logo
"التآمر 2".. محاكمات سياسية ممنهجة للمعارضة في تونس

"التآمر 2".. محاكمات سياسية ممنهجة للمعارضة في تونس

الجزيرة٠٧-٠٥-٢٠٢٥

تونس- أجّلت الدائرة الجنائية المختصة بقضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية في تونس ، أمس الثلاثاء، النظر فيما يُعرف إعلاميا بقضية "التآمر على أمن الدولة 2″، إلى جلسة ثانية في 27 مايو/أيار الجاري، في مسألة ترى بها المعارضة "استمرار لسلسلة محاكمات سياسية لاستصدار أحكام ثقيلة ضد خصوم الرئيس قيس سعيد".
وجرت الجلسة الأولى لهذه المحاكمة، عن بُعد ووسط أجواء مشحونة، على غرار أجواء قضية "التآمر 1″، إذ رفضت المحكمة جلب المتهمين لاستنطاقهم حضوريا خلال الجلسة، ما أثار احتجاج هيئة الدفاع عن المتهمين الذين شككوا في نزاهة المحاكمة.
وكانت المحكمة ذاتها، قد أصدرت في 18 أبريل/نيسان الماضي أحكاما مشددة ضد نحو 40 معارضا سياسيا للرئيس قيس سعيد فيما يعرف بقضية "التآمر على أمن الدولة 1" التي جرت عن بُعد أيضا وشابها خروقات عديدة، حسب المحامين.
خرق للقضاء
ويرى المحامون الذين قاطع بعضهم جلسة أمس، أن غياب المتهمين واستمرار المحاكمة بهذه الصيغة يشكل "انتهاكا صارخا لمقومات المحاكمة العادلة"، واعتبروا أن الغاية من المحاكمة عن بُعد هي "التعتيم الإعلامي والسياسي" على ما وصفوه بـ"قضية مفبركة خالية من أي أدلة مادية وذات طابع سياسي بحت".
كما احتجت هيئة الدفاع على رفض المحكمة قبول مطالب الإفراج عن الموقوفين ومحاكمتهم بحالة سراح رغم تدهور الحالة الصحية لعدد منهم وخاصة زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي (84 عاما) المعتقل منذ أبريل/نيسان 2023.
وتضم قضية "التآمر 2″، 21 متهما أغلبهم من حركة النهضة، وأبرزهم زعيمها راشد الغنوشي، ونائبه علي العريض ، ووزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام، والقيادي في النهضة الحبيب اللوز.
كما تشمل رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، ومديرة الديوان الرئاسي السابقة نادية عكاشة (غادرا البلاد)، إضافة إلى مسؤولين أمنيين سابقين، بينهم رئيس فرقة حماية الطائرات السابق بمطار تونس قرطاج عبد الكريم العبيدي، ومدير المصالح المختصة سابقا بوزارة الداخلية محرز الزواري وغيرهم.
وتقول هيئة الدفاع إن القضية الحالية "التآمر على أمن الدولة" ليست الأولى من نوعها، إذ سبقتها قضايا مشابهة، ما يدل -برأيها- على نمط متكرر في توظيف القضاء لضرب الخصوم السياسيين. وترى أن الملف يُدار خارج أروقة القضاء لتثبيت رواية التآمر في ذهن الرأي العام من دون تقديم أية قرائن ملموسة.
وبالتمعّن في قرار ختم البحث في القضية، الذي اعتمد على شهادة وحيدة لشخص مجهول الهوية يُدعى "إكس (X)، لاحظت هيئة الدفاع أن القرار لم يتضمن أدلة ملموسة ضد المتهمين بالتخطيط لجرائم "إرهابية"، وإنما شهادة متضاربة تراجع صاحبها عن أقواله، ما يفقد المحاكمة المصداقية ويقوض الاتهامات.
وتؤكد الهيئة أن الاتهامات استندت إلى بيانات اتصالات وتقارير فنية وأمنية لا يجرِّمها القانون، وأن الاتهامات بتكوين مجموعة "إرهابية" أو الإشراف على شبكات سرية مسلحة أو التخطيط لقلب نظام الحكم بالقوة بناء على أحكام قانون الإرهاب أو المجلة الجزائية "لم يقع إثباتها بأي إثباتات ملموسة".
ويرى القيادي في النهضة وعضو هيئة الدفاع عماد الخميري، أن جلسة المحاكمة أمس الثلاثاء، حول قضية "التآمر 2″، تمثّل امتدادا لمسار المحاكمات السياسية، الذي انطلق بقضية "إنستالينغو"، ثم تواصل مع ما عُرف بقضية "التآمر 1″، ثم قضية "التدوينة الوهمية على فيسبوك" ضد وزير العدل الأسبق نور الدين البحيري، ثم "قضية التسفير" ضد رئيس الحكومة الأسبق علي العريض.
ويقول الخميري للجزيرة نت إن هذه القضايا تُمثِّل نمطا ممنهجا في توظيف السلطة السياسية الحالية القضاء لتصفية خصومها السياسيين، خاصة في ظل المحاكمة وسط غياب المتهمين، ما يعد "خرقا فادحا" لحق الدفاع وانتهاكا لأبسط مقومات المحاكمة العادلة.
وأشار إلى أن الغنوشي قرَّر مقاطعة كل جلسات "المحاكمة السياسية"، نتيجة "لغياب الحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة"، التي تدار بشكل لا يوفّر أي حماية قانونية للمتقاضين.
كما عبّر عن خشيته من أن تستمر هذه المحاكمات في استصدار أحكام قاسية ضد الخصوم من مختلف التيارات الفكرية، كما حصل في "قضية التآمر 1″، مشيرا إلى ما سماه "نزعة انتقامية" من المعارضة، وتوجّها عاما نحو تحويل القضاء إلى أداة لتصفية الحسابات، وفق تعبيره.
ويرى الخميري، أن ما جرى في تونس منذ 25 يوليو/تموز2021 (تاريخ إعلان قيس سعيد عن التدابير الاستثنائية وإحكام قبضته على البلاد) قد أفرغ المؤسسات الدستورية من محتواها، مؤكدا أن هناك إجماعا داخل الطبقة السياسية على أن القضاء تم تطويعه ليخدم السلطة التنفيذية بدل أن يكون سلطة مستقلة تحكم بالعدل.
من جانبه اعتبر زعيم جبهة الخلاص الوطني نجيب الشابي ، أن مسلسل المحاكمات السياسية لا يزال مستمرا، فيما وصفه بـ"قضية جديدة مفتعلة" تستهدف قيادات سياسية ومسؤولين سابقين، مؤكدا أن القضية المنظورة أمس الثلاثاء، تندرج ضمن نفس النهج، الذي يرمي إلى تصفية الخصوم عبر القضاء.
وقال الشابي للجزيرة نت: إن المساءلة السياسية في الأنظمة الديمقراطية تُمارس داخل أطر مؤسسية كالمجالس البرلمانية، وفي إطار من الشفافية والحرية، ولا يُلجأ إلى القضاء إلا إذا ثبت وجود تجاوزات قانونية فعلية، من خلال مسار واضح ومستقل، وهو "مفقود تماما في هذه القضية".
وأكد الشابي (الذي حكم عليه الشهر الماضي ابتدائيا 18 سنة سجنا في قضية التآمر، ويمثل بحالة إطلاق سراح1) أن الوثائق المتوفرة لا تتضمن أي أدلة مادية على تشكيل تنظيم إرهابي أو التآمر على أمن الدولة، بل ترتبط باتهامات وُجهت لقادات من النهضة ومسؤولين سابقين في مرحلة (2011-2013)، حين كانت حركة النهضة تقود الحكومة، معتبرا أن هذه المرحلة تُستدعى اليوم لتلفيق تهم لا تستند إلى وقائع مثبتة.
وأكد أن الوثائق والمعطيات التي اطلع عليها الدفاع لا تتضمّن أي دليل على تشكيل مجموعة "إرهابية" أو التآمر على أمن الدولة، مشيرا إلى أن التهم مرتبطة بإدارة وزارة الداخلية في فترة الترويكا، حين كانت حركة النهضة تقود الحكومة.
وللدلالة على ما وصفه "بتهافت الملف"، أشار الشابي إلى القيادي في النهضة علي العريض -الذي حُكم عليه سابقا بـ34 سنة في قضية "تسفير الشباب"- تم الاستماع إليه في هذا الملف ونفى كافة التهم، ما دفع القاضي حينها لحفظها، وهو ما يلقي -وفق الشابي- بظلال من الشك على باقي مكونات القضية.
ويرى أن استحضار قانون مكافحة الإرهاب بهذه القضية يأتي لاستصدار أحكام ثقيلة لا سيما ضد قيادات حركة النهضة ومنهم راشد الغنوشي وبقية المعارضين لمنظومة الرئيس قيس سعيد بهدف ترهيب المعارضين وبثّ الخوف في صفوف الرأي العام، وهو ما يقابل باستنكار واسع وتساؤلات حول مستقبل الوضع السياسي في البلاد، حسب رأيه.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"الصمت عار".. نداء نسائي موريتاني لإنقاذ غزة
"الصمت عار".. نداء نسائي موريتاني لإنقاذ غزة

الجزيرة

timeمنذ 20 ساعات

  • الجزيرة

"الصمت عار".. نداء نسائي موريتاني لإنقاذ غزة

نواكشوط – تحت شعار "مليونية نساء موريتانيا لوقف قتل نساء وأطفال غزة"، شهدت العاصمة الموريتانية نواكشوط ، مساء أمس السبت، مسيرة نسائية حاشدة تنديدا بجرائم الإبادة والتجويع التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة ، وسط صمت عربي ودولي متزايد. وانطلقت المسيرة من ساحة الحرية، الواقعة قرب القصر الرئاسي ومبنى البرلمان، باتجاه مقر ممثلية الأمم المتحدة ، بدعوة من منظمات نسائية وهيئات مدنية وسياسية، وبدعم من مختلف أطياف المشهد السياسي، في مقدمتها حزب "الإنصاف" الحاكم، وحزب "تواصل" المعارض. وقدرت أعداد المشاركات بعشرات الآلاف، ورددت خلالها الهتافات المؤيدة للمقاومة الفلسطينية، والمنددة بجرائم الاحتلال بحق المدنيين، خاصة النساء والأطفال. كما رفعن لافتات تندد باستمرار الحرب والحصار على غزة، في وقت تتصاعد فيه الغارات ويشتد الخناق على السكان والنازحين. نداء استغاثة وفي كلمتها خلال الفعالية، أطلقت فاطمة الميداح، رئيسة مجلس نساء "الرباط الوطني لنصرة الشعب الفلسطيني"، نداء استغاثة عاجلا إلى الأمة العربية والإسلامية لإنقاذ غزة، معتبرة أن "الصمت عار، والتخاذل عن نصرة المظلومين خيانة". وأضافت الميداح "لا كرامة لنا إن تركت غزة وحدها، فعدوها وعدونا واحد، وقد ظهر ذلك جليا بعد طوفان الأقصى حين اجتمع الأعداء لتمكين الاحتلال"، مؤكدة أن الشعارات الدولية لحماية المرأة والطفل "انكشفت زيفا وباتت بلا معنى"، في ظل المجازر المستمرة. وفي مستهل كلمتها، حيت الميداح الأسيرات والمرابطات الفلسطينيات، مشيدة بصمود المرأة الغزية التي باتت، "رمزا للتضحية والكرامة والتمسك بالثوابت". رسالة تضامن تأتي هذه المسيرة ضمن سلسلة احتجاجات شعبية في موريتانيا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث دأب الموريتانيون على تنظيم مسيرات أسبوعية انطلاقا من الجامع الكبير وصولا إلى مقر سفارة الولايات المتحدة أو بعثة الأمم المتحدة، تعبيرا عن التضامن مع غزة ورفضا للعدوان المستمر. وأكدت خديجة المجتبى، رئيسة رابطة الصحفيين الموريتانيين من أجل الأقصى، في حديثها للجزيرة نت، أن المسيرة "تعد امتدادا طبيعيا للحراك الشعبي الواسع في موريتانيا نصرة لغزة، وللتنديد بجرائم الاحتلال، التي تجاوزت كل حدود الإنسانية". وأضافت المجتبى "الوضع في غزة مأساوي ولا يحتمل، والعالم يقف عاجزا عن وقف هذه المجازر، وهو ما يستدعي ضغطا شعبيا مستمرا لكسر الحصار ووقف الحرب التي تفتك بالأطفال والنساء". وتابعت أن المسيرة "تحمل رسالة تضامن قوية من المرأة الموريتانية لأخواتها في فلسطين ، ورسالة إلى العالم بأن غزة ليست وحدها". لكنها في الوقت ذاته، "تعبر عن ألم عميق من عجز العالمين العربي والدولي عن فك الحصار وإيصال الغذاء للمحاصرين، الذين يموت أطفالهم جوعا أمام أعين الجميع". أما الشابة سكينة، البالغة من العمر 20 عاما، فقد أجلت سفرها للمشاركة في المسيرة، وقالت للجزيرة نت إنها جاءت للإعلان عن دعمiا الكامل للمقاومة، و"لرفض الإبادة التي تمارس ضد أهلنا في غزة، هذه معركة كرامة وقضية أمة بأكملها". تضحيات نسائية طوال الحرب على غزة، لعبت المرأة الموريتانية دورا بارزا في دعم القضية الفلسطينية، سواء بالمواقف أو التبرعات العينية والنقدية. ووفق خديجة المجتبى، "تبرعت كثيرات بحليهن، ومنهن من قدمن أراضي وسيارات، بل إن نساء من البوادي قدمن من أنعامهن دعما لغزة". وفي السياق ذاته، أشادت النائب البرلمانية ورئيسة اللجنة المنظمة للمسيرة، ازعورة شيخا بيدية، بمشاركة "نساء شنقيط، أرض المنارة والرباط"، مشيرة إلى أن الحشد النسائي مساء السبت "يعبر عن تجذر القضية الفلسطينية في وجدان الشعب الموريتاني". وأضافت في حديث للجزيرة نت "من خلال هذه المسيرة أوصلت نساء موريتانيا، من مختلف التوجهات السياسية والاهتمامات المهنية، رسالة رفض واضحة للجرائم الوحشية المرتكبة في غزة، وتأكيدا على الالتفاف حول خيار المقاومة كطريق لاسترداد الكرامة". وأوضحت أن "مليونية نساء موريتانيا" تجسد صرخة غضب شعبية، ورسالة نسائية حاسمة في وجه الصمت الدولي، تعكس حجم التضامن الشعبي المتجذر في البلاد، وتؤكد أن القضية الفلسطينية ما زالت في قلب أولويات الشارع الموريتاني، نساء ورجالا.

تسريب 184 مليون كلمة مرور من "آبل" و"فيسبوك" وغيرها من المنصات البارزة
تسريب 184 مليون كلمة مرور من "آبل" و"فيسبوك" وغيرها من المنصات البارزة

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

تسريب 184 مليون كلمة مرور من "آبل" و"فيسبوك" وغيرها من المنصات البارزة

في مفاجأة غير متوقعة، تمكن الباحث الأمني المستقل جيريمياه فاولر من إيجاد قاعدة بيانات مخزنة على خادم سحابي غير مؤمن تضم أكثر من 184 مليون كلمة مرور وحساب لمجموعة متنوعة من الخدمات المختلفة بدءًا من خدمات " آبل" حتى حسابات البنوك وبعض البوابات الحكومية، بحسب تقرير نشره موقع "9 تو5 ماك" المتخصص بأخبار منتجات آبل. وبحسب ما قاله فاولر، فإن قاعدة البيانات كانت متروكة على الخادم المفتوح ولا تحتاج إلى أي كلمات مرور للوصول إليها واستخدامها، وأضاف قائلًا إن هذه القاعدة أشبه بهدية قادمة من أحلام القراصنة ومجرمي الإنترنت. وصلت مساحة قاعدة البيانات إلى أكثر من 47 غيغابايتا من كلمات المرور والحسابات المختلفة، وكانت تضم البريد الإلكتروني واسم المستخدم وكلمات المرور فضلًا عن روابط تسجيل الدخول لكل واحد من هذه الحسابات، وبسبب الحجم الكبير لقاعدة البيانات، فإن فاول لم يتمكن من تحديد جميع الخدمات الموجودة في التسريب. وعبر الفحص المبسط، تمكن فاولر من التعرف على مجموعة من الخدمات مثل خدمات "آبل" و" أمازون" و"ديسكورد" (Discord) فضلًا عن "فيسبوك" و" غوغل" و"باي بال" و"إكس" وحسابات " مايكروسوفت" و"وردبريس" أيضًا. واستطاع التيقن من صدق ودقة البيانات المسربة عبر التواصل مباشرة مع بعض عناوين البريد الإلكتروني الموجودة في التسريب، وهم من قاموا بتأكيد صدق البيانات وأنها مستخدمة حاليا، بعد ذلك قام فاولر بالتواصل مع الخدمة التي استضافت قاعدة البيانات من أجل إزالتها حتى يتم التيقن من بيانات صاحب قاعدة البيانات. يرجح فاولر أن هذه البيانات سُرقت عبر استخدام برمجيات "إنفوستيلر" (infostealer) الخبيثة، وهي نوعية من البرمجيات الشائعة التي توجد في التطبيقات المقرصنة ورسائل البريد الإلكتروني الخبيثة أيضًا.

هكذا تعقّد خارطة القوى السياسية "المتنافرة" المشهد في ليبيا
هكذا تعقّد خارطة القوى السياسية "المتنافرة" المشهد في ليبيا

الجزيرة

timeمنذ 3 أيام

  • الجزيرة

هكذا تعقّد خارطة القوى السياسية "المتنافرة" المشهد في ليبيا

طرابلس – في قلب صحراء شمال أفريقيا، تقف ليبيا كمتاهة سياسية معقّدة، تتشابك فيها خيوط النفوذ المحلي وسط انقسام السلطة بين الشرق والغرب، والتدخلات الدولية المتعثرة لمبادرات الأمم المتحدة. فمنذ سقوط نظام الرئيس السابق معمر القذافي عام 2011، لم تتمكن ليبيا من الخروج من متاهتها نحو برّ استقرار سياسي حقيقي لدولة دستورية موحدة، بل تحولت إلى ساحة لصراعات نفوذ داخلية وخارجية، وتنازع المصالح بين من يمثلون السلطة السياسية، وصراع النفوذ الميداني بين المجموعات المسلحة، وهي صراعات تتجدد مع كل محاولة لإعادة بناء الدولة. شهدت العاصمة طرابلس، خلال مايو/أيار الجاري، اشتباكات عنيفة في إطار تفكيك الأجهزة الأمنية الموازية لحكومة الوحدة الوطنية، بين قوات اللواء 444 قتال التابع لهذه الحكومة بقيادة محمود حمزة، وقوات جهاز الردع التابع للمجلس الرئاسي بقيادة عبد الرؤوف كارة، مدعومة بقوات تابعة لمدينة الزاوية. فوضى أمنية اندلعت شرارة هذه الاشتباكات بعد مقتل عبد الغني الككلي (غنيوة) ، رئيس جهاز دعم الاستقرار ، خلال اجتماع رسمي بحضور قيادات عسكرية من حكومة الوحدة، وقد أسفرت المواجهات عن مقتل عدد من المدنيين وتدمير ممتلكاتهم. إعلان ويصف المحلل السياسي مصباح الورفلي -في تصريح للجزيرة نت- هذه المواجهات بأنها نتيجة طبيعية لـ"تغوّل التشكيلات المسلحة التي تبتز مؤسسات الدولة وتتحكم في منافذها"، مضيفا أن غياب مؤسسة أمنية موحدة بعقيدة مهنية ساهم في ترسيخ حالة الفوضى. في السياق ذاته، يرى أحمد دوغة، نائب رئيس حزب الأمة، أن هذه الاشتباكات تعكس غياب بنية أمنية موحدة بين الحكومة و المجلس الرئاسي ، وتعدد مصادر الشرعية بين الأطراف، معتبرا أن ذلك يولّد صراعا على النفوذ السياسي والاقتصادي. وأضاف للجزيرة نت، أن انتشار السلاح يفرغ أي مسار سياسي من مضمونه، ويحتاج "تدخلا دوليا فاعلا لكبح هذا الانفلات". أثارت المواجهات الأخيرة دعوات سياسية لإسقاط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة ، إذ وصف رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري الدبيبة بـ"نيرون العصر"، في حين بدأ رئيس مجلس النواب عقيلة صالح إجراءات لتشكيل حكومة موحدة بديلة. ويرى دوغة، أن تقارب المشري وصالح "ليس سوى تحالف مصالح مؤقت، يتقاطعان فيه عند العداء المشترك لحكومة الدبيبة"، لافتا إلى أن هذا التحالف أعيد إحياؤه بعد أن فشل سابقا في تونس وجنيف، وهو الآن يستغل الوضع الأمني لتحقيق مكاسب سياسية. بدوره، يؤكد الورفلي، أن هذا التقارب تقاطع هش هدفه إعادة التموضع داخل المشهد، وليس مدفوعا برؤية إستراتيجية موحدة، مشيرا إلى أن أطراف الصراع تتمسك بالمرحلة الانتقالية لتمديد بقائها وتفادي انتخابات قد تطيح بها. خارطة متنافرة تنقسم مراكز النفوذ في ليبيا اليوم إلى 4 كتل رئيسية: حكومة الوحدة الوطنية في الغرب. القيادة العامة للجيش بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر في الشرق. المجلس الأعلى للدولة. مجلس النواب. وبحسب المحلل الورفلي، فإن القوة في الشرق تتمثل في الجيش النظامي والدعم الإقليمي، بينما تتركز قوة الغرب في الاعتراف الدولي والسيطرة على المؤسسات المالية، كمصرف ليبيا المركزي والشركات القابضة. أما دوغة، فيعتبر أن مصادر القوة الفعلية لا تتعلق فقط بشرعية القانون بل بامتلاك السلاح والسيطرة الميدانية و"ابتزاز الأطراف الدولية"، مشيرا إلى أن الاتفاقات السياسية السابقة كجنيف وتونس لا تزال تُستخدم كورقة ضغط للبقاء رغم فشلها في إنتاج تسوية دائمة. يتولى محمد المنفي رئاسة المجلس الرئاسي الليبي، إلا أن دوره العملي لا يتجاوز الرمزية بسبب غياب أدوات تنفيذية وأذرع أمنية فاعلة. ويعزو دوغة ضعف هذا المجلس إلى فشله في إدارة شؤونه الداخلية مع وجود خلافات بين أعضائه الثلاثة، مشددا على أنه أصبح كيانا غير قادر على التأثير في المشهد الليبي". بينما يرى الورفلي أن المجلس يحاول أخيرا استغلال بعض التعديلات في الاتفاق السياسي لممارسة ضغط سياسي، لكنه يظل بحاجة إلى دعم إقليمي ودولي ليلعب دورا فعالا. أطلقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الثلاثاء الماضي، تقريرا تضمن توصيات اللجنة الاستشارية لحل النقاط الخلافية في القوانين الانتخابية، بما يشمل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بصورة متزامنة. لكن تقييم المحللين لجهود البعثة الأممية جاء متشائما، فدوغة يقول، إن البعثة تكرر نفس الحوارات الفاشلة وتستبعد الفاعلين الحقيقيين كالأحزاب والمجتمع المدني، مفضلة التعامل مع أطراف مسلحة أو فاقدة للشرعية الشعبية. ويذهب الورفلي أبعد من ذلك، معتبرا أن الازدواجية داخل الأمم المتحدة وانقسام المجتمع الدولي، إلى جانب غياب مشروع وطني جامع، أفشلت كل المبادرات السابقة، مضيفا أن الارتكاز على قوى تفتقر إلى الشرعية الشعبية جعل البعثة تدور في حلقة مفرغة. رغم ذلك، يبدي دوغة بعض الأمل، موضحا أن تشكيل لجنة الـ20 التشاورية أخيرا ربما يعكس تغييرا في نهج البعثة، وأن الأيام القادمة كفيلة بإظهار مدى الجدية في الضغط على الأطراف الليبية لاعتماد أحد المقترحات المطروحة. في ظل هذا المشهد المعقد، تتضاءل فرص إجراء انتخابات نزيهة وشفافة، ويؤكد دوغة أن الانقسام الحالي وانتشار السلاح وغياب الضمانات، كلها عوامل تجعل من الاستحقاق الانتخابي حلما مؤجلا، داعيا إلى ملتقى ليبي جامع يعيد الثقة ويوحد الصفوف. أما الورفلي، فيتوقع استمرار حالة الانقسام وبناء مزيد من التحالفات المسلحة والسياسية، محذرا من أن الشارع الليبي قد ينزلق إلى دعوات للحكم الذاتي في بعض المناطق كنوع من البحث عن حماية ذاتية. هكذا، تظل ليبيا في حاجة ماسة إلى توافق وطني حقيقي يتجاوز الاصطفافات الضيقة ويضع مصلحة البلاد فوق الحسابات الفئوية، على أمل أن تكون المراحل القادمة فرصة لاستعادة زمام المبادرة، لا مجرد محطة أخرى في متاهة لا تنتهي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store