
الرد اللبناني على المقترح الأمريكي.. هل تقود المناورة إلى تفعيل العقوبات ضد شخصيات لبنانية؟
وفي صلب هذا المقترح الأمريكي يكمن موضوع معالجة سلاح حزب الله، وهو ما يجعله نقطة محورية في أي حوار قادم.
ولكن، في ظل التوقعات بأن يتجه الرد اللبناني نحو المناورة الدبلوماسية لكسب المزيد من المكاسب، يبرز تساؤل جوهري: هل ستصمد الإدارة الأمريكية أمام هذا الأسلوب؟ وما هو سقف صبرها تجاه المطالب التي يسعى لبنان لتحقيقها في هذه المفاوضات الشائكة؟ والأهم، هل قد تقود هذه المناورات إلى تفعيل عقوبات أمريكية قاسية ضد شخصيات لبنانية؟ الموقف الأمريكي من حزب الله يتسم بالوضوح الشديد والتصعيد المستمر.
فمنذ عام 1997، تُصنّف الولايات المتحدة حزب الله بالكامل كـ'منظمة إرهابية أجنبية' (FTO)، وهو تصنيف لا يميز رسميًا بين جناحيه العسكري والسياسي، وينظر إلى الكيان ككل على أنه تهديد.
هذا الموقف الثابت ظهر جليًا في تصريحات الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بما فيها الحالية، والتي لطالما انتقدت نفوذ الحزب ودوره في المنطقة، مُشدّدة على ضرورة تفكيك التشكيلات المسلحة خارج سيطرة الدولة. أي إيحاءات بوجود تواصل مع الحزب لا تلغي جوهر هذا الموقف التصعيدي، بل تُرسّخ سياسة الضغط الشاملة التي تتبعها واشنطن.
هذا الموقف الأمريكي المتشدد يثير تساؤلات حول طريقة تعامل السلطة اللبنانية مع ملف سلاح حزب الله.
فهل تمتلك الحكومة اللبنانية الجدية والإرادة السياسية الكافية لمعالجة هذا الملف الحسّاس بفاعلية، أم أنها تستمر في المناورات لكسب الوقت؟ إن التوقعات تشير إلى أن لبنان سيُناور ويكسب وقتًا زمنيًا قد يصل إلى نهاية العام لمعالجة الطلب الأمريكي فيما يتعلق بسلاح حزب الله.
هذه المناورة تستند إلى تجارب سابقة، أبرزها ما يتعلق بملف سلاح المخيمات. فبالرغم من أن معالجة هذا الملف كانت تُعتبر 'الامتحان الأقل صعوبة' بالنسبة للسلطة اللبنانية، إلا أنها لم تتمكن من الوفاء بالتزامها عندما حددت يوم 15 حزيران كموعد للبدء بنزع سلاح المخيمات.
هذا الفشل التاريخي يُلقي بظلاله على قدرة لبنان على معالجة قضايا أكثر تعقيدًا مثل سلاح حزب الله، ويزيد من التساؤلات حول مدى جدية أي التزامات زمنية قد تُعطى في المفاوضات الجارية، فالموقف الأمريكي واضح ولا يحتمل التسويف، مما يجعل المناورة اللبنانية محفوفة بمخاطر جسيمة.
تُشير التكهنات بقوة إلى أن الرد الأمريكي على أي مناورة لبنانية قد يتمثل في تفعيل أو وضع العقوبات الأمريكية موضع التنفيذ بشكل تدريجي ضد شخصيات لبنانية. لطالما تم الإشارة إلى قوائم عقوبات محتملة، منها ما يعرف بـ'Beiger' و'Pulse'، إلى جانب عقوبات قانون ماغنيتسكي (Magnitsky Act) وغيرها.
هذه القوائم قد تضم عددًا كبيرًا من الأشخاص قد يصل إلى 700 شخص، ومن بينهم شخصيات نافذة في السلطة اللبنانية.
هذا الضغط المتزايد يهدف إلى دفع الأطراف اللبنانية نحو اتخاذ قرارات حاسمة بشأن ملف سلاح حزب الله، ويعكس نفاد صبر واشنطن تجاه أي محاولات لكسب الوقت أو المماطلة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

القناة الثالثة والعشرون
منذ 41 دقائق
- القناة الثالثة والعشرون
"حزب الله" يلتزم ولا يسلّم
يشكل موضوع سلاح "حزب الله" المادة الأكثر إثارة للخلافات الداخلية ومع الخارج، ولا تزال أي مقاربة لملف السلاح محكومة بالسقوف العالية الرافضة أي مسّ به أو حديث عنه. وجاء في مقال سابين عويس في" النهار": يدرك الحزب بوضوح أن السلاح لم يعد يحظى بأي غطاء داخلي مع سقوط المحور الذي كان يشكل العبء الأساسي فيه. يظهر التناقض بوضوح في خطاب الحزب في مقاربته لقرارين هما الأبرز منذ صعود نجم الحزب في بيئته، عام 2006 بسبب عدوان تموز. أول قرار صدر غداة تلك الحرب عن مجلس الأمن الدولي حمل الرقم 1701 مستندًا إلى القرارين الأساسيين 1559 و1680، أما القرار الثاني فصدر في 27 تشرين الثاني الماضي، وكان القرار الموقع من لبنان وإسرائيل لوقف النار بعد حرب الإسناد لغزة. المفارقة أن الحزب التزم القرارين واعترف بهما، لكنه لم ينفذ الشق المتعلق بسلاحه في أي منهما. بالرغم من التزامه اليوم اتفاق وقف النار، وقبوله بتثبيته وعدم الذهاب إلى اتفاق جديد، لم يشكل التزامه هذا عاملًا مساعدًا في تخفيف الشروط الأميركية والإسرائيلية الضاغطة في اتجاه تسليم السلاح. وعليه، فقد باتت البلاد مشرعة على احتمال العودة إلى الحرب والتصعيد العسكري، مقابل دفع أميركي نحو إعادة تضييق الخناق الاقتصادي والمالي على نحو يعيد لبنان إلى الحصار والعزلة الدوليين. صحيح أن براك لم يستعمل مفردة القرار 1701 كما درجت عادة كل الموفدين الدوليين، لإدراكه أن المسؤولين اللبنانيين يتلطون وراء التزامهم القرار، ولا ينفذون مندرجاته، وكأنهم بذلك لم يقرأوه، أو في أحسن الأحوال، كل يقرأه على طريقته. من هنا، جاء كلام براك ورسائله بالمباشر مصوبًا على البند الأهم في الـ1701 والقرارات السابقة المتعلقة بنزع السلاح غير الشرعي، وجوهره سلاح "حزب الله". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

القناة الثالثة والعشرون
منذ 41 دقائق
- القناة الثالثة والعشرون
هل يدفع لبنان ثمن التباطؤ في نزع سلاح "الحزب"؟
تتزايد الضغوط الخارجية لأجل مضي لبنان قدماً على طريق اتخاذ قرار سياسي واضح بسحب سلاح حزب الله وكل الفصائل الأخرى. حتى الآن هناك رفض لكل الشروط التي يضعها لبنان أو الضمانات التي يطالب بها، هذا الرفض يترافق مع زيادة منسوب التهديدات، خصوصاً أن إسرائيل تعتبر الحزب في موقع غير القادر على فرض شروط. ووفق ما يتسرب من أجواء دبلوماسية فإن تل أبيب لا توافق على كل الطروحات اللبنانية. في هذا السياق، تتكرر الرسائل الدولية في سبيل اتخاذ خطوات عملانية من قبل الحكومة، على قاعدة أن الوقت يضيق وقد أصبح داهماً، وأن إسرائيل هي التي ستفرض جدولها الزمني وآلية عملها في حال لم يتعامل لبنان جدياً مع ملف السلاح. من الواضح أن الضغوط ستتزايد على المسؤولين اللبنانيين لوضعهم أمام مسؤولية اتخاذ قرار، وما تريده القوى الدولية هو أن يُتخذ هذا القرار من مجلس الوزراء، أي فرض عقد جلسة حكومية يكون ملف السلاح مدرجاً على جدول أعمالها، وتتخذ قراراً واضحاً بشأن سحبه من كل المجموعات والأحزاب وحصره بيد الدولة اللبنانية، لكن حتى لو حصل ذلك يبقى السؤال الأساسي أو التحدي الأكبر هو الآلية التنفيذية التي سيتم اتباعها، وكيف سيتحقق ذلك، وإذا كان بإمكان تحقيق هذا الهدف طالما أن حزب الله يرفض البحث بسحب السلاح قبل الحصول على الضمانات اللازمة أمنياً وعسكرياً وسياسياً. في هذا السياق، هناك محاولات أيضاً لتخيير لبنان بين أن يدفع الثمن كدولة ومجتمع وحزب الله جزء منها في حال لم تقدم السلطة مجتمعة على اتخاذ القرار اللازمة والإجراءات المطلوبة والتعاطي بجدية بعيداً عن «إعلانات النيات»، وبين أن يتم تحييد الدولة عن حزب الله لتدفيعه الثمن وحده، من خلال الدفع باتجاه اتخاذ قرار واضح من قبل مجلس الوزراء يقضي بحصر السلاح بيد الدولة، وسحب سلاح كل المجموعات الخارجة عن نطاق سيطرة المؤسسات الرسمية. هذان الخياران تنقسم الاتجاهات حول تفسير تداعياتهما. فمن جهة هناك من يستصعب القدرة على عقد جلسة للحكومة تتخذ فيها قراراً واضحاً بسحب سلاح الحزب، واتخاذ إجراءات تنفيذية أولها الإعلان عن قرار سياسي ممنوح للجيش اللبناني كي يبدأ عملية سحب السلاح من كل المناطق والمواقع وفق آلية محددة. هنا ثمة من يعتبر أن «الثنائي الشيعي» سيقاطع أي جلسة كهذه، ولن يعطي شرعيته لأي قرار من هذا النوع. بينما آخرون يعتبرون أن الحزب لن يكون قادراً على المقاطعة وإن قاطع الوزراء المحسوبون عليه فإن الحكومة لا تفقد نصابها إلا في حال تشكل تحالف واسع إلى جانب الحزب يرفض ذلك. ويستند هؤلاء إلى أن حزب الله لن يكون قادراً على مواجهة الحكومة ولا الدولة ولا القرارات التي ستتخذها، لا بل سيكون مضطراً إلى التعاطي بواقعية تماماً كما تعاطى مع الوقائع في جنوب نهر الليطاني. ويستعيد هؤلاء الأيام الأولى لوقف إطلاق النار والتصريحات التي أطلقها الحزب في حينها، معلناً أنه لن يوافق على تسليم أي قطعة سلاح، إلا أنه فيما بعد عاد ووافق وسلّم الكثير من المخازن للجيش، وتخلى عن الكثير من بنيته العسكرية. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

القناة الثالثة والعشرون
منذ 41 دقائق
- القناة الثالثة والعشرون
عن أحداث السويداء : الشرع وقع في فخ إسرائيل ...وماذا عن خريف لبنان؟
بعد انتهاء جولته الثالثة، والتي حفلت بإطلاقه مواقف متأرجحة ومتناقضة، عَمَد الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك فور وصوله إلى باريس، على توزيع تغريدات ثلاث عبر منصة «إكس» جاءت كخلاصة لجولته اللبنانية. وفي وقت غلب التشدّد عليها، بدا وكأنّ الموقف الأميركي الفعلي يتلخّص فيها، بعد مشاورات سريعة لا بدّ أن تكون قد حصلت بين برّاك وواشنطن. ووسط برنامج زيارة برّاك المزدحم في لبنان، كان واضحاً أنّ التطورات الدموية الطارئة في جنوب سوريا كانت ترخي بثقلها على لقاءاته. ولذلك حظي اجتماعه بالرئيس السابق للحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط، بأهمية توازي الإجتماع الذي عقده مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري. ففي لقائه مع جنبلاط، تركّز الشق الأساسي من الحوار حول أحداث السويداء والخلفيات والأبعاد المستقبلية لها، فيما احتل الملف اللبناني مساحة عادية. وفي لقاءاته الأخرى تعمّد برّاك قطع الحديث فوراً عند التطرّق إلى مسألة الضمانات المطلوبة. وقيل إنّ برّاك كان يقطع الحديث بأسلوب جاف قائلاً: «ليس هنالك من ضمانات». وقد يكون جوابه المقتضب والحازم في آن معاً، بناءً على نصيحة فريق العمل الذي يواكبه: «إنتبه من الغرق في التفاصيل. وهو أسلوب يتقن البعض ممارسته». وقد يكون هذا الفريق رأى في جواب الرئيس بري تأكيداً لملاحظاته. في أي حال فإنّ تغريدات برّاك الثلاث الباريسية أعطت انطباعاً تشاؤمياً حول مسار الأمور، وجاءت نتائج زيارة رئيس الحكومة نواف سلام لباريس واجتماعه بالرئيس إيمانويل ماكرون لتعزز الصورة السلبية. فالإستنتاج الأميركي بات واضحاً بأنّ «حزب الله» لن يُقدم على تسليم سلاحه الثقيل، وأنّه يسعى فقط لكسب الوقت والرهان على تطورات ومفاجآت، علّمتنا الأحداث التاريخية أنّها قابلة للظهور في أي لحظة في الشرق الأوسط. وجاءت أحداث الجنوب السوري لتدعم موقف أصحاب هذا الرهان. وليس صحيحاً أبداً أنّ واشنطن فوجئت بالأهداف الإسرائيلية والتي ظهرت خلف دخان أحداث السويداء. فهي تعرف جيداً سعي إسرائيل لدفع الساحة السورية، وكذلك ساحات أخرى، إلى التفتيت والتقسيم. وكلام برّاك حول اتفاق سايكس ـ بيكو جديد، يُظهر في وضوح وجود تفاهم أميركي ـ إسرائيلي حول مستقبل المنطقة. لكن الخلاف هو حول البرنامج الزمني للوصول إلى هذا الواقع. ففيما تريده إسرائيل الآن وبسرعة، فإنّ واشنطن ترى وجوب سلوك مراحل متعددة. وحيث أنّ المرحلة الحالية تستوجب المحافظة على سلطة احمد الشرع لإنجاز أهداف عدة، أبرزها على الإطلاق إلقضاء على مكامن النفوذ الإيراني. فمن المبكر الدخول في فوضى ستمنح طهران فرصة لاستعادة حضورها. فإيران أثبتت قدرتها على تعزيز حضورها ونفوذها من خلال تطويع حال الفوضى لمصلحتها طوال العقود الماضية، في وقت كانت مكاسب خصومها تتحول خسائر لا بل كوارث. و»السخاء» الأميركي تجاه الشرع سببه الرهان على دوره في تصفية الحضور الإيراني، إضافة إلى تأمين الظروف المؤاتية لقطع الأوكسيجين التسليحي عن «حزب الله»، وربما أكثر. وكذلك بناء حائط صدّ منيع يفصل سوريا عن المناطق الشيعية في العراق. وفي اجتماع باكو عاصمة اذربيجان بين الوفدين السوري والإسرائيلي، تردّد أنّ دمشق طرحت هواجسها بسبب الوضع في جنوب سوريا، وأنّها متمسكة ببسط سلطتها على كافة الأراضي السورية. ووفق تسريبات ديبلوماسية، فإنّ الجواب الإسرائيلي جاء ملتبساً، وهو ما جعل الوفد السوري يعتقد بعدم وجود موانع حقيقية أمام استعادة الحضور الكامل لسلطة دمشق. وتعزز هذا الاقتناع مع توقف إسرائيل من دون أي حركة في أول ثلاثة أيام من احداث السويداء. ومن هذه الزاوية ثمة من يرى في مرونة الوفد الإسرائيلي في باكو فخاً وقع فيه الشرع، والهدف كان تأمين ظروف الفصل بين السويداء ودمشق، وهو ما تحقق بسبب حجم المجازر التي حصلت، والتي تركتها إسرائيل تحدث، بهدف توسيع الهوة بين الدروز، والمعروف عنهم أنّهم مجتمع ثأري، وبين نظام الحكم الديني في دمشق. واستطراداً فإنّه بات من الصعوبة بمكان ردم هذه الهوة، لا الآن ولا في المستقبل القريب. وبات إنفصال السويداء عن دمشق واقع حكماً بفعل غليان النفوس، وأياً تكن أشكال الحلول والصيغ التي ستُعتمد لاحقاً. وفي الوقت نفسه، أظهرت المشاهد البشعة للمجازر التي حصلت أمراً من اثنين: إما أنّ السلطة التي يترأسها الشرع لا تزال تنبض وفق عقيدة «جبهة النصرة»، وهو ما تستبعده واشنطن، أو أنّ الشرع ما زال عاجزاً عن الإمساك بكافة الفصائل المنضوية ولو صورياً تحت رايته، وهو ما ترجحه الأوساط الدولية. ومن هنا كانت الإندفاعة العاجلة لمنح سلطة دمشق دعماً إقتصادياً فورياً بهدف شحنها بمضادات حيوية هي بأمسّ الحاجة إليها لتعزيز قبضتها. كذلك باشرت تركيا بتسليم المجموعات الموالية كلياً للشرع بعض الأسلحة والمعدات، مثل ناقلات جند مدرعة من صناعة تركية. فأنقرة التي رأت في «الفخ» الإسرائيلي ضربة مباشرة لها ولنفوذها الجديد في المنطقة، إنتابتها الخشية من تمزق ورقة سوريا بين يديها. أضف إلى ذلك، أنّ أحداث السويداء ستدفع الأكراد لعدم تطبيق الإتفاق الداعي إلى تسليم أسلحة «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) وضمّها إلى مؤسسات الدولة السورية. وهنا الخطر بالنسبة إلى تركيا لا يتوقف عند خسارة الورقة السورية بل يتمدد ليصبح خطراً داخلياً لتركيا. لأجل ذلك كان مفهوماً طغيان ملف السويداء على جولة برّاك الثالثة. فعدا عن أنّ «حزب الله» حاز على حجة قوية إزاء ملف سلاحه، فإنّ السؤال الأبرز تركّز حول النيات الإسرائيلية والحركة التي باشرت فيها تل أبيب. وتروي أوساط ديبلوماسية أوروبية، أنّه وخلافاً لكل اللغط السائد في وسائل الإعلام، فإنّ إسرائيل ومن خلال قنوات تواصل جانبية، لا تبدو متحمسة لاتفاق تطبيع مع دمشق. هي تبحث عن أهداف أخرى طابعها أمني أكثر منه سياسي، ولهذا معناه العميق. فالدوائر الإسرائيلية المعنية بالدراسات ووضع التصورات والتي تبدو منغمسة في هذه المرحلة بالبحث في الأوراق التاريخية، وخصوصاً تلك المتعلقة بمرحلة ولادة خرائط سايكس ـ بيكو، إقترحت الذهاب إلى إعادة إحياء إتفاقية «حسن الجوار»، والتي تمّ توقيعها في العام 1926 بين فرنسا، التي كانت تنتدب سوريا، وبريطانيا التي كانت تنتدب فلسطين. فما بين عام 1920، أي ما بعد مؤتمر سان ريمو الذي كرّس ترسيم حدود المنطقة وعام 1923، تمّ إقرار سلسلة إتفاقيات بين الفرنسيين والبريطانيين حول سوريا وفلسطين، تمّ خلالها رسم الحدود بين البلدين. وتمّ لاحقاً تعديل هذه الحدود بما يتلاءم مع المطالب الصهيونية خصوصاً في الشمال الشرقي، حيث منابع نهر الأردن وبحيرة طبريا. وثُبتت هذه التعديلات في العام 1926 وضمّها إلى فلسطين لتصبح لاحقاً من نصيب إسرائيل. هكذا تخطّط إسرائيل للعقود اللاحقة. والإستنتاجات حول الخلفية الحقيقية لإسرائيل جراء طرحها لاتفاقية «حسن الجوار» وليس للتطبيع، تتراوح بين أمر من اثنين: إما أنّها لا تفكر ولا تعمل إلّا للمنطقة الأمنية العازلة في جنوب سوريا تمهيداً لتطويرها لاحقاً في اتجاه منطقة مستقلة، أو أنّها واثقة من أنّ سلطة الشرع في دمشق ضعيفة وغير ممسكة بالشارع، وبالتالي قد لا تستمر طويلاً، ما يجعل من مسألة الدخول في مشاريع ومستوجبات التطبيع بمثابة إضاعة للوقت. وطالما أنّ الصورة المطلوبة من لبنان قد لا تختلف كثيراً عن المشهد السوري من الزاوية الإسرائيلية، فعندها يمكن إيجاد التفسير الإسرائيلي الحقيقي لرؤية تل أبيب لواقع المنطقة الممتدة من الحدود وصولاً إلى نهر الليطاني. لكن لواشنطن رؤية مختلفة للمرحلة الراهنة. فهي لا تبدو في وارد الدخول في ورشة تعديل الحدود الجغرافية لدول المنطقة، ولكنها لا تمانع بالذهاب الى صيغ حكم جديدة تخفف من قبضة السلطة المركزية لمصلحة تعزيز السلطات المحلية للمناطق ولو بدرجات متفاوتة. من هنا طرح الإدارات المحلية، والتي أضحت أمراً واقعاً في السويداء. لكنها تحاذر جداً أن يتمدّد هذا الواقع إلى منطقة الساحل السوري، حيث لا تزال توجد فيها قواعد تدين بالولاء لآل الأسد، والذين ما زالوا يحتفظون بعلاقة مع إيران. أي عدم إفساح المجال أمام ثغرات تسمح بإعادة تعزيز نفوذ إيران. وفي الوقت نفسه سترتفع حفيظة تركيا بسبب الأكراد والساحل السوري، وأيضاً معارضة السعودية الشديدة لأي عبث بالسلطة الفتية الناشئة في دمشق. ووفق كل ما سبق، فإنّ المشهد اللبناني يصبح أكثر وضوحاً. فإسرائيل لا تبدو في وارد «المساومة» على الوضع في جنوب لبنان. ولهذا فهي تدفع في اتجاه «تهشيل» قوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل)، ويساعدها البعض في هذا الهدف من دون إدراكه أبعاد ما يفعل. وهي أيضاً تريد القضاء نهائياً على ما تبقى من نفوذ إيراني في لبنان، وهي في هذه النقطة تتقاطع مع الرؤية الأميركية. وهو ما يدفع إلى توقع أن تشهد الأسابيع والأشهر المقبلة تصعيداً في عملية الضغط المالي والإقتصادي على لبنان، وهو ما لخّصه برّاك بإحجام بلاده عن مدّ يد المساعدة للبنان. والأخطر إعادة رفع مستوى الحرب والإعتداءات على لبنان، طالما أنّ أبواب الحرب لم تقفلها إسرائيل، وهو ما يسمح لها برفع مستوى حربها الجوية إلى الحدّ الأقصى في اللحظة التي تراها ملائمة. ففي الكواليس يتردّد كثيراً موعد شهر تشرين الثاني المقبل. وهذا الموعد يتطابق مع ما قيل عن برنامج زمني حمله برّاك لإنهاء ملف سلاح «حزب الله»، والذي يبدأ مع مطلع آب ويمتد لثلاثة أشهر، أي نهاية شهر تشرين الأول المقبل. كما أنّ هذا البرنامج يتلاءم مع حسابات خليجية حول ضرورة حسم المعادلة اللبنانية الجديدة، وبحيث تحمل الإنتخابات النيابية المقبلة مجلساً نيابياً بتوازنات تتجانس مع التوازنات التي رست عليها السلطة في لبنان، وهو ما سيفتح الباب أمام حقبة لبنانية جديدة وعلى أنقاض الحقبة القديمة. وثمة مؤشر آخر لا بدّ من القراءة في خلفياته الدولية. فلقد كان من المقرر أن يعلن قاضي التحقيق في ملف إنفجار مرفأ بيروت طارق البيطار القرار الظني في الذكرى الخامسة للإنفجار. وكان تردّد أنّ بيطار أنجز كل الرواية حول شحنة النيترات منذ عملية شحنها وصولاً إلى لحظة الإنفجار الرهيب. وخلال الشهرين الماضيين وعدت إحدى الجهات الدولية بإرسال ملفات تقنية مفصلة لتدعيم ملف التحقيق، لكن هذا لم يحصل بعد وتحت أعذار شتى. ومنذ مدة قصيرة أبلغت هذه الجهة الدولية أنّه ولأسباب مختلفة ستتأخّر بعض الشيء في تسليم لبنان هذه الوثائق التقنية المهمّة. ولا شك في أنّ هذه الجهة الدولية تدرك جيداً بأنّها تسعى لتوقيت آخر لصدور هذا القرار، والذي سيشكّل مفصلاً أساسياً في مسار البلد، خصوصاً أنّ هنالك مذكرات توقيف ستواكب صدور القرار الظني. ما يدفع إلى الإستنتاج بأنّ التوقيت الذي تتحكّم فيه هذه الجهة الدولية، لا بدّ أنّه يخضع لحسابات أكبر وأوسع. مع الإشارة إلى أنّ التأخير هو لبضعة أسابيع أو لأشهر معدودة في أسوأ الحالات. في الخلاصة، فإنّ من الواضح أنّ رفض إسرائيل الذهاب إلى وقف نهائي لإطلاق النار إن في غزة أو لبنان، يعكس في وضوح قرارها باستمرار الحرب لتحقيق أهداف كبيرة لم تتحقق بعد. جوني منير - الجمهورية انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News