
المملكة المتحدة: تراجع في التضخم وعاصفة تلوح في الأفق... فهل نشهد تحولاً نقدياً في مايو؟
شهدت المملكة المتحدة في آذار/مارس تباطؤاً في وتيرة التضخم بوتيرة فاقت التوقعات، مما وفر متنفساً موقتاً وسط مناخ اقتصادي يلفه الغموض. فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلك (CPI) بنسبة 2.6% على أساس سنوي، منخفضاً عن مستوى 2.8% المسجل في شباط/فبراير، وجاء أيضاً أقل قليلاً من توقعات المحللين. أما التضخم الأساسي (باستثناء الطاقة والغذاء والكحول والتبغ) فقد بلغ 3.4%، مسجلاً هو الآخر تراجعاً طفيفاً.
جاء هذا التباطؤ بشكل عام عبر قطاعات عدة، بحيث ساهمت قطاعات "الثقافة والترفيه"، و"النقل"، و"الفنادق والمقاهي والمطاعم"، و"الأغذية" في كبح وتيرة ارتفاع الأسعار. وعلى وجه الخصوص، تراجعت أسعار النقل مدفوعة بانخفاض أسعار الوقود بنسبة 5.3% على أساس سنوي. في المقابل، كان قطاع "الملابس والأحذية" الوحيد الذي مارس ضغطاً تصاعدياً، مسجلاً ارتفاعاً غير معتاد قدره 2.3% خلال آذارمارس، نتيجة تأثيرات موسمية حادة وتشوهات إحصائية.
على صعيد الربع الأول من عام 2025، بلغ متوسط التضخم 2.8%، متماشياً مع توقعات بنك إنكلترا (BoE). كما ارتفع التضخم الأساسي إلى 3.6% مقارنة بـ3.3% في الربع السابق، مما يعكس استمرار الضغوط التضخمية الكامنة، خصوصاً في قطاع الخدمات.
سوق العمل تظهر مؤشرات تراجع تدريجي
بالتوازي مع ذلك، أظهرت بيانات سوق العمل لشباط/فبراير مؤشرات على تخفيف تدريجي للضغوط. فقد استقر معدل البطالة عند 4.4% خلال الربع، مرتفعاً عن نسبة 4.1% المسجلة قبل عام. الأبرز أن عدد الوظائف الشاغرة تراجع إلى 781 ألف وظيفة، بانخفاض يقارب 14% على أساس سنوي، مسجلاً لأول مرة منذ أيار/مايو 2021 مستوى أدنى مما كان عليه قبل الجائحة. هذا التراجع يعكس إعادة توازن سوق العمل، بحيث أصبح هناك الآن اثنان من طالبي العمل في مقابل كل وظيفة شاغرة، مقارنة بنسبة 1.6 في العام الماضي.
وتجاوزت الزيادة في عدد السكان النشطين (+184 ألف خلال الربع) الزيادة في عدد الوظائف (+144 ألف)، مما أدى إلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل بمقدار 40 ألفاً. وعلى رغم مؤشرات التراجع، ظلت وتيرة نمو الأجور قوية، إذ ارتفعت الرواتب الأساسية بنسبة 5.9% خلال الأشهر الثلاثة حتى فبراير، مما ساهم في تغذية التضخم في قطاع الخدمات، الذي يمثل مصدر قلق رئيسي لبنك إنكلترا.
ديناميكية تضخمية آخذة في التغير
المصدر: مكتب الإحصاءات الوطنية (ONS)
على المدى القصير، يُتوقع تسجيل ارتفاع ملحوظ في التضخم. ففي نيسان/أبريل، قد يرتفع مؤشر أسعار المستهلك إلى 3.3% على أساس سنوي، مدفوعاً بزيادات تنظيمية في أسعار المياه والطاقة، بالإضافة إلى رفع الحد الأدنى للأجور وزيادة اشتراكات التأمين الوطني للشركات. ومن المتوقع أن يبلغ التضخم ذروته بحوالى 3.8% في أيلول/سبتمبر.
أما على المدى المتوسط، فتبدو المخاطر أكثر توازناً، إذ قد تتعزز العوامل الكابحة للتضخم نتيجة انخفاض أسعار النفط والتغيرات في سلاسل الإمداد العالمية الناجمة عن السياسات الحمائية الأميركية. ويجدر التنويه إلى أن الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على الواردات البريطانية، رغم تأثيرها المحدود نسبياً (حوالى 2% من الناتج المحلي الإجمالي عبر صادرات السلع)، قد تُحدث آثاراً سلبية غير مباشرة على النمو والأسواق المالية في اقتصاد بريطاني منفتح للغاية.
ومن المهم الإشارة إلى أن هذه الاضطرابات قد تؤدي أيضاً إلى زيادات قصيرة الأجل في الأكلاف نتيجة إعادة هيكلة الأنشطة الصناعية والتجارية.
هل نشهد تحولاً نقدياً في أيار/مايو؟
في ضوء تباطؤ التضخم وتراجع زخم سوق العمل، تبدو احتمالية إقدام بنك إنكلترا على خفض أسعار الفائدة خلال اجتماعه في مايو مرتفعة للغاية. وقد يدعو بعض أعضاء لجنة السياسة النقدية إلى تبني مسار أكثر جرأة إذا كشفت التوقعات الاقتصادية الجديدة، المنتظر صدورها ضمن تقرير السياسة النقدية في مايو، عن تدهور أسرع مما كان متوقعاً في أوضاع سوق العمل.
خلاصة القول، أنه رغم التراجع الموقت في التضخم، فإن الضغوط الكامنة لا تزال قائمة، والمملكة المتحدة لاتزال عرضة لرياح التباطؤ الاقتصادي العالمي. وسيكون على بنك إنكلترا أن يوازن بدقة بين الحاجة إلى دعم النشاط الاقتصادي وبين كبح الضغوط الأجرية التي قد تغذي تضخماً مستمراً في قطاع الخدمات.
** أستاذ في جامعة باريس دوفين - PSL

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الميادين
منذ 3 أيام
- الميادين
التضخم في بريطانيا يبلغ أعلى مستوى له في 15 شهراً متجاوزاً التوقعات
ارتفع معدل التضخم في بريطانيا إلى 3.5% في نيسان/أبريل الماضي، وهو أعلى مستوى له في 15 شهراً، بحسب مكتب الإحصاءات الوطينة في المملكة. وتجاوز معدل التضخم بذلك نسبة 3.3% التي توقعها المحللون الذين استطلعت "رويترز" آراءهم ونسبة 2.6% التي سجلت في مارس/آذار. 19 أيار 12 أيار جاء هذا الارتفاع بعد زيادة فواتير المرافق والزيادات الضريبية، مما دفع المتداولين إلى تقليص رهاناتهم على خفض أسعار الفائدة من قبل بنك إنكلترا. مكتب الإحصاءات الوطنية قال إن هذا الارتفاع مدفوع بارتفاع تكاليف الطاقة بعد أن رفعت الجهات التنظيمية سقف الأسعار للأسر، بالإضافة إلى ارتفاع فواتير المياه ورسوم الطرق. كما ساهم ارتفاع أسعار تذاكر الطيران في ذلك. كذلك ارتفع التضخم في قطاع الخدمات (الذي يُعتَبر مقياس رئيسي لضغوط الأسعار الأساسية بالنسبة لواضعي أسعار الفائدة) إلى 5.4% في أبريل/نيسان، متجاوزاً توقعات المحللين البالغة 4.8% ورقم مارس/آذار البالغ 4.7%.


النهار
١٢-٠٥-٢٠٢٥
- النهار
تضخم أميركا تحت المجهر: الأسواق تترقّب والذهب في مهب الريح
تتجه أنظار المستثمرين في الأسواق المالية العالمية هذا الأسبوع نحو بيانات التضخم الأميركية، المقرر صدورها يوم الثلاثاء 13 أيار/مايو، والتي تمثل عاملًا حاسمًا في تحديد توجهات السياسة النقدية للاحتياطي الفيديرالي، وسط تصاعد المخاوف من تأثيرات الرسوم الجمركية الجديدة على الأسعار، في ظل بيئة اقتصادية تتسم بالحذر وعدم اليقين. بيانات التضخم الأميركية: اختبار حاسم للأسواق ستصدر وزارة العمل الأميركية بيانات مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) لشهر أبريل يوم الثلاثاء عند الساعة 3:30 مساءً بتوقيت بيروت. وتشير التوقعات إلى استقرار معدل التضخم السنوي عند 2.4%، وهو نفس المستوى المسجل في آذار/مارس، بعد أن تراجع من 2.8% في شباط/فبراير. لكن الرسوم الجمركية التي أعلن عنها الرئيس ترامب أخيرًا رفعت من توقعات التضخم على المدى القصير، إذ تشير التقديرات إلى إمكانية صعود التضخم إلى 3.6% خلال العام المقبل، وهو أعلى مستوى منذ آب/أغسطس 2022. ورغم ذلك، لا تزال التوقعات طويلة الأجل مستقرة نسبيًا، مع إمكانية عودة التضخم تدريجيًا إلى هدف الفيديرالي البالغ 2%، إذا ما هدأت العوامل الموقتة. موقف الاحتياطي الفيديرالي: سياسة "الانتظار والترقب" في ظل هذه المؤشرات الاقتصادية المتباينة، يواصل الاحتياطي الفيديرالي تبنّي سياسة "الانتظار والترقب"، حيث قرر في اجتماعه الأخير إبقاء أسعار الفائدة من دون تغيير، ضمن النطاق الحالي البالغ 5.25%–5.50%، وهو أعلى مستوى للفائدة منذ أكثر من 22 عامًا. وقد أشار الفيديرالي في بيانه الرسمي إلى أن وتيرة التقدم في خفض التضخم "تباطأت خلال الأشهر الأخيرة"، وهو ما يعكس قلق صناع القرار من عودة الضغوط السعرية، ولا سيما في قطاعات الخدمات والإسكان، كما شدّد البيان على أن "اللجنة لا تتوقع أنه سيكون من المناسب خفض الفائدة حتى تتلقّى ثقة أكبر بأن التضخم يتحرك على نحو مستدام نحو المستوى المستهدف البالغ 2%". وهذا يعني أن أيّ تحرّك نحو تيسير السياسة النقدية سيبقى مشروطًا بوضوح البيانات، ولا سيما في ما يتعلق بمؤشرات الأسعار والإنفاق الاستهلاكي. ويُذكر أن رئيس الفيديرالي، جيروم باول، أكد في المؤتمر الصحفي الذي أعقب القرار أن البنك لا يخطط لرفع الفائدة مجددًا، لكنه شدد في المقابل على أن خفض الفائدة قد يستغرق وقتًا أطول مما كانت تتوقعه الأسواق في السابق، مما اعتبره المحللون موقفًا متشددًا بحذر. ومن المنتظر أن يلقي باول كلمة جديدة يوم الخميس، قد تسلط مزيدًا من الضوء على كيفية تفاعل البنك مع بيانات التضخم المرتقبة، وما إذا كان هناك متّسع لبدء دورة تيسير نقدي خلال الصيف، أم أن التشدد سيبقى سيد الموقف حتى الربع الرابع من العام. تقدّم في محادثات التجارة بين الصين والولايات المتحدة شهدت الأسواق المالية العالمية صباح اليوم تحولًا بارزًا، عقب إعلان الولايات المتحدة والصين التوصل إلى اتفاق تجاري موقت، بعد جولة مكثفة من المفاوضات استمرت ليومين في مدينة جنيف. وينص الاتفاق على خفض متبادل للرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا، إذ قررت واشنطن تقليص الرسوم المفروضة على الواردات الصينية من 145% إلى 30%، فيما ستقوم بكين بخفض رسومها على السلع الأميركية من 125% إلى 10%، مع تعليق أي رسوم جديدة خلال فترة الاتفاق. وصف الجانبان هذه المحادثات بأنها "إيجابية وبنّاءة"، مؤكدين عزمهما على مواصلة التنسيق والحوار في المرحلة المقبلة، وتفعيل آلية متابعة مشتركة لضمان تنفيذ بنود الاتفاق. هذا التطور المفاجئ أسهم في تهدئة المخاوف من تصعيد تجاري جديد، وساهم في دفع الأسواق المالية العالمية نحو ارتفاعات قوية، مدعومة بتحسّن شهية المخاطرة وتراجع مستويات التوتر التجاري. الأسهم الأميركية والذهب: تفاؤل واسع وضغوط على الملاذات الآمنة تشهد الأسواق الأميركية انطلاقة قوية هذا الأسبوع، مدفوعة بالتطور المفاجئ في ملف التجارة بين الولايات المتحدة والصين، حيث قفزت العقود الآجلة لمؤشرات الأسهم الأميركية، وعلى رأسها مؤشر ناسداك وستاندرد آند بورز 500، في تداولات ما قبل الافتتاح، مدعومة بتحسّن كبير في معنويات المستثمرين بعد الإعلان عن اتفاق تجاري موقت بين أكبر اقتصادين في العالم. هذا الاتفاق ساهم في تعزيز شهية المخاطرة ودفع المستثمرين إلى إعادة التمركز في الأسهم، ولا سيما في قطاعات النمو والتكنولوجيا. في المقابل، تراجعت أسعار الذهب بشكل حاد، حيث انخفض المعدن النفيس بنسبة تقارب الـ 3% في بداية تعاملات الأسبوع، مسجّلًا أحد أكبر انخفاضاته اليومية خلال العام الجاري. وقد جاء هذا الهبوط نتيجة تراجع الطلب على الذهب كملاذ آمن، في ظل انحسار التوترات التجارية، إلى جانب استمرار قوة الدولار الأميركي المدعومة بسياسة الاحتياطي الفيديرالي المتشددة. رغم هذا الزخم الإيجابي، يبقى التضخم العامل الحاسم الذي ستحدده بيانات مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) المنتظرة يوم الثلاثاء. فإذا جاءت القراءة أقل من المتوقع، فقد تعزز من موجة الصعود الحالية في الأسهم، أما إذا جاءت أعلى من التوقعات، فقد تدفع الأسواق إلى التراجع مجددًا تحت وطأة المخاوف من تشديد نقدي إضافي، مما قد يعيد بعض الدعم النسبي للذهب على المدى القصير. بشكل عام، تعكس تحركات الأسواق في هذا التوقيت انتقالًا واضحًا نحو الأصول الخطرة، وتراجعًا في الإقبال على أدوات التحوّط، وسط رهانات متزايدة على تحسّن المناخ الاقتصادي العالمي خلال النصف الثاني من العام. تتجه الأسواق المالية هذا الأسبوع نحو مفترق طرق حاسم، حيث تتقاطع عنده ثلاثة محاور رئيسية: بيانات التضخم الأميركية، موقف الاحتياطي الفيديرالي، والتطور المفاجئ في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وبينما أطلق الاتفاق التجاري الموقت العنان لموجة من التفاؤل، يبقى مسار الفائدة الأميركية والقراءة المرتقبة لمؤشر أسعار المستهلكين العامل الأكثر تأثيرًا في تحديد الاتجاهات المقبلة للأسواق. الأسهم تستفيد حاليًا من الزخم الإيجابي، مدفوعة بتحسّن المعنويات وانخفاض التوترات الجيوسياسية، فيما يتعرض الذهب لضغوط قوية في ظل تراجع الطلب على الملاذات الآمنة. لكن هذا التوازن يبقى هشًا، ويمكن أن يتغيّر سريعًا إذا جاءت بيانات التضخم أعلى من المتوقع، مما يعيد المخاوف من بقاء السياسة النقدية الأميركية متشددة لفترة أطول. في ظل هذه المستجدات المتسارعة، يُنصح المستثمرون بتوخي الحذر، وعدم التسرّع في بناء مراكز استثمارية كبيرة قبل صدور البيانات، مع مراقبة دقيقة لتصريحات مسؤولي الفيديرالي التي قد تحمل مفاجآت في لغة الخطاب أو التوجّه المستقبلي. إنها أيام حاسمة، وقد تكون بمثابة مرآة لباقي النصف الأول من عام 2025.


النهار
٠٣-٠٥-٢٠٢٥
- النهار
المملكة المتحدة: تراجع في التضخم وعاصفة تلوح في الأفق... فهل نشهد تحولاً نقدياً في مايو؟
شهدت المملكة المتحدة في آذار/مارس تباطؤاً في وتيرة التضخم بوتيرة فاقت التوقعات، مما وفر متنفساً موقتاً وسط مناخ اقتصادي يلفه الغموض. فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلك (CPI) بنسبة 2.6% على أساس سنوي، منخفضاً عن مستوى 2.8% المسجل في شباط/فبراير، وجاء أيضاً أقل قليلاً من توقعات المحللين. أما التضخم الأساسي (باستثناء الطاقة والغذاء والكحول والتبغ) فقد بلغ 3.4%، مسجلاً هو الآخر تراجعاً طفيفاً. جاء هذا التباطؤ بشكل عام عبر قطاعات عدة، بحيث ساهمت قطاعات "الثقافة والترفيه"، و"النقل"، و"الفنادق والمقاهي والمطاعم"، و"الأغذية" في كبح وتيرة ارتفاع الأسعار. وعلى وجه الخصوص، تراجعت أسعار النقل مدفوعة بانخفاض أسعار الوقود بنسبة 5.3% على أساس سنوي. في المقابل، كان قطاع "الملابس والأحذية" الوحيد الذي مارس ضغطاً تصاعدياً، مسجلاً ارتفاعاً غير معتاد قدره 2.3% خلال آذارمارس، نتيجة تأثيرات موسمية حادة وتشوهات إحصائية. على صعيد الربع الأول من عام 2025، بلغ متوسط التضخم 2.8%، متماشياً مع توقعات بنك إنكلترا (BoE). كما ارتفع التضخم الأساسي إلى 3.6% مقارنة بـ3.3% في الربع السابق، مما يعكس استمرار الضغوط التضخمية الكامنة، خصوصاً في قطاع الخدمات. سوق العمل تظهر مؤشرات تراجع تدريجي بالتوازي مع ذلك، أظهرت بيانات سوق العمل لشباط/فبراير مؤشرات على تخفيف تدريجي للضغوط. فقد استقر معدل البطالة عند 4.4% خلال الربع، مرتفعاً عن نسبة 4.1% المسجلة قبل عام. الأبرز أن عدد الوظائف الشاغرة تراجع إلى 781 ألف وظيفة، بانخفاض يقارب 14% على أساس سنوي، مسجلاً لأول مرة منذ أيار/مايو 2021 مستوى أدنى مما كان عليه قبل الجائحة. هذا التراجع يعكس إعادة توازن سوق العمل، بحيث أصبح هناك الآن اثنان من طالبي العمل في مقابل كل وظيفة شاغرة، مقارنة بنسبة 1.6 في العام الماضي. وتجاوزت الزيادة في عدد السكان النشطين (+184 ألف خلال الربع) الزيادة في عدد الوظائف (+144 ألف)، مما أدى إلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل بمقدار 40 ألفاً. وعلى رغم مؤشرات التراجع، ظلت وتيرة نمو الأجور قوية، إذ ارتفعت الرواتب الأساسية بنسبة 5.9% خلال الأشهر الثلاثة حتى فبراير، مما ساهم في تغذية التضخم في قطاع الخدمات، الذي يمثل مصدر قلق رئيسي لبنك إنكلترا. ديناميكية تضخمية آخذة في التغير المصدر: مكتب الإحصاءات الوطنية (ONS) على المدى القصير، يُتوقع تسجيل ارتفاع ملحوظ في التضخم. ففي نيسان/أبريل، قد يرتفع مؤشر أسعار المستهلك إلى 3.3% على أساس سنوي، مدفوعاً بزيادات تنظيمية في أسعار المياه والطاقة، بالإضافة إلى رفع الحد الأدنى للأجور وزيادة اشتراكات التأمين الوطني للشركات. ومن المتوقع أن يبلغ التضخم ذروته بحوالى 3.8% في أيلول/سبتمبر. أما على المدى المتوسط، فتبدو المخاطر أكثر توازناً، إذ قد تتعزز العوامل الكابحة للتضخم نتيجة انخفاض أسعار النفط والتغيرات في سلاسل الإمداد العالمية الناجمة عن السياسات الحمائية الأميركية. ويجدر التنويه إلى أن الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على الواردات البريطانية، رغم تأثيرها المحدود نسبياً (حوالى 2% من الناتج المحلي الإجمالي عبر صادرات السلع)، قد تُحدث آثاراً سلبية غير مباشرة على النمو والأسواق المالية في اقتصاد بريطاني منفتح للغاية. ومن المهم الإشارة إلى أن هذه الاضطرابات قد تؤدي أيضاً إلى زيادات قصيرة الأجل في الأكلاف نتيجة إعادة هيكلة الأنشطة الصناعية والتجارية. هل نشهد تحولاً نقدياً في أيار/مايو؟ في ضوء تباطؤ التضخم وتراجع زخم سوق العمل، تبدو احتمالية إقدام بنك إنكلترا على خفض أسعار الفائدة خلال اجتماعه في مايو مرتفعة للغاية. وقد يدعو بعض أعضاء لجنة السياسة النقدية إلى تبني مسار أكثر جرأة إذا كشفت التوقعات الاقتصادية الجديدة، المنتظر صدورها ضمن تقرير السياسة النقدية في مايو، عن تدهور أسرع مما كان متوقعاً في أوضاع سوق العمل. خلاصة القول، أنه رغم التراجع الموقت في التضخم، فإن الضغوط الكامنة لا تزال قائمة، والمملكة المتحدة لاتزال عرضة لرياح التباطؤ الاقتصادي العالمي. وسيكون على بنك إنكلترا أن يوازن بدقة بين الحاجة إلى دعم النشاط الاقتصادي وبين كبح الضغوط الأجرية التي قد تغذي تضخماً مستمراً في قطاع الخدمات. ** أستاذ في جامعة باريس دوفين - PSL