logo
اشتوكة أيت باها: الخروج من 'سلة الغذاء' (Pôle Agricole) إلى فضاء اقتصادي متكامل.. (3)

اشتوكة أيت باها: الخروج من 'سلة الغذاء' (Pôle Agricole) إلى فضاء اقتصادي متكامل.. (3)

شتوكة بريس١٧-٠٧-٢٠٢٥
بأرقام صادرات تتجاوز 7 مليارات درهم سنوياً، وبسطوة شبه مطلقة على الأسواق الأوروبية في منتجات معينة، فرض إقليم اشتوكة أيت باها نفسه كـ'عملاق إنتاجي' لا يمكن تجاهله على الخارطة الاقتصادية الوطنية. لكن هذه القوة الإنتاجية الهائلة، التي تمثل واجهة النجاح، تخفي خلفها مفارقة هيكلية عميقة وتطرح سؤالاً استراتيجياً ملحاً: إذا كان الإقليم عملاقاً في قطاعه الإنتاجي الأولي، فلماذا يجب أن يظل قزماً في قطاعات حيوية أخرى كالتصنيع، والخدمات المهيكلة، والسياحة ذات القيمة المضافة (Valeur Ajoutée)؟
إن هذا النموذج الاقتصادي الأحادي (Modèle Économique Mono-sectoriel)، الذي بلغ أقصى حدوده التشغيلية، لم يعد مجرد اختيار تنموي، بل أصبح يمثل 'مخاطرة استراتيجية' **(Risque Stratégique). فالاعتماد على قطاع واحد شديد الاستهلاك للموارد في منطقة تعاني من عجز مائي هيكلي يفوق 90 مليون متر مكعب سنوياً، هو بمثابة بناء صرح ضخم على أساسات تتآكل. لذا، لم تعد القضية اليوم هي مجرد 'تنويع الاقتصاد' (Diversification Économique)، بل هي ضرورة حتمية لـ'إعادة التوازن' لهيكله بالكامل، وتصحيح هذه 'اللا-تناسقية' الصارخة بين قطاع متضخم وباقي القطاعات الضامرة، لضمان استدامته وقدرته على الصمود في وجه الصدمات المستقبلية.
رهان واضح على تحويل الإقليم إلى وجهة استثمارية عبر 'الميثاق الجديد للاستثمار'، الذي يقدم حوافز رقمية مغرية تبدأ بمنحة ترابية تصل إلى 10% من قيمة المشروع، وتدعم اقتناء العقار الصناعي بما يصل إلى 250 درهمًا للمتر المربع. لكن هذا الطموح يصطدم بفجوة على أرض الواقع؛ فالإقليم يفتقر إلى مناطق صناعية كبرى جاهزة ومجهزة بالكامل. ورغم أن مشاريع البنية التحتية، مثل مشروع التطهير السائل في سيدي بيبي الذي كلف 123 مليون درهم، تعتبر أساسية، إلا أنها تظل غير كافية لجذب استثمارات صناعية ضخمة في غياب وعاء عقاري صناعي (Foncier Industriel) مهيكل. إن الفشل في إخراج مشروع منطقة صناعية حقيقية في أيت عميرة، التي تعد قلب الإقليم النابض ديموغرافيًا، يجعل من الصعب ترجمة هذه الحوافز المالية إلى مصانع وفرص عمل حقيقية.
وإذا كان العجز عن توفير 'وعاء عقاري' يعرقل الصناعة، فإن المفارقة في قطاع السياحة أكثر حدة، لأن 'الوعاء' هنا موجود أصلاً لكنه مهمل. يمتلك الإقليم أصولاً سياحية خاماً ذات قيمة عالية، لكنه يعجز عن تحويلها إلى منتوجات قابلة للتسويق. فامتلاك شريط ساحلي ومنتزه وطني وشبكة فريدة من المخازن الجماعية 'إكودار' لا يعني امتلاك عرض سياحي.
الإشكالية هنا ليست في غياب الإمكانيات، بل في غياب 'الهندسة السياحية' (Ingénierie Touristique).
مشروع * 'بلاد إكودار' * هو المثال الصارخ؛ فكرته رائدة لكنه بقي مجرد عنوان لمشروع لم يجد طريقه للتنفيذ، والنتيجة هي أن هذه المعالم التاريخية، بدلاً من أن تكون محركاً للتنمية القروية، تظل مجرد تراث مادي يتآكل.
وبنفس المنطق، فإن الفضاء السياحي 'أركان' ، الذي شكل موضوع اتفاقيات حكومية وازنة لتعبئة استثمارات قطاعية، يمثل بنية تحتية معزولة تفتقر إلى الاستثمار والروح والزوار، لأنه لم يُدمج ضمن مسار سياحي متكامل وجذاب. النتيجة هي حلقة مفرغة: غياب المنتوج المتكامل يمنع التسويق، وغياب التسويق يمنع تدفق السياح، وغياب السياح يقتل أي حافز للاستثمار الخاص.
في خضم السعي لإعادة التوازن الهيكلي لاقتصاد الإقليم، تعمل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (INDH) بمثابة 'المحرك الاجتماعي' الذي يضخ الاستثمارات مباشرة في الرأسمال البشري (Capital Humain). ففي مرحلتها الثالثة، كنموذج، تم رصد غلاف مالي إجمالي يناهز 184 مليون درهم، استهدف تمويل أكثر من 280 مشروعاً وبرنامجاً يمس بشكل مباشر تحسين الدخل والإدماج الاقتصادي للشباب.
لكن لغة هذه الأرقام تكشف عن نقطة محورية: فبرنامج دعم ريادة الأعمال (Entrepreneuriat)، الذي وجه استثمارات بقيمة تصل إلى 19 مليون درهم لتمويل 68 مشروعاً للشباب، يظل في غالبيته مركزاً على قطاع الخدمات الصغيرة والتجارة و'اقتصاد القرب'. ورغم الأهمية القصوى لهذه المشاريع في خلق فرص شغل فورية ومحاربة الهشاشة، إلا أنها تطرح سؤالاً استراتيجياً حول مدى 'مواءمتها' مع الطموحات الكبرى للإقليم. إنها تنجح في خلق 'أقزام' اقتصادية نشيطة، لكنها لا تبني بالضرورة الجسور التي تحتاجها للعبور نحو اقتصاد صناعي أو سياحي متطور. وهنا تكمن حلقة الوصل المفقودة؛ فالقوة الحقيقية للمبادرة لن تتضاعف إلا عند 'معايرة بوصلة الدعم' لتتجه نحو تمويل التكوين المهني النوعي والمهارات الدقيقة التي تتطلبها المناطق الصناعية المستقبلية أو المشاريع السياحية الواعدة. إن تحويل المبادرة من مجرد آلية للدعم المالي إلى 'ورش استراتيجي لتأهيل الكفاءات'، هو الشرط الأساسي لضمان ألا تبقى الطاقة البشرية الهائلة للإقليم مجرد رقم ديموغرافي، بل لتصبح الوقود الحقيقي الذي سيحرك قاطرات التنويع الاقتصادي.
إن الخروج الناجح من عباءة 'سلة الغذاء' لا يعني التخلي عن الفلاحة، بل يتطلب بناء طوابق اقتصادية جديدة فوق أساسها المتين. واليوم، يتطلب الانتقال من مرحلة تشخيص الفرص الضائعة إلى تنفيذها الفعلي، أن يتم تفعيل دور 'المحفز الذكي' (Catalyseur Intelligent)، لتدشين 'السرعة الثانية' للتنمية عبر خطوات عملية ومدروسة.
الانطلاقة القادمة لا تكمن في محاولة معالجة كل شيء دفعة واحدة، بل في التركيز على تحقيق 'نجاح نموذجي' واحد وملموس يمكن البناء عليه. والبداية الأكثر واقعية وذكاءً هي إحياء مشروع 'بلاد إكودار'. فبدلاً من انتظار خطط كبرى، يمكن البدء فوراً بتحديد مسار سياحي مصغر يربط بين 3 أو 4 من 'الإكودارات' الأكثر جاهزية، مع توفير دعم مباشر لتأهيلها وتكوين مرشدين محليين وخلق تجربة سياحية متكاملة (ولو في نطاق ضيق).
هذا المشروع المصغر، قليل التكلفة وعالي المردودية الرمزية، سيكون بمثابة 'البرهان بالدليل' (Proof of Concept). نجاحه سيخلق تأثيراً متسلسلاً: سيثبت جدوى الاستثمار في التراث، وسيجذب المستثمرين الخواص الصغار (دور ضيافة، مطاعم قروية)، وسيعطي للمركز الجهوي للاستثمار والمجلس الإقليمي للسياحة منتجاً حقيقياً لتسويقه، والأهم أنه سيبني ثقة الفاعلين المحليين في قدرتهم على صنع التغيير. انطلاقاً من هذا النجاح الأولي، يمكن التوسع تدريجياً ليشمل باقي القطاعات. إن قيادة التحول اليوم لا تحتاج إلى خطط ضخمة بقدر ما تحتاج إلى شجاعة البدء بمشاريع صغيرة وذكية، قادرة على توليد زخم حقيقي ومستدام.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مراكش تحتل صدارة أكثر المدن المغربية تصديرا لمنتوجات الصناعة التقليدية
مراكش تحتل صدارة أكثر المدن المغربية تصديرا لمنتوجات الصناعة التقليدية

مراكش الإخبارية

timeمنذ 3 ساعات

  • مراكش الإخبارية

مراكش تحتل صدارة أكثر المدن المغربية تصديرا لمنتوجات الصناعة التقليدية

أفادت كتابة الدولة المكلفة بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني بأن صادرات منتجات الصناعة التقليدية بلغت 737 مليون درهم متم يوليوز، أي بزيادة قدرها 14 في المائة على أساس سنوي. واحتلت مراكش الصدارة بالنسبة لباقي المدن المصدرة، حيث ساهمت بحصة 42 في المائة من إجمالي الصادرات، مع تسجيل نمو سنوي بنسبة 13 في المائة، كما حافظت الدار البيضاء على مركزها الثاني بحصة بلغت 32 في المائة. أما فاس، فقد تميزت بتسجيلها معدل نمو ملحوظ بلغ 47 في المائة، مما جعلها تكتسب 4 نقاط في حصتها من مجموع الصادرات ( 16 في المائة)، لتليها طنجة، محققة حصة قدرت ب 7 في المائة. وأوردت كتابة الدولة، في بلاغ لها، أن منتجات الصناعة التقليدية حققت أداء ملحوظا خلال يوليوز الجاري، حيث ارتفعت بنسبة 34 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية، مشيرة أن منتجات 'الفخار والحجر' ساهمت بحصة 33 في المائة من إجمالي رقم معاملات التصدير، مع ارتفاع صادراتها بنسبة 7 في المائة. وحافظت 'الزرابي' على مركزها كثاني أكثر المنتجات تصديرا بحصة بلغت 18 في المائة، وهو المركز الذي حظيت به، مناصفة مع الملابس التقليدية التي تضاعفت صادراتها مقارنة بنفس الفترة من سنة 2024. في حين تقاسمت المنتوجات النباتية وفئة 'منتوجات متنوعة ' المرتبة الثالثة بحصة 8 في المائة لكل منهما. وفيما يتعلق بالأسواق المستهدفة، سجلت تركيا نموا استثنائيا، إذ ارتفعت الصادرات إليها خلال الفترة ما بين يناير ويوليوز 2025 بما يعادل 53 ضعفا مقارنة مع الفترة نفسها من 2024، لترتفع حصتها من 0,2 في المائة إلى 7 في المائة من إجمالي الصادرات. وكما عززت الولايات المتحدة مكانتها باستحواذها على نصف صادرات الصناعة التقليدية المغربية، بزيادة قدرها 32 في المائة. وقد تحقق هذا الارتفاع على حساب السوق الأوروبية التي تراجعت حصتها إلى 30 في المائة. وشهدت السوق الفرنسية انخفاضا في حصتها ب5 نقاط (11 في المائة)، نظرا للتراجع الحاصل في الصادرات نحوها ( 26 في المائة) مقارنة بنفس الفترة من السنة الفارطة.

'أيت ملول': 'جمعية إزوران' تطالب بمسبح 'نصف أولمبي' وسوق قرب لإنهاء 'التهميش' بحي المزار
'أيت ملول': 'جمعية إزوران' تطالب بمسبح 'نصف أولمبي' وسوق قرب لإنهاء 'التهميش' بحي المزار

أكادير 24

timeمنذ 3 ساعات

  • أكادير 24

'أيت ملول': 'جمعية إزوران' تطالب بمسبح 'نصف أولمبي' وسوق قرب لإنهاء 'التهميش' بحي المزار

في خطوة جريئة ومهمة لتحسين جودة الحياة في حي المزار بمدينة أيت ملول، تواصل جمعية إزوران جهودها لمواجهة 'التهميش' الذي طال المنطقة لسنوات. قدمت الجمعية طلبًا رسميًا إلى عامل عمالة إنزكان أيت ملول، السيد إسماعيل أبو الحقوق، للمطالبة بمشروعين حيويين: مسبح نصف أولمبي مغطى وسوق قرب للباعة. إنهاء التهميش وبناء المستقبل يأتي هذا الطلب كجزء من ملف مطلبي أرسلته الجمعية سابقًا في نوفمبر 2021، ويؤكد على التزامها بتنزيل مشاريع ملموسة تخدم سكان الحي. وتهدف الجمعية من خلال هذه المشاريع إلى تعزيز البنية التحتية، وتوفير مرافق رياضية وتجارية متكاملة تليق بأهالي المنطقة. تفاصيل المشاريع المقترحة مسبح نصف أولمبي مغطى: سيكون هذا المسبح، الذي تبلغ أبعاده 25 مترًا في 12.5 مترًا، إضافة نوعية للمنطقة. فهو سيوفر مساحة رياضية حديثة للشباب والرياضيين، ويضمن استمرار الأنشطة الرياضية على مدار العام بفضل تغطيته. سوق القرب للباعة: سيشكل هذا السوق مساحة منظمة للباعة المحليين، ويعزز النشاط الاقتصادي في الحي. سيُصمم السوق لتلبية احتياجات الباعة والزبائن، ويوفر بيئة تسوق آمنة ومريحة. تبلغ التكلفة المالية للمشروعين حوالي 6.79 مليون درهم، وتقدمت الجمعية بتصاميم هندسية ووثائق فنية لإنجازهما على مساحة 1469 مترًا مربعًا، تأكيدًا على جدية طلبها. شكر وتقدير ختامًا، وجهت الجمعية شكرها الجزيل إلى عامل عمالة إنزكان أيت ملول، ورئيس الدائرة الحضرية الغربية، ورئيس الملحقة الإدارية الرابعة بالمزار، وكل من ساهم في دعم مساعيها. وتأمل الجمعية أن تجد هذه المبادرة صدى إيجابيًا لدى المسؤولين، وأن ترى النور قريبًا لخدمة سكان حي المزار.

المغرب يسجل زيادة في المداخيل الجمركية
المغرب يسجل زيادة في المداخيل الجمركية

كش 24

timeمنذ 4 ساعات

  • كش 24

المغرب يسجل زيادة في المداخيل الجمركية

أفادت الخزينة العامة للمملكة بأن المداخيل الجمركية الصافية بلغت عند متم يوليوز 2025 أزيد من 54,79 مليار درهم، بزيادة قدرها 5,8 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من السنة الماضية. وأوضحت الخزينة في نشرتها الشهرية الأخيرة حول إحصائيات المالية العمومية أن هذه المداخيل التي تشمل الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة على الواردات، وضريبة الاستهلاك الداخلي على المنتجات الطاقية، تأخذ بعين الاعتبار المبالغ المستردة والإعفاءات والضرائب المستردة البالغة 58 مليون درهم. وحسب المصدر ذاته، فقد بلغ صافي المداخيل من الرسوم الجمركية 9,19 مليار درهم، بزيادة قدرها 1,1 في المائة، فيما بلغ صافي المداخيل من ضريبة القيمة المضافة على الواردات 34,27 مليار درهم، بنمو قدره 4,5 في المائة. وفي ما يتعلق بصافي مداخيل الضريبة الداخلية على الاستهلاك على المنتجات الطاقية، فقد بلغت 11,31 مليار درهم، مسجلة ارتفاعا بنسبة 14,2 في المائة على أساس سنوي، وذلك بعد احتساب تسديدات وتخفيضات واستردادات ضريبية بقيمة 39 مليون درهم. وبلغ إجمالي الإيرادات الجمركية 54,84 مليار درهم حتى نهاية يوليوز 2025، مسجلا تحسنا بنسبة 5,7 في المائة مقارنة بمستواها في نهاية يوليوز 2024.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store