
الحقيقة خلف الكواليس.. ما لا يُروى عن إصلاح المصارف العراقية
تواجه المصارف العراقية تحديات غير مسبوقة في ظل مجموعة من معايير الإصلاح التي أطلقها البنك المركزي العراقي، التي يراها مراقبون وخبراء اقتصاديون أقرب إلى "شروط تعجيزية منها إلى خطة إصلاح واقعية".
وبينما يؤكد المختصون على أهمية الإصلاح، يطالبون بإعادة النظر في الآليات المعتمدة، بما يتناسب مع خصوصية الواقع العراقي وقدرة المصارف على النهوض بدورها الاقتصادي.
وكان البنك المركزي العراقي وضع حزمة معايير لإصلاح القطاع المصرفي أبرزها زيادة رأس المال إلى 400 مليار دينار قبل 31 كانون الأول/ ديسمبر 2025، رغم عزوف المستثمرين عن الاكتتاب بأسهمها بسبب العقوبات المفروضة عليها، مما يجعل تحقيق هذا الشرط شبه مستحيل، بحسب الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه.
مراعاة خصوصية الواقع
ويؤكد عبد ربه لوكالة شفق نيوز، أن معايير الإصلاح التي وضعها البنك المركزي العراقي، رغم احتوائها على بعض الجوانب الإيجابية، إلا أنها تتضمن نقاطاً جوهرية تحتاج إلى مراجعة شاملة بما يتناسب مع الواقع المصرفي العراقي.
ويشير إلى أن المطالبة بزيادة رأس مال المصارف إلى 400 مليار دينار قبل نهاية عام 2025، تعد غير منطقية، خصوصاً أن "غالبية هذه المصارف معاقبة، ومحرومة من التعامل بالدولار، وأسهمها منخفضة في السوق المالي، ولا تمتلك أعمالاً مصرفية كبيرة"، حسب تعبيره.
وفيما يتعلق بالجانب المالي الآخر، انتقد عبد ربه فرض رسوم تصل إلى مليوني دولار على المصارف مقابل خدمات تقدمها شركات إصلاح معتمدة، معتبراً أن "هذا المبلغ مبالغ فيه، خاصة أن المصارف لم تتفق مسبقاً مع البنك المركزي على منح هذه الشركات مبالغ بهذه القيمة".
كما يشدد الخبير الاقتصادي على أن شرط تحديد الملكية بنسبة لا تتجاوز 10% يعد أيضاً غير قابل للتطبيق، موضحاً "من غير المنطقي فرض هذا الشرط في ظل عدم وجود قطاع استثماري مستعد للدخول في مصارف تعاني من خسائر".
ويدعو عبد ربه البنك المركزي إلى إشراك المصارف الخاصة في صياغة رؤية إصلاحية جديدة تأخذ بعين الاعتبار "الظروف الخاصة التي نشأت فيها هذه المصارف، وطبيعة ملكيتها، والتحديات الاقتصادية التي تواجهها"، مؤكداً على أهمية تمديد فترة الإصلاح لتكون على مدى زمني أطول.
ويحذر من إجبار المصارف على الخروج من النظام المصرفي في حال عدم تحقيق الشروط، مؤكداً أن "مثل هذا التوجه قد يتسبب بمشاكل حقيقية للمصارف والمتعاملين معها".
ويشدد على أن "الإصلاحات ضرورية، ولكن ينبغي أن تكون واقعية، قابلة للتطبيق، ومرتبطة بالسياق العراقي، لا أن تتحول إلى وسيلة لتصفية المصارف أو تهميشها".
إصلاحات "صارمة وتعجيزية"
من جهته، ينتقد الخبير الاقتصادي مصطفى الفرج المعايير التي وضعها البنك المركزي العراقي لإصلاح القطاع المصرفي، واصفاً إياها بـ"الصارمة والتعجيزية" في ظل الأوضاع الاقتصادية المعقدة التي تمر بها المصارف العراقية.
ويقول الفرج لوكالة شفق نيوز، إن "غياب الدعم المباشر من البنك المركزي للمصارف المحلية يثير الكثير من التساؤلات، خاصة وأن هذه المصارف تُعد الركيزة الأساسية للاقتصاد الوطني".
ويلفت إلى أن "بدلاً من فرض شروط مشددة مثل رفع رأس المال ووجود شريك أجنبي، كان من الأولى أن يتجه البنك المركزي نحو إعادة جدولة الالتزامات، وتقديم دعم مالي وفني، وخفض الفوائد، أو حتى طرح حوافز حكومية لتشجيع الاكتتاب".
ويضيف أن القطاع المصرفي العراقي ما زال يتعافى من آثار العقوبات والاضطرابات الاقتصادية، وهو ما يجعل تنفيذ هذه المعايير أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً، دون وجود دعم واضح من الجهات الرسمية.
ويؤكد الفرج أن معايير البنك المركزي "تعكس نية صادقة للإصلاح، لكنها تصطدم بواقع اقتصادي ومصرفي معقد، حيث لا تملك المصارف الإمكانيات المطلوبة للالتزام الكامل بهذه الشروط دون مساندة حقيقية".
ويشير أيضاً إلى أن البيئة الاستثمارية الحالية غير مهيأة لاستقطاب شركاء أجانب، الأمر الذي يجعل العديد من المصارف في موقف صعب، ويهدد بدفعها نحو التصفية أو الاندماج القسري بدلاً من التمكين والتطوير.
ويختم الفرج بالقول "إذا كان الهدف هو بناء قطاع مصرفي قوي، فإن الطريق لذلك يبدأ من تقديم الدعم الفعلي، ومراعاة الواقع العراقي، ووضع إصلاحات قابلة للتطبيق على مراحل، لا من خلال فرض معايير قد تؤدي إلى إضعاف القطاع بدلاً من إنقاذه".
شفافية والتزاماً جاداً
بدوره، يرى عضو اللجنة الاقتصادية النيابية كاظم الشمري أن جزءاً كبيراً من المصارف العراقية لا تؤدي دورها الحقيقي كمؤسسات مالية.
ويشير الشمري في حديثه لوكالة شفق نيوز، إلى أن "من أصل 70 إلى 80 مصرفاً عاملاً في البلاد، هناك نحو 30 مصرفاً معاقباً، فيما يقتصر عمل الغالبية العظمى من المصارف الأخرى على تنفيذ الحوالات فقط دون تقديم خدمات مصرفية متكاملة مثل الودائع، القروض، أو المساهمة في تمويل المشاريع الاستثمارية".
ويوضح أن "في حال تم توجيه المتابعة المباشرة من البنك المركزي العراقي نحو المصارف غير المعاقبة والتأكيد على ضرورة استيفاء متطلبات الشركات الدولية، فإن هذه المصارف قادرة على الاستجابة والالتزام بالمعايير المطلوبة".
لكنه يحذّر في المقابل من أن ضعف المتابعة الرسمية من قبل الجهات المعنية قد يؤدي إلى استمرار المصارف في تجاهل متطلبات الإصلاح، مضيفاً: "غياب الرقابة الفعلية لا يُنتج نتائج حقيقية".
وينتقد الشمري ما وصفه بـ"التدخلات السياسية في العمل المصرفي"، معتبراً أن "أحد أبرز معوقات الإصلاح في العراق هو التدخل الحكومي في القطاع المصرفي، وهو ما يتعارض مع أسس النظام المصرفي العالمي القائم على الاستقلالية وحرية العمل المالي".
ويتابع قائلاً "من الغريب أننا لم نشهد معاقبة أي مصرف غير عراقي أو لبناني لتعامله مع دول مثل إيران أو جهات مصنفة بالإرهاب، بينما تُفرض العقوبات فقط على المصارف العراقية واللبنانية، وهذا الأمر لا يرتبط بسياسات البنك المركزي فقط، بل بسياسات الدولة ككل، وبضغط من جهات عليا تحاول دفع بعض المصارف للانفتاح على دول تخضع لعقوبات دولية".
ويشدّد الشمري على أن هذه الممارسات أضرت بالنظام المصرفي والمالي العراقي، وخلقت مشاكل حقيقية أثرت سلباً على بيئة الأعمال والاستثمار في البلاد.
وفيما يتعلق بالمعايير الدولية المفروضة، يبيّن الشمري أنها "معايير طبيعية في بيئة مصرفية مستقرة"، مؤكداً أن "الالتزام بها يمكن أن يؤدي إلى تمكين مالي حقيقي، ويساعد المصارف العراقية على مسايرة نظيراتها في المنطقة، لاسيما في دول الخليج".
وختم بالقول "إذا التزمت المصارف العراقية بالشفافية والنزاهة، فستتمكن من جذب مصارف عالمية واستثمارات أجنبية كبرى، وهو ما سيساهم بشكل كبير في إصلاح وتطوير البنية المالية للعراق".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
منذ 12 دقائق
- شفق نيوز
استقرار أسعار الذهب في بغداد وتراجعها لدى أربيل
شفق نيوز– بغداد استقرت أسعار الذهب الأجنبي والعراقي في الأسواق المحلية بالعاصمة بغداد، اليوم الأحد، فيما سجلت انخفاضاً في أربيل عاصمة إقليم كوردستان. وقال مراسل وكالة شفق نيوز، إن أسعار الذهب في أسواق الجملة بشارع النهر في بغداد سجلت صباح اليوم سعر بيع للمثقال الواحد عيار 21 من الذهب الخليجي والتركي والأوروبي 682 ألف دينار، وسعر الشراء 678 ألف دينار، وهي ذات الأسعار التي سُجلت أمس السبت. وأضاف أن سعر بيع المثقال الواحد عيار 21 من الذهب العراقي بلغ 652 ألف دينار، مقابل 648 ألف دينار للشراء. وفيما يخص أسعار الذهب في محال الصاغة ببغداد، فقد تراوح سعر بيع مثقال الذهب الخليجي عيار 21 بين 685 ألفاً و 695 ألف دينار، فيما تراوح سعر بيع مثقال الذهب العراقي بين 655 ألفاً و 665 ألف دينار. أما في أربيل، فقد شهدت الأسعار انخفاضاً، حيث بلغ سعر بيع عيار 22 نحو 696 ألف دينار، وعيار 21 نحو 665 ألف دينار، فيما بلغ سعر بيع عيار 18 حوالي 570 ألف دينار.


وكالة الصحافة المستقلة
منذ 39 دقائق
- وكالة الصحافة المستقلة
51 مليار دينار ديون وحدات الشهداء قيد الدراسة للإلغاء
المستقلة /- تدرس وزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة في العراق حالياً مقترحاً مهماً يهدف إلى إطفاء المبالغ المالية المستحقة على الوحدات السكنية التي تم تخصيصها لذوي الشهداء من منتسبي القوات الأمنية والحشد الشعبي وضحايا الإرهاب. وتبلغ قيمة هذه الديون نحو 51 مليار دينار، وهو مبلغ كبير يتطلب دراسة تفصيلية من قبل الجهات المختصة. المتحدث الرسمي باسم الوزارة، استبرق صباح، أكد في تصريح رسمي أن المجلس الوطني للإسكان يعمل حالياً على استكمال الإجراءات التنظيمية اللازمة لتنفيذ هذا الإجراء الهام، وذلك بالتنسيق مع وزارة المالية. ويأتي هذا التوجه انسجاماً مع السياسة الحكومية الرامية إلى دعم أسر الشهداء، وتقديم التسهيلات اللازمة لتحسين أوضاعهم المعيشية، خاصة أنهم ضحوا بأرواحهم في سبيل حماية الوطن. وقد تلقت الوزارة طلبات رسمية من مؤسسة الشهداء والجهات الأمنية ذات العلاقة، تضمنت أسماء المشمولين من ذوي الشهداء الذين استلموا وحدات سكنية بالتقسيط ضمن المجمعات التي نفذتها الوزارة في بغداد والمحافظات الأخرى. هذا القرار المرتقب يحمل أهمية كبيرة، فهو يعكس التزام الحكومة بتقدير التضحيات الجسيمة التي قدمها أبناؤها من القوات الأمنية والحشد الشعبي، ويشكل خطوة إنسانية تعزز من الاستقرار الاجتماعي وتعزز الثقة بين المواطنين والدولة. ومع استكمال الموافقات الأصولية من وزارة المالية، سيكون من المتوقع أن تتحول هذه الدراسة إلى قرار تنفيذي يخفف العبء المالي عن كاهل ذوي الشهداء، ويمنحهم فرصة أفضل للعيش الكريم والاعتماد على أنفسهم بعيداً عن الضغوط المالية. في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العراق، يمثل هذا التوجه الحكومي رسالة قوية على أهمية الوفاء بالحقوق والدعم الاجتماعي، وتعزيز التضامن الوطني بين أبناء الشعب العراقي


وكالة الصحافة المستقلة
منذ 39 دقائق
- وكالة الصحافة المستقلة
استقرار سعر صرف الدولار في بغداد وانخفاضه الطفيف في أربيل صباح الأحد
المستقلة /- شهدت أسعار صرف الدولار الأمريكي استقراراً في أسواق بغداد، صباح اليوم الأحد، فيما سجلت انخفاضاً طفيفاً في أربيل، عاصمة إقليم كوردستان. ففي بورصتي الكفاح والحارثية، استقر سعر صرف الدولار عند 139,850 ديناراً عراقياً مقابل كل 100 دولار، وهو السعر نفسه الذي تم تسجيله يوم أمس السبت. وفي الأسواق المحلية بمحال الصيرفة في بغداد، استقرت أسعار البيع والشراء، حيث بلغ سعر البيع 140,750 ديناراً مقابل 100 دولار، وسعر الشراء 138,750 ديناراً مقابل 100 دولار. أما في أربيل، فقد شهد الدولار انخفاضاً طفيفاً، حيث بلغ سعر البيع 139,750 ديناراً مقابل 100 دولار، بينما سجل سعر الشراء 139,700 ديناراً مقابل 100 دولار. ويعكس هذا الاستقرار والهبوط الطفيف في سعر الدولار في أربيل حالة من التوازن النسبي في الأسواق العراقية، وسط تباين طفيف بين محافظات العراق بسبب عوامل محلية واقليمية تؤثر على حركة الصرف