
ألم يكن السلام الأنسب لإيران منذ البداية؟
في عالمنا المعاصر، تتسارع وتيرة الأحداث بشكل غير مسبوق، وتتغير موازين القوى وتتشكل التحالفات في لمح البصر. لقد أصبحت الحروب تبدأ وتنتهي بمنشور إلكتروني، وتكاد تخلو من الأسرار، حيث أصبح الناس على اطلاع حتى بأدق التفاصيل وحركات الطائرات.
في هذا المشهد المتغير، تبرز صعوبة إخفاء الحقائق، لكن في المقابل، تزداد فرص الكذب والتضليل، فالحرب الإلكترونية تسير بالتوازي مع الحرب الواقعية، وكل شيء يبدو معقولاً؛ ففي فجر الأحد الموافق 21 حزيران 2025، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عبر قنوات التواصل الاجتماعي، عن انتهاء هجوم أمريكي ناجح على ثلاثة مواقع نووية إيرانية رئيسية: فوردو، نطنز، وأصفهان. وقد جاء إعلانه مصحوبًا بعبارة: 'الآن هو وقت السلام!'. هذا الإعلان، الذي أعقبه تصعيد محدود ثم اتفاق لوقف إطلاق النار، يطرح تساؤلاً جوهريًا: هل كان من مصلحة إيران، كقوة إقليمية كبرى ذات ثقل في منطقة الشرق الأوسط وقدرات وثروات هائلة، أن تختار العودة إلى الحرب أم الانخراط في السلام؟وإذا قمنا باستكشاف المشهد الجيوسياسي المعقد الذي أعقب الضربة الأميركية الأخيرة، وتحليل الردود الإيرانية التي أدت إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وتداعيات ذلك على الاستقرار الإقليمي، ودور الدول المجاورة في هذه المعادلة. سنحاول الإجابة على السؤال المحوري: هل السلام، رغم ما قد يبدو عليه من تناقض في ظل هذه الظروف، هو المسار الأكثر براغماتية لإيران؟
الآثار المباشرة للضربة والرد الإيراني
لقد أحدث إعلان ترامب عن الضربة الأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية صدمة مدوّية، فقد استهدفت الضربات ثلاث منشآت نووية رئيسية في إيران: فوردو، نطنز، وأصفهان، بهدف تدمير قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم ووضع حدّ للتهديد الذي تشكله. وقد وصف ترامب هذه الضربات بأنها حققت نجاحًا عسكريًا كبيرًا، وأن المنشآت النووية الإيرانية دُمِّرَت بشكل كامل وتام.
تزامنًا مع هذا الإعلان، دعا ترامب إيران إلى اختيار 'السلام الآن'، محذرًا من أن عدم الاستجابة لذلك سيؤدي إلى 'ضربات قادمة أعظم وأسهل بكثير'. وشدّد على أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، وأن الخيار هو 'إما سلام، وإما مأساة أكبر بكثير'. وقد وصف ترامب إيران بأنها متنمرة على الشرق الأوسط، ووجه الشكر والتهنئة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين النتن ياهو، مشيرًا إلى أن العمل تم كفريق واحد للقضاء على هذا التهديد الرهيب على إسرائيل. وفي خضمّ هذه الأحداث، برزت حالة من عدم اليقين والحرب المعلوماتية حول ما إذا كان قد قضي فعلاً بالكامل على المشروع النووي الإيراني أم أنه تضرر فقط. وفي الوقت الذي يؤكد فيه البعض نجاح الضربة، يشكك آخرون في ذلك، بل ويطرحون احتمالية نقل الإيرانيين لليورانيوم المخصّب لمكان آمن. هذا المشهد يعكس الطبيعة المتغيّرة للحرب في العصر الرقمي، كما تتداخل الحرب النفسية مع الحرب الواقعية، وتصبح فرص إخفاء الحقيقة أصعب، بينما تزداد بالمقابل فرص الكذب والتضليل. ففي عالم تتسرب فيه المعلومات بسرعة البرق، ويصبح الناس على اطلاع حتى بأدق تفاصيل تحركات الطائرات والصواريخ، يصبح كل شيء معقولاً. إن الأثر الأكبر لهذه الضربة، إذا ما نجحت، هو تبخر الحلم النووي الإيراني في أقل من ساعة؛ فجهد سنين طويلة من العمل الإيراني المنهك، الذي ضحّت من أجله إيران براحة شعبها وظروف معيشته، قد ذهب أدراج الرياح. هذا الواقع يضع إيران أمام مفترق طرق حاسم. لذا، لم تتأخر إيران في الرد على الضربات الأمريكية، حيث قصفت قاعدة العديد في قطر مساء الاثنين، في عملية سمتها 'بشائر الفتح'. وقد أعلن ترامب لاحقاً أن طهران أبلغت واشنطن قبل شن الضربة، ما مكّن من تجنب تسجيل خسائر بشرية، حيث أشاد بعدم وقوع قتلى أو مصابين أميركيين أو قطريين. وقد تم إسقاط 13 صاروخاً من أصل 15 أطلقتها إيران، ووصف ترامب الرد الإيراني بأنه 'ضعيف للغاية' ولكنه 'متوقع'.
اتفاق وقف إطلاق النار وتداعياته
بعد هذا التصعيد المحدود، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اتفاق تام بين إسرائيل وإيران على وقف إطلاق نار كامل وشامل، وذلك بوساطة قطرية وأميركية. وقد دخل وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في غضون 6 ساعات تقريباً، ومن المقرّر أن يدوم 12 ساعة ثم ستعتبر الحرب منتهية رسمياً. ووجه ترامب تهنئة إلى إسرائيل وإيران على ما وصفه بامتلاكهما القدرة على التحمّل والشجاعة والذكاء لإنهاء الحرب، مشيراً إلى أن هذه الحرب كان من الممكن أن تستمر لسنوات وتدمّر الشرق الأوسط بأكمله. وكتب ترامب: 'حفظ الله إسرائيل وإيران'. وقد نقلت وكالة رويترز عن مسؤول إيراني كبير أن طهران وافقت على وقف إطلاق النار مع إسرائيل بوساطة قطرية واقتراح أميركي. كما أكّد مسؤول مطلع أن رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ضَمِن موافقة إيران على اقتراح وقف إطلاق النار الأميركي في مكالمة مع طهران. وأشار مسؤول كبير في البيت الأبيض إلى أن ترامب توسط لاتفاق وقف إطلاق النار باتصال هاتفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأن إسرائيل اشترطت التزام طهران بعدم شن هجمات مستقبلية، مؤكّداً أن إيران أبلغت الولايات المتحدة أنها لن تشنّ مزيداً من الهجمات. من جانبه، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في تصريح له إنه إذا أوقفت إسرائيل عدوانها غير القانوني بموعد أقصاه الرابعة صباحاً، فلن يكون لدى بلاده أي نية لمواصلة ردّها. وأضاف عراقجي أن 'القرار النهائي بشأن وقف عملياتنا العسكرية سيتخذ لاحقاً'.
المشهد الجديد ودور دول الجوار
لقد غيّرت هذه التطورات قواعد اللعبة في الشرق الأوسط. فبعد 'حرب الـ12 يوماً' التي بدأت بهجمات إسرائيلية على منشآت نووية وعسكرية واغتيالات طالت قادة وعلماء، وردود إيرانية بالصواريخ والمسيّرات، ثم الضربة الأميركية والردّ الإيراني على قاعدة العديد، انتهى الأمر باتفاق وقف إطلاق نار شامل. هذا الاتفاق يفتح الباب أمام مرحلة جديدة في المنطقة. حيث قال نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس إن اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل 'ربما يشكل عصراً جديداً لحقبة اقتصادية من الازدهار لإيران والشرق الأوسط'، معرباً عن استعداد بلاده للتوصّل إلى 'تسوية طويلة الأمد' مع طهران، تحقق السلام في المنطقة. وشدّد فانس على أن موقف الرئيس دونالد ترامب كان 'واضحاً دائماً، وأنا أتفق معه، أن إيران لا يمكن أن تمتلك سلاحاً نووياً'. كما تجد دول الجوار نفسها الآن في موقف بالغ الأهمية. فمواقفها وخطواتها القادمة قد تحمي المنطقة من الانزلاق إلى الهاوية، أو تدفع بها نحو صراع أوسع. وهناك عدة خيارات مطروحة أمام هذه الدول:
1.الاصطفاف مع طرف ضد آخر: يُعدّ هذا الخيار الأسوأ الذي يمكن أن تتخذه أي دولة مجاورة. فإذا ما اصطفت مع إيران، ستكون تحت الضغط والاستهداف الأميركي. أما إذا وقفت مع الولايات المتحدة، فستُعد عدوًا لإيران، وهذا خطير للغاية. ورغم أن اتفاق وقف إطلاق النار قد خفف من حدة التوترات المباشرة، إلا أن الاصطفاف قد يعيد إشعالها.
2.السعي إلى التهدئة ولعب دور الوسيط: هذا الخيار هو الأكثر حكمة وبراغماتية في ظلّ الظروف الراهنة. فمن مصلحة دول الجوار إعلاء مصلحة المنطقة وسلامها على أي مصلحة أخرى. ويمكن لهذه الدول أن تلعب دورًا محوريًا في تخفيف حدّة التوترات، وفتح قنوات اتصال بين الأطراف، والعمل على إيجاد حلول دبلوماسية تضمن استقرار المنطقة. لاسيما أن تاريخ المنطقة مليء بالصراعات التي لم تجلب سوى الدمار، والآن هو الوقت المناسب للحكمة والتعقل.
وختاماً، إن المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، خاصة بعد الضربة الأميركية الأخيرة على المواقع النووية الإيرانية وما تلاها من رد إيراني واتفاق وقف إطلاق النار، يضع المنطقة أمام تحدّيات وفرص غير مسبوقة. فالسؤال 'ألم يكن من مصلحة إيران منذ البدء أن تختار السلام وتتجنّب الضربة الأميركية؟' الأمر الذي يكتسب أهمية قصوى في ظلّ هذه الظروف. ولقد رأينا كيف أن الضربة والردّ المحدود عليها، ثم اتفاق وقف إطلاق النار، قد غيّرت قواعد اللعبة، وأدّت إلى تبخّر أو تأخّر الحلم النووي الإيراني الذي استثمرت فيه طهران سنوات طويلة من الجهد والموارد. ولذلك، فإن إيران، كقوة إقليمية كبرى، تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة في تحديد مسار الأحداث القادمة. فبين خيار التصعيد الذي كان من الممكن أن يؤدّي إلى كارثة إقليمية، وخيار الجنوح إلى السلام الذي بدا صعبًا في البداية، بدأ يُظهر مستقبل المنطقة. وإن مقولة كيسنجر بأن الهجوم يهدف لفرض شروط التفاوض، تشير إلى أن السلام قد خرج من رحم هذه الأزمة، ولكن بشروط جديدة. أما دول الخليج، فدورها كان حاسماً في هذه المرحلة. فالاصطفاف مع طرف ضد آخر هو وصفة كارثية، بينما السعي إلى التهدئة ولعب دور الوسيط هو المسار الأكثر أمانًا وحكمة. كما أن إعلاء مصلحة المنطقة وسلامها على أي مصلحة أخرى هو السبيل الوحيد لتجاوز هذه الأزمة. وفي النهاية، لا يمكننا التكهّن بما سيحمله المستقبل، ولكن ما هو مؤكّد أن الشرق الأوسط بعد 21 حزيران 2025 لن يكون كما قبله. والأمل يكمن في أن تسود الحكمة، وأن يتم اختيار مسار السلام الذي يحمي الأوطان والشعوب من ويلات الحروب؛ حمى الله وطننا وسائر الأوطان.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المنار
منذ 19 دقائق
- المنار
البرلمان الإيراني يقرّ تعليق التعاون مع الوكالة الذرية
صادقت لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني على تفاصيل مشروع قانون يلزم الحكومة بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في خطوة سياسية وأمنية لافتة تحمل رسائل حاسمة للداخل والخارج على حدّ سواء. وأوضح المتحدث باسم اللجنة، النائب إبراهيم رضائي، أن الاجتماع الأخير للجنة ناقش التطورات المتصلة بالعدوان الصهيوني الأخير على الجمهورية الإسلامية، مؤكدًا أن الجمهورية الإسلامية لم تدخل في أي 'هدنة' أو 'سلام'، بل أوقفت مؤقتًا الضربات، وهي على جهوزية تامة للرد الحاسم إذا ما أقدم العدوّ على أي حماقة جديدة. وكشف رضائي أن نائب وزير الخارجية الإيراني عرض خلال الاجتماع تفاصيل التحركات الدبلوماسية في الأيام الماضية، مشيرًا إلى أن طلب وقف الهجمات جاء من الإدارة الأميركية عبر إحدى الدول الإقليمية نيابة عن الكيان الصهيوني، وأكد أن إيران لم تتّخذ أي قرار بوقف الحرب، ولا تثق بالنوايا الصهيونية. وأشار إلى أن الاجتماع شهد تأكيدًا على موقف إيران الثابت من حسن الجوار، وحرصها على أمن المنطقة واستقرارها، كما تم التداول في رؤية اللجنة تجاه ضرورة محاسبة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة كجهات معتدية، والمطالبة بتعويضات عن الأضرار التي لحقت بالبلاد. ولفت إلى أن اللجنة شددت أيضًا على أهمية مقاضاة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية بسبب ما وصفته بـ'تقارير كاذبة' و'نشاطات تجسسية' طالت المنشآت النووية الإيرانية، كما حيّت اللجنة القوات المسلحة الإيرانية على شجاعتها وبأسها في مواجهة الاعتداءات الصهيونية. وبحسب رضائي، فإن المشروع المصادق عليه يلزم الحكومة، في ظلّ الهجمات الأميركية والصهيونية التي طالت المنشآت النووية السلمية الإيرانية، بتعليق كافة أشكال التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، استنادًا إلى المادّة 10 من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) والمادّة 60 من اتفاقية فيينا لعام 1969. ووفقًا لما ورد في نص المشروع، فإن استئناف التعاون مشروط بتوفير ضمانات سيادية كاملة للجمهورية الإسلامية، وبضمان عدم تفعيل 'آلية الزناد' المنصوص عليها في القرار الأممي 2231، على أن يتم تقييم هذه الشروط من قبل المجلس الأعلى للأمن القومي. وتأتي هذه الخطوة في إطار سياسة الحزم التي تنتهجها طهران في مواجهة العدوان، وفي ظلّ تأكيدها على التمسك بحقوقها النووية المشروعة، وفي مقدّمتها حق تخصيب اليورانيوم، المنصوص عليه في المادّة الرابعة من معاهدة الـNPT. المصدر: مواقع اخبارية


بيروت نيوز
منذ 20 دقائق
- بيروت نيوز
البرنامج النووي الإيراني تراجع شهرين فقط
على الرغم من نفي الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريقه كافة التقارير التي أشارت إلى عدم تدمير الضربات الأميركية التي طالت 3 منشآت نووية إيرانية البرنامج النووي الإيراني، أكد مصدر مطلع أنه لم يتم القضاء على مخزونات اليورانيوم المخصب في إيران. وقال المصدر الذي لم يكشف عن هويته لمناقشة أمور سرية، إن الضربات ربما أخرت البرنامج النووي الإيراني شهرا أو شهرين فقط، حسب ما نقلت وكالة رويترز فيما كشفت ثلاثة مصادر مطلعة أن تقييما أوليا للمخابرات الأميركية خلص إلى أن الهجمات الأميركية التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية مطلع الأسبوع أخرت برنامج طهران النووي بضعة أشهر فقط. وذكر اثنان من المصادر أن التقرير الأولي أعدته وكالة مخابرات الدفاع، ذراع المخابرات الرئيسية لوزارة الدفاع (البنتاغون) وواحدة من 18 وكالة مخابرات أميركية. خلاف كبير فيما كشف أحد المصادر أن التقييم لم يكن مقبولا بشكل عام وأثار خلافا كبيرا. لاسيما أن هذا التقييم السري يتعارض مع تصريحات الرئيس دونالد ترامب ومسؤولين أميركيين كبار، منهم وزير الدفاع بيت هيجسيث، إذ قالوا إن هجمات مطلع الأسبوع، التي استخدمت مزيجا من القنابل الخارقة للتحصينات والأسلحة التقليدية، قضت على أساس البرنامج النووي الإيراني. وقال ترامب إن الهجمات كانت ضرورية لمنع إيران من تطوير سلاح نووي، مضيفاً أن المواقع النووية المهمة 'قُضي عليها تماما وبصورة كاملة'. كما ذكر هيجسيث يوم الأحد أن الهجمات 'محت' طموحات إيران النووية'. في حين وصف المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف تسريب هذا التقييم السري بالخيانة، داعيا إلى محاسبة المسربين. وقلل من أهمية التقارير التي أشارت إلى ضآلة أثر الضربات الأميركية على المنشآت الإيرانية، معتبراً أنها سخيفة. مهمة صعبة في المقابل، رأى بعض الخبراء أنه المتوقع أن يكون تقييم الأضرار التي لحقت بالمواقع النووية في فوردو وأصفهان ونطنز مهمة صعبة، علماً أن وكالة المخابرات الدفاعية ليست الوكالة الوحيدة المكلفة بهذه المهمة، وفق رويترز وفي السياق، أكد مسؤول أميركي أن الولايات المتحدة لا تعرف مدى الضرر حتى الآن. في المقابل، أكد عدة مسؤولين إيرانيين أن البرنامج النووي لم يتوقف. وأعلن رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، أمس الثلاثاء، أن بلاده اتخذت ترتيبات مسبقة لاستعادة عمل القطاع النووي وإصلاحه. وقال في تصريح للتلفزيون الرسمي 'اتخذنا التدابير اللازمة مسبقاً، ونقيم الآن حجم الأضرار، وكانت الاستعدادات لإعادة تأهيل (المنشآت النووية) جزءاً من خطتنا، ويتمثل هدفنا في تفادي أي تعطيل بعمليات الإنتاج أو الصيانة'. إلا أن ترامب عاد وكرر مجددا اليوم الأربعاء أن المواقع النووية الإيرانية درمت بالكامل، وذلك رداً على التقييم الاستخباراتي. وكانت الولايات المتحدة ألقت نحو 12 قنبلة ضخمة تزن 30 رطلاً على منشأة فوردو الشديدة التحصين السبت الماضي، كما ضربت منشأتي نطنز وأصفهان، بعد أيام من الحرب والمواجهات المباشرة غير المسبوقة بين إسرائيل وإيران. ليعلن ترامب وبشكل مفاجئ أمس الثلاثاء وقف إطلاق النار بين البلدين.


التحري
منذ 28 دقائق
- التحري
باراك.. طرق الباب وينتظر الجواب
جاء في 'الراي الكويتية': هل يكون لـ «الإنزال الدبلوماسي» الذي نفّذه الرئيسُ الأميركي دونالد ترامب خلف خطوط الحرب العابرة للحدود بين إسرائيل وإيران، والتي أَعلن بـ «كبسة زرٍ» إطفاءها، «تأثيرُ الدومينو» على المساراتِ الأخرى المرتبطة، عبر «الأوعية المتصلة»، بالانفجارِ الأكبر الذي حوّل المنطقةَ على مدى 12 يوماً برميل «نار وبارود» اشتعلتْ فتائله الأخطر وكادت أن تحرق كل جسور العودة عن الصِدام المتعدد الجبهة؟ سؤالٌ فرض نفسه على بيروت، وهي تراقب ما يشبه وقف نار «الطوارئ» الذي باغَتَ به ترامب الأقربين والأبعدين و«أكره» إسرائيل عليه وألْزم إيران به، وبدا أنه حلقةٌ في الطريق إلى «السلام بالقوة» الذي بدأ يفْرَضَه بـ «مطرقة منتصف الليل» التي حقق بها لتل أبيب «الهدف الأكبر» للحرب مع إيران، بالتدمير المفترض لـ «أمّ المنشآت» النووية في فوردو، وفتَح البابَ أمام طهران، لردّ اختارت أن ينزلق إلى اعتداءٍ صارخ على دولة قطر وسيادتها وأمنها. وفي الوقت الذي كان العالم مأخوذاً بـ «الصدمات» المتوالية التي يفاجئ بها ترامب الجميع، بقراراتٍ في الحرب والسلم يصفها البعض بأنها أقرب الى «الارتجال» ويعتبر البعض الآخر أنها امتدادٌ لسلوك الرئيس الأميركي بـ «الارتحال» في خيارات الحد الأقصى من مقلب إلى آخَر، فإن لبنان «التقط أنفاسَه» التي حبَسها منذ 13 يونيو وهو يعدّ الساعات في انتظار أن تمرّ العاصفة الأعتى في الإقليم من دون أن يُقتاد إليها فـ «يعضّ الأصابع» ندماً. ورغم أن وقفَ النار الذي أعلنه ترامب بعدما حوّل نفسَه من حامل «العصا» كطرفٍ مباشر في الحرب إلى ضارب بـ«مطرقة» التحكيم بين «العدوين اللدودين»، كان أمس في فترة اختبارٍ دقيق لمدى صموده وهو ما تَسَمّرت عواصم الشرق والغرب لرصْده، فإنّ الجانب الخفيّ من سكْب المياه الباردة على «الحريق» الإقليمي الأكثر التهاباً خَطَفَ الاهتمامات عربياً ودولياً كما في لبنان الذي بدا معنياً أكثر من غيره بالتحري عن أرضية إطلاقِ «صافرة النهاية» لعملية «الأسد الصاعد» وكامل الإطار الناظم لِما بعدها وتالياً لمضامين الاتفاق الذي سيكرّس طيَّ صفحة المكاسرة الطاحنة. وإلى جانب عدم وضوح الرؤية حتى الساعة حيال مصير البرنامج النووي الإيراني الذي تؤكد طهران أنه «باقٍ» لأغراض سلمية وصناعية مقابل جزم ترامب بأن «لا تخصيب بعد اليوم ولا معاودة بناء للمنشآت»، راسماً ضمناً معادلة «بقاء النظام في إيران وترويضه لجعله شريكاً تجارياً مقابل التخلي عن النووي»، فإنّ «القِطَع المفقودة» في البازل الذي أفضى إلى إعلان وقف النار تحت عنوان «حان وقت السلام» تشمل أيضاً مصير الجبهات الأخرى خصوصاً لبنان وغزة، وسط أسئلة حول هل ينسحب «لجْمُ» الولايات المتحدة لتل أبيب عن مزيدٍ من الضربات لإيران على «أذرعها» ولا سيما «حزب الله»، وهل اشتملتْ تفاهماتُ «الأحرف الأولى» بالحبر السري بين طهران وواشنطن على أن تتولى الأولى ضبْط وكلائها وردعهم عن أي استهداف لإسرائيل في انتظارِ استئناف مفاوضات الطاولة؟ «السلة الواحدة» وفي حين بدا من المبكر استشرافُ هل سيكون التفاوض «شاملاً» لكل الملفات معاً، النووي والبالستي والأذرع، وهي «السلة الواحدة» التي أصرت عليها تل أبيب من الأصل، وهل يكون ذلك «تعويضاً» لإسرائيل عن عدم مراعاتها في رغبتها بتغيير النظام الإيراني، أم أن الأولوية الأكثر إلحاحاً تبقى لموضوع النووي وتحديد مواقع اليورانيوم المخصّب وهل دُفن كله في أعماق فوردو أم «نجا» قسم منه وإين حُفظ، فإن أوساطاً مطلعة ترى أن ملف «حزب الله» بات يَحكمه واقعياً مَسارٌ أميركي يفترض أن يكتسب مزيداً من الطابع الضاغط في ضوء السلوك «الزاجر» الذي أظهره ترامب حيال إيران وملفاتها. ومن هنا يسود اقتناعٌ بأن لبنان سيخطئ في حال مضى في سياسة إبطاء قضية سحب سلاح «حزب الله» وربطها مجدداً بمآلات ما بعد حرب الـ 12 يوماً، خصوصاً أن الموفد الأميركي الى سوريا توم باراك الذي سيعود إلى بيروت بعد أقل من 3 أسابيع سيحلّ عليها هذه المرة على وهج خلاصات المطاحنة الإسرائيلية – الإيرانية والانخراط «الجِراحي» لأميركا فيها. ولم يكن عابراً أن تتقاطع المعطيات عند أن باراك نبّه المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم الأسبوع الماضي، من أي مماطلة في ملف «حزب الله» ومن اختبار صبر ترامب، وسط تقارير عن أن هؤلاء ينكبّون على مناقشة المقترح الذي قدّمه إليهم لصوغ جواب موحّد عليه، وأن لبنان يميل إلى السير يمنطق «الخطوة مقابل خطوة» بمعنى أن تبدأ إسرائيل بالانسحاب من التلال الخمس التي مازالت تحتلها وتتعهد بوقف اعتداءاتها في مقابل أن تلاقي بيروت ذلك بتفعيل تنفيذ تعهُّدها بسحب سلاح الحزب وربما بموجب جدول زمني أو تحت سقف قرار في مجلس الوزراء.