
قبلان: لا يملك أحد شرعية نزع القوة الدفاعية الوطنية التي تحمي لبنان
أضاف :"والملفت أن لهذه الآية وجوهاً وبطوناً، ومن هذه الوجوه التأسيسية "الميثاق الاجتماعي"، الذي يقوم على ضرورة ضمان السلطة السياسية لمجتمعها وشعبها، وفق مجموع الالتزامات التي تُحقّق الأمن المجتمعي، والتي تتكون منها صيغة الحكم على قاعدة: الشراكة المدنية الضامنة لكلّ فئات المجتمع بالسلطة وعدالتها ومصالحها الوطنية، بعيدا عن نزعة الغلبة أو اللعب والعمل لصالح فريق خارجي هدفه أن ينال من أرضنا أو شعبنا أو مصالحنا الوطنية الضامنة، حتى لا تصل النوبة الى فتنة الدماء والاستسلام والخراب.
والميزة في هذه الآية أن الله تعالى يستعرض الميثاق، ومنه الميثاق الاجتماعي الذي يضمن الحقوق والذمم كافة للخليقة كافة، وعلى رأسها ضمان الدماء والأعراض ونظام المواطنة، بعيداً عن المسمّيات الرسمية التي لا تسمن ولا تغني من جوع".وتابع :"ببساطة، لأن السلطة من دون ضامن حقوقي فعلي (من رقابة ونظام حواجز ومحاسبة شديدة وشاملة) تصبح أداة استبداد وفريق عصابة ينهب وينهش البلد والموارد والشعب، فضلا عن وضعه للبلد في منطقة الفشل والضعف، حيث ينتهي به الأمر إلى الزوال. وهذا ما لا يريده المولى سبحانه وتعالى.
والقضية هنا الإنسان أو المواطن، بكل ما تعنيه المصالح الوطنية للعائلة الاجتماعية أو السياسية، بعيدا عن الاختلافات البينية (من ملّة او دين أو عرق أو لون أو لغة او طبيعة اجتماعية وغيرها).ومع ذلك تبقى قضية الأمن "الأولوية" في المواثيق كافة، مهما كان اسمها (سواء كانت سماوية أو أرضية). ومن دون أمن كل شيء ينتهي.وهنا أكّد المولى سبحانه وتعالى في موارد هذا الميثاق على مركزية الضامن الأمني، إذ قال سبحانه {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ}، فبدأ مع الدم كي يمنع فتنة السياسة والإعلام والتحريض والانقسام الذي يضع الناس في وجه بعضها البعض، ولا فرق في ذلك بين لعبة داخلية أو خارجية، ما دام أنها تتعارض مع أصل منظومة الحكم التي تأسّست وفق فكرة مجتمعية تضمن الأرض والعرض والدم وتمنع الفتن، فضلاً عن باقي واجباتها (المالية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والمدنية والسيادية) اتجاه شعبها ورعيّتها ودون تمييز، وذلك لحقيقة ثابتة مفادها: أن السلطة ليست ملكاً لأحد، بل السلطة ملك الوظيفة الحقوقية التي نالت المشروعية على أساسها، ودون ذلك تصبح السلطة فساد وطغيان وأوكار عصابات وأسواق تجارة حتى بسيادة وطنها.والمبدأ هنا المواطن، أو شعب البلد بكلّ تنوّعاته، ولا يوجد في الأرض كلّها شعب إلا وهو متنوّع ومتعدد ومختلف الثقافة والفكر والدين والملة والعرق وغير ذلك".
واستطرد المفتي قبلان : إذن وفقاً لمبدأ السلطة أو الحكم لا مشروعية للسلطة او الحكم إلا عبر مواثيق ضامنة للفرد والجماعة وما يلزم في عالم الاجتماع المدني او الاجتماع السيادي بما فيه كل القطاعات المختلفة (يعني من مال ونقد واستثمار وإنتاج وتربية ويد عاملة وأسواق ونشاط مدني وحقوق مشارَكة وأمن وأمان وعدالة اجتماعية وسيادة كيانية)، بعيدا عن نار التمييز والاحتكار.والمواطنة هنا (كقيمة مصدرية لمشروعية السلطة) تعني مطلق مواطن في البلد الذي يعيش فيه، يعني سواء كان مسيحيا، مسلما، أو بلا عقيدة وملة، بل يكفي فيه انسانيته، وهو عين قوله سبحانه وتعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً}، يعني الإنسان بما هو إنسان، ببعد النظر عن الملة واللون والعرق واللغة وباقي الإثنيات المختلفة".
وقوله سبحانه وتعالى {وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ}، يريد أن الانسان واحد، والنفس واحدة، والمواطن واحد بالقيم الحقوقية التي يتأسّس عليها النظام السياسي أو الاجتماعي الضامن.من هنا قيل بالأدبيات السياسية بأن البلد شراكة مصالح وأعباء، والسلطة مطالبة بتأدية دورها الكافل لمجموع الحقوق العامة بمجتمعها دون تمييز أو تفريق، وإذا تلكأت السلطة أو أهملت أو فشلت في هذا المجال فقدت شرعيتها بمقدارها، وتفريعاً قالوا: حال تهدّد الأمن السيادي أو المجتمعي فعلى الشعب أن يساهم عبر صيغة تحاكي صيغة السلطة الضامنة للدولة بهدف حماية المصالح الوطنية والشؤون السيادية والاجتماعية وغيرها، والتفريط في هذا المجال خيانة عند الله وعند الناس، وهذا الكلام أممي ومجتمعي وإنساني منذ أول خلق الإنسان".
وقال :"من باب النموذج، من يتذكّر الاحتلال الإسرائيلي عام 1982 والذي وصل الى العاصمة بيروت، يدرك حجم الأزمة الحقوقية التي طالت شرعية السلطة، وأحيانا بيئة السلطة أو بعض أطرافها لدرجة أن الإسرائيلي سيطر على مفاصل السلطة والبلد، وبدأ يُصهين كل شيء، ومعه بات إنقاذ السلطة والدولة ضرورة شعبية عليا، تنفيذاً للقيمة الحقوقية المأخوذة بالأوطان، وهذا ما قامت به المقاومة بمختلف عناوينها، فيما شكّلت انتفاضة 6 شباط مركز الإنقاذ الوطني للدولة ومؤسساتها، بعدما باتت الدولة بمؤسساتها ملكاً للمشروع الصهيوني. والقضية هنا حقوق الشعب والوطن، لا السماسرة ولا بيّاعي الأوطان.
وبالعودة إلى الآية القرآنية نجدها تتعامل مع الشعب كوحدة نوعية أو عائلة وطنية تتشارك الهموم والمنافع والمسؤوليات، وتعطي السلطة صلاحيات مُقنّنة للقيام بما يلزم عليها في مجال تأمين الحقوق الوطنية الضامنة، سواءً كانت داخلية أو خارجية، وإلا خسرت السلطةُ أصل وجودها القانوني".
واردف :"ومن هنا قيل: الشعب مطالب بمراقبة السلطة ومطابقة عملها مع المنظومة الحقوقية التي ترعى وجودها ووظيفتها التأسيسية، بما في ذلك الحقوق السيادية للدولة والناس.وبالأمس واليوم والى الأبد يتضح الفشل السيادي والمفهوم السلطوي للدولة التي لا تدافع عن شعبها ومصالح كيانها السيادية. على أن الدولة مخوّلة اقتناء واستعمال السلاح بهدف حماية مجتمعها وناسها وكيانها وسيادتها، لا العمل كوكيل للعدو أو عرّابه أو لمجرد الاستهتار. وترك هذه الوظيفة خيانة كبرى في مواثيق الله ومواثيق الأمم والبشر". اليوم البلد يعاني من عدوان إسرائيلي متوحّش يطال البرّ والبحر والجو، وهو متنوّع بين غارات وتفخيخ واستهدافات لا نهاية لها، فيما السلطة السياسية تعيش في كوكب آخر، وليس لها همّ إلا حصر السلاح الذي لم تستعمله لحماية بلدها وناسها وما يلزم لسيادة نفسها، مع أن أصل مشروعية السلاح الحكومي تتوقّف على حماية البلد والمرافق الكيانية والاجتماعية المواطنية لهذا البلد. وإذا أخذنا ممارسة الدولة المتهرّبة أو المتبرئة من مسؤولياتها طيلة عشرات السنين الماضية معياراً لما يجب أن نقوم به، فإننا ننتهي الى حقيقة مفادها: أن الدولة ومرافقها كانت تصهينت لولا المقاومة التي حرّرت الدولة والمرافق واستعادت لبنان".
ولفت المفتي قبلان الى ان "ما نخشاه إصرار البعض على التخلّي عن أسباب القوة التي تحمي بلدها وناسها في وجه أعتى عتاة الظلم والاحتلال والفساد".
وتوجه الى "الشعب اللبناني ولكل القوى السياسية "والقريب والبعيد"، يعرف أن البلد عانى ويعاني من مرارة العدوان الإسرائيلي منذ عشرات السنين، ويعرف أن الدولة لم تهتم لشعبها ولم تحرر شبرا من الأرض، بل تركت الجنوب يحترق، واليوم من الأمس تماما، بحيث أن العدوان الإسرائيلي يطال البر والبحر والجو وينال من المواطن اللبناني وأرضه وسيادته دون وجود أي ضامن أمني من دولتنا، والأعذار واهية وحدّث ولا حرج ومخزية، والمرجلة بالدفاع عن لبنان لا بتطويق السلاح الذي حرّر لبنان. لذلك لا سلاح شرعيا أكبر من سلاح المقاومة والجيش، والجيش والمقاومة شراكة سيادية، ودون هذه السيادة عندها تكون الكارثة، وشرعية السلاح من شرعية الحماية السيادية للبنان، بل التصلّب الخطأ في الموقف هو الذي يهدد لبنان، والقضية ليست قضية إسم وإطار وشرعية لفظية، بل قوة وطنية أثبتت أنها ضامن فعلي في عالم السيادة وحماية الوطن، وعلى الدولة مكافأة المقاومة لا العدو الإسرائيلي الذي لا يزال يمعن بعدوانه وغاراته واستباحته لبلدنا".
وختم المفتي قبلان :"ما يجري في جنوب النهر إنما يجري تحت عين الدولة التي لا تقوم بواجباتها، وتطويق الطائفة والبيئة الكريمة التي قدّمت تضحيات هائلة طيلة عشرات السنين هو أمر كارثي، والحكومة اللبنانية لا تملك شرعية التنازل عن سيادة لبنان أو وضع البلد في إطار الاستسلام السيادي والضعف الوجودي، والخصومة مع المقاومة أكبر هدية لإسرائيل التي تتوثّب لاحتلال لبنان كما تفعل في الجنوب السوري، والحكومة مطالبة بموقف وطني يليق بجبهات الدفاع السيادي، وحذارِ من الموقف الخطأ لأن البلد قابع على برميل من البارود، والحلّ بالشراكة الوطنية التي تحمي البلد، والعين تبقى على عقلاء الوطن، والقضية هي وطنية لا سياسية، واللحظة تاريخية سيادية، ولا يملك أحد شرعية نزع القوة الدفاعية الوطنية التي تحمي بلدنا لبنان".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صوت لبنان
منذ 19 دقائق
- صوت لبنان
الخيام تنهض من تحت الركام... وكفركلا غارقة في الصمت والدمار
كتب روجيه نهرا في 'نداء الوطن': بعد مرور أكثر من تسعة أشهر على توقف الحرب بين إسرائيل و'حزب الله' العام المنصرم، تتباين مشاهد الدمار في القرى الحدودية المدمرة بين دمار شامل ومحاولات العودة إلى الحياة، فبلدة كفركلا تغرق في الصمت والخوف فيما تحاول مدينة الخيام لملمة جراحها والنهوض من تحت الركام. وتغيب في بلدة كفركلا مظاهر الحياة تمامًا وتبدو الأحياء شبه خالية من الحركة ولا يظهر فيها سوى عدد ضئيل من السكان. ويسود الخوف أرجاء البلدة نتيجة الاستهداف الإسرائيلي اليومي لتحركات المدنيين ما أدّى إلى توقف كامل لعمليات إزالة الركام وإعادة الإعمار. ويملأ ركام المنازل الشوارع والأحياء والدمار يعم كل زاوية في مشهد يختصر الألم والمعاناة في كفركلا والقرى المجاورة. أما مظاهر التعافي في الخيام فبدت واضحة رغم الدمار الكبير الذي لحق بها من جراء العدوان الإسرائيلي، إذ بدأت الحياة تعود تدريجيًا إليها، حيث تشهد البلدة حركة نشطة للأهالي في الشوارع والأحياء ،كما فتحت المتاجر أبوابها مجددًا لاستقبال الزبائن. وتشهد الخيام حملة واسعة لرفع الركام. وتعمل الجرافات على إزالة الردميات تحضيرًا لمرحلة الإعمار المرتقبة بعد صرف التعويضات من الجهات المعنية، والتي لا تزال تنتظر الضوء الأخضر. وبينما تعود الحياة تدريجيًا إلى الخيام، تبقى كفركلا بلا حياة على كافة الصعد. فالمستقبل هو الهم الأكبر لدى الأهالي خصوصًا في ظل المراقبة المستمرة للمسيرات الإسرائيلية ما يرغم الكثيرين على الامتناع عن الإدلاء بأي تصريحات خشية تعرضهم أو تعرّض مصالحهم للاستهداف. جالت 'نداء الوطن' في المنطقة الحدودية، ورصدت الواقع في البلدتين. في كفركلا التقينا صاحب مصلحة دمّرت كليًا. قال: أملك معصرة زيتون كاملة متكاملة كانت تلبي حاجات خمس عائلات، الآن كل المعدات أصبحت خارجة عن الخدمة ولا تعمل. وتمنى أن يعود الأمن والاستقرار لتعود الحياة من جديد. وقال إمام بلدة كفركلا عباس فضل الله: 'يطل العديد من الأعياد علينا، ونحن ما زلنا نجمع أشلاء موتانا كل يوم. وما تبقى من ذكريات مضت بصمت ودموع وبعض أمل. ومن وسط بيوتنا ومدارسنا وجوامعنا وكنائسنا المدمرة نعلن الولاء للوطن ومؤسساته'. أضاف: 'لذا نحتفل اليوم بعيد الجيش الوطني اللبناني بافتخار واحترام لما قدمته المؤسسة العسكرية من خدمات عظيمة في سبيل حفظ السيادة والحرية والاستقلال، وقد ارتفع بعض من خيرة ضباطها ورتبائها ومجنديها شهداء في الدفاع عن لبنان'. وتابع: 'لقد ساهم الجيش مشكورًا بفتح العديد من الطرقات، وإزالة أغلب العوائق والانتهاكات التي يستحدثها العدو من حين لآخر متجاوزًا الخط الأزرق. كما لا ننسى مساهماته في انتشال العديد من جثامين شهداء المقاومة من أبنائنا، وهذا دليل وطنيته التي لا خلاف عليها'. وأشار إلى 'أن أبناء القرى الحدودية اليوم يعقدون آمالًا كبيرة على الجيش من أجل حفظ الأهالي والحدود من الاعتداءات المتكررة للعدو، وطمأنة الناس وإشعارهم بالحماية اللازمة إذا ما فكرت بعض العائلات في العودة إلى قراها المهدمة والمنكوبة وإعادة إعمارها ولو على نفقتها الخاصة'. وخلص فضل الله إلى القول: 'على الرغم من أوضاعنا المعيشية الصعبة، ما زلنا خارج البلدة المدمرة ونحاول لملمة جراحنا ونتمنى إعادة البناء والإعمار سريعًا لأننا تعبنا ولم نعد قادرين على تحمل المزيد من الخسائر على المستويات كافة'.

المركزية
منذ ساعة واحدة
- المركزية
نقابة محرري الصحافة تنعى ياسر نعمة: كان صديقا صادقا لا يخشى المواجهة
نعت نقابة محرري الصحافة اللبنانية ياسر محمود نعم، وقالت في بيان: "بحزن بالغ وألم كبير تنعى نقابة محرري الصحافة اللبنانية أحد اعضائها البارزين الذين عرفتهم ساحات النضال الوطني والقومي والمطلبي، هو المغفور له ياسر محمود نعمه المولود في صور العام 1934، الحائز على دبلوم في الصحافة من جامعة القاهرة العام 1954، وعمل صحافيا، محررا ومراسلا في عدد من الصحف والمجلات منذ مطالع خمسينيات القرن المنصرم: التلغراف، المصور، الكفاح العربي والاحد والحرية التي تولى إدارتها في الستينيات، قبل أن يشارك طلال سلمان في تأسيس جريدة السفير العام 1973 وابصارها النور في 26 آذار 1974. وظل في مسؤولياته في الجريدة حتى قبيل اغلاقها وهو الذي اسبغ عليها الكثير من روحه، وحدبه، وافكاره المبتكرة التي ساهمت في نهضتها وحملها إلى موقع الصدارة. وهو إلى ذلك كان قوميا عربيا متحمسا لقضيته، وتبين سيرته الذاتية الغنية بالأحداث والمهمات كم كان حضوره صاخبا ومؤثرا إلى جانب رفاقه في منظمة العمل الشيوعي- وكان من مؤسسيها- وحركة القوميين العرب. وكذلك علاقته مع الرئيس جمال عبد الناصر الذي التقاه لمرتين متتاليتين في سياق العمل العربي العام الذي كان قائما في الستينيات وتحديدا، بعد نكسة العام 1967، لمناهضة الاحتلال الاسرائيلي للدول العربية. كما استكمل نهجه الثوري بدعم المقاومة في لبنان ضد الصهاينة بعد العام 1982. وكان على علاقة وطيدة مع الامين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمه، والأمين العام للجبهة الشعبية جورج حبش. على أن نضاله النقابي لا يقل أهمية عن نضاله الوطني والقومي. فكان رئيسا لاتحاد عمال الطباعة والنشر، وانتخب عضوا في المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام وكان محركا رئيسا للتظاهرة الكبيرة التي قامت في العام 1987 وضمت ما يزيد على 300 الف لبناني وفدوا من شطري العاصمة بيروت، التقوا في محلة المتحف. وانتخب أيضا امينا عاما للاتحاد، فنائبا للرئيس، واعتقل في العام 1997 لمناهضته من موقعه في الاتحاد إلى جانب رفاقه نهج السلطة آنذاك في مقاربة السياسة الاقتصادية والرأسمال المتوحش. وهي كانت المرة الثانية التي يسجن فيها، وكانت الأولى إبان أحداث العام 1958. القصيفي: وقال النقيب جوزف القصيفي في نعيه:" طوى عامه ال 91 ومضى إلى ملاقاة وجه ربه مثقلا بسني النضال الذي خاض معتركه عالي الرأس، مرفوع الجبين زاده الكرامة الوطنية، والشعور الانساني المرهف الذي كان يملي عليه الوقوف إلى جانب المستضعفين والمهمشين. إنه ياسر محمود نعمه الصديق الذي عرفته جيدا وخبرته سحابة عقود طويلة من الزمن، ووجدت فيه مثال الإنسان الذي يتحصن بالكبرياء من دون أن يعرف التكبر، والتواضع لا الاتضاع، وقولة الحق في حضرة اعتى السلاطين جورا. وكان صديقا صادقا، لا يخشى المواجهة انى تكن كلفتها عليه، لكنه كان يحاذر الغدر والطعن في الظهر لانهما يتنافيان مع تربيته العائلية ومبادئه الوطنية. وكانت الشهامة، وحب الخدمة، ونبذ الطائفية جواز مروره إلى زملائه وعارفيه الذين أحبوه واولوه ثقتهم. ولا ازال اذكر حرصه الشديد على نسج افضل العلاقات مع حليم مطر الكتائبي الذي كان يتولى الأمانة العامة لاتحاد عمال الطباعة والنشر في الشطر الشرقي من العاصمة، وكان التنسيق بينهما نموذجا أثار إعجاب الجميع وفضولهم في زمن كانت البلاد فيها منقسمة عموديا والشرخ متسعا. وكان زملاؤه في السفير يجدون فيه الاب والأخ والرفيق، والساعي بروح إيجابية لفض ما يمكن أن يواجههم من مشكلات". أضاف: "كان رحمه الله صديقا لنقابة محرري الصحافة اللبنانية التي انتسب اليها داعيا إلى دعمها، ومساندتها لأنها النقابة الام والاشمل تمثيلا، والحصن الوطني الذي يضم زميلات وزملاء من كل المدارس والمشارب الفكرية والثقافية والسياسية. وهو من شجع نجله الزميل عمار الصحافي المعروف بمهنيته واحترافه على الانتساب إليها والوقوف إلى جانبها". وختم القصيفي: "بغياب ياسر نعمه ارسل دمعة وفاء، مستذكرا الايام الخوالي عندما كنا نلتقي معا في جريدة السفير والاتحاد العمالي العام ونقابتي الصحافة والمحررين لمناقشة موضوعات وطنية ومهنية بروح الاخوة الصادقة بعيدا من اي تشنج يمكن أن يفرزه تباعدنا السياسي. ويعرف معاصرو الراحل انه لم يكن تفصيلا في حياة لبنان، خصوصا في مجالات النضال الوطني والقومي، والنقابي، والصحافي. كان رحمه الله في الخطوط المتقدمة فارسا مقداما لا يقيم وزنا للمخاطر والتحديات في سبيل الهدف الذي اليه يطمح. فإلى جنان الخلد يا صديقي ياسر، وليهنأ لك الرقاد في تربة صور التي اطلعتك، وانشأتك واطلقتك. فها قد عدت إليها كما تعود النسور إلى وكناتها، وآلاساد إلى عرينها، شاهرا وفاءك لها. عزاؤنا للعائلة والاصدقاء، يا عزيزا لن نشتاق اليك لأنك ستبقى حاضرة بقوة الذاكرة والحنين".


MTV
منذ ساعة واحدة
- MTV
03 Aug 2025 12:32 PM الراعي: على كلّ مسؤول أن يُدرك أن المسؤولية ليست تسلّطاً
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الاحد التاسع من زمن العنصرة في كنيسة الصرح البطريركي في الديمان، عاونه المطرانان جوزيف النفاع والياس نصار والمونسينيور فيكتور كيروز والاب فادي تابت والقيم البطريركي الخوري طوني الآغا والاب هادي ضو، وخدمت القداس المرنمة ألين سابا الشدياق . وبعد تلاوة الانجيل المقدس القى البطريرك عظة بعنوان: "روح الرب علي مسحني وأرسلني" (184). قال فيها : "طبق الرب يسوع عليه نبوءة أشعيا التي سمعناها. فهي تظهر هويته وسالته، هويته هي مسحة الروح القدس. ورسالته مثلثة النبوءة والكهنوت، والملوكية. فهو نبي بامتياز لأنه يعلن كلمة الله، وهو نفسه هذه الكلمة. وهو كاهن بامتياز لأنه الكاهن والذبيحة، إذ يقرب ذاته ذبيحة فداء عن خطايا البشرية جمعاء. وهو ملك بامتياز، لأنه يعلن ملكوت الله، وهو ذاته هذا الملكوت. وقد أشرك كنيسته جسده السري بهذه الهوية والرسالة، اللتين تشملان كل مؤمن ومؤمنة بحكم سري المعمودية والميرون فيشرك هؤلاء في كهنوته العام، الذي منه يختار من يقيمهم في كهنوت الدرجة المقدسة الشمامسة والكهنة والأساقفة. بهذه الشركة في الهوية والرسالة، لا يُطلب من المؤمن أن ينعزل أو يتقوقع، بل أن ينخرط في بناء عالم أكثر إنسانية، ويشع نورا في ظلمات هذا العالم". واضاف: "يسعدني أن أرحب بكم جميعًا للإحتفال معا بهذه الليتورجيا الإلهية، التي تحيي فيها هويتنا المسيحية ورسالتنا ملتمسين إدراكهما والالتزام بهما. وفيما نهار غد يتزامن مع الذكرى الخامسة لتفجير مرفاء بيروت، وهو الأعظم في تاريخ البشرية بعد هيروشيما، نصلي أولا لراحة نفوس الضحايا، وشفاء المرضى والمعوقين الكثر، ونعزي أهل الضحايا والمصابين والمتضررين على اختلاف فئاتهم. وإنا نطالب القاضي البيطار بممارسة صلاحياته القضائية كاملة، إظهارا للحقيقة، وصوتا للعدالة، وضمانة للقضاء الحر الذي يعلو الجميع من دون أية حصانة". وأشار إلى أن "هوية يسوع هي هوية الكنيسة والمعمدين ورسالته هي رسالتهم. بمسحة الميرون أشركهم الرب يسوع هويته، وأرسلهم المتابعة رسالته في النبوءة والكهنوت والملوكية. أما النبوءة فظاهرة في نبوءة أشعيا: أرسلني لأبشر المساكين وأعيد البصر للعميان. فبالكلمة يستنير أولئك الذين أعمتهم الخطيئة، وأولئك الذين يتخبطون في أهواء العالم، بعيدين عن الله وحبه والاستنارة بنور كلامه وأما الكهنوت في تعبير أشعيا: أرسلني لأشفي منكسري القلوب، وأحرر المأسورين. بالخدمة الكهنوتية يمنح الغفران للتائبين، ويحررهم من قيود الخطيئة ومن أميالهم الرديئة. وأمّا الملوكية: "وأعلن زمنًا مرضيا للرب" هو زمن الحقيقة والمحبة والسلام. إن الإنجيل الذي سمعناه ليس نصاً من الماضي، بل دستور يومي، وخريطة طريق للإنسان الجديد، ولكل من مسح بمسحة الروح ليشع نوره في عالمه حيث يعيش. فقد أصبح نبيا يتكلم الحق، وكاهنا يقدم ذاته حبا وخدمة، وملكا يملك بالعدل والرحمة. وهكذا إن دعوة كل مؤمن أن يعيش هويته بالعمق، ويجسد رسالته في محيطه في عائلته ووطنه وكنيسته وعالمه". وتابع: "إن زمن العنصرة الذي نعيشه في هذه المرحلة من السنة الطقسية، هو زمن حلول الروح القدس الدائم على الكنيسة، وهو زمن التجدد الداخلي والرسالي. وها إنجيل اليوم يبين كيف تبدأ كل رسالة أصلية من مسحة الروح. فكما كانت بداية رسالة يسوع بالروح، كذلك كل قداس نحتفل به هو استمرار لهذه المسحة: ففي الإفخارستيا نمسح بالكلمة ويجسد الرب ودمه، لكي ترسل إلى العالم. كل قداس هو إرسال، وكل إرسال ينبع من سر المذبح والجماعة المصلية. في إطار الهوية والرسالة للبنان أيضًا هويته ورسالته. فهويته نابعة من تنوعه الغني، ومن تاريخه المشرقي، ومن دوره الريادي في الحرية والتعددية. أما رسالته فأن يكون أرض تلاق وحوار. وجسر تواصل بين الأديان والثقافات، ومنارة فكر وحريات في محيط كثير العتمة. ونتساءل: هل لبنان باقي وفيا لهويته؟ وهل يحمل رسالته بشجاعة ومسؤولية؟ كلنا مدعوون، مسؤولين ومواطنين، إلى أن نعيد للبنان وجهه الحقيقي، نعيد إليه العدل، ونطلق فيه الحرية، ونفتح أمام شبابه أبواب الرجاء، ونبني دولة تليق بتضحيات الآباء وبأحلام الأطفال. على كل مسؤول أن يدرك أن المسؤولية ليست تسلّطاً بل خدمة، وأن الزعامة ليست مصلحة بل شهادة. فليكن في قلوبنا إصرار روحي وأخلاقي على أن ننهض بوطننا، ليس بالكلام فقط بل بالأفعال والمثابرة، وبحكمة من يتعلم من الألم، ويصنع من الجراح رجاء جديدا. يريد الرب يسوع من كل مؤمن ومؤمنة أن يكونا صوتا للحق، وخادمين للمصالحة، وبناة للعدل. هذا ما يحول كل مواطن صالحًا، وكل مسؤول حاملا رسالة تتخطى الحسابات والمصالح الضيقة". وأكد إن "لبنان لا يقسم المواطنين بين أقليات وأكثريات. فمثل هذا المنطق يخفي نزعة نحو السيطرة والغلبة، لا المشاركة الحقيقية، لأن دولتنا المدنية لا تفرز المواطنين إلى أكثريات وأقليات. فالأساس يبقى المواطنة الشاملة". وختم الراعي: "فلنرفع صلاتنا إلى الله لكي يسكب روحه القدّوس على كنيسته وشعبه، ويجدد هويتنا ويقوي رسالتنا، ويجعلنا نعيش نبؤتنا وكهنوتنا وملوكيتنا، ويحررنا من الخوف والخمول، ويلهمنا الجرأة والخير والصدق في الشهادة، والإلتزام في الحق. ونمجده مع ابنه الوحيد، وروحه القدوس الآن وإلى الأبد، آمين".