logo
من الرواتب إلى الغاز: خيوط اللعبة السياسية ضد إقليم كوردستان

من الرواتب إلى الغاز: خيوط اللعبة السياسية ضد إقليم كوردستان

موقع كتاباتمنذ 13 ساعات

في توقيت بالغ الحساسية، خرج رئيس حكومة إقليم كوردستان، مسرور بارزاني، بتصريحات تؤكد أن باب الحوار مع بغداد لا يزال مفتوحًا، رغم أن 'أبواب بغداد'، كما يبدو من الوقائع، لا تزال موصدة في وجه استحقاقات دستورية أساسية، على رأسها حق موظفي الإقليم في الرواتب. ورغم أن حديثه حمل نبرة دبلوماسية متفائلة، فإن مضمونه كان واضحًا في التعبير عن مرارة سياسية تتراكم منذ سنوات.
فأزمة الرواتب ليست جديدة، وقد تعاقبت عليها حكومات عراقية متتالية، لكن الجديد هذه المرة هو حجم الاستنزاف السياسي والاقتصادي الذي تسببت به، في ظل عجز الدولة الاتحادية عن تقديم تفسير قانوني أو دستوري مقنع لاستمرار الحجب. فرغم عشرات الوعود التي سمعها المواطن الكردي من وزراء ومسؤولين في بغداد، لا تزال الرواتب عالقة في مستنقع المساومات السياسية، وسط ذرائع متكررة تتعلق بالمخالفات الإدارية أو التحفظات المحاسبية، وهي حجج باتت معروفة لدى الرأي العام، بل ومستهلكة.
وراء هذه الأزمة، تقف سياسة ممنهجة لإضعاف الإقليم، وفق ما يراه مراقبون، تقوم على استخدام الملف المالي كأداة ضغط سياسي لإعادة تعريف العلاقة بين أربيل وبغداد، من شراكة قائمة على الفيدرالية كما ينص الدستور في مادته الـ117، إلى علاقة أقرب للتبعية الإدارية والمالية. هذا التحول لا يستند إلى منطق القانون بقدر ما يعكس تغيّر موازين القوى، خاصة مع تصاعد النفوذ الإيراني داخل المؤسسات الاتحادية وتراجع الدور الأميركي، ما جعل من أربيل هدفًا لمحاولات إعادة الضبط السياسي والاقتصادي داخل الدولة.
الخلل لا يقف عند حدود المال. فالمؤسسة القضائية، التي يُفترض أن تشكل صمام أمان دستوري في مثل هذه النزاعات، أصبحت هي الأخرى جزءًا من المأزق. المحكمة الاتحادية، التي سبق لها أن أصدرت قرارات أثارت جدلًا واسعًا بشأن شرعية صادرات النفط من كوردستان، دخلت في حالة شلل تام بعد استقالات مفاجئة لعدد من قضاتها، مما عطّل البت في الملفات العالقة، بما في ذلك الطعن الذي تقدمت به حكومة الإقليم بخصوص الرواتب. وفي ظل هذا الغياب القضائي، لم يتبقَّ سوى الأمل في تحرك مجلس القضاء الأعلى، رغم أن تجارب السنوات الماضية لا توحي بوجود إرادة سياسية فعلية لحل جوهر الخلاف.
وفي خلفية هذا المشهد، يقف ملف الغاز الطبيعي كعنصر ضغط إضافي. فالإقليم يمتلك احتياطيات ضخمة، ويعمل مع شركات دولية مثل Dana Gas، ضمن تحالف Pearl Petroleum، على تطوير حقول خورمور وجمجمال التي تغذي محطات الكهرباء الرئيسية في الإقليم. كما تسعى أربيل، بالتعاون مع شركات أميركية بموجب العقود الجديدة الموقعة في واشنطن، إلى رفع إنتاج الغاز الطبيعي بما يحقق اكتفاءً شبه تام من الطاقة الكهربائية، يقدّر بنحو 8000 ميغاواط. وقد ينتج عن ذلك فائض يمكن تصديره إلى مناطق عراقية أخرى تعاني من عجز يصل إلى 30 ألف ميغاواط. هذا التوسع يفتح الباب أمام تحوّل استراتيجي في موقع كوردستان ضمن خريطة الطاقة الإقليمية. غير أن هذا التوجه يثير قلق بغداد، التي بدورها تعمل على تعزيز علاقاتها الطاقوية مع الصين وإيران، وتصر على احتكار قرار التصدير والسيادة على ملف الطاقة في عموم العراق. وهنا، لا تعود أزمة الرواتب مجرد قضية مالية، بل تتحول إلى امتداد طبيعي لصراع أوسع حول من يملك القرار الاقتصادي، ومن يحدد مستقبل العراق في سوق الطاقة.
كل هذه التعقيدات تجري في ظل محاولات دولية حثيثة لاحتواء الأزمة. الولايات المتحدة، التي ما زالت ترى في إقليم كوردستان شريكًا أساسيًا في الحرب على الإرهاب وفي توازن الداخل العراقي، كثّفت من لقاءاتها مع الطرفين. وقد أكدت مسؤولة شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأميركية، مورا نامدار، في تصريحاتها الأخيرة، على أهمية الوصول إلى تسوية مستدامة تحفظ خصوصية الإقليم ضمن عراق موحد ودستوري. هذه المواقف، وإن كانت إيجابية في مضمونها، لا تزال تفتقر إلى الضغط العملي المطلوب، في ظل غياب نية سياسية واضحة داخل بغداد للاعتراف الكامل بحقوق كوردستان والتعامل معه كشريك، لا كطرف تابع.
وفي المحصلة، لا يمكن اعتبار الرواتب مجرد أزمة عابرة. إنها تمثل العنوان الأبرز لصراع سياسي مفتوح حول هوية العراق نفسه: هل هو دولة اتحادية مدنية تحترم التعدد والتنوع؟ أم مجرد مركز يفرض إرادته على الأقاليم ويُخضعها للابتزاز المالي؟ موقف مسرور بارزاني الأخير لم يكن استعراضًا إعلاميًا، بل إنذارًا ناعمًا: إن لم تُحلّ القضايا بالحوار، فإن الواقع سيفرض خياراته، والشعوب التي تُترك بلا رواتب لا يمكن أن تبقى إلى الأبد على طاولة الانتظار.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

من الرواتب إلى الغاز: خيوط اللعبة السياسية ضد إقليم كوردستان
من الرواتب إلى الغاز: خيوط اللعبة السياسية ضد إقليم كوردستان

موقع كتابات

timeمنذ 13 ساعات

  • موقع كتابات

من الرواتب إلى الغاز: خيوط اللعبة السياسية ضد إقليم كوردستان

في توقيت بالغ الحساسية، خرج رئيس حكومة إقليم كوردستان، مسرور بارزاني، بتصريحات تؤكد أن باب الحوار مع بغداد لا يزال مفتوحًا، رغم أن 'أبواب بغداد'، كما يبدو من الوقائع، لا تزال موصدة في وجه استحقاقات دستورية أساسية، على رأسها حق موظفي الإقليم في الرواتب. ورغم أن حديثه حمل نبرة دبلوماسية متفائلة، فإن مضمونه كان واضحًا في التعبير عن مرارة سياسية تتراكم منذ سنوات. فأزمة الرواتب ليست جديدة، وقد تعاقبت عليها حكومات عراقية متتالية، لكن الجديد هذه المرة هو حجم الاستنزاف السياسي والاقتصادي الذي تسببت به، في ظل عجز الدولة الاتحادية عن تقديم تفسير قانوني أو دستوري مقنع لاستمرار الحجب. فرغم عشرات الوعود التي سمعها المواطن الكردي من وزراء ومسؤولين في بغداد، لا تزال الرواتب عالقة في مستنقع المساومات السياسية، وسط ذرائع متكررة تتعلق بالمخالفات الإدارية أو التحفظات المحاسبية، وهي حجج باتت معروفة لدى الرأي العام، بل ومستهلكة. وراء هذه الأزمة، تقف سياسة ممنهجة لإضعاف الإقليم، وفق ما يراه مراقبون، تقوم على استخدام الملف المالي كأداة ضغط سياسي لإعادة تعريف العلاقة بين أربيل وبغداد، من شراكة قائمة على الفيدرالية كما ينص الدستور في مادته الـ117، إلى علاقة أقرب للتبعية الإدارية والمالية. هذا التحول لا يستند إلى منطق القانون بقدر ما يعكس تغيّر موازين القوى، خاصة مع تصاعد النفوذ الإيراني داخل المؤسسات الاتحادية وتراجع الدور الأميركي، ما جعل من أربيل هدفًا لمحاولات إعادة الضبط السياسي والاقتصادي داخل الدولة. الخلل لا يقف عند حدود المال. فالمؤسسة القضائية، التي يُفترض أن تشكل صمام أمان دستوري في مثل هذه النزاعات، أصبحت هي الأخرى جزءًا من المأزق. المحكمة الاتحادية، التي سبق لها أن أصدرت قرارات أثارت جدلًا واسعًا بشأن شرعية صادرات النفط من كوردستان، دخلت في حالة شلل تام بعد استقالات مفاجئة لعدد من قضاتها، مما عطّل البت في الملفات العالقة، بما في ذلك الطعن الذي تقدمت به حكومة الإقليم بخصوص الرواتب. وفي ظل هذا الغياب القضائي، لم يتبقَّ سوى الأمل في تحرك مجلس القضاء الأعلى، رغم أن تجارب السنوات الماضية لا توحي بوجود إرادة سياسية فعلية لحل جوهر الخلاف. وفي خلفية هذا المشهد، يقف ملف الغاز الطبيعي كعنصر ضغط إضافي. فالإقليم يمتلك احتياطيات ضخمة، ويعمل مع شركات دولية مثل Dana Gas، ضمن تحالف Pearl Petroleum، على تطوير حقول خورمور وجمجمال التي تغذي محطات الكهرباء الرئيسية في الإقليم. كما تسعى أربيل، بالتعاون مع شركات أميركية بموجب العقود الجديدة الموقعة في واشنطن، إلى رفع إنتاج الغاز الطبيعي بما يحقق اكتفاءً شبه تام من الطاقة الكهربائية، يقدّر بنحو 8000 ميغاواط. وقد ينتج عن ذلك فائض يمكن تصديره إلى مناطق عراقية أخرى تعاني من عجز يصل إلى 30 ألف ميغاواط. هذا التوسع يفتح الباب أمام تحوّل استراتيجي في موقع كوردستان ضمن خريطة الطاقة الإقليمية. غير أن هذا التوجه يثير قلق بغداد، التي بدورها تعمل على تعزيز علاقاتها الطاقوية مع الصين وإيران، وتصر على احتكار قرار التصدير والسيادة على ملف الطاقة في عموم العراق. وهنا، لا تعود أزمة الرواتب مجرد قضية مالية، بل تتحول إلى امتداد طبيعي لصراع أوسع حول من يملك القرار الاقتصادي، ومن يحدد مستقبل العراق في سوق الطاقة. كل هذه التعقيدات تجري في ظل محاولات دولية حثيثة لاحتواء الأزمة. الولايات المتحدة، التي ما زالت ترى في إقليم كوردستان شريكًا أساسيًا في الحرب على الإرهاب وفي توازن الداخل العراقي، كثّفت من لقاءاتها مع الطرفين. وقد أكدت مسؤولة شؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأميركية، مورا نامدار، في تصريحاتها الأخيرة، على أهمية الوصول إلى تسوية مستدامة تحفظ خصوصية الإقليم ضمن عراق موحد ودستوري. هذه المواقف، وإن كانت إيجابية في مضمونها، لا تزال تفتقر إلى الضغط العملي المطلوب، في ظل غياب نية سياسية واضحة داخل بغداد للاعتراف الكامل بحقوق كوردستان والتعامل معه كشريك، لا كطرف تابع. وفي المحصلة، لا يمكن اعتبار الرواتب مجرد أزمة عابرة. إنها تمثل العنوان الأبرز لصراع سياسي مفتوح حول هوية العراق نفسه: هل هو دولة اتحادية مدنية تحترم التعدد والتنوع؟ أم مجرد مركز يفرض إرادته على الأقاليم ويُخضعها للابتزاز المالي؟ موقف مسرور بارزاني الأخير لم يكن استعراضًا إعلاميًا، بل إنذارًا ناعمًا: إن لم تُحلّ القضايا بالحوار، فإن الواقع سيفرض خياراته، والشعوب التي تُترك بلا رواتب لا يمكن أن تبقى إلى الأبد على طاولة الانتظار.

مسرور بارزاني: أزمة رواتب كوردستان ستنتهي وبغداد سترسل وفداً لحل هذه المشكلة
مسرور بارزاني: أزمة رواتب كوردستان ستنتهي وبغداد سترسل وفداً لحل هذه المشكلة

شفق نيوز

timeمنذ يوم واحد

  • شفق نيوز

مسرور بارزاني: أزمة رواتب كوردستان ستنتهي وبغداد سترسل وفداً لحل هذه المشكلة

شفق نيوز/ أعلن رئيس حكومة اقليم كوردستان مسرور بارزاني، يوم الأربعاء، أن أزمة إيقاف تمويل رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام في الاقليم في طريقها الى الحل، وأنه تواصل مع رئيس مجلس القضاء الاعلى فائق زيدان، ورئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني بهذا الصدد. جاء ذلك في مؤتمر صحفي عقده اليوم في اربيل تطرق فيه مسرور بارزاني، الى الصراع الذي حدث في المنطقة، وقال إن "الإعلان عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران يصب في مصلحة جميع دول المنطقة، ونأمل أن يكون خطوة نحو استعادة السلام والاستقرار في عموم الإقليم". وأضاف "نحن في إقليم كوردستان بذلنا جهدنا للبقاء بعيدين عن هذه الحرب والفوضى، ومن الواجب أن نعبر عن شكرنا لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي سعى إلى تجنيب العراق الدخول في هذا الصراع". وفيما يتعلق بمسألة الرواتب قال رئيس حكومة الإقليم، إنه "خلال الشهرين الماضيين، لم تُصرف رواتب موظفي إقليم كوردستان بطريقة قانونية، وهذا يُعدّ إجراءً غير دستوري. ونرى أنه من غير المقبول ربط رواتب موظفي إقليم كوردستان بأي خلاف وصراع سياسي". وشدد على أنه "لن نتنازل بأي شكل من الأشكال عن أي حق دستوري لشعب إقليم كوردستان، وسنواصل الدفاع عنها"، مردفا بالقول إنه "خلال الفترة الماضية، لم يكن هناك يوم لم نكن فيه منشغلين بالبحث عن حل لهذه الأزمة". ومضى مسرور بارزاني بالقول "كنا على تواصل مع المسؤولين، وأمس تحدثت مع رئيس مجلس القضاء الاعلى ورئيس مجلس الوزراء، وأكدت لهم أننا نرغب في المضي نحو حل هذه الأزمة، وقد أبديا ترحيبهما وأعلنا استعدادهما لإرسال وفد خلال اليومين المقبلين لمعالجة مسألة الرواتب". وتحدث رئيس حكومة الاقليم عن تعليق صادرات نفط كوردستان وقال، إنه بسبب ذلك "تكبّد الاقتصاد العراقي واقتصاد إقليم كوردستان خسائر تجاوزت 25 مليار دولار، وحتى الآن لم تعوّض الحكومة الفيدرالية مواطني إقليم كوردستان عن هذه الخسائر". وأكد أنه "لاستئناف تصدير نفط كوردستان من جديد، يجب التوصل إلى اتفاق مع جميع الأطراف، ولا سيما مع الشركات النفطية العاملة في الاقليم التي تطلب بضمان تكاليف الاستخراج". واستطرد مسرور بارزاني القول "كنا ننتظر صدور قرار من المحكمة الاتحادية العليا في العراق يصب في مصلحة رواتب موظفي إقليم كوردستان، لكن المحكمة تم حلها باستقالة عدد من الأعضاء. والآن نعلق آمالنا على مجلس القضاء الأعلى في العراق لحل مشكلة الرواتب". وتابع رئيس حكومة الاقليم إنه "إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع الحكومة العراقية بشأن حل مشكلة الرواتب، فسنلجأ إلى الإيرادات الداخلية وتقليل النفقات أو أي وسيلة ممكنة، من أجل تأمين الحقوق المالية المستحقة لشعب إقليم كوردستان وفق الإمكانيات"، مستدركا القول "ولكنني متفائل في التوصل الى حل جذري مع الحكومة الاتحادية بهذا الشأن".

عقود نفط أربيل تثير حفيظة بغداد
عقود نفط أربيل تثير حفيظة بغداد

شفق نيوز

time٠٤-٠٦-٢٠٢٥

  • شفق نيوز

عقود نفط أربيل تثير حفيظة بغداد

‏تفتخر شعوب الأرض قاطبة عندما تمتلك موارد طبيعية توفر لها حياة كريمة ومترفة, و أكثر ما تفخر به هي الثروات المعدنية كالفحم والنفط والغاز الطبيعي وغيرها من الثروات التي تعد حاليا المصادر الرئيسية للطاقة في العالم. ‏وتدعم الشعوب كذلك كل جهود حكوماتها الساعية إلى استثمار هذه الثروات وتطويرها وتنميتها وتسخير عوائدها لخدمة ورفاه المواطنين الذين هم أصحاب هذه الثروات في البلاد. ‏غير أن هذه الصورة تبدو مختلفه في العراق الجديد, فالثروات الجديدة ومحاولة استغلالها تصبح أحيانا مصدرا لمعضلات وخلافات جديدة تضاف الى العديد من سابقاتها. مثال على ذلك حصل قبل نحو 10 أيام وتحديدا في 19-5-2025, حين وقعت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كوردستان-العراق عقدين مع شركتين أمريكية و كندية لتطوير إنتاج الغاز الطبيعي في منطقة السليمانية في اقليم كوردستان. وقد جرت مراسم توقيع العقدين في العاصمة الأمريكية واشنطن و برعاية الاستاذ مسرور بارزاني رئيس حكومة الإقليم. مراسم توقيع العقدين حظيت بتغطية اعلامية واسعة منحت بعدا سياسيا و دبلوماسيا واسعا تعزز بعد أن أيدتها الحكومة الأمريكية ممثلة بوزارة الخارجية و أعداد كبيرة من اعضاء الكونجرس الأمريكي, حيث وصفت هذه المقود بأنها نموذج ملهم للشراكة في مجال الطاقة. اهمية هذه العقود ‏استأثرت هذه العقود بأهمية متميزة بين عقود الطاقة السابقة مع العديد من شركات استثمار النفط والغاز في المنطقة لجملة من الاسباب. السبب الأول يكمن في ان هذه العقود تختص بالغاز الطبيعي الذي أصبح محل اهتمام العالم بأسره, خاصة بعد تراجع إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا وتضاعف أسعاره في أسواق الطاقة إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية في شباط 2022. ‏الأمر الآخر هو ضخامة هذه العقود وكلفتها المالية المرتفعة التي تجاوزت 100 مليار دولار, وبذلك تعد عقودا استراتيجية فهي تشير إلى حجم التجمعات الغازية والنفطية التي يمكن إنتاجها واستثمارها في هذين الحقلين اللذان تتجاوز الاحتياطات التخمينية للغاز الطبيعي فيهما 10 تريليون قدم مكعب قياسي. ‏والامر الثالث الذي أعطاها أهمية, أن هاتين الشركتين المتعاقدتين (أمريكية و كندية) وأن توقيع العقود معها يمثل نقطة فارقة في صناعة النفط العراقية, إذ لم تحصل الشركات الأمريكية ولا الاوربية على مشاركة أوحصة جديرة بالاعتبار طوال جولات التراخيص التي أعلنتها وزارة النفط العراقية منذ أكثر من 10 سنوات. ويحتل قطاع الطاقة مكانة متميزة في برنامج إدارة ترامب التي استلمت مقاليد الحكم في العشرين من كانون الثاني (يناير) من العام الحالي, وبالتالي ستحظى هذه التعاقدات بدعم لافت من الادارة الاميركية ومؤسساتها. موقف الحكومة الاتحادية العراقية ‏لم يتأخر رد الحكومة العراقية في رفض هاتين الآتفاقيتين, فبعد يوم واحد فقط من توقيع الاتفاقيتين (أي يوم 20-5-2025), صدر بيان من وزارة النفط ,فاحت منه بوضوح رائحة السياسة, تضمن أن هذه الاتفاقيات غير دستورية وغير قانونية ‏لأنها حصلت بدون موافقة وعلم وزارة النفط الاتحادية! ‏غير ان البيان الذي أصدرته الوزارة في اليوم التالي إشارإلى أن الوزارة لا تمانع في التعاقد مع الشركات الأمريكية شريطة أن يتم ذلك بعلمها. ‏وتصاعدت ردود الأفعال المسيسة (للآسف) لتصبح أكثر حدة, فبعد بأيام إقامت وزارة النفط دعوى قضائية على حكومة الإقليم في محاولة لإجبارها على أبطال هذه العقود والتراجع عنها. ووصل التصعيد السياسي الى أعلى مدياته يوم الخميس 28-5-2025, حين قطعت وزارة المالية الاتحادية رواتب موظفي اقليم كوردستان لشهر أيار وللاشهر المتبقية من العام الحالي تحت ذرائع لا تقنع أحدا. المسوغات القانونية التي قدمتها حكومة الاقليم ‏كان واضحا أن حكومة الإقليم كانت تتوقع صدور ردود فعل متسرعة وشديدة من الحكومة الاتحادية. ففي يوم التوقيع على العقود, صرح السيد رئيس حكومة اقليم كوردستان بأنه لا داع للانزعاج من هذه العقود فهي تصب في صالح العراق وكذلك اقليم كوردستان وأضاف السيد وزير الثروات الطبيعية الذي وقع على العقود بان هذه العقود لا تستهدف إحدا وانما تهدف إلى تحسين البنية التحتية لقطاع الكهرباء في الاقليم لأنها تركز على توفير كميات إضافية من الغاز الطبيعي المستخدم كوقود لمحطات الطاقة الكهربائية بهدف الوصول إلى الإكتفاء الذاتي من الكهرباء عند وصول الإنتاج إلى 8000 ميغاوات في الساعة. ‏أشار مسؤولين وخبراء أن هذه عقود وقعت استنادا إلى الصلاحيات القانونية التي منحها دستور العراق لعام 2005 للإقليم بموجب المادة (121) من الدستور, كما أن أن المشاركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات المنتجة للنفط في إدارة الحقول النفطية كرستها بوضوح المادة (112) من الدستور العراقي. ‏وحول وصف هذه العقود بأنها غير قانونية, فهذا الأمر يمكن رده بسهولة حيث لا يوجد قانون نافذ للنفط والغاز في العراق الاتحادي وبذلك لا يمكن وصف أي عقد يبرمه الإقليم أو المحافظات المنتجة بأنه غير قانوني لعدم وجود قانون ‏ينظم صلاحيات ومسؤوليات توقيع عقود النفط والغاز وحيثياتها. ‏وعلى العكس من ذلك, فإن حكومة الإقليم قد أصدرت في العام 2007 قانونين: قانون رقم (21) وهو قانون وزارة الثروات الطبيعية في الاقليم الذي يوضح واجبات الوزارة في إدارة القطاع النفطي وعمليات استكشاف والإنتاج والمعاملة وغيرها, والقانون رقم (22) وهو قانون النفط والغاز في الإقليم والذي يتضمن المراحل والعمليات المختلفة في إدارة هذا الصناعة النفطية في الإقليم. ‏أسباب ردود الفعل المتشددة من بغداد ‏تعمل وزارة النفط الاتحادية بشكل جاد وحثيث, خاصة بعد تسلم السيد السوداني الكابينة الوزارية منذ العام 2021, إلى زيادة استثمار الغاز الطبيعي المصاحب للنفط والذي تحرق منه ملايين الاقدام المكعبة يوميا في معظم حقول العراق. وذكرت وزارة النفط ‏ في عدة بيانات, بأنها تعمل بجد في استثمار الغاز المصاحب وتقليل كمية الحرق تدريجيا وتخطط أن تصل إلى نسبة استثمار الغاز الى 70% في نهاية العام الحالي و إلى 100% بنهاية العام 2028. ‏وعليه فإنه عقود الإقليم الجديدة التي تركز على انتاج الغاز الطبيعي واستثماره تعد مكملة ومنسجمة مع جهود الحكومة الاتحادية و أن كل ما يكتشف من احتياطات جديدة في الإقليم, سيمثل اضافة الى الرصيد (الاحتياطي) العراقي من الغاز الطبيعي. وفي تصرح رسمي من الوزارة, يمتلك العراق احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي تتجاوز 127 تريليون قدم مكعب قياسي (مقمق) تضعه في المرتبة الحادية عشرة أو الثانية عشرة على مستوى العالم من حيث الاحتياطي الغازي. ‏طورت وزارة الثروات الطبيعية في الاقليم حقولا متميزة للغاز الطبيعي (كورمور وجمجمال) وحققت بالتعاون مع شركات اماراتية معدلات انتاج عالية تجاوزت (500) مليون قدم مكعب قياسي يوميا , وتهدف الى تحقيق اضافات كبيرة في انتاج الغاز الطبيعي عبر العقود الجديدة الموقعة في واشنطن. يعتقد بعض المحللين ان هذه الانجازات في قطاع استثمار الغاز الطبيعي من قبل حكومة الاقليم الحديثة وذات الموارد والخبرات المحدودة , أثارت حفيظة وزارة النفط الاتحادية التي شعرت بتقصيرها وتلكؤ برامجها في استثمار الغاز رغم مرور عقدين من الزمان على تشريع الدستور العراقي. ثمة عامل آخر، أن تطوير انتاج الغاز الطبيعي في الاقليم واحتمالية تزويد كميات منه الى محافظات عراقية أخرى، سيعجل, وبالتزامن مع جهود وزارة النفط المستمرة في عزل الغاز المصاحب في العديد من حقول الجنوب، في الوصول الى الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن استيراد الغاز والكهرباء من ايران. وهذا الامر ترفضه أطراف عراقية موالية (والأصح تابعة) لايران ولها نفوذ في معظم مفاصل الدولة العراقية. هذه الاطراف تعمل منذ سنوات وبشكل ممنهج في الابقاء على العراق مستوردا للغاز والكهرباء من ايران وتسديد فواتير باهظة تصل الى نحو 8 مليار دولار سنويا. وثمة شواهد لذلك حصلت في السنوات السابقة: الأستهداف المتكرر حقل غازي ضخم في الاقليم (حقل كورمور)، عرقلة استثمار حقل غازي عملاق في محافظة الانبار (حقل عكاز)، التلكؤ في استثمار حقول غازية اخرى مثل حقل المنصورية (محافظة ديالى). تتمنى دولا عديدة في العالم أن تمتلك نصف ما يمتلك العراق من خيرات وفيرة على رأسها النفط والغاز، ومن المؤسف ان الادارات الضعيفة وغير المهنية وغير النزيهة (أحيانا) المتعاقبة لقطاع النفط والغاز, لم تحرم الشعب العراقي من كامل ثرواته وحسب، بل واستغلت هذه الثروات وايراداتها كادوات في الألاعيب والمكائد السياسية غير النظيفة, والمستمرة في بلادنا لعقدين من السنين.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store