
شهادة إبداعية للأديبة اللبنانية نجوى بركات في "شومان"
وتناولت بركات في شهادتها جوانب متعددة من تجربتها الحياتية والإبداعية، منذ انتقالها من بيروت إلى باريس وهي ابنة تسعة عشر عاماً، موضحةً أن العاصمة الفرنسية، رغم كونها محطة استقرار طويلة، لم تترك أثراً مباشراً على أعمالها الروائية إلا من خلال رواية واحدة باللغة الفرنسية بعنوان "مستأجرة شارع بودو فير". واعتبرت أن فضل باريس تجلّى في منحها فرص التعرف على الآخر، والانفتاح على ثقافات متعددة، ما عمّق علاقتها بلغتها الأم، اللغة العربية.
وقالت بركات: "خرجت إلى باريس. الحرب التي انتظرت انتهاءها سنوات لم تنته، وكنت أشعر بأنني ماضية إلى مزيد من التخلي والضمور والانسحاب. لم تكن هجرتي إلى باريس سهلة، ولا إقامتي فيها؛ برد وعزلة وقلق وخوف. الحرب استمرت وقد أضيف إليها صقيع الثلج، والوحدة، وعراء هائل لم أتمكن من احتوائه أبدا".
وأضافت أن الكتابة دخلت حياتها في باريس دون تخطيط، واصفةً لحظة البداية بأنها كانت كـ"الحمى"، مشيرةً إلى أن نبع الكتابة تفجر من داخلها دون سابق إنذار، ولم تتمكن من إيقافه.
وتحدثت بركات كذلك عن تجربتها في تأسيس محترف "كيف تكتب رواية"، مبينةً أن المشروع وُلد من رغبة حقيقية في تمكين كتّاب شباب من العالم العربي، وتقديم فرصة حقيقية لهم لتطوير مهاراتهم. ولفتت إلى أن المحترف، وبعد قرابة عشرة أعوام من انطلاقه، أسهم في إصدار أكثر من 23 رواية طبعت في دور نشر مرموقة، ونالت جوائز أدبية بارزة.
ولدت نجوى بركات في بيروت عام 1966، وغادرت إلى باريس بعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان. حصلت على دبلوم دراسات عليا في المسرح والسينما من جامعة السوربون، وعملت صحفية حرة في عدد من الصحف والمجلات العربية، كما أعدّت وقدّمت برامج ثقافية في إذاعات دولية، مثل إذاعة فرنسا الدولية وهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، وأسهمت في إعداد العديد من السيناريوهات الروائية والوثائقية، من أبرزها برنامج "موعد في المهجر" الذي عُرض على قناة الجزيرة.
أصدرت بركات أولى رواياتها "المحول" عام 1986، وتوالت بعدها أعمالها التي تنوّعت بين الرواية والسرد الصحفي، ومن أبرزها: "حياة وآلام حمد ابن سلامة"، "باص الأوادم"، "يا سلام"، "لغة السر"، "مستر نون"، و"غيبة مي"، إلى جانب روايتها الفرنسية "La locataire du Pot de fer".
ونالت روايتها "باص الأوادم" جائزة المنتدى الثقافي في باريس عام 1996، فيما وصلت رواية "لغة السر" إلى القائمة القصيرة لجائزة الأدب العربي في فرنسا، وأدرجت على قائمة جائزة "فيمينا" الفرنسية للأدب المترجم.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ يوم واحد
- عمون
شهادة إبداعية للأديبة اللبنانية نجوى بركات في "شومان"
عمون - استضاف منتدى مؤسسة عبد الحميد شومان، مساء أمس، الأديبة اللبنانية نجوى بركات في حوارية وشهادة إبداعية بعنوان "محفزات الكتابة: من بيروت إلى باريس"، بحضور نخبة من الأدباء والمفكرين والمهتمين. وبينت بركات خلال الحوارية التي قدمتها فيها وأدارت الحوار مع الجمهور، الأديبة الأردنية سميحة خريس، أن باريس التي سكنتها منذ ان كان عمرها 19 عاما، لم تترك بصمات واضحة في الفن الروائي لديها؛ الا من خلال كتاب واحد فقط صدر باللغة الفرنسية اسمته "مستأجرة شارع بودو فير"، مشيرة إلى أن باريس كان لها فضل عليها من خلال امتلاكها لبعض الأفكار والمعلومات والتعرف على الآخر كذلك التقرب والتعرف على ثقافتها ولغتها الأصلية وهي اللغة العربية. وقالت بركات: "خرجت إلى باريس. الحرب التي انتظرت انتهاءها سنوات لم تنته، وكنت أشعر بأنني ماضية إلى مزيد من التخلي والضمور والانسحاب. لم تكن هجرتي إلى باريس سهلة، ولا إقامتي فيها؛ برد وعزلة وقلق وخوف. الحرب استمرت وقد أضيف إليها صقيع الثلج، والوحدة، وعراء هائل لم أتمكن من احتوائه أبدا". وأضافت "هناك، في باريس، دخلت الكتابة إلى حياتي، جاءتني الكتابة ضيفا يدخل عنوة، من دون ميعاد، كمن يصاب بالحمى. نبع انفجر داخلي، ولم أتمكن من إيقاف دفقه". وتطرقت الأديبة بركات إلى تجربتها في إطلاق محترفها "كيف تكتب رواية" والظروف التي رافقته والتطور الذي حصل عليه، مبينة أن هذه التجربة أخذت الكثير من الوقت والحماس من خلال العمل مع كتاب من الشباب في العالم العربي يحتاجون إلى فرصة، موضحة أن المحترف بعد نحو 10 سنوات أنتج نحو 23 رواية طبعت في أفضل دور الطباعة والنشر، وحصلت على جوائز مختلفة. الأديبة اللبنانية نجوى بركات، مولودة في بيروت في العام 1966، وانتقلت إلى الحياة في باريس وهي ابنة 19 عاما، في أعقاب تفجر الحرب الأهلية في بلدها. ربما من الصعب فهرسة بركات تحت نوع إبداعي بعينه، فهي روائية وصحفية ومترجمة، ومؤسسة "محترف كيف تكتب رواية". حصلت على دبلوم دراسات عليا في المسرح، ثم في السينما من جامعة السوربون الفرنسية. عملت صحفية حرة في عدد من الصحف والمجلات العربية، كما أعدت وقدمت برامج ثقافية في إذاعات دولية، كإذاعة فرنسا الدولية والإذاعة البريطانية، إلى جانب إنجازها العديد من السيناريوهات الروائية والوثائقية، وأعدت أول 15 حلقة من برنامج "موعد في المهجر"، الذي عرضته قناة الجزيرة. في عام 1986 صدرت الرواية الأولى لبركات بعنوان "المحول"، وأتبعتها برواية "حياة وآلام حمد ابن سلامة"، ثم "باص الأوادم "، "يا سلام"، "لغة السر"، "مستر نون"، و"غيبة مي"، كما نشرت بالفرنسية رواية بعنوان" La locataire du Pot de fer". في 1996 نالت نجوى بركات جائزة المنتدى الثقافي في باريس عن روايتها الثالثة "باص الأوادم"، كما أدرجت روايتها الخامسة "لغة السر"، التي صدرت العام 2004، على قائمة جائزة "فيمينا" الفرنسية للأدب المترجم، ووصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة الأدب العربي في فرنسا.


الدستور
منذ يوم واحد
- الدستور
هرميةُ السرد والحبكةُ الدائريّةُ في رواية «ماندالا» لمخلد بركات
منال العباديعندما يجمع الكاتبُ في روايته بين التعقيد ومحاولة إدراك ما لا يُدرك (البعد الروحي) كما في «اللامرئي» للروسي كليمون، والتشظّي و(تعدّد الرموز) كما في «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ، والجرأة و(نقد السياسة عبر الجسد) كما في «ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي؛ ويبني روايته على أساس هرمي تكون رواية (ماندالا) للكاتب مخلد بركات.دلالةُ عتبة الرواية «ماندالا» تكمن في استخدام جميع العناصر المحيطة بالنصِّ لتهيئة القارئ (وخاصةً العنوان الغنيّ دلالياً) لدخول عالم روائي يتناول مفاهيم مثل البحث عن الذات، الرحلة الداخلية، التوازن، الكون المصغر للشخصية أو المكان، التناغم مقابل الفوضى، الروحانيات، والتكرار الدائري للأحداث (الحبكة الدائرية ) أو المعاناة بحثًا عن الخلاص، ثم العودة للنقطة ذاتها ما هي إلا انطلاقة للقارئ ليغوص في بحر هائج من جرعات تشويقية تغرقه ثم تحييه من جديد. نهج الكاتبُ في بناء حبكته تقنية الحبكة الدائرية كرواية (اللص والكلاب) لنجيب محفوظ. وفي قصة «الشيخ والبحر» لـ(آرنست همنغواي) حيث أنَّ الصياد يعود بعد رحلة صيد طويلة ومضنية، ولكنَّه يعود بشيء من الخبرة والمعرفة الجديدة. ومسرحية «الملك لير» لشكسبير حيث تبدأ القصة بملك يعاني من جنون ويفقد كل شيء، وتنتهي به وهو يستعيد بعضًا من عقله وحكمته. تُقدّم الرواية (خريطة ماندالا) للهزيمة العربية عبر شخصيات تبحث عن اكتمال دائرة وجدت في عالم مُفكّك، حيث يصبح السجن استعارةً للوطن، والرمل قبراً للذاكرة، والماندالا خريطةً للخلاص. تميّزت رواية (ماندالا) باستخدامها البنية الدائرية؛ حيث تشكّل الماندالا (الدائرة المقدسة في البوذية والهندوسية) الإطار البنيوي للرواية، حينما تتكرر الشخصيات والأحداث بشكل دائري غير خطي، وقد تكون كما في علم النفس التأملي والتعبير عن الذات وانعكاس للعمليات العميقة في اللاوعي لتعزيز الوعي الذاتي. امتلأت الرواية بالرمزية (العامة) حيث تمثّل اكتمال الذات والبحث عن الوحدة في الفوضى، وبداية عملية الشفاء كما لاحظ (كارل يونغ) (ص5). استخدم الكاتب التقنيات السردية المعتمدة على تعدّد الأصوات (البوليفونية) حيث أنَّ السرد ينتقل بين شخصيات متعددة (صلاح، عبدالسلام، يحيى، ميساء... الخ) بضمير المتكلم، مما يخلق تشظياً صوتياً يعكس تشظي الهُوية. وتعمد إلى إبراز القفزات الزمنية والانزياح الزمني حيث تقفز الأحداث بين زمن السجن (الحاضر) وذكريات الطفولة في البادية (الماضي) وحكايات بيروت وعمان (الماضي القريب) بطريقة السهل الممتنع حيث يتنقل قلم الكاتب بكل رشاقة بين هذه الأزمنة. ليتساءل القارئ هنا: هل هذه الأزمنة هي (ماندالا الزمن) الذي يتم من خلاله تشكيل حياه الفرد؟! وهل تمثل سنوات عمره الملون بألوان أقداره التي تصطبغ بها؟!.حاول الكاتب أن يملأ روايته بالأحداث لكن هل استوعبت أوراقه كل ما أراد إيصاله؟ هل استطاع أن يكتب جميع ما شعر به من الفراغ الوجودي، أو الصمت القسري في السجون، أو مساحات الذاكرة المفقودة؟ أم أنَّ القلم والحبر عجزا عن وصفها. لكلِّ روايةٍ رموزٌ مركزية يزين فيها الكاتب نحر روايته، وكان الرمل والماء من أهم هذه الرموز عند مخلد بركات. فالرملُ قد يرمز إلى التلاشي والموت («أغرق في الصمت»، «أنا محض قبر بلا ملامح» ص22). أو جعلها وسيطًا بين عالمين (الحياة والموت) حيث يُدفن الأحياء (صلاح)؛ ويدفن به الموتى (ص23). أمَّا الماء فهو نقيضُ الرمل، يرمز للحياة والذاكرة («نوايا الرمل والماء» – العنوان الفرعي). وغيابه يعكس العطش الوجودي («سبخة العطش» ص34). إذا جمع بين الرمل (الموت) والماء (الحياة) لخلق مفارقة ثنائية بين الحياة والموت. كما لعبت الخيول البيضاء رمزية الخلاص والأمل («ستمر الخيول من هنا بيضاء كقباب الفرح» ص7) التي ينتظرها السجناء.بالنسبة للنجمة السداسية ما كانت إلا تجسيداً للماندالا (ص42-46)، التي تدلُّ على الدجّال في الكتاب المقدس 666 وحاول الكاتب الربط بين الشخصيات الست (اللوحات) كمكونات للذات المتشظّية (بالنجمة السداسية ) حيث أنَّها تدلُّ أساساً على خلق الاتزان بين الشخصيات المتضادة، وتداخل مثلثين معاً، ربما مثلث الخير والشر، أو التزاوج التكراري، ذكر- أنثى، لتدور الحياة، ومن هنا ربما تحمل رسالة الاختلاف/ التشظي والتداخل القدري، وقد استخدمها الكاتب لتدلَّ على جزء من نظرية المؤامرة التي تبناها (دان براون) في حبكة روايته شيفرة دافنشي. كانت الشخصيات في الرواية تمثيلاً وانعكاساً نفسياً؛ فمثلاً صلاح العوّاد ذلك المثقف المهزوم؛ (دكتور علم النفس) يمثّل العجز عن التغيير رغم الوعي (ص17) (تفكيك الشخصية العربية المهزومة من منظور علم النفس) أمَّا شخصية عبدالسلام العياشي ذلك المناضل الثوري (المغربي) حيث يمثل التناقض بين الماضي النضالي والحاضر السجين (ص13) أمَّا تفعيل دور المرأة الأنثى الغامضة بشخصية ميساء. وكانت تشكّل الساحرة في تجسيد الخيال والوهم (ص41: «أنت طبق في تحلل») ويحيى التنوري الشاعر البابلي (الصابئي) كان يجسّد صراع الهُوية بين التراث والمنفى (ص75) برزت في الرواية جلياً ثيمة الهزيمة الوجودية فكانت هزيمة 1967 كجرح جماعي («وقعتُ في البئر الرومانية عام 1967» ص67). وانهيار المشاريع السياسية (الشيوعية، القومية) عبر شخصيات مناضلي السجون. كما برزت ثيمة تشظي الهُوية من خلال الشخصيات التي تفقد ملامحها («ضاعت ملامحي» ص12) وتتساءل: «هل لي ذاكرة مثل البشر؟» (ص33). أمَّا الجسد يفقد معناه («أنا مشطور إلى نصفين» ص62). كما كانت ثيمة الذاكرة كسجن حيث أنَّ السجناء يعيشون عبر الذكريات («أنا ميت يعتاش على الذاكرة» ص7). وأنَّ الذاكرة تُعاد كتابتها بواسطة «القزم» الكاتب (ص60)، مما يشكّك في واقعيتها. كانت المرأة ثيمة كسرّ الغموض فالنساء (ألكساندرا، ميساء، هدية) يمثلن اللغز الأنثوي الذي لا يُحل، وتمثيل الرغبة المكبوتة. كان الأسلوب الأدبي في الرواية غنياً ومكتنزاً باللغة الشعرية واستعارة الصحراء ككائن حي («الصحراء بنت الحكمة» ص22). والعمل على تكثيف الصور («أصوات الجنازير بشعة.. وصواريخ الكاتيوشا تنير السما» ص13). كما أنَّ التناص الديني الأسطوري كان واضحاً في إشارات لجلجامش وأوتنابشتيم (ص35)، كارل يونغ (ص19)، الصابئة المندائيين (ص116). القارئ للرواية يجد العديد من اللهجات المحكية حيث مزج اللهجات (مغربية، عراقية، أردنية، لبنانية) لتعزيز الواقعية وتعدّد الأصوات وتنوع البيئات بأصوات ولهجات أصحابها.وجه الكاتب رسائل عديدة من خلال النقد السياسي وفضح قمع الأنظمة (السجن، التعذيب) وخيبة أمل المثقفين. وإثارة السؤال الوجودي: «هل نحن واقع أم خيال؟» (ص60) كما عمل على إعادة تعريف الإنسان خارج إطارات الهزيمة. وكان تفعيل قوة الفن: الماندالا واللوحات (ص42) كفنٍّ شافٍ، والرواية كخلاص من العدمية وكمحاولة للانعتاق عبر الروحانيات. «الروح الهائمة هي البديل.. لتصير نوراً من الكارما» (ص71) يجد القارئ أنَّ هناك رؤية متعمقة ومتماسكة لرواية معقّدة، ويكشف عن طبقاتها المتعدّدة (السياسية، التاريخية، النفسية، الوجودية، الروحية، الفنية) قد رسمها الكاتب ببراعة ونجح في إثبات فرضيته المركزية حول كون الرواية «تشريحاً للهزيمة العربية» عبر تحليل مدعم جيداً بالتقنيات والرموز والشخصيات.سؤالٌ يتبادر لأذهاننا: هل أصبحنا ضمن دائرة مليئة بالفراغات ولا بدَّ من ملئها بالألوان المناسبة للتخلص من جميع الأفكار السلبية التي أحاطت بنا؟ وهل نحتاج لاكتشاف عمق ذواتنا للوصول إلى مرحلة الخلاص والتشافي؟!. أم أنَّها (الماندالا الكونية) الرمزية الكونية التي تمثّل دورات الحياة (الولادة، الموت، التجدّد) ولا نملك الخلاص لأنفسنا. السؤال الذي يطرح نفسه بعد قراءة الرواية: هل الخلاص فرديٌّ أم كونيّ؟.


الرأي
منذ يوم واحد
- الرأي
ندوة في الزرقاء تعاين »ذاكرة المكان وجمالياته«
في مشهد ثقافي يعيد تشكيل الذاكرة ويوقظ الحنين إلى تفاصيل المكان، نظمت رابطة الكتّاب الأردنيين/ فرع الزرقاء بالتعاون مع إدارة مهرجان جرش للثقافة والفنون ندوة ثقافية حملت عنوان اجتمع فيها عدد من الباحثين والأدباء والمبدعين ليضيئوا على الزرقاء كمدينة وُلدت من رحم التاريخ ورافقت تحولات الحضارة وهوية المكان الأردني. أدار الندوة الناقد محمد المشايخ الذي قدّم الزرقاء برؤية أدبية بانورامية واصفاً إياها بمدينة الجند والعسكر ومفترق الحجاج الشامي ومهد التنوع الثقافي والانفتاح الإنساني.. المدينة التي "أنجبت شعراء كباراً مثل حبيب الزيودي وسميح الشريف وسميح القاسم وآخرين كانوا صوتها في القصيدة والذاكرة». أما الباحث د. عبد الله العساف فغاص في طبقات التاريخ ليقدّم قراءة علمية لمراحل نشأة الزرقاء منذ العصور الحجرية وحتى العصر الحديث، مشيراً إلى أن المدينة شكّلت ركيزة حيوية في البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للدولة الأردنية. واستعرض العساف محطات بارزة في مسيرة الزرقاء، مثل دورها في نشوء الجيش العربي واحتضانها لحاميات رومانية ومحطات إسلامية للحجاج؛ ما جعلها نقطة التقاء لحضارات متعاقبة. د. عبد العزيز محمود أضاء على البعد التراثي والبصري للمدينة، مستعرضاً عبر صور نادرة مراحل تشكّل الزرقاء جغرافياً ومعمارياً. كما أشار إلى كنوزها الأثرية مثل قصر شبيب وقلعة الأزرق وقصر الحلابات وقصير عمرة وخرب الرصيفة وخو والبتراوي وغيرها من المواقع التي تجعل من الزرقاء "متحفاً مفتوحاً على التاريخ». من جانبه قدّم الشاعر رضوان الزواهرة شهادة شعرية ومعمارية عن تطور المدينة من بيوت الطين والقش إلى شكلها الحضري المعاصر، لافتاً إلى أن الزرقاء مدينةُ المهاجرين التي استقبلت الشيشان مطلع القرن العشرين وأسست مساجدهم وأسواقهم. وعرض الزواهرة صوراً نادرة لأحياء الزرقاء القديمة مثل شارع السعادة وعمارة السبعين وشارع قاسم بولاد، مؤكداً على أهمية دور نقابة المهندسين في تنظيم المشهد العمراني وفق قانون البناء الوطني. وفي لمسة وجدانية قدّم د.محمد عبدالكريم الزيود قراءة في التراث الشعبي الشفوي للزرقاء، مؤكداً أن التاريخ لا يُكتب فقط بالحبر، بل يُروى بالحنين؛ وأن الروايات الشفوية حفظت صورة المدينة منذ وصول الدروز والشيشان وحتى نكبة فلسطين وتحوّلاتها الاجتماعية والسياسية والثقافية. وسلّط الزيود الضوء على نادي أسرة القلم الثقافي الذي تأسس عام 1974 ليغدو من أبرز معالم الحراك الثقافي المحلي، وتحدث عن المشهد الشعري الذي تنوّع بين العمودي والنبطي والحر ليعكس تعدد روافد المدينة وغناها الإبداعي. مثّلت الندوة استعادة لروح الزرقاء كمدينة تعيش في الذاكرة وتتمدد في وجدان الأردنيين بكل ما فيها من تفاصيل وجمال وتاريخ.