
الصفقة القادمة مع غزة: اعتراف بالهزيمة أم هروب من الانهيار؟
المحامي أسامة العرب
بعد مرور أكثر من 600 يوم على اندلاع الحرب في قطاع غزة، تجد إسرائيل نفسها في مواجهة تدهور غير مسبوق في مكانتها الدولية، يترافق مع تصاعد حدة الانقسامات الداخلية والأزمات السياسية والاقتصادية. لم تعد الانتقادات مقتصرة على الخصوم التقليديين، بل امتدت لتشمل أقرب الحلفاء الغربيين، مما ينذر بعزلة دولية خانقة ويثير تساؤلات جدية حول مستقبل علاقاتها الخارجية واستقرارها الداخلي.
تسونامي دبلوماسي يضرب إسرائيل
وصفت مصادر دبلوماسية في تل أبيب الوضع بأنه 'تسونامي دبلوماسي'، وهو وصف يعكس حجم الضغوط التي تتعرض لها حكومة بنيامين نتنياهو. فقد شهدت الفترة الأخيرة تهديدات بفرض عقوبات من دول حليفة مثل بريطانيا وفرنسا وكندا. ولم تقتصر الأمور على التهديدات، بل اتخذت لندن خطوات فعلية تمثلت في إلغاء مفاوضات تجارية، واستدعاء السفيرة الإسرائيلية، وفرض عقوبات على عدد من قادة المستوطنين. كما وجه أكثر من 800 محامٍ وأكاديمي وقاضٍ متقاعد في بريطانيا رسالة إلى رئيس الوزراء كير ستارمر دعوه فيها إلى فرض عقوبات قاسية على إسرائيل وتعليق عضويتها في الأمم المتحدة، لدفعها لوقف الإبادة الجماعية في غزة. وأكدوا أن جرائم حرب تُرتكب بحق الفلسطينيين، مشيرين إلى تصريحات تحريضية من مسؤولين إسرائيليين. وطالبوا بوقف فوري لإطلاق النار، واستئناف المساعدات، ورفع الحظر عن 'الأونروا'، وتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
وكل هذه الإجراءات، وصفتها التحليلات الإسرائيلية بأنها رسالة واضحة مفادها 'كفى!'، تشير إلى تحول كبير في مواقف العواصم الغربية. حتى الولايات المتحدة، الحليف الأقرب والأهم لإسرائيل، اختارت الصمت إزاء هذه الضغوط الأوروبية، وهو صمت فُسّر على أنه علامة على تراجع الدعم التقليدي. وتواترت التسريبات حول 'إحباط' الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أداء الحكومة الإسرائيلية، مما يثير شكوكاً حول موقف واشنطن المستقبلي، خاصة في حال طرح مبادرات لإنهاء الحرب في مجلس الأمن الدولي. ونقلت صحيفة 'يديعوت أحرونوت' عن مسؤول إسرائيلي قوله: 'نواجه موجة عداء عالمية، لا خطط، ولا حلول، فقط دمار، والعالم ضاق ذرعا'. هذا الشعور بالإحباط العالمي يتجسد في مقاطعة صامتة تتعمق يوماً بعد يوم، وتضع إسرائيل في أسوأ لحظاتها الدبلوماسية منذ عقود.
عوامل تآكل السمعة: صور الدمار والتصريحات المتطرفة
يعزو مراسل الشؤون السياسية والدبلوماسية لصحيفة 'يديعوت أحرونوت'، إيتمار آيخنر، هذا التحول في الرأي العام الغربي بشكل كبير إلى صور الدمار الهائل وسقوط أعداد كبيرة من المدنيين في غزة، بالإضافة إلى غياب أي خطة إسرائيلية واضحة لإنهاء الحرب أو لإعادة إعمار القطاع المدمر. يضاف إلى ذلك، تصريحات وزراء متطرفين في الحكومة الإسرائيلية، مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، والتي زادت من حدة الغضب الدولي. فدعوات سموتريتش إلى 'تدمير غزة وتهجير سكانها وتجويعهم'، كما أشار محلل الشؤون الدبلوماسية في صحيفة 'هآرتس'، حاييم ليفينسون، أثارت استياءً واسعاً في أوروبا، حيث بدأ البعض يرى أن اللحظة الحالية قد تكون 'الفرصة الأخيرة' لوقف ما يعتبرونه تطهيراً عرقياً واسع النطاق.
ويرى الغرب، وفقاً للتحليلات، أن العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة تخدم أجندات سياسية داخلية لحكومة نتنياهو أكثر من كونها تحقق أهدافاً استراتيجية واضحة، خاصة مع اتهام نتنياهو بإطالة أمد الحرب رغم وجود مقترحات لوقف إطلاق النار. هذا التصور يعزز الضغوط الدولية، حيث يتشكل تحالف بين كندا وبريطانيا وفرنسا للضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب، مستفيدين من قوتهم الاقتصادية. وتلوح دول الاتحاد الأوروبي بإلغاء اتفاقيات تجارية بمليارات الدولارات، وتدرس خطوات أخرى كسحب السفراء وتعليق التعاون العلمي والثقافي. كما تقود فرنسا تحركاً للاعتراف بدولة فلسطينية بدعم سعودي، قد تنضم إليه دول أوروبية أخرى، وهو ما ترفضه إسرائيل بشدة.ولا تقتصر الضغوط على العالم الغربي، بل تمتد لتشمل الدول العربية، وخاصة دول الخليج، التي تمارس ضغوطاً على إدارة ترامب لحثها على التدخل وإنهاء الحرب، في ظل ما تراه تعنتاً من نتنياهو ورفضاً لأي مناقشة جدية لإنهاء الصراع، وتعاطيه مع قضية المحتجزين الإسرائيليين كـ'مأساة خاصة' وليست أولوية وطنية، مما يجعل مفاوضات الدوحة، بحسب ليفينسون، محكومة بالفشل.
شرخ داخلي عميق وأزمة حكومية تلوح في الأفق
بالتوازي مع العزلة الخارجية المتزايدة، تتفاقم الأزمات الداخلية في إسرائيل ويتعمق الانقسام المجتمعي. كما تتصاعد الأصوات المنتقدة لسياسات حكومة نتنياهو من داخل المؤسسة السياسية والعسكرية السابقة، مثل رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت والمسؤول العسكري السابق يائير غولان، بل ودعا رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك إلى عصيان مدني. وتواجه الحكومة خطر التفكك، حيث تمتنع الأحزاب الحريدية عن التصويت مع الائتلاف للأسبوع الثالث على التوالي، بسبب الخلاف حول قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية. وقد أثارت تصريحات يائير غولان، التي دعا فيها إلى 'دولة عاقلة لا تقتل الأطفال كهواية'، جدلاً واسعاً. ورغم أن المحلل السياسي شالوم يروشالمي في صحيفة 'زمان يسرائيل' اعتبر كلماته 'فظيعة' حتى لو حملت مضامين صائبة حول العزلة المتزايدة، إلا أنه رأى أنها ألحقت ضرراً بمعسكر المعارضة وأحدثت شرخاً جديداً داخله، مما قد يحد من قدرته على تشكيل حكومة بديلة في المستقبل. في المقابل، سارع نتنياهو لوصف تصريحات غولان بأنها 'انحلال أخلاقي'، بينما يرى كثيرون أن الانحلال الحقيقي يكمن في سياسات حكومته التي عمقت الأزمة. ومع استمرار الحرب دون أفق واضح، تتزايد المخاوف من تآكل الدعم الشعبي، خاصة في ظل الخطر الذي يهدد حياة الجنود والمحتجزين، وفي ظل حرب تبدو في نظر كثيرين بلا جدوى أخلاقية أو استراتيجية. وفي خضم هذه الأزمات الكبرى، ينشغل السياسيون بمعارك جانبية، مثل الصراع على السيطرة على المحاكم الحاخامية، والذي اعتبره الكاتب آفي بار إيلي في صحيفة 'ذي ماركر' بمثابة 'الطلقة الافتتاحية لمفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي المقبل، ما بعد الحرب'، كاشفاً عن أولويات بعض القوى السياسية حتى في أحلك الظروف.
تل أبيب توافق على مقترح ويتكوف وحماس تدرسه
وافقت الحكومة الإسرائيلية على مقترح المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف بشأن صفقة تبادل ووقف إطلاق النار، فيما تدرسه حركة حماس. يشمل المقترح إطلاق سراح 10 أسرى إسرائيليين وتسليم جثامين 10 آخرين على دفعتين، مقابل وقف مؤقت لإطلاق النار مدته 60 يوماً، تليها مفاوضات للتوصل إلى اتفاق نهائي.
المقترح ينص أيضاً على انسحاب جزئي للجيش الإسرائيلي من غزة، مع الإبقاء على تمركزه في ممر فيلادلفيا، واستئناف دخول المساعدات عبر الأمم المتحدة، وإفراج إسرائيل عن مئات الأسرى الفلسطينيين.
ويتكوف أعرب عن تفاؤله بإمكانية التوصل إلى اتفاق طويل الأمد، بينما أبدت واشنطن ارتياحاً إزاء الردود الأولية. في المقابل، اعتبر بعض المحللين أن المقترح يمثل 'ردّاً إسرائيلياً' على تفاهم سابق بين حماس وويتكوف أكثر من كونه خطة جديدة، وسط غياب ضمانات حقيقية لاستمرار وقف القتال أو دخول المساعدات.
وفيما شدد نتنياهو على عدم الانسحاب من غزة قبل استعادة جميع الرهائن، قالت عائلاتهم إنه كان قادراً على التوصل إلى صفقة شاملة لكنه اختار استمرار الحرب لأسباب سياسية. أما المعارضة الإسرائيلية فقد دعت للموافقة الفورية على المقترح، فيما تبقى نقاط الخلاف الأساسية متعلقة بضمانات أميركية لحماس بشأن تنفيذ الاتفاق وعدم استئناف القتال بشكل أحادي من قبل إسرائيل.
إسرائيل على شفا أزمة غير مسبوقة
في المحصلة، تجد إسرائيل نفسها محاصرة خارجياً ومهتزة داخلياً، على شفا أزمة سياسية واقتصادية ودبلوماسية غير مسبوقة. فالعالم، بما في ذلك أقرب الحلفاء، يبدو وقد ضاق ذرعاً بسياساتها في غزة، والضغوط تتزايد من كل حدب وصوب.
داخلياً، يتسع الشرخ وتتآكل الثقة بالحكومة، وتلوح في الأفق أزمة ائتلافية قد تطيح بنتنياهو. وتبدو إسرائيل معزولة دولياً، باستثناءات قليلة مثل دعم رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، ويترقب الجميع ما إذا كان الحليف الأمريكي سيتحرك أخيراً لإنهاء الأزمة، أم أن إسرائيل ستستمر في الانزلاق نحو مستقبل غامض ومحفوف بالمخاطر؛ ذلك أنّ إصرار إسرائيل على تجاهل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ورفضها لحل الدولتين القائم على حدود عام 1967، وعلى رأسها الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، لن يؤدي إلا إلى المزيد من العزلة والتصعيد. فالقوة وحدها لا تصنع شرعية، والاحتلال لا يمكن أن يدوم إلى الأبد. وإذا لم تُراجع إسرائيل سياساتها وتقبل بالسلام العادل والشامل، فإنها تسير بخطى ثابتة نحو زوالها ككيان غير قابل للاستمرار في بيئة إقليمية ودولية تزداد اقتناعاً بأن لا أمن ولا استقرار في الشرق الأوسط من دون إنصاف الشعب الفلسطيني واستعادة حقوقه كاملة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الميادين
منذ 17 دقائق
- الميادين
"التّفَرعُن" الإسرائيلي، هل يُطيح بالمسجد الأقصى!
من حُسن "حظ" المسلمين والعرب أنّ بن غفير وسموتيريتش لا يتقنان العربية، وعلى الأرجح أنهما يزدريانها كما يزدريان الناطقين بها. ومع ذلك لا تبدو العلة في أنّ الأمّة العربية لا تفهم العبرية، أو أنّ بن غفير وسمتيرتش لا يتقنان العربية، بل في كون لسانهما العبري الأرعن، المُفهوم عربياً، وأفعالهما الأكثر رعونة، ما عادت تَقُضّ للأمّة العربية "الميتة أصلاً" مضجعاً، أو تُحرّك فيها ساكناً! والمؤكّد أنّ "ثنائي التوحّش"، ومن لفّ لفيفهما في المجتمع الإسرائيلي، أدركوا هذا الأمر مبكراً، مع بداية حربهم التدميرية على القطاع والضفة وغيرهما، فلم يعودوا يخشون المجاهرة بنيّاتهم أو يستترون من فظاعة أفعالهم، فظاهرهم سبق باطانهم في فضح سواد قلوبهم وسوء نيّاتهم. وليت الأمة العربية وقفت عند حدّ "الموت السريري" لضميرها ونخوتها وعروبتها، بل إنّ بعض العرب "تَصهين" ضميره و"تَعَبرَن" قوله وفعله، فصار لسان حالٍ لبن غفير وسموتريتش، يقول بما يقولان ويطالب بما يطالبان من دون خجل أو وجل، ما فتح شهية اليمين الصهيوني على مزيد من التغوّل والتوحّش تجاه الأمة العربية والإسلامية ورموزها ومقدّساتها. وليس مستغرباً، والحال هذه، أن وصل الأمر بأحد الصهاينة القول، ساخراً من العرب،: "قالوا لنا بأنّ صلاة يهـودي واحد في المسجد الأقصى ستُغضب العرب وستُشعل الشرق الأوسط، واليوم الآلاف من اليهـود صلّوا، رقصوا، غنّوا، ورفعوا الأعلام الإسرائيلية هناك، ولم يحدث شيء". وهو نفسه الذي قال قبل أيام، متبجّحاً أيضاً: "بتنا نَقتُل في غزة 100 فلسطيني في اليوم ولا أحد يبالي". في أيلول/سبتمبر 2000، أقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "أرييل شارون" على اقتحام المسجد الأقصى، فقامت الدنيا ولم تقعد، واندلعت انتفاضة الأقصى وضجّت الأمة بالتظاهرات والمواقف السياسية المُندّدة. أما اليوم، فهذا هو ثامن اقتحام استعراضي استفزازي لبن غفير للأقصى، ثاني أقدس مقدّسات المسلمين، منذ تولّيه وزارة "الأمن القومي الإسرائيلي"، يمرّ هادئاً سَلِساً كأنّ شيئاً لم يحدث، إذ يبدو أنّ العرب اعتادوا المشهد الذي درج بن غفير على فعله في المسجد الأقصى، الذي يسمّيه "جبل الهيكل"، أهم الأماكن بالنسبة إلى "شعب إسرائيل"؛ والتدرّج تعويد والتعويد مصمّمٌ للوصول إلى حيث تصبو "إسرائيل" وتحيك لهذا المكان الإسلامي المُقدّس. وما "تفرعن فرعون إلّا بمَن فرعنوه"، حتى قال سموتريتش في كلمته أمام حائط البراق غربي المسجد الأقصى المبارك قبل أيام فيما يُدعى "احتفال إسرائيل بتوحيد القدس": "نحن نحرّر غزة، نستوطن غزة، وننتصر على العدو، وسنعمل على توسيع حدود إسرائيل وسنبني الهيكل مكان المسجد الأقصى وفي أيامنا، وبتمويلٍ من وزارتي". ولو أنّ هذا الأرعن، بناء على طبائع الأشياء، ونواميس الكون، وجد أمّة حيّةً تعرف مصلحتها وتدافع عن أبنائها ومقدّساتها وتحميها، لوقف عند حدوده ولما تمادى في غيّه حتى فاخر علانيةً في نيّته هدم المسجد الأقصى، ولذلك قال بلسان الحال: "تفرعنت لأني لم أجد من يردعني ويقف في وجهي"، فقد فعل ما لم يفعله سابقوه من الصهاينة المجرمين، فجاوز الحدّ في القتل والدعوة إلى استمرار الإبادة والاحتلال وهدم المقدّسات. 29 أيار 10:56 29 أيار 08:41 والاستبداد كما يُخبر علماء النفس، يمثّل جنون العظمة والنرجسية، ولذلك وصَفَ القرآن فرعون بأنه "علا في الأرض" وهو تعبيرٌ عن تكبّره واعتقاده بأنه فوق الجميع. مثل هذا السلوك ينشأ من إحساس داخلي بالأمان والاطمئنان وعدم الخوف من العواقب فيتجرّأ "الطاغية" على طلب المزيد، ولا يَلزَمُه إلا شعورٌ بضعف من حوله من العرب ممن يجعلونه قدراً وينفخون فيه الشعور بالعظمة، فيتماهى مع هذا الدور وتمتلئ نفسه غروراً وتفوّقاً وعلوّاً عليهم وعلى كلّ ما يمثّلهم مهما كانت درجة قداسته، فيراهم أذلة حُقراء وتافهين، فلا يقيم وزناً لحياتهم ولا لمقدّساتهم. زد على ذلك، أنّ التمرُّدَ على صفاء الفطرة البشرية، والسعي للسطو على آدمية الآخرين عبر الأفكار الاستعلائية، أو من خلال السلوك الذي ينتقص من قَدْرهم ويجرح كرامتهم ومشاعرهم، هما ما يحكم علاقة "إسرائيل" بمحيطها العربي أصلاً. لكنّ مجاراة هذا السلوك والنسج على منواله، من جانب العرب، رسميين وشعبيين، هما مؤشّرٌ ينذر بالسوء وبمزيد من إشاعة التغوّل الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة، وخارج حدودها، كما بتنا نشهد اليوم. إنّ ما يهمّنا هنا هو أن نفهم خطورة تعاطي العرب والمسلمين إيجاباً في تعزيز هذه "النرجسية" الإسرائيلية المقيتة وتضخيمها، إذ إنّ استمرار شعور الإسرائيلي بهذا الاستعلاء "السيادي" مبنيّ، بالإضافة إلى منابع التربية الدينية الاستعلائية، على مدى تساوق العرب مع تلك النظرة. ولعل شواهد التصريحات والسلوك الإسرائيلي الحالي المُنفلت من كلّ ضابط، هي خير دليلٍ على أنه ما كان للإسرائيلي أن يتفوّه بهذه الخُزعبلات، فضلاً عن الانحدار إلى مستوى التنظير لها وطرحها علانيةً، لولا أنه اختبر العرب فاعتدى وبطش وقتل وحرق، ووجد ساحةً فارغةً إلّا من بعض الجعجعة والشجب والاستنكار، ولم يجد من العرب والمسلمين، على السواء، من يُعيدُه إلى سياق مكانته المُفترضة. لم يكتفِ بن غفير، على وقع صيحات "الموت للعرب" و"محمد مات"، بالمشاركة في رفع أعلام الاحتلال وأداء طقوس تلمودية عند المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى المبارك في مسيرة الأعلام التي جرت قبل أيام، بل ألقى خطبة سياسية بامتياز تتجاوز المناسبة والشعائر الدينية اليهودية، فحَرّضَ على احتلال قطاع غزة أسوة بالقدس، واستنكر السماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزّة، مذكّراً رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بأنّ "أعداءنا لا يستحقون سوى طلقة في الرأس". فيما ألقى زميله في الحكومة وشريكه في التطرّف والفاشية، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش خطبة استفزازية أمام حائط البراق كرّر خلالها أحلامه الإجرامية ببناء الهيكل مكان المسجد الأقصى في حياته وبتمويل من وزارته، وذكّر بأنّ الكيان الصهيوني لا يخاف من كلمة احتلال وسوف يحرّر غزة ويستوطن فيها. هذه التصريحات الهستيرية ليست غريبة عن سموتريتش، الذي اعتبر في السابق أنّ حدود القدس يجب أن تمتد حتى العاصمة السورية دمشق، وأنّ واجب "دولة" الاحتلال بسط سيطرتها على شرق الأردن. فهل بقي لدى العرب شكّ في نيّات هؤلاء وحدود ما يمكن أن يقودهم شعور الغطرسة والاستعلاء إلى قوله وفعله! إنّ كلّ تَحَدٍ جديد تمارسه وتفرضه "إسرائيل" ويمينها المتطرّف الذي يحكمها اليوم، يُقابل عربياً بالامتثال لمطالبها بمواقف مُستجيبة ضعيفة، تكون نتيجته مَنحَها ومستوطنيها مكافأةً مجانية للمضي في سحق ما تبقّى من لحمنا وعظمنا ومقدّساتنا، فهل يصمد الأقصى للعام المقبل أمام معاول الهدم الإسرائيلية التلمودية التي تُهدّد صراحة بإزالته وبناء "الهيكل" مكانه، فيما تكتفي أمة المليار، في كناية فاضحة عن العجز المُستفحل، بالدعاء على نتنياهو وبن غفير وسموتريتش بأن يجعل الله تدميرهم في تدبيرهم!


صيدا أون لاين
منذ 23 دقائق
- صيدا أون لاين
بري لـ"الشرق الأوسط": تكليف لجنة لإعداد طلب التجديد لـ"اليونيفيل"
يسعى لبنان الرسمي إلى استيعاب رفع السقوف وتسخين الأجواء استباقاً لطلبه تجديد ولاية قوات الطوارئ الدولية الموقتة "يونيفيل" العاملة في جنوب لبنان، والتي تتراوح مواقفها بين تلويح واشنطن بخفض مساهمتها المالية في موازنة الأمم المتحدة، وهو ما قد يؤثر على دورها في مؤازرة الجيش اللبناني لتطبيق القرار "1701"، ومطالبتها بإدخال تعديلات على مهامها، وصولاً إلى تلويح تل أبيب بإنهاء دورها بالكامل. ومع أن الحكومة اللبنانية لم تتبلغ رسمياً من واشنطن ما يجري التداول به بخصوص تعديل مهام "اليونيفيل" في الجنوب، وخفض عددها، فإن تبادل رفع السقوف بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية يأتي بالتزامن مع تشكيل لجنة يوكل إليها إعداد الرسالة التي سيرسلها مجلس الوزراء إلى مجلس الأمن الدولي، طلباً للتجديد لـ"اليونيفيل". وتأكد من مصادر وزارية، أن طلب التجديد للقوات الدولية تصدّر الاجتماع الذي عُقد بين رئيسي الجمهورية العماد جوزيف عون، والمجلس النيابي نبيه بري، وهذا ما أبلغه لـ"الشرق الأوسط" بقوله إن لجنة تشكّلت لإعداد نص الرسالة في هذا الخصوص إلى مجلس الأمن الدولي، طلباً للتجديد من دون أي تعديل. وأكّد بري أن لبنان كما أبلغه عون لا علم له بوجود نيّة لتعديله، ولم يتبلغ من أي جهة دولية بخفض عدد القوات الدولية، أو إعادة النظر في مهامها. وقال: "نحن ننتظر ما ستحمله في جعبتها نائبة المبعوث الخاص للرئيس الأميركي للشرق الأوسط مورغان أورتاغوس في زيارتها المرتقبة لبيروت، للتأكد من الموقف الأميركي على حقيقته، بعيداً عن الأقاويل، ليكون في وسعنا أن نبني موقفنا على قاعدة تمسكنا بدورها بلا أي تعديل يتعارض، وإصرارنا على انسحاب إسرائيل تمهيداً لتطبيق الـ1701.


ليبانون ديبايت
منذ ساعة واحدة
- ليبانون ديبايت
خبرٌ سيء لإسرائيل: أورتاغوس تغادر منصبها قريباً!
أفادت "القناة 14" الإسرائيلية بأنّ مورغان أورتاغوس، نائبة المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف والمسؤولة عن "حقيبة لبنان" في إدارة الرئيس دونالد ترامب، ستُغادر منصبها قريباً. ووصفت القناة هذه الخطوة بأنها "ليست خبراً جيداً لإسرائيل"، نظراً إلى الدور الذي أدّته أورتاغوس في دعم جهود نزع سلاح حزب الله. في موازاة مغادرة أورتاغوس، كشفت القناة الإسرائيلية عن طرد ميرف سارين، وهي أميركية من أصل إسرائيلي كانت تتولى مسؤولية "ملف إيران"، إلى جانب إريك تراجر الذي أشرف على ملفات "الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" داخل مجلس الأمن القومي الأميركي. وكان الاثنان يُعدّان من أبرز الداعمين لـ"إسرائيل" في الإدارة الحالية. وأوضحت القناة أن تعيين سارين وتراجر تم في عهد مستشار الأمن القومي السابق مايك والتز، قبل أن يُقيله ماركو روبيو، الذي يشغل حاليًا منصب وزير الخارجية، ويتولى مؤقتًا مسؤولية الأمن القومي بعد مغادرة والتز لتولّي منصب السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة. وأشارت إلى أن هذه الإقالات ليست مرتبطة بمواقف الشخصين، بل تأتي في سياق نهج ترامب القائم على إعادة هيكلة مجلس الأمن القومي، وتحديدًا تقليص نفوذه لمصلحة إدارة السياسة الخارجية من قبل مجموعة ضيقة من المقربين. ولهذا السبب، لا يشغل المنصب حالياً مستشار رسمي للأمن القومي، بل يديره روبيو بصفة موقتة. واختتمت القناة تقريرها بالقول أنّ "النتيجة النهائية لموجة التغييرات والمغادرة في البيت الأبيض ليست جيدة لإسرائيل"، في ظل غياب شخصيات كانت تشكل دعائم أساسية للسياسات الإسرائيلية في ملفات حساسة، لا سيما لبنان وإيران. وفي السياق نفسه، نقلت الصحافية الاستقصائية لورا لومر أن أورتاغوس ستغادر منصبها كنائبة للمبعوث ويتكوف، وأنه سيُعلن عن خليفتها هذا الأسبوع، وفق مصادر من البيت الأبيض. وأشارت لومر إلى أن أورتاغوس كانت تطمح لتولي منصب المبعوثة الخاصة إلى سوريا، إلا أن المنصب أُسند إلى توم باراك، في حين يُرجّح أن يُعاد تعيين أورتاغوس في موقع آخر داخل الإدارة الأميركية، وفقًا للمداولات الداخلية.