
أجرٌ مريض.. وقلبٌ مثقل بالالتزامات
يستلقي في سريره الأبيض، يُصارع الألم، ويحصي الأيام حتى يُسمح له بالمغادرة. ليست العودة إلى مكتبه أو موقع عمله ما يشغله، بل مواجهة التزامات تتراكم بلا رحمة: أقساط، وفواتير، وديون لا تعرف معنى المرض، ولا تعترف بضعف الجسد.
في تلك اللحظات، تُمثّل منظومة الحماية الاجتماعية طوق نجاة يُنتشل به الإنسان من دوّامة العجز. فقد جاءت برؤية إصلاحية واسعة، وحّدت الصناديق، ومدّت مظلتها لتشمل فئات لم تكن مشمولة من قبل. وقدّمت منافع لا يمكن إنكار أثرها: منحة الأمان الوظيفي للمسرّحين، ومنفعة الطفولة، ورعاية كبار السن، وغيرها.
لكن المشهد يتغير تمامًا حين يكون المرض هو سبب الغياب...
لا أحد يختار أن يُصاب، ولا أحد يطلب من جسده أن ينهار. يأتي المرض دون موعد، ويفرض سلطته على الجسد، ويجرّ الإنسان إلى تفاصيل لا يحتملها في الأحوال العادية. لكنه اليوم لا يُنهك الجسد فقط، بل يُهدّد الراتب، ويُربك الاستقرار، ويجعل الموظف يُفكّر في وطأة التكاليف قبل معاناة الجسد.
وِفقًا للمادة (124) من قانون الحماية الاجتماعية، يَستحق الموظف المؤمَّن عليه بدلًا عن الإجازة المرضية لمدة لا تتجاوز 182 يومًا في العام. وتتدرج النِّسب المقررة لهذا البدل مع مرور الوقت: 100% من الأجر حتى اليوم الثاني والعشرين، ثم 75% حتى اليوم الخامس والثلاثين، و50% حتى اليوم السبعين، لتنخفض بعد ذلك إلى 35% فقط حتى نهاية الإجازة.
ومع كل يوم يمر، لا تتناقص الآلام فقط؛ بل يتناقص الأجر كذلك...
يعني ذلك ببساطة أن من كان أجره 1000 ريال، وامتدّ مرضه إلى ما بعد اليوم السبعين، قد يجد نفسه يعيش بما لا يزيد على 350 ريالًا لبقية أيام الإجازة المرضية في العام. فواتير الكهرباء والماء لا تنتظر، والأقساط تمضي في جداولها، والبنك لا يعلم أن صاحب القرض يرقد على سرير الشفاء.
قد يخرج المريض من عملية جراحية معقّدة، وهو بالكاد يبدأ أولى خطوات التعافي، ليُفاجأ بأن أجره بدأ في التراجع، وأن عليه تدبير احتياجات أسرته بما تبقّى من الدخل. عندها، لا يكون المرض مجرد وعكة جسدية، بل يتحوّل إلى تحدٍّ مزدوج: ألم الجسد من جهة، وضغط الالتزامات من جهة أخرى، وكلاهما لا يرحم.
وفي بعض الحالات، لا تنتهي رحلة المريض عند باب المستشفى؛ بل تبدأ معاناة من نوع آخر؛ إذ قد يجد نفسه، بعد تعافيه، محاصرًا بقضايا مالية وضغوط قانونية، تقوده من سرير الشفاء إلى أبواب المحاكم.
وربما لا يدرك عمق هذا الواقع إلا من وجد نفسه فيه؛ فعندما يطول المرض، ويتناقص الأجر، وتتراكم الالتزامات، تُصبح الكلمات عاجزة، والنوايا بلا جدوى؛ لأن الوجع، حينها، يكون قد قال كل شيء.
هنا.. لا يتوقف المرض عند إنهاك الجسد؛ بل يدفع المريض إلى مواجهة معادلة قاسية يفرضها الواقع: إمّا أن يتماثل للشفاء سريعًا، أو يشهد دخله يتناقص يومًا بعد يوم. وكأن التعافي قرار إداري يُحدد على الورق، وكأن الجسد آلة تخضع لجدول إصلاح لا يقبل التأخير.
لكن ماذا لو كانت الإجازة بسبب علاج كيماوي يُنهك الروح قبل الجسد؟ أو إصابة عمل أَقعدت المعيل الوحيد لأسرته؟ أو حادث سير لم يكن هو المتسبب فيه؟ أو عملية جراحية كبرى تتطلب شهورًا من التعافي والتأهيل؟
هل يصبح حينها النقص في الدخل جزءًا من خطة العلاج؟ أم عبئًا إضافيًا يدفع المريض إلى هاوية القلق وفقدان الطمأنينة؟
تخيّلوا موظفًا أمضى سنوات عمره يعمل بإخلاص، في الميدان أو المكتب، وفي لحظة عجز، حين يكون في أمسّ الحاجة إلى السند، يجد أن أجره يتناقص تدريجيًّا، وكأن تقليص الدخل جزءٌ من وصفة التعافي.
ووفقًا للمادة (124) من قانون الحماية الاجتماعية، فإن من يتجاوز مرضه اليوم السبعين لا يتقاضى سوى 35% من أجره الشهري، وذلك حتى استنفاد الحد الأقصى للإجازة المرضية البالغ 182 يومًا في السنة. غير أن هذه المادة لا تقول شيئًا عن الأعباء التي تزداد، ولا تشرح كيف يمكن لمريض أن يُعيل أسرته بثلث راتبه وهو على فراش المرض، ولا تعترف بأن الغياب عن العمل قد يكون فصلًا قاسيًا من فصول الحياة، لا مجرد إجراء إداري عابر.
وماذا لو ظلّت النسبة ثابتة حتى نهاية الإجازة المرضية؟ أو فُتحت نافذة رحيمة للاستثناءات في الحالات الحرجة؟ ألن يكون في ذلك شيء من الإنصاف لمن أثقلهم المرض وأرهقتهم التكاليف؟
كان الأمل أن تمنح اللائحة التنفيذية للقانون مساحة رحيمة تُخفف من وقع النص، لكن المفاجأة أنها لم تتطرق أصلًا إلى المادة (124)، ولم تضع لها أي ضوابط أو استثناءات. لا ذكر للحالات المزمنة أو المعقدة، ولا وجود للجان طعن تدرس الظروف الخاصة. وكأن الأمر برمّته خارج دائرة النقاش.
وعندما يلتزم التنفيذ بالصمت، تبرز القسوة على حقيقتها… باردة، محايدة، لكنها بعيدة كل البعد عن روح الإنسانية.
ربما آن الأوان أن نصغي لصوت من يُعاني، قبل أن نُدقّق في أرقام النصوص، وأن نرى القانون بعين المريض لا بعين الجداول والحسابات. فالعدالة الحقيقية لا تكمن في دقة النِّسب، بقدر ما تتجسّد في حفظ إنسانية من اشتدت حاجته إلى السند.
ومن هنا، فإن المادة (124) تستحق أن يُعاد النظر فيها؛ لا لأنها تُخالف المنطق؛ بل لأنّ الحياة علّمتنا أن المرض لا يُقاس بعدد الأيام، ولا يُداوى بتقليص الأجر، ولا تُواجه أوجاع الجسد بقرارات صامتة؛ فكُل مادة لا تراعي ضعف الإنسان حين يمرض، تستوجب مراجعة... وكل لائحة لا تمنح للرحمة متسعًا، تحتاج إلى اجتهاد يُعيد إليها روح العدالة.
المرض لا يُنهك الجسد وحده؛ بل يزعزع استقرار البيت، ويهزّ أمان الأسرة، ويُقلق سكينة الروح.
وبدلًا من أن ينشغل المريض بتدبير ما تبقّى من راتبه، فلنكن نحن من يحسب عنه، ويقف إلى جانبه، ويحمل عنه بعض العبء… حتى يُشفى بقلبٍ مطمئن، وعودةٍ آمنة إلى حياته.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جريدة الرؤية
منذ 4 أيام
- جريدة الرؤية
أجرٌ مريض.. وقلبٌ مثقل بالالتزامات
خالد بن حمد الرواحي يستلقي في سريره الأبيض، يُصارع الألم، ويحصي الأيام حتى يُسمح له بالمغادرة. ليست العودة إلى مكتبه أو موقع عمله ما يشغله، بل مواجهة التزامات تتراكم بلا رحمة: أقساط، وفواتير، وديون لا تعرف معنى المرض، ولا تعترف بضعف الجسد. في تلك اللحظات، تُمثّل منظومة الحماية الاجتماعية طوق نجاة يُنتشل به الإنسان من دوّامة العجز. فقد جاءت برؤية إصلاحية واسعة، وحّدت الصناديق، ومدّت مظلتها لتشمل فئات لم تكن مشمولة من قبل. وقدّمت منافع لا يمكن إنكار أثرها: منحة الأمان الوظيفي للمسرّحين، ومنفعة الطفولة، ورعاية كبار السن، وغيرها. لكن المشهد يتغير تمامًا حين يكون المرض هو سبب الغياب... لا أحد يختار أن يُصاب، ولا أحد يطلب من جسده أن ينهار. يأتي المرض دون موعد، ويفرض سلطته على الجسد، ويجرّ الإنسان إلى تفاصيل لا يحتملها في الأحوال العادية. لكنه اليوم لا يُنهك الجسد فقط، بل يُهدّد الراتب، ويُربك الاستقرار، ويجعل الموظف يُفكّر في وطأة التكاليف قبل معاناة الجسد. وِفقًا للمادة (124) من قانون الحماية الاجتماعية، يَستحق الموظف المؤمَّن عليه بدلًا عن الإجازة المرضية لمدة لا تتجاوز 182 يومًا في العام. وتتدرج النِّسب المقررة لهذا البدل مع مرور الوقت: 100% من الأجر حتى اليوم الثاني والعشرين، ثم 75% حتى اليوم الخامس والثلاثين، و50% حتى اليوم السبعين، لتنخفض بعد ذلك إلى 35% فقط حتى نهاية الإجازة. ومع كل يوم يمر، لا تتناقص الآلام فقط؛ بل يتناقص الأجر كذلك... يعني ذلك ببساطة أن من كان أجره 1000 ريال، وامتدّ مرضه إلى ما بعد اليوم السبعين، قد يجد نفسه يعيش بما لا يزيد على 350 ريالًا لبقية أيام الإجازة المرضية في العام. فواتير الكهرباء والماء لا تنتظر، والأقساط تمضي في جداولها، والبنك لا يعلم أن صاحب القرض يرقد على سرير الشفاء. قد يخرج المريض من عملية جراحية معقّدة، وهو بالكاد يبدأ أولى خطوات التعافي، ليُفاجأ بأن أجره بدأ في التراجع، وأن عليه تدبير احتياجات أسرته بما تبقّى من الدخل. عندها، لا يكون المرض مجرد وعكة جسدية، بل يتحوّل إلى تحدٍّ مزدوج: ألم الجسد من جهة، وضغط الالتزامات من جهة أخرى، وكلاهما لا يرحم. وفي بعض الحالات، لا تنتهي رحلة المريض عند باب المستشفى؛ بل تبدأ معاناة من نوع آخر؛ إذ قد يجد نفسه، بعد تعافيه، محاصرًا بقضايا مالية وضغوط قانونية، تقوده من سرير الشفاء إلى أبواب المحاكم. وربما لا يدرك عمق هذا الواقع إلا من وجد نفسه فيه؛ فعندما يطول المرض، ويتناقص الأجر، وتتراكم الالتزامات، تُصبح الكلمات عاجزة، والنوايا بلا جدوى؛ لأن الوجع، حينها، يكون قد قال كل شيء. هنا.. لا يتوقف المرض عند إنهاك الجسد؛ بل يدفع المريض إلى مواجهة معادلة قاسية يفرضها الواقع: إمّا أن يتماثل للشفاء سريعًا، أو يشهد دخله يتناقص يومًا بعد يوم. وكأن التعافي قرار إداري يُحدد على الورق، وكأن الجسد آلة تخضع لجدول إصلاح لا يقبل التأخير. لكن ماذا لو كانت الإجازة بسبب علاج كيماوي يُنهك الروح قبل الجسد؟ أو إصابة عمل أَقعدت المعيل الوحيد لأسرته؟ أو حادث سير لم يكن هو المتسبب فيه؟ أو عملية جراحية كبرى تتطلب شهورًا من التعافي والتأهيل؟ هل يصبح حينها النقص في الدخل جزءًا من خطة العلاج؟ أم عبئًا إضافيًا يدفع المريض إلى هاوية القلق وفقدان الطمأنينة؟ تخيّلوا موظفًا أمضى سنوات عمره يعمل بإخلاص، في الميدان أو المكتب، وفي لحظة عجز، حين يكون في أمسّ الحاجة إلى السند، يجد أن أجره يتناقص تدريجيًّا، وكأن تقليص الدخل جزءٌ من وصفة التعافي. ووفقًا للمادة (124) من قانون الحماية الاجتماعية، فإن من يتجاوز مرضه اليوم السبعين لا يتقاضى سوى 35% من أجره الشهري، وذلك حتى استنفاد الحد الأقصى للإجازة المرضية البالغ 182 يومًا في السنة. غير أن هذه المادة لا تقول شيئًا عن الأعباء التي تزداد، ولا تشرح كيف يمكن لمريض أن يُعيل أسرته بثلث راتبه وهو على فراش المرض، ولا تعترف بأن الغياب عن العمل قد يكون فصلًا قاسيًا من فصول الحياة، لا مجرد إجراء إداري عابر. وماذا لو ظلّت النسبة ثابتة حتى نهاية الإجازة المرضية؟ أو فُتحت نافذة رحيمة للاستثناءات في الحالات الحرجة؟ ألن يكون في ذلك شيء من الإنصاف لمن أثقلهم المرض وأرهقتهم التكاليف؟ كان الأمل أن تمنح اللائحة التنفيذية للقانون مساحة رحيمة تُخفف من وقع النص، لكن المفاجأة أنها لم تتطرق أصلًا إلى المادة (124)، ولم تضع لها أي ضوابط أو استثناءات. لا ذكر للحالات المزمنة أو المعقدة، ولا وجود للجان طعن تدرس الظروف الخاصة. وكأن الأمر برمّته خارج دائرة النقاش. وعندما يلتزم التنفيذ بالصمت، تبرز القسوة على حقيقتها… باردة، محايدة، لكنها بعيدة كل البعد عن روح الإنسانية. ربما آن الأوان أن نصغي لصوت من يُعاني، قبل أن نُدقّق في أرقام النصوص، وأن نرى القانون بعين المريض لا بعين الجداول والحسابات. فالعدالة الحقيقية لا تكمن في دقة النِّسب، بقدر ما تتجسّد في حفظ إنسانية من اشتدت حاجته إلى السند. ومن هنا، فإن المادة (124) تستحق أن يُعاد النظر فيها؛ لا لأنها تُخالف المنطق؛ بل لأنّ الحياة علّمتنا أن المرض لا يُقاس بعدد الأيام، ولا يُداوى بتقليص الأجر، ولا تُواجه أوجاع الجسد بقرارات صامتة؛ فكُل مادة لا تراعي ضعف الإنسان حين يمرض، تستوجب مراجعة... وكل لائحة لا تمنح للرحمة متسعًا، تحتاج إلى اجتهاد يُعيد إليها روح العدالة. المرض لا يُنهك الجسد وحده؛ بل يزعزع استقرار البيت، ويهزّ أمان الأسرة، ويُقلق سكينة الروح. وبدلًا من أن ينشغل المريض بتدبير ما تبقّى من راتبه، فلنكن نحن من يحسب عنه، ويقف إلى جانبه، ويحمل عنه بعض العبء… حتى يُشفى بقلبٍ مطمئن، وعودةٍ آمنة إلى حياته.


جريدة الرؤية
٠٨-٠٧-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
تتويج "ضماني" بالمركز الخامس عالميا ضمن تطبيقات تكنولوجيا المعلومات للحكومة الإلكترونية
◄ السالمي: تتويج المنصة الوطنية للتأمين الصحي مؤشر نجاح للسلطنة مسقط- الرؤية حصلت هيئة الخدمات المالية ممثلة في المنصة الوطنية للتأمين الصحي "ضماني"، على بالمركز الخامس عالميا ضمن أفضل المنصات الرقمية في فئة تطبيقات تكنولوجيا المعلومات للحكومة الإلكترونية وذلك في منتدى القمة العالمية لمجتمع المعلومات «WSIS +20» لعام 2025م، بتنظيم من الاتحاد الدولي للاتصالات، والذي عُقد في مدينة جنيف السويسرية، وذلك بعد تأهل المنصة ضمن أكثر من 360 مشروعًا متأهلا للمرحلة النهائية من مختلف دول العالم، وكان إجمالي عدد المشاريع المشاركة في المرحلة الأولى 972 مشروعًا رقميًا. وقال سعادة الشيخ عبد الله بن سالم السالمي الرئيس التنفيذي لهيئة الخدمات المالية، إنَّ حصول المنصة الوطنية للتأمين الصحي "ضماني" على المركز الخامس ضمن جوائز منتدى القمة العالميّة لمجتمع المعلومات «WSIS +20» هو اعتراف دولي يؤكد كفاءة وقدرة المنصة على تنظيم واحد من أهم القطاعات الحيوية والحساسة المرتبطة بتنظيم التعاملات بين المؤسسات التأمينية والمؤسسات الصحية الخاصة، مشيرا إلى أن الجائزة تعد من أشهر الجوائز عالميًّا على المستوى التقني. كما عبر الرئيس التنفيذي لهيئة الخدمات المالية عن سعادته بهذا الإنجاز الوطني والذي يعكس حجم النقلة النوعية التي باتت تشهدها منظومة التأمين الصحي بما تقدمه من خدمات لحظية في نقل البيانات والمستندات والحصول على الموافقات وتسوية المطالبات المالية، فضلا عن أهميتها في توثيق الوصفات الدوائية واعتمادها على لغة ترميزية طبية موحدة إلى جانب ما تقدمه المنصة من أرشفة السيرة الطبية لحامل الوثيقة التأمينية الصحية بما يعين على توفير ملف طبي موحد متاح عبر كل المؤسسات الصحية المرتبطة بالمنصة. وأكد سعادته أنَّ هذه المعطيات والمزايا باتت جلية وملموسة حيث انعكست بشكل مباشر في جودة وسرعة الخدمات التي يتلقاها حامل الوثيقة التأمينية إلى جانب ما تقدمه من شفافية وحسن متابعة من الجهات الإشرافية، كما إن المنصة تسهم في الارتقاء بمستوى ثقة المستثمرين في المؤسسات الصحية الخاصة أو المؤسسات التأمينية. وبين سعادته: "تتويج المنصة الوطنية للتأمين الصحي ضماني بهذا المركز المتقدم عالميا يعتبر مؤشر نجاح لسلطنة عُمان ممثلة بهيئة الخدمات المالية، كما أنه يؤكد أن مسيرة تطوير سوق التأمين الصحي في سلطنة عمان تسير في الطريق الصحيح للارتقاء بالمنظومة التشريعية والتقنية وهو ما يعزّز معنوياتنا نحو تقديم المزيد من الإنجازات والتطوير، وهذا الأمر يدفعنا نحو مواصلة الجهود لتطوير المنصة بأفضل الممارسات العالمية". وأشار سعادته إلى أن المنصة استطاعت أن تثبت كفاءتها وفاعليتها الرقمية منذ بدأ اطلاق عملياتها التشغيلية في الربع الأخير من العام المنصرم، حيث بلغ عدد معاملات التأمين الصحي المنجزة عبر المنصة من قبل شركات التأمين والمؤسسات الصحية الخاصة أكثر من 4.2 مليون معاملة حتى نهاية يونيو 2025 بمعدل تبادل بيانات ومعلومات يصل إلى 40 ألف معاملة في اليوم الواحد، وبلغ عدد المطالبات المرفوعة من قبل المستشفيات 700 ألف مطالبة، كما ساهمت المنصة في تسوية مطالبات شركات التأمين بمقدار 3.5 مليون ريال عماني، وتحقيق 1.4 مليون معالمة للموافقات الطبية، موضحاً أن كافة المؤسسات التأمينية أصبحت مرتبطة بمنصة ضماني الإلكترونية بالإضافة إلى ارتباط ثلاثة وثلاثين مستشفى خاصا، فيما بلغ عدد المجمعات الصحية المرتبطة بالمنصة 37 مجمعا صحيا خاصاً حتى الآن، وعشرين عيادة و33 مركزا صحيا متخصصا، متوقعاً اكتمال ربط جميع المؤسسات الصحية الخاصة في مطلع أغسطس من العام الجاري، مبيناً أنَّ المنصة تقدم خدماتها لأكثر من 650 ألف حامل وثيقة تأمين.


جريدة الرؤية
٠٤-٠٦-٢٠٢٥
- جريدة الرؤية
مختصون: "واقع مُربك" يواجه المؤسسات الصغيرة في القطاع الصحي.. والفرص متاحة "لكن السياسات غائبة"
◄ مصانع محلية تعمل دون طاقتها الكاملة وسط اعتماد مستمر على الاستيراد ◄ مقترحات لإنهاء العقود الضخمة وتفعيل الشراء المُسبق دعمًا للمحتوى المحلي ◄ الإنفاق الصحي يتجاوز 65 مليون ريال سنويًا.. والمردود المحلي لا يزال "محدودًا" ◄ مطالب ببلورة رؤية وطنية لتمكين المؤسسات الصغيرة من دخول سوق المستلزمات الصحية الرؤية- ريم الحامدية ناقش مختصون في القيمة المحلية المضافة ضمن مجموعة "قيمة" على تطبيق التراسل الفوري "واتساب"، ما يُعانيه القطاع الصحي من بيئة "عالية التعقيد" تجاه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مشيرين إلى أن حساسية هذا القطاع المرتبطة بصحة الإنسان تتطلب اشتراطات فنية صارمة ومتطلبات ترخيص مُعقَّدة؛ الأمر الذي يجعل دخول المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إلى هذا السوق أمرًا بالغ الصعوبة، خاصةً في ظل صعوبة الولوج إلى المناقصات الصحية وهيمنة الشركات الكبرى على سلاسل الإمداد والخدمات. ورصدت جريدة "الرؤية"، المناقشات الموسعة التي شهدتها المجموعة، بحضور عدد من الخبراء، من بينهم على سبيل المثال لا الحصر: فيصل الغيلاني، والدكتورة موزة الحضرمية، وخلفان الخصيبي، وغسان فضل بيت سليم، والدكتورة سهام بنتوتي، والدكتور أحمد الحجري. وأكد المشاركون أن غياب ما وصفوها بـ"المرونة" لدى وزارة الصحة في دعم المحتوى المحلي، رغم وجود مصانع وطنية لإنتاج الأدوية والمستلزمات الطبية، يتسبب في "تعقيد المشهد" ويحول دون إنشاء سلسلة إمداد مستدامة تعتمد على القدرات المحلية، حسب قولهم. وأشار عدد من المختصين إلى أن التحديات لا تكمُن في قلة الفرص؛ بل في غياب سياسات موجهة واضحة تُمكِّن المؤسسات الوطنية من النمو والمنافسة. وبرز من النقاش غياب قيادة واضحة لملف المحتوى المحلي الصحي داخل المنظومة الحكومية، وهو ما يعكس ضعف التنسيق وتشتت الجهود؛ مما دفع المشاركين إلى اقتراح إنشاء لجنة وطنية لتعزيز التوطين في القطاع الصحي، تضم ممثلين من الجهات الحكومية والقطاع الخاص وشركات الأدوية والمستلزمات والقطاع الأكاديمي بهدف توحيد الجهود ووضع أولويات واقعية قابلة للتنفيذ. وكشف النقاش عن عدد من الأمثلة على الفرص المهدرة؛ حيث توجد مصانع قائمة لا تعمل بكامل طاقتها، في حين يتم استيراد منتجات حيوية مثل الكمامات والمحاليل والضمادات رغم القدرة المحلية على تصنيعها، كما أن عقود الخدمات التشغيلية غير الصحية مثل النظافة والتغذية والصيانة تُمنح على شكل عقود ضخمة لا تتيح للمؤسسات الصغيرة فرصة التنافس، وهو ما يتعارض مع مبادئ تنمية الاقتصاد الوطني القائم على التنويع والتمكين المحلي. وشدّد المشاركون على أن القطاع الصحي في السلطنة لا يفتقر للفرص وإنما للآليات التي تفعّلها، إذ أن حجم الإنفاق السنوي في المستلزمات والخدمات الصحية يتجاوز 65 مليون ريال عُماني، وهو رقم يكشف حجم الإمكانات الاقتصادية الكبيرة المتاحة للمؤسسات المحلية لو تم تبني سياسات تفضيل واضحة ضمن أنظمة المشتريات الحكومية. وطُرحت خلال النقاش- الذي تابعته "الرؤية" عن كثبٍ- اقتراحات ملموسة ركزت على تفكيك العقود الصحية الكبيرة بهدف إتاحة المنافسة أمام المؤسسات الصغيرة، إلى جانب تفعيل اتفاقيات شراء مسبقة (Off-Take Agreements) للمصانع الوطنية، وتخصيص آليات تفضيل في المشتريات الحكومية الصحية عبر نظام نقاط يحفّز المحتوى المحلي، وإنشاء لجنة وطنية أو لجنة قطاعية للمحتوى المحلي الصحي تضم ممثلين من الجهات المعنية، وإعداد استراتيجية متكاملة لتوطين القطاع الصحي في إطار رؤية "عُمان 2040"، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتطوير الابتكار والتدريب، مع الاستفادة من التجارب الناجحة في قطاعات أخرى كالتعليم والعمل والسياحة. وفي الجانب المُتعلِّق بالفرص المتاحة لتوطين القطاع الصحي، أكد المشاركون إمكانية تصنيع المستلزمات الطبية والأدوية الأساسية داخل السلطنة، ودعم الشركات المحلية العاملة في مجالات التشغيل كالنظافة والتغذية والأمن والصيانة، إلى جانب دعم الابتكار الصحي عبر الحلول الرقمية الناشئة، وتوطين الكفاءات الفنية المتخصصة في صيانة الأجهزة الطبية، وتفعيل دور المناطق الصناعية والحرة في تحفيز الاستثمار المحلي في القطاع الصحي. أما التحديات التي تواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فقد أشار إليها المختصون بأنها تتمثل في تعقيد إجراءات الترخيص واعتماد المنتجات، وضعف التمويل وغياب الحوافز الاستثمارية المتخصصة، وغياب برامج تأهيل وتطوير الموردين في القطاع، واستمرار سيطرة بعض الشركات الكبرى على سلاسل الإمداد، وصعوبة النفاذ إلى المناقصات، وضعف الثقة في بعض القدرات الوطنية رغم وجود إمكانيات كامنة.