومية عادية؟ وهل ستكون دولة قانون على النمط الغربي، أم أنهم سوف يتركون البلاد تتحوّل إلى نوع جديد من الثيوقراطية؟ المهام القذرة التي كان الغرب ولا يزال يديرها في العالم، كما أوضحها الكاتب في مقال سابق، ستحدّد تصورات الغرب عن نفسه، أخلاقيّاً على الأقل، فالتطور التقني أصبح في وجه منه مرآة تكشف عوراته التي كان يخفيها الإعلام، والعولمة والاقتصاد الحر كانت مقدمات لتمكين الخصوم من أسباب القوة المحتكرة غربيّاً، والحروب "لأسباب الإنسانية" أو عدم خوضها لهذه الأسباب وطَّنت ضحاياها في بلدان الغرب ليعيدوا تشكيل هويته المستقبلية، وأمور أخرى كثيرة سيكون أدنى أثر لها المزيد في اتساع الخرق على الراقع.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store