
ما الذي يقلق ترمب من تمدد وتنامي دول "بريكس"؟
في مرمى نيران ترمب
بينما يشن الرئيس الأميركي دونالد ترمب حرباً تجارية حول العالم، دخل هدف جديد خلال الأيام القليلة الماضية في مرمى نيرانه، وهو مجموعة "بريكس" للاقتصادات الناشئة الكبرى، إذ كتب ترمب على مواقع التواصل الاجتماعي خلال اجتماع قادة المجموعة في قمة سنوية عقدت في ريو دي جانيرو "أي دولة تتبنى سياسات 'بريكس' المعادية لأميركا ستواجه هذه الرسوم من دون استثناءات". وبعد أيام ذهب إلى أبعد من ذلك، ملمحاً إلى رغبته بتفكيك المجموعة، قائلاً "إذا كانوا أعضاء في 'بريكس'، فسيتعين عليهم دفع رسوم جمركية بنسبة 10 في المئة، ولن يستمروا في العضوية طويلاً".
وفي حين لم يكشف ترمب سوى عن سبب واحد يتعلق بالدولار الأميركي وراء تهديده لدول المجموعة، إلا أن التصعيد يتزامن مع تمدد "بريكس" وزيادة حصتها من الاقتصاد العالمي والذي بلغ أكثر من ثلث الناتج القومي الإجمالي لدول العالم، بعدما وسعت المجموعة العام الماضي الدول الأعضاء التي أسستها، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، لتشمل مصر والإمارات العربية المتحدة وإندونيسيا وإيران وإثيوبيا، بينما تنتظر دول أخرى الانضمام، مما يمثل رداً من دول الجنوب العالمي على مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى ذات الاقتصادات المتقدمة بقيادة الولايات المتحدة.
يرى خبراء اقتصاديون أن "بريكس" تضم دولاً متباينة سياسياً وأيديولوجياً بحيث يصعب أن تكون فعالة (أ ف ب)
مخاوف إضعاف الدولار
على رغم أن عدداً من الخبراء الاقتصاديين قللوا من المخاوف المتعلقة بتكتل مجموعة "بريكس" على الدول الصناعية الكبرى، على اعتبار أنها تضم دولاً متباينة سياسياً وأيديولوجياً للغاية بحيث يصعب أن تكون فعالة، إلا أن ما يقلق ترمب تحديداً، وهو ينظر إلى المجموعة بحذر، مجال واحد يراه تهديداً ملحاً وهو وضع الدولار الأميركي كعملة احتياط دولية وعملة التبادل التجاري والمصرفي الأساس حول العالم. فقد أعلن خلال اجتماع لحكومته الثلاثاء الماضي أن مجموعة بريكس أنشئت لإيذاء الولايات المتحدة عبر إضعاف الدولار وسحبه كمعيار دولي.
مخاوف ترمب حيال العملة الأميركية الخضراء لم تكن الأولى من نوعها، فخلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 وبعد فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2024، هدد ترمب بصفته رئيساً منتخباً بفرض رسوم جمركية بنسبة 100 في المئة على دول "بريكس" إذا استمرت في إنشاء عملة جديدة لها، أو دعم أية عملة أخرى لتحل محل الدولار الأميركي القوي، ثم كرر تهديده لدول "بريكس" التي عدها "معادية" خلال وقت سابق من هذا العام، وهو ما يعكس القلق الأميركي المتصاعد من مقترح الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا عام 2023 المتمثل في إنشاء عملة "بريكس"، على رغم أن هذا الاقتراح تبين لاحقاً أنه معقد لدرجة أنه قد يكون من المستحيل تنفيذه عملياً، ولهذا لم يكن محور اهتمام المجموعة خلال العامين الماضيين.
بديل العملة الأميركية
مع ذلك، تبدي دول "بريكس" اهتماماً بتوسيع نطاق التجارة بعملاتها الوطنية بدلاً من الاعتماد على الدولار الأميركي، وهو هدف يمكن في حال نجاحه أن يقلل من اعتماد جزء كبير من الاقتصاد العالمي على الدولار، وبخاصة أن بعض التقديرات تشير إلى أن دول "بريكس" تمثل أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي بناءً على القوة الشرائية، بينما حافظ الدولار على مكانته العالمية كشريان حياة للتمويل العالمي من خلال حجم الاقتصاد الأميركي واستقرار العملة الأميركية.
لكن هذا الواقع يتغير بسرعة، فوفقاً لموقع "ستاتستا" الإحصائي الأميركي من المتوقع أن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين نظيره الأميركي بحلول نهاية العقد الحالي، ليصبح أكبر اقتصاد في العالم، بينما يقدر بعض أيضاً أن تتجاوز الهند الولايات المتحدة بحلول منتصف القرن.
وإضافة إلى ذلك تعد مجموعة "بريكس" أكثر من مجرد تكتل اقتصادي أو تجاري، فقد أنشئ بنك التنمية الجديد التابع لها عام 2014 للاستثمار في البنية التحتية المستدامة والطاقة المتجددة في جميع أنحاء العالم. وفي حين كانت العلاقات بين أعضائها متوترة أو أقل أهمية خلال القرن الـ20، إلا أن مبادراتها الحالية منحتها نفوذاً دولياً أكبر، فيما شهدت القوى العظمى التقليدية الممثلة في مجموعة السبع تراجعاً في قوتها الدولية خلال العقود الأخيرة.
ليس هذا فحسب، ففي البيان المشترك الصادر عن قمة "بريكس" الأخيرة في البرازيل، أيد قادة المجموعة المناقشات الجارية حول مبادرة المدفوعات العابرة للحدود بين الدول الأعضاء، وهو نظام يمكن في حال تطويره أن يصبح بديلاً محتملاً لشبكة "سويفت" بين البنوك، باستخدام عملات دول "بريكس" أو ما يعادلها من العملات الرقمية.
أعرب ترمب عن قلقه على وضع الدولار الأميركي كعملة تبادل تجاري ومصرفي أساس حول العالم (أ ف ب)
فوائد وأخطار
من المؤكد أن تجاوز نظام شبكة "سويفت" ونظام التجارة القائم بالدولار له فوائد واضحة لبعض دول "بريكس" مثل روسيا وإيران، إذ يمكنه أن يتيح لها التحايل على العقوبات الغربية الشديدة. كما ترى دول أخرى أيضاً فائدة في عدم الاعتماد على الدولار الأميركي في تجارتها ومن بينها الصين التي سعت طويلاً إلى جعل عملتها الرنمينبي عملة دولية بهدف القضاء على ما تسميه "الهيمنة المالية الأميركية". وعلى سبيل المثال دعا رئيس البنك المركزي الصيني، بان غونغ شنغ في تصريحات له الشهر الماضي خلال منتدى مالي في شنغهاي، إلى تطوير "نظام نقدي دولي متعدد الأقطاب" أو نظام لا تهيمن فيه عملة واحدة.
ولكن حتى مع وجود الإرادة لدى بعض دول "بريكس"، لن يكون الوصول إلى هذه النقطة انتقالاً سريعاً، إذ من المرجح وجود عدد من وجهات النظر المختلفة والمصالح المتنافسة داخل دول "بريكس" حول كيفية تحقيق ذلك، فضلاً عن عدد من التحديات التقنية الأخرى التي لمح إليها الرئيس البرازيلي دا سيلفا عندما كرر وجهة نظره بأن التجارة العالمية تحتاج إلى بدائل للدولار الأميركي، لكنه أوضح أن هذا سيكون أمراً يحدث تدريجاً وبعناية.
كما أن تهديد ترمب لدول المجموعة بفرض مزيد من الرسوم الجمركية عليها قد يشكل أخطاراً من شأنها أن تقوض نطاق التعاون المنتظر بين الدول الـ10 في المجموعة لمواجهة الهيمنة المالية الأميركية.
مواجهة الولايات المتحدة
تأسس التحالف الاقتصادي للأعضاء المؤسسين في "بريكس" الذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين، عام 2009 في أعقاب الأزمة المالية الأميركية التي أضرت بسمعة الولايات المتحدة المالية، وأعادت الثقة للأسواق الناشئة ومكانتها في الاقتصاد العالمي. ومع انضمام جنوب أفريقيا عام 2010، ثم انضمام خمس دول أخرى من الجنوب العالمي العام الماضي، أصبحت "بريكس" اليوم أكثر تنوعاً من الناحية الجيوسياسية، إذ تضم دولاً غير ديمقراطية يحكمها الحزب الشيوعي ودولاً أخرى ذات توجهات دينية وديمقراطيات نابضة بالحياة ومترامية الأطراف ودولاً أخرى.
وتضم المجموعة شركاء مقربين للولايات المتحدة مثل الهند والإمارات العربية المتحدة، ودولاً أخرى تعد الولايات المتحدة عدواً مثل إيران، كما تضم بلداناً لا تتفق مع واشنطن في الرأي مثل الهند والصين، مما قد يجعل التوصل إلى توافق في الآراء في شأن القضايا المختلفة أمراً صعباً، مما قد يضعف قوة "بريكس" ولا يجعلها قادرة على مواجهة الولايات المتحدة.
عداء أم تنافس
لكن دول "بريكس" توحدها أيضاً رؤية بسيطة وهي أن ميزان القوى العالمي ينحاز بشدة نحو الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، بينما يستبعد الاقتصادات الناشئة الآخذة في النمو، وأن النظام في حاجة إلى إصلاح، ولتحقيق هذه الغاية، أنشأت المجموعة بنكها التنموي الخاص عام 2015، وتدعم تطلعات البرازيل والهند للعب دور أكبر في مجلس الأمن الدولي، خلال وقت ينفي فيه أعضاء المجموعة أن تكون "بريكس" معادية للغرب.
ومع الخلافات بين الولايات المتحدة وكل من روسيا والصين خلال العقد الماضي بسبب تنامي نفوذ الصين على الساحة العالمية والهجوم الروسي على أوكرانيا، سعت بكين وموسكو إلى توسيع المجموعة لتكون أداة أكثر فاعلية لمواجهة النفوذ الأميركي.
لكن ليس الجميع متفقاً على هذا الرأي، فقد حذر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الأعضاء الآخرين في قمة "بريكس" العام الماضي من أن تكتسب هذه المجموعة صورة منظمة تسعى إلى استبدال المؤسسات العالمية، كما أن هناك دليلاً آخر على أن بعض دول المجموعة لديها حساباتها الخاصة ولا تضع المجموعة على رأس جدول أعمالها الحيوي، حيث غاب عن اجتماع هذا العام قادة دول عدة من بينها الصين ومصر والإمارات العربية المتحدة.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نقطة تجمع حذرة
ومع ذلك، شكلت حرب ترمب الجمركية ضد غالبية دول العالم نقطة تجمع لمجموعة "بريكس"، فخلال قمتهم في ريو دي جانيرو أصدر القادة إعلاناً مشتركاً أعربوا فيه عن مخاوف جدية إزاء تصاعد الإجراءات الجمركية وغير الجمركية الأحادية الجانب في "استهزاء" واضح بسياسة إدارة ترمب التجارية، ووجد الأعضاء أرضية مشتركة في نقاط معاكسة للولايات المتحدة خارج نطاق الاقتصاد، وإن كانوا عبروا عنها بحذر.
على سبيل المثال، أشار إعلانهم في القمة إلى الصراع الذي استمر 12 يوماً بين إسرائيل وإيران (الدولة العضو في "بريكس")، من خلال إدانة الضربات العسكرية الأخيرة على إيران والتعبير عن قلق بالغ إزاء الهجمات المتعمدة على البنية التحتية المدنية والمنشآت النووية السلمية.
ومع ذلك، لم يحدد البيان اسم إسرائيل في هذه النقطة بعدما نفذت تل أبيب ضربات جوية استمرت أياماً ضد إيران الشهر الماضي، كما لم يذكر البيان أيضاً الولايات المتحدة بالاسم، والتي قصفت ثلاث منشآت نووية إيرانية كجزء من الهجوم نفسه.
أجندة عالمية مختلفة
وإذا كان الاقتصادي في مؤسسة "غولدمان ساكس" جيم أونيل الذي صاغ تسمية "بريك" للإشارة إلى أربع دول هي البرازيل وروسيا والهند والصين قبل أن تصبح "بريكس" بعد انضمام جنوب أفريقيا، وصف المجموعة بأنها رمز للأمل الاقتصادي والتفاؤل للبلدان النامية في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية المعروفة أيضاً باسم الجنوب العالمي، إلا أن هذا التحالف الاقتصادي تطور ببطء إلى تحالف جيوسياسي إلى حد كبير يهدف إلى دفع أجندة للشؤون العالمية تختلف عن مجموعة "السبع" التي يهيمن عليها الغرب، وهو ما تجلى بصورة واضحة بعد حرب روسيا في أوكرانيا بعدم تأييد أي من أعضاء مجموعة "بريكس" فرض عقوبات على روسيا، وفقاً للرئيس السابق لمركز "ويلسون" في واشنطن السفير مارك غرين.
غير أنه مع مرور الأعوام أصبحت مجموعة "بريكس" هائلة من جهة الناتج المحلي الإجمالي والتجارة العالمية، بالتالي أصبح لديها قدر كبير من القدرة على المساومة إذا عملت بلدان المجموعة معاً وهو ما تفعله بصورة متزايدة، مثلما حدث خلال حرب أوكرانيا، إذ ضمن شركاء موسكو في "بريكس" البقاء الاقتصادي والدبلوماسي لروسيا في مواجهة المحاولات الغربية لعزلها دولياً، وشاركت البرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا مع روسيا في 166 حدثاً من أحداث مجموعة "بريكس" عام 2022، وأصبح بعض الأعضاء أسواق تصدير مهمة لموسكو.
وعلى رغم الاختلافات الهائلة بين دول "بريكس" فإن التطور السياسي للمجموعة والذي أضيفت من خلاله مجالات جديدة للتعاون وهيئات إضافية أصبح مثيراً للإعجاب، إذ يوضح مؤشر جامعة "تافتس" لقياس كيفية تقارب دول "بريكس" بين عامي 2009 و2021 أن تقارباً وتعاوناً عميقاً استمر يتنامى في 47 سياسة محددة، بدءاً من الاقتصاد والأمن إلى التنمية المستدامة، وبخاصة ما يتعلق بالتنمية الصناعية والتمويل.
بين الموازنة والانحياز
مع تزايد وضوح اتجاهات صعود الجنوب وتراجع النظام العالمي القديم، تشجعت بعض دول "بريكس" ودول أخرى حول العالم على إعادة تقييم علاقاتها مع كل من الولايات المتحدة والصين. فعلى مدى عقود ظلت أدبيات العلاقات الدولية التقليدية تشير إلى أنه في العلاقات بين الدول يمكن الاختيار بين "الموازنة"، أي اتخاذ موقف قوي ضد القوى الفاعلة الأخرى لإحداث التوازن، أو "الانحياز" أي مجاراة رغبات تلك القوة. وكانت الفكرة السائدة أن الدول الأضعف لا تستطيع تحقيق التوازن في مواجهة القوى العظمى، لأنها لا تمتلك القوة العسكرية اللازمة لذلك، لذا اضطرت إلى مجاراة تلك القوى.
لكن في ظل احتدام الصراع بين الولايات المتحدة التي تقود الدول السبع الصناعية الكبرى من الدول الغربية، والصين التي تقود مجموعة "بريكس" التي تمثل دول الجنوب العالمي، بدأ مفهوم عدم الانحياز النشط في الظهور، وهو نهج في السياسة الخارجية تضع فيه الدول مصالحها الخاصة في مقدمة أولوياتها، وترفض الانحياز إلى أي طرف في صراع القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين.
عدم الانحياز النشط
يستمد هذا النهج إلهامه من حركة عدم الانحياز خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ولكن مع تحديثه ليواكب واقع القرن الـ21، إذ يختلف الجنوب العالمي الصاعد اليوم اختلافاً كبيراً عن "العالم الثالث" الذي شكل حركة عدم الانحياز، باتت دول مثل الهند والبرازيل وإندونيسيا تتمتع بثقل اقتصادي وموارد مالية أكبر مما كانت عليه في الماضي، بالتالي لديها خيارات أوسع مقارنة بالعقود السابقة، ومن ثم يمكنها اختيار سياساتها بما يتوافق مع مصالحها الوطنية. ونظراً إلى التنافس بين واشنطن وبكين على كسب قلوب وعقول هذه الدول، فإن من يسعى إلى الترويج لأجندة عدم الانحياز النشط يتمتع بنفوذ أكبر.
ووفقاً لمدير مركز "فريدريك باردي" لدراسة المستقبل في جامعة بوسطن، جورجي هاينه، فإن هناك دائماً نهجاً وسطياً يمكن وصفه بالتحوط، إذ يمكن للدول أن تحوط رهاناتها أو أن تستغل قوة ضد أخرى، وفي بعض القضايا يمكن أن تنحاز إلى الولايات المتحدة، وفي قضايا أخرى تنحاز إلى الصين.
وهكذا، فإن الاستراتيجية الكبرى لعدم الانحياز النشط هي "اللعب على أرض الملعب"، أو البحث عن الفرص المتاحة في البيئة الدولية، مما يعني البحث المستمر عن المزايا المحتملة والموارد المتاحة بصورة فاعلة من دون سلبية.
اتخذت دول مثل الهند وباكستان وجنوب أفريقيا وإندونيسيا مواقف متعارضة مع الغرب في شأن أوكرانيا (أ ف ب)
وعلى سبيل المثال، اتخذت دول مثل الهند وباكستان وجنوب أفريقيا وإندونيسيا، من بين دول أخرى، مواقف متعارضة مع الغرب في شأن أوكرانيا، إذ دانت دول عدة، وإن لم يكن جميعها، الهجوم الروسي، لكنها رفضت أيضاً المشاركة في عقوبات الغرب على موسكو والتي عدتها عقوبات غير مبررة، تعبر عن ازدواجية المعايير الغربية لأنه لم تفرض أية عقوبات على الولايات المتحدة حين غزت العراق عام 2003.
ثم جاءت هجمات "حماس" على إسرائيل خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وما نتج منها من حرب داخل قطاع غزة، إذ دانت دول الجنوب العالمي بشدة هجمات "حماس"، لكن رد فعل الغرب على مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين لاحقاً أبرز مفهوم ازدواجية المعايير في ما يتعلق بحقوق الإنسان الدولية. فقد أثيرت تساؤلات حول سبب عدم كسب الفلسطينيين نفس التعاطف الذي يحظى به الأوكرانيون، وما إذا كانت حقوق الإنسان تقتصر على الأوروبيين ومن يشبهونهم، وهكذا، رفعت جنوب أفريقيا دعوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية متهمة إياها بارتكاب إبادة جماعية، وقادت البرازيل جهود وقف إطلاق النار في الأمم المتحدة.
كيف تستجيب الصين وأميركا؟
من الأمثلة البارزة على نجاعة سياسة عدم الانحياز النشط ما اتبعته أنغولا والأرجنتين، ففي أنغولا الدولة الأفريقية التي حظيت بأكبر قدر من التعاون الصيني بلغ 45 مليار دولار أميركي، تمول الولايات المتحدة الآن ما يعرف بممر لوبيتو وهو خط سكة حديد يمتد من الحدود الشرقية لجمهورية الكونغو الديمقراطية إلى ساحل أنغولا الأطلسي، وهو ما كان يعد ضرباً من الخيال في الماضي بعدما دانت الولايات المتحدة مشاريع البنية التحتية الممولة من الصين عبر "مبادرة الحزام والطريق"، باعتبارها "دبلوماسية فخ الديون" المصممة لإثقال كاهل الدول النامية، ثم أدركت الولايات المتحدة وجود عجز كبير في البنية التحتية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وأن الصين كانت تتدخل لتقليصه.
وفي الأرجنتين انتخب خافيير ميلي عام 2023 رئيساً للبلاد ببرنامج سياسي قوي مناهض للصين، وصرح بأن حكومته لن تتعامل مع بكين على الإطلاق، لكن بعد عامين فحسب، أعلن ميلي في مقابلة مع مجلة "إيكونوميست" أنه معجب كبير ببكين، لأن الأرجنتين مثقلة بديون خارجية كبيرة، وكان ميلي يعلم أن استمرار موقفه المناهض للصين يعني على الأرجح عدم تجديد خط ائتمان من بكين.
كان الرئيس الأرجنتيني تحت ضغط من صندوق النقد الدولي وواشنطن لإلغاء خط الائتمان مع الصين، لكن ميلي رفض ذلك وتمكن من الصمود، مستغلاً كلا الجانبين ضد بعضهما بعضاً.
نهاية النظام الليبرالي
ووفقاً للأستاذ في جامعة بوسطن جورجي هاينه يبدو أن النظام الدولي الليبرالي الذي أطر السياسة العالمية من عام 1945 إلى عام 2016 انتهى مع تقويض بعض مبادئه الأساس، مثل التعددية والتجارة الحرة واحترام القانون الدولي والمعاهدات الدولية القائمة، مما يعني أن العالم دخل في مرحلة انتقالية اندثر فيها مفهوم الغرب ككيان جيوسياسي، كما عرفناه، إذ تتلقى القوى غير الليبرالية في المجر وألمانيا وبولندا دعماً من أصحاب السلطة في كل من واشنطن وموسكو.
ولم يأت هذا التراجع للغرب بسبب أية مشكلة اقتصادية، فلا تزال الولايات المتحدة تمثل نحو 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، كما كانت خلال عام 1970، ولكن بسبب انهيار التحالف عبر المحيط الأطلسي.
وإذا كان مفهوم عدم الانحياز النشط نشأ نتيجة لضغوط إدارة ترمب الأولى على دول أميركا اللاتينية، فإن الضغوط الأميركية على دول الجنوب العالمي شديدة للغاية، وهناك إغراء للرضوخ لترمب والانحياز إلى الولايات المتحدة.
ومع ذلك، تشير جميع المؤشرات إلى أن مجرد الرضوخ لمطالب ترمب ليس وصفة للنجاح، فالدول التي سلكت طريق الرضوخ لمطالب ترمب، لم تشهد سوى مزيد من المطالب بعد ذلك، ولهذا تحتاج الدول إلى نهج مختلف يمكن إيجاده في عدم الانحياز النشط.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوئام
منذ 24 دقائق
- الوئام
النفط يواصل الصعود وسط ترقب عقوبات أمريكية جديدة على روسيا
سجّلت أسعار النفط ارتفاعًا طفيفًا في مستهل تعاملات اليوم الاثنين، لتواصل المكاسب التي تجاوزت 2% منذ نهاية الأسبوع الماضي، وسط حالة من الترقب في الأسواق حيال قرارات مرتقبة من واشنطن بشأن فرض عقوبات إضافية على روسيا قد تُلقي بظلالها على إمدادات الطاقة العالمية. وارتفع خام برنت في العقود الآجلة بمقدار 8 سنتات ليبلغ 70.44 دولارًا للبرميل بحلول الساعة 00:11 بتوقيت غرينتش، بعدما قفز بنسبة 2.51% يوم الجمعة. وصعد خام غرب تكساس الوسيط الأميركي بمقدار 5 سنتات إلى 68.50 دولارًا، مواصلًا مكاسب جلسة الجمعة التي بلغت 2.82%. اقرأ أيضًا: ترمب يثير الجدل في تتويج تشيلسي بمونديال الأندية ويأتي هذا الأداء في ظل تزايد التوتر الجيوسياسي، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أمس الأحد عن إرسال منظومة صواريخ 'باتريوت' إلى أوكرانيا، وأكد عزمه الإدلاء بتصريح 'مهم' بشأن روسيا خلال الساعات المقبلة، وسط مؤشرات على تصاعد الضغوط الأميركية ضد موسكو. وكان ترمب قد أعرب عن إحباطه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بسبب تعثر جهود إنهاء الحرب في أوكرانيا، وتكثيف القصف الروسي للمدن الأوكرانية مؤخرًا. وفي هذا السياق، اكتسب مشروع قانون أمريكي لفرض حزمة جديدة من العقوبات على روسيا دعمًا متزايدًا في الكونغرس، لكنه لا يزال بانتظار توقيع ترامب. وفي أوروبا، قالت أربعة مصادر دبلوماسية إن مبعوثي الاتحاد الأوروبي اقتربوا من التوصل إلى اتفاق حول الحزمة الثامنة عشرة من العقوبات على روسيا، والتي تتضمن خفض سقف سعر النفط الروسي ضمن إجراءات جديدة للضغط على الكرملين. وعلى صعيد المعروض النفطي، أعلنت وزارة الطاقة السعودية الجمعة الماضية التزام المملكة الكامل بأهدافها الإنتاجية ضمن تحالف 'أوبك+'، مشيرة إلى أن صادراتها من الخام في يونيو بلغت 9.352 مليون برميل يوميًا، وهي كمية تتماشى مع الحصة المتفق عليها. في المقابل، قلّصت هذه الأنباء من زخم ارتفاع الأسعار، بالتزامن مع ترقب المستثمرين لتطورات محادثات الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين الرئيسيين، في وقت تُعد فيه هذه السياسات التجارية عاملاً مهمًا في تحديد مسار الطلب العالمي على الوقود. وتنتظر الأسواق اليوم صدور بيانات تجارة السلع الأولية من الصين، والتي قد تقدم مؤشرات حيوية على مستويات الطلب في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وسط مخاوف متزايدة من استمرار ضعف الاستهلاك. وكانت أسعار النفط قد أنهت الأسبوع الماضي على ارتفاع، إذ صعد خام برنت بنحو 3%، بينما سجل خام غرب تكساس الوسيط مكاسب بلغت 2.2%، مدعومة بتوقعات وكالة الطاقة الدولية حول شحّ أكبر من المتوقع في السوق خلال موسم الصيف، بفعل زيادة معدلات تشغيل المصافي لتلبية الطلب المرتفع على السفر وتوليد الطاقة.


Independent عربية
منذ ساعة واحدة
- Independent عربية
ترمب يزور بريطانيا في 17 سبتمبر
يقوم الرئيس الأميركي دونالد ترمب بزيارة دولة هي الثانية له إلى بريطانيا خلال الفترة من 17 إلى 19 سبتمبر (أيلول) المقبل، وفق ما أعلن قصر باكينغهام. وسيستقبل الملك تشارلز الثالث والملكة كاميلا الرئيس الأميركي وزوجته ميلانيا في قصر وندسور. وكان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خلال زيارته واشنطن في فبراير (شباط) الماضي، قد سلم ترمب رسالة شخصية من الملك تشارلز تضمنت الدعوة. وسبق أن قام ترمب بزيارة دولة إلى بريطانيا عام 2019 أثناء ولايته الرئاسية الأولى واستقبلته حينها الملكة إليزابيث الثانية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومن غير المقرر أن يلقي ترمب أي كلمة أمام مجلس العموم لأن البرلمان سيكون في فترة استراحة خلال زيارته. ووصف الرئيس الأميركي الدعوة حين تسلمها من ستارمر بأنها "شرف عظيم".


الشرق للأعمال
منذ 2 ساعات
- الشرق للأعمال
نمو الصادرات الصينية يتسارع للمرة الأولى منذ مارس
تسارع نمو الصادرات الصينية للمرة الأولى منذ مارس، مدفوعاً بتراجع الرسوم الجمركية الأميركية، وارتفاع الطلب في أسواق خارجية رئيسية. ارتفعت الصادرات بنسبة 5.8% في يونيو مقارنة بالعام السابق لتصل إلى 325 مليار دولار، متجاوزة توقعات الاقتصاديين في استطلاع أجرته "بلومبرغ" والتي بلغت 5%. كما ارتفعت الواردات بنسبة 1.1% مسجلة أول نمو منذ فبراير، ما أسفر عن فائض تجاري بلغ 115 مليار دولار الشهر الماضي، بحسب بيانات الإدارة العامة للجمارك الصادرة يوم الإثنين. وشكّلت الصادرات القوية محركاً أساسياً للاقتصاد الصيني في النصف الأول من عام 2025، إذ دعمت الشركات في ظل ضعف الطلب المحلي. إلا أن هذا الدعم قد يتلاشى في النصف الثاني من العام إذا تصاعدت التوترات التجارية العالمية. وقال وانغ لينغجون، نائب رئيس وكالة الجمارك، في مؤتمر صحفي: "تجاوزت التجارة الصينية الضغوط وتقدمت في النصف الأول من العام"، مضيفاً: "لكن علينا أيضاً أن نُدرك أن الأحادية والحمائية في ازدياد على الصعيد العالمي، وأن البيئة الخارجية تزداد تعقيداً وقتامة وغموضاً". ترمب يصعد حربه التجارية الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترمب أعلنت الأسبوع الماضي عن مجموعة جديدة من الرسوم الجمركية على شركاء تجاريين، مشيرة إلى أن تلك الرسوم ستدخل حيز التنفيذ في الأول من أغسطس. كما كشفت عن رسوم نسبتها 50% على واردات النحاس، وأشارت إلى أن المزيد من الرسوم القطاعية قيد الإعداد. وقد جرى خفض الرسوم الأميركية على السلع الصينية إلى نحو 55%، مقارنة بذروتها التي بلغت 145% في أوائل أبريل، ما ساعد في تقليص تراجع الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، وفقاً لتصريحات وانغ. لكن مع ذلك، تواجه بكين مخاطر متزايدة نتيجة الاستراتيجية التجارية الأميركية المتبدلة. فعلى سبيل المثال، يتضمن اتفاق جديد مع فيتنام فرض رسوم نسبتها 20% على الصادرات الفيتنامية إلى الولايات المتحدة، ورسماً أعلى نسبته 40% على السلع التي تُصنف على أنها أُعيد شحنها، وهو إجراء يستهدف حيلة استخدمها المصدّرون الصينيون طويلاً للالتفاف على الرسوم الأميركية. وقد تؤدي هذه الخطوة إلى كبح الطلب على المنتجات الصينية المتجهة مباشرة إلى الولايات المتحدة، وكذلك على المكونات المستخدمة في سلاسل التوريد عبر دول أخرى. وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت إنه يتوقع لقاء نظيره الصيني في الأسابيع المقبلة لمواصلة المحادثات.