logo
الصين تتذكر التاريخ جيداً وستدافع عن الإنصاف والعدالة

الصين تتذكر التاريخ جيداً وستدافع عن الإنصاف والعدالة

إيطاليا تلغرافمنذ يوم واحد
إيطاليا تلغراف
تساو شياو لين
سفير الصين لدى دولة قطر
يشهد العالم حاليا تغيرات واضطرابات متشابكة، وصراعات إقليمية مطولة، فتواجه الدول المخاطر والتحديات الأمنية الأشد وطأة.
إن الحفاظ على السلام وتعزيز التنمية هما الهدفان المشتركان للصين ودول الشرق الأوسط. لقد عانينا جميعا من العدوان والقمع الخارجي، وساعدنا بعضنا البعض على طريق نيل الاستقلال الوطني والتحرر الوطني.
في عام 1931، شنّت العسكرية اليابانية حربا عدوانية على الصين، وارتكبت جرائم شنيعة مثل مذبحة نانجينغ، وجلبت كوارث عميقة على الشعب الصيني.
بعد 14 عاما من المعارك الشاقة والدموية، هزم الشعب الصيني الغزاة العسكريين اليابانيين، وحقق النصر العظيم في حرب المقاومة ضد العدوان الياباني، وأعلن النصر الكامل في الحرب العالمية ضد الفاشية.
كانت حرب المقاومة الشعبية الصينية ضد العدوان الياباني ساحة المعركة الشرقية الرئيسية للحرب العالمية الثانية، وجزءا هاما من الحرب العالمية ضد الفاشية. لذا، فإن انتصار الصين العظيم هو انتصار للشعب الصيني ولشعوب العالم.
في الثالث من سبتمبر/ أيلول العام الجاري، ستقيم الصين مؤتمرا لإحياء الذكرى الثمانين لانتصار حرب المقاومة الشعبية الصينية ضد العدوان الياباني والحرب العالمية ضد الفاشية. ولإحياء ذكرى التاريخ، يجب حماية نتائج انتصار الحرب العالمية الثانية، والنظام الدولي بعد الحرب.
إن عودة تايوان إلى الصين جزء مهم من نتائج انتصار الحرب العالمية الثانية والنظام الدولي بعد الحرب، ولا يمكن التشكيك في حقائقها التاريخية والقانونية.
إن الصين على استعداد للعمل مع مختلف الدول من أجل الحفاظ على النظام الدولي، وفي قلبه الأمم المتحدة، ومعارضة الهيمنة وسياسات القوة، وممارسة تعددية الأطراف الحقيقية، والعمل معا لبناء عالم يسوده السلام ومجتمع المستقبل المشترك للبشرية.
في ظل الوضع الدولي المعقد والمضطرب، تظل الصين قوة عادلة تدافع عن السلام والاستقرار العالمي بكل ثبات. وقد طرح الرئيس شي جين بينغ مبادرة الأمن العالمي، التي تقدم مبادئ توجيهية أساسية لسد العجز الأمني والسعي إلى سلام دائم.
منذ اندلاع الصراع في غزة، كانت الصين تلتزم بموقف موضوعي وعادل، وتعمل بجد على تحقيق السلام وإنقاذ الأرواح، ودفع مجلس الأمن لاعتماد أول قرار لوقف إطلاق النار في غزة، ودفع مختلف الفصائل الفلسطينية لإجراء حوار المصالحة وتوقيع 'إعلان بكين'، وقدمت دفعات متعددة من المساعدات الإنسانية لغزة.
يجب ألا تستمر الكارثة الإنسانية في غزة، ويجب ألا تُهمش القضية الفلسطينية مرة أخرى، ويجب تلبية المطالب المشروعة للأمة العربية في أسرع وقت ممكن، ومن الضروري الاهتمام بالصوت العادل للعالم الإسلامي الواسع.
إن 'حل الدولتين' هو السبيل الواقعي الوحيد للخروج من الفوضى في الشرق الأوسط، وعلى المجتمع الدولي اتخاذ المزيد من الإجراءات الملموسة والفعالة لتحقيق ذلك.
إن الشرق الأوسط هو لشعوبه، وليس ساحة صراع بين الدول الكبرى، ولا ينبغي أن يصبح ضحية للتنافس الجيوسياسي بين الدول خارج المنطقة.
الصين شريك إستراتيجي لدول الشرق الأوسط وصديق مخلص للأصدقاء العرب. سيواصل الجانب الصيني السعي وراء العدالة والسلام والتنمية لشعوب الشرق الأوسط بثبات.
كما أن الصين على الاستعداد للعمل مع دول الشرق الأوسط، بما فيها قطر، للتحكم بالمستقبل واستكشاف طريق التنمية باستقلالية، والمضي قدما جنبا إلى جنب على طريق الازدهار والنهضة الوطنية.
أخيرا، لنتذكّر دروس التاريخ معا: لا شك أن العدالة ستنتصر، السلام سينتصر، الشعب سينتصر!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عن "قسوة" حماس و"وحشيتها المطلقة"!
عن "قسوة" حماس و"وحشيتها المطلقة"!

الشروق

timeمنذ 2 ساعات

  • الشروق

عن "قسوة" حماس و"وحشيتها المطلقة"!

بدل أن يكون أداة لتحقيق السلم الدولي وفضّ النزاعات المسلحة بين الدول وإنهاء الحروب التي تنشب في شتى أنحاء العالم، وهي مهمته الأولى منذ إنشائه فور انتهاء الحرب العالمية الثانية، أثبت مجلس الأمن الدولي أنّه مجرّد أداة في يد الولايات المتحدة والغرب وربيبهم الصهيوني، فقد عجز تماما عن إنهاء حرب الإبادة التي يشنّها الكيان على غزة منذ 22 شهرا، وعجز عن إدانة جرائم الإبادة والتطهير العرقي والتجويع المنهجي للفلسطينيين لتهجيرهم من بلدهم، ولم يكتف بذلك، بل عقد ليلة الأربعاء جلسة طارئة درس فيها وضعية الأسرى الصهاينة في غزة، بطلب من الاحتلال الذي اتّهم 'حماس' بتجويعهم عمدا، على طريقة 'رمتني بدائها وانسلّت'! من أجل 20 أسيرا صهيونيا حيا في غزة، اجتمع مجلس الأمن الدولي، بعد أن بثّت المقاومة فيديوهات تظهر أسيرين يعانيان الإنهاك والوهن والهزال بسبب الجوع، في حين أنّ 2.3 مليون فلسطيني بالقطاع يعانون مجاعة حادّة منذ أسابيع عديدة بسبب ندرة المساعدات الإنسانية التي لا يسمح الاحتلال بدخولها إلى غزة، وقد توفي منهم إلى حدّ الساعة 193 من شدّة الجوع، منهم 96 طفلا، فضلا عن 1516 شهيد و10067 جريح من طالبي المساعدات، والقائمة لا تزال مفتوحة.. لكنّ ذلك كلَّه لم يكن كافيا ليعقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة، واجتمع فقط حينما بثّت المقاومة صور أسيرين جائعين! قبل أن يجتمع هذا المجلس الذي يخضع لهيمنة غربية مطلقة، كان عدد من قادة الدول الغربية قد انتفضوا بدورهم لمنظر الأسيرين الصهيونيين وشنّوا حملة جائرة وحاقدة على 'حماس' وتبنّوا سردية الاحتلال التي تتهم الحركة بتجويع أسراه عمدا؛ إذ وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صور الأسيرين بـ'المروّعة'، وقالت مسؤولة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي كايا كالاس، إنها 'تكشف عن بربرية حماس'، وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنها 'تعبّر عن قسوة مطلقة ووحشية بلا حدود'، وحتى وزير خارجية صربيا، ماركو غوريتس، عدّها 'شهادة على الوحشية غير المعقولة لآسريهم، ونحافتهم جريمة فظيعة'، وتجاهل هؤلاء المسؤولون الغربيون تماما صور أطفال غزة وهم يموتون جوعا بعد أن تحوّلوا إلى هياكل عظمية، وصور الفلسطينيين وهم يقتلون كل يوم أمام مراكز توزيع المساعدات برصاص جنود الاحتلال بكل همجية وسادية، وإمعانا في التحيّز والظلم والبغي، اتّهموا 'حماس' بتجويع الأسرى الصهاينة مع أنّهم متيقّنون أنّ المجاعة منتشرة في غزة كلّها بفعل السياسة الإجرامية للاحتلال، ولا يمكن للأسرى أن يتناولوا طعاما لا يحصل عليه الفلسطينيون! منذ قرابة سنتين، والاحتلال يرتكب إبادة واسعة في غزة ويقتل عشرات الأطفال والنساء وبقيّة المدنيين يوميا في مجازر مهولة، ويهدم البيوت والمستشفيات والمدارس على رؤوس الفلسطينيين، ويحرقهم أحياء في خيمهم، لكن أغلب قادة الغرب كانوا يتجاهلون المحرقة المتواصلة ويلزمون الصمت، بل إنّ بعضهم واصل دعم الاحتلال بالأسلحة والذخائر للاستمرار في ارتكاب جرائمه، وشجّع هذا الصمت والتواطؤ الغربي الاحتلال على محاولة التطهير العرقي للسكان وتهجيرهم إلى سيناء عبر التجويع والحصار، فكانت 'خطة الجنرالات' ثم 'عربات جدعون' ومحاولة إنشاء 'المدينة الإنسانية' في رفح، وغلق المعابر منذ 2 مارس الماضي ومنع إدخال أيّ مساعدات إنسانية إلى القطاع حتى تفشّت المجاعة وبدأ الناس يموتون من الجوع وصور الأطفال والكبار الذين تحوّلوا إلى هياكل عظمية تملأ شاشات الفضائيات… لكنّ قادة الغرب لم يتحرّكوا عمليا لإنهاء المجاعة، ولم يتحدّث أي منهم عن تجرّد الاحتلال من إنسانيته وعن قسوته الشديدة وهمجيته التي فاقت كلّ الحدود، وسمعنا فقط قادة أوروبيين يقولون إنّ صور الجوع في غزة 'غير مقبولة'.. نعم.. هي فقط مجرّد صور 'غير مقبولة' في نظرهم! ولكنّ حينما نشرت المقاومة صور أسيرين جائعين بفعل سياسة حكومتهما الجائرة، انتفض هؤلاء بسرعة وبدأوا يتّهمون المقاومة بـ'الوحشية والبربرية' وأيّدوا دعوة وزارة الخارجية الصهيونية لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لدراسة 'الوضع المتردّي للرهائن في غزة'! إنّها الذاتية المقيتة عندما تتحكّم في النفوس وتدفعها إلى التعامي عن الحقائق السّاطعة كالشمس، والعنصرية البغيضة في أبشع صورها، والكره الغربي الأعمى لكلّ ما هو عربي وإسلامي. ومع ذلك، أحسن عدد من ممثلي الدول الدائمة وغير الدائمة في مجلس الأمن الدولي صنعا حينما استغلوا فرصة الجلسة 'الاستثنائية' لمحاكمة العدوّ الصهيوني على جريمة نشر المجاعة في غزة لإبادة أهلها أو إجبارهم على الهجرة، وطالبوا بالوقف الفوري للحرب وفتح المعابر وإيصال المساعدات، وانتقدوا الغرب على سياسة الكيل بمكيالين والتغاضي عن جرائم الاحتلال، ورفع ممثل الجزائر، عمار بن جامع، صور أطفال فلسطينيين استشهدوا بفعل المجاعة، ونبّه قادة العالم إلى أنّ الأجيال القادمة ستسأل: 'أين كنتم عندما كانت غزة تتضوّر جوعا، وعندما مات الأطفال وهم يبحثون عن الخبز، وحينما سحق شعب بأكمله باسم الأمن؟'، وانتقد ضمنيّا كل قادة الغرب المتحيّزين للاحتلال وقال: 'التاريخ سيسجّل أسماء الذين كثيرا ما يعطون دروسا للآخرين باسم حقّ الدفاع عن النفس، أولئك الذين ينكرون الجريمة وكانوا شركاء فيها، وأولئك الذين صمتوا وكانوا شهود عار'.

الخليط المدمر: الجماعة التي جمعت بين الفاشية والنازية والإرهاب الديني
الخليط المدمر: الجماعة التي جمعت بين الفاشية والنازية والإرهاب الديني

خبر للأنباء

timeمنذ 6 ساعات

  • خبر للأنباء

الخليط المدمر: الجماعة التي جمعت بين الفاشية والنازية والإرهاب الديني

في 18 يوليو الماضي، شاركت بورقة بعنوان "العنصرية والإبادة الثقافية في اليمن"، ضمن فعاليات اليوم الثقافي اليمني التي نظمتها الجمعية اليمنية للثقافة والاندماج في مدينة سالزبورغ - النمسا. وعقب الندوة، دار نقاش مع السياسية النمساوية هادفج روتشيدل والصديق الطبيب والأديب الدكتور مروان الغفوري الذي أضفى على الحديث بعدا تحليليا ثريا كعادته، تناولنا فيه مضامين الورقة، لا سيما مقاربتي بين الحوثية في شبه الجزيرة العربية والنازية في أوروبا. وخلال النقاش، اقترحت السيدة روتشيدل بأن أحرص على ذكر ممارسات الحوثيين من خلال منظور الفاشية، باعتبارها إطارا أشمل للأنظمة الشمولية الاستبدادية، ورأت أن مقارنة الحوثية بالفاشية قد يكون أكثر دقة في توصيف الجريمة الممنهجة من الاقتصار على النموذج النازي كما ورد في ورقتي. هذه الملاحظة القيمة جعلتني أبحث أكثر عن الفاشية، وعلاقتها بالنازية، ومقارنتها بالحوثية في اليمن، لاسيما وأنا حاليا أنجز كتابا عن العنصرية السلالية في اليمن ومقارناتها مع عنصريات كانت في دول مختلفة. الفاشية نظام شمولي استبدادي قائم على تمجيد الدولة والقائد ورفض النظام الديمقراطي وقمع الحريات مع عسكرة وسحق المجتمع وفرض الولاء الكامل للنظام. ظهرت الفاشية في إيطاليا مع صعود بينيتو موسوليني إلى الحكم سنة 1922، وكان هدفها استعادة أمجاد الإمبراطورية الرومانية وبناء دولة قومية. أما النازية، فقد جاءت لاحقا، وتحديدا مع صعود أدولف هتلر في الحزب النازي (حزب العمال القومي الاشتراكي الألماني) ثم استلامه الحكم عام 1933. ومن حيث الشكل والبنية السياسية والوسائل، يمكن القول بأن النازية في ألمانيا تطابقت مع الفاشية فيما يخص الدولة الشمولية والزعيم الذي يجب أن يُطاع بشكل مطلق والعداء للديمقراطية، والرغبة المستمرة في التوسع العسكري والاستخدام المكثف للبروباغندا والإعلام وتقديس الزعيم، وغيرها من القناعات والوسائل التي استخدمتها الفاشية والنازية، حتى أن هتلر أشار في كتابه "كفاحي" إلى إعجابه بما فعله موسوليني، ووصفه بأنه عمل بطولي ملهم. لكن من حيث الجوهر الأيديولوجي والعقيدة التي قامت عليها النازية، فالأخيرة ليست مجرد تطور للفاشية، بل هي تحول نوعي أكثر تطرفا وعنفا ودموية، لأنها تقوم على أساس عنصري يقدس العرق الآري ويقصي بل يقضي على الأعراق الأخرى، وهو ما لم تفعله الفاشية إلا بعد تحالفها السياسي والعسكري مع النازية في الحرب العالمية الثانية وتحديدا 1936 وقد سُمي حينها بمحور (روما – برلين). تقول بعض المصادر، بأن الفاشية الإيطالية لم تكن معادية صراحة لليهود في بداية الأمر، وكان هناك يهود يؤيدون الفاشية ويشغلون مناصب في الحزب الفاشي نفسه، حتى أن موسوليني نفسه لم يكن كارها لليهود كما هتلر، لكن عقب التقارب مع النظام النازي، وتحديدا في عام 1938، أصدرت الحكومة الإيطالية الفاشية "قوانين العرق"، والتي تأثرت بشكل مباشر بالأفكار النازية. حيث منعت اليهود من العمل في القطاع العام بما فيها المدارس والجامعات وحظرت الزواج منهم، ومنعتهم من الالتحاق بالجيش أو التدريس وفرضت قيودا اقتصادية وتعليمية عليهم. إذن، يمكننا اعتبار النازية تطورا للفاشية من حيث الشكل والتنظيم والأدوات والدوافع العامة، لكن الحقيقة أنها تختلف في المضمون الأيديولوجي نظرا لمركزية البعد العرقي ولجوئها للتطهير في مشروعها، وهو الأمر الذي تورطت به الفاشية في سنواتها الأخيرة ولو بنسب أقل توحشا ودموية. وفي ضوء هذه الخلفية التاريخية الموجزة للفاشية والنازية، يقف أمامنا سؤال جوهري: أين تقع الحركة الحوثية ضمن هذا الإرث الدموي العالمي؟ محاولة الإجابة عن هذا السؤال تفرض علينا إجراء مقارنة سريعة بين أبرز مضامين الأيديولوجيا والممارسات الحوثية ونظيرتيها الفاشية والنازية، رغم اختلاف السياقات الزمانية والثقافية والدينية والعرقية. تشترك هذه الحركات المتطرفة الثلاث في النزعة الشمولية والعنصرية والعنف الممنهج كوسيلة لإخضاع المجتمع، إلا أن جماعة الحوثي، في واقع الأمر، تعتبر أكثر تطرفا وخطورة، كما يتضح من المقارنة التالية: النشأة: - الفاشية تأسست بعد الحرب العالمية الأولى في مارس 1919 وظهرت ووصلت إلى السلطة في أكتوبر 1922 وقد سقطت في أبريل 1945، أي أن الشعب الإيطالي بقي يعاني من الفاشية حوالي 23 سنة. - تأسس الحزب النازي في فبراير 1920، وعين هتلر مستشارا لألمانيا في يناير 1933، وقد انهارت النازية في مايو 1945، أي أن حكم النازية لم يتجاوز 12 سنة. - أما الحوثية، فرغم أن ظهورها التنظيمي السري يعود –ظاهريا- إلى عام 1992 بقيادة حسين بدر الدين الحوثي، ثم نشاطها العسكري في 2004، واستيلائها على العاصمة صنعاء في 2014، فإنها في جوهرها ليست ظاهرة حديثة، بل امتداد مباشر لعقيدة سلالية عنصرية قديمة في اليمن. تعود جذور العقيدة الحوثية إلى أكثر من 1200 عام، حين قدم يحيى الرسي -الذي ينتمي إليه زعيم الحوثيين سلاليا- إلى اليمن على رأس جيش من طبرستان (منطقة في إيران حاليا)، مدعيا أن النبي محمد منحه حكم اليمن له وذريته إلى يوم القيامة. ومنذ ذلك الحين لم يستقر اليمن، حيث شهد موجات متعاقبة من الثورات والحروب، كانت في جوهرها رفضا لهذه الفكرة العنصرية التي تحتكر الحكم والحق الإلهي في سلالة بعينها جاءت من خارج اليمن لتستعبد بقية اليمنيين. الأساس الفكري: - الفاشية قومية على أساس تمجيد الدولة والحزب. - النازية قومية إضافة إلى عنصرية عرقية (استعلاء العرق الآري). - الحوثية عرقية دينية إمامية، قائمة على نظرية الولاية والاصطفاء الإلهي لسلالة "آل البيت". السلطة: - ترى الفاشية بأن الدولة فوق الجميع، وتعادي الديمقراطية واستهدفت الشيوعية وكثير من المكونات إيطاليا. - ترى النازية العرق الآري فوق الجميع، وتعادي الديمقراطية. - ترى الحوثية "آل البيت" فوق الجميع، وتعادي الديمقراطية وتعبرها بدعة غربية. نظام الحكم: - نظام الحكم في الفاشية دكتاتوري قومي لا يؤمن بالتعددية، ومن يحكم هو الحزب الفاشي. - نظام الحكم في النازية دكتاتوري عنصري (عرقي) لا يؤمن بالتعددية ويستهدف ويجتث العرقيات الأخرى، ومن يحكم هو الحزب النازي. - نظام الحكم في الحوثية ثيوقراطي عنصري (سلالي) يقصي كل المكونات اليمنية، ومن يحكم هم جماعة "أنصار الله"، بزعم أن الله قد اختارهم لحكم اليمنيين بل وكل المسلمين. الموقف من العرق والنسب: - لم تقم الفاشية على الاعتقاد بالتميز العرقي، لكنها كانت تمارس القمع السياسي. - كان البعد العرقي محوري وأساسي في النازية، وكانت بناء على ذلك تمارس إبادة عرقية وثقافية ضد العرقيات الأخرى مثل اليهود والغجر والسود وغيرهم. - البعد العرقي محوري وأساسي في الحوثية، فالهاشميين من آل البيت هم "أصحاب الحق الإلهي" في الحكم والمال والجاه، ولهذا تنفذ عمليات قتل واسعة واقصاء طائفي وسياسي واسع وإبادة ثقافية، ومن لا يقبل بمعتقدها يُوصَف بأنه منافق وكافر وملحد وخائن وعميل ومرتزق وصهيوني وكل تهمة من هذه التهم يستحق صاحبها القتل في نظرها. نشر الأيديولوجيا: نفذت الفاشية والنازية والحوثية ما يمكن وصفه بـ "الإبادة الثقافية" كوسيلة من وسائل السيطرة وإخضاع المجتمع وإن كان بنسب مختلفة. وقد استخدم الجميع الإعلام والدين والمدارس والفن والقتل والتهجير والترهيب والترغيب وكل الوسائل لنشر معتقدهم وإبادة معتقدات المكونات الأخرى الدينية والسياسية وغيرها. جميع هذه الحركات قامت بتدمير الرموز الثقافية والدينية، وفرضت ثقافة وهوية خاصة بها، ومنعت التعبير عن الانتماء التاريخي أو الديني أو العرقي، وغيرت المناهج الدراسية وقضت على المفكرين والمثقفين والاكاديميين والمدرسين ورجال الدين الذين لا ينتمون إليها. - اقتصاد الفاشية مركزي قومي. - اقتصاد النازية مركزي قومي وقائم على سرقة اليهود وبقية المخالفين. - اقتصاد الحوثية قائم على الجباية والاستيلاء على أموال وأملاك اليمنيين ومصادرة أملاك الخصوم بذرائع دينية وعسكرية واقتصادية مختلفة، وكذلك أخذ خمس الثروات والتهريب وتجارة المخدرات والابتزاز الاقتصادي والسيطرة على مقدرات الدولة في المناطق التي يسيطرون عليها، ونهب المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية لليمنيين. السياسة الخارجية: - كانت الفاشية عدائية تجاه الخارج، لكن رغبتها في التوسع محدودة. - كانت النازية عدوانية ولديها رغبة في التوسع والسيطرة على أنحاء أوروبا. - الحوثية كذلك عدوانية ولديها طموح قديم/جديد متمثل في السيطرة على الدول العربية والإسلامية بداية المملكة العربية السعودية التي تتواجد فيها مقدسات المسلمين مكة والمدينة المشرفة كونهم يعتقدون بأن سلالة "آل البيت" أصحاب الحق السماوي في حكم هذه البقاع وهذا توجه المنظومة الخمينية في الشرق الأوسط بقيادة النظام الإيراني. العنف: - استخدمت الفاشية العنف المفرط ضد المخالفين لها عبر ما كان يتم وصفهم بـ "مليشيات القمصان السوداء"، وتم تسميتهم بـ"الفرق الفاشية للعمل"، ثم "الميليشيا الطوعية للأمن القومي"، وقد ارتدوا قمصانا سوداء ترمز للقوة والعنف والموت لإرهاب المخالفين لهم. - استخدمت النازية "كتيبة العاصفة" وقد تم تسميتهم بـ "القمصان البنية"، وكانت مهمتها إرهاب خصوم النازية وتنفيذ عمليات قتل وتنكيل بهم، ثم أنشأت "وحدات SS" (شوتزشتافل)، التي نفذت جرائم الإبادة الجماعية لاحقا. - تستخدم الحوثية "المشرفون"، واللجان الشعبية واللجان الثورية وكتائب الزينبيات (التي ذكرتها تقارير الأمم المتحدة كواحدة من المكونات الحوثية التي ارتكبت جرائم بشعة ضد النساء)، كذلك الأمن الوقائي وكتائب الحسين وفرق الموت الحوثية وغيرها من التشكيلات التي تنفذ الجرائم ضد اليمنيين بشكل ممنهج. الإبادة والتطهير: - لم تنفذ الفاشية جرائم إبادة جماعية. - نفذت النازية جرائم إبادة جماعية لليهود وغيرهم. - تنفذ الحوثية جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والطائفي والمناطقي كما تمارس التجويع وتفجير المنازل وزراعة ملايين الألغام وسياسة التهجير الممنهج. تجنيد الأطفال: - الفاشية لم تكن تهدف إلى الدفع بالأطفال إلى المعارك، لكنها كانت تعمل على بناء جيل يحمل العقيدة الفاشية للمستقبل من خلال اخضاع الأطفال لدورات تثقيفية، إلا أن انهيار النظام خلال (1943–1945)، دفعهم إلى استخدام بعض الأطفال كجنود اضطراريين وبشكل محدود جدا. - النازية لم تقم بتجنيد الأطفال والدفع بهم إلى جبهات القتال في بداية نشأتها، ومنذ السيطرة على ألمانيا في 1933 حتى 1943، قامت بإعدادهم عقائديا وعسكريا للمستقبل عبر منظمة "شباب هتلر"، وليس كمقاتلين مباشرين. وفي عام 1943، أنشأت النازية وحدات عسكرية استخدم الأطفال كمقاتلين وانتحاريين فيها للدفاع عن برلين في الأشهر الأخيرة من الحرب. - يمكن القول وبكل ثقة وصدق بأن الحوثية أكثر جماعة في العصر الحديث تستخدم الأطفال في القتال فعليا وعلى نطاق واسع وبشكل ممنهج ومنذ بداية ظهورها العسكري في 2004. وبحسب منظمات محلية ودولية عديدة، يتم استدراج الأطفال من القرى والمدارس بدورات دينية واغراءات مالية مستغلين حالة الفقر والجوع، ثم ينقلونهم إلى المعسكرات أو الزج بهم في الجبهات مباشرة دون أي تدريب. وإضافة للقتال، يستخدمونهم في مهام مثل حمل السلاح وزراعة الألغام وكمرشدين وقناصة وجنود في نقاط التفتيش، وقد سقط عشرات الآلاف من الأطفال قتلى أثناء مشاركتهم في القتال مع الحوثيين، أو أثناء تنفيذهم أعمالا عسكرية واستخباراتية مختلفة. الدين: - لم تكن الفاشية دينية لكنها لم تعادي المتدينين، وقد استخدمت الدين الكاثوليكي لتعزيز شرعيتها وهيمنتها، أي أنها كانت براغماتية في التعامل مع الكنيسة وتستخدم الدين دعائيا. - وقفت النازية ضد الدين بشكله التقليدي، لأنها كانت تركز على تعزيز مكانة العرق الآري أساسا، وبالرغم بأنها ضيقت على رجال الدين وسجنت بعضهم وأغلقت مؤسسات دينية، إلا أنها أيضا استخدمت الرموز الدينية المسيحية لأغراض دعائية بين الوقت والآخر. - الحوثية جماعة دينية عقائدية بالمقام الأول، تؤمن بما يسمى الولاية والإمامة و"حق آل البيت الإلهي في حكم المسلمين"، وهذا هو أساس فكرها السياسي ودافع حروبها المستمرة. تمارس إقصاء طائفيا ضد السُنة وتعمل بشكل ممنهج على فرض التشيع عبر المدارس والجامعات والمساجد ووسائل الإعلام المختلفة. كما تستهدف الأديان الأخرى في اليمن فقد هجرت اليمنيين اليهود والبهائيين والمسيحيين وصادرت أملاكهم. تقوم الحوثية بتسيس الدين وحصر تفسيره فيما يسمى "سلالة آل البيت" وتستخدمه لتكفير الخصوم وقتلهم ونهب أموالهم وتهجيرهم. نظرة العالم لها: - ينظر العالم للفاشية كنظام استبدادي. - ينظر العالم للنازية كمرادف للشر وكيان عنصري. - الحوثية حركة إرهابية عنصرية طائفية في نظر معظم اليمنيين والمجتمع الدولي. السؤال هنا: هل الحوثية أقرب للفاشية أم للنازية؟ كما هو واضح أعلاه إضافة لكثير من البيانات التي لم يتم ذكرها هنا، يمكن القول بأن الحوثية تشترك مع الفاشية والنازية في كثير من الصفات والممارسات، إلا أنها النموذج الأكثر وحشية وخطورة باعتبارها جمعت بين العنصرية التي تميزت بها النازية، والاستبداد وهو ما تميزت به الفاشية، زد على ذلك العقيدة الثيوقراطية الإرهابية التي تكفر وتبيح دم المخالف. الحوثية فاشية في حكمها الشمولي القمعي وتمركزها في الزعيم والقائد الأوحد (عبدالملك الحوثي)، وفي عدائها للديمقراطية، وكذلك تمجيد الجماعة وعسكرة المجتمع وتعبئة المجتمع بشكل دائم وافتراض العدو لإبقاء المجتمع في حالة استنفار ضد عدو خارجي مفترض. والحوثية نازية لوجود النظرية العرقية العنصرية "الاصطفاء الإلهي لآل البيت الهاشميين"، وتقسيم الناس على أساس "النسب" إلى سادة وغير سادة، وأشراف وغير أشراف، وشريفات وغير شريفات. علما بأن العنصرية النازية هي عنصرية ادعاء تميز قومية وشعب بأكمله، بينما عنصرية الحوثيين قائمة على ادعاء تمييز وقدسية سلالة في اليمن لا تتجاوز نسبها 5% من إجمالي عدد السكان في اليمن إذا بالغنا في التقدير. وبناء على نظرية "التمييز الإلهي"، تهيمن هذه السلالة على كل المناصب والأعمال العامة والخاصة المدنية والعسكرية والأمنية وتسيطر على أموال وثروات الدولة وهذا ما يدفع اليمنيين لخوض معارك مستمرة ضد هذه الخرافة العنصرية التي تبقي اليمن في حالة فقر وتخلف مستمر. الحوثية أقرب إلى النازية من حيث تطابق سياسة التطهير والتجويع والتهجير وتفجير المنازل واستغلال التعليم والإعلام والفن وتنفيذ جرائم الإبادة الثقافية بحق المخالفين دينيا وسياسيا والمختلفين عرقيا ووصفهم بتهم وأكذيب تشرعن القضاء عليهم. ما يميز الحوثية عن الفاشية والنازية، هو البعد الكهنوتي الثيوقراطي الإرهابي الذي يمنح حكم السلالة مشروعية سماوية. فعبدالملك الحوثي ليس مجرد قائد شعبي، أو حتى رجل دين عادي، بل شخص اختاره الله هو وسلالته لحكم اليمن والمسلمين، وتقع عليه -كونه يدعي بانه حفيد الرسول محمد- مهمة تخليص الإسلام والمسلمين في كل مكان من الظلم والقهر. وهذا الاعتقاد هو الذي يجعل الحوثيين يمارسون جرائمهم في اليمن وخارجه. هذه الجماعة نسخة هجينة ومطورة جمعت بين فاشية موسوليني، وعنصرية هتلر، وإرهاب داعش والخميني. هي مزيج من أنواع وألوان مختلفة من الشر. ونادرا ما تجتمع هذه الثلاثية في جماعة واحدة، فأغلب الجماعات المتطرفة عبر العصور كانت تأخذ واحدة أو اثنتين من هذه الصفات. لكن الأخطر من كل مظاهر الاستبداد والعنصرية والإرهاب التي ذكرناها آنفا والتي تمارسها في الداخل اليمني، هو أن هذه الجماعة ليست كيانا منفصلا أو طارئا، بل جزء من منظومة إقليمية ودولية، وتحظى بدعم مالي وعسكري وإعلامي كبير جدا من قوى ودول تسعى لتقويض الأنظمة العربية وتفكيك مجتمعاتها. لهذه الجماعة أنصار خارج اليمن وفي دول عربية وإسلامية مختلفة، منهم من ينتمي إلى السلالة نفسها ويتعصبون معها عرقيا وطائفيا، وآخرون مخدوعون بخطابها المضلل عن فلسطين والقدس وقتال أمريكا وإسرائيل. ولذلك يتجاهلون الجرائم البشعة ضد اليمنيين، بل يعتبرونه "تمكينا إلهيا" و"حكما رشيدا" يجب أن ينتقل إلى بقية الدول العربية والإسلامية. في ختام هذا النص المطول أقول: إن التعامل مع الحوثية كحركة سياسية أو مجرد جماعة متمردة في اليمن، يُعد تجاهلا خطيرا لطبيعتها الفاشية الدينية وجوهرها العنصري العرقي. والمطلوب اليوم أن يتم العمل بصدق على إدراج هذه الجماعة رسميا في الوثائق الدولية كواحدة من أكثر الحركات البشرية تطرفا ووحشية في التاريخ، تماما كما تم تصنيف النازية والفاشية في القرن الماضي.

إيزابيلا ونتنياهو.. وقصة أهوال خمسة قرون
إيزابيلا ونتنياهو.. وقصة أهوال خمسة قرون

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 9 ساعات

  • إيطاليا تلغراف

إيزابيلا ونتنياهو.. وقصة أهوال خمسة قرون

إيطاليا تلغراف د. مازن النجار باحث في التاريخ والاجتماع صدر مؤخرا للكاتب والمؤرخ الأميركي الحائز جائزة بوليتزر، غريغ غراندين، كتاب جديد بعنوان: 'أميركا: تاريخ جديد للعالم الجديد'، (من الغزو الإسباني للأميركتين حتى الحاضر). واحتل الكتاب المرتبة 14 بقائمة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعا. وأشارت مراجعة للكتاب بـ'فايننشال تايمز' لاحتمال فوز المؤلف بجائزة بوليتزر ثانية. يتناول الكتاب الجديد العلاقات التاريخية، أو افتقاد هذه العلاقات في الحقيقة بين الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية، في حين يريد دونالد ترامب تنصيب نفسه سيدا للقارتين، واستعادة قناة بنما، وتحويل غرينلاند لمستوطنة أميركية، وكندا إلى 'الولاية 51″، وتسمية خليج المكسيك بـ'خليج أميركا'، وقد تغدو المكسيك نفسها 'الولاية 52' لكن بدون سكانها. بعد 6 أشهر من ولاية ترامب الثانية تبدو اللحظة مناسبة تماما لكتاب كهذا يركز على علاقات الأميركتين خلال الخمسة قرون الماضية، وعلاقتها كذلك بأحداث غزة. في مقال نشر مؤخرا حول الغرب وأهوال خمسة قرون من الغزو والإبادة، يروي غراندين قصة عن ليون غولوب- فنان من شيكاغو اشتهر بلوحاته الكبيرة التي تصور غرف التعذيب القرمزية بأميركا الوسطى- فقد سُئل غولوب عما يعنيه أن يكون 'فنانا سياسيا يهوديا'؛ فرد سريعا أنه ليس 'فنانا سياسيا يهوديا'، بل هو مجرد 'فنان سياسي'. بالنهاية، اقتنع غولوب بأن إجابته كانت سطحية للغاية. نعم، كان فنانا سياسيا. لم تركز لوحاته على أميركا اللاتينية فحسب، بل وعلى فيتنام التي مزقتها الحرب، والعنصرية بالولايات المتحدة وجنوب أفريقيا. لكنه تجنب عمدا احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة. وأقر غولوب بأن مقتضى أن يكون فنانا ناجحا هو ألا يتخذ أبدا 'الأهوال التي يتعرض لها الفلسطينيون' موضوعا لأعماله. حينها فقط ستترك له حرية التعبير عن آرائه السياسية حول أي شيء آخر. يقول غراندين، على مدار العام والنصف الماضيين، تذكرت ليون غولوب (1922-2004)، مرات عديدة، إذ تزامن تصعيد الهجوم الإسرائيلي على غزة وعنف المستوطنين بالضفة الغربية مع اندفاعي لإنهاء كتابي الجديد الذي يتتبع دورا لم يعتَرف به غالبا لأميركا اللاتينية في التصدي لمبدأ 'حق الغزو'، وإقامة النظام الدولي الليبرالي بعد الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك تأسيس محكمة العدل الدولية، التي تنظر اليوم دعوى لجنوب أفريقيا تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بغزة. منذ ثلاثة عقود، وغراندين يكتب منتقدا سلوك الولايات المتحدة بأميركا اللاتينية. وبخلاف باحثين كثر في شؤون الشرق الأوسط، تمكن من فعل ذلك دون أن يعاقب، لأنه، مثل غولوب، ركز على 'أهوال لحقت' بغير الفلسطينيين. وكما قال الرئيس ريتشارد نيكسون بدقة عام 1971، لا أحد بالولايات المتحدة يبالي بأميركا اللاتينية. إن اللامبالاة العامة تجاه المنطقة، واستعداد أشد المدافعين عن القوة الأميركية عالميا للاعتراف بعدم فائدة سياسات أميركا في نصف العالم الغربي (نفذت نحو 41 انقلابا أو تغييرا للنظم الحاكمة بين 1898 و1994)، جعلا التحدث بصراحة عن أميركا اللاتينية أمرا آمنا للغاية. لكن، في 2025، نجد 'الأهوال ملحقة' بكل مكان، ولم يعد ممكنا عزل التعاطف عن الأحداث. الغزو آنذاك والآن لننظر للغزو الإسباني للأميركتين بجانب العدوان الإسرائيلي على غزة. فمن نواحٍ عديدة، لا يمكن مقارنة حدثين، يفصل بينهما 500 عام. الأول كان قاري النطاق، وصراعا لأجل 'عالم جديد' كان يقطنه آنذاك، بحسب تقديرات، 100 مليون نسمة. أما الثاني، فقد جرى على أرض تعادل مساحة لاس فيغاس، ويزيد سكانها على مليوني نسمة. وقد أودى الغزو الأول بحياة عشرات الملايين، بينما تذكر التقديرات أن إسرائيل قتلت حتى الآن أكثر من 55 ألف فلسطيني غير المفقودين وجرحت ضِعفهم. رغم ذلك، ثمة أوجه تشابه غريبة بين الصراعين، بما فيها أنهما بدآ عقب ثورة اتصالات: المطبعة آنذاك، ووسائل التواصل الاجتماعي الآن. كانت إسبانيا أول إمبراطورية في التاريخ الحديث تعلن بنشاط عن فظائعها الاستعمارية، حيث مطابع مدريد وإشبيلية وغيرهما تطبع صفحات تلو أخرى عن دموية الغزو: روايات عن عمليات شنق جماعية، وأطفال رضع أغرقوا أو شُووا فوق حفر النار لإطعام الكلاب، ومدن أحرقت. وصف أحد الحكام الإسبان مشهدا لما بعد نهاية العالم يعج بالموتى الأحياء، ضحايا تشويه تعرض له سكان أصليون بأميركا، على النحو التالي: 'حشدٌ من الهنود العرجان والمبتورين المشوهين بلا أطراف، أو بيد واحدة فقط، عميان، مقطوعي الأنوف والآذان'. واليوم، يتداول الإنترنت عددا لا يحصى من الصور ومقاطع الفيديو لا تقل فظاعة عن تلك. فظائع ارتكبها الجنود الإسرائيليون بحق الفلسطينيين، لأطفال مبتوري الأطراف وجثث 'رضع متحللة'. بعض صور أطفال جوعهم الجيش الإسرائيلي، وفقا لمحرر بـ'نيويورك تايمز'، كانت 'صادمة' لدرجة يصعب معها نشرها. في إسبانيا القرن السادس عشر، كان الجنود العاديون يكتبون، أو يدفعون لآخرين، لكتابة قصصهم عن الفوضى والتوحش، أملا في تسجيل بطولاتهم. واليوم، نشهد نسخا رقمية محدثة لنوع مماثل من الفخر بالاحتلال والقهر، حيث ينشر أفراد من الجيش الإسرائيلي، على منصات مثل تيك توك، مقاطع فيديو لرجال غزة 'مجردين من ملابسهم، ومقيدين، ومعصوبي الأعين'، ويظهرون جرافات ودبابات وهي تهدم المنازل. يسخر الجنود من تدمير المدارس والمستشفيات، وأثناء تفتيشهم المنازل المهجورة، يشاهَدون وهم يلعبون بملابس سكانها النازحين. أعلن كل من المسؤولين الإسبان آنذاك والمتحدثين باسم إسرائيل الآن صراحة عن نيتهم 'قهر' أعدائهم وإجبارهم على مغادرة منازلهم وتجميعهم بمناطق أكثر قابلية للسيطرة. كان بعض الإسبان آنذاك والإسرائيليين اليوم يمارسون ويعتقدون أن أعداءهم دون البشر. اعتقد خوان غينيس دي سيبولفيدا أن الأميركيين الأصليين 'حيوانات متوحشة'، كما 'القردة بالنسبة للبشر'. ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي (السابق المطلوب لمحكمة العدل الدولية) يوآف غالانت الفلسطينيين بـ'الحيوانات البشرية'. واعترف العديد من الكهنة والمسؤولين الملكيين الإسبان بأن الأميركيين الأصليين بشر، لكن اعتبروهم كالأطفال، يجب فصلهم بعنف عن كهنتهم الوثنيين، تماما كما تعتقد إسرائيل بوجوب فصل الفلسطينيين بعنف عن 'حماس'. وصرح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عن تكتيكات جيش إسرائيل المتطرفة: 'نحن نفصل حماس عن السكان، ونطهر القطاع'. مجازر عادلة! أمر هيرنان كورتيز (1485-1547)، أول حاكم إسباني قشتالي للمكسيك، رجاله بهدم معابد الأزتك، التي سماها 'مساجد'. كانت تلك المعابد بمثابة مراكز استشفاء، وتدميرها يوازي خراب مستشفيات غزة الآن ومراكز اللجوء الأخرى. حتى الموتى لم يكونوا بمأمن، لا في الأميركتين آنذاك، ولا اليوم في غزة. وكما فعل الغزاة الإسبان، دنس جيش إسرائيل العديد من مقابر الموتى. أثار العنف الإسباني في الأميركتين رد فعلٍ أخلاقيا قويا. فمثلا، شكك الفقيه الدومينيكاني فرانسيسكو فيتوريا بشرعية الغزو، بينما أصر الأب بارتولومي دي لاس كاساس على المساواة المطلقة بين جميع البشر. وأدان لاهوتيون آنذاك العبودية المفروضة على السكان الأصليين. كانت لهذه التصريحات والإدانات عواقب بالمدى الطويل. لكنها لم تحدث فرقا في وقف المعاناة، كما هو الحال في غزة الآن. استمر الجدل حول شرعية الغزو عقودا، تماما كما يستمر الجدل حول شرعية احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية. 'الغزو'، كحدث مفرد كبير، كان يمكن الطعن فيه، لكن استمرت معارك الغزو الفردية من مجازر صباحية وغارات ليلية على قرى السكان الأصليين. اعتبر المستوطنون الإسبان أنه، بغض النظر عما يقول الكهنة على المنابر أو جادل فيه الفقهاء بقاعات الندوات، فإن لهم الحق في 'الدفاع' عن أنفسهم: أي إذا هاجمهم الهنود، فيمكنهم الانتقام! تماما كحق إسرائيل 'المزعوم' في الدفاع عن نفسها. إليكم مثالا واحدا فقط من أمثلة عديدة: في يوليو/ تموز 1503، ذبح المستوطنون الإسبان أكثر من 700 من سكان قرية زاراغوا في هيسبانيولا (الجزيرة التي تضم اليوم جمهوريتي هاييتي والدومينيكان)، وهي مجازر اعتبرتها ملكة إسبانيا إيزابيلا 'عادلة'؛ لأن بعض سكان القرية بدؤوا مقاومة عنيفة للحكم الإسباني. وتستخدم إسرائيل نفس الحجج لإصرارها على أن حربها على حماس عادلة بالمثل، بما أن حماس هي من بدأتها! وكما كان الصراع على هيسبانيولا معزولا عن السياق الأوسع للغزو، فإن الصراع الذي بدأ في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 يقدَم معزولا عن سياق احتلال إسرائيل فلسطين منذ 77 عاما! مبدأ 'حق الغزو' يعود هذا المبدأ إلى عصر الدولة الرومانية وبقي فاعلا في سياق المشروع الإمبريالي الغربي، وبلا عوائق، حتى أواخر القرن الثامن عشر، إذ رسخه قادة الولايات المتحدة بذريعة التوجه غربا نحو الساحل الغربي للقارة لاحتلال أراضي شعوبها الأصلية. وقد لقّنت أجيال من أساتذة القانون الأميركيين طلابهم شرعية 'حق الغزو'، وأن حق الأمم الأوروبية، انتقل للولايات المتحدة، بهذه الإمبراطورية الشاسعة، وتأسس على الاكتشاف والغزو، بحسب جيمس كينت أستاذ القانون بجامعة كولومبيا في تسعينيات القرن الثامن عشر. وأكدت المحكمة العليا الأميركية أيضا أن الدولة الأميركية تأسست على الغزو، وأن مبدأه لا يزال ساريا. وحتى ثلاثينيات القرن الماضي، أصر مرجع قانوني واسع الانتشار على أن الدولة، ومعظم المشرعين، أقروا الاستعباد سبيلا لاكتساب الأراضي، ومن حق المنتصر احتلال وضم أراضي العدو. ثم عاد ترامب إلى السلطة ليؤكد مجددا مبدأ 'حق الغزو' الصريح، وعبر عنه بتصريحات عفوية حول حق استخدام القوة لاحتلال غرينلاند، وضم كندا باعتبارها 'الولاية 51″، وانتزاع قناة بنما، وتحويل غزة إلى 'ريفييرا'، بعد تطهيرها عرقيا بـ'الإبادة الجماعية' الإسرائيلية، بينما تُسيل حقول الغاز الملاصقة لشاطئ غزة لعاب ترامب ونتنياهو. بحلول المرحلة الأخيرة من الإبادة الجماعية الإسرائيلية بغزة، يتجاهلها كثيرون، غير قادرين على تحمل الأخبار، بينما لا يقدم حكام الولايات المتحدة شيئا سوى مزيد من أسلحة الإبادة لإسرائيل، التي تواصل القتل العشوائي، بينما تحجب المواد الغذائية والأدوية عن المحاصرين بغزة. حتى أبريل/ نيسان، كان حوالي مليوني فلسطيني يفتقدون مصدرا آمنا للغذاء. ويستمر تحلل جثث الرضع، بينما يكمل جيش إسرائيل، كما وصف أحد المسؤولين الإسرائيليين، 'غزو قطاع غزة'. وقال وزير المالية سموتريتش إن غزة ستدمر بالكامل. وأضاف بنبرة قاتمة: 'سنغزو ونبقى'. كان نفور لاهوتيين وفلاسفة، بالقرن السادس عشر، من وحشية الغزو الإسباني المفرطة بداية 'تشكل بطيء لفكرة الإنسانية'، كفكرة هشة، ترسخت عبر القرون وطبقت دائما بشكل مختل، وترى أن جميع البشر متساوون، ويشكلون مجتمعا واحدا يتجاوز القبلية والقومية. واليوم، تقوض وحشية استيطان وإبادة مماثلة في فلسطين هذا العمل. ويبدو أن الإنسانية تتلاشى بوتيرة متسارعة! من كورتيز إلى نتنياهو وبوتين وترامب، تبدأ نهاية الغزو، كما يخلص غراندين. الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store