لبنان وأورتاغوس: التهريج السياسي في زمن الانهيار
من يُتابع أحاديث اللبنانيين وإعلامهم، قد يُخَيَّل إليه، ولو لبرهة، أنّ رئيس الولايات المتحدة الأميركية أو زملاءه من صُنّاع القرار العالمي، يَستفيقون كل صباح ولبنان وشؤونه السياسية والاقتصادية على رأس أولوياتهم، وكأنّ ترامب وإدارته مُولعون بتتبع أخبار السياسة اللبنانية وهيكليتها، وزواريبها المتشابكة.
يُسَلّط خبر إقالة نائب المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس من منصبها، الضوء على هذه الظاهرة اللافتة. إذ تَفاعَل اللبنانيون، بمختلف انتماءاتهم السياسية والثقافية، وإيمانهم بفرادتهم العرقية والجغرافية، مع خبر الإقالة المرتقبة لأورتاغوس بسطحية أو بالأحرى بطفولية.
بطبيعة الحال، لم تَنْجُم الإقالة عن أسلوب أورتاغوس الذي وُصِف بالفَظ أو غير الدبلوماسي، بل نَتَجت عن كون الإدارة الأميركية، على خلاف الساسة والجمهور في لبنان، تتميز برؤيتها للملفات التي تتابعها وكل ملف حسب أهميته، إذ إن هذه الإدارة لا تتردّد في تذكير اللبنانيين بواقعهم المرير، وتؤكّد بوضوح على أن هذا الواقع من صُنع أيديهم، وأنّ طريق الخروج منه يبدأ بالإقرار بالأخطاء والعمل على حماية السيادة الوطنية، عبر نزع سلاح "حزب الله" ومشتقاته، وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة لِمَنع الاقتصاد اللبناني من أن يتحوّل إلى أداة تخدم مشروع الحرس الثوري الإيراني.
قُوبِل رحيل أورتاغوس المتوقّع، بردود فعل تتوزع حسب الاصطفافات السياسية اللبنانية. فالمحور السيادي، الذي يَتوق لإنهاء الكابوس الإيراني، وَجَد رحيلها خسارة، فيما رأى محور "الممانعة" و"المقاومة" في هذا الرحيل دليلاً على صواب مشروعهم "التحرّري" الذي استثمر في الجريمة المُنظّمة وتصنيع المخدّرات، أكثر مما سعى فعلاً إلى "رمي اليهود في البحر". وفي الحالتين، لقد فَشِل الطرفان في فهم حقيقة مفادها أنّ السياسة الأميركية، لا سيما في عهد ترامب المتقلّب، لا تكترث للبنان، ولا ترى في تبديل مبعوث أو مستشارة تغييراً جذرياً في العقيدة السياسية الخارجية.
إن فَرَح اللبنانيين أو حزنهم على رحيل موظفة حكومية أميركية يشبه فرحة الطالب الكسول عند التخلّص من أستاذ مادة معينة كان يُصِرّ على ضرورة الابتعاد عن الغش والمثابرة في المذاكرة كسبيل وحيد للنجاح. وبالطبع، لم تَنبَع نصائح أورتاغوس من حبها للبنانيين، بل لأن هدفها الأسمى، من منظور استراتيجي أميركي، يتمحور حول ضمان استقرار لبنان من خلال تمكين الدولة، وتَنبيه الشعب بأنّ السماح لميليشيات تتبع إيران باستخدامهم كدروع بشرية في صراعات إقليمية، لن يجلب لهم سوى المزيد من الدمار.
إن جهل اللبنانيين بآلية عمل الحكومة الأميركية والبيت الأبيض دفعهم إلى نسج روايات خيالية حول أسباب التغييرات داخل إدارة ترامب، ثم التكهّن بأسماء من سيخلف أورتاغوس في "الملف اللبناني"، ومنهم الدبلوماسي المخضرم جويل رايبرن، وهي معلومة غير دقيقة. فرايبرن، المتخصص في شؤون المشرق، سينضم إلى وزارة الخارجية وينتظر تثبيته من قبل الكونغرس، في حين أن المبعوثين يتبَعون مباشرة للبيت الأبيض والرئيس نفسه. وفي الحالتين، من سيتابع شؤون لبنان يدرك جيداً أن اللبنانيين هم أساتذة في التهرّب من المسؤولية، وأن ساسة هذا البلد يفضّلون استقبال الفنانين وجرّاحي التجميل والمطربين على الانخراط في معارك جدّية لبناء الدولة.
صادف رحيل أورتاغوس الذكرى العشرين لاغتيال الصحافي والمؤرّخ سمير قصير، الذي اغتيل على يد نظام الأسد وحليفه "حزب الله". وفي ذكرى رحيله، اكتفى البعض بنشر صوره مقرونة بعبارات تمجيدٍ لأفكاره، بدون ربط ذلك بالنضال الحقيقي، بل واصلوا تأييد مشاريع "المقاومة" التي اغتالت سمير، وقتلت لقمان سليم، وجورج حاوي، ودمّرت بيروت.
تُعَد ذكرى اغتيال مؤرّخ بيروت وإقالة أورتاغوس مناسبة لتذكير اللبنانيين بأنّ نجاة لبنان لن تأتي على يد مبعوثين، ما لم تقترن نصائح هؤلاء بآذان لبنانية صاغية، وإرادة فعلية للعمل الصادق. تلك هي أفكار لعلّها لم تَنضج بعد في بلدٍ احترف ساسته المراوغة والخداع كنمط حياة.
مكرم رباح -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الميادين
منذ 28 دقائق
- الميادين
إيران: قرار واشنطن بمنع دخول مواطنينا وغيرهم من دول إسلامية يعكس عنصرية وعداء
أدان مدير عام دائرة شؤون الإيرانيين في الخارج بوزارة الخارجية الإيرانية علي رضا هاشمي رجا بشدة الإجراء العنصري الأميركي بمنع دخول المواطنين الإيرانيين وعدد من الدول الأخرى ذات الغالبية المسلمة إلى أراضي الولايات المتحدة. وإذ أكد أنّ هذا الإجراء، دليل واضح على تغلغل ذهنية التفوّق العرقي والعنصرية في أوساط صانعي القرار الأميركيين، أشار إلى أنّ قرار الادارة الأميركية بمنع دخول المواطنين الإيرانيين لمجرّد انتمائهم الديني أو القومي، يعكس عداء عميقاً من صانعي القرار الأميركيين تجاه الشعب الإيراني والمسلمين. وتابع أنّ حرمان مئات الملايين من البشر من حقهم في السفر إلى دولة أخرى، فقط بسبب جنسيتهم أو دينهم، يُعدّ مثالاً واضحاً على التمييز العنصري والعنصرية المؤسسية. وفي ختام كلامه، دعا هاشمي رجا الأمم المتحدة والمؤسسات الحقوقية إلى اتخاذ موقف صريح وعلني ضد السياسات الأحادية وانتهاك المعايير الإنسانية من قبل الولايات المتحدة. والخميس الماضي، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يقضي بمنع دخول مواطني 12 دولة إلى الولايات المتحدة، وفرض قيود جزئية على رعايا 7 دول أخرى، في خطوة وصفها البيت الأبيض بأنها تهدف إلى "حماية الأمن القومي". وتشمل الدول التي فُرضت عليها قيود كاملة: أفغانستان، ميانمار، تشاد، الكونغو، غينيا الاستوائية، إريتريا، هايتي، إيران، ليبيا، الصومال، السودان، واليمن. وفرض ترامب قيوداً جزئية على مواطني بوروندي، وكوبا، ولاوس، وسيراليون، وتوغو، وتركمانستان، وفنزويلا. وأكّد أنّ "هذه الإجراءات قد تتوسّع لتشمل دولاً أخرى إذا اقتضت الضرورة".

القناة الثالثة والعشرون
منذ 33 دقائق
- القناة الثالثة والعشرون
رسالة قاسية من عون.. السقف عالي جداً
توقفت مصادر سياسية مقربة من أجواء "حزب الله" عند الكلام الذي وجهه رئيس الجمهورية جوزاف عون باتجاه الأميركيين والإسرائيليين إبان الغارات التي طالت الضاحية الجنوبية لبيروت، مساء الخميس. المصادر قالت إن كلام عون يفتح سياقاً واضحاً ورسالة امتعاض تجاه الأميركيين من خلال القول لهم إنكم تدعمون عمليات إسرائيل ضد لبنان وهو العامل الذي يبرر استمرار وجود "حزب الله" وقوته، وفي المقابل تريدون نزع السلاح بينما مبرر استمرار بقائه، بالنسبة للحزب، ما زال قائماً لاسيما مع الممارسات الإسرائيلية. واعتبرت المصادر أن رئيس الجمهورية "رفع السقف" عالياً بشكل ملحوظ وذلك للحفاظ على وحدة الصف الداخلي ضد إسرائيل، لكنه في المقابل أبدى موقفاً واضحاً متمرداً على أيّ مسار أميركي يمنح تل أبيب "الضوء الأخضر" لمواصلة مهاجمة لبنان بهدف زيادة الضغط على "حزب الله" من جهة ورفع حدة المواجهة العسكرية من جهة أخرى. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


النهار
منذ 39 دقائق
- النهار
إيران تهاجم الحظر الأميركي على السفر: يظهر "عداء عميقاً" حيال الإيرانيين والمسلمين
قالت وزارة الخارجية الإيرانية على تطبيق "إكس" اليوم السبت إن الحظر الأميركي على السفر الذي يشمل إيران يظهر "عداء عميقاً من صناع القرار الأميركيين حيال الشعب الإيراني والمسلمين". ووقع ترامب الأربعاء قراراً بحظر مواطني 12 دولة من دخول الولايات المتحدة اعتباراً من الاثنين المقبل، قائلاً إن القيود ضرورية لحماية البلاد من "الإرهابيين الأجانب". ويسلط القرار الضوء على خطوة مماثلة اتخذها ترامب خلال ولايته الأولى عندما حظر دخول مواطني سبع دول ذات غالبية مسلمة. وواجه القرار تحديات قضائية قبل أن تؤيد المحكمة العليا الأميركية الحظر في 2018. وألغى الرئيس السابق جو بايدن ذلك الحظر في 2021 ووصفه بأنه "وصمة عار على ضميرنا الوطني". لكن الحظر الجديد أوسع بكثير ويشمل أفغانستان وميانمار وتشاد والكونغو وغينيا الاستوائية وإريتريا وهايتي وإيران وليبيا والصومال والسودان واليمن. ويفرض أيضاً قيوداً بشكل جزئي على دخول الأشخاص من سبع دول أخرى هي بوروندي وكوبا ولاوس وسييراليون وتوغو وتركمانستان وفنزويلا. قال ترامب إن الدول الخاضعة للقيود الأشد صرامة تشهد "وجوداً واسع النطاق للإرهابيين"، ولا تتعاون في مجال أمن التأشيرات، ولديها عجز في التحقق من هويات المسافرين، بالإضافة إلى الافتقار لحفظ السجلات الخاصة بالتاريخ الجنائي وتسجيل معدلات مرتفعة لتجاوز مدة تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة. واستشهد بالحادث الذي وقع الأحد في بولدر بولاية كولورادو، حيث ألقى مواطن مصري قنبلة حارقة على حشد من المتظاهرين المؤيدين لإسرائيل كمثال على الحاجة إلى القيود الجديدة. لكن مصر لم يشملها حظر الدخول. وقال ترامب للصحافيين في البيت الأبيض الخميس: "مصر دولة نتعامل معها عن كثب. والأمور تحت السيطرة". يدخل حظر الدخول حيز التنفيذ في التاسع من يونيو/حزيران الساعة 12:01 صباحاً.