
بين الفكرة والثورة.. سيرة ويليام باكلي في التاريخ الأمريكي
نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين الفكرة والثورة.. سيرة ويليام باكلي في التاريخ الأمريكي - بلد نيوز, اليوم السبت 12 أبريل 2025 10:52 مساءً
في لحظات التحوّل التاريخي، لا تقتصر صناعة السياسة على الأحداث، بل يبرز أفراد استثنائيون يعيدون تشكيل الخطاب العام ويؤسسون لحركات تغيّر المشهد الثقافي والسياسي. في القرن العشرين الأمريكي، ظهرت شخصيات لم تكتفِ بمواكبة التحولات، بل صنعت واقعاً جديداً، وأعادت تعريف مفاهيم التأثير والهوية والنفوذ. من بين هذه الشخصيات، يبرز اسم ويليام ف. باكلي الابن، الذي يُعدّ من أكثر المفكرين تأثيراً في تشكيل التيار المحافظ الأمريكي الحديث.
في كتابه الجديد «باكلي: الحياة والثورة التي غيّرت أمريكا»، يقدم الكاتب والصحفي المعروف سام تاننهاوس عملاً توثيقياً شاملاً وعميقاً يتناول حياة أحد أبرز الوجوه الفكرية والسياسية في القرن العشرين: ويليام ف. باكلي الابن. يقع الكتاب الصادر حديثاً عن دار «راندوم هاوس» في 1040 صفحة من القطع الكبير. هذا الكتاب سيرة ذاتية، لكنه في الوقت ذاته عمل تأريخي واسع النطاق يوثّق ولادة الحركة المحافظة الحديثة في الولايات المتحدة، وانعكاساتها الفكرية والسياسية والثقافية التي ما زالت تتردد حتى يومنا هذا.
حين نشر باكلي كتابه الأول «الله والإنسان في جامعة ييل» عام 1951 وهو في الخامسة والعشرين من عمره، فتح النار على مؤسسته التعليمية، معلناً بذلك بداية ثورة فكرية محافظة أسهمت في تغيير ملامح السياسة الأمريكية لعقود ومنذ ذلك الحين، استمر باكلي في لعب دور المحرّك والمحاور والناقد، مؤسساً مجلة «ناشينال ريفيو»، التي أصبحت المنبر الأبرز للحركة المحافظة ومرسخةً لخطابها ومفاهيمها في زمن كانت فيه التيارات الليبرالية تهيمن على المشهد.
اختار باكلي بنفسه الكاتب سام تاننهاوس عام 2008، أي قبل عشر سنوات من وفاته، ليكتب سيرته، ويتعمق في أرشيفه الشخصي ويجري مقابلات حصرية معه وثّقت أفكاره وعلاقاته ومواقفه في مراحل مختلفة من حياته. بناء على ذلك، يقدم تاننهاوس قراءة متعددة الأبعاد لشخصية باكلي: الكاتب والمفكر والمحاور التلفزيوني الحائز على جائزة إيمي والسياسي الذي خاض انتخابات عمدة نيويورك والداعم الشرس للسيناتور جوزيف مكارثي، والمقرّب من باري غولدووتر والمرشد السياسي المبكر لرونالد ريغان.
يغوص الكتاب في أعماق حياته الخاصة، كاشفاً عن ارتباطاته بجهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية، ومشاركته في مهام سرية في أمريكا اللاتينية وعلاقته المثيرة للجدل مع هوارد هانت، أحد المتورطين في فضيحة ووترغيت كما يتناول الكتاب صراع باكلي في سنواته الأخيرة للحفاظ على وحدة الحركة التي أسهم في تأسيسها وسط انقسامات متفاقمة حول قضايا مثل وباء الإيدز والحروب الثقافية وغزو العراق، في وقت كانت فيه إمبراطوريته الإعلامية تنهار تدريجياً.
يمضي الكتاب في تحليل التناقضات التي شكّلت شخصية باكلي: الكاثوليكي المحافظ الذي آمن بحرية السوق، الأرستقراطي المتأنق الذي وظّف لهجته الرفيعة وسحره الشخصي لجذب جمهور عريض من المحافظين والمثقف الذي جمع بين الجدال السياسي والكتابة الأدبية، بما في ذلك روايات التجسس التي لاقت رواجاً كبيراً.
يعدّ هذا العمل مرجعاً أساسياً لأي قارئ يسعى لفهم التحول الجذري في السياسة الأمريكية من منتصف القرن العشرين وحتى بدايات القرن الحادي والعشرين؛ إذ يوضح كيف نقل باكلي الأفكار المحافظة من هامش الحياة السياسية إلى مركز القرار، ويمهّد الطريق لفهم بروز شخصيات مثل ريغان وجورج بوش، بل ويفتح الباب لتأمل التمهيدات الفكرية التي سبقت صعود موجات الشعبوية والانقسام الثقافي العميق.
يجمع تاننهاوس بين التوثيق الصارم والإحاطة الإنسانية؛ فهذه السيرة لا تضع باكلي في مقام البطل ولا تهاجمه كرمز للانقسام، بل ترصد أبعاد تأثيره الممتد وتُظهر مدى تعقيد الدور الذي أداه في صياغة خطاب أمة بأكملها.
يُعدّ الكتاب بالمجمل وثيقة فكرية وسياسية تعكس تحولات حقبة كاملة في التاريخ الأمريكي وذلك بما يمنحنا فيه الكاتب من ثراء في مضمونه ودقة في مصادره ويطرح من خلاله أسئلة جوهرية حول العلاقة بين الفكر والممارسة السياسية وحول كيف يمكن لشخص واحد أن يترك أثراً دائماً في هوية شعب.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


بلد نيوز
٢٦-٠٤-٢٠٢٥
- بلد نيوز
بين الفكرة والثورة.. سيرة ويليام باكلي في التاريخ الأمريكي
نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي: بين الفكرة والثورة.. سيرة ويليام باكلي في التاريخ الأمريكي - بلد نيوز, اليوم السبت 12 أبريل 2025 10:52 مساءً في لحظات التحوّل التاريخي، لا تقتصر صناعة السياسة على الأحداث، بل يبرز أفراد استثنائيون يعيدون تشكيل الخطاب العام ويؤسسون لحركات تغيّر المشهد الثقافي والسياسي. في القرن العشرين الأمريكي، ظهرت شخصيات لم تكتفِ بمواكبة التحولات، بل صنعت واقعاً جديداً، وأعادت تعريف مفاهيم التأثير والهوية والنفوذ. من بين هذه الشخصيات، يبرز اسم ويليام ف. باكلي الابن، الذي يُعدّ من أكثر المفكرين تأثيراً في تشكيل التيار المحافظ الأمريكي الحديث. في كتابه الجديد «باكلي: الحياة والثورة التي غيّرت أمريكا»، يقدم الكاتب والصحفي المعروف سام تاننهاوس عملاً توثيقياً شاملاً وعميقاً يتناول حياة أحد أبرز الوجوه الفكرية والسياسية في القرن العشرين: ويليام ف. باكلي الابن. يقع الكتاب الصادر حديثاً عن دار «راندوم هاوس» في 1040 صفحة من القطع الكبير. هذا الكتاب سيرة ذاتية، لكنه في الوقت ذاته عمل تأريخي واسع النطاق يوثّق ولادة الحركة المحافظة الحديثة في الولايات المتحدة، وانعكاساتها الفكرية والسياسية والثقافية التي ما زالت تتردد حتى يومنا هذا. حين نشر باكلي كتابه الأول «الله والإنسان في جامعة ييل» عام 1951 وهو في الخامسة والعشرين من عمره، فتح النار على مؤسسته التعليمية، معلناً بذلك بداية ثورة فكرية محافظة أسهمت في تغيير ملامح السياسة الأمريكية لعقود ومنذ ذلك الحين، استمر باكلي في لعب دور المحرّك والمحاور والناقد، مؤسساً مجلة «ناشينال ريفيو»، التي أصبحت المنبر الأبرز للحركة المحافظة ومرسخةً لخطابها ومفاهيمها في زمن كانت فيه التيارات الليبرالية تهيمن على المشهد. اختار باكلي بنفسه الكاتب سام تاننهاوس عام 2008، أي قبل عشر سنوات من وفاته، ليكتب سيرته، ويتعمق في أرشيفه الشخصي ويجري مقابلات حصرية معه وثّقت أفكاره وعلاقاته ومواقفه في مراحل مختلفة من حياته. بناء على ذلك، يقدم تاننهاوس قراءة متعددة الأبعاد لشخصية باكلي: الكاتب والمفكر والمحاور التلفزيوني الحائز على جائزة إيمي والسياسي الذي خاض انتخابات عمدة نيويورك والداعم الشرس للسيناتور جوزيف مكارثي، والمقرّب من باري غولدووتر والمرشد السياسي المبكر لرونالد ريغان. يغوص الكتاب في أعماق حياته الخاصة، كاشفاً عن ارتباطاته بجهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية، ومشاركته في مهام سرية في أمريكا اللاتينية وعلاقته المثيرة للجدل مع هوارد هانت، أحد المتورطين في فضيحة ووترغيت كما يتناول الكتاب صراع باكلي في سنواته الأخيرة للحفاظ على وحدة الحركة التي أسهم في تأسيسها وسط انقسامات متفاقمة حول قضايا مثل وباء الإيدز والحروب الثقافية وغزو العراق، في وقت كانت فيه إمبراطوريته الإعلامية تنهار تدريجياً. يمضي الكتاب في تحليل التناقضات التي شكّلت شخصية باكلي: الكاثوليكي المحافظ الذي آمن بحرية السوق، الأرستقراطي المتأنق الذي وظّف لهجته الرفيعة وسحره الشخصي لجذب جمهور عريض من المحافظين والمثقف الذي جمع بين الجدال السياسي والكتابة الأدبية، بما في ذلك روايات التجسس التي لاقت رواجاً كبيراً. يعدّ هذا العمل مرجعاً أساسياً لأي قارئ يسعى لفهم التحول الجذري في السياسة الأمريكية من منتصف القرن العشرين وحتى بدايات القرن الحادي والعشرين؛ إذ يوضح كيف نقل باكلي الأفكار المحافظة من هامش الحياة السياسية إلى مركز القرار، ويمهّد الطريق لفهم بروز شخصيات مثل ريغان وجورج بوش، بل ويفتح الباب لتأمل التمهيدات الفكرية التي سبقت صعود موجات الشعبوية والانقسام الثقافي العميق. يجمع تاننهاوس بين التوثيق الصارم والإحاطة الإنسانية؛ فهذه السيرة لا تضع باكلي في مقام البطل ولا تهاجمه كرمز للانقسام، بل ترصد أبعاد تأثيره الممتد وتُظهر مدى تعقيد الدور الذي أداه في صياغة خطاب أمة بأكملها. يُعدّ الكتاب بالمجمل وثيقة فكرية وسياسية تعكس تحولات حقبة كاملة في التاريخ الأمريكي وذلك بما يمنحنا فيه الكاتب من ثراء في مضمونه ودقة في مصادره ويطرح من خلاله أسئلة جوهرية حول العلاقة بين الفكر والممارسة السياسية وحول كيف يمكن لشخص واحد أن يترك أثراً دائماً في هوية شعب.


الشروق
٠٧-٠٤-٢٠٢٥
- الشروق
لا خوف على الجزائر من صدمة ترامب الجمركية
ترامب يفرض قيودا على السلع الواردة إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أكثر من 200 دولة وجزيرة وإقليم في ما بات يعرف بـ'يوم التحرير' والذي يهدف حسب الرئيس الأمريكي إلى استعادة ثراء أمريكا. الهجوم الجمركي الذي يحاول من خلاله الرئيس الأمريكي خلق حالة من الصدمة في العالم في محاولة لمحاكاة ما قام به الرئيس نيكسون في سبعينيات القرن الماضي، محاولة يهدف من خلالها الرئيس ترامب إلى تقديم أفضلية للمؤسسات المنتجة داخل الأراضي الأمريكية، وفتح المجال بشكل أوسع أمامها لاستحداث أسواق عالمية خاصة بعد أن انعدمت الهوة التكنولوجية بين السلع الأمريكية ونظيرتها من باقي دول العالم، وهو ما جعل شعار 'صنع في أمريكا' لا يساوي شيئا، بل أصبح يعدّ في العديد من المجالات متخلفا عن ما يقدّمه الاقتصاد الصيني مثلا، ولعل الهوة الحاصلة في السيارات الكهربائية واحدة من الأمثلة الحية في هذا السياق، وحتى في مجال الطائرات من دون طيار أضحت صادرات عديد الدول تتفوق عن ما تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية. من نيكسون إلى ترامب دونالد ترامب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية يحاكي ما قام به الرئيس السابع والثلاثين لأمريكا ريتشارد نيكسون (1969-1974) والذي حاول معالجة مشاكل أمريكا مع العالم بالصدمة، فألغى فيها تحويل الدولار إلى ذهب سنة 1971، والذي كان بسبب أن التضخّم في الدولار ارتفع بشكل مهول مقارنة باحتياطات الذهب الأمريكية، ووضع رسوم جمركية بقيمة 10 بالمئة لكل الواردة إلى أمريكا، والرهان دوما الخوف من أمريكا لكن الأمر سرعان ما انعكس سلبا، ولم توفّق هذه الحلول في تغيير وضع الاقتصاد الأمريكي، بل استقال نيكسون إثر فضيحة ووتر غيت في 1974 التي يعدّها الكثيرون مدبَّرة. العلاقة لن تتأثر بفرض رسوم بـ30 بالمئة على السلع الواردة إلى أمريكا من الجزائر (تفرض الجزائر في المقابل 59 بالمئة كرسوم على السلع الأمريكية) ولن يكون للأمر تبعات على اقتصادنا، خاصة أن صادراتنا لأمريكا الآن تحوّلت بشكل أساسي إلى نوعية جديدة من السلع تتمثل أساسا في حديد البناء والإسمنت، وهي مواد واسعة الطلب يمكن تصديرها إلى مناطق أقرب جغرافيًّا وأقل تكلفة. إن هذا الأمر جعل نظام بروتن وودز الذي حكم النظام المالي العالمي ينهار وتنهار معه رؤية جون مينار كينز لحل الأزمات المالية، وبروز رؤية جديدة للمرحلة تمثلت في النظرية النقدية الحديثة برؤية فريدمان، خاصة أن أهم ما كان يهدف إليه كينز هو عدم العودة إلى أزمة كالتي حصلت مع ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى (التضخم الجامح) والدخول في دوامة جديدة كان يمكن أن تصنع نازية جديدة، بل النتيجة كانت غير متوقعة ببروز قوتين عالميتين جديدتين هما اليابان وألمانيا، وهو ما جعل أمريكا تشعر بالقلق مع بداية السبعينيات، وتتأكَّد أنها في خطر خاصة مع ما كانت تعانيه من الأزمة التي افتعلتها في فيتنام، ومنه فدخول سبعينيات القرن العشرين برؤية جديدة للحدِّ من خطورة الاقتصادات الناشئة وإعادة التوازن للاقتصاد الأمريكي كانت في نظر نيكسون من باب فرض قيود أكبر على العالم ومحاولة الرفع من عوائد أمريكا المالية من خلال إطلاق العنان للعملة في موازنة نفسها من خلال القوى الاقتصادية، والدولار لا بدّ سيكون المهيمن نظرا لأن أمريكا تسيطر على أسواق النفط والغاز وتجبر العالم على التعامل به، لكن الذي حصل في ما بعد هو بروز تحالفات أسوية وأوربية كبرى، كانت نتيجة مباشرة لسياسات نيكسون، بل أن الصين التي كانت تعيش تبعات أكبر مجاعة في التاريخ الحديث عادت لتسيطر على مقدراتها وتزاحم الولايات المتحدة الأمريكية بسياسة نقدية أساسها تخفيض قيمة عملتها للرفع من صادراتها بالتزامن مع العمل على التقدم التكنولوجي وتأهيل اليد العاملة، حتى وجد ترامب اليوم نفسه أمام حالة قوامها أن أكبر الشركات الأمريكية وطّنت مصانعها في الصين! ترامب سيتفاوض بلغ عجز التجاري لأمريكي خلال سنة 2024 مبلغ 1.2 تريليون دولار (1200 مليار دولار) حسب ما صرح به الرئيس ترامب، وهذا يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية تستورد أكثر مما تصدِّر بما يعادل هذا المبلغ، والذي يريده الرئيس الأمريكي بشدة هو إزالة الدول الصديقة والشقيقة -كما سمّاها- الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية، ولهذا قدّم جداول مفصلة لـ180 دولة، تبرز حجم الرسوم المفروضة على السلع الأمريكية وما فرضته أمريكا في المقابل، هنا سيكون على كل دولة تريد أن يرفع العم سام عنها القيود الحمائية أن ترفع هي الأخرى القيود عن المنتجات الأمريكية، وبالتأكيد في رأي ترامب ستكون الغلبة للرعب الأمريكي وأن الجميع سيخضع في غضون 06 أشهر. هذا الرهان سيصطدم بعدم الموثوقية في إدارة ترامب التي لا تزال تعاني من غياب قنوات الاتصال الفعالة بينها وبين أغلب الحلفاء والأصدقاء السابقين، ويمكن جدا للتكتلات العالمية التي سبق وظهرت أن تتَّفق على رفض ما يقوم به ترامب وتقابل الإجراءات الأمريكية بإجراءات مماثلة في محاولة لوضع ترامب أمام أمر واقع قوامه أن العجز قد يرتفع بنحو 200 مليار دولار في 2025، وفي ظل استحالة إحلال المؤسسات الأمريكية لسلع مكان تلك المستورَدة لأسباب عديدة ومتنوعة، سيكون المواطن الأمريكي هو الخاسر الأكبر من خلال ظهور طفرة تضخُّم سرعان ما ستهوي بالقدرة الشرائية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، فيكون الرعب الذي طالما راهن عليه ترامب ليكون حليفه ضد الأعداء والأصدقاء أول خاذل له، بل سيكون أمام كابوس سياسي أكبر من فضيحة ووتر غيت. هل ستؤثر الرسوم على علاقة الجزائر بأمريكا؟ الجزائر التي بلغت المبادلات بينها وبين العم السام حدود 3 مليار دولار خلال السنوات الفارطة، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بما كان عليه الأمر في بداية الألفية الجارية وتحديدا في 2009 حيث بلغ حجم المبادلات التجارية 22 مليار دولار بالميزان التجاري لصالح الجزائر، لكن بعد تحول أمريكا إلى إنتاج المواد الطاقوية، قلَّصت واردات من كل دول العالم. واقع تجاوزه البلدان من دون أي تأثير سلبي على علاقتهما يجعلنا نرجّح أن العلاقة لن تتأثر بفرض رسوم بـ30 بالمئة على السلع الواردة إلى أمريكا من الجزائر (تفرض الجزائر في المقابل 59 بالمئة كرسوم على السلع الأمريكية) ولن يكون للأمر تبعات على اقتصادنا، خاصة أن صادراتنا لأمريكا الآن تحوّلت بشكل أساسي إلى نوعية جديدة من السلع تتمثل أساسا في حديد البناء والإسمنت، وهي مواد واسعة الطلب يمكن تصديرها إلى مناطق أقرب جغرافيًّا وأقل تكلفة. المتوقع.. الأكيد أن ردود الأفعال التي ستقابل ترامب ستجعله يتراجع جزئيا بتحديد بعض السلع المعفية من هذه الرسوم نظرا لحساسيتها للمواطن الأمريكي، كما أن الأكيد أن التكتلات الاقتصادية الكبرى لن تعجز عن توجيه منتجاتها إلى دول أخرى خاصة أن أمريكا بعدد سكانها الذي يفوق 400 مليون بقليل لا يمثلون سوى 5 بالمئة من سكان العالم، وهو ما يعني أن حجم السوق الأمريكي لا يمثل إلا جزءا بسيطا إذا ما قارنّاه بالسوق الهندي أو الصيني، أما داخليًّا فالمفاضلة التي يمارسها الرئيس ترامب لوزيره إليون ماسك من خلال دعمه بفرض ضرائب بلغت 25 بالمئة على السيارات الواردة إلى أمريكا سيُحدِث لا محالة زوابع من المتابعات والمساءلات والمحاولات لكسر عهدة ترامب قبل نهايتها وهذا بعيدا عن المتاعب القانونية التي يمكن أن تطاله من خصومه السياسيين، ولنا في نيكسون عبرة.


حدث كم
٠٤-٠٣-٢٠٢٥
- حدث كم
د.جمال المحافظ : الاعلام وترامب.. أمام الرأي العام!
زلزال هائل في المشهد الصحفي في بلاد العم سام، ذاك الذي أحدثه إعلان البيت الأبيض، بأنه سيتولى اختيار المنابر الإعلامية والصحفيين للتغطيات الرئاسية بدل هيئة مستقلة، وهو ما يشكل تغييرا لتقليد جرى العمل به منذ عام 1914، والذي تتمتع به رابطة مراسلي البيت الأبيض المخولة لها سلطة كاملة على تشكيل الفرق المكلفة بهذه التغطية الصحفية. فهذه الرابطة هي التي عادة ما تتولى، مهام اختيار الصحفيين لتمثيل المراسلين المعتمدين في المناسبات التي تتطلب عددا محدودا من الحضور، وبناء على ذلك، يقوم الصحفيون المختارون بنقل المعلومات والتصريحات التي يتم جمعها إلى بقية الصحفيين من زملائهم المعتمدين. ' لكن هذا لن يستمر بعد، وأن فريق الإعلام في البيت الأبيض..، هو من سيحدد من سيحظى بالامتياز المحدود بالدخول إلى أماكن مثل الطائرة الرئاسية والمكتب البيضاوي'، وفق ما صرحت به المتحدثة باسم ترامب، في حين قالت رابطة مراسلي البيت الأبيض في معرض تعقيبها على هذا القرار ' في بلد حر ، لا يختار القادة وسائل الاعلام'. المصادر المجهولة ويأتي هذا القرار الغير مسبوق في الحياة الإعلامية الأمريكية، بعد منع صحافيي وكالة أنباء ' أسوشيتد برس'، من تغطية الأحداث الرئاسية، نتيجة رفضها تعويض 'خليج المكسيك' بتسمية 'خليج أميركا' في نشراتها الخبرية بناء على قرار تنفيذي أصدره مؤخرا ترامب . ولم تكتف الإدارة الأمريكية الجديدة، بذلك بل لوح رئيسها بمتابعة الصحفيين قضائيا حال اعتمادهم على مصادر مجهولة في نشر الأخبار . وإن كانت علاقة ترامب مع وسائل الاعلام، طالما تميزت بالتوتر والصراع، فإن الإجراءات الجديدة، شكلت تغييرا جذريا، ووصف بأنه تقييدا لحرية الصحافة، وتراجعا خطيرا عن تقليد يجرى العمل به منذ قرن من الزمن. لكن علاقة ترامب مع الصحافة، تتأرجح دوما ما بين الحب والكراهية في آن واحد، فهو وإن كان في مواجهة مستمرة مع وسائل الاعلام خاصة التقليدية منها فإنه بالمقابل يسمح للكاميرات والميكروفونات بأن تظل مركزة عليه طوال الوقت حتى يبقى حاضرا، للتوجه للرأي العام الأمريكي لتمرير رسائله ومواقفه وقراراته حول مختلف القضايا الدولية الراهنة، بدون المرور على المؤسسات الدستورية. وإن كان من البديهي، القول بأن مهمة الصحافة ليس ' إنقاذ الولايات المتحدة من ترامب'، فإنه بالمقابل يقع على عاتقها ' مقاومة خطر وقوع الديمقراطية فريسة للاستبداد والديماغوجية .. من قبل القادة المنتخبين والمسؤولين الحكوميين' كما كان يردد كارل بيرنستاين الصحافي والكاتب الأميركي الذي كان وراء كشف قضية 'ووترغيت' التي أدت في النهاية إلى استقالة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، وذلك من أجل الحفاظ على الموضوعية وقواعد أخلاقيات المهنة، وقول الحقيقة، بدون خوف. فصراع ساكن البيت الأبيض، مع الصحافة، ليس بالأمر الجديد، إذ منذ الإعلان عن فوزه في الانتخابات الرئاسية سنة 2016، وهو ما شكل آنذاك مفاجئة كبرى خالفت غالبية التوقعات خاصة وسائل الاعلام. إلا أن فشله في انتخابات الإعادة الرئاسية في نوفمبر 2020، جعله في أعقاب نشر صحيفة ' واشنطن بوست' الذائعة الصيت تصريحات منسوبة إليه، اعتبرت بأنها مسيئة للمرأة، يصف الصحافة بأنها ' عدو الشعب '. كما أن جائحة كوفيد 19 التي ضربت الولايات المتحدة بقوة، ساهمت في توسيع فجوة الخلاف بينه وبين الإعلام، خاصة بعد اتهام وسائل الاعلام، إدارة ترامب بالتقصير والعجز عن التصدي لانتشار هذه الجائحة. حرب مقدسة وتكرست العلاقة المتشنجة بين الصحافة والرئيس ترامب الذي عادة ما يتهم اليسار ببسط سيطرته على وسائل الاعلام الأمريكية، بعدما رفض سنة 2017، حضور حفل مراسلي البيت الأبيض، وبذلك أصبح أول رئيس منتخب يقاطع هذا الحفل مع الصحافيين. وعلى الرغم من فوزه الساحق على منافسته الديمقراطية كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية الأخيرة سنة 2024، يواصل ترامب 'حربه المقدسة' على الاعلام الذي استهان سنة 2016 بقراره الترشح للرئاسة مرشحا عن الحزب الجمهوري. لكن على الرغم من أن ترامب لا يخفى معاداته لوسائل الاعلام التقليدية، على خلاف ما كان سائدا مع سابقيه من الرؤساء الذين غالبا ما وصفت علاقاتهم بالصحافة ب' الجيدة'، فانه اهتدى إلى الاستفادة من وسائط الاعلام الجديد، بكثافة، في تواصله المباشر مع الرأي العام المحلى والدولي، لتسويق آراءه ومواقفه، حول مختلف القضايا الداخلية والخارجية. فترامب، تمكن من جهة أخرى بفوزه في الانتخابات دحض فكرة السائدة بأن أي مرشح، لن يكون بمقدوره الفوز بالانتخابات الرئاسية، ما لم يحظ بدعم ومساندة وسائل الاعلام، التي عادة ما تكون السباقة الى الإعلان عن فوز المرشح في الاستحقاقات الانتخابية قبل الإعلان عليها رسميا. حماية الديمقراطية لكن على الرغم من هكذا وضع فإن وسائل الإعلام وإن كانت تلعب دورا كبيرا وحاسما في حماية الديمقراطية، والرقابة على الشأن العام ومحاسبة المسؤولين ونشر الأخبار وتعميم المعلومات والبحث عن الحقيقة، فإنها عندما تتخلى في بعض الأحيان عن مهنيتها واستقلاليتها، تفقد مصداقيتها وبالتالي قدرتها على التأثير في الرأي العام، وأصبح بذلك من البديهيات القول بأنه لا ديمقراطية بدون ضمان حرية الصحافة والاعلام. ونتيجة المتغيرات المتتالية محليا ودوليا، فإن العديد من الملاحظين يشيرون – استنادا لاستطلاعات للرأي – إلى أن الصحافة الامريكية، تمر حاليا بمرحلة عصيبة ، مع فقدان الاحترام للصحفيين . إلا أن عدم رضى هذا، لا يرتبط بقدرات الصحفيين المهنية، بل عن تدنى التقيد بأخلاقيات المهنة من جهة وبمستوى الوعي بأهمية دور الاعلام في المجتمع من جهة أخرى. وتتباين ثقة الحزبين الرئيسين الجمهوري والديمقراطي بوسائل الإعلام بالولايات المتحدة، حيث عبر 72 في المائة من الديمقراطيين عن ثقتهم بالصحافة، فيما يتعلق ب' نشر الأخبار بشكل كامل وبدقة ونزاهة'، في حين كانت ثقة الجمهوريين أقل بكثير بنسبة 14 في المائة، في الوقت الذى بلغت ثقة الأمريكيين نسبة 41 في المائة، حسب ما جاء في إحدى استطلاعات الرأي . حرية الصحافة لكن أن يكون الصحافي معارضا مخلصا من أجل إشاعة الحقيقة ومنع الفساد، فهو لا يمكن أن يكون عدوّا للشعب، ' ذلك ما لا يريد أن يدركه ترامب وهو يعيش مرحلة مستمرة من اللعب السياسي المسكون بالشغف العبثي وهذا النوع من المعارضة الصحية، هو ما يُبقي الديمقراطية على قيد الحياة، ويشكل في فحواه واحدة من المسؤوليات الجوهرية للصحافة الحرة'، وفق تعبير الكاتب الأميركي نوح فليدمان أستاذ القانون في كلية هارفاد. كما يظل قائما بأنه لا ديمقراطية بدون ضمان حرية الصحافة والاعلام، باعتبارهما، سلطة مضادة ومستقلة ورقابة، تحمى المواطنين من تدخل السلطة في ممارسة حرياتهم الفردية، مما يجعل العلاقة بين الإعلام والدولة، غالبا ما تتسم بالتعقيد التوتر، في الوقت الذي يبقى من الضروري لتحرر أي مجتمع، أن تظل سلطات الدولة موضع مساءلة. وبالنسبة للعلاقة بين الاعلام والديمقراطية، يلاحظ كثير من الباحثين أن قدرة ميديا الاعلام على تعزيز الديمقراطية مازالت جد محدودة، بغض النظر عن من يعتبر بأن وسائل الاعلام مسؤولة عن السلبيات التي تعاني منها الديمقراطيات الناشئة أو تلك التي تعرف انتقالا ديمقراطيا. بغض النظر عن من يعتبر بأن وسائل الاعلام مسؤولة عن السلبيات التي تعاني منها الديمقراطيات الناشئة أو تلك التي تعرف انتقالا ديمقراطيا. ويبدو أن الصراع ما بين وسائل الاعلام خاصة العريقة والرئيس الأمريكي، لن يكون من أجل تقاسم السلطة ما بين جهاز تنفيذي وسلطة رابعة في زمن التحولات التكنولوجية، بل هو 'سباق المسافات الطويلة 'من أجل كسب ود الرأي العام وإعادة تشكيله، بناء على المتغيرات السياسية والمجتمعية الراهنة، ببلاد العم سام والعالم . د.جمال المحافظ