logo
سيزيف غزة يحمل خيمة لا صخرة!

سيزيف غزة يحمل خيمة لا صخرة!

الجزيرةمنذ يوم واحد
مالت الشمس نحو الغروب، وسقطت في حضن البحر فامتلأت أمواجه بالأصيل الدافئ المحبب إلى النفس، وخرج الرجال إلى مجالسهم الصاخبة بالحوار والمناقشات السياسية، وركنت النساء إلى الراحة بعد يوم صيفي طويل، أمضينه في إشعال النار وطهي الطعام وغسل الملابس على الأيدي والأكف، وجاءت سويعات العصر الناعسة المليئة بالهيام نحو الهدوء، والخلوة إلى النفس أو الترويح عنها.. إلا في غزة، وفي ذاك اليوم على وجه التحديد.
كان الليل قد زحف سريعاً، فحلت العتمة، وامتدّ الظلام الذي خيم على قلوبنا، وجمّد معها مشاعرنا ومحاجر الدمع في عيوننا، ثم استلقينا على فراشنا نطلب النوم وهو متمنع عنا..
ففي عصر يوم الاثنين، صدرت أوامر تقضي بالإخلاء الفوري لحينا والأحياء المجاورة، فتبددت الراحة الواهية المتوشحة والمغلفة بأصوات الصواريخ والتفجيرات التي كنا نسمعها يوميًّا وساعيًّا في المدينة، ودار الرجال لا يدرون ما يصنعون في ظل حرب لا تُقعي ولا تهدأ، لا يدرون ماذا يصنعون، فأوامر الإخلاء المجحفة صدرت في أعقاب اليوم، والشمس أوشكت على الذوبان في البحر.
دلف الرجال والأطفال إلى البيوت هائمين تائهين، يتنتاقشون مع أهل بيتهم متبادلين نظرات حيرى ووجلة دون أن يهتدوا لفكرة أو حل، ثم خرجوا مجدداً إلى الشارع. تجمع الجيران مع بعضهم وقد قرروا أن يبيت أهالي الحي في بيوتهم الليلة، وفي الصباح يرتحلون، وهكذا عاد الجميع إلى بيوتهم، وخلا الشارع إلا من بعض السابلة المضطربة. وبدأت مع ذلك مرحلة جمع الحقائب وترتيبها، وأخذ ملابس تكفي للفصول الأربعة كلها؛ خوفاً من استطالة أمد النزوح أو من نسفٍ للبيوت، وأخْذِ بعض الأدوات المنزلية، وقوارير فارغة لجلب الماء.
كان الليل قد زحف سريعاً، فحلت العتمة، وامتدّ الظلام الذي خيم على قلوبنا، وجمّد معها مشاعرنا ومحاجر الدمع في عيوننا، ثم استلقينا على فراشنا نطلب النوم وهو متمنع عنا.. كنا نريد أن ننام، لم نكن ننام في مدينتنا البركانية المحتشدة سماؤها وأرضها بالحمم والقذائف (خان يونس)، ولا يغضي لنا جفن، وزاد أن أمامنا يومًا قاسيًا طويلًا مريرًا في الغد، ولكن النوم هرب بعيدًا من ثقل ما نحن فيه، فلم نلتقِ معه في أي وقت.
كيف ينام الإنسان؟ وكيف يشعر في آخر ليلةٍ له في بيته الذي لا يعرف إن كان سيعود له أم لا؟! كنت والحائط نجري حواراً صامتاً بيننا، أسمعه يغص في البكاء وهو يحادثني، وأمسح أنا على صفحته الباردة علّه يسكن أو يهدأ، حسدته لبكائه، ومقدرته على ذلك، فاستحال هو شخصًا ذا قلب بائس من الحزن والقهر، وأمسيت أنا بلا روح أو نفس، وبقيت أتقلب كحال الجميع في البيت والحي.. كيف استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت ليلة الهجرة؟ وكيف انقضى عنه الوقت؟ وكيف كان قلبه وهو يخرج من أحب البقاع لقلبه؟ لقد كان معه وعد ربه: {إن الّذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معادٍ}… فياربِّ اجعل لنا معادًا حقًّا في بيوتنا ومدينتنا.
مات النهار في ذاك الصباح، رغم أن الشمس أشرقت، وشككت في طلعتها وضوئها، فلم أسمع يومها زقزقة أو شقشقة للعصافير، أكانت هي الأخرى تحزم متاعها مثلنا؟! جمعنا ما استطعنا جمعه في حقائبنا، كنت أتحاشى النظر لأشيائي وأغراضي، أحاول ألا تُطبع في ذاكرتي التي تركتها؛ لكيلا أستحضرها لاحقاً فأقعي من الحزن في بداية الطريق. وحُمِّلت الأغراض في الشاحنة، وكانت عدة شاحنات أخرى مصطفة في الحي، كل بيت وقفت أمامه شاحنة أو سيارة أو عربة كارو؛ لنقل المتاع عليها.
كانت تتردد في مخيلتي كلمات مشهد "درويش"، وهو يبكي بها على المنصة، حين كان يرثي وطنه: ماذا نسينا وراءنا؟ وكنت أستبدلها بـ"ماذا تركنا وراءنا؟"، كشعورٍ بالذنب والخيانة لتركنا بيتنا الجريح، والمثخن بالآلآم.
على قارعة الطريق اصطففنا وتكدسنا، افترشنا الأرض والرمل من طول الانتظار، لا نعرف أين الوجهة أو المستقر، تركنا خلفنا بيوتنا مجددًا، نياط القلب معقودة بها، وكلما ابتعدنا كانت تشدنا أكثر فأكثر، فتصبح هذه النياط كالأوتاد الحادة تتمزق داخلنا فننزف دماً. مادت بنا الأرض وارتجّت تحتنا، وتعطلت السيارة، ونامت عجلاتها معلنةً استسلامها وأنها ماتت إثر ذبحة أصابت صدرها! حاول السائق عبثًا تصليحها، تحدث معها، أخبرها بأننا مجبورون، تمنعت وقالت: كل من في داخلي يبكي وينزف، فكيف أسير بهم إلى لحودهم حيث النزوح والتشريد، ونشيج بيتهم أسمعه يُذوي القلب؟ أسير فقط إن عدتُ بهم، وعانقوه لعله يهدأ من حنينه إليهم.
مرت الساعات، ساعة تلو الأخرى، والشمس الباردة أصبحت فوق الرأس، وتماثل الظل مع الجسد، ينظر الناس إلينا ونحن مفترشات مكانًا نجهله ويجهلنا، ويلعنون الاحتلال وكل من كان سبباً في ما نحن فيه. لم نستطع أن نبكي أو نتذمر أو نغضب، كنا كمن يسير إلى موته وحتفه، ولا حيلة له ولا يد ولا قرار.. أنعودُ أدراجنا إلى حيث ننتمي؟ فلمَ خرجنا إذن؟! لأننا تلقينا أوامر تقضي بالإخلاء الفوري تحت النار والدم أو الموت.
وكأن الموت أسوأ مما نحن فيه، قلنا ألف مرةٍ ومرة: إن النزوح أسوأ من الموت، فنلنعد لحينا، ونجلس مع بيوتنا ونتآنس مع جدرانها، ولا يهم إن حوصرنا أو طوقتنا نيرانهم ومدرعاتهم، لا يهم إن هطلت المدافع على البيوت، أو تسللت مسيَّرات وطائرات انتحارية، وفجَّرت المنزل بنا.
ولكن، ماذا إن هطلت علينا الصواريخ أو البراميل المتفجرة، وسقطنا مع حجارة البيت سقوطاً فوضوياً، وآلَ بنا الحال إلى بقائنا متمددين تحت الأنقاض وبيت الحجارة، مختنقين لا نحن أحياء ولا أموات؟ ماذا إن بقينا نحتضر لأيام دون مدد، أو غوث؟ كيف لقلوبنا أن تتحمل أن تسمع صوت استغاثة قلب أمها أو أبيها وأشقائها تحت الأنقاض، ولا حيلة لنا لإنقاذ بعضنا أو أنفسنا؟ أنبقى تحت الأنقاض نسمع حشرجات بعضنا، وتراخي أجسادنا وانسحاب الأرواح منا، فنصبح شهداء مفقودين، أو يأخذ واحد منا لقب (الناجي الوحيد)؟
ما كل هذه التفاصيل المرعبة والمخيفة؟ ومن أين تجمعت؟ وكيف تجدست في أخلادنا؟ أنخاف من التفاصيل؟ أهي ما يمنعنا من البقاء في بيوتنا؟ وأية تفاصيل هذه؟! إذن، لننتظر حتى عودة السائق الذي ذهب ليبحث عمن يساعده في تصليح السيارة المعترضة وسط الطريق.
بقينا لثلاث ساعات، قضاها الأطفال بالتذمر والبكاء، أو اللهو بلا فهم أو معرفة لما يدور حولهم، وبعض من الفتيات يضحكن بلا سبب، كنّ يضحكن لكل ما هو مبكٍ، المحظوظ منا من بكى، فنحن في غالبيتنا لم نستطع ذلك، ولم نرده أو نفكر فيه، نحن لا نعلم شيئاً، كإنسان حجري أُسقط في أرض لا يعرف طبيعتها، ولا مادتها، ينزف منه الدم، فيظنه شراب توت فيتذوقه، فيجده صلدًا فيمجه خارج فمه.
عاد السائق وارتحلنا من جديد نحو وجهتنا التي لا نعلمها، وسارت بنا السيارة متثاقلة، وحطت على رصيف بارد لا نعرفه ولا يعرفنا، مالت الشجيرات الصغيرات تستطلع القادمين، وكذلك رفعت الحجارة قامتها في محاولة لإشباعِ فضولها
أين نحن؟ وكيف أضحينا هنا؟ كنا في الصباح في بيوتنا، ويوم أمس كنا في مثل هذا الوقت نُعدُّ الغداء ونصلي الظهر، أية سرعة جنونية هذه في غزة بلا استعدادٍ أو تحضيرٍ مسبق؟! كنا نتحاشى أفكارنا، ونحاول ألا نتقاطع معها في أية دقيقة أو ثانية، خوفاً من الغرق فيها أو الانهزام أمامها، يعطينا الناس ماءً لأجل الأطفال ورحمةً بهم وبنا.
عاد السائق الذي لم ننتظر عودته، فقد سدّ بعودته آخر فرصة للعودة إلى البيت، أكان لدينا أمل في أن نعود أدراجنا ذاك النهار؟ لقد تمنينا الموت مراراً وتكراراً في دواخلنا، ليس يأساً، ولكن من شدة وهول ما أصابنا، نريد أن ينتهي هذا الجنون، والظلم، والألم، والقهر.. أن يتوقف نزيف قلوبنا.
عاد السائق وارتحلنا من جديد نحو وجهتنا التي لا نعلمها، وسارت بنا السيارة متثاقلة، وحطت على رصيف بارد لا نعرفه ولا يعرفنا، مالت الشجيرات الصغيرات تستطلع القادمين، وكذلك رفعت الحجارة قامتها في محاولة لإشباعِ فضولها. حملنا حقابنا ووضعناها أرضاً، وجلسنا فوقها، وتجمدنا، عيوننا ذاهلة، تنصب نظراتنا في اللاشيء ونحوه! ثم ماذا؟ إلى متى سنجلس هكذا؟ هذا ليس بيتنا، وليس مسكننا، وكيف ستسكن أرواحنا فيه، كيف ستمر الساعات علينا، وكم يومًا سنبقى هنا، وعلى هذه الحال؟
لمَ لا نعيش كما يعيش الآخرون، كما تحيا جميع الكائنات؟ لكل حي عش وبيت يأوي إليه، ويحميه من كل ما هو مؤذٍ ومخيف، إلا الغزيّ، فلا يفصله ولا يحول بينه وبين الموت أو الخوف إلا قماش بالٍ، تُغرقه الأمطار شتاءً، والندى صباحاً أو صيفاً
كم مرةً سنموت؟ وأي قهر سيُذوينا؟ وكم حدثاً جسيماً سيمر علينا دون أن ينجح في تحريكنا؟ وكم موقفاً صغيراً سيبكينا؟! ما الذنب الذي ارتكبه الغزّيون ليعانوا بهذا الشكل؟ ما الإثم الذي يوصل الإنسان لهذا الحال؟ أية كفارة هذه التي ندفعها بقلوبنا، وأجسادنا؟ ما الذي جنيناه حتى نموت مرتين، فمرة نموت في الحياة، ومرة نموت عند الموت؟ أم إن موت الغزي فيه حياة له، خلاص من هذه المصائب التي لا تتوقف عن الانصباب كشلال أسود هادر؟ هل حُكِم على الغزي أن يحمل أغراضه كصخرة سيزيف ولا يستقر مكانها، فيبقى ويشقى في العذاب المستمر هذا؟
لمَ لا نعيش كما يعيش الآخرون، كما تحيا جميع الكائنات؟ لكل حي عش وبيت يأوي إليه، ويحميه من كل ما هو مؤذٍ ومخيف، إلا الغزيّ، فلا يفصله ولا يحول بينه وبين الموت أو الخوف إلا قماش بالٍ، تُغرقه الأمطار شتاءً، والندى صباحاً أو صيفاً، وتقتلع الرياح بيته، وتحمله بعيداً لوجهة يجهلها كمارد ضخم أراد الانتقام، وتصليه حرارة الصيف نهاراً. ما الذي جنيناه كي نحتمل ما لم يحتمله حي على البسيطة؟ كل الطيور تأوي إلى أعشاشها، والكائنات كلها تعود إلى بيوتها.. إلا الغزي! عرَّوه من بيته وحيه وجيرانه وأحبابه.
إلامَ سيستمر هذا الحال؟ أستكون لنا بيوت على الأرض، أم إن بيوتنا هناك تُبنى في السماء؟!
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

صحافة عالمية: تفاؤل حذر بشأن محادثات غزة وسط هيمنة أميركية متزايدة
صحافة عالمية: تفاؤل حذر بشأن محادثات غزة وسط هيمنة أميركية متزايدة

الجزيرة

timeمنذ 18 دقائق

  • الجزيرة

صحافة عالمية: تفاؤل حذر بشأن محادثات غزة وسط هيمنة أميركية متزايدة

تناولت صحف عالمية التطورات الأخيرة في ملف الشرق الأوسط ، حيث أظهرت تحليلات متنوعة للمشهد السياسي والإنساني، مع التركيز على محادثات وقف إطلاق النار في غزة والتحولات الجيوسياسية الواسعة بالمنطقة. ووفقا لمجلة إيكونوميست، فإن ثمة ما يدعو للتفاؤل بأن الجولة الحالية من المحادثات بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ستنتهي باتفاق، مشيرة إلى عدة عوامل محورية في هذا التقدير. ومن دواعي التفاؤل -بحسب المجلة- أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، بعد أن فرض وقف إطلاق نار بين إيران وإسرائيل، أصبح معجبا بفكرة أنه صانع سلام، وقد أوضح أنه يتوقع من الجانبين قبول الاتفاق، مؤكدا أنه سيكون حازما مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية. وأضافت المجلة أن من الأسباب الأخرى للتفاؤل أن نتنياهو يسعى للحصول على دعم ترامب لضرب إيران إذا تطلب الأمر، وهو ما يشكل حافزا له لقبول اتفاق في غزة هذه المرة. وفي السياق ذاته، ذكرت صحيفة غارديان أن العلاقة الشخصية بين نتنياهو وترامب كانت معقدة، لكن الرجلين ظهرا على وفاق منذ القصف الأميركي لمنشآت نووية إيرانية، الذي حقق هدفا رئيسيا لمخططي الحرب الإسرائيليين. وتنقل الصحيفة عن مراقبين أن نتنياهو يزور واشنطن في وضع سياسي قوي قد يمنحه الغطاء الدبلوماسي الذي يحتاجه لإنهاء الحرب في غزة دون صدام مع أنصاره اليمينيين الذي ربما يطيح بحكومته. وفي تحليل آخر للمشهد الإقليمي، نشر موقع ناشونال إنترست مقالا عما اعتبرها هيمنة مطلقة أصبحت تتميز بها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وجاء في الموقع أن واشنطن، ولأول مرة منذ 3 عقود، تتمتع بهيمنة لا مثيل لها على المنطقة، وهي هيمنة تمنح إدارة ترامب فرصة فريدة لتنفيذ اتفاق سلام دائم أبعد مما تحقق حتى الآن، ويرى المقال أن البداية يجب أن تكون من تهيئة الظروف لإنهاء الحرب في غزة. وبينما تتركز الأضواء على المفاوضات السياسية، كشفت تقارير صحفية عن تفاقم الأوضاع الإنسانية على الأرض. فقد كشف تحقيق أجرته صحيفة واشنطن بوست أن برنامج ما تسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" لتوزيع المساعدات أدى إلى تجمعات حاشدة قرب مواقع للجيش الإسرائيلي، الذي أطلق النار عليها 3 مرات على الأقل خلال الأسبوع الأول. ونقلت الصحيفة عن شهود أن إطلاق النار مصدره مواقع لدبابات ومسيرات إسرائيلية، مضيفة أن من أسباب هذا العنف تجاهل معايير توزيع المساعدات التي تحولت إلى سبب للموت بدلا من الحياة. وفي جانب آخر من الأزمة الإنسانية، نشرت صحيفة هآرتس تحقيقا عن الأسرى الفلسطينيين في سجن مجدو ب الضفة الغربية ، ووصفت أوضاعهم بالمأساوية، والتقت الصحيفة الفتى إبراهيم البالغ 16 عاما بعد الإفراج عنه من السجن المذكور بقرار من لجنة مختصة لأن تدهور صحته أصبح يهدد حياته. ويقول إبراهيم أنه عانى من الجرب المتكرر، ومن أمراض الأمعاء إضافة إلى التجويع والإهمال الطبي والضرب، وتشدد الصحيفة على أن سجناء آخرين عانوا مثل إبراهيم، لكن بعضهم أقل حظا منه لأنهم توفوا في تلك الظروف. وفي إطار التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب في غزة، أوردت صحيفة فايننشال تايمز أن معهد توني بلير ، الذي أسسه ويديره رئيس الوزراء البريطاني السابق، شارك في وضع خطة لما بعد الحرب على غزة. واقترحت الخطة تهجير نصف مليون فلسطيني وجذب مستثمرين لتطوير القطاع بهدف تحويله إلى مركز تجاري مزدهر يُنعت بـ"ريفييرا الشرق الأوسط". ووضعت الخطة، التي اطلعت عليها الصحيفة، بقيادة رجال أعمال إسرائيليين بمساهمة مجموعة بوستن الاستشارية المعروفة "بي سي جي"، وتمت مشاركتها مع إدارة ترامب.

تقرير جديد للأمم المتحدة يكشف انتفاع "مايكروسوفت" من الحرب على غزة
تقرير جديد للأمم المتحدة يكشف انتفاع "مايكروسوفت" من الحرب على غزة

الجزيرة

timeمنذ 36 دقائق

  • الجزيرة

تقرير جديد للأمم المتحدة يكشف انتفاع "مايكروسوفت" من الحرب على غزة

نشر مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة تقريرا صادرا عن المقررة الأممية لحقوق الأنسان في فلسطين فرانشيسكا ألبانيزي أشار إلى أن " مايكروسوفت" كانت ضمن الشركات التي انتفعت من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وذلك وفق ما جاء في مقال لموقع "ويندوز سنترال" (Windows Central). ويقول مقال "ويندوز سنترال" إنه على مدى العقد الماضي، عملت "مايكروسوفت" جاهدة لتقديم نفسها كوجه ودود لشركات التكنولوجيا الكبرى، وذلك بفضل تعهداتها واستثماراتها المناخية، بالإضافة إلى مبادراتها المتعلقة بالتنوع وإمكانية الوصول والشمول. واعترفت "مايكروسوفت" في مايو/أيار الماضي بأنها زودت وزارة الدفاع الإسرائيلية بعدة تقنيات، وهو ما يرى النقاد أنه يصور "مايكروسوفت" بشكل أساسي على أنها مستفيدة من الحرب. وهو ما يؤكده تقرير جديد صادر عن المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيزي، بحسب الموقع. ويؤكد التقرير، الذي أصدره مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن "مايكروسوفت" وشركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى تواصل توسيع بنيتها التحتية السحابية في المجمع العسكري الإسرائيلي، محققة أرباحا بمليارات الدولارات بينما يعاني الآلاف من المدنيين الأبرياء في غزة ويتعرضون للتهجير. ويقول التقرير: "تنشط مايكروسوفت في إسرائيل منذ عام 1991، حيث طورت أكبر مركز لها خارج الولايات المتحدة. وتتضمن تقنياتها خدمات السجون والشرطة والجامعات والمدارس، بما في ذلك المستعمرات. وقد دمجت 'مايكروسوفت' أنظمتها وتقنياتها المدنية في جميع أنحاء الجيش الإسرائيلي منذ عام 2003، بينما استحوذت على شركات إسرائيلية ناشئة في مجال الأمن السيبراني والمراقبة". ومع تزايد حجم البيانات التي تولدها أنظمة الفصل العنصري والتحكم العسكري والسكاني الإسرائيلية، ازداد اعتمادها على التخزين السحابي والحوسبة. وفي عام 2021، منحت إسرائيل شركتي " غوغل" و" أمازون" عقدا بقيمة 1.2 مليار دولار (مشروع نيمبوس) -ممولا إلى حد كبير من نفقات وزارة الدفاع- لتوفير البنية التحتية التكنولوجية الأساسية". وبحسب المقال تدعي الشركة أن تعاملاتها مع إسرائيل ترقى إلى مستوى العقود التجارية القياسية: "بناء على مراجعتنا، بما في ذلك تقييماتنا الداخلية والمراجعة الخارجية، لم نجد أي دليل على أن تقنيات 'مايكروسوفت أزور" والذكاء الاصطناعي، أو أي من برامجنا الأخرى، قد استخدمت لإيذاء الناس أو أن وزارة الدفاع الإسرائيلية لم تمتثل لشروط الخدمة أو مدونة قواعد السلوك الخاصة بالذكاء الاصطناعي". وتمنح 'مايكروسوفت' و"ألفابت" و"أمازون" إسرائيل وصولا شبه حكومي إلى تقنياتهم السحابية والذكاء الاصطناعي، مما يعزز معالجة البيانات واتخاذ القرارات وقدرات المراقبة والتحليل. وعندما تعرضت السحابة العسكرية الداخلية الإسرائيلية للحمل الزائد، تدخلت 'مايكروسوفت'، بمنصة أزور الخاصة بها، والمجموعة المسؤولة عن "مشروع نيمبوس" ببنية تحتية حاسمة للسحابة والذكاء الاصطناعي، بحسب المقال. ويذكر التقرير أن خوادم هذه الشركات الموجودة في إسرائيل تضمن سيادة إسرائيل على البيانات وحماية من المساءلة القانونية بموجب عقود مواتية وبدون رقابة كافية. وأشار التقرير إلى وصف عقيد إسرائيلي التكنولوجيا السحابية بأنها سلاح بكل معنى الكلمة في يوليو/تموز 2024 خلال مؤتمر تقني، ذاكرا هذه الشركات بالاسم. ويقول التقرير أن هذه الأحداث أدت لقيام ناشطين من موظفي 'مايكروسوفت' لتشكيل مجموعة ضغط اطلقوا عليها "لا لأزور من أجل الفصل العنصري"، مطالبين مايكروسوفت بإنهاء جميع عقودها السحابية في إسرائيل، وتتهم المجموعة الشركة بانتهاك مدونة الأخلاقيات الخاصة بها من خلال الاستمرار في العمل في إسرائيل وبلدان أخرى تنتهك حقوق الإنسان. ويذكر المقال التناقض في تصرفات 'مايكروسوفت' بين الحرب في غزة وأوكرانيا حيث صرحت بأن لديها "قلقا عميقا" بشأن فقدان الأرواح المدنية في "كل من إسرائيل وغزة"، وتدعي أنها تدعم المساعدة الإنسانية في كلتا المنطقتين وفي مناطق أخرى في الشرق الأوسط. بينما علقت مبيعاتها الجديدة في روسيا عام 2022 بشكل فوري بسبب الصراع في أوكرانيا، وتعهدت بأكثر من 35 مليون دولار لدعم جهود الدفاع والمساعدة الإنسانية المدنية في أوكرانيا.

بين الحذر والتحالفات.. ما سِر البطء المصري في التقارب مع دمشق؟
بين الحذر والتحالفات.. ما سِر البطء المصري في التقارب مع دمشق؟

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

بين الحذر والتحالفات.. ما سِر البطء المصري في التقارب مع دمشق؟

القاهرة- رغم إعلانها المتكرر دعم وحدة الأراضي السورية ووقوفها إلى جانب خيارات الشعب السوري، تتعامل مصر بحذر مع القيادة الجديدة في دمشق برئاسة الرئيس أحمد الشرع ، مستندة إلى اعتبارات أمنها القومي وتحالفاتها الإقليمية والدولية، فضلا عن تخوفها من الانخراط السريع في نظام لم تستقر أوضاعه السياسية والأمنية بعد. فعلى الرغم من اللقاء الذي جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنظيره السوري أحمد الشرع في مارس/آذار الماضي ب القاهرة ، على هامش القمة العربية الاستثنائية، والذي أوحى حينها بوجود نية تقارب سريع بين البلدين، فإن وتيرة الخطوات المصرية تجاه دمشق تسير ببطء، ما يثير تساؤلات عن خلفيات هذا التريث. ويرى مراقبون أن مصر، رغم خصوصية علاقتها التاريخية ب سوريا ، لا تزال تعتبر المشهد السوري الحالي غامضا، سواء من حيث استقراره السياسي أو الأمني، إلى جانب القلق من الخلفية الإسلامية للنظام الجديد، وعلاقته المتينة بأنقرة، وهو تقارب لا يخلو من الحرج بالنسبة للدبلوماسية المصرية، في ظل التنافس الإقليمي مع تركيا. مشهد سياسي مضطرب ويؤكد الخبير في العلاقات الدولية أيمن سمير، في حديثه للجزيرة نت، أن سوريا تمر بمرحلة إعادة تشكل على المستويين السياسي والأمني، وسط تحديات جسيمة تواجهها القيادة الجديدة، لا سيما بشأن الجماعات المسلحة التي لا تزال تسيطر على مناطق واسعة من البلاد. ويشير سمير إلى وجود عشرات آلاف العائلات المرتبطة بمقاتلي تنظيم الدولة وتنظيمات مسلحة أخرى، ممن يقطنون في مخيمات مثل " الهول"، مما يبقي الوضع الأمني في البلاد في حالة توتر دائم. ورغم بعض الانفتاح الدولي على دمشق، يلفت سمير إلى أن سوريا لا تزال مصنفة ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب في السياسة الأميركية، وهو ما يعكس استمرار الحذر في تعامل المجتمع الدولي معها، وليس فقط القاهرة. ويضيف: "حتى الدول الأوروبية حين تدرس تخفيف العقوبات، فإنها تفعل ذلك تدريجيا وبأقصى درجات الحذر، وهو نفس ما تنتهجه مصر". ويشدد الخبير المصري على أن القاهرة حرصت منذ البداية على تبني موقف متوازن، إذ استقبلت الرئيس السوري الجديد خلال القمة العربية، وقدمت مساعدات إنسانية، فضلا عن استضافتها آلاف اللاجئين السوريين، لكنها في الوقت نفسه حرصت على إبقاء العلاقة عند مستوى دعم الشعب فقط. ويضيف أن مصر لم تتوان في دعم الموقف السوري في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، لا سيما ما يتعلق بإلغاء اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974 وسيطرة الاحتلال على مناطق في درعا والقنيطرة والسويداء. ويقول: "في مثل هذه الملفات، تقف القاهرة بوضوح إلى جانب دمشق، مع التمسك بمبدأ رفض التدخلات الخارجية". ويختتم سمير حديثه بتأكيد الموقف المصري على دعم حل سياسي سوري شامل، يقوم على الحوار بين جميع مكونات المجتمع السوري، ويضمن استعادة الدولة مكانتها ودورها العربي والإقليمي. أما أستاذة العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بالقاهرة، نهى بكر، فترى أن العلاقات المصرية السورية، بعد رحيل نظام بشار الأسد ، تخضع لحسابات إستراتيجية دقيقة، ترتبط في المقام الأول بمنع تحول سوريا إلى بؤرة للفوضى أو منطلق للجماعات المتشددة التي قد تهدد الأمن المصري. وتقول بكر للجزيرة نت، إن القاهرة تتبنى ما وصفته بـ"الحياد الحذر"، ريثما تتضح معالم السلطة الجديدة في دمشق، مؤكدة أن الاستقرار في سوريا شرط أساسي لأي انخراط مصري جاد في عملية إعادة الإعمار أو الاستثمار في مجالات الطاقة، لا سيما ما يرتبط بتصدير الغاز المصري عبر الأراضي السورية. وتضيف أن هذه الخطط قد تصطدم بعقبات داخلية، أبرزها هشاشة الوضع السياسي والانقسامات العرقية والطائفية، إلى جانب ما يثار بشأن علاقة بعض أركان النظام السوري الجديد ب جماعة الإخوان المسلمين ، وهو ما تعتبره مصر تهديدا مباشرا لأمنها القومي وهويتها السياسية. وتختتم بكر بالتأكيد على أن أولوية القاهرة هي حماية أمنها واستقرارها الداخلي، موضحة أن سياسة التمهل في فتح قنوات التعاون مع دمشق تعكس هذه الرؤية الواقعية. ماضي الشرع يقلق الحاضر في السياق ذاته، يربط الباحث في الشؤون العربية والدولية د.محمد اليمني، التريث المصري بخلفية الرئيس أحمد الشرع، مشيرا إلى أنه كان على صلة بجماعات ذات توجهات متشددة، مما يثير قلقا داخل مؤسسات صنع القرار المصرية. ويقول اليمني للجزيرة نت، إن سوريا لا تزال تشهد صراعات داخلية على أسس طائفية وعرقية، كما حدث أخيرا مع بعض مكونات المجتمع السوري مثل الدروز والشيعة، وهو ما يعزز موقف القاهرة في تجنب التورط في تحالفات قد تنعكس سلبا على استقرارها. ويؤكد أن السياسة الخارجية المصرية تتسم بالمرونة والبراغماتية، لكنها لا تتهاون في الملفات التي تمس أمنها المباشر، مستشهدا بمواقف مصر الحاسمة في التعامل مع التحديات على الحدود مع ليبيا والسودان. كما يلفت إلى وجود ضغوط أميركية متزايدة على حلفاء واشنطن للاعتراف بالحكومة السورية الجديدة، في إطار سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لرفع العقوبات، بما فيها "قانون قيصر"، بهدف إعادة إدماج سوريا في المنظومة الدولية، لكن اليمني يؤكد أن هذه الخطوات لم تغير من الواقع الميداني كثيرا، إذ لا يزال الانقسام الداخلي سيد الموقف. ويختتم الباحث بالإشارة إلى البعد التاريخي للعلاقة بين البلدين: "الجيشان المصري والسوري وقفا معا في حرب أكتوبر 1973، وحققا نصرا كبيرا على إسرائيل، لكن الظروف اليوم مختلفة، والتعقيدات الراهنة تحتم التروي، لا الاندفاع".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store