logo
الأخطر من تسجيل عبد الناصر

الأخطر من تسجيل عبد الناصر

وكالة خبر١٠-٠٥-٢٠٢٥

ضُحى الاثنين الماضي، كنتُ أتابع إذاعة «إل بي سي»، إحدى أشهر إذاعات بريطانيا المتخصصة في التحاور مع الجمهور، وكذلك مع كبار السياسيين، وبث مواجهات مباشرة بينهم، أعني الناس والمسؤولين. لاحظت أن المذيع أطال في الحديث عن معاني احتفالات ذكرى يوم يُعرَف، اختصاراً، بالحرفين «VE»، أي «انتصار أوروبا»، في الحرب العالمية الثانية قبل ثمانين عاماً من غد، الخميس، ثم سرعان ما تحول الصوت الهادئ إلى غضب مفاجئ، وطفق المذيع يصيح متسائلاً بما مضمونه: أليس غريباً ألا نتعلم من دروس الماضي؟ لقد هزم آباؤنا ألمانيا النازية، ويمين إيطاليا الفاشي، وها هي تيارات التطرف اليميني المعاصر تكتسح الانتخابات في البلدين معاً، وفي غيرهما من المجتمعات الأوروبية، ألا يدعو هذا للقلق حقاً؟
بالطبع، هو تراجع إلى الوراء يدعو للقلق فعلاً، لذا سارعت مراكز أبحاث عدة في غير مجتمع من مجتمعات «القارة العجوز»، كما توصف أوروبا منذ بضع سنين، إلى تدارس سبب ما يحدث، وما الذي يدفع جيل الشبان والشابات إلى أحضان تيار اليمين المتطرف. بيد أن صيحة مذيع «إل بي سي» الغاضبة ذاتها، أثارت التساؤل ذاته لدي، ونبشت مجدداً زوابع الجدل الذي أثاره الكشف عن تسجيل رئيس مصر الراحل جمال عبد الناصر بشأن التحول من رفض الحل السلمي مع إسرائيل، إلى القبول به، بل والسعي إليه. فجأة، عرض أرشيف الذاكرة أمامي صورة أول اجتماع عقدته الهيئة الإدارية لفرع الاتحاد العام لطلاب فلسطين في مصر بعد خطاب اعتراف عبد الناصر بالهزيمة، وإعلان تكليف زكريا محيي الدين بملف التعامل مع الولايات المتحدة الأميركية، ما أوحى بتوجه جديد محتمل للحكم المصري آنذاك.
كنتُ يومذاك في العشرين، الأصغر سناً بين الأعضاء الذين كانوا يضمون تيسير قبعة، عضو الأمانة العامة للجبهة الشعبية فيما بعد، وسعيد كمال، الأمين المساعد للجامعة العربية، لاحقاً، وشريف الحسيني، وحسين أبو النمل، وآخرين لم أعد أتذكر أسماءهم. فوجئتُ في ذلك الاجتماع بأن «حركة القوميين العرب»، التي كان لها الثقل الأساسي في قيادة الاتحاد، حتى ذلك الحين، دخلت طور التحول من الفكر القومي إلى الماركسي، وأنها بصدد حَل تنظيمها وتأسيس «حزب العمل الاشتراكي». لم أصدق يومها أن حركة نشأتُ في صفوفها عروبياً تريدني ماركسياً، هكذا بين صدمة حرب وعشيتها، لمجرد الزعم بأن كارثة 1967 كانت هزيمة لما يُسمى «البُرجوازية الصغيرة»، وبالتالي فإن النصر سوف يتحقق على أيدي طبقة «البروليتاريا»، وفق كليشيهات ذلك الزمن. لم أتردد في رفض ذلك الانقلاب الصادِم، وقلت إنني أغادر الحركة مُسبقاً، وفي حِل من أي التزام بتوجهها الماركسي.
يوصلني ما تقدم إلى القول إن الأخطر من تسجيل عبد الناصر، بل ومِن الهزيمة ككل، رُبما يتمثل، ضمن جوانب عدة، في أن الحركات والأحزاب والتنظيمات العربية، خصوصاً في مشرق العالم العربي، فشلت تماماً في التعامل مع قضية فلسطين عندما أصرت على أن تجرها إلى صراعات واقع عربي ممزق. ذلك الفشل لم يبدأ بكارثة 1967، ولم ينتهِ معها، لكن التفاصيل الموجعة توجب مقالاً آخر.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هوس القوة وفتنة السلاح
هوس القوة وفتنة السلاح

وكالة خبر

timeمنذ 2 أيام

  • وكالة خبر

هوس القوة وفتنة السلاح

بالنظر إلى تاريخنا المعاصر، وتحديدا فيما يتعلق بالصراع العربي الصهيوني، سنجد أنّ ثقافتنا اعتمدت بشكل كبير على مقولة «ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة». وبتفكيك المقولة، سنجد أولاً أنّ إسرائيل لم تعتمد على عنصر القوة فقط، رغم أهميته، إلا أنها اعتمدت على عناصر أخرى قد تفوقها أهمية، أبقت على حياتها، بل جعلتها تتفوق على سائر الإقليم؛ مثل اهتمامها بالعِلم وإقامة الجامعات والمعاهد المتخصصة واهتمامها بالتكنولوجيا، والصناعات الدقيقة، إضافة إلى أنها دولة مؤسسات تتميز بالتنظيم، والإدارة الناجعة، وتعتمد على مراكز الأبحاث، ولديها قضاء مستقل (عنصري)، وصحافة جريئة ناقدة (في الشأن الداخلي)، ونظام ديمقراطي (ديمقراطية إثنية عنصرية) قائم على الانتخابات والتداول السلمي للسلطة.. تلك حقائق ينبغي إدراكها قبل فتح جبهة الصراع معها. أما ثانيا، فقد اعتمد العرب (أو قامت ثقافتهم وتخطيطهم) على عنصر القوة فقط، وبالمفهوم العسكري والأمني، دون إدراك حقيقي بأن القوة مفهوم أوسع وأشمل من السلاح.. والمصيبة أنهم لم يمتلكوا القدرة العسكرية اللازمة لردم الفجوة وتعديل موازين القوى، بحيث يكونون مؤهلين لخوض صراع عسكري يمكّنهم من إحراز النصر! ولدينا أمثلة لا حصر لها لتوضيح الفكرة؛ مصر عبد الناصر، ليبيا القذافي، عراق صدام، نظام الأسد، الجزائر.. إلخ، حيث الاهتمام البالغ ببناء قوة عسكرية، واستيراد الأسلحة والطائرات الحربية تحت شعارات التحرير وتحقيق التوازن الإستراتيجي. والنتيجة التي لا تحتاج شواهد (لكثرتها) أننا نواصل الهبوط من قاع إلى قاع. على سبيل المثال، أنفق نظام صدام خلال عقد الثمانينيات نحو مائة مليار دولار على الإنفاق العسكري، لو أنفق نصفها على تطوير التعليم وتوطين التكنولوجيا وتحديث الصناعة والزراعة بالاعتماد فقط على الموارد والعقول العراقية.. لصار العراق يابان الشرق الأوسط، ولما قُتل مواطن واحد في صراعات طائفية بغيضة وللدفاع عن شعارات أيديولوجية متخلفة. وبحسب مراكز متخصصة، بلغ إنفاق الدول العربية على التسليح للعام 2024 نحو 165 مليار دولار، احتلت السعودية المرتبة الأولى بإنفاق بلغ 74 مليار، تلتها الجزائر (25 مليار)، ثم المغرب (13)، قطر (9)، عُمان (8)، العراق (8)، الكويت (7)، مصر (6)، الأردن (2.5). أما عن السنوات السابقة، بحسب بيانات البنك الدولي، بلغ إجمالي الإنفاق العسكري للدول العربية خلال الأعوام العشرين الماضية (1999-2018) نحو 2028 مليار دولار. وبلغت حصة الدول العربية 7.4% من حجم الإنفاق العسكري عالميا، في حين أنها أسهمت مجتمعة بـ 3.2% فقط من حجم الاقتصاد العالمي! في الحرب التي خاضتها السعودية ضد اليمن، قدرت الأمم المتحدة خسائر اليمن، خلال ست سنوات من الحرب بنحو 126 مليار دولار، فيما خسرت السعودية بحسب تقرير «فورين بوليسي» نحو 725 مليار، ودون حسم الحرب! أما في السودان، فقد بلغ حجم الخسائر في البنية التحتية للبلاد خلال سنة واحدة نحو 60 مليار دولار، وتراجع الناتج المحلي بنحو 20%، وكل هذا قبل أن تتوقّـف الحرب! لن نتحدث هنا عن الخسائر البشرية والنفسية، فهذا شأن آخر، ولن أتعبكم بإحصاءات وخسائر بقية الحروب البينية أو الأهلية التي خاضتها الدول العربية، ربما لاستحالة الحصول على بيانات دقيقة، لكن المؤكد أن الأنظمة العربية أنفقت تريليونات الدولارات على الحروب وصفقات الأسلحة، فقط لحماية عروشها ومصالحها.. ولو أنفقت ربعها على البناء والتنمية والتطلع نحو المستقبل، لقضت على الفقر والبطالة والتخلف، وغادرنا العالم الثالث نهائيا.. والأخطر من ذلك أن الشعوب العربية (وتنظيماتها) كانت منقادة وراضية، ومفتونة بوهم القوة، وبسحر السلاح. هل لدينا إحصاءات عن حجم إنفاق التنظيمات الجهادية والميليشيات المسلحة وحروبها العبثية في العراق ولبنان وسورية وسيناء وليبيا والصومال وغيرها؟ حتى المواطن لا يفكر بذلك، وربما كان مؤيدا لبعضها، وغارقا في أوحال الطائفية والمذهبية. هل نعلم حقيقةً حجم إنفاق «حماس» على حفر 500 كم من الأنفاق بعمق عشرات الأمتار؟ على سبيل المثال احتجتُ نحو 200 دولار لعمل شق ترابي بعمق 40 سم وطول 4 متر لتمديد ماسورة بلاستيكية قطرها 4 إنش! فما بالك بما يُسمى مترو غزة بحسب وصف الراحل إسماعيل هنية نفسه! علما أن فيتنام (التي اخترعت حرب العصابات والأنفاق السرية) مساحتها تفوق مساحة قطاع غزة بِـ 92 ضعفا، حفرت أنفاقا بطول 250 كم فقط، على مدى عشرين سنة! هم كسبوا الحرب، ونحن خسرنا غزة كاملة، وفقدنا نحو 200 ألف إنسان بين قتيل وجريح ومفقود وأسير! يبدو أن العقل العربي لم يستوعب بالقدر الكافي أن القوة الناعمة بكل عناصرها (العلم، التكنولوجيا، الإعلام.. إلخ) أهم بكثير من القوة العسكرية، وهي وحدها القادرة على تحقيق الانتصارات وبناء الدول المحترمة. ولو تخلصنا من قدسية الشعارات ونجونا من وهم الأهداف المخادعة والتضليل الإعلامي سندرك أنَّ بناء المؤسسات والتخطيط والاهتمام بالمواطن واحترام إنسانيته وحقوقه أهم من خوض الحروب.. وأنّ فعالية النضال الجماهيري والسياسي والإعلامي والدبلوماسي والحقوقي أكبر وأهم وأخطر من القوة العسكرية.. بل إن القوة العسكرية هي التي يتوجب تجنبها (أو ممارستها بحذر)، ببساطة لأن إسرائيل هي المتفوقة كليا في هذا المضمار، وهي ساحتها المفضلة التي تنتصر فيها دوما، خلافا لساحات النضال الأخرى التي يتم فيها تجريد إسرائيل من ترسانتها العسكرية وتحييد أسلحتها الفتاكة. هكذا تقتضي الحكمة، وهذه هي المسؤولية الوطنية الحريصة على الشعب وعلى حياته ومقدراته ومستقبله وقضيته أكثر من حرصها على بقائها وحكمها، أو إيلام العدو بضربة عسكرية موجعة، ثم لا تجد طريقة لمواصلتها، بل ترتد نتائجها السياسية سلبيا. أنظر لنماذج الدول الناجحة والمتطورة والقوية فعلا حول العالم: اليابان، ألمانيا، الصين، كوريا الجنوبية.. سأكتفي بهذه الأمثلة لأن ما يجمعها أنها تعرضت لهزائم عسكرية ساحقة، وأُجبرت على توقيع معاهدات مذلة، وتدمرت بنيتها التحتية مع حلول النصف الثاني من القرن الماضي.. ما فعلته بعدها أنها تجاوزت ذهنية الهزيمة، وتخلت عن الإنفاق العسكري، ولم تخض حربا طوال السبعين سنة الماضية، وفهمت معنى القوة الحقيقية، وركزت عليها بتصميم وثبات، حتى صارت أقوى وأهم دول العالم. بماذا نختلف نحن العرب عن بقية العالم المتطور؟ الإجابة في مقطع من معلقة عمرو بن كلثوم الشهيرة، وملخصها «ونجهل فوق جهل الجاهلينا».

العالم متواطئ في المجاعة الجماعية في غزة
العالم متواطئ في المجاعة الجماعية في غزة

وكالة خبر

timeمنذ 4 أيام

  • وكالة خبر

العالم متواطئ في المجاعة الجماعية في غزة

بعد أكثر من شهرين من خرق دولة الاحتلال وقف إطلاق النار، لا تزال الأوضاع في قطاع غزة تتدهور، وتدعي دولة الاحتلال أنها لا تعتبر نفسها ملزمة بالمعايير الدولية الأساسية. ورغم وجود مؤشرات على الصحوة لدى المجتمع الإنساني العالمي، إلا أنها لا تزال بطيئة للغاية. كما أن الإحباط المتزايد بين الوكالات الأممية والمنظمات الدولية تعزز بطريقة ما صورتها النمطية، وعدم استقلالها الكامل عن التمويل الدولي والضغوط السياسية، وأدى العدوان الإسرائيلي على غزة المستمر منذ تسعة عشر شهراً إلى تقويض الأسس الإنسانية والأخلاقية والقانونية، التي قام عليها النظام الدولي منذ الحرب العالمية الثانية بوتيرة متسارعة. وفي وقت يحاول فيه المجتمع الدولي الانتصار للمنظومة الدولية والأخلاقية، ووقف التجويع الجماعي الذي تمارسه دولة الاحتلال كونه محظور أخلاقيا، ويقوض الحق الأخلاقي للمجتمع الدولي والقيم القائمة عليها منظومة القانون الدولي الإنساني، وتعريض المعايير الإنسانية الأساسية التي يسعى إلى الحفاظ عليها للخطر. وبدأت أصوات من المجتمع الإنساني الدولي، تدرك أن الحرب في غزة قد تؤدي إلى تقويض النظام الدولي الليبرالي. تفرض دولة الاحتلال ظروفا غير إنسانية على الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، واستمرار حصار قطاع غزة، وتتفاخر الحكومة الإسرائيلية والوزراء باستمرار حرب الإبادة وتجويع الناس وطريقة توزيع المساعدات في القطاع التي وضعتها إسرائيل. منذ بداية حرب الابادة تروج دولة الاحتلال أن الحصار المفروض على القطاع، ومنعها إدخال المساعدات الإنسانية والغذاء والوقود لا يشكل تهديدًا كبيرًا لحياة الفلسطينيين في القطاع، حتى بعد تحذيرات الأمم المتحدة ووكالات إغاثة أخرى من أن المجاعة قائمة. وما زالت دولة الاحتلال متمسكة في ترويج الادعاء السخيف، بانها تعمل على إدخال المساعدات والامدادات الغذائية، بناء على آلية جديدة لمنع حماس من السيطرة على المواد الغذائية، وهي منذ بداية الحرب اتخذت التجويع كسلاح لمعاقبة الفلسطينيين. إن التجويع الجماعي للناس بشكل عام، للأطفال والنساء وكبار السن، أمر لا يطاق، وإن عجز العالم عن وقف حرب الإبادة وفي قلبها استمرار المجاعة الجماعية تجعل الجميع في أنحاء العالم شركاء. والمشاركة في أن الناس يموتون من الجوع والعطش، وأنهم يقتلون من أجل لقمة خبز. وكذلك المشاركة من خلال التواطئ عن حماية موظفي الإغاثة، الذين يُقتلون أثناء قيامهم بأكثر الإجراءات إنسانية وأخلاقية قدر الإمكان، وتوزيع الطعام والوجبات السريعة اليومية والتي توقفت جميعها. بعد السابع من أكتوبر ترسخت قناعة لدى كثير من الدول الأوروبية المتنفذة، وصدقوا الرواية الإسرائيلية التي يرددونها، وإن جميع الناس في قطاع غزة مذنبون لأنهم اختاروا حماس ودعموا حكمها. ولا يوجد أبرياء في غزة، لأن السكان كانوا يعلمون ويصمتون. وفي هذا الموضوع فالعالم شريك، وعليه مسؤولية كبيرة وهم شركاء في الذنب وهم صدقوا الرواية الإسرائيلية، وان أهل غزة يجب أن يموتوا لأنهم شركاء في الذنب. أمس الثلاثاء عقد اجتماعاً في مجلس الأمن الدولي، حول الوضع في الشرق الأوسط، بما فيه القضية الفلسطينية، والوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة. وانتقد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر، خطة توزيع المساعدات في قطاع غزة التي وضعتها إسرائيل وتدعمها الولايات المتحدة. ووصفها بأنها "غطاء لمزيد من العنف والنزوح" للفلسطينيين في القطاع الذي عصفت به الحرب. إنها "مجرد مسرحية هزلية وتشتيت متعمد". ولم تدخل أي مساعدات غزة منذ الثاني من مارس الماضي. وخلال الاجتماع برزت معارضة من الدول الأوروبية المركزية مثل فرنسا وبريطانيا، للآلية الإسرائيلية، وأنها لن ندعم أي آلية مساعدات بغزة تسعى لتحقيق أهداف سياسية أو عسكرية، وأن توزيع وإدارة المساعدات الإنسانية التي اقترحتها إسرائيل، وهناك نحو (130 ألف) طن من الطعام تتعفن على حدود غزة، بدلا من إيصالها لمن يتضورون جوعاً. إن الشيء الوحيد الذي يُسمح له بالدخول إلى غزة هو الموت، القنابل والرصاص، للقطاع بينما يمنع الحليب عن أفواه الرضع. يُحظَر الماء ويُمنَع الدواء. وتغلق المعابر في وجه الحياة. ومع ذلك ما زال العالم يقف متفرجا على شعب يباد بصمت ويحاصر بالخذلان، ويُجرَد من أبسط حقوقه في الحياة. المجاعة في غزة تعمل على تقويض أسس النظام الدولي بوتيرة متسارعة. وعلى الرغم من بعض بوادر الصحوة من المجتمع الدولي ووكالات الأمم المتحدة وبعض الدول الأوروبية، إلا أن الوضع يزداد سوءً والمجاعة تضرب أطنابها. وإن ثقة إسرائيل بنفسها مستمدة، من عدم وجود استجابة حقيقية من جانب المجتمع الدولي ولم ترقى لاتخاذ قرارات حقيقية مثل المقاطعة، والذي يدفع ثمن تجاهل القرارات الأممية السابقة التي اتخذتها المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

كيف حدثت النكبة ومن المسؤول؟
كيف حدثت النكبة ومن المسؤول؟

وكالة خبر

timeمنذ 5 أيام

  • وكالة خبر

كيف حدثت النكبة ومن المسؤول؟

قد يبدو هذا التساؤل مستغربا بعد 77 عام على نكبة 1848 حتى يعرف الجيل الجديد ما جرى بالفعل وردا على الذين يزعمون أن الفلسطينيين باعوا أراضيهم لليهود أو قصروا في الدفاع عن وطنهم، ولأن ما يجرى اليوم مع الفلسطينيين على يد الحكومات العربية غير منقطع الصلة بما جرى في الماضي. ولنعد للبدايات .ففي رسالة وجهها الشريف حسين بن علي (شريف مكة)وزعيم العرب أنداك عام 1918 بعد محادثاته مع هنري مكماهون ممثل بريطانيا العظمى ،وافق على الرأي البريطاني بأن فلسطين ليست مشمولة بوعد بريطانيا له بإقامة دولة عربية، وهذا ما تأكد لاحقاً في الوثيقة أو الاتفاق بين الأمير فيصل ابن الشريف حسين مع الزعيم الصهيوني وايزمان على هامش مؤتمر باريس للسلام 1919، حيث وافق الأول على أن بعض المناطق العربية ومنها فلسطين لا تدخل ضمن الدولة العربية الموعودة للعرب، وقد وظف البريطانيون والحركة الصهيونية هاتين الوثيقتين في دعم جهودهم لتثبيت وعد بلفور في عصبة الأمم. لم يقف تخاذل وتواطؤ الزعامات العربية عند هذا الحد، حيث واصلوا تواطؤهم حتى بعد أن خذلت بريطانيا العرب بتوقيعها اتفاق سايكس- بيكو 1916 حيث تفاهم البريطانيون والفرنسيون على تقاسم المنطقة العربية بينهم وهي الاتفاقية التي تم كشفها لاحقاً من طرف روسيا القيصرية. فأثناء الإضراب الكبير الذي امتد لستة أشهر والثورة الشاملة التي تبعته 1936-1939 رفضا لهجرة اليهود واستمرار مشاريعهم الاستيطانية بدعم من جيش الانتداب البريطاني، وما أدت له من شلل في المرافق البريطانية العسكرية والمدنية وسقوط خسائر عند اليهود وفي الجيش البريطاني، وخوفاً من تداعيات هذه الثورة على الجماهير العربية وأن تنتفض دفاعاً عن فلسطين وخصوصاً أن كثيراً من المتطوعين العرب بدأوا بالتوافد على فلسطين تحت قيادة العراقي فوزي القاوقجي، تجنباً لذلك طلبت بريطانيا من الزعماء العرب الحاكمين في السعودية والعراق وشرق الأردن واليمن بالتدخل لدى القيادات الفلسطينية لوقف الثورة والإضراب، وللأسف بدلاً من الوقوف إلى جانب الثورة أرسلوا رسالة تطمين للفلسطينيين تطلب منهم: «الإخلاد إلى السكينة حقناً للدماء، معتمدين على حسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية، ورغبتها المعلنة لتحقيق العدل، وثقوا بأننا سنواصل السعي في سبيل مساعدتكم'. وكان نتيجة هذا التدخل الذي تعاملت معه القيادات اليمينية التقليدية الفلسطينية أن تم إجهاض الثورة مما مكن اليهود من توسيع مجال هجرتهم ومشاريع استيطانهم ثم كانت الحرب العالمية الثانية التي وظفها الصهاينة باقتدار لصالحهم. مع استمرار المواجهات بين الفلسطينيين والعصابات الصهيونية المدعومة عسكرياً وسياسياً من بريطانيا صدر القرار 181 عن الجمعية العامة في يوم 15 نوفمبر 1947 الذي يقضي بتقسيم فلسطين بين اليهود والعرب 55% لليهود و 44% للعرب ويتم وضع القدس تحت وصاية دولية، وفي 15 مايو 1948 أعلنت بريطانيا عن إنهاء انتدابها على فلسطين، وما بين قرار التقسيم وإعلان نهاية الانتداب البريطاني وإعلان اليهود عن استقلال دولتهم وبداية الحرب العربية الإسرائيلية تم نسج خيوط المؤامرة على فلسطين التي شاركت فيها الزعامات العربية كما فعلوا سابقاً. كان قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة غير ملزم لأنه صادر عن الجمعية العامة، فكيف ستقوم دولة إسرائيل وآنذاك كان عدد سكان فلسطين 2.065.000 نسمة، منهم 1.415.000 نسمة من العرب و 650.000 نسمة من اليهود أي ما نسبته 31.5% من إجمالي السكان وما يحوزنهم من أراضي لا يتعدى 19% من أراضي فلسطين الانتدابية والفلسطينيون يواصلون قتالهم دفاعاً عن أرضهم كما أن المتطوعين العرب في جيش الإنقاذ وغيره يشكلون تهديداً وخطراً على اليهود والبريطانيين والزعامات العربية نفسها؟ كان لا بد من حرب كبيرة تؤدي لتغييرات جغرافية وسكانية يمكن من خلالها تهجير العدد الأكبر من الفلسطينيين وتمكين اليهود من مساحات شاسعة ليقيموا عليها دولتهم الموعودة، وهذا ما أكده عضو الكنيست السابق يشعياهو بن فورت عندما تطرق لأحداث تلك المرحلة بقوله: 'لا دولة يهودية بدون إخلاء العرب من فلسطين ومصادرة أراضيهم و تسييجها'. وبدأت خيوط المؤامرة بتحريض بريطانيا الزعماء العرب على رفض قرار التقسيم وأشرفت على تشكيل الكتائب العربية التي ستخوض الحرب تحت عنوان رفض التقسيم ومنع قيام دولة اليهود، وتم وضع هذه الجيوش تحت قيادة الجنرال البريطاني غلوب باشا الذي كان قائداً للجيش الأردني كما كان أغلب قادة الفرق العسكرية من الضباط الإنجليز!! ولم تتوقف المهزلة عند هذا الحد بل تجاوزت ذلك بالتحكم بعدد الجنود ونوعية سلاحهم وبمجريات المعركة. حسب الوثائق الرسمية التي تم الإعلان عنها آنذاك، كان مجموع جنود الجيوش العربية السبعة التي خاضت الحرب في حدود 26 ألف جندي وزاد قليلاً بعد بدء المعارك، بدون خبرة قتالية وأسلحة متواضعة وبدون تنسيق مسبق بينها أو إرادة حقيقية للقتال عند أغلبهم، بينما دفعت الحركة الصهيونية لساحة القتال حوالي 100 ألف مقاتل مجهزين بأحدث الأسلحة وبتجربة قتالية اكتسبوها من خلال مشاركتهم في الحرب العالمية الثانية الى جانب الحلفاء. كل ما سبق حقائق أكدها شهود عيان وممن شاركوا في الحرب كالقائد عبد الله التل وعارف العارف وفوزي القاوقجي وعزة دروزة، كما تطرق جمال عبد الناصر في مذكراته عن حرب فلسطين وما صاحبها من خيانات حيث يقول: ( لم يكن معقولاً أن تكون هذه حرباً … لا قوات تحتشد، لا استعدادات في الأسلحة والذخائر، لا خطط، لا استكشافات، ولا معلومات! ومع ذلك فهم هنا في ميدان قتال.. إذن فهي حرب سياسية.. هي إذن حرب ولا حرب؛ تقدم بلا نصر، ورجوع بلا هزيمة.. هي حرب سياسية فقط ….) يجب ألا يستغرب البعض من هذه الوقائع لأنه بالعقل والمنطق لا يُعقل أن بريطانيا التي صنعت وعد بلفور ومدت الحركة الصهيونية بكل أشكال الدعم السياسي والعسكري حتى أنها تركت للصهاينة مطاراتها وموانئها في فلسطين، وهي التي في نفس الوقت تشرف على الجيوش العربية وتتحكم بتسليحها وتمويلها … لا يُعقل أن تسمح لضباطها بأن يقودوا حرباً على كيان صنعته وتعهدته حتى آخر لحظة إلا إذا كانت حرباً تكون نتيجتها مضمونة لصالح ربيبتها وصنيعتها دولة اليهود. مباشرة عند دخول الجيوش العربية لفلسطين سقطت مدينتي اللد والرملة بيد الصهاينة وكان الجيش الأردني مسؤولاً عن الدفاع عن هاتين المدينتين المهمتين، ففي مذكرات عبد الله التل قائد جبهة القدس في حرب 48 يقول: ' إن أحد القادة العرب قدّم اقتراحًا للملك الأردني عبد الله ابن الحسين بتبديل قيادة الجيش البريطانية والاستغناء تمامًا عن الفريق غلوب (المعروف باسم غلوب باشا)، والضباط الإنجليز الذين كانوا معه، لأنّهم ودون شكّ يعملون على تمكين القوات الصهيونية من تجاوز حدود التقسيم' لكنّ الملك، وبرأي التلّ، لم يكن يستطيع أن يوافق على مقترح كهذا، لأنّه يعلم أنّ بريطانيا لن تقبل فكرة الاستغناء عن غلوب. ووسط الحرب وبعد أن حقق اليهود انتصارات كبيرة وتجاوزوا حدود التقسيم وباتوا يستولون على 78% من مساحة فلسطين وشردوا غالبية الفلسطينيين حوالي ثمانون ألف فلسطيني وتدمير 500 قرية تحرك حلفاء الحركة الصهيونية ولجأوا لمجلس الأمن ليصدر قرارا بوقف المعارك وفرض هدنة على الطرفين، وجاء قرار مجلس الأمن بفرض الهدنة الثانية تكريساً للنصر اليهودي على الجيوش العربية ونجحت القوات الصهيونية، من طرد كل القوات العسكرية العربية من فلسطين، باستثناء الجيش الأردني الذي احتفظ بالضفة الغربية ومصر التي استمر تواجدها العسكري في قطاع غزة، وبذلك تم القضاء على مشروع الأمم المتحدة للتقسيم. يتحدث عبدالله التل عن تداعيات الحرب وحالة الغضب الشعبي العربي مما جرى فيقول: ' ما جرى دفع جامعة الدول العربية المشاركة في الحرب المصطنعة وحتى تخفي تواطؤها أن تطلب من الملك عبدالله، بعد الهزيمة، الاستغناء عن الضباط الإنكليز وعلى رأسهم كلوب باشا، أو إبعادهم عن قيادة الجيش العربي الأردني على الأقل، باعتبارهم المسؤولين العسكريين عن الهزيمة، طبعاً لخلق مشجب يعلقون عليه أمام شعوبهم جريمتهم المفضوحة، ويخرجوا ببعض ماء الوجه، ويبرّئون أنفسهم أمام شعوبهم من الاشتراك بالجريمة / الهزيمة، رفض الملك عبدالله ذلك، مع أن طلبهم يمكن أن يكون صك براءة له ولهم، لو تم استخدامه، وهندسته كما تم هندسة حرب الهزيمة، وبنفس الخبث والمكر والخديعة، وكان جواب الملك عبدالله، في جلسة عامة بقصر (رغدان): 'أنا لا أستطيع تغيير سرجي في المعركة باعتبار أن معركته لم تنته، فقد بقي منها الفصل الأخير، وهو فصل وضم وإلحاق (الضفة الغربية) بعرشه الهاشمي، وهذا الفصل الأخير هو عاجز لوحده عن تنفيذه، فلا بد والحالة هذه من الحفاظ على سرجه وخيوله، حتى لو كانت تشرب من دماء الشعب الأردني والفلسطيني على حد سواء'. ويستطرد عبد الله التل قائلا:' الحقيقة التي لا تقبل الشك، أن جنود وضباط الجيش الأردني، دخلوا فلسطين صادقين لتحريرها، وتسليمها لأهلها ولأصحابها، وخاضوا المعارك الدفاعية بشرف، وقدموا استناداً إلى بيانات قيادة الجيش، (363) شهيداً منهم (11) ضابطاً، والباقي من رتب عسكرية مختلفة'. نستخلص من كل ما جرى عدم صحة ما يزعمه البعض من الموتورين من غير الفلسطينيين بأن الفلسطينيين باعوا أرضهم وأن العرب خاضوا عدة حروب وسقط لهم الآلاف دفاعاً عن فلسطين والفلسطينيين، والحقيقة أن تدخل الأنظمة العربية كان وبالاً على الشعب الفلسطيني ولو لم يتدخلوا ما كانت النكبة أولا ثم النكسة ثانياً ثم التطبيع أخيراً، ولكان 15 مليون فلسطيني حتى الآن يقاتلون الصهاينة على أرض فلسطين بدلا من 7 مليون المتواجدين حاليا وما كانت الهجرة والشتات. نُذَكِر دوما أن الفلسطينيين يدفعون ثمن هزيمة سبع جيوش عربية في حرب 1948 حيث أدت الهزيمة لفقدان ثلثي أرض فلسطين ثم دفعوا مرة أخرى ثمن هزيمة العرب في حرب 1967 حيث فقدوا بقية فلسطين ،حتى الانقسام الذي حدث في يونيو 2007 ما كان أن يكون لولا تآمر إسرائيلي أمريكي مع أطراف عربية وإسلامية في سياق ما يسمى الشرق الأوسط الجديد ، دون أن نسقط من الحسبان أخطاء الفلسطينيين أنفسهم وهي ليس في فداحة الأخطاء العربية. إن تجاوز النكبة والهزيمة لن يكون إلا من خلال مراجعة جذرية لخطاب النكبة تؤسس لفهم جديد لها بكل مراحلها. صحيح ان نكبتنا متواصلة طوال 77 عاما ولكن صحيح أيضا أن العدو الصهيوني لم يتمكن طوال هذه السنوات بالرغم من كل ممارساته الإرهابية أن بلغي وجود الشعب الفلسطيني على ارضه ولا يلغي انتماء نصف الشعب الفلسطيني الذي يعيش في الشتات لأرضه، ولم يتمكن من التأثير على عدالة القضية الفلسطينية حيث درجة التأييد العالمي الشعبي والرسمي يتزايد. صحيح أن الانقسام الداخلي والتآمر المتواصل على قضيتنا والإرهاب الصهيوني المتواصل يصعب من حياتنا ويهدد مشروعنا الوطني ويزيد من احساسنا بالنكبة، إلا أن كل ذلك يزيد من إحساسنا بالانتماء للوطن، لأن الانتماء للوطن حالة تتجاوز الجغرافيا والأحزاب والنخب المأزومة وتتجاوز حسابات من يختزلون الوطن بحكومة أو سلطة أو أيديولوجيا مزعومة. ليس هذا الكلام مجرد تعزية للذات أو رفع للمعنويات أو الهروب من واقع الاعتراف بالتحديات الكبيرة التي تواجه المشروع الوطني التحرري. قد يكون في قولنا بعض مما سبق ولكنه في مجمله كلام مبني على تجارب الشعوب ومسار التاريخ البشري وعلى التحليل والفهم العلمي للعلاقات الدولية والنظام الدولي وموازين القوى، فالتاريخ يُعلمنا بأن في حياة الأمم مراحل مد وجزر وانتصارات وهزائم، كما يُعلمنا بأن موازين القوى غير ثابتة، وأن مناط الحكم على الشعوب وقضاياها الوطنية لا يكون من خلال لحظة انتكاسة في مسار صراعها مع العدو الخارجي أو فشل في تدبير أمورها الداخلية أو انفضاض الحلفاء من حولها، بل من خلال مدى استمرار تمسك الشعب بحقوقه وثوابته الوطنية ومدى استعداده للنضال من أجلها، أيضا قدرة الشعب الفلسطيني على تغيير واقعه الداخلي قبل مطالبة العرب وغيرهم بالالتفاف حول قضيته العادلة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store