logo
هل اعترفت الصين أخيراً بمشكلتها الصناعية؟

هل اعترفت الصين أخيراً بمشكلتها الصناعية؟

الشرق الأوسطمنذ يوم واحد
لطالما اتهمت الدول الغربية، الصين، بإغراق الأسواق بما يعرف بظاهرة «الطاقة الإنتاجية الفائضة»، التي باتت تُرى في واشنطن وبروكسل على أنها تهديد لاستقرار الاقتصاد العالمي ومصدر اضطراب في الأسواق الناشئة والمتقدمة على حد سواء، وتدور هذه الانتقادات حول قيام الصين، وبفعل حكومي وتخطيط مركزي، بضخ كميات هائلة من المنتجات الصناعية في الأسواق العالمية بما يفوق قدرتها الاستيعابية، بما يؤدي إلى انهيار الأسعار وتآكل هوامش الربح العالمية، ومن ثم خروج العديد من اللاعبين غير الصينيين من السوق بسبب عدم القدرة على المنافسة. وقد رفضت الصين مراراً هذه الاتهامات مؤكدة أنها تؤمن بحرية الأسواق، ولا تخالف قوانين منظمة التجارة العالمية، ولكن الصين اعترفت مؤخراً بوجود مشكلة لديها ترتبط بكثافة الإنتاج، لكنها ليست المشكلة نفسها التي يشير إليها الغرب.
فمن وجهة النظر الغربية، فإن الإنتاج الفعلي في الصين أعلى بكثير من قدرة السوق الاستيعابية عند مستويات سعرية معقولة ومربحة، وهو ما يطلق عليه «الطاقة الإنتاجية الفائضة»، وهي ظاهرة لا تقتصر على الصين وحدها، لكن الغرب يؤمن بأن هذه الظاهرة في الصين تتخذ طابعاً مؤسسياً ممنهجاً بفعل السياسات الصناعية التي تقودها الحكومة المركزية، والدعم الواسع الذي تقدمه الحكومات المحلية لمجمعات صناعية في سعيها لتحفيز النمو وتحقيق أهداف الناتج المحلي، وهذا الخلاف لم يعد مجرد نقاش اقتصادي، بل امتد إلى أروقة السياسة والتجارة الدولية، والغرب، بالإضافة إلى الهند والبرازيل، أعربوا عن قلقهم بشأن الفائض الإنتاجي الصيني المدعوم بإعانات ومزايا غير سوقية، وهو ما يقوّض المنافسة العادلة ويهدد قطاعات ناشئة لدى هذه الدول، خصوصاً في مجال الطاقة الشمسية، حيث تنتج الصين اليوم أكثر من 80 في المائة من الألواح الشمسية في العالم، وتسيطر على سلاسل توريد البطاريات والسيارات الكهربائية.
أما الصين فهي ترفض هذا المنطق، وترى فيه ازدواجيةً في المعايير، فقد استشفت الصين وجود فجوة بالسوق في العديد من المجالات التي يتوجه إليها العالم، منها السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة، وهي احتياجات للسوق الصينية، كما أنه احتياج السوق العالمية، وعندما استثمرت الصين في صناعات الطاقة المتجددة، لم يكن هذا الاستثمار وليد طموحات تصديرية فحسب، بل هو استجابة لحاجة حقيقية في الداخل ولضرورات مناخية عالمية، بل إن الصين ترى أنها وفرت بدائل منخفضة التكلفة وعالية الكفاءة في سوقٍ لم تكن لديه حلول متاحة من قبل، خصوصاً في مجالات تقنية معقدة كالطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية، وما ينتقده الغرب في الصين في التجارة هو ما يفتخر به في محافل أخرى، وذلك في خفض تكلفة الألواح الشمسية بنسبة تصل إلى 80 في المائة، ولم يكن ذلك ليحدث لو لم تدخل الصين هذه الصناعة، وينطبق الأمر ذاته على السيارات الكهربائية، فقد تسببت المنافسة الحادة بدخول الصين هذا المجال بتقليص أسعار بعض الطرازات للنصف، وهو ما سرّع وتيرة تبني الطاقة النظيفة في أسواق متعددة من جنوب شرق آسيا إلى أوروبا.
ولكن ما اعترفت به الصين مؤخراً هو وجود حرب أسعار في الداخل، بما يُعرف بالخطاب الاقتصادي الصيني بمصطلح «نيجوان»، وهو دخول السوق في حلقة مفرغة من التنافس غير المنتج، بخفض الأسعار دون الربحية بهدف الاستحواذ على حصص سوقية أكبر، وسبب هذه الظاهرة هو فائض الطاقة الإنتاجية، الذي ينتقده الغرب، فدعم الحكومات المحلية المستمر يزيد الطاقة الإنتاجية للمصانع، ومع تباطؤ الطلب المحلي بسبب أزمة العقارات الصينية، وندرة فرص التصدير مع ازدياد الحماية الاقتصادية العالمية، أصبحت الشركات تسعى إلى تصريف منتجاتها بأي ثمن، حتى لو باعتها دون سعر التكلفة، وقد أشار أحد المصانع إلى أنها تبيع منتجاتها بأقل من سعر التكلفة لمجرد الحفاظ على العاملين، على أمل أن تتحسن الأوضاع في المستقبل القريب.
إن فائض الطاقة الإنتاجية في الصين ظاهرة سببت الضرر للصين نفسها، وهي نتاج اختلال هيكلي في النموذج الصناعي الصيني الذي يحفز النمو بتحفيز القدرة الإنتاجية، وليس بزيادة الكفاءة والجودة، والخروج من هذه الحلقة، أو «نيجوان»، يتطلب إصلاحات هيكلية تشمل تقليص الدعم غير الفعّال وتحفيز الطلب المحلي، والحديث في الداخل الصيني اليوم يدور حول القوى الإنتاجية عالية الجودة، وهي صيغة تسعى لإعادة تعريف الطموح الصناعي بعيداً عن مجرد التوسع الكمي، نحو التصنيع الذكي المبتكر والكفء، وإذا ما طبقت هذه الاستراتيجية على أرض الواقع فقد تمثل تحولاً نوعياً في علاقة الصين بالعالم الاقتصادي، وتعيد تعريف الصناعة الصينية من جديد.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

البرازيل.. المحكمة العليا تضع الرئيس السابق بولسونارو قيد الإقامة الجبرية
البرازيل.. المحكمة العليا تضع الرئيس السابق بولسونارو قيد الإقامة الجبرية

الشرق السعودية

timeمنذ ثانية واحدة

  • الشرق السعودية

البرازيل.. المحكمة العليا تضع الرئيس السابق بولسونارو قيد الإقامة الجبرية

أمرت المحكمة العليا في البرازيل بوضع الرئيس السابق جايير بولسونارو قيد الإقامة الجبرية، في إطار محاكمته على خلفية مزاعم بتورطه في مؤامرة لقلب نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2022، وفق ما نقلت CNN. وأصدر القاضي ألكسندر دي مورايس القرار الاثنين، مشيراً إلى أن بولسونارو "لم يلتزم بالقيود السابقة التي فرضتها عليه المحكمة، بما في ذلك حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة". وقالت المحكمة إن بولسونارو "سجّل خطابات بهدف نشرها على حسابات تابعة لأشخاص آخرين على وسائل التواصل، وكان سوار المراقبة الإلكتروني في كاحله ظاهراً خلال هذه المقاطع"، وهو ما اعتبره القاضي انتهاكاً لأمر سابق يمنع استغلال المقابلات أو الخطابات العامة أو الخاصة في منشورات على حسابات طرف ثالث. وسيخضع بولسونارو للإقامة الجبرية في منزله، مع منع استقبال الزوار باستثناء محاميه أو من يتم التصريح لهم من قبل المحكمة، وفق CNN. وكان ترمب وجه في رسالة إلى نظيره البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، يوليو الماضي، انتقادات حادة ضد محاكمة بولسونارو، واصفاً إياها بأنها "مطاردة سياسية يجب أن تتوقف فوراً". تقييد حركة بولسونارو وفي يوليو الماضي، أصدرت المحكمة العليا مذكرات تفتيش وأوامر تقييد بحق بولسونارو بما يمنعه من الاتصال بمسؤولين أجانب، لاتهامه بالتواطؤ لتسهيل تدخل الرئيس الأميركي دونالد ترمب في شؤون البلاد. وداهمت الشرطة الفيدرالية منزل بولسونارو وأمرته بوضع جهاز مراقبة في الكاحل، ما زاد من الضغوط القانونية التي يسعى ترمب لتخفيفها بفرض رسوم جمركية مرتفعة على السلع الواردة من البرازيل. وأضاف القرار الذي اتخذته المحكمة إلى مؤشرات على أن أساليب ترمب مع البرازيل قد تسفر عن نتائج عكسية بزيادة مشكلات بولسونارو وحشد تأييد الجماهير للحكومة اليسارية بسبب موقفها المتحدي للرئيس الأميركي. ومنع القرار الذي أصدره ألكسندر دي مورايس قاضي المحكمة العليا بولسونارو من الاتصال بمسؤولين أجانب واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والاقتراب من السفارات وقال إن القرار جاء استناداً إلى وجود "احتمال قوي" لفراره من البلاد. "أريد جواز سفر للقاء ترمب" ورداً على تلك القيود، قال بولسونارو في 19 يوليو، إنه سيلتقي ترمب إذا تمكن من الوصول إلى جواز سفره. ووصف بولسونارو مورايس "بالديكتاتور" في مقابلة مع "رويترز" بمقر حزبه. وقال بولسونارو لـ"رويترز"، إنه يعتقد أن أوامر المحكمة جاءت للرد على انتقاد ترمب لمحاكمته أمام المحكمة العليا. ويأتي هذا في وقت أعلن فيه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الجمعة، إلغاء تأشيرات دخول الولايات المتحدة للقاضي بالمحكمة العليا البرازيلية ألكسندر دي مورايس وحلفائه وأفراد أسرهم، بسبب ما وصفه بـ"حملة اضطهاد" ضد بولسونارو. وأفادت صحيفة "أو جلوبيو" البرازيلية، بأن واشنطن ستسحب التأشيرات من 7 قضاة آخرين في المحكمة العليا، بالإضافة إلى القاضي دي مورايس، وهو ما يعني أن القضاة الوحيدين في المحكمة الذين ستبقى تأشيراتهم سارية هم أندريه ميندونكا ونونس ماركيز، اللذان عينهما بولسونارو خلال رئاسته، بالإضافة إلى القاضي لويز فوكس. وذكر روبيو في منشور على منصة "إكس"، أن الإدارة الأميركية "ستحاسب أي مواطن أجنبي يشارك في فرض رقابة على حرية التعبير المحمية داخل الولايات المتحدة".

بدء محادثات بين كمبوديا وتايلاند وسط هدنة هشة
بدء محادثات بين كمبوديا وتايلاند وسط هدنة هشة

الرياض

timeمنذ ثانية واحدة

  • الرياض

بدء محادثات بين كمبوديا وتايلاند وسط هدنة هشة

بدأت محادثات تمهيدية بين مسؤولي الدفاع في تايلاند وكمبوديا أمس الاثنين في ماليزيا قبيل عقد اجتماع وزاري مهم يوم الخميس، في ظل استمرار هدنة هشة بعد أسبوع من اتفاق الجانبين على وقف إطلاق النار. وجرى التوصل إلى وقف إطلاق النار، الذي جاء بعد اشتباكات حدودية بين كمبوديا وتايلاند استمرت خمسة أيام، خلال اجتماع عقد في ماليزيا بمشاركة الولايات المتحدة والصين يوم الاثنين الماضي. وشهدت أسوأ معركة بين الجارتين في جنوب شرق آسيا منذ أكثر من 10 أعوام تبادلاً لنيران المدفعية وغارات لطائرات مقاتلة، مما أسفر عن مقتل 43 شخصاً على الأقل ونزوح أكثر من 300 ألف شخص على جانبي الحدود. وقالت السلطات في الدولتين إنه من المقرر أن يعقد وزيرا دفاع البلدين اجتماعاً للجنة الحدود العامة لبحث كيفية الحفاظ على وقف إطلاق النار. وسيحضر الاجتماع الذي سيعقد يوم الخميس ممثلون عن الولايات المتحدة والصين وماليزيا. ولا تزال حالة انعدام الثقة بين الجارتين قائمة على الرغم من المحادثات الجارية، إذ وجهت وزارة دفاع كمبوديا اتهامات لتايلاند في بيان بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار من خلال استخدام حفارات ووضع أسلاك شائكة في منطقة حدودية متنازع عليها.

خارج الصندوقالرأي الاقتصادي بين التحليل والتأثير
خارج الصندوقالرأي الاقتصادي بين التحليل والتأثير

الرياض

timeمنذ ثانية واحدة

  • الرياض

خارج الصندوقالرأي الاقتصادي بين التحليل والتأثير

في عالم الاقتصاد، لا تتحرك الأرقام في فراغ، بل تسبقها أو تصاحبها موجات من التصريحات، والتقارير، والتغريدات، وكل ما يُصنَّف تحت مسمى 'الرأي الاقتصادي' ولم يعد هذا الرأي ترفًا فكريًا أو مادة للنقاش العابر، بل أصبح عنصرًا فاعلًا في حركة الأسواق، وقرارات المستثمرين، وبناء الثقة أو تقويضها بين أطراف المشهد الاقتصادي، فعندما يأتي الرأي محمّلًا بالتحليل الرصين والمعرفة العميقة، يغدو أداة فاعلة في توجيه السياسات وتحفيز الإصلاح، وقد رأينا كيف قادت تحليلات مسؤولة إلى مراجعات جوهرية أثمرت عن تحولات إيجابية، بدأت بفكرة ونضجت إلى قرار وفي المقابل، هناك آراء تفتقر إلى الأسس المعرفية، تنطلق من انطباعات شخصية وتحركها أجندات خفية، آراء هدفها الإثارة لا التنوير، تزعزع الثقة عبر مبالغات لا تستند إلى واقع، تُلبس التهويل ثوب التحليل، تتداول هذه الآراء في بيئات رقمية تفتقر إلى التحقق والتمحيص، فتتسلل إلى وعي المتلقي دون مقاومة، وتشكل في النهاية ضغطًا نفسيًا وسلوكيًا على المستثمر وصانع القرار، مما يدفع الأسواق إلى تذبذب غير مبرر، وعلى الطرف الآخر، يواجه بعض الاقتصاديين الجادين حالة من الحساسية المفرطة لدى بعض الجهات تجاه أي رأي ناقد، حتى وإن كان موضوعيًا، ومدعومًا بالبيانات، وهذا قد يخلق فجوة خطيرة بين صانع القرار والمراقب المهني، ويقلّص من فرص التحسين عبر النقاش المسؤول، فليس كل نقد تهجمًا، وليس كل رأي معارضًا خصمًا، بل أحيانًا يكون صوت النقد هو ما يحفظ التوازن ويوقظ الانتباه لمواطن الخلل. الرأي الاقتصادي ليس كلمات عابرة، بل قوة ناعمة، قادرة على تحفيز الإصلاح أو التسبب في الإرباك، على بناء الثقة أو تقويضها، ولهذا فإن حرية التعبير في هذا المجال ليست مطلقة، بل مشروطة بالفهم، والتثبت، والانضباط، فالمجتمعات لا تحتمل التضليل، والأسواق لا تحتمل التهويل، والاقتصاد لا يحتمل أن يصبح الرأي فيه سلعة منفلتة من قواعد المسؤولية، فالرأي ليس خصمًا للقرار، بل مكمل له إذا صيغ بعقل، وكانت غايته الصالح العام.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store