
مودي في السعودية.. شراكة استراتيجية متنامية ومكانة دولية محورية للمملكة
وصل رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، إلى المملكة العربية السعودية في زيارة رسمية تستغرق يومين، بدعوة من ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حيث حظي مودي باستقبال حافل لدى وصوله إلى مطار جدة، تضمن مراسم استقبال رسمية وإطلاق 21 طلقة مدفعية ترحيبًا به، الأمر الذي يعكس عمق العلاقات والاحترام المتبادل بين البلدين الصديقين.
هذه الزيارة رفيعة المستوى تأتي تتويجًا لمسار ملفت من التطور في العلاقات السعودية-الهندية، التي انتقلت من بدايات متواضعة إلى شراكة استراتيجية شاملة ومتعددة الأبعاد، تمتد من الاقتصاد والدفاع إلى الثقافة والتواصل الشعبي، مؤكدةً على المكانة السياسية والاقتصادية الراسخة للمملكة ودورها المحوري على الساحة الدولية.
تحول استراتيجي في العلاقات الثنائية
تُعد زيارة مودي الحالية دليلًا ملموسًا على التحول النوعي الذي شهدته العلاقات بين الرياض ونيودلهي. فالعلاقات التي كانت تتسم بالود والتعاون التقليدي، تطورت بشكل كبير لتصبح شراكة استراتيجية راسخة، مدفوعة برؤية قيادتي البلدين وحرصهما المشترك على تعميق وتوسيع آفاق التعاون، إذ أكدت وزارة الشؤون الخارجية الهندية أن لقاء رئيس الوزراء مودي بسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يهدف إلى 'زيادة تعميق وتعزيز' الروابط الثنائية.
ويعكس هذا التطور حرص قيادات الدول الكبرى على التشاور المستمر مع القيادة الرشيدة في المملكة حول مجمل القضايا الإقليمية والدولية، تقديرًا لثقل المملكة ودورها الفاعل.
وقد تسارعت وتيرة الدبلوماسية بين البلدين بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، وشهد العام الماضي وحده 11 زيارة على المستوى الوزاري من الهند إلى المملكة، بما يبرهن على الزخم المتنامي في هذه العلاقة. ولم تكن الزيارات مقتصرة على اتجاه واحد، حيث شكّلت زيارتا ولي العهد لجمهورية الهند في عامي 2019م و2023م، وزيارات رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي السابقة للمملكة في عامي 2016م و2019م، محطات فارقة عززت هذا المسار التصاعدي.
مجلس الشراكة الاستراتيجية: محرك التعاون
تمثل زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الهند عام 2019م نقطة تحول مفصلية في تاريخ العلاقات، حيث تم خلالها الإعلان عن تأسيس 'مجلس الشراكة الاستراتيجية السعودي – الهندي'.
يترأس هذا المجلس سمو ولي العهد ورئيس الوزراء الهندي، ويضم تمثيلًا وزاريًا واسعًا يغطي كافة مجالات التعاون، ليصبح الآلية المؤسسية الرئيسية لدفع الشراكة قدمًا. وقد أسهم تأسيس المجلس وانعقاد دورته الأولى في نيودلهي على هامش قمة مجموعة العشرين عام 2023م، برئاسة مشتركة من سمو ولي العهد ورئيس الوزراء مودي، في تطوير التعاون بشكل كبير في شتى المجالات.
وخلال الزيارة الحالية، من المقرر أن يترأس الزعيمان اجتماعًا للمجلس في مدينة جدة، مما يؤكد على استمرارية العمل والتنسيق على أعلى المستويات لترجمة طموحات الشراكة إلى واقع ملموس.
أرقام واستثمارات ورؤى مشتركة
تُعد المملكة والهند قوتين اقتصاديتين صاعدتين، وهما من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم ضمن مجموعة العشرين ودول الجنوب العالمي، مما يمنحهما القدرة على التأثير في النظام الاقتصادي العالمي. وتشهد العلاقات الاقتصادية والتجارية ازدهارًا لافتًا؛ فالهند هي ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة، فيما تحتل المملكة المرتبة الخامسة كأكبر شريك تجاري للهند. وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 39.9 مليار دولار أمريكي في العام 2024م. تشير تقديرات سابقة إلى حوالي 43 مليار دولار، مما يعكس الديناميكية العالية للحركة التجارية.
ويعد مجال الطاقة أحد أهم ركائز هذه الشراكة، حيث تُعد المملكة ثاني أكبر مورد للنفط الخام للهند، وتلتزم الرياض بكونها شريكًا ومصدرًا موثوقًا لإمدادات الطاقة لنيودلهي. وتتوافق مواقف البلدين بشأن أهمية دعم استقرار أسواق البترول العالمية وضمان أمن الإمدادات.
وعلى صعيد الاستثمار، بادرت العديد من الشركات السعودية الكبرى، مثل أرامكو السعودية وسابك والزامل وإي هوليديز ومجموعة البترجي، بتنفيذ مشروعات والدخول في شراكات استثمارية واعدة في الهند، حيث بلغت قيمة الاستثمارات السعودية هناك نحو 10 مليارات دولار. وفي المقابل، أسهمت البيئة الاستثمارية الجاذبة في المملكة، مدعومة برؤية 2030، في جذب استثمارات هندية مباشرة بلغ رصيدها 4 مليارات دولار في عام 2023م، مسجلة ارتفاعًا ملحوظًا بنسبة 39% مقارنة بعام 2022م. وقد أسست شركات هندية كبرى حضورًا قويًا في السوق السعودي.
ويسعى البلدان بشكل حثيث إلى مواءمة رؤية المملكة 2030 وبرامجها التنفيذية الطموحة مع رؤية الهند المتقدمة 2047 ومبادراتها الرائدة مثل 'اصنع في الهند'، و'ابدأ من الهند'، و'المدن الذكية'، و'الهند النظيفة'، و'الهند الرقمية'، مما يفتح آفاقًا واسعة للتعاون في مجالات جديدة ومبتكرة.
أبعاد إقليمية ودولية.. تنسيق المواقف وتعزيز الاستقرار
وتأتي زيارة رئيس الوزراء الهندي في وقت حاسم تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط والعالم تطورات سياسية وعسكرية متسارعة وتوترات اقتصادية متزايدة.
وقد أشار السكرتير الخارجي الهندي، فيكرام ميسري، إلى أن الزيارة توفر فرصة مهمة لمناقشة القضايا الإقليمية والعالمية الرئيسية، بما في ذلك الوضع في الشرق الأوسط، والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
تعزيز التعاون الدفاعي والمستقبلي
وإلى جانب الملفات الاقتصادية والسياسية، من المتوقع أن تشهد الزيارة مباحثات لتعميق التعاون الدفاعي بين البلدين، وهو مجال يكتسب أهمية متزايدة في ظل التحديات الأمنية الإقليمية. وينظر البلدان إلى شراكتهما باعتبارها علاقة ذات 'إمكانات لا حدود لها'، كما وصفها رئيس الوزراء مودي في تصريحات صحفية سابقة قبيل الزيارة. وقد أشاد مودي بشدة بسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قائلًا إنه 'ترك انطباعًا عميقًا' عليه بـ'رؤيته الثاقبة وتطلعه للمستقبل وشغفه بتحقيق تطلعات شعبه'.
كما أثنى على التحول الاجتماعي والاقتصادي الهائل الذي تشهده المملكة تحت قيادة سموه في إطار رؤية 2030، معتبرًا أن الإصلاحات التي تم إجراؤها لم تلهم المنطقة فحسب، بل لفتت انتباه العالم بأسره. ووصف المملكة بأنها 'أحد أهم شركاء الهند وحليف وصديق موثوق به'.
وتُعد الجالية الهندية الكبيرة في المملكة، التي يبلغ تعدادها حوالي 2.7 مليون نسمة، جسرًا حيويًا للتواصل بين البلدين ومصدرًا رئيسيًا للتحويلات المالية إلى الهند. وتقديرًا لدورهم ومساهمتهم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المناطق السعودية
منذ 2 ساعات
- المناطق السعودية
البنك الإسلامي للتنمية يختتم اجتماعاته السنوية بتوقيع (70) اتفاقية بقيمة (5) مليارات دولار
المناطق_متابعات اختتمت أمس الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية لسنة 2025، المنعقدة بالجزائر العاصمة، بتوقيع أكثر من (70) اتفاقية بقيمة تقارب (5) مليارات دولار مع (26) دولة عضوًا وعدة مؤسسات إقليمية. وأوضح معالي رئيس مجموعة البنك الإسلامي للتنمية الدكتور محمد سليمان الجاسر, خلال المؤتمر الذي عقد في ختام الاجتماعات، أن الاتفاقيات تشمل قطاعات ذات أهمية كبيرة, مؤكدًا عزم البنك على تقديم حلول إنمائية ملموسة ذات أثر كبير. وشارك في الاجتماعات أكثر من (4) آلاف مشارك يمثلون (89) دولة و(70) مؤسسة، لتبادل وجهات النظر حول التحديات المشتركة وأولويات التنمية المستدامة في الدول الأعضاء، من خلال تنظيم العديد من الاجتماعات رفيعة المستوى والجلسات النقاشية بمشاركة نخبة من رواد القطاع المالي في الدول الإسلامية. وشهدت الاجتماعات السنوية تطوير علاقات التعاون بين مجموعة البنك الإسلامي للتنمية والجزائر، وتم التوقيع على اتفاقية إطار إستراتيجية للتعاون للفترة الممتدة من (2025) إلى (2027) لدعم القطاعات المعززة للتنافسية والتنويع الاقتصادي وتطوير البنى التحتية ودعم القطاع الخاص. وشملت الاتفاقيات أربعة محاور تتمثل في تعزيز أدوات التمويل الإسلامي، والتخفيف من آثار التغير المناخي، وتمكين المرأة والشباب، وتطوير القدرات وبناء الكفاءات, إلى جانب توقيع عدد من المؤسسات المالية والهيئات الجزائرية اتفاقيات مع مؤسسات تابعة لمجموعة البنك على هامش انعقاد الاجتماعات السنوية, وتُجسد هذه الاتفاقيات رؤية مشتركة تهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة في الدول الأعضاء.


رواتب السعودية
منذ 2 ساعات
- رواتب السعودية
ترامب يهدد شركة
نشر في: 23 مايو، 2025 - بواسطة: خالد العلي ترامب يهدد شركة ..آبل 📱: يجب على آبل دفع رسوم بـ 25% على هواتف آيفون المصنعة خارج أميركا. يقول: تحدثت مع تيم كوك حول ذلك, إما تصنعون الايفون داخل أمريكا بدلاً من الهند أو أي مكان اخر أو تدفعو رسوم جمركية إضافية 25%. سهم ..آبل يتراجع بعد تصريح ترامب, قد يؤدي إنتاج هواتف آيفون في الولايات المتحدة إلى ارتفاع سعره إلى 3500 دولار وفق محللين! المصدر :عبد الله الخميس | منصة x


الوئام
منذ 3 ساعات
- الوئام
الذهب يقفز بأكثر من 2% بعد تهديد ترمب برسوم جمركية جديدة
ارتفعت أسعار الذهب، اليوم الجمعة، بأكثر من اثنين بالمئة مسجلة أفضل أداء أسبوعي في ستة أسابيع وسط إقبال على استثمارات الملاذ الآمن بعد تجدد تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية وضعف الدولار. وصعد الذهب في المعاملات الفورية 2.1 بالمئة إلى 3362.70 دولار للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 1756 بتوقيت جرينتش. وارتفع المعدن 5.1 بالمئة مسجلا أعلى مستوى له في أكثر من أسبوعين. وزادت العقود الأمريكية الآجلة للذهب 2.1 بالمئة إلى 3365.8 دولار. وقال تاي وونغ، وهو تاجر معادن مستقل 'ترمب كان نشطًا جدًا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية. تهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 بالمئة على الاتحاد الأوروبي بداية من أول يونيو وهجومه اللاذع على شركة أبل وجامعة هارفارد، أدى إلى تراجع حاد في أسعار الأسهم، وهو أمر إيجابي للذهب'. وأضاف 'تجدد المخاوف بشأن الرسوم الجمركية في يوم يشهد انخفاضًا في السيولة قبل عطلة نهاية أسبوع طويلة قد يضخم التحركات'. وانخفضت الأسهم العالمية بعد أن أوصى ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 بالمئة على واردات الاتحاد الأوروبي بداية من الأول من يونيو، وقال إن أبل ستدفع رسوما جمركية بنسبة 25 بالمئة على أجهزة آيفون التي تباع في الولايات المتحدة والمصنعة في الخارج. وانخفض مؤشر الدولار الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل عملات رئيسية 0.9 بالمئة، مما يجعل الذهب المقوم بالدولار أرخص بالنسبة لحائزي العملات الأجنبية. ووافق مجلس النواب الأمريكي، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، على مشروع قانون شامل للضرائب والإنفاق أمس الخميس، بما يضمن تنفيذ معظم أجندة الرئيس دونالد ترامب ويضيف تريليونات الدولارات إلى الدين الحكومي. وعادة ما ينظر للذهب كملاذ آمن في أوقات الضبابية السياسية والمالية. وارتفع سعر البلاتين 1.2 بالمئة إلى 1094.05 دولار بعد أن سجل أعلى مستوى له منذ مايو 2023 في وقت سابق من الجلسة. وبالنسبة للمعادن النفيسة الأخرى، صعدت الفضة في المعاملات الفورية 1.1 بالمئة إلى 33.44 دولار للأوقية، ونزل البلاديوم 1.6 بالمئة إلى 998.89 دولار، وسجل كلا المعدنين مكاسب أسبوعية.