
إعفاء منتجات أميركية من شهادة "الحلال" بمصر.. تسهيل للتجارة أم مجازفة بثقة المستهلك؟
في خطوة مفاجئة أثارت جدلا واسعا في الأوساط الشعبية والاقتصادية والدينية، أعلنت الحكومة المصرية إعفاء دائما لمنتجات الألبان المستوردة من الولايات المتحدة من شرط الحصول على شهادة "الحلال" عند دخولها إلى السوق المصرية.
وبينما برّرت الحكومة القرار بأنه جزء من حزمة تيسيرات لتعزيز التجارة وجذب الاستثمارات، حذّر معارضون من مخاطره على ثقة المستهلك المسلم وسمعة مصر في سوق المنتجات الحلال عالميا.
خلفية القرار وتفاصيله
وجاء الإعلان عن القرار على لسان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال المنتدى الاقتصادي المصري الأميركي الذي عُقد في مايو/أيار الماضي، حيث أوضح أن الإعفاء سيكون دائما ويستمر حتى نهاية عام 2025 دون أي رسوم، على أن تُفرض رسوم بقيمة 1500 دولار لكل حاوية بدءا من عام 2026.
ووفق تصريحات حكومية، فإن القرار يهدف إلى دعم توسع الشركات الأميركية في السوق المصرية وتخفيف الأعباء الإدارية والمالية عن المستوردين.
موقف الجهات الرقابية والتنظيمية
وصرح مصدر مسؤول في الهيئة المصرية العامة للمواصفات والجودة -طلب عدم ذكر اسمه- بأن "علامة حلال" تُدرج بوصفها مطلبا فنيا في بعض المواصفات القياسية، لكنها ليست شرطا قانونيا عاما، بل تُطبق أساسا على الأغذية ذات المصدر الحيواني.
وأوضح أن شهادة الحلال مطلوبة رسميا في استيراد اللحوم والدواجن فقط، إذ تشترط وزارة الزراعة أن تكون الشحنات مصحوبة بشهادة صادرة من جهة إسلامية معتمدة ومعترف بها من دار الإفتاء، بينما يُترك طلب الشهادة في منتجات الألبان لتقدير الجهات الرقابية تبعا لطبيعة المنتج والسوق المستهدفة.
وحسب الموقع الرسمي للهيئة، تتولى 4 جهات إصدار شهادات "الحلال" في مصر:
هيئة المواصفات والجودة بصفتها الجهة القانونية الوحيدة المخوّلة بإصدار العلامة.
دار الإفتاء لاعتماد الجهات الإسلامية الخارجية.
هيئة الخدمات البيطرية للإشراف على استيراد المنتجات الحيوانية.
هيئة الرقابة على الصادرات والواردات لمراجعة مستندات الشحنات المستوردة.
ورأى رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية أحمد الوكيل أن إعفاء منتجات الألبان ومشتقاتها من شرط شهادة الحلال يُعد خطوة عملية في مواجهة غلاء الأسعار، وسيدعم حضور الشركات الأجنبية في مصر من خلال تسهيل الإجراءات وتقليص التكاليف.
وأكد في حديثه للجزيرة نت أن شهادة الحلال أصبحت "بيزنس عالميا" تديره "مافيات" معقدة، مشيرا إلى أن دولا إسلامية حاولت سابقا توحيد آلية إصدار الشهادة عبر غرف التجارة، لكنها اصطدمت بتعقيدات سياسية ودينية.
ودعا الوكيل إلى توحيد الشروط والمعايير الخاصة بشهادة الحلال على مستوى العالم الإسلامي، موضحا أن بعض الشركات كانت مضطرة لتحمل نفقات إضافية لا تتناسب مع طبيعة المنتج، مما يرفع من السعر النهائي للمستهلك دون مبرر واقعي.
ويتفق معه الدكتور هاني فهيم، أستاذ القانون التجاري الدولي، الذي أشار إلى أن قرار إلغاء شرط شهادة "حلال" لبعض السلع يُخفف الأعباء عن المستوردين، ويخدم المصالح التجارية لمصر، خاصة أن إجراءات الحصول على الشهادة معقدة ومكلفة وتشمل إشرافا خارجيا دينيا، مما يتسبب أيضا في إطالة زمن الاستيراد دون جدوى مباشرة.
تحفظات وشكوك دينية وثقافية
ورغم التبريرات الاقتصادية، فإن القرار يثير تساؤلات دينية وثقافية، إذ يُشير فهيم إلى أن مصر تعتمد على شهادات الحلال من جهات خارجية نتيجة عدم قدرتها على فحص كل المنتجات المستوردة، وهو ما يجعل الاعتماد على جهات معتمدة ضرورة تنظيمية لضمان التزام السلع بالشريعة. ويؤكد أن الاستغناء عن تلك الشهادات يفتح الباب للريبة، حتى وإن كانت الفوائد الاقتصادية واضحة.
من جهته، عبّر محمود العسقلاني، رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء"، عن مخاوفه من أن يمتد الإعفاء مستقبلا إلى منتجات أخرى ذات طابع شرعي أكثر حساسية، مثل اللحوم. وأوضح للجزيرة نت أن قرار الإعفاء لا يثير حساسية مباشرة بالنسبة لمنتجات الألبان، لكنه حذّر من أن تعميم النهج على المذبوحات قد يُضعف ثقة المستهلك المصري، كما قد يضر بسمعة مصر في أسواق الدول الإسلامية.
وأكد العسقلاني أن الضوابط الرقابية هي الضمان الوحيد لطمأنة المستهلك المسلم، وأن الاستغناء عنها أو التساهل في تطبيقها قد يؤدي إلى تآكل هذه الثقة، خاصة في ظل غياب منظومة موحدة لإصدار شهادة الحلال في مصر.
البُعد التجاري العالمي لشهادة "الحلال"
وشدد الخبير الاقتصادي علاء حسب الله، عضو مجلس إدارة الجمعية العلمية للصناعات الغذائية وأستاذ اقتصاديات السوق بجامعة الإسكندرية، على أن الإعفاء لا يعني التخلي عن منظومة "الحلال"، مشيرا إلى أن الشهادة تُمنح من قبل جهات مرخصة وتعمل وفقا لمواصفات دولية معترف بها.
وأوضح حسب الله أن مفهوم "الحلال" تجاوز البُعد الديني وأصبح أحد أدوات التنظيم التجاري، ويُستخدم كحاجز غير جمركي لتنظيم السوق وحماية الإنتاج المحلي، أو حتى ضمن أدوات الضغط والاستجابة لشركاء اقتصاديين. وأضاف أن مشروع إنشاء هيئة مصرية موحدة لإصدار شهادة الحلال لم يكتمل حتى الآن، رغم الحاجة الماسة إليه لضمان الشفافية والتنظيم.
وأشار إلى أن شهادة الحلال لم تكن تُطبّق بصرامة على منتجات الألبان في الأصل، بل استُخدمت بشكل احترازي وفقا لتفضيلات المستهلك أو متطلبات بعض الأسواق، دون وجود سند قانوني واضح كما هي الحال في بعض الدول الإسلامية.
بين الإصلاح والتفريط
من جهته، اعتبر النائب السابق بمجلس النواب هيثم الحريري أن الأهم من وجود شهادة الحلال أو غيابها هو توافر رقابة حقيقية على جودة وسلامة المنتجات. وأوضح أن شهادة الحلال "ليست جوهرية في حالة الألبان"، لكنه تساءل في حديثه للجزيرة نت: "إذا لم تكن الشهادة ضرورية، فلماذا طُلِبَت أصلا؟".
وأعرب الحريري عن خشيته من أن يكون القرار جزءا من تعهدات تجارية غير معلنة ضمن اتفاقيات ثنائية مع واشنطن، أو تفريطا في شرط طالما منح المستهلك المصري الثقة. كما حذر من أن الخطوة قد تُضعف من طموح مصر لإطلاق علامة "حلال مصرية" عالمية للتصدير، مؤكدا أن "الحلال" أصبح ثقافة استهلاكية وعلامة تجارية عالمية تحتفي بها دول مثل ماليزيا وتركيا.
أما النائب عبد المنعم إمام، رئيس حزب العدل، فرحب بالقرار إذا كان ضمن خطة حكومية شاملة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري دون المساس بالمبادئ الشرعية. وأوضح أن مصر ترزح تحت وطأة عشرات الآلاف من القوانين والقرارات التي تعوق الاستثمار، مضيفا: "في هذا السياق، فإن التبسيط أمر محمود".
وأكد إمام أن الضوابط التي تضعها هيئة سلامة الغذاء المصرية كافية لضمان جودة وسلامة المنتجات، دون الحاجة إلى شروط إضافية قد تؤخر أو تعرقل وصول السلع للأسواق.
تخفيف أعباء لا تفريط في الضوابط
وقال المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، السفير محمد الحمصاني -في تصريح للجزيرة نت- إن القرار يهدف إلى تخفيف الأعباء على المستوردين من خلال السماح بزيادة عدد الجهات المخوّلة بإصدار شهادات الحلال للسلع التي لا تزال خاضعة لهذا الشرط، بهدف تعزيز المنافسة ومنع الاحتكار.
وردا على المخاوف بشأن استيراد منتجات قد تحتوي على مكونات غير متوافقة مع الشريعة الإسلامية، أكد الحمصاني أن الشركات ستكون ملزمة بالإفصاح الكامل عن مكونات منتجاتها، وأن وزارة الزراعة هي الجهة المسؤولة عن الجوانب الفنية المتصلة بهذا الملف.
وشدد على أن القرار جاء استجابة لشكاوى متعددة من ارتفاع الرسوم وطول الإجراءات، ضمن خطة أوسع لتبسيط اللوائح في مختلف القطاعات الاقتصادية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 13 دقائق
- الجزيرة
الحرب على إيران.. نهاية معركة تمهد لجولة قادمة
بادرت إسرائيل بشنّ حرب على إيران للقضاء على المشروع النووي، فردّت الأخيرة باستهداف منشآت حيوية إسرائيلية، لكن لم تكن إسرائيل قادرة على تنفيذ المهمة بنفسها فاستعانت بالولايات المتحدة التي شنّت ضربة جوية على عدة منشآت نووية إيرانية. وأخيرا، نجحت الوساطة القطرية في تحقيق وقف هذه الحرب لكن دون تسوية كاملة لأسبابها، مما يرجح استئنافها مجددا في فترات قادمة. ونشر مركز الجزيرة للدراسات "تقدير موقف" بعنوان " الحرب على إيران: نهاية معركة تمهد للجولة القادمة" حاول قراءة هذه الحرب التي لا تشبه أية حرب أخرى سابقة في الشرق الأوسط، وتساءل: لماذا توقفت على هذا التوازن بين الأطراف؟ وهل وضع اتفاق وقف النار نهاية فعلية للحرب، أو مجرد نهاية لمعركة واحدة فقط من حرب قد تستمر بصورة أخرى؟ دخول أميركا.. مفارقة الحرب ونقطة التحول يبدو أن مشاركة الولايات المتحدة المباشرة في الحرب، عبر ضربات مركزة على منشآت نطنز و أصفهان و فوردو النووية الإيرانية في 22 يونيو/حزيران 2025، كانت تهدف إلى ما هو أبعد من مجرد دعم إسرائيل. فالمفارقة أن هذه المشاركة شكلت تمهيدا عمليا نحو وقف إطلاق النار، وأشارت إلى أن الأميركيين لا يسعون إلى حرب شاملة بل إلى ضبط الإيقاع وفق حسابات تفوق إسرائيل الأمنية، وليس بالضرورة مواجهة عسكرية مباشرة مع طهران. ورغم أن العداء بين إيران وأميركا يعود إلى عام 1979 عقب الثورة الإيرانية، فإن هذه الضربات مثلت أول هجوم أميركي مباشر في عمق إيران، دون أن يستند إلى تهديد حقيقي للمصالح الأميركية، بل كانت بمثابة تعويض عن عجز إسرائيلي عسكري عن تدمير المنشآت النووية الإيرانية المحصنة، ورسالة دعم إستراتيجي لإسرائيل. رد إيراني محسوب ومخرج مشرف كان الرد الإيراني على قاعدة العديد -التي تشكل أكبر تجمع عسكري أميركي بالشرق الأوسط- رمزيا، إذ جاءت الضربة بعد إخلاء القاعدة بأكثر من أسبوع. ومع نجاح الدفاعات الجوية القطرية في اعتراض معظم الصواريخ، بدت طهران كمن يبحث عن الحفاظ على الكرامة الوطنية، لا التصعيد، والوفاء لشعبها بالرد على الهجوم الأميركي، وفتحت الباب لاتفاق وقف النار في الوقت نفسه. ورجّحت تحليلات أن تكون المفاوضات حول وقف إطلاق النار قد بدأت بالفعل قبل هذا الرد الإيراني، وأن الضربة كانت "الطلقة الأخيرة" في معركة سمحت لإيران بتأكيد كرامتها، ولواشنطن بالتحرك نحو التهدئة. تميزت هذه الحرب عن سابقاتها في الشرق الأوسط بطابعها عن بُعد، واعتمادها على تقنيات متقدمة، ولا سيما في الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة. وقد افتتحت إسرائيل المعركة في 13 يونيو/حزيران بسلسلة ضربات استهدفت قادة الحرس الثوري ومراكز القيادة بطهران، وردّت إيران بصواريخ بعيدة المدى استهدفت مواقع إسرائيلية إستراتيجية. لكن شيئا فشيئا، ومع انخراط الطرفين في قصف متبادل، بدا أن كفاءة الدفاعات الجوية تتآكل. ففي البداية، تصدت إسرائيل لـ80% من الصواريخ، لكن النسبة انخفضت إلى 50% مع توالي الأيام. وفي المقابل، بدأت إيران تفقد مواقع إطلاقها تدريجيا، مما يشير إلى نية خوض معركة طويلة لا الهجوم الكاسح. الأهداف المعلنة مقابل النتائج أعلنت إسرائيل -في اليوم الأول من الحرب- أن هدفها تدمير البرنامج النووي الإيراني، وتأخير امتلاك طهران للقنبلة النووية، وربما بشكل غير مباشر إضعاف النظام ذاته. أما الولايات المتحدة، فحددت هدف الضربة التي وجهتها لإيران بتدمير المنشآت النووية الرئيسية الثلاث، وقال المسؤولون الأميركيون صراحة إنهم لا يعملون على إسقاط النظام وإنهم يأملون عودة إيران إلى المفاوضات. وقد ألحقت الضربات الإسرائيلية، مدعومة بالأميركية، ضررا بالغا ببعض المنشآت والعلماء، ولا سيما في أراك، وربما نطنز وأصفهان. لكن المنشآت المنتشرة الأخرى، والعقول العلمية العاملة بالمئات، لا تزال خارج دائرة الدمار. أما فوردو، فظل مصيره محل تباين بين الروايات الإيرانية والأميركية. وربما تعود الأسباب خلف ما سمي الإنجازات الإسرائيلية إلى: النجاح -على مدى أكثر من عقدين- في تجنيد وتنظيم شبكات من العملاء في كافة أنحاء إيران، الذين تعدى قيامهم بتزويد إسرائيل بالمعلومات الضرورية حول المواقع وطبيعتها وحول البشر، بل أيضا تنفيذ عمليات باستخدام الصواريخ والمسيّرات. النجاح -باستخدام وسائل مراقبة مختلفة وبالاعتماد على العملاء وبالتعاون مع وكالات الاستخبارات الغربية- في رسم خارطة دقيقة إلى حدّ كبير، وإن لم تكن شاملة، لمختلف المواقع العسكرية والنووية الإيرانية. التفوق الهائل لسلاح الجو الإسرائيلي. وعلى الجانب الآخر، ورغم أن الرد الإيراني كان أقل دمارا من الهجمات الإسرائيلية، فإنه نجح في شل مؤسسات إسرائيلية حساسة مثل معهد وايزمان ، فخر البحث العلمي في إسرائيل منذ عقود، ومعهد الأبحاث البيولوجية، ومصفاة حيفا و مطار بن غوريون. كما تسببت الصواريخ في دمار داخل مربعات سكنية في تل أبيب وحيفا وبئر السبع، وأربكت الاقتصاد الإسرائيلي، وأثارت موجة نزوح خارجي. ويُعد أحد أبرز الأسباب خلف صعوبة تقدير مدى نجاح وفعالية الرد الإيراني هو التكتم الإسرائيلي البالغ حول طبيعة الأهداف التي استهدفتها الصواريخ الإيرانية. خلاصة المعركة: لا منتصر واضحا وتُظهر الوقائع أن كلا الطرفين خرج من الحرب دون تحقيق أهدافه كاملة. لم تستطع القضاء على البرنامج النووي الإيراني، ولا إسقاط النظام، ولا حتى تعطيل قدرات إيران الصاروخية أو المسيّرات بالكامل. إعلان لم تمنع الضربات القاصمة، لكنها برهنت على قدرتها على الرد، واستهداف الداخل الإسرائيلي بشكل لم يكن مألوفا من قبل. وجدت نفسها في معادلة دقيقة، حيث نجحت في دعم إسرائيل وفرضت خطوطا حمراء جديدة، لكنها دخلت مواجهة جديدة في الشرق الأوسط وسط معارضة داخلية، خصوصا من أنصار الرئيس دونالد ترامب الذين رفضوا تورطا عسكريا جديدا لحساب حليف لا لأمن قومي. الهدنة: نهاية مؤقتة أم بداية جولة جديدة؟ اتفق على وقف إطلاق النار دون معاهدة مكتوبة، وبدون معالجة أسباب الصراع الأصلية، خاصة البرنامج النووي الإيراني، وما إذا كانت طهران ستوافق على الشروط الأميركية بتسليم اليورانيوم عالي التخصيب أو نقل التخصيب إلى الخارج. ومن دون ذلك، تبدو العودة إلى المفاوضات بمثابة العودة إلى المربع الأول. ومع كل طرف يراجع ما كسبه وما خسره، ويعيد تقييم أدواته، فإن الجولة التالية، ولو بوسائل مختلفة، قد تكون مسألة وقت لا أكثر. وفي هذا النزاع، لم تكن المعركة مجرد مواجهة عسكرية، بل تجلّت كحلقة جديدة في حرب طويلة النفس، يجيد فيها الطرفان إدارة الوقت والصبر الإستراتيجي.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
هآرتس: الجيش يؤيد اتفاق أسرى والحسم عند ترامب
يرى عاموس هرئيل المحلل العسكري لصحيفة هآرتس أن مساعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب للدفع باتجاه التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و حركة حماس في قطاع غزة تتوافق مع موقف الجيش الإسرائيلي الذي يقول إن العملية العسكرية الحالية هناك تقترب من تحقيق أهدافها. بيد أنه يؤكد أن الحسم الفعلي في القرارات السياسية سيتم مباشرة بين ترامب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ، في ظل تراجع دور القيادات العسكرية في إسرائيل. ويذّكر هرئيل بأن الرئيس الأميركي رأى في الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران فرصة لتشكيل ملامح جديدة للشرق الأوسط، وأنه يضغط على كلٍّ من إسرائيل وحماس للتوصل إلى صفقة أسرى، معتبرا أن العملية العسكرية في إيران قد تُستخدم كورقة ضغط لدفع المفاوضات. ويقول "بعد انتهاء ترامب من التباهي بنجاح الهجوم على منشأة فوردو النووية، عاد الرئيس الأميركي للتصريح بتوقعه إبرام صفقة رهائن وشيكة بين حماس وإسرائيل". ونقل هرئيل تصريحات ترامب في عطلة نهاية الأسبوع حينما قال "الوضع كارثي. نعتقد أننا سنتوصل إلى وقف لإطلاق النار خلال الأسبوع المقبل.. نظريا لسنا متورطين في هذا، لكننا متورطون لأن الناس يموتون". ويبدو أن تقرير المحلل السياسي كُتب قبل التصريح الأخير للرئيس الأميركي والذي صدر فجر اليوم الأحد، حيث نقلت وكالة رويترز عنه القول "أنجزوا الاتفاق بشأن غزة واستعيدوا الرهائن". ويوضح هرئيل أن "الشخص الوحيد الذي يعلم إن كانت هناك أي حقيقة في هذه الأمور هو ترامب نفسه على الأرجح"، مشيرا إلى أن الرئيس الأميركي أعرب مرارا منذ فوزه في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن تفاؤله بإمكانية التوصل لاتفاق، بل نجح قبل تنصيبه بأيام قليلة في فرض اتفاق بين الطرفين، لكن إسرائيل انتهكت وقف إطلاق النار في مارس/آذار الماضي، وانهارت المفاوضات منذ ذلك الحين. ويرى هرئيل أن ترامب لا يزال يحتفظ بخيوط اللعبة "إذا مارس ضغطا كافيا على نتنياهو بعد الإنجازات التي ساعده على تحقيقها خلال الأسبوعين الماضيين". ويضيف "من دون التدخل المباشر من الرئيس الأميركي، من المشكوك فيه أن يحدث أي شيء". ويشير الكاتب إلى أن ترامب منح نتنياهو الضوء الأخضر لشن الهجوم على إيران الذي بدأ يوم 13 يونيو/حزيران الجاري، ثم شاركت الولايات المتحدة مباشرة في القصف على منشأة فوردو في الـ22 من الشهر نفسه. وأضاف هرئيل أن ترامب سارع بعد ذلك إلى الدفع نحو وقف لإطلاق النار، وفي خطوة "غير مألوفة للغاية" أصدر بيانًا مطولا الخميس الماضي تدخّل فيه مباشرة في الإجراءات القضائية في إسرائيل، داعيا إلى إلغاء محاكمة نتنياهو، ووعد بـ"إنقاذ رئيس الوزراء كما أنقذ إسرائيل". الجيش يدعم وقف النار أما في الجانب العسكري، فيرى هرئيل أن الجيش الإسرائيلي يبدو أقرب من أي وقت مضى إلى تبني خيار إنهاء العملية في قطاع غزة. وينقل عن رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير قوله خلال جولة على جبهات قوات الجيش بقطاع غزة الثلاثاء الماضي "الجيش سيصل قريبا إلى الخطوط التي حددناها للمرحلة الحالية"، مضيفا "إيران تلقت ضربة موجعة، ومن المحتمل أن يسهم ضربها في تحقيق أهدافنا في غزة أيضا". ويوضح هرئيل أن هذا التصريح "مؤشر قوي على الموقف المتنامي بين جنرالات هيئة الأركان العامة" بأن إنهاء قضية قطاع غزة بسرعة من خلال اتفاق لإعادة الرهائن هو الخيار الأنسب، مشيرا إلى أن "الخطوات التي يتخذها الجيش حاليا، مثل التقدم البطيء وهدم المنازل واستهداف خلايا صغيرة وحوادث قتل شبه يومية قرب مراكز توزيع الغذاء، لا تحقق أهداف الخطة العامة". كما يلفت الكاتب إلى أن نجاح إسرائيل في إيران لا يرتبط مباشرة بملف غزة، لكنه اعتبر أنه ليس من قبيل المصادفة أن يستغل رئيس الأركان هذا النجاح للحديث عن صفقة تبادل أسرى، موضحا أن "كلمات زامير تحمل الآن وزنا مختلفا" نظرا إلى عدم ارتباطه بفشل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وإلى كونه "يُنظر إليه أيضا، عن حق، على أنه من دفع باتجاه الهجوم على إيران". ولكن هرئيل يرى أن القرارات النهائية ستُحسم مباشرة بين ترامب ونتنياهو في ظل جهود الإدارة الأميركية لقيادة تحالف إقليمي جديد يشمل أيضا التطبيع الإسرائيلي السعودي، مشيرا إلى أن "المستوى المهني في إسرائيل لا يشارك تقريبا فيما يجري"، وأن جميع المحادثات بشأن الأسرى والمفقودين تُجرى بسرية تامة. وفي هذا السياق، يلفت هرئيل إلى مخاطر محاولات المستوطنين إشعال الأوضاع في الضفة الغربية ، ويشير إلى حادثة جديدة حيث شهدت قرية المغير قرب رام الله"مذبحة خطيرة ثانية في أقل من أسبوع نفذها إرهابيون يهود"، أسفرت عن اشتباك مباشر مع كتيبة احتياط إسرائيلية، قادها ضابط الكتيبة نفسه. ويوضح أن رئيس الوزراء نتنياهو ورئيس الأركان زامير ووزير الدفاع يسرائيل كاتس أدانوا الحادث. لكنه يرى أن "هذه الإدانات ستبقى مجرد كلمات جوفاء" في ظل مشاركة ممثلي " شبيبة التلال" (مجموعة مستوطنين تهاجم بشكل منظم الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية) في الحكومة، الذين "يوفرون الدافع للعنف ويملون السياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية و قطاع غزة". وبينما يلفت إلى أن وزير الدفاع كاتس كان هو من رفع في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أوامر الاعتقال الإداري عن المستوطنين الإرهابيين في الضفة الغربية، يحذر من أنه "إذا كان هناك اتفاق وشيك في غزة، فمن المرجح أن يحاولوا إشعال تصعيد أكثر خطورة في الضفة الغربية لإحباطه".


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
توترات الشرق الأوسط تحدث صدمة في أسعار الغذاء عالميا
حذّر رئيس إحدى أكبر شركات الأسمدة في العالم من أن تصاعد التوترات في الشرق الأوسط قد يُحدث صدمة جديدة في أسعار الغذاء، لضغطه على سلاسل التوريد العالمية لمُغذيات المحاصيل والطاقة. ونقلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية عن الرئيس التنفيذي لمجموعة يارا النرويجية، سفين توري هولسيثر، قوله إن شركات الأسمدة وعملاءها "يراقبون عن كثب" المخاطر المحيطة ب مضيق هرمز ، الذي يمر عبره 40% من اليوريا في العالم و20% من تدفقات الغاز الطبيعي المُسال العالمية، مُحذرًا من أن أي اضطراب قد يؤثر على إنتاج الغذاء العالمي. تقلبات شديدة وأضاف أن أسواق الأسمدة "شهدت تقلبات شديدة خلال الأسبوعين الماضيين"، مشيرًا إلى أن هذه التطورات تعكس مدى الترابط العميق بين الأمن الإقليمي وسلاسل الإمداد العالمية، لاسيما في القطاعات الحيوية كالطاقة والغذاء. وأشار هولسيثر إلى الإغلاق الأخير لحقول الغاز الإسرائيلية، الذي عطّل إنتاج الأسمدة في مصر، كدليل على مدى سرعة تأثير التوترات الإقليمية على سلاسل التوريد. وتصاعدت التوترات بين إيران وإسرائيل بشكل حاد هذا الشهر، مما دفع سعر خام برنت إلى ما يزيد عن 80 دولارًا للبرميل قبل أن يتراجع إلى ما يقارب 60 دولارًا بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار. وحذّر محللو الصناعة من توقف أكثر من خُمس إنتاج اليوريا العالمي بسبب الصراع وانقطاع الإمدادات، وقالت كبيرة محرري الأمونيا في شركة الاستشارات "آي سي آي إس"، سيلفيا تراغانيدا: "أغلقت إيران جميع مصانع الأمونيا لأسباب أمنية، بينما لا تزال مصر متوقفة عن العمل بسبب توقف تدفقات الغاز الإسرائيلي". وحذّرت شركة الاستشارات "سي آر يو" من أن ضربات إسرائيل على إيران والهجمات الانتقامية "أدت إلى اضطراب كبير في أسواق النيتروجين" في غضون أيام قليلة من الأحداث، وشكلت "تهديدات مستمرة لإمدادات الفوسفات والبوتاس والكبريت من المنطقة". وفقًا لبيانات سي آر يو، يمر ما يقرب من ثلث صادرات اليوريا، و44% من صادرات الكبريت، وما يقرب من خُمس صادرات الأمونيا عبر دول تقع غرب مضيق هرمز، أو ينتج فيها. نظام هش وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة يارا النرويجية، سفين توري هولسيثر: "النظام الغذائي هش. إذا ظلت [أسعار الطاقة] مرتفعة بمرور الوقت، فسيؤثر ذلك أيضًا على النظام الغذائي، كما حدث في عام 2021 وحتى عام 2022 مع اندلاع الحرب [في أوكرانيا ]". وحدث آخر اضطراب كبير في أسواق الأسمدة في عام 2022، عندما أدت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بشكل كبير، وأدى إلى ارتفاع حاد في تكاليف الأسمدة، مما أسهم في أزمة أسعار الغذاء العالمية. ومنذ ذلك الحين، انخفضت أسعار مغذيات المحاصيل مع تراجع سوق الغاز الطبيعي، لكن صناعة الأسمدة في أوروبا ظلت تحت الضغط مع استحواذ الواردات الروسية على حصة أكبر من السوق، وفق هولسيثر، لدى عودته من أول زيارة له إلى أوكرانيا منذ بداية الحرب في فبراير/شباط 2022. وفي حين أن العقوبات كبَحت صادرات الغاز الطبيعي الروسي، إلا أن أحد المدخلات الأساسية في الأسمدة النيتروجينية والأغذية ومغذيات المحاصيل ظل معفيًا، ما يسمح لموسكو بإعادة توجيه غازها من خلال إنتاج الأسمدة. ورحب هولسيثر بالخطوة الأخيرة التي اتخذها الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم جمركية على الأسمدة الروسية، لكنه وصفها بأنها متأخرة، وقال إن أوروبا بحاجة إلى تجنب "تكرار الأخطاء" التي ارتُكبت في واردات الطاقة فيما يتعلق بالغذاء. واتهم رئيس شركة يارا موسكو باستخدام الغذاء والأسمدة كسلاح، سواء من خلال توسيع صادرات الأسمدة لزيادة الاعتماد العالمي على إمداداتها أو من خلال استهداف الزراعة المدنية في أوكرانيا في حملة لتدمير دور البلاد كواحدة من القوى الزراعية الكبرى في العالم. وقال هولسيثر "ثمة صراع عسكري، لكنْ هناك كذلك صراع يُستخدم فيه الغذاء كسلاح"، مضيفًا أن أكثر من 20% من الأراضي الزراعية في أوكرانيا أصبحت الآن ملغومة أو محتلة أو غير صالحة للاستخدام. وقبل الحرب، كانت صادرات أوكرانيا الغذائية، التي شملت ما يصل إلى 50 مليون طن من الحبوب، تُطعم حوالي 400 مليون شخص سنويًا. وأضاف هولسيثر أن إنتاج البلاد من الحبوب والبذور الزيتية انخفض من 78 مليون طن في عام 2023 إلى 72.9 مليون طن هذا العام، مما يعكس التأثير المتزايد للحرب على الإنتاج الزراعي للبلاد.