logo
"دولة على الورق"

"دولة على الورق"

شفق نيوزمنذ 2 أيام
تتعامل الدولة العراقية الجديدة مع إقليم كوردستان بسياسة تستند إلى "تصفير" صلاحيات الإقليم الفعلية والدستورية، متبنيةً هذا المسار كهدف استراتيجي ضمن رؤيتها لإعادة تشكيل السلطة المركزية. في المقابل، سعى إقليم كوردستان، منذ نشأته، إلى ترسيخ وتوسيع صلاحياته القانونية والدستورية، متجاوزاً أحياناً حدود الفيدرالية، ومؤسساً نمطاً خاصاً من الإدارة السياسية والاقتصادية المستقلة.
هذا التباين في الرؤية والسياسات أدى، بطبيعة الحال، إلى لحظات تصادم واحتقان سياسي بين الطرفين، لا سيما حين يتعارض منطق الدولة المركزية مع واقع الإقليم المتمايز.
من خلال تحليل سلوك الحكومة المركزية، يظهر أنها لا تمثل فقط مصالح الدولة العراقية الحديثة، بل تحاكي، في بعض أوجهها، عقلية الهيمنة التاريخية والاستعمار الإقليمي، وتعبّر أحياناً عن نزعات طائفية تعارض التعددية والديمقراطية. وقد مكّنتها تحالفات القوى النافذة، خلال العقود الثلاثة الماضية، من السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها، لتكون اللاعب الأقوى في تحديد المسار السياسي داخل العراق وكوردستان على حد سواء.
أما إقليم كوردستان، فقد اتخذ من تجربته الذاتية منذ ما بعد 2003 موقعاً يتجاوز حدود الإقليم الجغرافي، مُقدّماً نفسه بوصفه امتداداً للحركة التحررية الكوردية وتاريخها، وممثلاً للأمة الكوردية التي فُرض عليها واقع التقسيم بعد اتفاقية سايكس بيكو. وعلى هذا الأساس، لم يقبل الكورد تحميلهم مسؤولية التعطيل الدستوري، ولم يعترف العراق، بالمقابل، بالإقليم ككيان اتحادي كامل الصلاحيات بعد عام 2005.
وفي هذا المشهد الملتبس، لا يظهر العراق كدولة حديثة متماسكة، ولا يتصرف إقليم كوردستان بصفته كياناً مستقلاً عن إرث الثورة والعاطفة القومية. ورغم تحرك الجانبين ضمن أطر قانونية شكلية، إلا أن المسار العام يفتقر إلى الوضوح والاستقرار.
رغم كل الجهود المبذولة، لم تفلح بغداد في انتزاع السيادة القانونية والسياسية من الإقليم، ولا نجح الإقليم في فرض التزام الحكومة المركزية الكامل بالدستور وتوسيع النظام الفيدرالي. وبدلاً من الرجوع إلى النصوص الدستورية والمرجعيات القانونية، تستند المفاوضات إلى موازين القوة لا إلى مبدأ الشراكة.
الاختلاف الوحيد عن الماضي يتمثل في طبيعة أدوات الصراع: ففي الأمس كانت الدبابات والغازات السامة أدوات التفاوض عبر وزارة الدفاع، أما اليوم فأصبح تعطيل الرواتب وحجب الميزانية عبر وزارة المالية أدوات "القوة الناعمة" لفرض الإرادة السياسية.
من منظور السلطات الاتحادية، لا تُعدّ المشاركة الكوردية في الدولة أكثر من تواجد رمزي لعدد محدود من البيروقراطيين، كثير منهم لا يستطيع حتى استخدام لغته الأم داخل مؤسسات الدولة. وعلى الرغم من الانتقال الدستوري في العراق إلى نظام ديمقراطي بعد 2005، إلا أن الواقع يكشف عن انحدار تدريجي نحو نظام ديني طائفي وميليشياوي، يُضيّق الهامش المتاح للتعددية، ويُحاصر أي محاولة لبناء دولة اتحادية حقيقية.
تبدو السياسة العراقية تجاه كوردستان قائمة على نفي التجربة لا الاحتفاظ بها كإرث دستوري وتاريخي. ولهذا لا تتردد بعض الأطراف في استخدام الميليشيات والطائرات المسيّرة لفرض وقائع جديدة تُخل بتوازن القوى، وتُستخدم هذه الإجراءات كأوراق ضغط تفاوضي لا تستند إلى أي شرعية قانونية.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، ينبغي على كوردستان أن تُعيد تموضعها السياسي، لا من خلال رد الفعل، بل عبر تفعيل أدوات القانون والدستور، والابتعاد عن خوض اللعبة على أرضٍ غير شرعية أو قواعد ملوّثة بالصراع. في عصر ما بعد الورقة والسلاح، وحده القانون يمكن أن يكون ورقة القوة الرابحة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بريطانيا تستذكر فترة انتدابها على فلسطين التاريخية، وتضع الفلسطينيين بين "وعدين"
بريطانيا تستذكر فترة انتدابها على فلسطين التاريخية، وتضع الفلسطينيين بين "وعدين"

شفق نيوز

timeمنذ يوم واحد

  • شفق نيوز

بريطانيا تستذكر فترة انتدابها على فلسطين التاريخية، وتضع الفلسطينيين بين "وعدين"

لا تزال ظلال "وعد بلفور" تخيم على الفلسطينيين وكذلك الحكومة البريطانية، عند إطلاق رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وعداً مشروطاً، لكنه هذه المرة للفلسطينيين، بعد 77 عاماً على رحيل الانتداب البريطاني عن فلسطين. في 29 من يوليو تموز، أعلن ستارمر أن بلاده، التي انتدبت على المنطقة من بينها الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، ستعترف رسمياً بـ"دولة فلسطين" في سبتمبر/أيلول، إلا إذا اتّخذت إسرائيل "خطوات حيوية" في غزة، بينها الموافقة على وقف إطلاق النار. نسرد لكم، في هذا المقال، تسلسلاً تاريخياً بين فلسطين والمملكة المتحدة وفق ما جاء في الوثائق البريطانية. "ظلم تاريخي" ووعد لم يُحترم "تاريخنا يعني بأن بريطانيا يقع على عاتقها عبء خاص من المسؤولية لدعم حل الدولتين"، تصريح لوزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، وكأنه يلمح إلى فترة الانتداب. وتحدّث لامي خلال مؤتمر الأمم المتحدة بشأن التسوية السلمية لمسألة الدولة الفلسطينية وتطبيق حل الدولتين، عن "ظلم تاريخي يتكشف أمامنا باستمرار لأن وعد بلفور أتى بوعد صريح بأنه (لن يؤتي بعمل من شأنه أن يضر بالحقوق المدنية والدينية) للشعب الفلسطيني كذلك لم يُحترم". ترى جولي نورمان، الأستاذة المساعدة في العلاقات الدولية في جامعة كولدج لندن، في حديث مع بي بي سي، أن قرار ستارمر بالاعتراف بدولة فلسطينية يستند بالأساس إلى الوضع الراهن، والدمار في قطاع غزة، وتصاعد العنف في الضفة الغربية، وخطط التهجير والضم في المنطقتين. "لطالما التزمت المملكة المتحدة بحل الدولتين، وهي ترغب في إنقاذ هذا المسار قبل أن يصبح مستحيلاً"، تضيف نورمان المتخصصة في سياسات الشرق الأوسط، لكنها تحدثت عن تاريخ طويل من انخراط بريطانيا في فلسطين التاريخية، يعود إلى أكثر من 100 عام. ماذا يعني الانتداب؟ يعبّر الانتداب عن تفويض صادر عن عصبة الأمم، لإحدى دول العصبة لحكم دول كانت تحت الحكم الألماني أو العثماني، بشكل مؤقت، وفق الموسوعة البريطانية، وذلك بهدف تطويرها في مختلف الأوجه تمهيدأ لحصولها على استقلالها الذاتي. وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى، قُسِّمت الانتدابات إلى ثلاث مجموعات بناءً على موقعها ومستوى تطورها السياسي والاقتصادي، ثم خُصِّصت لكل دولة من الدول المنتصرة (القوى المُنتَدِبة). وتألفت الفئة (أ) من مناطق الانتداب من دول كانت تحت حكم الدولة العثمانية، وهي العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وفقاً للموسوعة البريطانية "بريتانيكا". واعتُبرت هذه الأراضي متقدمة بما يكفي للاعتراف باستقلالها المؤقت، وظلت خاضعة للسيطرة الإدارية للدول المنتدبة حتى أصبحت قادرة على الاستقلال التام، وفق الموسوعة. وحصلت جميع مناطق الانتداب من الفئة (أ) على استقلالها بحلول عام 1949، عدا "الدولة الفلسطينية". ما موقع فلسطين من خريطة سايكس-بيكو؟ BBC في 1916، عُقدت اتفاقية سايكس-بيكو "السرية" أثناء الحرب العالمية الأولى بين بريطانيا وفرنسا، بهدف تقاسم أراض كانت تحت حكم الدولة العثمانية. واتفق ممثلا الحكومة الفرنسية فرنسوا جورج-بيكو والبريطانية مارك سايكس على وضع فلسطين تحت إدارة دولية من عدة دول بينها بريطانيا وفرنسا، وفق الموسوعة البريطانية. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، اجتمع رئيسا الحكومتين الفرنسية جورج كليمنصو والبريطانية ديفيد لويد جورج لتعديل اتفاق سايكس بيكو، وتخلت فرنسا عندئذ عن "فلسطين" ومنطقة الموصل، وفق فرانس برس. BBC 67 كلمة وفقاً لموسوعة "بريتانيكا"، كانت فلسطين تحت الحكم العثماني حتى عام 1917، حينما دخلها الجيش البريطاني بقيادة الجنرال إدموند ألنبي. وفي الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 1917، وجّه وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور إلى الممثل الأعلى للطائفة اليهودية البريطانية اللورد والتر روتشيلد رسالة مطبوعة صادقت عليها الحكومة البريطانية، وطلب منه فيها أن يبلغ مضمونها إلى الاتحاد الصهيوني، بحسب الموسوعة البريطانية. ومما قالته الرسالة: "إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل قصارى جهدها لتحقيق هذه الغاية". وتعهّدت الرسالة بعدم "الانتقاص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر". لم تكن الكلمات الـ67 تعبر عن رسالة عابرة، بل كانت حدثاً غير مسار الفلسطينيين واليهود والشرق الأوسط. BBC شكّل هذا النص القصير "نصراً كبيراً" لزعيم الصهاينة في المملكة المتحدة حاييم وايزمان الذي أصبح في ما بعد أول رئيس لدولة إسرائيل، وبذل جهوداً كبيرة في اتجاه تحقيق هذا الوعد. يختلف الفلسطينيون والإسرائيليون في نظرتهم للوعد. فإسرائيل تُشيد به كأحد العوامل التي ساعدت على قيامها عام 1948، وشجع اليهود على الهجرة إليها. لكن بالنسبة للفلسطينيين، ساهم هذا الوعد في مأساة سلب أرضهم، ما أدى إلى ما يُعرف بـ"النكبة الفلسطينية" عام 1948، وتهجير نحو 760 ألف فلسطيني من أرضهم. وأعرب الفلسطينيون عن معارضتهم للوعد البريطاني في مؤتمر عقد في القدس عام 1919. في 2021، قالت محكمة فلسطينية إن "وعد بلفور" أدى إلى "حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه القانونية والسياسية والإنسانية ومنعه من حقه في تقرير مصيره على أرضه". ترى جولي نورمان في حديث مع بي بي سي، أن وعد بلفور اتسم بالإشكالية في الاعتراف بالحقوق المدنية والدينية للشعب الفلسطيني، بدون حقوقه الوطنية أو السياسية (مع وعده بـ"وطن" للشعب اليهودي). وترى نورمان أن لامي محق في أن بريطانيا أخفقت في الوفاء بوعدها، وفقاً لتصريح بلفور، في حماية حقوق الفلسطينيين. أقر مؤتمر سان ريمو في إيطاليا في 1920، الانتداب الذي يفترض أن يعد للاستقلال وعهد به لبريطانيا (فلسطين التاريخية والضفة الشرقية لنهر الأردن والعراق) وفرنسا (سوريا ولبنان). وفي 1922، وبعد سحق الثورات في فلسطين وسوريا والعراق، صادقت عصبة الأمم على وضع هذه المناطق تحت الانتدابين الفرنسي والبريطاني. وشكّلت رسالة بلفور الأساس للانتداب البريطاني على فلسطين، الذي وافقت عليه عصبة الأمم في 1922. وأقرت العصبة "صك الانتداب" الذي تسلمت بموجبه بريطانيا مهمتها في فلسطين لتتولى "مسؤولية أن ترسي في هذا البلد وضعاً سياسياً وإدارياً واقتصادياً من شأنه أن يضمن إقامة وطن قومي للشعب اليهودي"، وفق فرانس برس. الثورة الفلسطينية الكبرى في 1921، حدثت اضطرابات في مدينة يافا بين العرب واليهود، واصطدم العرب بالقوات البريطانية وانتقلت الأحداث إلى سائر المدن الفلسطينية، ودامت هذه الاضطرابات حوالي أسبوعين قُتل خلالها من العرب 48 شخصاً، وبلغ عدد قتلى اليهود 47، وفق وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا). وبادرت الحكومة البريطانية إلى تأليف لجنة للتحقيق في أسباب الاضطرابات. وفي 1925، زار بلفور القدس للمشاركة في افتتاح الجامعة العبرية، مما أدى لإضراب ومظاهرات فلسطينية. وعُقد في القدس أول مؤتمر نسائي فلسطيني لرفض الانتداب في 1929. وفي 1935، قُتل عز الدين القسام الذي كان يُقاتل بجماعته المسلحة ضد الانتداب البريطاني بالقرب من مدينة جنين، وفق وكالة (وفا). واجه الانتداب البريطاني "الثورة الفلسطينية الكبرى" ما بين 1936 و1939، بعد عوامل عدة أثارت الفلسطينيين بينها تزايد الهجرة اليهودية ومقتل القسام، وتخلل الثورة إضراب فلسطيني استمر 183 يوماً، وفق وكالة (وفا). يقول مؤرخون إن أكثر من 5 آلاف فلسطيني قُتلوا، بينما أصيب نحو 15 ألفاً خلال الثورة، أما القتلى من البريطانيين واليهود كانوا بالمئات. الكتاب الأبيض اضطرت بريطانيا إثر الثورة إلى إعادة تقييم سياستها في فلسطين التاريخية، فنظمت مؤتمراً في لندن وأصدرت عام 1939 وثيقة "الكتاب الأبيض" الذي قيد بيع الأراضي لليهود في فلسطين التاريخية، كما قيد هجرتهم خلال خمس سنوات تبدأ من أول أبريل/نيسان 1939. وتعهّدت بريطانيا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة في غضون السنوات العشر التالية - إذا أمكن ذلك - على أنْ يتقاسم فيها الفلسطينيون واليهود مهام السلطات الحكومية. وألمحت الوثيقة إلى خطط إنهاء الانتداب البريطاني. في يوليو/تموز 1946 شنت عناصر من حركة أرغون الصهيونية السرية سلسلة من الهجمات والتفجيرات التي استهدفت القوات البريطانية ومن بينها الهجوم على فندق الملك داوود في القدس الذي كانت تتواجد فيه قيادة سلطة الانتداب المدنية والعسكرية البريطانية فسقط عدد كبير من الجنود والموظفين البريطانيين. الهجرة اليهودية شهدت فلسطين منذ القرن التاسع عشر عدداً من موجات الهجرة اليهودية المحدودة، لكنها تسارعت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع تأسيس الحركة الصهيونية التي كان محور نشاطها إقامة دولة لليهود في فلسطين التاريخية. وسرعت المشاعر المعادية لليهود في أوروبا والعمليات ضدهم في روسيا، هجرة العديد منهم إلى فلسطين التاريخية. وبلغ عدد اليهود في فلسطين 47 ألفاً في 1895 مقابل 24 ألفا في 1882، وفق فرانس برس. أما الموجة الثانية من الهجرات فكانت بين عامي 1904 و1914، وتراوح مجموع الواصلين بين 35 ألف و40 ألف يهودي روسي. ومع صعود النازية في ألمانيا وبعد المذابح التي تعرض لها اليهود فيها أثناء الحرب العالمية الثانية، اتخذت هجرة اليهود إلى فلسطين حجماً كبيراً. وشجع وعد بلفور اليهود على الهجرة إلى فلسطين، وكان عدد قليل من اليهود يعيشون فيها قبل 1917 مع الفلسطينيين. وفي 1917، كانت نسبة اليهود لا تزيد عن 7 في المئة من المجتمع المحلي في فلسطين التاريخية. وعند صدور قرار خطة تقسيم فلسطين عام 1947، كان يعيش فيها 1.3 مليون فلسطيني و600 ألف يهودي، وبذلك حصل اليهود على 54 في المئة من الأراضي وفق القرار، في حين كانوا يمثلون 30 في المئة فقط من السكان، بحسب فرانس برس. وتجاوز عدد اليهود في فلسطين عام 1948، حاجز 700 ألف، وفق وكالة وفا. ويمنح "قانون العودة" الجنسية الإسرائيلية إلى اليهود الذين يأتون للإقامة في إسرائيل. التقسيم ثم "النكبة" اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة في في 1947 القرار 181 الذي أصبح يعرف بـ"قرار التقسيم" الذي نصّ على: "تُنشأ في فلسطين دولة يهودية ودولة عربية، مع اعتبار القدس كياناً متميزاً يخضع لنظام دولي خاص". أيد القرار 33 دولة بينها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وفرنسا، وعارضته 13 دولة بينها الدول العربية، وامتنعت 10 دول عن التصويت بينها بريطانيا. قبل زعماء اليهود الخطة التي أعطتهم 56 في المئة من الأرض، ورفضتها جامعة الدول العربية. ثم أُعلن إنشاء دولة إسرائيل في 14 مايو/أيار 1948. وبعد يوم واحد، بدأت حرب بين دول عربية وإسرائيل، وانتهت الحرب بسيطرة إسرائيل على 77 في المئة من الأراضي. BBC قتل تعسفي وتعذيب ودروع بشرية في 2022، طالبت عريضة، تضم ملف "أدلة" من 300 صفحة، بإقرار رسمي واعتذار عن "الانتهاكات" خلال فترة الحكم البريطاني لفلسطين التاريخية. وكان المحامي البريطاني بن إيمرسون كاي سي، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب قال لبي بي سي، إن الفريق القانوني اكتشف أدلة على "جرائم مروعة ارتكبتها عناصر من قوات الانتداب البريطاني بشكل منهجي ضد السكان الفلسطينيين". وأضاف المحامي لبي بي سي "إن بعض (الجرائم) على درجة كبيرة من الخطورة، حتى أنها كانت تعد في ذلك الحين انتهاكات للقانون الدولي العرفي". وتتضمن مراجعة لبي بي سي لأدلة تاريخية "تفاصيل القتل التعسفي والتعذيب واستخدام الدروع البشرية واللجوء إلى هدم المنازل كعقاب جماعي. وأغلب هذه الممارسات جاءت في إطار مبادئ توجيهية للسياسة الرسمية للقوات البريطانية في ذلك الوقت أو بموافقة كبار الضباط". كان ما ارتكبته بريطانيا في فلسطين "عنيف" و"استثنائي"، وفقاً للمؤرخ العسكري البروفيسور ماثيو هيوز، الذي قال إن تكتيكاتها لم تصل بشكل روتيني إلى مستويات الوحشية التي شهدتها بعض المستعمرات الأخرى. يحتفظ أرشيف متحف الحروب الإمبراطورية في لندن بذكريات العديد من الجنود وضباط الشرطة البريطانيين في فلسطين التاريخية. وتفصّل بعض سجلات التاريخ الشفوي روايات عن الغارات "العقابية" واستخدام الدروع البشرية والتعذيب. وقالت وزارة الدفاع البريطانية في بيان إنها كانت على علم بادعاءات تاريخية ضد أفراد القوات المسلحة خلال تلك الفترة، وإن أي دليل يُقدم سيخضع لـ"مراجعة شاملة".

"دولة على الورق"
"دولة على الورق"

شفق نيوز

timeمنذ 2 أيام

  • شفق نيوز

"دولة على الورق"

تتعامل الدولة العراقية الجديدة مع إقليم كوردستان بسياسة تستند إلى "تصفير" صلاحيات الإقليم الفعلية والدستورية، متبنيةً هذا المسار كهدف استراتيجي ضمن رؤيتها لإعادة تشكيل السلطة المركزية. في المقابل، سعى إقليم كوردستان، منذ نشأته، إلى ترسيخ وتوسيع صلاحياته القانونية والدستورية، متجاوزاً أحياناً حدود الفيدرالية، ومؤسساً نمطاً خاصاً من الإدارة السياسية والاقتصادية المستقلة. هذا التباين في الرؤية والسياسات أدى، بطبيعة الحال، إلى لحظات تصادم واحتقان سياسي بين الطرفين، لا سيما حين يتعارض منطق الدولة المركزية مع واقع الإقليم المتمايز. من خلال تحليل سلوك الحكومة المركزية، يظهر أنها لا تمثل فقط مصالح الدولة العراقية الحديثة، بل تحاكي، في بعض أوجهها، عقلية الهيمنة التاريخية والاستعمار الإقليمي، وتعبّر أحياناً عن نزعات طائفية تعارض التعددية والديمقراطية. وقد مكّنتها تحالفات القوى النافذة، خلال العقود الثلاثة الماضية، من السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها، لتكون اللاعب الأقوى في تحديد المسار السياسي داخل العراق وكوردستان على حد سواء. أما إقليم كوردستان، فقد اتخذ من تجربته الذاتية منذ ما بعد 2003 موقعاً يتجاوز حدود الإقليم الجغرافي، مُقدّماً نفسه بوصفه امتداداً للحركة التحررية الكوردية وتاريخها، وممثلاً للأمة الكوردية التي فُرض عليها واقع التقسيم بعد اتفاقية سايكس بيكو. وعلى هذا الأساس، لم يقبل الكورد تحميلهم مسؤولية التعطيل الدستوري، ولم يعترف العراق، بالمقابل، بالإقليم ككيان اتحادي كامل الصلاحيات بعد عام 2005. وفي هذا المشهد الملتبس، لا يظهر العراق كدولة حديثة متماسكة، ولا يتصرف إقليم كوردستان بصفته كياناً مستقلاً عن إرث الثورة والعاطفة القومية. ورغم تحرك الجانبين ضمن أطر قانونية شكلية، إلا أن المسار العام يفتقر إلى الوضوح والاستقرار. رغم كل الجهود المبذولة، لم تفلح بغداد في انتزاع السيادة القانونية والسياسية من الإقليم، ولا نجح الإقليم في فرض التزام الحكومة المركزية الكامل بالدستور وتوسيع النظام الفيدرالي. وبدلاً من الرجوع إلى النصوص الدستورية والمرجعيات القانونية، تستند المفاوضات إلى موازين القوة لا إلى مبدأ الشراكة. الاختلاف الوحيد عن الماضي يتمثل في طبيعة أدوات الصراع: ففي الأمس كانت الدبابات والغازات السامة أدوات التفاوض عبر وزارة الدفاع، أما اليوم فأصبح تعطيل الرواتب وحجب الميزانية عبر وزارة المالية أدوات "القوة الناعمة" لفرض الإرادة السياسية. من منظور السلطات الاتحادية، لا تُعدّ المشاركة الكوردية في الدولة أكثر من تواجد رمزي لعدد محدود من البيروقراطيين، كثير منهم لا يستطيع حتى استخدام لغته الأم داخل مؤسسات الدولة. وعلى الرغم من الانتقال الدستوري في العراق إلى نظام ديمقراطي بعد 2005، إلا أن الواقع يكشف عن انحدار تدريجي نحو نظام ديني طائفي وميليشياوي، يُضيّق الهامش المتاح للتعددية، ويُحاصر أي محاولة لبناء دولة اتحادية حقيقية. تبدو السياسة العراقية تجاه كوردستان قائمة على نفي التجربة لا الاحتفاظ بها كإرث دستوري وتاريخي. ولهذا لا تتردد بعض الأطراف في استخدام الميليشيات والطائرات المسيّرة لفرض وقائع جديدة تُخل بتوازن القوى، وتُستخدم هذه الإجراءات كأوراق ضغط تفاوضي لا تستند إلى أي شرعية قانونية. وفي ظل هذا المشهد المعقد، ينبغي على كوردستان أن تُعيد تموضعها السياسي، لا من خلال رد الفعل، بل عبر تفعيل أدوات القانون والدستور، والابتعاد عن خوض اللعبة على أرضٍ غير شرعية أو قواعد ملوّثة بالصراع. في عصر ما بعد الورقة والسلاح، وحده القانون يمكن أن يكون ورقة القوة الرابحة.

"الوداع الأخير للجبال".. قراءة للقضية الكوردية في خضم التطورات الإقليمية
"الوداع الأخير للجبال".. قراءة للقضية الكوردية في خضم التطورات الإقليمية

شفق نيوز

timeمنذ 2 أيام

  • شفق نيوز

"الوداع الأخير للجبال".. قراءة للقضية الكوردية في خضم التطورات الإقليمية

شفق نيوز- تحليل خاص تتقدم مبادرة تركية لنزع سلاح حزب العمال الكوردستاني، بخطوات بطيئة وحذرة في الوقت نفسه، بعد المراسم الرمزية لتسليم وإحراق أسلحة مقاتلي الحزب في 11 تموز/ يوليو الجاري بالقرب من محافظة السليمانية في إقليم كوردستان، حيث يبدو أن معادلات المشهد الإقليمي المتقلب، هي الأكثر خطورة لتقويض أو تأجيل التقدم في عملية السلام المحفوفة بالمجازفات. صحيح أن مشهد نزول المقاتلين والمقاتلات في حزب العمال الكوردستاني من الجبال والكهوف لتسليم سلاحهم، يحمل الكثير من الدلالات في هذا الصراع الممتد منذ 50 سنة، لكن تماسك المشهد واستمراره، سيظلان مرهونين بالأيام والأسابيع المقبلة، وما إذا كان هذا الدفع نحو التسوية "التاريخية" سيواصل مسيرته الإيجابية أم سيتعثر بعقبات السياسة والأمن والحسابات الإقليمية وتأثيراتها. مؤشرات رمزية تركية وفي مؤشرات رمزية ولكن لافتة بتخفيف القيود، سمحت السلطات التركية لزعيم حزب العمال الكوردستاني المنحل عبد الله أوجلان، أن يستقبل في سجن إيمرالي، ابن أخيه عمر أوجلان، وذلك ضمن زيارة عائلية، بحضور وكيله مظلوم دينش، وذلك بالإضافة إلى استقباله مجدداً وفداً من حزب "الديمقراطية والمساواة للشعوب"، المعروف باسم "وفد إيمرالي". ويقول مراقبون إن الخطوة التي تبدو أكثر أهمية الآن تتعلق باللجنة البرلمانية التي سيعلن عنها بكامل أعضائها، ومن المفترض أن تبدأ أعمالها مع بداية شهر آب/ أغسطس المقبل، والتي يفترض أن تواكب عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكوردستاني، من خلال تشريعات وقوانين تساهم في تمهيد الطرقات أمام التسوية ومعالجة التحديات القانونية والتشريعية القائمة منذ عقود، أو تلك التي ستنشأ على الطريق نحو السلام، خصوصاً ما يتعلق بضمان الوئام الاجتماعي ومسائل العدالة والعفو. ولفت المراقبون إلى أن اللجنة المقترح تسميتها "لجنة السلام الاجتماعي والعدالة والتوافق الديمقراطي"، ستضم 51 نائباً، غالبيتهم من حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى جانب حزب الشعب الجمهوري، والحركة القومية، وحزب الديمقراطية، والمساواة للشعوب. المشهد الإقليمي لكن المشهد أكبر من اللجنة وزيارات أوجلان والنقاشات المكثفة الدائرة في تركيا، في برلمانها، وأحزابها، وسياسييها، والقصر الرئاسي والحكومي، فهناك متابعة دقيقة جارية منذ مراسم تسليم السلاح في السليمانية، تتخطى سجن إيمرالي والقادة التاريخيين لحزب العمال الكوردستاني في معاقلهم الجبلية وكهوفها في العراق وسوريا. المتابعة تشمل أيضاً حكومة محمد شياع السوداني في بغداد؛ والسلطات السورية الجديدة في دمشق؛ وسلطات الإدارة الذاتية التي يقودها الكورد في الشرق السوري؛ وقادة إيران والحرس الثوري في طهران؛ وقادة إقليم كوردستان؛ وقادة الأحزاب والإعلام في تركيا؛ والاتحاد الأوروبي؛ وإدارة دونالد ترامب ومبعوثيها إلى المنطقة؛ وبالتأكيد إسرائيل. وانشغل العالم لعقود بقضية الكورد، وبمسيرة حزب العمال الكوردستاني ونشاطه وهجماته وأهدافه ورهاناته، إلا أن العالم الذي شاهده أوجلان في بداية سبعينيات القرن الماضي، ليؤسس من بعدها الحزب في العام 1978، ثم يطلق "الكفاح المسلح" في العام 1984، تبدل جذرياً، وتغيرت توازنات القوى ومصالحها، وآمال الكورد في تركيا والعراق وسوريا وإيران، وكان مشهد النزول الرمزي في السليمانية تذكيراً جديداً للكورد، ولكل من يعنيهم الأمر، بأن الكورد يراهنون مجدداً على السلام وعلى صداقات لا تقتصر على الجبال التي حمتهم طويلاً. إقليم كوردستان ويقول المحلل المتخصص بالشؤون التركية والسورية، سركيس قصارجيان، لوكالة شفق نيوز، إن "حزب العمال الكوردستاني رسخ وجوده العسكري والسياسي في مناطق عديدة أبرزها قنديل ومخمور وسنجار وقد شكل هذا الوجود عوامل مثيرة للتوتر المتواصل مع تركيا من جهة، والحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كوردستان من جهة أخرى، وأنه برغم المطالبات المستمرة من قبل الحكومة الاتحادية بانسحاب هذه القوات، إلا أن أنقرة تواصل وجودها الأمني والعسكري". ولم يستبعد قصارجيان أن تمارس أنقرة ضغوطاً على بغداد وأربيل ودمشق من أجل إنهاء أي وجود عسكري لحزب أوجلان أو الأحزاب المرتبطة به في مناطقهم، في حين تجد الأحزاب الكوردية في إقليم كوردستان نفسها أمام لحظة مفصلية لإعادة تشكيل التوازن داخل البيت الكوردي في مرحلة ما بعد مراسم السليمانية وبدء تسليم حزب العمال الكوردستاني أسلحته. ومع ذلك، يقول مصدر سوري مطلع على تطورات المشهد الكوردي، إن الآمال العالية بالسلام، لا تعني بالضرورة أن السلام سيكون مضموناً بحسب ما أظهرته أحداث العقود الماضية فيما يتعلق بالكورد خصوصاً. وحتى وإن كانت دعوة زعيم الحركة القومية التركي دولت بهجلي في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، للمصالحة بين تركيا وحزب أوجلان، في حال وافق على حل نفسه، أثارت كل هذا التفاؤل، إلى جانب اللهجة التصالحية التي بدأ الرئيس رجب طيب أردوغان باستخدامها عند الحديث عن الكورد عموماً بإشارته مثلاً إلى الإخفاقات التاريخية للدولة في معالجة القضية الكوردية، وانتقاده للانتهاكات السابقة بحق الكورد خارج نطاق القضاء، قائلاً بوضوح "لقد دفعنا جميعاً ثمن هذه الأخطاء"، وإشارته أيضاً إلى أن الصراع كلف تركيا نحو 50 ألف قتيل وأكثر من تريليوني دولار من الخسائر. ولم تكن العناصر التي حفزت التسوية بين أنقرة وحزب أوجلان، داخلية فقط. إذ يقول مراقبون إن الأذى الذي لحق بإقليم كوردستان نتيجة الصراع العسكري بين تركيا وحزب العمال الكوردستاني، كان من بين العوامل التي جعلت أربيل تُفعّل حراكها ومواقفها المؤيدة للتسوية حتى قبل مشهد التسليم في السليمانية. ويقول قصارجيان إن "قيادة إقليم كوردستان نجحت في دبلوماسيتها البراغماتية في خلق توازن بعلاقاتها المتوترة مع بغداد بشأن تقاسم الموارد مقابل تعزيز علاقاتها مع كل من تركيا والولايات المتحدة ودول المنطقة، ولهذا فإن حلّ حزب العمال الكوردستاني لنفسه، قد يشكل نقطة تحول تاريخية في القضية الكوردية". التقارب العراقي التركي ويقول مراقبون أيضاً إن تقارب حكومتي بغداد وأنقرة خصوصاً، مثلاً من خلال مشروع "طريق التنمية" الإستراتيجي للبلدين، ساهم في دفع احتمالات معالجة هذا الملف وتوقيع العراق على اتفاقية تعاون أمني مع تركيا في آب/ أغسطس 2024، تسمح بمواجهة حزب العمال الكوردستاني على الأراضي العراقية من خلال تصنيفه كحزب محظور. وما يزال من غير الواضح حتى الآن، ما إذا كانت كل الفصائل الكوردية المسلحة سواء المرتبطة بحزب العمال الكوردستاني أو تنشط من خارجه، ستعتبر نفسها معنية بالاتفاق وتسليم السلاح، وما إذا كانت كل قيادات حزب أوجلان المنحل، ستسير حتى النهاية بخطوات نزع السلاح، حيث لا يستبعد مراقبون أن تظل هناك مجموعات مستعدة لمواصلة القتال طالما أن علاجاً شاملاً للقضية الكوردية لم يتحقق بالكامل سواء في أروقة السياسة التركية الداخلية أو في دول المنطقة الأخرى المعنية خصوصاً في سوريا وإيران. فبينما يتمتع الكورد في شمال العراق بوضع خاص ومستقر عموماً، ويحظون باعتراف دولي بشرعية إقليمهم، فإن الكورد في شمال شرق سوريا، حيث يتداخل أيضاً حضور حزب العمال الكوردستاني هناك، بدأوا يشعرون بالتضييق الخارجي عليهم، وأن علاقتهم المميزة مع الولايات المتحدة منذ 15 سنة، وتسليحها لهم ودعمهم مالياً، لم تعد تحصنهم وتحميهم، سواء أمام ضغوطات أنقرة، أو أمام سطوة الميليشيات السورية الممولة والمسلحة من طرف تركيا، أو من طرف القوات الأمنية التابعة لحكومة الرئيس المؤقت أحمد الشرع. ويستعيد المراقبون تصريحات للمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا ولبنان توم باراك في إطار مساندة واشنطن العلنية لسلطة أحمد الشرع، عندما قال مؤخراً "لا يمكن أن نقبل بدولة داخل الدولة. هذا لا يعني أننا في طريقنا لإنشاء كوردستان حرة في سوريا. ولا دولة علوية أو يهودية. هناك سوريا واحدة، تعاد هيكلتها. سيكون لها دستورها وبرلمانها. جميع الطرق تؤدي إلى دمشق، دولة واحدة، أمة واحدة، جيش واحد، وهذا ما هو قيد التشكيل حالياً". وعلى الرغم من التدخل الأمريكي والفرنسي المباشر، فإن المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" وسلطة الشرع، ما تزال متعثرة. وفي الوقت نفسه، تربط أنقرة بوضوح بين نجاح حلّ الإدارة الذاتية للكورد السوريين، وبين نجاح خطواتها في التعامل مع ملف حزب العمال الكوردستاني. تركيا وإسرائيل ثم جاءت مذبحة السويداء الدرزية والتدخل العسكري الإسرائيلي المباشر تحت مسمى "حماية الأقلية الدرزية" ليعزز من موقف "قسد" في مفاوضاتها، خصوصاً حول مصير قواتها المسلحة، مع سلطة الشرع التي بدت غير قادرة، وربما بحسب اتهامات منظمات حقوقية، متورطة بشكل مباشر في وقوع المذبحة الدرزية. ويقول قصارجيان إن حدة التنافس الإقليمي بين تركيا وإسرائيل على "الكعكة السورية" تتصاعد، وأصبحت الإستراتيجية التركية الخاصة بالإدارة الذاتية للكورد تتضمن جانبين سياسي وعسكري، فمن جهة تدفع أنقرة باتجاه دمج "قسد" في المؤسسة العسكرية السورية، وحل هياكل الإدارة الذاتية و"وحدات حماية الشعب". وعسكرياً من خلال التهديد بعملية عسكرية مشتركة ضد مناطق "قسد"، والتوصل إلى اتفاق مع دمشق يشرع وجود تركيا العسكري في سوريا من خلال الاتفاق الأمني-العسكري الذي أعلنت عنه وزارة الدفاع التركية في 23 تموز/ يوليو الجاري، والإعلان عن خطة لتدريب الجيش السوري وتسليحه. انقلاب المشهد بهذا الشكل في دمشق، مع التحول في موقف بغداد من حزب العمال الكوردستاني وتقاربها مع أنقرة، والتبدل الجذري في موقف واشنطن والذي مهد إليه ترامب في كانون الأول/ ديسمبر 2024، بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث قال الرئيس الأمريكي إن أردوغان "رجل ذكي وقوي جداً ومفتاح سوريا سيكون بيده"، هي كلها من العوامل الأساسية التي قرأها حزب العمال الكوردستاني، وأدرك مراميها، وذلك بالإضافة إلى الحروب الإسرائيلية في المنطقة، كلها تشير إلى أن المنطقة تخوض مرحلة إعادة رسم مصالح ونفوذ. ولهذا، ولأسباب أخرى عديدة، يبدو أن حزب العمال الكوردستاني "انحنى أمام العاصفة"، لكن تبقى التحديات جسيمة ومحفوفة بالمخاطر، حتى لو كان مشهد التخلي عن الصداقة مع الجبال، مثيراً لكل هذا التفاؤل.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store