logo
الوكالة اليهودية... "شبه دولة" أسست لإسرائيل قبل قيامها

الوكالة اليهودية... "شبه دولة" أسست لإسرائيل قبل قيامها

Independent عربيةمنذ 6 أيام

قبل نحو عقدين من إعلان قيام دولة إسرائيل كانت "شبه دولة" أخرى تمهد الأرض للكيان المنتظر، هي "الوكالة اليهودية" التي ساعدت اليهود على الهجرة ودمجهم في مجتمع كان يتشكل على نسبة قليلة من أرض فلسطين، وما زالت حتى الآن تعمل للحفاظ على فكرة الدولة اليهودية بعد مرور أكثر من قرن على إنشائها.
فكرة إنشاء هيئة سياسية تنفذ مشروع "الوطن اليهودي" ظهرت منذ المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، الذي أقر أن هدف الصهيونية هو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وبعد تعهد بريطانيا تسهيل إنشاء الوطن اليهودي في فلسطين، المعروف باسم "وعد بلفور"، بدأ تأليف كيان تابع للحركة الصهيونية داخل فلسطين التي كانت لا تزال تحت حكم الدولة العثمانية، خلال وقت بدت فيه بوادر تفكك العثمانيين مع هزائمهم في الحرب العالمية الأولى.
وبعد وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني عام 1920، بدأت بريطانيا تنفيذ وعدها بإقامة وطن قومي لليهود، إذ نصت المادة الرابعة من صك الانتداب على أنه "يعترف بوكالة يهودية ملائمة كهيئة عمومية لإسداء المشورة إلى إدارة فلسطين والتعاون معها في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وغير ذلك من الأمور التي قد تؤثر في إنشاء الوطن القومي اليهودي ومصالح السكان اليهود في فلسطين، ولتساعد وتشترك في ترقية البلاد".
إنشاء الوكالة وقيام الدولة
وتزامناً مع مصادقة عصبة الأمم رسمياً على الانتداب البريطاني، أُنشئت "الوكالة اليهودية لأرض إسرائيل" عام 1922 لتكون كياناً معترفاً به لإنشاء الوطن القومي لليهود، تطبيقاً للمادة الرابعة من صك الانتداب، مما جعلها أشبه بحكومة للمستوطنين الصهيونيين في أرض فلسطين، وتمتعت بسلطات واسعة بالتعاون مع الإدارة البريطانية، وهو ما سيجعلها لاحقاً قادرة على تحدي سلطة الانتداب.
نتائج عمل الوكالة في تشجيع الهجرات اليهودية ظهرت سريعاً، إذ ارتفع عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين ليبلغ 70 ألفاً بين عامي 1924 و1928، في مقابل نحو 40 ألفاً خلال الأعوام الأربع السابقة، حسب دراسة منشورة في موقع "الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية".
ووفق المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية تركزت هذه الموجة من الهجرة داخل المدن، مما أدى إلى تضاعف سكان أول مدينة يهودية "تل أبيب" من 16 إلى نحو 40 ألف شخص خلال مدة قصيرة، وجرى إنشاء أول جامعة عبرية في فلسطين، وإقامة مزيد من المنشآت الصناعية والمدارس داخل المدن العبرية أو المختلطة مثل القدس وحيفا.
وتعزز عمل الوكالة اليهودية إثر قرار المؤتمر الصهيوني الـ16 عام 1929 توسيع عملها بهدف زيادة الهجرة اليهودية وشراء الأراضي الفلسطينية لتمكين حركة الاستيطان، إلى جانب تشجيع الاستيطان الزراعي المبني على العمل اليهودي، ونشر اللغة والتراث العبريين داخل فلسطين.
ومع نشوب الحرب العالمية الثانية كان للوكالة اليهودية دور كبير في تشكيل "اللواء اليهودي"، الذي تألف من 5 آلاف مقاتل يهودي تحت قيادة القوات البريطانية، لكن ذلك التحالف انقلب بعد نهاية الحرب إلى عداء، إذ بدأ اليهود في معاداة سلطة الانتداب البريطاني لما رأوا أنه إحباط لمساعيهم في الإسراع بإنشاء دولتهم، مما دفعهم إلى تشكيل قيادة موحدة للجماعات اليهودية شبه العسكرية، وذلك خلال أكتوبر (تشرين الأول) 1945.
دور الوكالة اليهودية في تنظيم أمور اليهود على أرض فلسطين خلال الانتداب جعل رئيس الوكالة ديفيد بن غوريون هو من يعلن قيام دولة إسرائيل خلال الـ14 من مايو (أيار) 1948، ويصبح أول رئيس وزراء لها.
وتحول دور الوكالة اليهودية بعد قيام دولة إسرائيل من كونها هيئة شبه حكومية تمثل اليهود في فلسطين إلى منظمة تركز على دعم الهجرة اليهودية، وتعزيز الارتباط بين إسرائيل والجاليات اليهودية حول العالم إضافة إلى التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
تنظيم الأدوار والتمويل
خلال عام 1952، أقر الكنيست قانوناً ينظم أدوار كل من المنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية لإسرائيل، وأوكل القانون للحكومة الإسرائيلية مسائل الأمن والتعليم والتوظيف، التي كانت الوكالة اليهودية تختص بها سابقاً، فيما استمرت ملفات الهجرة والاستيطان واندماج المهاجرين ضمن مسؤوليات الوكالة، وتقلصت تلك الأدوار عام 1968 بإنشاء وزارة لاستيعاب المهاجرين، مما جعل مهمة الوكالة التركيز على جلب المهاجرين من الخارج بينما تتولى الوزارة أمور استيعابهم داخل إسرائيل. ونص قانون 1952 على أن الوكالة اليهودية هي "وكالة معتمدة للدولة"، مما أسس لوضعها شبه الحكومي.
وإلى جانب حملات الترويج الخارجية لجذب اليهود إلى إسرائيل، أسهمت الوكالة اليهودية في موجات كبيرة من الهجرة، مثل عملية "بساط الريح" التي هجر فيها 49 ألفاً من يهود اليمن إلى إسرائيل بعد عام من إنشائها، و"عملية سليمان" التي نقل فيها 14400 يهودي من إثيوبيا خلال 36 ساعة فحسب، إضافة إلى المساهمة في استقبال أكثر من 300 ألف يهودي من الاتحاد السوفياتي عامي 1990 و1991 تزامناً مع انهياره.
تعتمد الوكالة في تمويلها على التبرعات من داخل وخارج إسرائيل، وتعد الولايات المتحدة وكندا من أبرز مصادر تلك التبرعات، إذ سجلت الوكالة اليهودية كمنظمة غير ربحية مما يسهل التبرعات المعفاة من الضرائب من المتبرعين الأميركيين، لذلك تعد اتحادات الجاليات اليهودية في أميركا الشمالية من أهم المانحين للوكالة.
وتعد منظمة كيرين هايسود (النداء الإسرائيلي المتحد) الذراع الرسمية لجمع التبرعات للوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية، وتعمل في أكثر من 40 دولة لجمع الأموال من الجاليات اليهودية خارج أميركا الشمالية، إضافة إلى ذلك تقدم مؤسسات يهودية وغير يهودية منحاً للوكالة اليهودية لدعم مبادرات محددة، مثل البرامج التعليمية وتنمية المجتمعات في أطراف إسرائيل، مثل النقب والجليل.
تاريخياً، قدمت حكومة إسرائيل دعماً مالياً لأنشطة الوكالة اليهودية، إذ أسهمت بين عامي 1948 و1963 بنحو 170 مليون دولار، ما يساوي نحو 14 في المئة من إجمال الدخل خلال تلك الفترة، لكن التمويل الحكومي انخفض مع استقلال عمل الوكالة. وكانت التعويضات التي دفعتها ألمانيا عما يسمى الهولوكوست أحد أكبر مصادر الدخل للوكالة خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
ولدى الوكالة اليهودية مجموعة من الأصول والاستثمارات وعوائد البرامج والخدمات تدر دخلاً كبيراً. ووفق تقرير الحساب المالي للوكالة الذي اطلعت عليه "اندبندنت عربية" بلغت أصولها لعام 2023 أكثر من 1.4 مليار دولار، ارتفاعاً من 1.28 مليار دولار خلال عام 2022.
وتظهر موازنة الوكالة التي اطلعنا عليها عبر موقعها الإلكتروني أن 422 مليون دولار ستنفق خلال العام الحالي على أنشطة الوكالة، أكبر مصادرها ستكون قيمة الخدمات التي تقدمها الوكالة، بما في ذلك ما تقدمه لحكومتي إسرائيل والولايات المتحدة دون توضيح نوع هذه الخدمات بقيمة 228 مليون دولار.
وفي قائمة المصروفات تبرز أنشطة ربط المجتمعات اليهودية باعتبارها الأكثر إنفاقاً بقيمة 142 مليون دولار ما يوازي 36 في المئة من موازنة الوكالة، ثم الهجرة بقيمة 121 مليوناً بقيمة 34 في المئة ودعم المجتمع الإسرائيلي بـ30 في المئة من الموازنة.
الهجرة العكسية
على عكس أهداف الوكالة اليهودية في تشجيع الهجرة إلى إسرائيل، أدت هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى موجة من الهجرة العكسية خارج إسرائيل، إذ قدر مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي عدد المهاجرين عكسياً عام 2024 بأكثر من 82 ألف شخص، في زيادة كبيرة على الأعوام السابقة، وبخاصة أن 81 في المئة منهم تحت 49 سنة مما يعني خسارة قوة العمل في الاقتصاد الإسرائيلي. وتباطأت الهجرة إلى إسرائيل مسجلة 32.8 ألف يهودي عام 2024، انخفاضاً من 48 ألفاً خلال عام 2023.
وفي مواجهة اتجاه أعداد متزايدة لمغادرة إسرائيل، أعلن خلال فبراير (شباط) 2024 عن خطة حكومية إسرائيلية لتشجيع استقدام مزيد من اليهود من أنحاء العالم، لتوطينهم داخل المناطق الحدودية الشمالية بالجليل الأعلى وغلاف قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، وهي تقريباً المناطق التي تركزت فيها الهجمات بعد "السابع من أكتوبر".
وبحسب مسؤولين حكوميين إسرائيليين فقد زادت حوادث ما يسمى "معاداة السامية" داخل أوروبا وأميركا بعد أحداث "السابع من أكتوبر"، مما دفع الوكالة اليهودية لفتح الباب أمام اليهود حاملي "شهادات الحق بالعودة" للهجرة إلى إسرائيل.
وللتغلب على تلك المخاوف وضعت الحكومة الإسرائيلية خطة تسمى "سفينة اللاجئين" أعلنها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الهجرة والاستيعاب أوفير سوفير بموازنة أولية 170 مليون شيكل (46 مليون دولار)، بهدف التحفيز لتنفيذ طلبات الهجرة، وتشجيع حملات هجرة كبيرة لليهود في العالم إلى إسرائيل.
وذكر سموتريتش وسوفير أن طلبات الهجرة تضاعفت من فرنسا والولايات المتحدة، وزادت تلك الطلبات من كندا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى، وفق ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، التي أضافت أن الخوف من الأوضاع الأمنية جعل معظم مقدمي الطلبات لا يتخذون خطوة الهجرة فعلياً.
وترتكز المحفزات للمهاجرين الجدد التي تشملها الخطة على مكافآت مالية شهرية وامتيازات في المجالات التعليمية، وتوفير فرص العمل والمساعدة على الإيجار، على أن تكون الأولوية لمن يوافق على الاستيطان داخل الضفة الغربية والنقب والجليل الأعلى.
لكن الهجمات على إسرائيل لم تثن بعض اليهود عن الهجرة، فوفق بيانات وزارة الشتات الإسرائيلية والمنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية، جرى استقدام 7 آلاف مهاجر جديد إلى إسرائيل، النسبة الأكبر منهم شباب تجندوا ضمن الجيش الإسرائيلي، خلال الفترة بين السابع من أكتوبر 2023 ونهاية يناير (كانون الثاني) 2024.
وبعد أشهر من تراجع أعداد المهاجرين يبدو أن المحفزات الاقتصادية أتت ثمارها، إذ نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن المنظمة الصهيونية العالمية خلال أغسطس (آب) 2024 أن عدد المهاجرين إلى إسرائيل منذ أكتوبر 2023 بلغ 30 ألف شخص، بينما لم يتخط عدد المهاجرين 12 ألفاً خلال الفترة بين أكتوبر 2023 وأبريل 2024.
وبموجب "قانون العودة" الذي أصدرته إسرائيل عام 1950، يحق لليهود وبعض أقاربهم الانتقال إلى البلاد والحصول على جنسيتها. ويبلغ عدد سكان إسرائيل حالياً نحو 10 ملايين بينهم 7.7 مليون يهودي.
وكثيراً ما كانت الوكالة اليهودية والمنظمة الأم، المنظمة الصهيونية العالمية، جواز عبور المسؤولين إلى أعلى المناصب في الدولة العبرية، بدءاً من رئيس المنظمة الصهيونية (1920-1946) حاييم وايزمان، الذي اختير أول رئيس لإسرائيل، وديفيد بن غوريون الذي شغل منصب رئيس الوكالة اليهودية منذ 1935 وحتى اختياره أول رئيس لوزراء إسرائيل، وأفراهام بورج الذي شغل المنصب بين عامي 1995 و1999 وتولى رئاسة الكنيست، وآخرهم الرئيس الإسرائيلي الحالي إسحاق هرتسوج، الذي كان الرئيس الـ15 للوكالة اليهودية بين عامي 2018 و2021.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الوكالة اليهودية... "شبه دولة" أسست لإسرائيل قبل قيامها
الوكالة اليهودية... "شبه دولة" أسست لإسرائيل قبل قيامها

Independent عربية

timeمنذ 6 أيام

  • Independent عربية

الوكالة اليهودية... "شبه دولة" أسست لإسرائيل قبل قيامها

قبل نحو عقدين من إعلان قيام دولة إسرائيل كانت "شبه دولة" أخرى تمهد الأرض للكيان المنتظر، هي "الوكالة اليهودية" التي ساعدت اليهود على الهجرة ودمجهم في مجتمع كان يتشكل على نسبة قليلة من أرض فلسطين، وما زالت حتى الآن تعمل للحفاظ على فكرة الدولة اليهودية بعد مرور أكثر من قرن على إنشائها. فكرة إنشاء هيئة سياسية تنفذ مشروع "الوطن اليهودي" ظهرت منذ المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، الذي أقر أن هدف الصهيونية هو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وبعد تعهد بريطانيا تسهيل إنشاء الوطن اليهودي في فلسطين، المعروف باسم "وعد بلفور"، بدأ تأليف كيان تابع للحركة الصهيونية داخل فلسطين التي كانت لا تزال تحت حكم الدولة العثمانية، خلال وقت بدت فيه بوادر تفكك العثمانيين مع هزائمهم في الحرب العالمية الأولى. وبعد وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني عام 1920، بدأت بريطانيا تنفيذ وعدها بإقامة وطن قومي لليهود، إذ نصت المادة الرابعة من صك الانتداب على أنه "يعترف بوكالة يهودية ملائمة كهيئة عمومية لإسداء المشورة إلى إدارة فلسطين والتعاون معها في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وغير ذلك من الأمور التي قد تؤثر في إنشاء الوطن القومي اليهودي ومصالح السكان اليهود في فلسطين، ولتساعد وتشترك في ترقية البلاد". إنشاء الوكالة وقيام الدولة وتزامناً مع مصادقة عصبة الأمم رسمياً على الانتداب البريطاني، أُنشئت "الوكالة اليهودية لأرض إسرائيل" عام 1922 لتكون كياناً معترفاً به لإنشاء الوطن القومي لليهود، تطبيقاً للمادة الرابعة من صك الانتداب، مما جعلها أشبه بحكومة للمستوطنين الصهيونيين في أرض فلسطين، وتمتعت بسلطات واسعة بالتعاون مع الإدارة البريطانية، وهو ما سيجعلها لاحقاً قادرة على تحدي سلطة الانتداب. نتائج عمل الوكالة في تشجيع الهجرات اليهودية ظهرت سريعاً، إذ ارتفع عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين ليبلغ 70 ألفاً بين عامي 1924 و1928، في مقابل نحو 40 ألفاً خلال الأعوام الأربع السابقة، حسب دراسة منشورة في موقع "الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية". ووفق المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية تركزت هذه الموجة من الهجرة داخل المدن، مما أدى إلى تضاعف سكان أول مدينة يهودية "تل أبيب" من 16 إلى نحو 40 ألف شخص خلال مدة قصيرة، وجرى إنشاء أول جامعة عبرية في فلسطين، وإقامة مزيد من المنشآت الصناعية والمدارس داخل المدن العبرية أو المختلطة مثل القدس وحيفا. وتعزز عمل الوكالة اليهودية إثر قرار المؤتمر الصهيوني الـ16 عام 1929 توسيع عملها بهدف زيادة الهجرة اليهودية وشراء الأراضي الفلسطينية لتمكين حركة الاستيطان، إلى جانب تشجيع الاستيطان الزراعي المبني على العمل اليهودي، ونشر اللغة والتراث العبريين داخل فلسطين. ومع نشوب الحرب العالمية الثانية كان للوكالة اليهودية دور كبير في تشكيل "اللواء اليهودي"، الذي تألف من 5 آلاف مقاتل يهودي تحت قيادة القوات البريطانية، لكن ذلك التحالف انقلب بعد نهاية الحرب إلى عداء، إذ بدأ اليهود في معاداة سلطة الانتداب البريطاني لما رأوا أنه إحباط لمساعيهم في الإسراع بإنشاء دولتهم، مما دفعهم إلى تشكيل قيادة موحدة للجماعات اليهودية شبه العسكرية، وذلك خلال أكتوبر (تشرين الأول) 1945. دور الوكالة اليهودية في تنظيم أمور اليهود على أرض فلسطين خلال الانتداب جعل رئيس الوكالة ديفيد بن غوريون هو من يعلن قيام دولة إسرائيل خلال الـ14 من مايو (أيار) 1948، ويصبح أول رئيس وزراء لها. وتحول دور الوكالة اليهودية بعد قيام دولة إسرائيل من كونها هيئة شبه حكومية تمثل اليهود في فلسطين إلى منظمة تركز على دعم الهجرة اليهودية، وتعزيز الارتباط بين إسرائيل والجاليات اليهودية حول العالم إضافة إلى التنمية الاجتماعية والاقتصادية. تنظيم الأدوار والتمويل خلال عام 1952، أقر الكنيست قانوناً ينظم أدوار كل من المنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية لإسرائيل، وأوكل القانون للحكومة الإسرائيلية مسائل الأمن والتعليم والتوظيف، التي كانت الوكالة اليهودية تختص بها سابقاً، فيما استمرت ملفات الهجرة والاستيطان واندماج المهاجرين ضمن مسؤوليات الوكالة، وتقلصت تلك الأدوار عام 1968 بإنشاء وزارة لاستيعاب المهاجرين، مما جعل مهمة الوكالة التركيز على جلب المهاجرين من الخارج بينما تتولى الوزارة أمور استيعابهم داخل إسرائيل. ونص قانون 1952 على أن الوكالة اليهودية هي "وكالة معتمدة للدولة"، مما أسس لوضعها شبه الحكومي. وإلى جانب حملات الترويج الخارجية لجذب اليهود إلى إسرائيل، أسهمت الوكالة اليهودية في موجات كبيرة من الهجرة، مثل عملية "بساط الريح" التي هجر فيها 49 ألفاً من يهود اليمن إلى إسرائيل بعد عام من إنشائها، و"عملية سليمان" التي نقل فيها 14400 يهودي من إثيوبيا خلال 36 ساعة فحسب، إضافة إلى المساهمة في استقبال أكثر من 300 ألف يهودي من الاتحاد السوفياتي عامي 1990 و1991 تزامناً مع انهياره. تعتمد الوكالة في تمويلها على التبرعات من داخل وخارج إسرائيل، وتعد الولايات المتحدة وكندا من أبرز مصادر تلك التبرعات، إذ سجلت الوكالة اليهودية كمنظمة غير ربحية مما يسهل التبرعات المعفاة من الضرائب من المتبرعين الأميركيين، لذلك تعد اتحادات الجاليات اليهودية في أميركا الشمالية من أهم المانحين للوكالة. وتعد منظمة كيرين هايسود (النداء الإسرائيلي المتحد) الذراع الرسمية لجمع التبرعات للوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية، وتعمل في أكثر من 40 دولة لجمع الأموال من الجاليات اليهودية خارج أميركا الشمالية، إضافة إلى ذلك تقدم مؤسسات يهودية وغير يهودية منحاً للوكالة اليهودية لدعم مبادرات محددة، مثل البرامج التعليمية وتنمية المجتمعات في أطراف إسرائيل، مثل النقب والجليل. تاريخياً، قدمت حكومة إسرائيل دعماً مالياً لأنشطة الوكالة اليهودية، إذ أسهمت بين عامي 1948 و1963 بنحو 170 مليون دولار، ما يساوي نحو 14 في المئة من إجمال الدخل خلال تلك الفترة، لكن التمويل الحكومي انخفض مع استقلال عمل الوكالة. وكانت التعويضات التي دفعتها ألمانيا عما يسمى الهولوكوست أحد أكبر مصادر الدخل للوكالة خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. ولدى الوكالة اليهودية مجموعة من الأصول والاستثمارات وعوائد البرامج والخدمات تدر دخلاً كبيراً. ووفق تقرير الحساب المالي للوكالة الذي اطلعت عليه "اندبندنت عربية" بلغت أصولها لعام 2023 أكثر من 1.4 مليار دولار، ارتفاعاً من 1.28 مليار دولار خلال عام 2022. وتظهر موازنة الوكالة التي اطلعنا عليها عبر موقعها الإلكتروني أن 422 مليون دولار ستنفق خلال العام الحالي على أنشطة الوكالة، أكبر مصادرها ستكون قيمة الخدمات التي تقدمها الوكالة، بما في ذلك ما تقدمه لحكومتي إسرائيل والولايات المتحدة دون توضيح نوع هذه الخدمات بقيمة 228 مليون دولار. وفي قائمة المصروفات تبرز أنشطة ربط المجتمعات اليهودية باعتبارها الأكثر إنفاقاً بقيمة 142 مليون دولار ما يوازي 36 في المئة من موازنة الوكالة، ثم الهجرة بقيمة 121 مليوناً بقيمة 34 في المئة ودعم المجتمع الإسرائيلي بـ30 في المئة من الموازنة. الهجرة العكسية على عكس أهداف الوكالة اليهودية في تشجيع الهجرة إلى إسرائيل، أدت هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى موجة من الهجرة العكسية خارج إسرائيل، إذ قدر مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي عدد المهاجرين عكسياً عام 2024 بأكثر من 82 ألف شخص، في زيادة كبيرة على الأعوام السابقة، وبخاصة أن 81 في المئة منهم تحت 49 سنة مما يعني خسارة قوة العمل في الاقتصاد الإسرائيلي. وتباطأت الهجرة إلى إسرائيل مسجلة 32.8 ألف يهودي عام 2024، انخفاضاً من 48 ألفاً خلال عام 2023. وفي مواجهة اتجاه أعداد متزايدة لمغادرة إسرائيل، أعلن خلال فبراير (شباط) 2024 عن خطة حكومية إسرائيلية لتشجيع استقدام مزيد من اليهود من أنحاء العالم، لتوطينهم داخل المناطق الحدودية الشمالية بالجليل الأعلى وغلاف قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، وهي تقريباً المناطق التي تركزت فيها الهجمات بعد "السابع من أكتوبر". وبحسب مسؤولين حكوميين إسرائيليين فقد زادت حوادث ما يسمى "معاداة السامية" داخل أوروبا وأميركا بعد أحداث "السابع من أكتوبر"، مما دفع الوكالة اليهودية لفتح الباب أمام اليهود حاملي "شهادات الحق بالعودة" للهجرة إلى إسرائيل. وللتغلب على تلك المخاوف وضعت الحكومة الإسرائيلية خطة تسمى "سفينة اللاجئين" أعلنها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الهجرة والاستيعاب أوفير سوفير بموازنة أولية 170 مليون شيكل (46 مليون دولار)، بهدف التحفيز لتنفيذ طلبات الهجرة، وتشجيع حملات هجرة كبيرة لليهود في العالم إلى إسرائيل. وذكر سموتريتش وسوفير أن طلبات الهجرة تضاعفت من فرنسا والولايات المتحدة، وزادت تلك الطلبات من كندا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى، وفق ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، التي أضافت أن الخوف من الأوضاع الأمنية جعل معظم مقدمي الطلبات لا يتخذون خطوة الهجرة فعلياً. وترتكز المحفزات للمهاجرين الجدد التي تشملها الخطة على مكافآت مالية شهرية وامتيازات في المجالات التعليمية، وتوفير فرص العمل والمساعدة على الإيجار، على أن تكون الأولوية لمن يوافق على الاستيطان داخل الضفة الغربية والنقب والجليل الأعلى. لكن الهجمات على إسرائيل لم تثن بعض اليهود عن الهجرة، فوفق بيانات وزارة الشتات الإسرائيلية والمنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية، جرى استقدام 7 آلاف مهاجر جديد إلى إسرائيل، النسبة الأكبر منهم شباب تجندوا ضمن الجيش الإسرائيلي، خلال الفترة بين السابع من أكتوبر 2023 ونهاية يناير (كانون الثاني) 2024. وبعد أشهر من تراجع أعداد المهاجرين يبدو أن المحفزات الاقتصادية أتت ثمارها، إذ نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن المنظمة الصهيونية العالمية خلال أغسطس (آب) 2024 أن عدد المهاجرين إلى إسرائيل منذ أكتوبر 2023 بلغ 30 ألف شخص، بينما لم يتخط عدد المهاجرين 12 ألفاً خلال الفترة بين أكتوبر 2023 وأبريل 2024. وبموجب "قانون العودة" الذي أصدرته إسرائيل عام 1950، يحق لليهود وبعض أقاربهم الانتقال إلى البلاد والحصول على جنسيتها. ويبلغ عدد سكان إسرائيل حالياً نحو 10 ملايين بينهم 7.7 مليون يهودي. وكثيراً ما كانت الوكالة اليهودية والمنظمة الأم، المنظمة الصهيونية العالمية، جواز عبور المسؤولين إلى أعلى المناصب في الدولة العبرية، بدءاً من رئيس المنظمة الصهيونية (1920-1946) حاييم وايزمان، الذي اختير أول رئيس لإسرائيل، وديفيد بن غوريون الذي شغل منصب رئيس الوكالة اليهودية منذ 1935 وحتى اختياره أول رئيس لوزراء إسرائيل، وأفراهام بورج الذي شغل المنصب بين عامي 1995 و1999 وتولى رئاسة الكنيست، وآخرهم الرئيس الإسرائيلي الحالي إسحاق هرتسوج، الذي كان الرئيس الـ15 للوكالة اليهودية بين عامي 2018 و2021.

في قصر الصنوبر البيروتي... "ولادات" لبنان المتعددة
في قصر الصنوبر البيروتي... "ولادات" لبنان المتعددة

Independent عربية

timeمنذ 7 أيام

  • Independent عربية

في قصر الصنوبر البيروتي... "ولادات" لبنان المتعددة

اجتماع مرتقب للجنة الخماسية الدولية المعنية بلبنان يزمع عقده في قصر الصنوبر في بيروت، لا يضم فقط سفراء الدول الأعضاء في تلك اللجنة إنما سيكون موسعاً، وسيشمل سفراء دول عربية أجنبية أخرى، كألمانيا وبريطانيا والكويت وغيرها، تحت عنوان "دعم لبنان". ولعل اختيار قصر الصنوبر في بيروت يحظى بدلالة تاريخية وتأكيد جديد على أن لبنان قد بدأ بمسيرة الإصلاح والتعافي. فمن الواضح أن نجاح ورشة انتخابات البلدية والاختيارية والتي عمت أرجاء البلاد، هي إشارة إلى أن العهد الجديد برئاسة العماد جوزاف عون يصر على النهوض من رماد الأزمات السياسية والاقتصادية المتراكمة، وسط ترقب داخلي واهتمام دولي غير مسبوق. تاريخ قصر الصنوبر يبرز اسم قصر الصنوبر في بيروت كشاهد على اجتماعات ولقاءات تاريخية ضمتها جدرانه، هذا القصر ليس مجرد مقر إقامة السفير الفرنسي، بل يُعد رمزاً سياسياً وتاريخياً بالغ الأهمية في الذاكرة اللبنانية، وشاهداً على محطات مفصلية في تاريخ لبنان الحديث. وقد احتضن هذا القصر عدداً من الاجتماعات اللبنانية المصيرية التي أسست أو أرست ملامح تحولات كبرى في البلاد. في الخامس من يناير (كانون الأول) 1915، كان موقع القصر حتى ذلك العام مجرد غابة من الصنوبر خالية من أي مبنى. ويقال إن الأمير فخر الدين المعني الثاني زرع هذه الأشجار في القرن السابع عشر لإيقاف زحف الرمال إلى بيروت من جهة الجنوب. ما وفر مكاناً لسكان المدينة للتنزه والاستجمام في القرون اللاحقة. وفي نهايات عهد الدولة العثمانية، شهدت المنطقة أولى تبدلاتها العمرانية، إذ قرر والي مدينة بيروت يومها عزمي بك بالتعاون مع السفير العثماني في باريس ألفرد موسى سرسق تطبيق مخططات لبناء أندية فخمة للطبقات العليا في المنطقة، على أن تضم داراً للسينما وكازينو وميداناً لسباق الخيل، فقام السفير سرسق باستئجار من بلدية بيروت تلك الغابة والتي كانت تدعى "الحرش" (ولا يزال البيروتيون يستعملون هذا التعبير)، وكانت تعاني الإهمال. وكان هدف سرسق آنذاك تأسيس شركة مغفلة هي "الكازينو والنادي العثماني"، وبدأ بناء قصر الصنوبر في عام 1916 بإشراف فريق من المهندسين منهم أمين وبهجت عبد النور وحسين الأحدب وجورج أفتيموس ومارون غماشي. ووقعت الحرب العالمية الأولى، فلم يستخدم القصر للغرض الذي أنشئ له، حيث صادرت السلطات العثمانية المبنى، والذي حول إلى مستشفى عسكري. وعند تفكك الإمبراطورية العثمانية عام 1918 وقع لبنان تحت الانتداب الفرنسي، فاختار القنصل فرنسوا جورج بيكو القصر واتخذه مقراً له وأعطاه تسمية "قصر الصنوبر". وسرعان ما تحول المكان إلى مقر رسمي لسلطات الانتداب ليعلن من على أدراجه الجنرال غورو في سبتمبر (أيلول) 1920 قيام "دولة لبنان الكبير". وبعد مرور نحو 100 عام، وفي سبتمبر 2019، فتح قصر الصنوبر أبوابه للجمهور، في إطار الأيام الأوروبية للتراث، بعنوان "ادفعوا أبواب قصر الصنوبر"، حينها جال الزائرون في قاعة الطعام الكبيرة والصالون الكبير والردهة وصالون الموسيقى ومكتب السفير والصالون العثماني والفسحة أعلى درج المدخل ونصب الموتى. وفي ذلك الوقت، أعلن السفير الفرنسي لدى بيروت برونو فوشيه في لقاء مع الصحافيين أنه "جرى فتح أبواب قصر الصنوبر أمام الجمهور اللبناني للسنة الثالثة على التوالي، احتفاء بالأيام الأوروبية للتراث، وقد عرفت هذه البادرة نجاحاً كبيراً سابقاً، ففي هذا القصر جرى الإعلان عن دولة لبنان الكبير في الأول من سبتمبر 1920. وهذا القصر نوعاً ما هو بيت اللبنانيين وجزء من تاريخهم، ونحن نحافظ عليه حيث يستضيف العديد من المناسبات، ومنها الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي في 14 يوليو (تموز) من كل عام وهو أكبر حفل استقبال دبلوماسي في المدينة. ونحن أردنا فتح أبواب هذا القصر أمام كل من يرغب بزيارته، فهو جميل جداً، ويعتبر من أجمل منازل بيروت وجرى تجديده وافتتاحه من قبل الرئيس الراحل جاك شيراك في 30 مايو (أيار) 1998 بعد الحرب الأهلية التي هدمته بشكل شبه كامل". ملكية القصر تنتقل لفرنسا في تلك المناسبة وزعت ورقة تعريف بالقصر تناولت قصته منذ بداياته. ووفقاً لتلك الورقة فإنه في عام 1921 عرضت فرنسا شراء المقر فتنازل آل سرسق عن عقد الإيجار مقابل مليون و850 ألف فرنك، وجرى كذلك شراء الأرض التي كانت ملكاً لبلدية بيروت فأصبح قصر الصنوبر ملكاً للدولة الفرنسية. وبين 1928 و1931 تكفل جبران طرزي بتأمين قطع الأثاث الشرقية للقصر وتلبيس الدرج الداخلي فيه بألواح خشبية مصنوعة من خشب الأرز الخالص، واستقدمت لوحات جدارية من دمشق وسقوفيات مصنوعة من الخشب المطلي فضلاً عن الأعمدة الخشبية المطرزة. وتحول القصر إلى مكان لاستضافة حفلات كبيرة فكان كبار الرؤساء والمسؤولين اللبنانيين والأجانب يتوافدون إليه. لم يكن قصر الصنوبر بمنأى عن أهوال الحرب التي طاولت لبنان عام 1975 فدارت المواجهات بين الميليشيات المختلفة في حدائقه وتعرض لأضرار جسيمة لوقوعه على خط التماس، فانتقل السفراء إلى مبنى القنصلية، قبل الاستقرار في مار تقلا (الحازمية) بعد اغتيال السفير لويس دولامار، في واحدة من بين أشهر عمليات الاغتيال التي تعرض لها الدبلوماسيون خلال الحرب الأهلية. وقتل السفير الفرنسي (59 سنة) في الرابع من سبتمبر عام 1981 بعد إصابته بسبع رصاصات في الرأس والصدر والمعدة، أطلقها عليه مجهولون اعترضوا سيارته في بيروت. وبعد إخلائه للمرة الأخيرة في فبراير (شباط) 1984 كلفت قوى الأمن التابعة للجمهورية اللبنانية بحراسته عام 1986. وخلال زيارته الرسمية إلى لبنان عام 1996، أطلق الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك أعمال إعادة تأهيل القصر، والذي افتتحه في 30 مايو 1998 بعد أن كانت الحرب الأهلية قد هدمته بشكل شبه كامل. بيت الوسط الدولي لا يعتبر قصر الصنوبر مجرد مقر دبلوماسي، بل تحول إلى "بيت الوسط الدولي" في لحظات مصيرية من تاريخ لبنان. فقد استضاف الإعلان الأول لقيام الدولة، ورعى حوارات الاستقلال، وكان منصة لمبادرات إنقاذية في الأزمات المتتالية، ما جعله يحتل مكانة رمزية في الوعي الوطني اللبناني، كموقع تلتقي فيه القوى الداخلية بإشراف خارجي، لصياغة تسويات حاسمة في مسار الدولة. فما هي اللحظات الحاسمة والتاريخية التي شهدتها جدران ذلك القصر؟. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) من الممكن اعتبار أن الحدث الأبرز على الإطلاق في تاريخ ذلك القصر، هو إعلان دولة لبنان الكبير الأول من سبتمبر 1920. في هذا اليوم، أعلن الجنرال الفرنسي غورو من شرفة قصر الصنوبر قيام دولة لبنان الكبير، بحضور شخصيات لبنانية تمثل الطوائف المختلفة، من ضمنهم البطريرك الماروني إلياس الحويك. هذا الإعلان شكل نقطة الانطلاق الرسمية للبنان بحدوده الحالية، بعد أن ضمت فرنسا جبل لبنان إلى مناطق من شماله وجنوبه والبقاع والساحل. اجتماعات تأسيسية لبلورة الكيان اللبناني (1920 – 1926) خلال فترة الانتداب الفرنسي، تحول قصر الصنوبر إلى منصة لاجتماعات بين المفوضين الساميين الفرنسيين وزعماء الطوائف والوجهاء المحليين. ونوقشت فيه مسائل مثل النظام الإداري، وتوزيع السلطات، والتمثيل الطائفي، ما أسهم في وضع أسس الدستور اللبناني الأول عام 1926. ولاحقاً عقدت لقاءات تمهيدية للاستقلال ما بين أعوام (1941-1943)، بعد تصاعد المطالبة بالاستقلال، وشهد القصر عدداً من اللقاءات بين السلطات الفرنسية وقادة لبنانيين منهم رئيس الجمهورية الراحل بشارة الخوري ورئيس مجلس الوزراء رياض الصلح. وعلى رغم أن إعلان الاستقلال لم يحدث في القصر، حصلت مفاوضات وتفاهمات مبدئية فيه، خصوصاً بعد أزمة اعتقال القادة اللبنانيين عام 1943 في قلعة راشيا الوادي في البقاع، شرق العاصمة بيروت. اجتماعات الحوار الوطني بعد اغتيال الحريري عقب اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري فبراير (شباط) 2005، وخروج قوات النظام السوري البائد من لبنان، وبدعوة من السفير الفرنسي، شهد قصر الصنوبر اجتماعاً مهماً ضم قادة سياسيين لبنانيين يمثلون القوى الأساسية، لبحث مستقبل العلاقة اللبنانية- السورية والسلاح الفلسطيني، وتثبيت الاستقرار بعد انقسام الشارع اللبناني بين فريق 8 و14 مارس (آذار). المبادرة الفرنسية بعد انفجار مرفأ بيروت بعد حادثة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب) 2020، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بيروت بعد يومين من ذلك الانفجار، وعقد اجتماعاً مهماً في قصر الصنوبر ضم ممثلين عن الأحزاب الرئيسة ومجموعة من وجوه المجتمع المدني. كان اللقاء محاولة لفرض عقد سياسي جديد، وإنقاذ لبنان من الانهيار، وقد تكرر هذا النوع من الاجتماعات لاحقاً عبر الموفدين الفرنسيين، لكنه اصطدم بالشلل السياسي اللبناني. لقاءات اللجنة الخماسية كأن لهذا القصر صلة وصل مع الأزمات اللبنانية التي لا تنتهي، وفي سياق الأزمة السياسية التي أعقبت شغور موقع رئاسة الجمهورية التي تلت انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، أكتوبر (تشرين الأول) 2022، استُخدم قصر الصنوبر كمكان للقاءات بين أعضاء اللجنة الخماسية (فرنسا، السعودية، مصر، الولايات المتحدة، قطر) وبين الزعماء اللبنانيين. وكان الهدف من هذه اللقاءات الدفع باتجاه التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية ووضع خريطة طريق للإصلاح السياسي والاقتصادي. يذكر أن القصر شهد زيارات لعدد من الرؤساء الفرنسيين، منهم جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند. في المحصلة، يبقى قصر الصنوبر، بكل ما يحمله من رمزية تاريخية ووطنية، أكثر من مجرد مبنى أثري، إنه مرآة تعكس مسار لبنان الحديث، بتناقضاته وتحدياته. فمنه أُعلنت ولادة "الدولة"، وفيه عُقدت اجتماعات شكلت مفترق طرق في مصير الأمة، وبين جدرانه ترددت أصداء الأمل كما خيبات الرجاء. واليوم، وبينما يرزح لبنان تحت وطأة أزمات متتالية، يعود قصر الصنوبر إلى الواجهة كمحطة لصياغة توافقات جديدة. وكأن القدر شاء أن يظل هذا القصر صلة الوصل بين الماضي والحاضر، شاهداً على استمرار البحث عن وطن يستحق الاستقرار والسيادة، لا أن يبقى رهينة دوامة لا تنتهي من الانهيارات والتجاذبات.

3 سيناريوهات ترسم ملامح العلاقات السورية- الأردنية
3 سيناريوهات ترسم ملامح العلاقات السورية- الأردنية

Independent عربية

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • Independent عربية

3 سيناريوهات ترسم ملامح العلاقات السورية- الأردنية

لم تكن العلاقات السورية-الأردنية يوماً سهلة أو مستقرة، فالجغرافيا تفرض التفاعل والتاريخ يثقل بكثير من الشكوك، بينما المصالح تدفع دوماً نحو التعاون، ومع سقوط نظام بشار الأسد يقف البلدان على مفترق طريق يمكن أن يتحول إما إلى شراكة إستراتيجية جديدة أو استمرار لحال الانتظار الحذر. ويمكن القول إن مستقبل العلاقات بين الجارتين العربيتين مرهون بنجاح السوريين في إدارة شؤونهم الداخلية، وبمدى قدرة عمّان على موازنة مصالحها الأمنية والاقتصادية والإنسانية. التأسيس تحت الانتداب بعد انهيار الدولة العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى (1918)، دخلت القوى الاستعمارية وتحديداً بريطانيا وفرنسا المشرق العربي وفق اتفاقية سايكس–بيكو التي قسمت بلاد الشام والعراق بينهما، حصلت باريس على سوريا ولبنان، ولندن على العراق وشرق الأردن وفلسطين، وهذه المرحلة تميزت بغياب دول مستقلة ذات سيادة حقيقية في المنطقة، مما جعل الحدود بين الكيانات الجديدة مرنة ومحل نزاع سياسي وأيديولوجي. كان هناك اختلاف جذري في شكل الانتداب الفرنسي على سوريا عن نظيره البريطاني على الأردن، ففي سوريا بعد معركة ميسلون وهزيمة السوريين، دخل الفرنسيون دمشق بالقوة واستمرت الثورات ضدهم حتى الاستقلال، أما في الأردن فحاول الأمير عبدالله بن الحسين في البداية دعم شقيقه الملك فيصل في سوريا، إلا أن اتفاق القوتين (لندن وباريس) وتفوقهما العسكري والميداني أجبر الأمير عبدالله على التوصل إلى تسوية مع البريطانيين، فتأسست في الـ11 من أبريل (نيسان) 1921 إمارة شرق الأردن رسمياً، تحت الوصاية البريطانية، مع تعهد بدعم الحكم المحلي. خط الرمل بالنسبة إلى الأمير عبدالله بن الحسين، وعلى رغم توليه حكم الأردن بقي معارضاً بشدة لفكرة "تقسيم بلاد الشام"، وكان يعتبر أن "سوريا الطبيعية" يجب أن تكون واحدة وتحت حكم الهاشميين، فحاول مرات عدة إقناع بريطانيا وفرنسا بإعادة توحيد سوريا والأردن ويتولى الحكم في دمشق، لكن جميع جهوده في هذا الاتجاه باءت بالفشل. مشروع الوحدة تحت حكم الهاشميين في العاصمة دمشق كان يلقى رفضاً من النخبة القومية السورية، مما تسبب في توتر بين البلدين استمر إلى مرحلة ما بعد الاستقلال، على رغم أن الفكرة الأساسية التي كان يريدها الأمير عبدالله بن الحسين هي "سوريا الكبرى" التي تشمل سوريا ولبنان وفلسطين والأردن. وعلى رغم الخلافات بين الفرنسيين والنخبة القومية السورية اتفقا على رفض مشروع الأمير عبدالله، إذ كان المشروع يتعارض مع مصالح فرنسا في سوريا ولبنان. على الصعيد الاجتماعي، خلال فترة الانتداب، وعلى رغم التوتر السياسي كانت الحركة التجارية والاجتماعية بين دمشق وعمّان نشطة للغاية، كما أن القبائل العربية في البادية الجنوبية في سوريا مثل الحويطات وبني خالد وغيرها كانت تتنقل بين سوريا والأردن بحرية من دون عوائق. في الـ17 من أبريل 1946 جرى إعلان استقلال سوريا ومغادرة الفرنسيين، وبعد أقل من شهر ونصف الشهر وتحديداً في الـ25 من مايو (أيار) 1946 استقل الأردن بتتويج الملك عبدالله بن الحسين ملكاً على "المملكة الأردنية الهاشمية"، فوجد فرصة لإعادة إحياء مشروع "سوريا الكبرى" فزار دمشق بعد أيام قليلة من الاستقلال وعرض مشروع الوحدة بين البلدين، إلا أن القيادة القومية في دمشق رفضت المشروع مجدداً، بل اتهمت الملك عبدالله بمحاولة "استغلال الفراغ السياسي بعد الاستقلال"، وأسفر عن ذلك توتر بين البلدين، تطور بسرعة وأدى إلى تجميد العلاقات الدبلوماسية. حسين وعبدالناصر... صراع المشاريع في الشام فترة ما بعد الاستقلال في سوريا اتسمت بغياب الاستقرار السياسي يقابله استقرار نسبي في الأردن، وتسببت الخلافات حول مشروع "سوريا الكبرى"، بقطيعة وتدهور شديدين في الخلافات بين البلدين. وفي الـ20 من يوليو (تموز) 1951 تعرض الملك عبدالله لعملية اغتيال أثناء دخوله المسجد الأقصى في القدس، وبقيت العلاقات باردة مع سوريا في عهد خلفه الملك طلال (1951–1952)، ثم بدأت بالتحول في عهد الملك الحسين بن طلال الذي تولى العرش عام 1952. خلال الفترة ما بين 1949 و1963، شهدت سوريا سلسلة من الانقلابات العسكرية، أولها انقلاب حسني الزعيم وآخرها انقلاب البعثيين، وهذه الاضطرابات جعلت العلاقات مع الأردن غير مستقرة ومتغيرة بحسب من يحكم دمشق، والفارق الأساس بين دمشق وعمّان كان أن الأردن حافظ على علاقات وثيقة مع الغرب، لا سيما بريطانيا والولايات المتحدة، بينما اتجهت سوريا –خصوصاً بعد عام 1955– إلى تبني سياسات قومية عربية ويسارية وتحالفت مع مصر في عهد جمال عبدالناصر والاتحاد السوفياتي. عند إعلان قيام الوحدة بين سوريا ومصر في فبراير (ِشباط) 1958، اعتبر الملك الحسين بن طلال أن "هذا التكتل تهديد مباشر لأمن الأردن واستقلاله". ولاحقاً شهد الأردن محاولات انقلابية فاشلة عدة، إذ قالت بعض الصحف إن بعض هذه الانقلابات نُفذت بدعم استخباراتي من القاهرة ودمشق، ووصل التوتر بين الجمهورية المتحدة والأردن إلى ذروته عام 1958. بعد الانفصال بين سوريا ومصر، شهدت دمشق فترة من الاضطراب السياسي، فتعامل الأردن بحذر مع الحكومات السورية المتعاقبة، وبعد انقلاب البعثيين في الثامن من مارس (آذار) 1963 ازدادت حدة الخطاب ضد النظام الملكي الأردني. مطاردة في السماء بحسب برنامج "ذاكرة سوريا"، فإنه في الـ10 من نوفمبر (تشرين الثاني) 1958، اعترضت مقاتلات سورية طائرة الملك الحسين بن طلال لدى مرورها بالأجواء السورية، وكان الملك حسين حينها عائداً من سويسرا إلى عمّان (وفي رواية أخرى كان متجهاً من عمّان إلى سويسرا لقضاء عطلة)، عندما اعترضت طائرته مقاتلات من طراز "ميغ" سوفياتية الصنع وأجبرت الطائرة على العودة إلى الأردن. ومن عمان ألقى العاهل الأردني خطاباً اتهم فيه السوريين بمحاولة اختطافه أو قتله، وقال إن طياره البريطاني أخبر مطار دمشق بوقت عبور الطائرة الملكية للأجواء السورية، إلا أنه فوجئ بالمقاتلات السورية تأمره بالهبوط في دمشق، لكن الطيار رفض الامتثال للأمر وطار على علو منخفض عائداً إلى الأردن، ونجح في المراوغة والإفلات من الخطر حيث هبطت الطائرة بسلام في عمّان، بينما طاردته المقاتلات السورية مخترقة المجال الجوي للمملكة. من جهتها أعلنت سلطات الجمهورية العربية المتحدة أن الطائرة دخلت الأجواء السورية من دون الحصول على تصريح سابق وفق الأصول المعمول بها دولياً، وأن طيارها لم يخطر مطار دمشق بأن العاهل الأردني كان على متنها، ووفق تصريح المتحدث باسم سلاح الجو في الإقليم الشمالي فإن الطائرة خالفت أعراف الطيران المحلية والدولية بما يبرر إسقاطها، إلا أن المقاتلات أرسلت بدلاً من ذلك لتؤمن خروجها من الأجواء السورية إلى الأردن. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) حينها استُقبل الملك الحسين في الأردن استقبال الأبطال وأعلن يوم الـ11 من نوفمبر يوم عطلة رسمية للاحتفال بسلامته، وخرج الناس إلى شوارع عمّان هاتفين بحياته ومنددين برئيس الجمهورية المتحدة جمال عبدالناصر، وعقد البرلمان الأردني جلسة طارئة خوّل فيها الحكومة اتخاذ الإجراءات اللازمة للرد على ما سموه "العدوان السوري"، ورفعت الحكومة الأردنية شكوى رسمية إلى مجلس الأمن، إلا أن الملك الحسين أعلن سحبها بعد أسبوع من ذلك حفاظاً على الوحدة العربية. وحول هذه الحادثة، قالت صحيفة الدستور الأردنية، إن "حركة شعبية عفوية خرجت إلى شوارع وسط عمّان احتفالاً بنجاة الحسين فور الإعلان عن إحباط محاولة الاغتيال، واحتشدت الجماهير في شارع الملك فيصل مع جزء من شارع الملك الحسين (شارع السلط)، وسارت الجماهير نحو قصر رغدان فخطب فيهم الحسين شاكراً لهم ومقدراً تجمعهم الاحتفالي، وأكد في كلمته الموثقة بتسجيلات وتقارير عدة محطات أجنبية اعتزازه بالشعب الأردني والتزام المملكة الدائم بدورها في الدفاع عن القضايا العربية المحقة". وتحدث الحسين بن طلال عن تلك الحادثة وعن حوادث كثيرة ومحاولات اغتيال تعرض لها سابقاً خصوصاً في مرحلة الستينيات والسبعينيات في كتابه (مهنتي كملك)، ويحوي الكتاب "أسئلة للملك وجهها له الكاتب والصحافي الفرنسي فريدون وإجابات الملك حسين عنها". أيلول الأسود.. صدام الإخوة في ساحة النار في أحداث "أيلول الأسود"، والصراع الدامي بين القوات المسلحة الأردنية بقيادة الملك الحسين، ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، خلال الفترة ما بين سبتمبر (أيلول) 1970 والـ17 من يوليو (تموز) 1971، وقفت سوريا ضد الجيش الأردني، إذ أرسلت ثلاثة ألوية مدرعة ولواء كوماندوز ولواء من المقاتلين الفلسطينيين إضافة إلى أكثر من 200 دبابة من طراز "تي-55". ويرى مؤرخون أن التحرك السوري لحماية منظمة التحرير لم يكن مخططاً له، وكان يعتمد على معلومات غير صحيحة مصدرها قيادة منظمة التحرير، وكانت القوات الأردنية على علم سابق بتحرك القوات البرية السورية، ولم تستخدم دمشق سلاحها الجوي، فيما كان قاد القوات السورية اللواء محمود باغ الذي فوجئ بعنف رد القوات الأردنية التي نشرت قوات كثيفة سميت بقوات الحجاب التابعة للواء الـ40، الذي كبد نظيرتها السورية خسائر فادحة. ويقال أيضاً إن السعودية توسطت لدى الأردن للسماح للسوريين بإدخال شاحنات لسحب أنقاض قواتهم المنسحبة من شمال الأردن. بعد أحداث أيلول الأسود، شهدت العلاقات السورية-الأردنية نوعاً من الاستقرار النسبي، قبل أن يختلف الطرفان مجدداً في الحرب العراقية-الإيرانية (1980 – 1988)، إذ دعمت سوريا طهران، فيما انضم الأردن إلى الإجماع العربي بدعم بغداد، إلا أن هذا الخلاف لم يُسفر عنه تصعيد كبير، وبقيت العلاقات موسومة بالاستقرار الحذر حتى موت حافظ الأسد عام 2000، وتوريث بشار الحكم، عندها تحسنت العلاقات تدرجاً حتى 2011. من اللاجئين إلى الكبتاغون.. كلفة الجوار السوري كان الأردن إحدى الدول التي تأثرت بصورة مباشرة جراء الأزمة السورية، فمع اندلاع الانتفاضة ضد حكم البعث، اتخذت عمان موقفاً حذراً للغاية، فلم تعلن دعم الثورة السورية، وفي المقابل لم تؤيد النظام، وسمحت بدخول مئات الآلاف من اللاجئين، نصفهم في مخيم الزعتري. اشترك الأردن أيضاً في التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، وقُتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة في مدينة الرقة بعد إسقاط طائرته من قبل التنظيم الإرهابي، كما لعبت الاستخبارات الأردنية دوراً مهماً في ما سمي "عمليات التسوية" التي جرت في الجنوب السوري منتصف 2018، ففي أكتوبر (تشرين الأول) من العام نفسه أعادت فتح معبر نصيب جابر الحدودي مع سوريا، إلا أن هذا المعبر صار لاحقاً أحد أهم أسباب عودة التوتر بين عمّان والنظام السابق، بسبب استخدامه لتهريب المخدرات. خلال الفترة ما بين 2018 و2024، عانى الأردن تهريب مئات الملايين من حبوب الكبتاغون المنتجة في سوريا، وعلى رغم تحسن العلاقات نسبياً مع نظام بشار، اتهم الجيش الأردني مجموعات في نظيره السوري بتسهيل تهريب المخدرات إلى المملكة. وفي عام 2023 بلغت عمليات تهريب المخدرات ذروتها، فتطورت عمليات التهريب لتشمل الطيران المسير، مما دفع جامعة الدول العربية لتشكيل "لجنة الاتصال العربية الخاصة بسوريا"، لكن الأسد سقط قبل أن تنهي اللجنة أعمالها. العهد الجديد بحلول الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، سقط النظام السوري فكان الأردن في مقدمة الدول العربية التي رحبت بانتصار الثورة السورية، وبعد أيام من سقوط نظام الأسد استضافت عمّان مؤتمراً تشاورياً لدول الجوار السوري بمشاركة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية، فيما أجرى وزير الخارجية الأردني زيارات عدة إلى سوريا، وشارك في مؤتمر الرياض الذي دعا إلى دعم سوريا خلال العملية الانتقالية ورفع العقوبات عنها. في الـ26 من فبراير الماضي، أجرى الرئيس السوري أحمد الشرع زيارة رسمية إلى الأردن، حيث التقى الملك عبدالله الثاني في مراسم استقبال رسمية، فيما اعتبرت هذه الزيارة بداية لحقبة جديدة من العلاقات بين الجارتين، وسط مطالبات أردنية متكررة بضرورة تسريع رفع العقوبات واندماج سوريا بالمجتمع الدولي مجدداً. سيناريوهات المستقبل ينحصر مستقبل العلاقات السورية-الأردنية في ثلاثة سيناريوهات، تراوح ما بين عودة التوتر والاستقرار النسبي والتحالف الإستراتيجي. فالسيناريو الأضعف هو احتمالية عودة التوتر بين الجارتين، فالعلاقات بين دمشق وعمّان منذ عام 1920 لليوم لم تصل إلى مرحلة التحالف الإستراتيجي، والأعوام التي غلب فيها التوتر أكثر بكثير من أيام الهدوء، خصوصاً في ما يتعلق بملف الجنوب السوري، إذ يعتبر الأردن نفسه معنياً بصورة مباشرة بكل حدث في تلك المنطقة؟ أما السيناريو الثاني فهو الاستقرار النسبي، وفيه يرجح أن تشهد الفترة المقبلة نوعاً من الاستقرار كتلك الفترة في العلاقات ما بين 2000 و2011، فتزيد وتيرة الزيارات المتبادلة والتعاون التجاري والاعتراف الدبلوماسي، من دون أن تشهد العلاقات تحالفاً أقوى أو توتراً من جديد. ثم السيناريو الثالث، وهو التحالف الإستراتيجي، وهذا السيناريو مرجح لسببين رئيسين، الأول ضرورة أن يكون هناك دور عربي قوي في دمشق من دول الجوار وذلك لتحقيق توازن مع اللاعب التركي الذي تربطه علاقات وثيقة للغاية مع سوريا الجديدة، أما السبب الثاني هو رغبة الأردن في استقرار سوريا وهو هدف مشترك بين دمشق وعمّان، خصوصاً أن نظام الحكم الجديد يرغب بأن يكون ضمن المدار العربي خلافاً لتوجهات الأسد الذي كان يفضل العلاقة مع إيران على محيطه العربي. وفي ظل عدم الاستقرار في كل من لبنان والعراق، يبقى الأردن الجار العربي الوحيد لسوريا الذي يمكن بناء تحالف إستراتيجي معه. بالمحصلة، شهدت العلاقات السورية-الأردنية خلال القرن الماضي فترات متباينة ما بين التوتر والتصادم المباشر، وبين الهدوء الحذر والموقف الرمادي، ومع التغيير التاريخي في سوريا جراء سقوط نظام الأسد فتحت الأحداث المجال لحقبة جديدة، وغالبية المؤشرات تدعم احتمالية قيام تحالف إستراتيجي بين الأردن وجاره الشمالي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store