ضحايا منسيون .. الطفولة بين نيران الحروب وبطش الجوع
ورغم محاولاتهم تزيين خطاباتهم بلغة العدل والسلام، إلا أن أفعالهم تفضح واقعًا مؤلمًا تتكسر بسببه براءة الأطفال كنتائج حتمية للحروب النزاعات.
بعض هؤلاء القادة ينتظرون ميلاد حفيد جديد، ويغمرون وسائل الإعلام بمظاهر الفرح والاحتفال، فيما تتساقط أجساد الأطفال الأبرياء هناك وهناك تحت وطأة آلاتهم العسكرية،
إنهم يحتفلون بالحياة، بينما يقتلون الحياة في أماكن أخرى، هؤلاء الضحايا من الأطفال لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا هناك، حيث لا صوت يعلو فوق صوت السلاح، ولا قانون يحمي، ولا ضمير يصحو.
لقد آن الأوان لأن يتوقف هذا الصمت الدولي المخزي. حماية الطفولة ليست رفاهية، وليست خيارًا سياسيًا، بل مسؤولية إنسانية وأخلاقية ينبغي أن يتشارك فيها الجميع، دون استثناء، ففي عام 2025، يعلن العالم مجددًا فشله الأخلاقي أمام الملايين من الأطفال الذين يُحرمون يوميًا من أبسط حقوقهم في الأمان والتعليم والرعاية الصحية، في ظل صراعات لا تعرف الرحمة.
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 473 مليون طفل – أي نحو 19% من أطفال العالم – يعيشون في مناطق نزاع حادة، وهي النسبة الأعلى منذ الحرب العالمية الثانية. ومع نهاية عام 2024، بلغ عدد الأطفال النازحين بسبب الحروب والعنف نحو 48.8 مليون طفل، من بينهم 19.1 مليون لاجئ و29.4 مليون نازح داخليًا. وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحدها، قُدّر أن أكثر من 12.2 مليون طفل قد تعرضوا للقتل أو الإصابة أو النزوح خلال أقل من عامين، أي بمعدل طفل نازح أو مصاب كل خمس ثوانٍ.
هذه الأرقام ليست مجرد ارقام إحصائيه بل تجسيد حي لمآسٍ إنسانية تمشي على الأرض، بأجساد هزيلة وعيون باهتة تبحث عن دفء أو مأوى.
لقد وثّقت الأمم المتحدة مئات الآلاف من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال، تتضمن القتل، الترحيل القسري، التجنيد الإجباري، والاختطاف، إضافة إلى العنف الجنسي والهجمات على المدارس والمستشفيات. هذا العنف ليس عرضيًا أو عشوائيًا، بل في كثير من الأحيان ممنهج، يُستخدم كوسيلة ضغط سياسي أو أداة قمع عسكرية، في غياب محاسبة فعلية.
وبعيدًا عن تحديد المسؤوليات والدخول في صراع الجدليات، فإن الأطفال هم الأكثر تضررًا، وهم الضحايا الحقيقيون الذين يدفعون الثمن كاملاً، من فقدان الحماية والرعاية، إلى سوء التغذية، والحرمان من التعليم، وفقدان السند والملاذ الآمن. الأطفال في الفئة العمرية دون سن الخامسة هم الأكثر عرضة للخطر، فحتى إن نجوا من القتل المباشر، فإن آثار الحرب تلاحقهم في أجسادهم الغضة وعقولهم الصغيرة التي لا تفهم لماذا تحوّل عالمهم إلى جحيم.
ورغم تعدد المواثيق والاتفاقيات الدولية، من اتفاقية حقوق الطفل (CRC)، إلى البروتوكول الاختياري المتعلق بإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة (OPAC)، وقرارات مجلس الأمن، وعلى رأسها القرار 1261 الصادر عام 1999، والذي يدين استخدام الأطفال في النزاعات ويؤكد على حماية المدارس والمستشفيات كمناطق آمنة، إلا أن هذه النصوص لا تزال حبرًا على ورق في كثير من مناطق النزاع، حيث تغيب المحاسبة وتُخرق القوانين الدولية دون رادع.
السؤال الذي يجب أن يُطرح بإلحاح: من يحاسب من؟ وكيف يستمر مرتكبو هذه الجرائم بلا مساءلة، بينما تتلاشى العدالة في زوايا الصمت الدولي؟
إن الطفولة في مناطق النزاع لم تعد فقط مهددة بالقتل أو الإصابة، بل بالضياع الكامل. فالطفل الذي يرى والدته تُقتل أمام عينيه، أو يُجبر على حمل السلاح قبل أن يتعلم القراءة، أو يبيت ليلته على ركام منزله، لا يمكن أن يكون سويًا دون تدخل دولي حقيقي، مدروس ومستدام. ما نحتاجه اليوم ليس فقط إدانات شكلية أو مساعدات موسمية، بل تحرك عالمي حاسم يضمن حماية الأطفال من براثن الحروب، ويفرض عقوبات واضحة على من يستخدمهم كدروع بشرية أو أدوات في صراعات الكبار.
إن إنقاذ الطفولة مسؤولية أخلاقية لا تسقط بالتقادم، ولا تُحل بالبيانات الصحفية أو المؤتمرات الدولية. ما نحتاجه اليوم هو صوت ضمير عالمي موحد، يعلو فوق الحسابات السياسية، ويعيد للإنسانية بوصلتها المفقودة. فالأطفال ليسوا أرقامًا في تقارير، ولا عناوين لقصص مأساوية مؤقتة. إنهم مستقبل هذا العالم، والعدالة الحقيقية تبدأ من حماية أضعف حلقاته: الطفولة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جو 24
منذ 28 دقائق
- جو 24
مواد كيميائية شائعة في الحياة اليومية قد تزيد من خطر الإصابة بالسكري
جو 24 : كشفت دراسة حديثة أن التعرض لـ"المواد الكيميائية الأبدية" الموجودة في الأدوات اليومية قد يزيد من خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني. وحلل فريق من الباحثينفي نيويورك السجلات الصحية وعينات الدم لـ360 شخصا، حيث قارنوا بين المصابين حديثابداء السكري من النوع الثاني وغير المصابين. وأظهرت النتائج أن الأشخاص الذين كانت مستويات مركبات "بيرفلورو ألكيل" (PFAS) في دمائهم مرتفعة، كانوا أكثر عرضة للإصابة بالسكري بنسبة تصل إلى 31%. وتُستخدم مركبات PFAS، وهي مواد كيميائية صناعية معروفة بصلابتها ومقاومتها للحرارة والدهون والماء، في العديد من المنتجات الاستهلاكية مثل الأثاث المقاوم للبقع وأغلفة الطعام ومستحضرات التجميل ورغوات إطفاء الحرائق وأواني الطهي غير اللاصقة. وتعرف هذه المركبات بقدرتها على البقاء في البيئة والأجسام لفترات طويلة، ما أكسبها لقب "المواد الكيميائية الأبدية". وأوضحت الدراسة أن مركبات PFAS تؤثر على عمليات حيوية مهمة، مثل تخليق الأحماض الأمينية واستقلاب الأدوية، وهما عاملان رئيسيان في تنظيم مستويات السكر في الدم. وقال الدكتور فيشال ميديا، كبير معدي الدراسة والأستاذ المساعد في الطب البيئي بكلية إيكان للطب في مستشفى ماونت سيناي: "تتواجد مركبات PFAS في عدد لا يحصى من المنتجات اليومية، وتتراكم بسبب صعوبة تحللها في البيئة وفي أجسام البشر". وأكد الباحثون أهمية النظر في التعرض البيئي إلى جانب العوامل الوراثية ونمط الحياة عند دراسة عوامل خطر داء السكري. كما أشار الدكتور داماسكيني فالفي، الأستاذ المشارك في الصحة العامة والطب البيئي، إلى أن مركبات PFAS ترتبط بزيادة خطر الإصابة بعدد من الأمراض المزمنة مثل السمنة وأمراض الكبد والسكري. وكانت دراسات سابقة قد ربطت مركبات PFAS بالسرطان وأضرار الجهاز المناعي والتناسل، كما أظهرت دراسة أمريكية أن 98% من الأمريكيين يحملون هذه المركبات في دمائهم. وتعد دراسة مستشفى ماونت سيناي من أوائل الدراسات التي تفحص تأثير PFAS على المسارات الأيضية لدى سكان حضريين متنوعين، ما يسلط الضوء على أهمية الحد من التعرض لهذه المركبات. وتأتي هذه النتائج في وقت تتصاعد فيه المناقشات الدولية حول ضرورة إدراج قيود على مركبات PFAS في معاهدة الأمم المتحدة المقبلة بشأن البلاستيك، حيث اتخذت عدة دول، بينها دول الاتحاد الأوروبي، إجراءات للحد من استخدامها في المنتجات الاستهلاكية. المصدر: إندبندنت تابعو الأردن 24 على


رؤيا نيوز
منذ ساعة واحدة
- رؤيا نيوز
أكثر من 100منظمة غير حكومية تحذر من 'مجاعة جماعية' في غزة
حذرت أكثر من مئة منظمة غير حكومية، الليلة الماضية من خطر تفشّي 'مجاعة جماعية' في قطاع غزة المدمر جراء الحرب المتواصلة فيه منذ أكثر من 21 شهرا. وبحسب وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ)، قالت المنظمات غير الحكومية ومن بينها 'أطباء بلا حدود'، و'منظمة العفو الدولية'، و'أوكسفام إنترناشونال' وفروع عديدة من منظمتي 'أطباء العالم' و'كاريتاس' إنّه 'مع انتشار مجاعة جماعية في قطاع غزة، يعاني سكان القطاع والأشخاص الذين نساعدهم من الهزال'. ودعت المنظمات في بيانها المشترك إلى وقف فوري لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وفتح كلّ المعابر البرية للقطاع، وضمان التدفق الحرّ للمساعدات الإنسانية إليه. ويأتي هذا البيان بعد اتهام المفوضية العليا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان الجيش الإسرائيلي بقتل أكثر من ألف شخص عند نقاط توزيع المساعدات في غزة منذ نهاية أيار، غالبيتهم كانوا بالقرب من مواقع تابعة لـ'مؤسسة غزة الإنسانية'، وهي منظمة تدعمها الولايات المتحدة وإسرائيل. وقالت المنظمات الإنسانية في بيانها إنّه 'خارج قطاع غزة مباشرة، في المستودعات وحتى داخله لا تزال أطنان من الغذاء ومياه الشرب والإمدادات الطبية ومواد الإيواء والوقود غير مستخدمة، في ظلّ عدم السماح للمنظمات الإنسانية بالوصول إليها أو تسليمها'. وأعلن مجمّع الشفاء الطبّي الثلاثاء أن 21 طفلا استشهدوا في غزة خلال الساعات الـ72 الماضية 'بسبب سوء التغذية والمجاعة'، مع بلوغ الكارثة الإنسانية التي يعانيها سكان القطاع مستويات غير مسبوقة وتحذير الأمم المتحدة من أن 'المجاعة تقرع كل الأبواب'. وتواجه إسرائيل ضغوطا دولية متزايدة بسبب عدوانها على قطاع غزة والوضع الإنساني المروع في القطاع المحاصر والمدمر جراء الحرب.


سواليف احمد الزعبي
منذ 9 ساعات
- سواليف احمد الزعبي
أونروا: موظفونا في غزة فقدوا الوعي أثناء العمل بسبب الجوع
#سواليف أكدت جولييت توما، مسؤولة الاتصال في وكالة #الأمم_المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( #الأونروا )، أن الوكالة تصلها #استغاثات #جوع من موظفيها في قطاع #غزة، وأن بعضهم فقد الوعي أثناء العمل. "لدينا 6 آلاف شاحنة محمّلة بالغذاء، والأدوية، ومستلزمات النظافة في #الأردن و #مصر — بانتظار الضوء الأخضر للدخول وتوزيعها على الناس من خلال طواقم الأونروا"، تقول مديرة الإعلام والتواصل في الأونروا @JulietteTouma لقناة الجزيرة @AJEnglish. على بُعد كيلومترات قليلة من #غزة، المتاجر… — الأونروا (@UNRWAarabic) July 22, 2025 وكشفت توما، خلال مؤتمر صحفي عقد اليوم الثلاثاء بمقر الأمم المتحدة في جنيف، عن معلومات صادمة تعكس عمق الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة نتيجة الحصار واستمرار حرب الإبادة الجماعية. وقالت توما إن 'الأطقم والأطباء يعانون من #الإغماء بسبب الجوع والإرهاق خلال أداء واجباتهم في غزة'. وأضافت: 'تصلنا رسائل استغاثة من موظفينا في غزة يشعرون بالجوع، وبعض موظفينا فقدوا الوعي أثناء عملهم'. ووصفت توما الوضع الإنساني في غزة بأنه 'كارثي بكل المقاييس'، وذكرت أن 1 من أصل 10 أطفال تم فحصهم في عيادات 'أونروا' في غزة يعاني من سوء التغذية، وأن عشرات الأطفال ماتوا جراء الجوع، وأكثر من 1000 شخص قتلوا منذ نهاية مايو/ أيار أثناء انتظارهم المساعدات. يضطرّ القائمون على رعاية الأطفال في #غزة إلى اللجوء لحلول يائسة، مثل قصّ الملابس القديمة أو خياطة الأكياس البلاستيكية لصنع حفاضات مؤقتة. هذه البدائل غير الآمنة تعرّض الأطفال لخطر كبير بالإصابة بالعدوى. آلاف الأطفال في غزة بحاجة ماسة إلى حفاضات. الإمدادات على بُعد مسافة قصيرة… — الأونروا (@UNRWAarabic) July 22, 2025 وقالت: 'غزة أصبحت جحيما على الأرض ولا يوجد بها مكان آمن'. وطالبت توما المجتمع الدولي بالتحرك العاجل، قائلة 'ندعو إلى دخول الصحافة الدولية إلى غزة ليساعدوا في نقل المعلومات للعالم حول ما يعيشه الناس فيها من فظائع'. ووجهت توما اتهامات مباشرة لإسرائيل بشأن عرقلة العمل الإنساني وارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، وقالت 'هناك قتل جماعي في غزة مع إفلات من العقاب'. "لدينا الآلاف من الموظفين الذين يواصلون أداء واجبهم على الأرض … هم من يتحمّلون العبء الأكبر في غزة والضفة الغربية"، تقول جولييت توما @JulietteTouma مديرة الإعلام و التواصل في الأونروا لـ @dwnews. شعب #غزة يُجَوَّع. الناس — بمن فيهم موظفو الأونروا — يُغمى عليهم من شدّة الجوع.… — الأونروا (@UNRWAarabic) July 22, 2025 وأضافت أن الأمم المتحدة علمت بأن 'إسرائيل' منعت تجديد تأشيرة مسؤول الاتصال في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، ووصفت القرار بأنه 'انتهاك خطير يعيق التنسيق الإنساني'. وأشارت توما إلى أنه 'ليس لدينا أي موظف دولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ حوالي 6 أشهر'، مبينة أن غياب الكوادر الدولية يعقد مهمة الإشراف على توزيع المساعدات وتقييم الوضع الميداني. وأكدت أن هناك '6 آلاف شاحنة في الأردن ومصر محملة بالغذاء والأدوية تنتظر الضوء الأخضر لدخول غزة'، موضحة أن التأخير في إدخال هذه المساعدات يتسبب في المزيد من المآسي والوفيات. ويواجه فلسطينيو القطاع موجة الجوع منذ إغلاق الاحتلال معابر غزة، مطلع مارس/ آذار المنصرم، وفرض قيود مشددة على دخول المساعدات الغذائية والإغاثية والوقود والدواء، للقطاع منذ أكتوبر/ تشرين 2023 الماضي. ومع مرور الوقت، استنفد سكان غزة كل موارد الطعام وأصبحت المحلات فارغة، ومسألة العثور على رغيف خبز أشبه بالمستحيل، فيما تشهد أسعار المتوفر من البضائع أسعارًا خيالية، حتى بات 'الموت جوعًا' سببًا من أسباب الموت في القطاع وأشرسها. واليوم، عبرت وكالة الصحافة الفرنسية، عن قلقها البالغ تجاه الظروف التي يعايشها مراسلوها في قطاع غزة، وخشيتها من وفاة مراسلي الوكالة جوعًا. وقالت، في بيان لها، إنه 'من دون تحرّك عاجل، فإنّ آخر الصحافيين الذين يغطّون ما يحدث في غزّة سيواجهون خطر الموت'.