
بهذه الطريقة يجب أن يتحرك العرب والمسلمون في المرحلة المقبلة
لذا، فإن السؤال الذي لا بد من طرحه هو: ما الذي ينبغي علينا فعله في مواجهة أزمة بهذا الحجم؟
إدراك الأزمة!
حين ندرك حجم الأزمة وعمقها، نكون قد تجاوزنا عالم الغرائز والمشاعر، والجزع والحزن، والأسى والألم، والحسد والحقد، والخوف والتربص، والتخوين والتأفف، وكل ما يكشف عن التشققات العميقة في بنية الأمة، وعن اختلافاتها المرعبة.
تلك المشاعر، التي تشبه أمواجا متلاطمة، يصعب إدراكها أحيانا لعمقها وتقلبها، ولعشوائية حركتها وفجائيتها.
لذلك، فإن إدراك الأزمة ونحن نعيشها، هو أصعب ما في الأمر. وربما يظن البعض أن ذلك واضح لا يحتاج نقاشا، لكن طبيعة الأزمة التي نمر بها تفرض هذه الأسئلة. مثلا، كان سؤال ما قبل الربيع العربي يتمحور حول طبيعة أنظمة الحكم.
ومع اندلاع الربيع العربي، ظهرت أسئلة أعمق بشأن قوى الإصلاح والمعارضة، حتى بتنا نتساءل عن مدى استعداد الناس أصلا، في بعض الدول، لتبني شعارات كالحرية والحقوق والديمقراطية، والتي بدأت الأزمة تطالها بالتشكيك في مدى قابليتها للتطبيق.
ثم جاء السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وطرح علينا أسئلة أعمق حول هويتنا العربية والإسلامية، وكينونتنا، وهل نحن فعلا أمة؟ وهل لدولنا أدوار وظيفية تخدم مصالح الولايات المتحدة الأميركية؟ أم تسعى فقط إلى تثبيت مقاعد الحكم؟ أم إنها مجرد ضحايا لظروف ومتغيرات قاسية، لا تتيح لها اتخاذ قرارات يتوق إليها كثير من العرب؟
هذه الأسئلة الحفرية، التي ترافق الأزمات العميقة المحيطة بنا، تؤكد أن المطلوب هو إدراك الأزمة، لا من خلال محاولة الربط النظري بين قضايا متفرقة، كما حاول الإصلاحيون عبر التاريخ وانتهوا إلى الفشل، فمثل هذه المقاربة تقود دائما إلى نظرية، ثم إلى أيديولوجيا جديدة، ومن ثم إلى جدل لا ينتهي، وهو منهج متكرر في أدبيات الإصلاح العالمية.
هذا ما يسمى "التفكير المحدب"، أي الذي يسعى لاستكشاف خيط ناظم ينتهي إلى نظرية شاملة، تتحول لاحقا إلى أيديولوجيا.
أما ما نحن بحاجة إليه اليوم، فهو "التفكير المقعر"، أي التعامل مع الأزمة باعتبارها لغزا يحتاج إلى حل، والبحث عن الحلول من خلال أدوات تفكير أفقية، تمتد كشبكة، لمعرفة أسهل الطرق للوصول إلى نتيجة عملية.
في كتابه "بنية الثورات العلمية"، يشير توماس كون إلى هذه المنهجية، ويؤكد أن الأزمات تحتاج لهذا النمط من التفكير.
لذلك، فإننا نخطئ تماما عندما نفكر تفكيرا محدبا، هدفه بناء نظرية كبرى سرعان ما يكذبها الواقع، وتؤدي لاحقا إلى خلاف أيديولوجي جديد.
علينا أن ندرك الأزمة التي نعيشها كما ندرك اللغز، وننخرط جميعا في محاولة حله: المفكرون، والعلماء، والمسؤولون، وأصحاب الرأي، كلٌ في موقعه، بما لديه من مسؤولية.
ذلك ما يعزز قدرتنا على التعاون، ويجعلنا نعي أن الأزمة معقدة ومركبة، وأن أي محاولة لاختزالها ستقود إلى استنزاف الموارد والعلاقات، وستضعف من تأثيرنا وفاعليتنا، فضلا عن خطورة التصرفات الفردية في أوقات الأزمات المعقدة.
الواقعية والمثالية
ثمة مسلمات تمنعنا من ممارسة التفكير المقعر، وفي علوم الإدراك تعرف هذه الظاهرة بـ"المرجعية".
فنحن نعيد كل ما نسمعه إلى تلك المرجعيات البسيطة التي نحملها، ومن خلالها إما نقبل ما نسمع أو نرفضه، لا سيما إذا كانت تلك المسلمات متصلة بمشاعر دفينة فينا.
تفكيك هذه المشاعر والمسلمات أمر بالغ الصعوبة، وقد يجعل من التفكير في لغز تخلفنا محاولة مثالية بحتة.
فكيف يمكن أن يقنع الحاكم بمعارض يراه تهديدا؟ أو أن يتحقق تصالح بين الحاكم والمحكوم؟ مثلا: كيف يمكن تجاوز حاجز الخوف من إسرائيل بوصفها "محرك السياسة في المنطقة"، في ظل سردية تقول إن مواجهتها ستؤدي إلى زعزعة النظام السياسي والاجتماعي في كل من يناهضها؟
ما يجب فعله هو تجاوز هذه الحواجز، ومراجعة العديد من العوائق التي تمنعنا من التفكير كأمة، أو كبشر تجمعهم ذاكرة مشتركة، ويتهددهم مستقبل مظلم. لا واقعية هنا ولا مثالية. ثمة فقط: رضا بالواقع لأنه يرضي غرائزنا، وامتناع تام عن التفكير بطريقة مختلفة.
البديل المقنع
وإذا كنا لا نرغب بطرح الأسئلة الصعبة التي تتجاوز مسلماتنا الراسخة، فلن نجد أي بديل حقيقي يقدَم أمامنا.
غزة كشفت لنا بشكل جلي عن عجزنا التام، وأننا أسرى لنظام عالمي تقوده الولايات المتحدة، وأن الصورة الذهنية المرسومة عنا في هذا العالم- من قبل من يحكمونه- صورة سيئة للغاية. وهذا لم يتكون بين ليلة وضحاها.
ربما أسهمت حرب غزة في تعديل هذه الصورة، ولكننا ما زلنا بعيدين عن المستوى الذي يمكننا من صناعة سرديات عن منطقتنا، وعن العرب والمسلمين. والسبب أننا ممزقون، متفرقون، مختلفون، إلى درجة نفقد فيها الحد الأدنى من التماسك الفكري الضروري لبناء سردية قادرة على تغيير النظرة النمطية.
لا يوجد بديل. كل ما نقوم به هو ردود أفعال لا تتبع رؤية إستراتيجية واضحة، مما يجعل الاستنزاف حالة مستدامة. فالمفاجآت والسرديات الطارئة يصعب التعامل معها في ظل التفكك الداخلي الذي نعانيه.
لذا، فإن الوقوف عند الأسئلة الأساسية، ومواجهة هذه الخلافات والشروخ بوضوح، هو البديل الوحيد الذي يمكن أن يفصلنا عن ماضٍ يريد حجب المستقبل.
غزة وسرديتها
أحداث غزة أسقطت كثيرا من السرديات التي هيمنت على الخطاب في المنطقة، ومنها تلك التي وضعت المعارضة- في بعض البلدان- في خانة الخونة والعملاء لإسرائيل، وصورت الدول كضحايا لتآمر المعارضة مع الخارج.
لم تعد هذه الرواية منطقية. ولم تعد دول المنطقة أهدافا لاختراقات استخباراتية أجنبية؛ فهي أصلا لا تتناقض مع مصالح الغرب.
وفي المقابل، فإن السردية النقيضة التي تتهم تلك الدول بالعمالة للغرب أيضا لا تخدم أحدا. فهناك بالفعل ظروف وخيارات شديدة الصعوبة يواجهها المسؤولون في هذه الدول. وهذا ما يجب أن يكون واضحا، حتى نتمكن من تجاوز هذه السرديات، فالكل يرتبط بالغرب بطريقة أو بأخرى.
غزة زعزعت كثيرا من التشققات الذهنية التي تسيطر على عقولنا: التشققات المذهبية، ثنائية الحاكم والمحكوم، وتنازع التيارات الفكرية. جمعت العالم على كلمة سواء، وهدف مشترك.
الأزمة التي نتابعها لحظة بلحظة في غزة حركت فينا الغريزة والوعي معا، ولم تعد هناك محرمات فكرية تعيق الوصول إلى الحقيقة. حينها يمكن للناس أن يجتمعوا حول فكرة. وهذا ما ينبغي أن نفعله.
ولا يتحقق ذلك إلا بتسريع إدراكنا للأزمة، والشعور العميق بها، وهو ما يسميه الفيلسوف الكندي بول ثاجارد بـ"إدراك الإدراك"، أي بناء مظلة معرفية نصور بها أنفسنا داخل الزمن التاريخي، ما يسمح لنا بتخيل واقع أفضل إذا تخلصنا من التشققات التي تمنعنا من الخيال أصلا.
سقوط المدخل الثقافي
لقد سادت عقول كثيرين فكرة أن المدخل الثقافي هو طريق التغيير، فأعادونا إلى عمق التاريخ، واستغرقوا في ترف الاستقراء المستمر لنمط التاريخ. نوع من "التاريخانية" التي دحضها كارل بوبر بوضوح في كتابه "المجتمع المفتوح".
تلك "التاريخانية" نفسها سادت الفكر العربي، وإن أردنا أن نكون منصفين، فإن مدارس الإدراك الحديثة، وعلوم الأعصاب، والتجارب السلوكية، كلها تناقض فكرة أن تخلف الإنسان سببه ثقافته، كما يدعي أنصار هذا الاتجاه.
ولا ننسى أن كثيرا من الكتب الفكرية لا تمر بمراجعة أكاديمية صارمة، مما يجعلها ذات طبيعة تعبوية وانتقائية في المراجع والاستشهادات. وبالتالي، فإن غاية هذا المدخل تبقى تغيير ثقافة الناس، وهو أمر لا يمكن ضبطه أو حتى فهمه بدقة.
فالثقافة اليوم لم تعد هي ذاتها التي تكلم عنها مفكرون كمالك بن نبي، أو تلك التي صاغها عبدالوهاب المسيري كنموذج معرفي، أو حتى تلك التي ناقشها الجابري وطه عبدالرحمن تحت عنوان "العقل العربي".
بعد الربيع العربي، عادت الأيديولوجيا لتتصدر النقاش، وتجددت الخلافات حول القضايا الكبرى، بما فيها التاريخية، في محاولة لحل إشكالات بنيوية في الدولة، لكنها لم تفضِ في النهاية إلى أي حلول عملية.
نقاش سقوط المدخل الثقافي أطلت فيه سابقا، لكن ما يجب إدراكه هو أن التغيير ممكن ولا يتطلب زمنا طويلا. فهم الناس، وعلاقاتهم، وبيئاتهم، قد يكون أسهل بكثير من تغيير الثقافة.
وهذا لا يعني أن المشروع الثقافي عاقر، ولكن النقاش في القضايا الكبرى جرنا إلى طريق مسدود.
وبالطبع، لا يتوقف الأمر عند السرديات، بل هناك مثلث معروف يتصل أيضا بالمواقف والحلول المطروحة. فالوصول إلى عمق السرديات قد يمهد لعقلنة التفكير.
وهذا تماما ما فعله اليهود بعد المحرقة. لقد طردوا من معظم الدول: أميركا اللاتينية، أميركا الشمالية، بريطانيا، وكانوا منبوذين في أوروبا، ثم انتهى بهم المطاف إلى السيطرة على أوروبا والمملكة المتحدة، بسردية ذات فاعلية تدعي امتلاكهم المال والقدرة على التأثير، وسلسلة من التحويلات المالية التي أفضت في النهاية إلى "وعد بلفور"، الذي بدأ بـ"إلى عزيزي روتشيلد".
السرديات والمشاريع
علينا أن نبحث عن سردية جامعة، بدلا من الغرق في النظرة المعيارية التي لن تقودنا إلا إلى هاوية لا قرار لها.
هناك انقسامات مذهبية، انقسامات سياسية، مشاريع متضاربة، سلطات قوية تتربص بمعارضة ضعيفة، وشعوب تغشاها الحيرة والجهل، وتحلم بمستقبل أفضل لكنها تائهة في ضباب الحاضر، مثقلة بمآسي الماضي.
من الصعب أن نكرر أنفسنا بأسلوب استقرائي لنصل إلى نتائج مغايرة. استمرارية الأزمة تفرض علينا أن نغير من أدوات التفكير جذريا: كيف نزيل الحواجز التي تفرقنا؟ كيف نبحث عن سردية جامعة؟
كيف نطمئن كل طرف على مصالحه؟ كيف نقنع الآخر بالتنازل عن شيء من كبريائه أو غضبه أو جشعه؟ كيف نخاطب الغرائز والعواطف، وكل ما هو في اللاوعي، بأسلوب وسلوك واضحين، حتى نصل لاحقا إلى العقلانية؟
الدماغ بطبيعته يبسط الأمور المعقدة كي نستوعبها. وبفهمنا تلك الحواجز، يمكننا تسميتها، ومحاورتها، وتفكيكها، وصولا إلى توافقات صغرى قد تنمو إلى حلول كبرى.
فتح الحوار، على مستويات متدنية، مع الإدراك أن الانحيازات والانقسامات لا ترتبط بالمنطق، بقدر ما تدار من مشاعر خفية تحرك كل طرف للحفاظ على مصالحه السياسية أو الاقتصادية. المعركة في العقول، والسلاح في المشاعر، والواقع وحده يصدق أو يكذب هذا الافتراض.
نقطة التحول الثلاثية
هذا النوع من الحوار يمكن أن يأخذ أشكالا مؤسسية، من خلال جمعيات أو منتديات مخصصة لهذا الغرض. وهذا ليس أمرا جديدا في التاريخ.
فعندما حوكم غاليليو بسبب نظريته عن مركزية الشمس، بدأ العلماء في فرنسا في القرن السابع عشر يؤسسون جمعيات ثقافية يلتقي فيها أصحاب الأفكار المرفوضة كنسيا.
وكان من بين أبرزهم الراهب والعالم مارين مارسين، الذي أصبح غطاء فكريا لعدد من العقول الكبرى مثل: رينيه ديكارت، توماس هوبز، جان جاك روسو، وغيرهم.
تكرر الأمر في أسكتلندا، حيث خرج علماء كآدم سميث وديفيد هيوم، ثم ظهر في فيينا فيما سمي بـ"مدرسة فيينا"، وبعدها في المدرسة القارية التي شكلت أساس ما بعد الحداثة.
كلها لم تعمل بطريقة هرمية، بل من خلال شبكات من الحوار والمراسلات والتجريب الفكري، حتى صارت تيارا يربط بين الجميع، ويمكن الحاكم والمحكوم من حفظ ماء وجهيهما.
ومن هنا، لا بد أن نصل إلى ثلاث قضايا أساسية، حتى إن انتقص الاتفاق فيها من بعض القيم أو المعتقدات، فإنها ستعد مكاسب في مواجهة الانزلاق المتسارع. هذه القضايا الثلاث هي:
التضامن.
تعدد الشرعيات.
نقطة التحول المشتركة.
الأولى، لأنها تخلق مناخ التوافق العام. والثانية، لأنها تقصي منطق الإقصاء، وتعترف بأن شرعية السرديات متعددة وتشمل الجميع، بمن في ذلك الحكام.
أما الثالثة، فهي التحول المشترك الذي يجب التوافق عليه، شريطة أن يتم التغيير فيه بطريقة متدرجة، لا توحي لأي طرف بأنه سيتعرض للخديعة أو الانقلاب عليه، كما حدث بعد الربيع العربي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 22 دقائق
- الجزيرة
أردوغان يكتب للجزيرة نت معلقا على حرب الإبادة في غزة
قال الرئيس التركي رجب طيب أرودغان إن موقف العالم المتردد تجاه قطاع غزة يقوض مصداقية النظام الدولي، "الذي يزعم أنه يقوم على المبادئ وقواعد العدالة". وأضاف أردوغان -في مقال خص به موقع الجزيرة نت ويُنشر في وقت لاحق اليوم الخميس- أنه "في الحقيقة لو تم إعطاء الاهتمام السريع والشامل الذي حظيت به أزمة أوكرانيا إلى غزة، لكنا اليوم أمام مشهد مختلف تماما". وشدد الرئيس التركي على أن "تصرفات إسرائيل دون توجيه أية عقوبات إليها تؤدي إلى انهيار القانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان". وتناول المقال فظاعة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وكذا اغتيالها الصحفيين، وتحديات وأولويات إعادة الإعمار، إلى جانب العديد من القضايا.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
واشنطن تايمز: اتهامات لمسؤولين أمميين في أفغانستان بطلب رشاوى
اتهمت وكالة المفتش العام الأميركية لإعادة إعمار أفغانستان مسؤولين في الأمم المتحدة بالفساد، وقالت إنهم كانوا يطلبون رشاوى للسماح بتدفق المساعدات الأميركية إلى البلاد لتحقيق مكاسب شخصية، وفق تقرير لصحيفة واشنطن تايمز. وأوضحت الصحيفة الأميركية أن 10 أشخاص، بينهم مسؤول حالي وسابق في الأمم المتحدة، أكدوا صحة دفع الرشاوى، وقالت إن المسؤولين كانوا حلقة وصل بين الجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية، وكانت هذه المنظمات هي التي تدفع الرشاوى للحصول على العقود. وحسب التقرير، ادعى أشخاص عدة أن مسؤولي الأمم المتحدة كانوا يتعاونون مع حركة طالبان. قيمة الرشاوى ووفق ما نقله التقرير، تتراوح قيمة الرشوة في كل حالة من 5 إلى 50% من القيمة الكلية للعقد، وكلما زادت قيمة العقد ارتفع مستوى المسؤول الأممي الذي يتعين دفع الرشوة له، وفق مسؤول سابق في الحكومة الأفغانية. وأشار التقرير إلى أن 70% من عقود الأمم المتحدة في أفغانستان تتطلب دفع مبالغ مالية، وتتعلق أغلب الشكاوى بوجود رشاوى ب برنامج الغذاء العالمي ، رغم تلقي شكاوى عن 8 أقسام أممية أخرى. وردا على استفسار من واشنطن تايمز، قال متحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة إنه لم ير التقرير، وأحال الاستفسارات إلى قسم العمليات في أفغانستان، إذ كان الوقت متأخرا ولم يرد أحد. وردت ماري بوبوشوبينغ، نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون جنوب ووسط آسيا، رسميا بأن الوزارة لا توافق على كل المزاعم، ولكنها أعربت عن قلقها من استفادة طالبان من المساعدات الأميركية على حد زعمها. وتتشابه هذه الادعاءات مع سلوك الأمم المتحدة في العراق، إذ أفادت تقارير سابقة بأن موظفين أمميين كانوا يأخذون رشاوى، طبقا للتقرير. وزعم النائب الديمقراطي غريغوري ميكس، عضو لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، أن قرارات الإدارة الحالية سهّلت إمكانية تحويل المساعدات الأميركية إلى طالبان، وتحدث عن ضرورة إشراف صارم لتقوية برامج المساعدة الأميركية وحمايتها من الاستغلال. وقال القائم بأعمال المفتش العام حاليا جين ألويس إن الدروس المستفادة تنطبق على المساعدات المقدمة إلى أماكن أخرى ذات حكومات معادية.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
كاميرا وبندقية.. كيف حوّل صحفيون إسرائيليون عدساتهم إلى سلاح ضد الفلسطينيين؟
على خط النار، حيث يُفترض أن يكون الصحفي شاهدا لا شريكا، تكشف مشاهد متداولة عن وجوه ترتدي الدرع الصحفي، لكنها تحمل بين طياتها لغة الرصاص والدعاية الحربية. أمام الكاميرا، يظهرون كإعلاميين، وخلفها يتحولون إلى أدوات في ماكينة الاحتلال، يرافقون جنوده في الميدان، ويلتقطون الصور إلى جانب أسلحتهم، ويطلقون دعوات صريحة لسفك دماء الفلسطينيين. هذا التداخل الفاضح بين الكاميرا والبندقية لا يخرق فقط جوهر مهنة الصحافة، بل يهدم الأساس الذي وضعه القانون الدولي الإنساني، القائم على الحياد وحظر انخراط الصحفيين في أي عمل قتالي. في هذه المشاهد، لا يكون الصحفي مجرد ناقل للحقيقة، بل يصبح جزءا من رواية القتل نفسها، يمسح حدود الفاصل بين الميدان الإعلامي ومسرح العمليات العسكرية، ليعيد رسمها بمداد التحريض والتعبئة. وبينما تنص الاتفاقيات الدولية على حماية الصحفيين باعتبارهم مدنيين، نجد هنا من يتخلى عن هذا الحصن الأخلاقي والقانوني، ليقف في صف المقاتل لا المراقب، وفي صف الدعاية لا الحقيقة. ما سنعرضه في هذا الملف ليس لقطات عابرة، بل أدلة بصرية دامغة تضع هذه الازدواجية تحت المجهر، وتفتح الباب أمام أسئلة ملحة عن مصداقية الخطاب الإعلامي الإسرائيلي، والتبعات القانونية لمثل هذه الانتهاكات. رصد فريق "الجزيرة تحقق" في هذا التقرير نماذج فاضحة لصحفيين إسرائيليين تخلوا طواعية عن صفة الناقل المستقل للحدث، وتحولوا إلى فاعلين مباشرين في مسرح الجريمة، مشاركين في هدم المنازل وقتل المدنيين، أو حتى قيادة فرق قتالية في غزة والضفة الغربية ولبنان ، والتباهي علنا بهذه الأفعال، في تحد صارخ للقوانين الدولية ولقيم العمل الصحفي، بينما يرتدون خوذات الصحافة ودروعها أمام الكاميرا. داني كشمارو من بين هذه النماذج، ما بثته القناة الـ12 الإسرائيلية من توثيق لمراسلها داني كشمارو خلال مشاركته في "يوم قتالي" بلبنان رفقة قائد لواء غولاني العقيد عدي غانون، قرب بلدة عيتا الشعب، على بعد 500 متر من الحدود، في أكتوبر/تشرين الأول 2024. وظهر كشمارو مرتديا درعا يحمل شعار القناة وخوذة الصحافة، وهو يضغط على زر تفجير منزل عربي هناك، مبررا الفعل بقوله "فجرنا منزلا يطل على إسرائيل وكان يشكل تهديدا". روعي ينوفيسكي أما الصحفي روعي ينوفيسكي، فقد ذهب أبعد من ذلك، إذ قاد بنفسه فريق احتياط من المقاتلين بغزة، في مهمة أعلن أنها "قتل المخربين"، وبثت القناة الـ13 مشاهد ترويجية لبرنامجه "100 يوم في أكتوبر" بلباس عسكري في أرض الميدان، توثق تدمير منازل مدنية وعمليات قتالية في جباليا وحي التفاح. ألون بن دافيد كما عرضت القناة الـ13 الإسرائيلية تقريرا لمراسلها ألون بن دافيد، الذي دخل غزة مرتديا درعا وخوذة كتب عليهما "Press" وتعني "صحافة"، حاملا ميكروفون القناة، وأجرى مقابلات مع جنود إسرائيليين داخل منازل الفلسطينيين، وداخل الدبابات ومواقع القتال المختلفة. إيتاي بلومنتال وفي مشهد مشابه، نشرت هيئة البث الإسرائيلية تغطية للمراسل إيتاي بلومنتال من قلب حي الزيتون في غزة، برفقة قوات ناحال، موثقا عمليات تدمير البنية التحتية، وتصفيات ميدانية، واكتشاف أنفاق جديدة، بينما يرتدي خوذة ودرع الصحافة ويحمل ميكروفون القناة. إيلي أفيف وفي الضفة الغربية، أظهر مقطع متداول المراسل إيلي أفيف من القناة الـ14 الإسرائيلية، وهو يحمل سلاحا خلال اقتحام أحد المنازل في مخيم الجلزون، معلقا بسخرية على واقع المخيمات الفلسطينية، قبل أن يظهر في مشهد آخر متحدثا عن قصف تل أبيب ، حاملا السلاح وميكروفون القناة في آن واحد. ينون مغال كما لجأ بعض الصحفيين إلى التفاخر بخدمتهم القتالية، إذ نشر ينون مغال مقارنة بين الخدمة العسكرية لصحفيي القناة الـ14 وزملائهم في قنوات 11 و12 و13، متسائلا "من هم أبطال الشاشة ولوحة المفاتيح؟ ومن هم المقاتلون الحقيقيون؟". تسفيكا يحزكيلي ولم يقتصر الأمر على الميدان، بل امتد إلى التحريض العلني من داخل الأستوديوهات، مثل تصريح تسفيكا يحزكيلي على القناة الـ13 في ديسمبر/كانون الأول 2023، مطالبا بقتل 100 ألف فلسطيني وعدم التمييز بين مدني ومقاتل، وتشبيهه ذلك بضربة "الطيور الجارحة" في عملية " الرصاص المصبوب". شمعون ريكلين وكذلك شمعون ريكلين الذي صرح على القناة الـ14، الذي قال "لا أنام جيدا من دون أن أرى بيوتا تنهار في غزة.. المزيد من البيوت، المزيد من الأبراج، حتى لا يكون لهم مكان يعودون إليه". ملاحقة الحقيقة بينما يمنح الصحفيون الإسرائيليون حرية الظهور بالسلاح في ساحات القتال والتحريض على قتل الفلسطينيين، يلاحق الاحتلال الصحفيين الفلسطينيين العزل لمجرد قيامهم بعملهم المهني. ففي مايو/أيار الماضي، استشهد الصحفي حسن أصليح بقصف مجمع ناصر الطبي في غزة، حيث كان يتلقى العلاج من إصابة سابقة، بعد حملة تحريض رسمية زعمت انتماءه لحماس استنادا إلى صورة مع رئيس المكتب السياسي للحركة يحيى السنوار ، رغم أن وجوده كان للتغطية الإخبارية فقط. واغتال جيش الاحتلال الإسرائيلي في وقت متأخر من مساء الأحد الماضي مراسلي الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع ، بعدما استهدف خيمة للصحفيين قرب مستشفى الشفاء في مدينة غزة. وبالإضافة إلى أنس الشريف ومحمد قريقع وإبراهيم ظاهر ومحمد نوفل، استشهد أيضا في الغارة الصحفي محمد الخالدي والمصور مؤمن عليوة، وفقا لمصادر فلسطينية. وفي بيان نشره بعد الغارة، أقر الجيش الإسرائيلي باستهداف الزميل أنس الشريف ووصفه بأنه "إرهابي تنكر بزي صحفي في قناة الجزيرة". وادعى جيش الاحتلال أن أنس الشريف كان قائد خلية في حركة حماس وروّج لإطلاق الصواريخ على إسرائيل. وكان الشهيد تعرّض في الآونة الأخيرة لحملة تحريض إسرائيلية واسعة بسبب تغطيته صور العدوان والتجويع في قطاع غزة. وخلال حربها على قطاع غزة، اغتالت إسرائيل أيضا عددا من صحفيي شبكة الجزيرة بينهم إسماعيل الغول وحسام شبات. ووفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، ارتفع عدد الشهداء الصحفيين منذ بدء الحرب إلى 238، بينما تؤكد لجنة حماية الصحفيين أن الأشهر الأولى من حرب غزة شهدت العدد الأكبر من الصحفيين القتلى في أي نزاع خلال عام واحد، مطالبة بتحقيقات دولية مستقلة، ومذكرة بأن استهداف الصحفيين المدنيين جريمة حرب تستوجب المحاسبة. الضفة شاهدة لم يقتصر الاستهداف الممنهج على الصحفيين في غزة، بل امتد إلى الضفة الغربية، حيث يواجه الصحفيون هناك تهديدات مباشرة وأخطارا يومية خلال تغطياتهم الميدانية لعمليات الاقتحام والهدم والممارسات الإسرائيلية بحق المدنيين. هذه الانتهاكات، تنوعت بين القتل المباشر والتهديد بالقتل، والمنع من التغطية، والاعتداء الجسدي، والترهيب لدفع الصحفيين إلى التوقف عن عملهم، رغم أنهم لا يشكلون أي خطر على قوات الاحتلال. في 25 ديسمبر/كانون الأول 2024، وثقت الصحفية رغد سلامة محاولة دهس متعمدة من جيب عسكري إسرائيلي خلال تغطيتها الأحداث في مخيم طولكرم. View this post on Instagram A post shared by Raghad Salameh (@ وفي 18 مايو/أيار 2021، تعرضت الصحفية المقدسية لطيفة عبد اللطيف لاعتداء وحشي من قوات الاحتلال التي نزعت حجابها بالقوة، أثناء تغطية اقتحام المستوطنين لمنطقة باب العامود في القدس المحتلة. كما وثقت الصحفية راية عروق تعرضها وزميل لها لاستهداف مباشر برصاص قناص إسرائيلي وإلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع في مخيم جنين ، رغم ارتدائهما الزي الصحفي. وتعرضت عروق لاحقا لمحاولة دهس ثانية وتشويش متعمد على تغطيتها من قِبل جيب عسكري إسرائيلي. View this post on Instagram A post shared by translating_palestinee48 (@translating_palestinee48) View this post on Instagram A post shared by راية عروق (@ View this post on Instagram A post shared by راية عروق (@ ولا تقتصر هذه الانتهاكات على حوادث فردية، بل تتكرر بشكل واسع في طولكرم، ورام الله، وقلقيلية، والخليل ، حيث توثق المشاهد طرد الصحفيين بالقوة، وضربهم، واعتقالهم أمام الكاميرات وفي بث مباشر، دون اكتراث بالقوانين أو العواقب. اغتيالات موثقة لم تتوقف الاعتداءات عند الترهيب، بل وصلت إلى القتل المباشر لصحفيين بارزين، ففي 11 مايو/أيار 2022، اغتالت قوات الاحتلال الصحفية في شبكة الجزيرة شيرين أبو عاقلة أثناء تغطيتها اقتحام مخيم جنين، حيث أُصيبت برصاصة قاتلة رغم وضوح هويتها الصحفية. وبعد أقل من شهر، قتلت قوات الاحتلال الصحفية غفران وراسنة في الخليل أثناء توجهها إلى عملها، برصاصة اخترقت صدرها من الجهة اليسرى وخرجت من اليمنى، ما أدى إلى استشهادها في 1 يونيو/حزيران 2022. وعقب اغتيالها، قمعت قوات الاحتلال موكب جنازتها ومنعت دخوله إلى مخيم العروب، وهاجمته بعنف، في مشهد أعاد للأذهان الهجوم على جنازة شيرين أبو عاقلة. قانون ينتهك علنا وتنص اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 على أن الصحفيين يعاملون كمدنيين، ما داموا لا يشاركون في الأعمال القتالية، وتوجب حمايتهم وضمان تمكينهم من أداء مهامهم دون تعريضهم للخطر. كما تؤكد القاعدة رقم 34 من الدراسة العرفية للجنة الدولية للصليب الأحمر أنه "يجب احترام وحماية الصحفيين المدنيين العاملين في مهام مهنية أثناء النزاعات المسلحة، ما داموا لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية". لكن الاحتلال يخرق هذه المواثيق بشكل منهجي، فهو يسمح لصحفييه بممارسة أدوار عسكرية وتحريضية تسقط عنهم الحماية القانونية، فيما يستهدف الصحفيين الفلسطينيين الملتزمين تماما بمهامهم المهنية، في واحدة من أوضح صور التناقض والاستخفاف بالقانون الدولي الإنساني.