logo
تعليق الحياة ليوم واحد

تعليق الحياة ليوم واحد

الرياضمنذ 6 أيام

الصمت ممارسة تعمل على خفض ضغط الدم، وترفع المناعة والقدرة على التركيز، وتساعد في تهدئة الدماغ، وموازنة هرمونات الجسم، وتقلل من إفراز هرمون التوتر المعروف باسم الكورتيزول.. الصمت في المواقف المستفزة وغير المرغوبة يعبر عن نضج انفعالي، وهو ليس سهلًا أبدًا..
الناس يحتاجون الى الصمت أكثر من الكلام، وهذه العبارة ليست مجانية وإنما تستند الى حقائق علمية، فقد قامت منظمة الصحة العالمية في 2011، بقياس التكلفة الصحية التي تدفعها أوروبا بسبب الضوضاء، ووجدت أن 430 مليون شخص في أوروبا الغربية يفقدون في كل عام نحو مليون عام من الحياة الصحية، وذلك نتيجة للضوضاء والصخب، وكلاهما، في رأيها، يمثلان السببب الأساسي لوفاة ثلاثة آلاف أوروبي بأمراض القلب سنوياً، لأنهما يؤثران على الصحة الجسمانية والنفسية للأشخاص، وبصورة لا يمكن تصوّرها.
في تقرير تسويقي وطني صدر في فنلندا عام 2010، وشارك فيه قرابة 100 خبير في مجال التسويق، لوحظ أن انشغالات الناس التي لا تحتمل في المجتمع المعاصر، تجعل من الصمت مصدراً مهما ًيمكن تسويقه في المستقبل القريب، وبأسلوب المنتجات الاستهلاكية، وما قيل تعيشه فنلندا هذه الأيام، فهناك من يدفع مئات الدولارات لشراء سماعات كاتمة للصوت، أو قد يلتحق بحصص تأمل، لا تقل تكلفتها الأسبوعية عن آلاف الدولارات، حتى أن ساعات (رونكو) الفنلندية، ترافقها عبارة: ساعات يدوية الصنع من عمق الصمت الفنلندي، وكلها تشير لدور الصمت الحيوي في حياة المجتمعات على اختلافها.
بالإضافة لما سبق يوجد في السياسة ما يعرف بالاستراتيجية الصامتة، وتحديداً في المواقف من الملفات الساخنة على مستوى العالم، وهو أسلوب عملت عليه الصين والهند واليابان والسويد، ومعها الدنمارك والمجر والدول الإسكندنافية، بتركيزها على أمورها الداخلية، والابتعاد عن الصراخ السياسي، الذي لا يفيد في معظم الأحيان، واستطاعت الصين من خلاله أن تتفوق على أميركا اقتصادياً منذ 1827، علاوة على إخراجها اليابان من عجزها بعد الاستبداد النووي في 1945، لتأخذ مكانها في صدارة العالم المتقدم، وفي أكثر من مجال، بينما في المنطقة العربية مازال المشهد يؤكد ما قاله المفكر الراحل عبدالله القصيمي، منذ زمن، وبالأخص في كتابه "العرب ظاهرة صوتية"، في المقابل ذكرت مجلة هارت الأميركية، في دراسة نشرتها عام 2005 أن دقيقتين من الصمت تحقق استرخاءً بدرجة أكبر، عند مقارنتها بالاستماع الى الموسيقى الهادئة، بمعنى أن اللاصوت أفضل من الصوت ما دام طبيعياً وغير مصنوع.
فقد قامت وكالة ناسا الأميركية بتصميم ما يعرف بالغرف الصامتة، منذ خمسينات القرن العشرين، لتعويد رواد الفضاء على الهدوء، والأكيد أن الأمير سلطان بن سلمان قد جربها في التجهيز لرحلته كأول رائد فضاء عربي مسلم عام 1985، وهذه الغرف هدوؤها قاتل، ولا يسمع فيها شيء على الإطلاق، لأن سماكة جدرانها تصل لـ100 سنتيمتر، وعلى أسطحها الداخلية ألياف زجاجية وفولاذ وإسمنت، لمنع ارتداد الموجات الصوتية، وحدوث الصدى، لدرجة أن الشخص العادي فيها يسمع دقات قلبه وصوت معدته ورئتيه، ولا يستطيع الجلوس بداخلها لأكثر من 45 دقيقة، وهذا النوع من الصمت ممرض، فانعدام أصوات الطبيعة تماماً يؤدي إلى إضعاف الوعي والإدراك الحسي.
الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام كان طويل الصمت، وقبل البعثة النبوية، مارس صمته وتأمله في غار حراء، ومعه مريم بنت عمران، عندما حملت بالمسيح عليهما السلام، وزكريا عندما بُشّر بيحيى عليهما السلام، وهذه الممارسة تعمل على خفض ضغط الدم، وترفع المناعة والقدرة على التركيز، وتساعد في تهدئة الدماغ، وموازنة هرمونات الجسم، وتقلل من إفراز هرمون التوتر المعروف باسم الكورتيزول، وبخلاف ما سبق، الصمت في المواقف المستفزة وغير المرغوبة يعبر عن نضج انفعالي، وهو ليس سهلاً أبداً، والدليل ما كتبه الروائي الأميركي ارنست همنغواي، وفي رأيه، الإنسان يحتاج عامين ليتعلم الكلام، و60 عاماً ليتقن الصمت، ووجدت دراسة أجريت في 2016 بأكاديمية نيويورك للعلوم، أن التحرر العقلي للأشخاص لا يحصل إلا إذا توفرت ثلاثة أمور: الأول الجلوس في مكان مريح وهادئ، والثاني الابتعاد عن المشتات كالجوال، والثالث إغماض العينين والصمت التام.
اللافت هو يوم الصمت في جزيرة بالي الأندونيسية، والذي تم تحديده في السابع من مارس سنوياً، وفيه يصوم أهل الجزيرة عن الكلام لمدة 24 ساعة، ولا يغادرون بيوتهم، ويعتبر يوم إجازة رسمية لهم، لا يستخدمون فيه الجوالات والراديو والالكترونيات، وكل ما يصدر صوتاً إجمالاً، والمناسبة خاصة بالهندوس، ولكن أتباع الديات الأخرى يشاركونهم بحكم العادة، وحتى السياح الأجانب يلتزمون به، وهم يعتقدون ءن الأرواح الشريرة تنزل إلى الأرض في هذا اليوم، ويكون الصمت لحمايتهم، ولإظهار الجزيرة وكأنها خالية، ورغم أن سكان أندونيسيا مسلمون في غالبيتهم، والهندوس لا يمثلون إلا 2 % من الإجمالي، إلا أن نسبتهم في بالي، التي يسكنها أربعة ملايين شخص، تصل الى 83,5 %، وبعيداً عن المرجعية الهندوسية للاحتفال، فإنه، في اعتقادي، يقبل التعميم العالمي بشكله المجرد، وبما يمكن الناس والإعلام والشوارع من أخذ إجازة رسمية يتفرغون فيها للصمت وحده، والأجمل تطبيق ذلك على كل أماكن الصراع والنزاعات بدون استثناءات، وتعليق صخب الحياة بالكامل ليوم واحد.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

جمعية الصحة العالمية تعتمد اتفاقية التأهب والاستجابة للجوائح
جمعية الصحة العالمية تعتمد اتفاقية التأهب والاستجابة للجوائح

صحيفة عاجل

timeمنذ ساعة واحدة

  • صحيفة عاجل

جمعية الصحة العالمية تعتمد اتفاقية التأهب والاستجابة للجوائح

اعتمدت جمعية الصحة العالمية اليوم في دورتها الـ 78, أول اتفاقية للتأهب والاستجابة للجوائح في المستقبل، بعد مفاوضات استمرت لثلاث سنوات. وقال مدير عام منظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس أدهانوم عقب اعتماد الاتفاقية: "إنها تمثل انتصارًا للصحة العامة والعلم والعمل متعدد الأطراف، والحماية من تهديدات الأوبئة في المستقبل". وفي 16 أبريل الماضي، وقعت 194 دولة عضو في منظمة الصحة العالمية OMS الأربعاء اتفاقا مبدئيا حول الوقاية من الجوائح والاستعداد لها والاستجابة عند وقوعها.

مبيعات الأدوية تتحكم في نمو اقتصاد الدنمارك
مبيعات الأدوية تتحكم في نمو اقتصاد الدنمارك

العربية

timeمنذ ساعة واحدة

  • العربية

مبيعات الأدوية تتحكم في نمو اقتصاد الدنمارك

انكمش الاقتصاد الدنماركي خلال الربع الأول من العام الحالي، ويرجع ذلك إلى انخفاض مبيعات الأدوية، مما يبرز اعتماد الدنمارك المتزايد على قطاع الأدوية بقيادة شركة "نوفو نورديسك". وانخفض إجمالي الناتج المحلي في الدنمارك بنسبة 0.5% خلال الربع الأول من 2025 مقارنة بالربع الذي سبقه، مما يعد أسوأ أداء للاقتصاد منذ أواخر عام 2022، حسبما قال مكتب الإحصاء الدنماركي اليوم الثلاثاء. وباستبعاد تأثيرات قطاع الأدوية، فقد نما اقتصاد الدنمارك بنسبة 1% خلال الربع الأول من العام الحالي، وفق وكالة الأنباء الألمانية "د ب أ". يشار إلى أن الدنمارك أصبحت مركزًا للأدوية، ونمت شركة "نوفا" مصنعة علاجات السمنة وداء السكرى بحيث أصبح مصيرها يؤثر على مستويات التوظيف والعملة والاقتصاد الوطني. وطلبت شركات الأدوية الأوروبية من الاتحاد الأوروبي السماح لها برفع أسعار الأدوية، محذرة من أنه بدون حوافز استثمارية أقوى، سيتراجع التكتل بشكل أكبر مقارنة بالولايات المتحدة، حيث أثارت تهديدات التعريفات الجمركية من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب موجة من إعلانات الاستثمار في مجال الأدوية داخل أميركا.

أُعدّ في ضوء الفشل الجماعي في التعامل مع جائحة كوفيد-19 التي أودت بحياة الملايين وقوّضت الاقتصاد العالمي
أُعدّ في ضوء الفشل الجماعي في التعامل مع جائحة كوفيد-19 التي أودت بحياة الملايين وقوّضت الاقتصاد العالمي

العربية

timeمنذ 2 ساعات

  • العربية

أُعدّ في ضوء الفشل الجماعي في التعامل مع جائحة كوفيد-19 التي أودت بحياة الملايين وقوّضت الاقتصاد العالمي

أقرّت جمعية الصحة العالمية، الثلاثاء، في جنيف الاتفاق الدولي بشأن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها، بعد ثلاث سنوات من المفاوضات الشاقة. وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، في بيان "هذا الاتفاق انتصار للصحة العامة والعلوم والعمل المتعدد الأطراف. وسيسمح لنا، على نحو جماعي، بحماية العالم بشكل أفضل من تهديدات مقبلة بجوائح". وأقرّ في تصريحات لوكالة فرانس برس بأن "اليوم يوم كبير... تاريخي". ويهدف الاتفاق إلى التأهّب بشكل أفضل للجوائح المقبلة وتعزيز سبل مكافحتها وهو أُعدّ في ضوء الفشل الجماعي في التعامل مع جائحة كوفيد-19 التي أودت بحياة الملايين وقوّضت الاقتصاد العالمي. وينصّ الاتفاق الذي أنجزت النسخة النهائية منه بالتوافق في 16 أبريل على آلية تنسيق عالمية على نحو أبكر وأكثر فعالية في آن للوقاية والرصد والاستجابة لأيّ مخاطر قد تؤدّي إلى جائحة. ويقضي الهدف منه أيضا بضمان الإنصاف في الحصول على المنتجات الصحية في حال حدوث جائحة. وقد شكت البلدان الأكثر فقرا من هذه المسألة خلال كوفيد-19 عندما احتكرت الدول الثرّية اللقاحات وفحوص التشخيص. ويعزز الاتفاق أيضا الترصّد المتعدّد القطاعات ونهج "صحة واحدة" على صعيد البشر والحيوانات والبيئة. ويقيم خصوصا آلية "لإتاحة مسببات المرض وتشارك المنافع"، من شأنها أن "تتيح تشاركا سريعا جدّا ومنهجيا للمعلومات الخاصة ببروز مسببات للمرض قد تؤدّي إلى تفشّي جائحة"، بحسب ما أوضحت السفيرة الفرنسية للصحة آن-كلير أمبرو التي شاركت في إدارة المفاوضات الخاصة بالاتفاق بشأن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها. مفاوضات شاقة وما زال ينبغي التفاوض على التفاصيل الدقيقة للآلية، على أمل اختتام المفاوضات في هذا الخصوص بحلول الجمعية المقبلة في مايو 2026. واعتمد القرار الخاص بالاتفاق في جلسة مساء الاثنين لإحدى لجنتي الجمعية بـ 124 صوتا مؤيدا. ولم تصوّت أيّ دولة ضدّه، في حين امتنعت دول مثل إسرائيل وإيران وروسيا وإيطاليا وبولندا عن التصويت. وكانت المفاوضات الآيلة إلى النسخة النهائية من النصّ شاقة وعلى وشك الانهيار أحيانا، لا سيّما في ظلّ الاقتطاعات المالية الشديدة التي تواجهها المنظمة بعد قرار الولايات المتحدة الانسحاب منها وإحجامها عن دفع اشتراكات العامين 2024 و2025.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store