
روسيا... الابن الأوروبي الضال
رفض منتقدو ترمب - أي المشتبه بهم المعتادون مثل صحيفة «نيويورك تايمز» وقناة «سي إن إن» - اللقاء، ووصفوه بأنه مجرد فرصة أخرى لالتقاط الصور؛ لإضافة لمسة فنية إلى شخصية ترمب، وتلميع صورته بوصفه صانع سلام يستحق جائزة «نوبل».
زعم المعنيون بشعار «لوم أميركا أولاً» - الذين يمثلهم في هذه الحالة البروفسور جيفري ساكس من جامعة هارفارد - أن ترمب سوف يحاول الحصول على جزء كبير من النفط والغاز الروسي لصالح كبار رجال الأعمال بالولايات المتحدة.
أما جوقة المعارضين الأوروبيين، بقيادة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فأنشدوا أغنيتهم «ترمب ينحني لبوتين» من خلال استبعاد الاتحاد الأوروبي من هذا اللقاء في ألاسكا الجليدية.
لكن حتى وإن صحّت كل هذه التأكيدات، فلا شك أن القمة تُمثل حدثاً مهماً، ولو لسبب واحد فقط وهو أن الجانبين كليهما خفف من مواقفه المتصلبة. فقد أصر ترمب على أن بوتين يجب أن يوافق أولاً على وقف الحرب قبل ترتيب أي لقاء مزمع. وهذا لم يحدث. بل على العكس، زاد بوتين من إيقاع ووتيرة سيمفونية حربه لسحق أوكرانيا.
ومن جانبه، جعل بوتين القمة مشروطة بشرطين ضروريين: تخفيف العقوبات الاقتصادية، ووقف الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا. ومرة أخرى، لم يحدث أي من هذين الأمرين؛ إذ فرض ترمب عقوبات أكثر صرامة على روسيا، ثم زوّد أوكرانيا بأسلحة متطورة. بعبارة أخرى، رفع كل من الرجلين من رهاناته في مقامرته على أوكرانيا التي مزقتها الحرب. كل ذلك قد يرسم صورة قاتمة لأي نتيجة مفيدة قد يتمخض عنها لقاء ألاسكا.
لكن بالنظر من زاوية أخرى، قد لا تبدو الأمور بهذا القدر من اليأس. بادئ ذي بدء، بقبول بوتين دعوة ترمب إلى ألاسكا فإنه يقر بوضع الولايات المتحدة كقوة لا غنى عنها في السياسة العالمية. بمعنى آخر، هو يعترف بأن الأيام التي كانت تُعقد فيها القمم الأميركية والسوفياتية في أماكن محايدة للتأكيد على تكافؤ مكانتهما الدولية قد ولّت. وعلى الرغم من استعراض القوة من قبل أتباعه مثل ديمتري ميدفيديف، يعلم بوتين أن الحرب لا تسير على ما يرام بالنسبة له.
من ناحية أخرى، لا بد أن ترمب قد أدرك أن روسيا لا تزال تحظى بالمرونة الاقتصادية والعزم السياسي بما يكفي لعدم الاستسلام. كما أدرك أنه لا يمكنه توقع أن ينسحب بوتين ببساطة من أوكرانيا من دون أن يأخذ شيئاً معه. ولهذا السبب يتحدث ترمب عن «تنازلات إقليمية من كلا الجانبين»، وهو يعلم أن عبارة «كلا الجانبين» لا تخدع أحداً.
وهكذا، نحن أمام معضلة أخرى من معضلات «الأرض مقابل السلام» التي لم تنجح أبداً بوصفها حلاً دائماً للصراعات بين خصوم يُعدّ كل منهم تهديداً وجودياً للآخر.
ربما تكمن جذور الحرب الحالية في الفشل التاريخي لروسيا في حل أزمة الهوية لديها، والفشل الأوروبي في مساعدتها على مباشرة ذلك. منذ إعادة تنظيم أوروبا ما بعد الإمبراطورية بمعاهدات «وستفاليا»، شهدت القارة المضطربة تهديدين كبيرين: الهيمنة القومية الألمانية بقيادة نامسا (الإمبراطورية النمساوية المجرية) وبروسيا، ومنذ عام 1870 الرايخ الألماني الموحد من جهة، والقومية السلافية الشاملة بقيادة روسيا القيصرية، ثم السوفياتية لاحقاً، من جهة أخرى.
ولقد استُخدمت عبارة «الروس قادمون!» في وقت مبكر من القرن الثامن عشر، للإعراب عن رُهاب الأوروبيين مما أسماه ماركس «الهمج القادمون من الشرق». كما أن ونستون تشرشل لم يكن هو من ابتكر عبارة «الستار الحديدي»، بل كان الكاتب الألماني فرانز شوسيلكا في عام 1872.
لطالما تمزقت روسيا بين هويتين: الآسيوية والأوروبية. وعلى الرغم من أنها تلامس جزءاً متجمداً من المحيط الهادئ ولديها بعض الوصول إلى البحار المفتوحة عبر بحر آزوف، فإن روسيا لا تزال قوة حبيسة. وهذا هو السبب في أنها لم تنجح أبداً في بناء إمبراطورية تتجاوز امتدادها البري. فالقوى الأوروبية التي قسمت العالم إلى غنائم استعمارية في مؤتمر برلين، استبعدت روسيا خارج دائرة العائلة اللصوصية.
ومن المثير للاهتمام، أن روسيا لم تغزُ أوروبا أبداً، ولكنها تعرضت للغزو من قبل الجيوش السويدية والفرنسية والألمانية في عدد من المناسبات. ويتباهى الروس أيضاً بأنهم عملوا كحصن لأوروبا ضد «الخطر الأصفر» (الصين)، بينما كانوا يُقلصون من حجم الإمبراطورية العثمانية وإيران، وكلاهما كان منافساً إسلامياً لأوروبا المسيحية.
يشكو الشاعر ألكسندر بلوك في القرن التاسع عشر في قصيدة طويلة من أن الأوروبيين لا يُقدّرون ما فعلته روسيا من أجلهم كحارس طليعي للحضارة ضد «الجحافل الآسيوية». وهو يُهدد الأوروبيين في نهاية القصيدة قائلاً: «إذا كنتم لا تريدوننا وحاولتم إبعادنا... فسوف نعود على رأس تلك الجحافل».
في الأثناء ذاتها، فإن ما أصبحت عليه روسيا بعد بطرس الأكبر كان إلى حد كبير مشروعاً أوروبياً. ما كان يمكن لشخصيات مثل بوشكين، وليرمونتوف، وتولستوي، ودوستويفسكي أن تُوجد أو تُعرف لولا الوصول إلى الأدب الإنجليزي الفيكتوري والفرنسي. كما أن الموسيقى والرقص والرسم الروسي هي من نتاج الفن الأوروبي الذي بدأ بالتأثير البيزنطي.
وصمّم الإيطاليون مدينة بتروغراد، «فينيسيا الشمال»، وعكست موسكو العمارة الفرنسية في مبانيها. ومع ذلك، فإن روسيا - الابن الأوروبي الضال - تحمل ضغينة ضد الغرب مثل شخص يُعامل كـ«الخروف الأسود» في العائلة.
يرجع جزء من سبب سوء سلوك روسيا إلى الشعور بأنها مهما فعلت، فسوف تُعامل دائماً معاملة المنبوذة من قبل عائلة «الأمم المتحضرة». ففي الوقت الذي كان فيه الاتحاد السوفياتي تحت رحمة التنفس الصناعي الطارئ، أبدى الرئيس جورج بوش الأب، ربما من دون قصد، ازدراءه عندما سأل: «كيف يتسنى لنا إنقاذ روسيا؟». كما أبدى الرئيس باراك أوباما صلفاً بيّناً عندما وصف روسيا بأنها «قوة إقليمية» لا تستحق اهتماماً خاصاً.
كل ذلك غذى الخطاب القومي السلافي الذي يضع روسيا في مواجهة الغرب. كان غزو أوكرانيا عرضاً من أعراض الفشل في إيجاد مكان مناسب للابن الأوروبي الضال. وإن ادعاء جيفري ساكس الزائف بأن بوتين غزا أوكرانيا لأنه خاف من انضمامها إلى حلف «الناتو» هو محض تضليل متعمد. فالأمة التي لديها نزاع حدودي مع أي من جيرانها لا يمكنها حتى التقدم بطلب للحصول على عضوية «الناتو».

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المغرب اليوم
منذ 3 ساعات
- المغرب اليوم
ترمب يستبعد حاليا فرض رسوم على شراء النفط من روسيا
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب اليوم السبت إنه لن يضطر إلى التفكير في فرض رسوم جمركية مضادة على الدول التي تشتري النفط الروسي في الوقت الحالي، لكنه قد يضطر إلى ذلك «في غضون أسبوعين أو ثلاثة أسابيع». وقال ترمب لشون هانيتي من قناة فوكس نيوز بعد اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا «حسنا، بسبب ما حدث اليوم، أعتقد أنني لست مضطرا للتفكير في ذلك». وأضاف «الآن، قد أضطر للتفكير في ذلك بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع أو ما شابه، ولكن ليس علينا التفكير في ذلك الآن. أعتقد، كما تعلمون، أن الاجتماع سار على نحو جيد للغاية». وقبل أسبوع، قالت وزارة المالية الكندية في بيان إن الحكومة الكندية وبعض أوثق حلفائها يعتزمون خفض سقف سعر النفط الروسي بسبب حربها المستمرة في أوكرانيا. وأفاد البيان بأن كندا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا سيخفضون سقف سعر النفط الخام الروسي المنقول بحرا من 60 دولارا للبرميل إلى 47.60 دولار. وبذلك تنضم كندا إلى الاتحاد الأوروبي وبريطانيا اللذين أعلنا في يوليو/ تموز عن خفض سقف سعر الخام الروسي، في إطار استهدافهما إيرادات موسكو النفطية وزيادة الضغط عليها بسبب الحرب. وقال وزير المالية فرانسوا فيليب شامبين «بخفض سقف سعر النفط الخام الروسي، تصعد كندا وشركاؤها الضغط الاقتصادي، وتقيد مصدرا حيويا لتمويل الحرب الروسية غير الشرعية». وقال ترمب لشبكة فوكس نيوز عقب اجتماعه فجر اليوم السبت مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه أعطى «اليوم 10» على مقياس من واحد إلى 10. وأضاف أنه ونظيره الروسي تحدثا «بصدق شديد» بعد تصريحاتهما التي أعقبت اجتماع بينهما في ألاسكا. وردا على سؤال بشأن ما إذا كان تحدث مع نظيره الروسي على انفراد، قال ترمب لمراسل قناة فوكس نيوز «نعم، فعلت بعد تصريحاتنا. ألقى كلمة جيدة للغاية... . وبعد ذلك تحدثنا. بعد ذلك مباشرة، تحدثنا بصدق شديد». وقال ترمب في تصريح نقلته وكالة الأنباء الفرنسية إن الأمر الآن «يعود للرئيس زيلينسكي» للتوصل إلى اتفاق في أوكرانيا. وعلى الجانب المقابل، ذكرت وكالة إنترفاكس للأنباء نقلا عن دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين اليوم السبت أن المحادثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي تسمح للبلدين بمواصلة البحث عن سبل للتسوية. وأضاف بيسكوف «كانت المحادثة إيجابية للغاية بالفعل، وتحدث الرئيسان عن ذلك. هذه هي المحادثة بالذات التي تسمح لنا بالمضي قدما بثقة معا على طريق البحث عن خيارات التسوية». ولم يوضح بيسكوف ما هي التسوية التي يقصدها. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن محادثاته مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ألاسكا كانت بناءة وجرت في أجواء إيجابية. وأضاف في المؤتمر الصحفي المقتضب عقب انتهاء محادثاتهما فجر اليوم السبت، أنه يأمل أن يؤدي التفاهم المتبادل إلى تحقيق السلام في أوكرانيا والتي كانت إحدى القضايا التي تناولتها المباحثات، مشددا على أنه يتفق مع ترمب على ضرورة ضمان أمن أوكرانيا. وقال بوتين: «نريد أن ننهي الحرب في أوكرانيا، ونتوقع ألا تحاول أوكرانيا وأوروبا تخريب المحادثات»، معربا عن أمله بأن يصبح اجتماع اليوم نقطة انطلاق نحو استعادة العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، حيث تتمتع الشراكة بينهما بإمكانات هائلة. وأشار الرئيس الروسي إلى أن ألاسكا تمثل جزءا من التاريخ المشترك بين روسيا والولايات المتحدة، مضيفا أن روسيا أقامت اتصالات مباشرة جيدة جدا مع ترمب، داعيا الرئيس الأميركي لأن يكون الاجتماع القادم بينهما في روسيا. وفي تصريحاته قال الرئيس ترمب إن الاجتماع مع بوتين كان مثمرا وأن علاقته بالرئيس الروسي جيدة. وقال ترمب: «لم نتفق على كل شيء لكن أحرزنا تقدما بالمحادثات، عقدنا اجتماعا مثمرا للغاية وتم الاتفاق على بعض النقاط»، مضيفا أنه قد يلتقي بوتين مجددا قريبا. وأنهى الرئيسان مؤتمرهما الصحفي سريعا دون انتظار لأن يطرح الصحفيين أسئلتهم. وقال الكرملين إن محادثات بوتين وترمب دامت نحو 3 ساعات، فيما قال كيريل دميترييف ممثل الرئيس الروسي الخاص للتعاون الاقتصادي مع الدول الأجنبية إن المباحثات بين بوتين وترمب سارت عل نحو جيد للغاية. وقال وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف إن «المزاج ممتاز عقب المفاوضات في ألاسكا». قد يهمك أيضــــــــــــــا


مراكش الآن
منذ 4 ساعات
- مراكش الآن
بعد قمة ألاسكا.. لقاء بين ترامب وزيلينسكي الاثنين المقبل بالبيت الأبيض
أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، السبت، أنه سيلتقي الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في البيت الأبيض يوم الاثنين المقبل، لبحث إمكانية التوصل إلى اتفاق 'يضع حدا للحرب' بين روسيا وأوكرانيا. يأتي إعلان الرئيس ترامب عن هذا اللقاء عبر منصته (تروث سوشال)، غداة اللقاء الذي جمعه بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في ألاسكا. وأشار الرئيس الأمريكي إلى أن الاجتماع الذي عقده مع بوتين سار 'بشكل جيد'، مضيفا أنه أجرى مكالمات هاتفية في وقت متأخر من الليل مع زيلينسكي وقادة أوروبيين آخرين، من بينهم الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته. وأكد أنه تم الاتفاق على أن أفضل سبيل لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا يكمن في التوصل إلى اتفاق سلام مباشر، 'وليس مجرد اتفاق لوقف إطلاق نار لا يصمد في كثير من الأحيان'. وأضاف ترامب: 'في حال سارت الأمور بشكل جيد، فسنرتب بعد ذلك لقاء مع الرئيس بوتين'. وكان قاطن البيت الأبيض أعلن، الجمعة، عن إحراز 'تقدم كبير' عقب القمة التي عقدها في ألاسكا مع نظيره الروسي.


تليكسبريس
منذ 7 ساعات
- تليكسبريس
قيس السعيد يفتح المواجهة مع أكبر النقابات العمالية في تونس
دخل الرئيس التونسي قيس سعي د في مواجهة مع الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر النقابات العمالية في البلاد، ما يعتبره محل لون تهديدا لأبرز منظمة مستقلة وأحد اركان الديموقراطية في تونس. وجاءت التظاهرة أمام مقر الاتحاد في العاصمة غداة تصريحات لسعي د عب ر فيها عن غضبه من إضراب نفذته المنظمة لثلاثة أيام في قطاع النقل. ووصفت قيادة الاتحاد المتظاهرين بأنهم 'أنصار سعي د'، وقالت إنهم حاولوا 'اقتحام' المقر. لم ينتظر سعي د طويلا، فخرج ليل الجمعة مرة ثانية وبنبرة غاضبة، قائلا 'لم تكن في نية المحتجين لا الاقتحام ولا الاعتداء كما ترو ج لذلك ألسنة السوء'، مضيفا 'هناك ملفات يجب أن ت فتح لأن الشعب يطالب بالمحاسبة… لن تكون هناك حصانة لأي كان إذا تجاوز القانون، والقانون ي طب ق على الجميع'. ويقول نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة 'هيومن رايتس ووتش' بسام خواجا لوكالة فرانس برس 'بعد أن كث فت السلطات هجماتها ضد الأحزاب السياسية والجمعيات، يبدو أن النقابات العمالية أصبحت الآن هدفا للسلطات، وهي واحدة من آخر أعمدة الديمقراطية في تونس'. ويضيف 'التهديدات المبطنة من الرئيس ضد المركزية النقابية تشكل انتهاكا جديدا للمؤسسات التي يسعى سعي د إلى تفكيكها'. ويرى أستاذ التاريخ المعاصر في جامعات تونسية عبد اللطيف الحناشي أن ما حدث 'يأتي في سياق متواصل لمشروع الرئيس قيس سعي د الذي له موقف من الأجسام الوسيطة، ومنها منظمات المجتمع المدني'، مضيفا أن 'الخوف كل الخوف ألا يتحك م الطرفان في ردود الفعل، الأمر الذي قد يؤدي إلى مواجهات لن تخدم البلاد'. ويعتبر أن الرئيس عبر عن موقفه بنوع من 'التحدي الحاد ' الذي سيدفع الاتحاد إلى 'التفاعل باتجاه التصعيد والدخول في معركة كسر العظم'. وعقد الاتحاد هيئته التنفيذية بشكل عاجل الاثنين، ورد الأمين العام نور الدين الطبوبي على سعيد بالقول 'لسنا من الذين سي حكم عليهم بتكميم الأفواه، صوتنا عال'، منتقدا ما اعتبره 'سيفا مصلتا' على النقابيين باتهامهم بـ'الفساد'، وداعيا إلى اللجوء إلى القضاء في حال توف ر ما يثبت الاتهامات. وأعلن في أعقاب ذلك تنظيم تظاهرة ومسيرة الخميس المقبل 'للدفاع عن الاتحاد' ولعودة المفاوضات الاجتماعية المعطلة مع الحكومة ولو ح بتنفيذ إضراب عام. ومنذ العام 2022، نف ذت السلطات حملات توقيف وملاحقات قضائية طالت معارضين لسعي د، من المنتمين الى أحزاب سياسية أو من الناشطين والحقوقيين والصحافيين والقضاة، ما دفع العديد من المنظمات الحقوقية التونسية والدولية إلى التنديد مرارا بتراجع الحريات في البلاد. في المقابل، يؤكد سعيد أن الحريات مضمونة في بلاده ومكفولة في دستور 2022، وأنه لا يتدخل في عمل القضاء. وقررت الحكومة الخميس وفي خطوة تصعيدية أخرى، إلغاء 'التفر غ النقابي' الذي كان موظفون في القطاع الحكومي يحصلون بموجبه على تراخيص استثنائية لممارسة نشاطهم النقابي والتفر غ له. ومنذ تأسيس المركزية النقابية عام 1946، خاض قادة الاتحاد صدامات عد ة مع المستعمر الفرنسي وخلال فترة حكم الرئيسين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي وصولا إلى ثورة 2011. وللاتحاد تجربة واسعة في تعبئة المنخرطين فيه (700 ألف على الأقل)، بخلاف المعارضة التي تراجعت قدراتها بشكل كبير منذ 2021. وكان للاتحاد التونسي للشغل دور ريادي في حل أزمة 2013 السياسية، حين كانت البلاد في حالة استقطاب سياسي حاد بعد الثورة التي أطاحت بحكم زين العابدين بن علي في العام 2011، ونال إثرها جائزة نوبل للسلام مع ثلاث منظمات أخرى. غير أن طيفا من الرأي العام ومن التونسيين أثنوا على انتقادات سعيد للمنظمة، معللين ذلك بأن من بين أبرز أسباب تراجع الوضع الاقتصادي الإضرابات المتكررة منذ 2011، والتي نف ذتها النقابات في قطاعات حيوية ومنها إنتاج الفوسفات. وأصدرت ائتلافات حزبية معارضة ومنظمات حقوقية بيانات ند دت بما حصل أمام مقر الاتحاد. واعتبرت 'الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان' أن التظاهرة لا يمكن فصلها عن 'سياق عام من التحريض والتجييش ضد العمل النقابي والمنظمات المستقلة'، لافتة إلى أنها 'محاولة مكشوفة لتجفيف منابع التعبير الحر وإضعاف الفضاء المدني، عبر التخويف والتخوين والتشويه'. ودعم الاتحاد قرارات الرئيس الاستثنائية التي أقرها عام 2021، من تجميد أعمال البرلمان ثم حل ه لاحقا وإقالة رئيس الحكومة، من دون أن يمنحه 'صك ا على بياض'. لكن دعمه سرعان ما تراجع، واتخذ موقفا ناقدا لمسار قيس سعيد. ويرى الحناشي أن ما تقوم به السلطة 'هو توسيع لجبهة الأعداء وتقليص لجبهة الأصدقاء'. ويتزامن تطور الأزمة بين سعيد والاتحاد مع تراكم خلافات داخلية داخل الاتحاد ما يهد د بإضعافها. وبرز جناح من النقابيين يطالب بوضع حد لحالة 'الوهن والارتباك والانقسام'. وأقر الطبوبي الاثنين بوجود 'خلافات داخلية' وصفها 'بالظاهرة الصحية'، مضيفا أنها 'تحسم بالآليات الديموقراطية، وليس لنا الرجل الأوحد'.