logo
"الصواريخ الصامتة" سلاح بعيد المدى غيّر موازين القتال الجوي

"الصواريخ الصامتة" سلاح بعيد المدى غيّر موازين القتال الجوي

الجزيرة١٠-٠٨-٢٠٢٥
صواريخ "بي في آر" خلف مدى الرؤية، وتُعرف بـ "الصواريخ الصامتة"، هي صواريخ جو-جو بعيدة المدى. يتراوح مداها بين 200 و500 كيلومتر، وتُطلق من الطائرات المقاتلة لتدمير أهداف جوية من مسافات بعيدة وآمنة. بدأ تطويرها عقب الحرب العالمية الثانية (1939ـ1945) وأصبحت جزءا أساسيا من المعارك الجوية في العصر الحديث.
التطوير والتصنيع
شهد العالم أثناء الحرب العالمية الثانية (1939ـ1945) معارك جوية ضارية، أسهمت في رسم ملامح مرحلة جديدة في التاريخ العسكري. ففي فترة الغزو النازي للاتحاد السوفياتي في يونيو/حزيران 1941 خسر الأخير أكثر من ألفي طائرة أثناء مواجهته السلاح الجوي الألماني "اللوفتفافه".
ومن ثم نشأ وتطور نمط المعارك الجوية التقليدي، والمبني على اشتباك طائرتين أو أكثر ضمن النطاق البصري المعروف باسم "دوغ فايت". إذ يناور الطيارون في حدة وسرعة في محاولة لإسقاط طائرات الخصم باستخدام المدافع الرشاشة أو الصواريخ قصيرة المدى.
ويسمى القتال في مثل هذه المواجهات في الأوساط العسكرية بـ"بي في آر"، والذي يدور على مسافة تتجاوز قدرة العين البشرية أو المنظار البصري على رؤية الطائرة المعادية، وتبعد عادة أكثر من 30 كيلومترا، مما يتعذر معه على قائديْ الطائرتين أن يريا بعضهما بعضا.
ويرجع مفهوم القتال خارج مدى الرؤية أيضا إلى أيام الحرب الباردة ، لكنه تعرض إلى تشكيك كبير آنذاك بسبب التكلفة الباهظة لتقنيات القتال بعيد المدى.
نماذج مطورة
سعت كل من الولايات المتحدة و روسيا و الصين ودول أوروبية أخرى إلى تطوير مستمر لصواريخ خارج مدى الرؤية، ومنها "بي في آر" و"ميتيور" و"آي إي إم 120 دي" الأميركية و"بي إل 15″.
صاروخ "بي إل 15 إي"
صاروخ بعيد المدى صممته "أكاديمية الصواريخ الجوية الصينية" للاشتباك من مسافات طويلة مع أهداف جوية بعيدة المدى مثل المقاتلات وطائرات الإنذار المبكر والتحكم وطائرات التزود بالوقود جوا.
يبلغ مداه في نسخته المحلية نحو 300 كيلومتر، بينما يبلغ مدى النسخة المصدرة نحو 145 كيلومترا. ويتميز بجهاز البحث من نوع "مصفوفة المسح الإلكتروني النشط"، التي تحتوي على جهاز إرسال واستقبال خاص بها، فتستطيع رصد الخصم وإطلاق الصاروخ باتجاهه.
إعلان
إضافة إلى محرك ثنائي يحتوي على جزأين من الوقود الصلب ويعمل على مرحلتين منفصلتين، يمكن إطلاقه من طائرات مثل "شنيانغ ـ جي 16".
وقد استخدمته باكستان في عملياتها العسكرية أثناء المواجهات الحدودية مع الهند في مايو/أيار 2025.
صاروخ "كاي إس 172"
يُعرف أيضا بـ"آر 172″، صممه مكتب "نوفاتور لتصميم وتطوير الصواريخ" الروسي لاعتراض الأهداف الجوية من مقاتلات جو وطائرات الإنذار المبكر وطائرات التزود بالوقود.
يحتوي على محرك صاروخي مزدوج يعمل بالوقود الصلب وينطلق على مرحلتين، كما يمتلك توجيها راداريا نشطا في المرحلة النهائية من الاشتباك.
تصل سرعته القصوى إلى 400 كيلومتر، أي أكثر من 5 أضعاف سرعة الصوت، ويُطلق من طائرات مقاتلة مثل "ميغ ـ31" أو " سوخوي ـ سو 35".
ويُعرف أيضا بـ"إيه إيه 12 إيه أدر"، وهو صاروخ جو-جو روسي متوسط المدى خلف مدى الرؤية، يستخدم رادارا نشطا للتوجيه الدقيق صوب الهدف الجوي.
يصل مداه إلى 100 كيلومتر، وتبلغ سرعته 4 ماخ، أي نحو 4.94 آلاف كيلومتر في الساعة.
ويتميز برأس حربية شديدة الانفجار يبلغ وزنها 25 كيلوغراما، ولديه محرك يعمل بالوقود الصلب بوزن 57 كيلوغراما، إلى جانب نظام توجيه راداري نشط. ويتمتع جهاز التحكم فيه بـ8 أو 9 بطاريات كيميائية.
ويمكن إطلاق الصاروخ من طائرات مثل "ميغ ـ29″ و"ميغ ـ30″ و"سوخوي ـ سو 30".
صاروخ جو-جو بعيد المدى طورته الشركة الأوروبية "أم بي دي آي" المتعددة الجنسيات في العقد الأول من القرن الـ21، واختير ليكون مشروعا مشتركا بين دول أوروبية عدة هي فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والسويد بقيادة المملكة المتحدة.
خضع الصاروخ إلى مراحل تطوير وتجريب في الفترة بين 2005 و2015، ودخل الخدمة عام 2016.
يستخدم الصاروخ محرك "رامجت" القادر على تغيير قوة الدفع أثناء الطيران، وتمنحه هذه الخاصية قدرة الحفاظ على السرعة والطاقة طوال الرحلة، مما يعزز كثيرا ما يُعرف بمنطقة "عدم الهروب "، وهي المسافة التي لا يستطيع الهدف المناورة بداخلها أو الهرب من الإصابة بالصاروخ.
تتجاوز سرعته 4 ماخ (أي نحو 4 أضعاف سرعة الصوت) ويقارب مداه الأقصى 200 كيلومتر، مع اختلاف هذه التقديرات بحسب السيناريوهات التشغيلية.
ويمتلك الصاروخ رادارا نشطا ووصلة بيانات ثنائية الاتجاه تسمح بتحديث المعلومات في منتصف الرحلة بهدف ضمان ضرب الأهداف بدقة. ويمكن إطلاقه من طائرات " يوروفايتر تايفون" أو من المقاتلة الفرنسية متعددة المهام "سوبر هورنت".
صاروخ "إيه آي إم 120 أمرام"
صاروخ جو-جو أميركي متوسط إلى بعيد المدى طورته شركة "رايثيون" لأنظمة الدفاع في ولاية فيرجينيا. دخل الخدمة في أوائل تسعينيات القرن الـ20، وهو أحد أقدم الصواريخ في المنظومة الأميركية.
يستخدم نظام التوجيه الذاتي في المرحلة الأولى ثم نظاما راداريا باحثا في المرحلة النهائية، مما يجعله قادرا على تتبع الهدف وإصابته دون دعم من الطائرة.
كما يُمكنه إحداث تغييرات أثناء مرحلة طيرانه من الطائرة أو من منصات أخرى، ويصل مداه إلى 160 كيلومترا وتتجاوز سرعته 4 ماخ. ويُطلق من طائرات مقاتلة مثل "إف 15 إيغل" و"إف فايتينغ فالكون".
ورغم كفاءته العالية فهو يوضع في مرتبة أقل من الصواريخ الصينية المناظرة مثل "بي إل 15″، ولذلك سعت الولايات المتحدة إلى تطوير طرازين من الصواريخ المحمولة جوا.
الطراز الأول يتبع سلاح الجو الأميركي ويُسمى "أيم ـ 260" والثاني للبحرية الأميركية وهو "إيه آي إم ـ 174″، والذي يمثل نسخة معدلة للإطلاق الجوي من صاروخ البحرية التقليدي "إس إم ـ 6".
وقد كشفت الولايات المتحدة عن النسخة الأولى من الصاروخ في مايو/أيار 2025، وكان ذلك في فعالية يوم الصداقة التي نُظمت في قاعدة مشاة البحرية بإيواكوني في اليابان.
آلية العمل
تعمل صواريخ "بي في آر" على الاشتباك مع الأهداف الجوية التي تتجاوز نطاق الرؤية البصرية للطيار، إذ ترصد الطائرة المعادية برادار الطائرة المُطلقة للصواريخ.
ويكون ذلك عبر بيانات تصدرها أنظمة الإنذار المبكر، وبعدها تحدد هدفها ثم تُطلق باتجاهه بسرعة تفوق سرعة الصوت باستخدام نظام توجيه أولي يعتمد على بيانات الطائرة، إما عبر التوجيه بالقصور الذاتي أو التوجيه بالرادار النشط.
وعند اقتراب الصاروخ من الهدف، يتحول التوجيه النهائي إلى استخدام راداره الداخلي في حال كان رادارا نشطا، ليتمكن من تتبع الهدف بدقة عالية حتى لحظة التفجير.
ينفجر الصاروخ إما من التصادم المباشر أو من تفجير شحنة شظايا قرب الهدف، مما يؤدي إلى تدميره أو تعطيله.
وتتميز هذه الصواريخ بقدرات عالية على مقاومة التشويش والمناورة، مما يصعب على الطائرات المعادية الإفلات منها، وهو ما يمنح الطائرات المزودة بها تفوقا إستراتيجيا في ساحة المعركة الجوية.
إدماج الذكاء الاصطناعي
يستخدم الذكاء الاصطناعي في الصواريخ "خلف مدى الرؤية" بهدف تعزيز أدائها ودقتها في بيئات القتال المتطورة وتحليل سلوك الأهداف الجوية والتنبؤ بمسارها، مما يمنحها قدرة أكبر على تتبع الهدف وتعديل مساره ذاتيا لتجاوز المناورات.
كما تُساعد تقنيات التعلم الآلي في التمييز بين الهدف الحقيقي والوسائل التضليلية، مثل الأجهزة الحرارية المضللة والتشويش الإلكتروني، مما يزيد من احتمال الإصابة المباشرة.
وفي بعض النماذج المتقدمة، أصبحت الصواريخ قادرة على اتخاذ قرارات تكتيكية في الجو وفي منتصف الرحلات، مثل اختيار هدف بديل أو تعديل المهمة استجابة للظروف المتغيرة.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مدونة الذكاء الاصطناعي الأوروبية الجديدة تثير جدلا حول الشفافية وحقوق النشر
مدونة الذكاء الاصطناعي الأوروبية الجديدة تثير جدلا حول الشفافية وحقوق النشر

الجزيرة

timeمنذ 4 أيام

  • الجزيرة

مدونة الذكاء الاصطناعي الأوروبية الجديدة تثير جدلا حول الشفافية وحقوق النشر

في ظل التسارع الكبير لتطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وتأثيرها المتزايد على المجتمعات والاقتصادات، تسعى الحكومات والهيئات التنظيمية حول العالم إلى وضع أطر قانونية وأخلاقية تضمن الاستخدام المسؤول والآمن لهذه التقنيات. وتقول الباحثة إيزابيلا ويلكنسون -في تقرير نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس)- إن قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي يعد الإطار القانوني الأكثر شمولا في العالم لتنظيم الذكاء الاصطناعي. وبدأت قواعده المتعلقة بنماذج الذكاء الاصطناعي ذات الأغراض العامة تدخل حيز التنفيذ هذا الشهر. وتضيف أن هذا القانون يعد معقدا، ويتضمن التزامات صارمة على الشركات التي تقدم أنظمة ذكاء اصطناعي تستخدم داخل الاتحاد الأوروبي ، مثل شركتي "أوبن إيه آي" و"ديب مايند". ولمساعدة هذه الشركات على الامتثال للمتطلبات القانونية، ألزم القانون بوضع مدونة ممارسات خاصة بنماذج "جي بي إيه آي". وتعد هذه المدونة وثيقة توجيهية، فهي عبارة عن مجموعة من الإرشادات غير الملزمة قانونيا، تهدف إلى مساعدة الشركات في إثبات التزامها في مجالات مثل الشفافية وحقوق النشر والسلامة. ومن الجدير بالذكر أن مقدمي نماذج "جي بي إيه آي" الذين يختارون عدم التوقيع على المدونة يظلون ملزمين بالامتثال لمتطلبات قانون الذكاء الاصطناعي، لكن يسمح لهم بالإبلاغ عن كيفية التزامهم بالقانون بطرق أخرى مختلفة. وبعد عملية استغرقت قرابة عام، وشهدت مشاركة علماء وباحثين عالميين بارزين في مجال الذكاء الاصطناعي، نُشرت المدونة أخيرا في أوائل يوليو/تموز. وقد أثارت عملية إعدادها الكثير من الجدل والانتقادات. ورغم ذلك، يمكن أن يكون للمدونة دور محوري في تشكيل وتوجيه منظومة الحوكمة العالمية الفعالة للذكاء الاصطناعي، ولا سيما تلك المتعلقة بنماذج "جي بي إيه آي" التي تنطوي على مخاطر نظامية. جدل الشفافية وحقوق النشر وشابت عملية إعداد قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي خلافات ونزاعات مستمرة. كما أثارت عملية صياغة المدونة المصاحبة للقانون جدلا واسعا، إذ أعادت إلى الواجهة نقاشات قديمة داخل الاتحاد الأوروبي حول الشفافية وحقوق النشر، وعمّقت في الوقت ذاته قضايا حديثة تتعلق بتأثير شركات التكنولوجيا الكبرى. وتتعلق بعض الخلافات بطريقة إعداد المدونة؛ فقد اتهمت جهات من المجتمع المدني القائمين على صياغة المدونة ومكتب الذكاء الاصطناعي في الاتحاد الأوروبي بمنح شركات التكنولوجيا الأميركية امتيازات خاصة في الوصول والتأثير. وفي المقابل، رحّب البعض الآخر بشمولية العملية، لكنه اعتبر أن سرعة الصياغة والمعرفة التقنية المطلوبة لمتابعتها شكّلتا حاجزين يحولان دون مشاركة أوسع. أما محتوى المدونة نفسها فقد أثار أيضا انقسامات. على سبيل المثال، كانت مسألة الشفافية محورا رئيسيا للخلاف؛ إذ طالبت مجموعات من المجتمع المدني وأكاديميون بأن تدفع المدونة نحو قدر أكبر من الشفافية في كيفية عمل نماذج الذكاء الاصطناعي تقنيا، وكذلك في كيفية توصيل هذه المعلومات إلى الجمهور، بينما رأى آخرون أن مسودة المدونة تضعف الحماية الممنوحة للحقوق الأساسية لمستخدمي هذه الأنظمة. وعلى الرغم من وجود بعض الانقسامات داخل القطاع الصناعي الأوروبي، فإن الرسالة العامة كانت واضحة وهي أن قانون الذكاء الاصطناعي ومدونته يتجاوزان الحدود. ففي أوائل يوليو/تموز، دعا رؤساء كبرى الشركات الأوروبية إلى وقف تنفيذ القانون والمدونة لمدة عامين، مشيرين إلى مخاوف بشأن تعقيد القانون وتأثيره السلبي على القدرة التنافسية للاقتصاد الأوروبي. وعبّرت شركات من خارج الاتحاد الأوروبي أيضا عن مجموعة من المخاوف بشأن قواعد الاتحاد الخاصة بالذكاء الاصطناعي، فقد تعهد رئيس الشؤون القانونية في شركة غوغل ، كينت ووكر، بالتوقيع على المدونة، لكنه أشار إلى أنها قد تؤدي إلى "إبطاء تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي في أوروبا". أما شركات كبرى أخرى مثل "أنثروبيك" و"أوبن إيه آي" فقد وقعت على المدونة. في المقابل، لم تكن شركة "ميتا" قد وقعت عليها حتى لحظة إعداد هذا التقرير. وقد صرح مدير الشؤون العالمية في "ميتا"، جويل كابلان، مؤخرا بأن "المبالغة في نصوص المدونة سيخنق تطوير ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة في أوروبا". تعزيز التنافسية وقد تبنى بعض صُناع السياسات المؤثرين هذه الانتقادات، ففي تقرير بارز صدر العام الماضي عن الاتحاد الأوروبي أعده ماريو دراجي، ورد أن العقبات التنظيمية "المرهقة" التي تعوق الابتكار في قطاع التكنولوجيا، ومن بينها قانون الذكاء الاصطناعي، تضعف القدرة التنافسية للاتحاد الأوروبي. ويطالب دراجي وعدد من صناع السياسات الآخرين بتبسيط تلك الأطر التنظيمية، ليس فقط في مجال الذكاء الاصطناعي، باعتباره وسيلة لتعزيز التنافسية الأوروبية. وترتبط النقاشات حول تعزيز التنافسية ارتباطا وثيقا بالحديث عن تعزيز السيادة الأوروبية على البنية التحتية التكنولوجية، وخلق بدائل حقيقية للذكاء الاصطناعي القادم من الولايات المتحدة والصين. وأصبح هذا الموضوع أكثر بروزا في الأشهر الأخيرة، مع اتخاذ دول مثل المملكة المتحدة موقفا رافضا للتسرع في تنظيم الذكاء الاصطناعي، ومع التزام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجديدة في الولايات المتحدة بخطة عمل تهدف إلى إزالة الحواجز التنظيمية. وفي الواقع، فإن الإدارة الأميركية الحالية تعارض بشدة النهج الذي تتبعه بروكسل، فقد وجّه جيه دي فانس ، نائب الرئيس الأميركي، انتقادات حادة للتنظيمات الأوروبية خلال قمة للذكاء الاصطناعي في باريس في فبراير/شباط الماضي، قائلا: "نحن بحاجة إلى نظام تنظيمي دولي يدعم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بدلا من خنقها". وتقول ويلكنسون إن اتفاق التجارة الأخير بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يبدو أنه زاد من حالة الغموض، بعدما لم يستبعد وزير التجارة الأميركي إجراء مزيد من المحادثات بشأن ما وصفته بـ"هجوم الاتحاد الأوروبي على شركاتنا التكنولوجية". وأثارت "مدونة الممارسات" جدلا واسعا، إذ تأتي في وقت تتجه فيه الحكومات عالميا بعيدا عن التنظيمات الصارمة نحو أطر أكثر مرونة. ورغم الجدل المثار حولها، من المرجّح أن يكون للمدونة تأثير عالمي. فكثيرا ما يحتذى بعناصر من تشريعات وتوجيهات الاتحاد الأوروبي في بلدان أخرى، رغم أن مدى حدوث ذلك في مجال الذكاء الاصطناعي لا يزال موضع نقاش حاد. وقد يكون للمدونة دور حيوي في تشكيل وتوجيه الحوكمة العالمية الفعالة للذكاء الاصطناعي. وحققت المدونة هدفين رئيسيين: أولا: أوضحت الالتزامات الواردة في أكثر تشريعات الذكاء الاصطناعي شمولا في العالم. ثانيا: من خلال ذلك، زوّد واضعو المدونة لصانعي القرار في المستقبل دليلا عمليا لصنع قرارات ديمقراطية بشأن الذكاء الاصطناعي. فالعملية الشفافة والشاملة التي أنتجت المدونة توفر للعالم دروسا مستفادة، سواء في شكل تحذيرات من المزالق أو كنماذج للممارسات المثلى. وتخضع حوكمة التكنولوجيا لتطور دائم، وستشهد المدونة بدورها نسخا مستقبلية جديدة. ويفتح هذا فرصة لبروكسل لتعزيز مصداقيتها وشرعيتها، والاستفادة من الروابط الإستراتيجية مع الأبحاث المتقدمة، وربط جهود الحوكمة الأخرى حول العالم. وتقول ويلكنسون إنه ينبغي على بروكسل، وتحديدا مكتب الذكاء الاصطناعي التابع لها، وكذلك الهيئات التنظيمية الوطنية العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي، أن تتخذ خطوات ملموسة لترسيخ نفسها كمركز تميز لصناعة حوكمة ذكاء اصطناعي ديمقراطية، قابلة للتطور، وخاضعة للمساءلة. وترى أن توثيق النجاحات والإخفاقات في تصميم المدونة من شأنه أن يضمن كونها وثيقة حية قابلة للتعديل، مما يعزز بدوره قدرات الهيئات التنظيمية في أماكن أخرى من العالم. ولتحقيق ذلك، لا بد أن يضمن مكتب الذكاء الاصطناعي في الاتحاد الأوروبي إمكانية استفادة المنظمين في دول أخرى من الدروس المستخلصة من تصميم المدونة، وبناء التماسك عند الحاجة، سواء اختاروا تنظيما صارما وشاملا أو نهجا أكثر مرونة. وتضيف أنه يمكن الاستفادة من نماذج قائمة حاليا، مثل المنتديات المستقلة والدولية القائمة على التنسيق بين الهيئات التنظيمية وتعزيز القدرات في مجال السلامة الرقمية، إذ يمكن أن تقدم هذه النماذج إطارا يحتذى به، إلى جانب تطوير أدوات استشرافية للقضايا القانونية الجديدة والمعقدة التي قد تظهر مستقبلا. كما ينبغي على مكتب الاتحاد الأوروبي للذكاء الاصطناعي أن ينشر نتائج تطوير المدونة بشكل نشط ضمن شبكة المعاهد الدولية المعنية بسلامة الذكاء الاصطناعي، وغيرها من الهيئات الدولية، مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تتولى حاليا الإشراف على إطار التقارير الطوعية لمزودي نماذج الذكاء الاصطناعي. وقد يُسهم هذا في تعزيز الاتساق حول المبادئ الأساسية الخاصة بالحوكمة الشفافة المبنية على مشاركة أصحاب المصلحة.

مدن أفغانية على طريق الحرير التاريخي
مدن أفغانية على طريق الحرير التاريخي

الجزيرة

timeمنذ 6 أيام

  • الجزيرة

مدن أفغانية على طريق الحرير التاريخي

" طريق الحرير" اسم أطلقه الجغرافي الألماني فرديناند فون ريشتهوفن في أواسط القرن الـ19 على طرق برية وبحرية طولها 12 ألف كيلومتر، ربطت آسيا والشرق الأوسط وأوروبا بروابط تجارية وثقافية ودينية وفلسفية لمئات السنين. وشبهه المؤرخ البريطاني بيتر فرانكوبان بـ"جهاز عصبي مركزي للعالم، يربط بين الأشخاص والأماكن لا تراه العين المجردة". عبر "طريق الحرير" من مدن عريقة، كان لها شأن كبير في فترات متفرقة من التاريخ، مثل مرو والريّ وبلخ وبخارى و سمرقند و بغداد ، وغيرها من المدن والحواضر التي شكلت جسرا ربط المحيط الهادي بالبحر الأبيض المتوسط. على امتداد طريق الحرير، نقلت القوافل التجارية بضائع مختلفة، وفي مقدمتها الحرير الذي احتكرت الصين سر صناعته لأكثر من ألفي عام، إضافة إلى التوابل والشاي والورق والبارود، ولم يكن الطريق ممرا تجاريا فحسب، بل شكل أيضا فضاء للتفاعل الثقافي والديني على مر التاريخ. وتفرعت مسارات الطريق في أفغانستان -التي عُرفت قديما باسم "آريانا"- وانتشرت عبر أراضيها من الشرق عبر ممر واخان، الذي يصل الصين بجنوب آسيا وشبه القارة الهندية، ومن الشمال حيث يمتد من وسط آسيا إلى إيران مرورا بمدن خراسان و"باميان" و"بلخ" و"هرات" و"قندهار". وكانت الدول المتعاقبة على حكم المنطقة مدركة أهمية هذا الشريان الحيوي، فحرصت على تأمينه عبر القبائل المحلية تارة، وعبر جيوشها تارة أخرى. بلخ (أم البلاد) مدينة بلخ -التي عرفت قديما باسم (باكتريا)- واحدة من أقدم مدن العالم، كانت أحد المراكز الهامة للديانتين الزرادشتية و البوذية ، وتضم كهوفا وآثارا شاهدة على تلك الحقب التاريخية. شكلت بعد الفتح الإسلامي -إلى جانب كل من "هرات" و"نيسابور" و"مرو"- أجزاء خراسان الأربعة، قبل أن تصبح لاحقا عاصمتها وموطنا لكبار العلماء والأدباء والشعراء، أبرزهم العالم والطبيب ابن سينا والشاعر الصوفي جلال الدين الرومي والفيلسوف ناصر خسرو والعالم الفقيه إبراهيم بن أدهم. تقع المدينة على ضفاف نهر جيحون (آمو داريا)، الذي يفصل بينها وبين أوزبكستان، حيث توجد سمرقند وبخارى، ونظرا لأهميتها الثقافية والحضارية أطلق عليها بعض المؤرخين لقب "أم البلاد". شكلت معبرا مهما لقوافل "طريق الحرير"، إذ تقع في سهل واسع يفصل بين جبال هندكوش ونهر جيحون (آمو داريا)، تتقاطع فيه عدة مسارات يمكن العبور من خلالها نحو الغرب حيث "هرات" ومنها إلى إيران، أو باتجاه الشرق حيث توجد "سمرقند" وآسيا الوسطى، ومن ثم إلى الصين. وغالبا ما كانت القوافل المارة عبر المدينة تحمل الحرير والعاج والأحجار الكريمة والتوابل والعطور وغيرها، كما حملت الرهبان البوذيين الذين جاؤوا إلى بلخ مبشرين بالدين الجديد ومنها انتقل إلى الصين واليابان. وبعد الفتح الإسلامي جاءت هذه القوافل بالتجار المسلمين الذين نشروا الإسلام في المنطقة وأوصلوه إلى الصين. ممر واخان هو ممر حيوي يقع في منطقة جبلية بشمال شرق ولاية بدخشان، تحده طاجكستان شمالا و باكستان جنوبا، وتمتد حدوده مع الصين شرقا على مسافة تقدر بأكثر من 350 كيلومترا. وهو من أكثر المناطق ارتفاعا في العالم، إذ يصل متوسط ارتفاعه إلى 4 آلاف متر فوق سطح البحر، ويشكل جزءا من منطقة أكبر تسمى "بامير" يطلق عليها "سقف العالم". كان ممر واخان أحد الفروع الجنوبية لطريق الحرير، الذي يربط الصين بأريانا القديمة (أفغانستان) ومنها إلى القارة الهندية، عبر منه الرحالة الشهير ماركو بولو إلى الصين وذكره في كتاب رحلاته. وكانت القوافل التجارية تسلك هذا الممر للوصول إلى بدخشان، التي تضم أكبر احتياطي عالمي من حجر اللازورد، إذ كان يُنقل منها إلى مصر ، لكونه أحد الأحجار المقدسة في الحضارة المصرية القديمة. واحتفظت جنبات الأودية في المدينة بآثار الاستراحات التي بنيت على طول الطريق، حيث كانت تتوقف القوافل للراحة. باميان وتقع في واد واسع بين سلسلة جبال هندكوش وجبال بابا الواقعة وسط أفغانستان، وكانت إحدى المحطات المهمة لعبور قوافل طريق الحرير، وشكلت موضع اهتمام التجار والحجاج والمستكشفين، إذ كانت أهم مركز بوذي في العالم لفترات زمنية طويلة، نظرا لضمها أكثر من 50 معبدا وفق اكتشافات أثرية حديثة. وتضم باميان أكبر تمثالين لبوذا في العالم، مما جعل منها موقعا بارزا يستقطب السياح وعلماء الآثار، وفي المنطقة مساحات زراعية شاسعة بفضل بحيرات "بند أمير"، وهي مجموعة بحيرات مرتفعة تتميز بزرقة تعكس لون اللازورد، ومحاطة بتكوينات جيولوجية طبيعية لم تتأثر بالنشاط البشري. ومن المعالم التاريخية التي تدل على أهمية المنطقة قديما وجود خان "شش بول" (الجسور الستة)، وهو أحد أكبر الخانات -أو ما يسمى بـ"كروان سراي" (منزل القافلة باللغة الفارسية) في المنطقة، الذي كان محطة رئيسية للقوافل التجارية يستخدمها التجار للراحة وتبادل البضائع قبل متابعة سيرهم جنوبا إلى قندهار وشبه القارة الهندية، أو شمالا عبر بروان وبدخشان إلى بلخ، ومنها إلى بخارى والصين. هرات تلقب بـ "لؤلؤة أفغانستان"، وهي موطن العلم والأدب والشعر والتصوف، وتعج بآثار شاهدة على مكانتها عبر التاريخ، ذكرها معظم المؤرخين في كتبهم، تتميز بموقعها الإستراتيجي على مفترق طرق يربط بين وسط آسيا وشبه القارة الهندية والشرق الأوسط، وتعرف بخصوبة أراضيها بفضل مياه نهر "هريرود". وشكلت مناراتها الشاهقة على مدى التاريخ معالم تهدي العابرين والقوافل إلى المدينة، وهي 10 منارات أمرت السلطانة غوهر شاد ببنائها إبان الحقبة التيمورية، وتمثل إلى جانب "قلعة اختيار الدين" و"المسجد الجامع الكبير" معالم تدل على فن العمارة آنذاك. وتحتضن المدينة أضرحة بعض العلماء المسلمين أمثال عبد الله الأنصاري وفخر الدين الرازي وعبد الرحمن الجامي وغيرهم. وتمر بالمدينة 4 فروع من طريق الحرير، الأول بمحاذاة نهر هريرود مرورا بمدينة سرخس وصولا إلى مرو، والثاني من الشمال الشرقي عبر غرجستان والمرغاب، وينتهي إلى مرو أيضا، والثالث من الجنوب عبر آسفراز وفراه ويتفرع إلى خطين أحدهما نحو بُست والآخر إلى سيستان، أما الرابع فيربط هرات بمدينة نيسابور، وتؤدي هذه الفروع إلى إيران، ومنها إلى آسيا الصغرى ثم أوروبا. قندهار هي ثاني أكبر مدن أفغانستان وعاصمتها القديمة، وتختزن تاريخا يمتد إلى نحو 5 آلاف عام قبل الميلاد، إذ نشأت فيها إحدى أقدم المستوطنات البشرية والقرى الزراعية في العالم. احتلها الإسكندر الأكبر وأطلق عليها اسم "الإسكندرية". تُعد الموطن الرئيسي للقبائل البشتونية في أفغانستان، وتحظى بمكانة بارزة بين المدن الأفغانية، إذ كان لها الدور الأبرز في تاريخ البلاد الحديث من خلال الثورات والحركات التي انطلقت منها وشكلت مسار الأحداث في البلاد. كانت المدينة قديما معبرا لقوافل "طريق الحرير" لا سيما عبر الفرع الجنوبي الذي تمر منه القوافل القادمة من مدينة "غزني" لتمر من قندهار في اتجاه شبه القارة الهندية جنوبا أو نحو إيران غربا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store