
ندوة لـ«تريندز» تناقش الشراكة الاستراتيجية لتكتل «البريكس» وأبعادها الاقتصادية والإنسانية والتكنولوجية ‹ جريدة الوطن
أبوظبي- الوطن: عقد مركز تريندز للبحوث والاستشارات ندوة موسعة بعنوان: «الشراكة الاستراتيجية بين دول مجموعة البريكس.. الأبعاد الاقتصادية والإنسانية والتكنولوجية والمعلوماتية»، وذلك على هامش مساهمة المركز، باعتباره شريكاً استراتيجياً، في مؤتمر «عصر البريكس.. أفق جديد للإدارة الدولية»، الذي نظمته الأكاديمية الرئاسية الروسية للاقتصاد الوطني والإدارة العامة، في مقرها بالعاصمة الروسية موسكو. وشهدت الندوة التي أدارتها الدكتورة أوريكاشافتيكوفا، أستاذة دراسات الاستشراق، وباحثة إعلامية في جامعة الصداقة بين الشعوب، مشاركة مجموعة من الخبراء والمتخصصين والأكاديميين من دول مجموعة البريكس، حيث أكدوا أن التكامل بين دول «البريكس» في مجال أمن المعلومات وحماية البيانات، يشكل أنجع السبل لضمان أمن الفضاء السيبراني، مضيفين أن دول التكتل تحتاج إلى التكيف استراتيجياً من أجل الحفاظ على النمو الاقتصادي المستقر وتعزيز التعاون بينها في مختلف المجالات. وذكر المشاركون أن توسيع التعاون بين دول «البريكس» في مجالات التكنولوجيا والابتكار ضرورة مُلحة نحو تعزيز التنمية المستدامة والتقدم التكنولوجي في دول المجموعة، مطالبين بزيادة الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية والطاقة النظيفة بين دول المجموعة، مما يساهم في تعزيز القدرة التنافسية للتكتل في السوق العالمي، كما أوصوا بإطلاق العنان للقطاع الخاص لتعزيز ازدهار الاستثمارات التنموية، وبناء علاقات متوازنة مع التكتلات الاقتصادية العالمية. واستهل الندوة سعادة الدكتور محمد حمد الكويتي، رئيس مجلس الأمن السيبراني لحكومة دولة الإمارات، قائلاً إن العالم يعيش عصراً يشهد تطورات تكنولوجية متسارعة، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة، في إطار الثورة الصناعية الرابعة، وبقدر ما توفر هذه التطورات من فرص في مجال الإدارة الدولية لأمن المعلومات، فإنها تطرح العديد من التحديات على نظام إدارة أمن المعلومات. وأضاف أن ذلك يؤكد أهمية الأمن السيبراني في دعم وحماية التنمية والتطور في مجال الذكاء الاصطناعي، وتوفير حماية فعالة للبيانات والمعلومات الوطنية من التهديدات المتعلقة بأمن المعلومات، سواء كانت داخلية أو خارجية، وسواء كانت متعمدة أو عرضية. وأشار الكويتي إلى أن ثورة الذكاء الاصطناعي أحدثت تغيرات عميقة على مشهد التحول الرقمي لأنظمة الإدارة عالمياً، والتي خلقت الحاجة إلى تطوير نظام بيئي متكامل للأعمال الدولية، يعتمد على موثوقية المنصات الرقمية الوطنية، ويضمن توافر رأس المال البشري المتطور، جنباً إلى جنب مع توافر الحماية السيبرانية لأنظمة الإدارة ضد التعطل أو الاختراق. وذكر أن توفير الحماية والأمن السيبراني للمؤسسات والأنظمة الإدارية يتطلب تطوير نظم الأمن السيبراني داخل دول البريكس، بالاستفادة من مواكبة التطورات المتسارعة في هذا المجال، مع ضرورة إشراك المجتمع والقطاع الخاص في هذه الجهود، إلى جانب تعزيز التعاون بين دول تكتل «بريكس» في مجال تبادل الخبرات في مجالات التكنولوجيا والأمن السيبراني؛ لتعزيز تنافسيتها وحماية نظمها الإدارية وعمليات التنمية المستدامة. بدوره، قال خالد السيد، المؤسس المشارك في مركز سينرجيز للدراسات الدولية والاستراتيجية بمصر، إنه في ضوء زيادة التدابير الحمائية وتطور التحالفات الدولية والاستمرار في حالة عدم اليقين الاقتصادي، فإنه من الضروري على دول البريكس التكيف استراتيجياً من أجل الحفاظ على النمو الاقتصادي المستقر وتعزيز التعاون بينها. وأوضح أن دول التكتل بحاجة إلى استكشاف الطرق التي تتعامل بها مع التغيرات في مشهد النظم التجارية العالمية، وفي الوقت نفسه تعزيز العلاقات الاقتصادية الداخلية وتوسع التحالفات الاستراتيجية لمواجهة التحولات الجيوسياسية الأوسع نطاقاً، مضيفاً أن دول البريكس تحتاج أيضاً إلى تعزيز التعاون بينها في مجالات التجارة والاستثمار والتنمية الاقتصادية، وتعزيز دورها في تشكيل عالم جديد. من جانبه، أكد ألوك كومار، مدير غرفة تجارة وصناعة بريكس في دولة الهند، أن تحالف البريكس يشكل منصة للتعاون بين الدول التي تتوافق مصالحها في مجالات السياسة والاقتصاد والأمن، وتستند العلاقات بين هذه الدول إلى مبدأ عدم التدخل والتكافؤ والتعاون المالي والاجتماعي من أجل المنفعة المتبادلة للإنسانية. وبين كومار أن تعاون دول البريكس في مجالات التكنولوجيا والابتكار يشكل خطوة مهمة نحو تعزيز التنمية المستدامة والتقدم التكنولوجي، كما يُعتبر هذا التعاون جزءاً محورياً في استراتيجية «البريكس» لتعزيز التكنولوجيا والابتكار في مختلف المجالات، إلى جانب أهمية تعزيز التعاون في مجالات الأمن والغذاء والطاقة، وتعزيز التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا النانوية. أما الدكتورة كيلي ألكسندر، من معهد جوردون لعلوم الأعمال في جنوب أفريقيا، فأشارت إلى أن تحولات المبادئ الإدارية الدولية في دول البريكس يجب أن تقوم على أسس أخلاقية ومستدامة ومستقبلية للتنمية الرقمية والتكنولوجية، مضيفة أن الذكاء الاصطناعي المسؤول يمتلك إمكانات متنوعة لدفع التقدم الاقتصادي والاجتماعي في دول البريكس، ولكن نجاح ذلك يعتمد على الوصول إلى مصادر طاقة متجددة وموثوقة. وبينت ألكسندر أنه من خلال دمج الذكاء الاصطناعي مع حلول الطاقة المستدامة، يمكن لدول البريكس أن تقود تحولاً رقمياً، ليس فقط منافساً اقتصادياً، ولكن أيضاً شاملاً وأخلاقياً ومسؤولاً بيئياً، مما يضمن التنمية الاجتماعية والاقتصادية طويلة الأمد، التي تحترم الأولويات الوطنية والالتزامات العالمية. من جهته، اقترح الدكتور عقيد بحري (متقاعد) آنديشيشن تيان، المؤسس ورئيس مؤسسة الحوكمة العالمية بجمهورية الصين الشعبية، إنشاء مركز لمشاركة الموارد القمرية في دول البريكس، لجمع البنية التحتية القمرية وإطلاق مهام مشتركة لرصد المناخ، وإنشاء سوق كربون موحد يتم التحقق منه، من خلال تتبع الانبعاثات الكربونية بواسطة الذكاء الاصطناعي. وأضاف تيان أنه من خلال دمج قابلية تكنولوجيا الأقمار الصناعية للتوسع مع تحليلات الذكاء الاصطناعي التنبؤية، يمكن لدول البريكس تعزيز صلابة المناخ، وتحقيق الأهداف الإنمائية للأمم المتحدة، إلى جانب قيادة الجهود العالمية في إدارة الموارد المستدامة. وفي السياق ذاته، أكد حمدان الحمداني، الباحث في مركز تريندز للبحوث والاستشارات، أن الآفاق المستقبلية للتكامل بين دول البريكس تقوم على ثلاث دعائم رئيسية؛ أولاها أن توسيع التجارة البينية يعمق الروابط بين أسواق بريكس، وثانيتها أن إطلاق العنان للقطاع الخاص يعزز من ازدهار الاستثمارات التنموية، والثالثة أن بناء علاقات متوازنة مع التكتلات الاقتصادية العالمية يقلل من تداعيات التنافس العالمي على النمو الاقتصادي لدول التكتل. وأشار الحمداني إلى أن تكتل «بريكس» يسعى إلى بناء علاقات متوازنة مع باقي التكتلات الاقتصادية، وسيتيح ذلك الفرصة أمام العالم لتحقيق الازدهار التجاري والتغلب على تداعيات التفتت الاقتصادي، كما يخلق أيضاً أنظمة متطورة وموثوقة للدفع، تفتح المجال أمام توسع تدفقات رأس المال عالمياً، كما تفتح الطريق أمام مستقبل عالمي عماده التعاون والتكامل لا النزاع والتفتت.
إلى ذلك، ناقش فريق مركز تريندز للبحوث والاستشارات، على هامش الندوة ومشاركته في مؤتمر «عصر البريكس.. أفق جديد للإدارة الدولية»، سبل التعاون والشراكة البحثية والعلمية والمعرفية مع عدد من الخبراء والأكاديميين والباحثين والمتخصصين في مجالات متنوعة، ومنهم معالي نزيه النجاري، سفير فوق العادة، ومفوض جمهورية مصر العربية لدى الاتحاد الروسي، والدكتور فلاديمير دافيدوف، الأستاذ في العلوم الاقتصادية، وعضو مراسل في الأكاديمية الروسية للعلوم، والبروفيسورة حنين شعيب، مستشارة رئيس مجلس الأمناء بجامعة الأعمال والتكنولوجيا في المملكة العربية السعودية، وفيكتور إفريموف، أستاذ علم الإدارة والاقتصاد في الأكاديمية الرئاسية الروسية للاقتصاد الوطني والإدارة العامة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الاتحاد
منذ 6 أيام
- الاتحاد
«تريندز» يناقش تأثير التكنولوجيا على الجغرافيا السياسية مع مؤسسات بحثية كندية
أبوظبي (الاتحاد) قام مركز تريندز للبحوث والاستشارات، عبر مكتبه في كندا، بجولة بحثية جديدة في كندا، خلال شهر مايو الجاري، شملت العديد من الفعاليات البحثية واللقاءات العلمية والفكرية، تمحورت حول موضوع التكنولوجيا المتقدمة وتأثيراتها المتعددة، خاصة المتصل منها بالجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية. وعقد مركز تريندز للبحوث والاستشارات، عبر مكتبه في كندا، حلقة نقاشية مع معهد الدراسات الكمومية «Institut Quantique - IQ»، التابع لجامعة شيربروك في كندا، تركزت حول فرص إعداد دراسات مشتركة في حوكمة التكنولوجيا الكمومية، وتطرق النقاش إلى التعاون البحثي في مجالات العلوم والتكنولوجيا المتقدمة. وتطرقت الحلقة النقاشية، إلى استكشاف آفاق التعاون البحثي بين مركز «تريندز» ومعهد الدراسات الكمومية، خاصة فيما يتعلق بدمج التخصصات المختلفة لدفع عجلة الابتكار في تكنولوجيا الكم، والنشر العلمي المشترك للبحوث والدراسات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وتطوراته، والتكنولوجيا المتقدمة ومستقبلها. كما ناقش الجانبان، فرص إعداد ونشر دراسات مشتركة تتناول حوكمة التكنولوجيا الكمومية وتأثيراتها السياسية والاجتماعية والأمنية، بما يسهم في تعزيز الفهم المتكامل للتحديات والفرص التي تطرحها هذه التقنية المتقدمة. وشارك في النقاش، أكاديميون ومتخصصون من المعهد، منهم البروفيسور كريستيان سارا بورنيه، مدير قسم الفيزياء في جامعة شيربروك الكندية، إلى جانب حمد الحوسني، الباحث الرئيسي، رئيس قسم دراسات الإسلام السياسي في «تريندز»، ومحمد الظهوري، الباحث الرئيسي، نائب مدير إدارة البحوث في «تريندز»، والدكتور وائل صالح، مستشار شؤون الإسلام السياسي في «تريندز»، مدير مكتب «تريندز» في كندا. ويعتبر معهد الدراسات الكمومية، التابع لجامعة شيربروك في كندا، أحد أبرز مراكز البحث العلمي المتقدمة عالمياً في هذا المجال، والذي يُتوقع أن يحدث تأثيراً ثورياً في قطاعات حيوية مثل الطب، والأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي. وفي سياق متصل، نظم مركز تريندز للبحوث والاستشارات، عبر مكتبه في كندا، جلسة حوارية مع معهد كيبيك للذكاء الاصطناعي «MILA»، لاستكشاف فرص وآفاق التعاون البحثي بين المركز والمعهد، حيث ركزت بشكل خاص على مجالات الحوكمة القانونية والأخلاقية للذكاء الاصطناعي، فضلاً عن دراسة تأثيراته المتعددة على مختلف المستويات. وجاءت الجلسة الحوارية في سياق السعي المشترك لفهم التحديات والفرص التي تطرحها هذه التقنية المتقدمة، مما يعزز تطوير أطر تنظيمية وأخلاقية تواكب التطورات السريعة في هذا المجال الحيوي، وشاركت في النقاش السيدة إيزادورا هيليغرين، مديرة المشروع الرئيسة في فريق السياسات بالمعهد، والسيدة ليتيسيا فو، منسقة السياسات والشؤون الدولية في «كيبيك للذكاء الاصطناعي». ويعد معهد كيبيك للذكاء الاصطناعي «MILA»، من المؤسسات الرائدة عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي، بفضل إسهاماته الكبرى في نمذجة اللغات، والترجمة الآلية، والتعرف على الأشياء، والنماذج التوليدية، حيث يضم أكبر تجمع للباحثين الجامعيين في مجال التعلم العميق على مستوى العالم.


الاتحاد
٠٤-٠٥-٢٠٢٥
- الاتحاد
ندوة فكرية لـ «تريندز» «عصر اللؤلؤ: دروس لعالم ما بعد النفط»
أبوظبي (الاتحاد) في إطار الحرص على إعادة إحياء الذاكرة الاقتصادية والثقافية، نظم مركز تريندز للبحوث والاستشارات، بالتعاون مع مركز لؤلؤ أبوظبي التابع لهيئة البيئة – أبوظبي، ندوة فكرية نوعية بعنوان «عصر اللؤلؤ: دروس لعالم ما بعد النفط»، ضمن برنامج الفعاليات الثقافية المصاحبة لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025، وذلك في القاعة الكبرى بالمعرض. وألقى الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز، كلمة ترحيبية شدد فيها على أهمية استلهام الماضي لإعادة صياغة الرؤى المستقبلية، موضحاً أن تجربة اللؤلؤ، رغم قصرها، مقارنة بعصر النفط، شكّلت حجر أساس في بناء الهوية الخليجية، كما أبرز كيف يمكن للبحث العلمي أن يستخرج دروساً من ذلك العصر لبناء نماذج اقتصادية أكثر تنوعاً واستدامة في المستقبل. أما الكلمة الرئيسية فقد ألقاها أحمد الهاشمي، المدير التنفيذي لقطاع التنوع البيولوجي البري والبحري في هيئة البيئة – أبوظبي، حيث ركّز على البعد البيئي لتاريخ اللؤلؤ الطبيعي، مؤكداً أن البيئة البحرية في الخليج شكّلت الحاضنة الأولى لاقتصاد اللؤلؤ. ودعا إلى التفكير في العلاقة بين الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة، خاصة في ظل التحول العالمي نحو اقتصاد ما بعد الوقود الأحفوري. وأدارت الجلسة الحوارية الباحثة موزة المرزوقي، رئيسة قسم الدراسات الاقتصادية في مركز تريندز، والتي أشارت في تقديمها إلى أن تجربة اللؤلؤ ليست مجرد محطة اقتصادية، بل منظومة ثقافية واجتماعية تستحق التوثيق والتحليل العلمي. وتوزعت الجلسة على خمسة محاور رئيسية: اقتصاد اللؤلؤ، قدّمه الدكتور علي صقر السويدي، رئيس مجموعة الإمارات للبيئة البحرية. و«التأثيرات الاجتماعية والثقافية»، وتحدثت فيه الدكتورة بثينة القبيسي، الكاتبة والباحثة في تاريخ أبوظبي. و«التحول الحضاري والتنموي»، شارك فيه كل من إبراهيم الجابر، الباحث في تاريخ الغوص واللؤلؤ من قطر، والدكتورة فاطمة المزروعي، رئيسة قسم الأرشيفات التاريخية. و«دروس»، وتحدث فيه محمد عبدالله السادة، غواص اللؤلؤ ومعد ومقدم برنامج «هيرات». و«نفط الإمارات المستقبلي»، وقدّمته عائشة الحمادي، رئيسة وحدة مركز لؤلؤ أبوظبي. وفي ختام الندوة، قام الدكتور محمد عبدالله العلي بتكريم المتحدثين، تقديراً لمساهماتهم في إثراء النقاش وإعادة تسليط الضوء على تجربة تاريخية غنية.


صحيفة الخليج
٢٥-٠٤-٢٠٢٥
- صحيفة الخليج
عودة الإمبراطوريات في عصر الرقمنة
يعيش العالم في المرحلة الراهنة مسارات متعددة من الاتصال، تتجاوز نطاق الاتصال الذي شهده خلال عقود من الزمن، وقد قادت هذه التحولات إلى نشأة وضعيات جيوسياسية جديدة في العلاقات تنتظم حول شتات متعدد من الدول مثل مجموعة البريكس ورابطة دول جنوب آسيا المعروفة اختصاراً ب «أسيان»، ومنظمة شنغهاي في المنطقة الأوراسية التي أضحت رمزاً لبروز دول صاعدة يمرّ عبرها القسم الأكبر من التجارة الدولية. وقد أشار أحد الخبراء الروس إلى أن منظمة شنغهاي قد تكون نواة لتحالف عسكري جديد يهدف إلى مواجهة تمدّد حلف شمال الأطلسي (الناتو) في شرق آسيا، كما ذهب محللون آخرون إلى أن النجاح غير المتوقع الذي حققته الصين في التوفيق بين السعودية وإيران، يحمل بعداً رمزياً قوياً يرتبط بحركة الاتصال الجديدة التي يشهدها العالم. ويحدث أهم عنصر من عناصر هذا الاتصال الجديد المتشابك، على مستوى سلاسل التوريد العالمية التي تمثل رهاناً كبيراً بالنسبة لاستقرار وأمن الدول والمجتمعات راهناً ومستقبلاً. وهنا يطرح الكثيرون السؤال المحوري المتعلق بهوية الجهات التي تتحكم في الشبكات اللوجستية، التي كان الإنسان هو المهيمن عليها كلياً، وبدأ الوضع يتغير بشكل تدريجي عندما بدأت تقنيات المعلوماتية توجِّه وتتحكّم في القسم الأكبر من نشاط المعاملات التجارية، بعد أن أصبح الإنسان متعوّداً على الحصول على الكثير من حاجياته من خلال استخدام المنصات الرقمية التي تستجيب لمتطلباته في زمن قياسي، وعليه، فإنه وخلف هذه السهولة في التعامل التجاري، كما يقول المتابعون، نجد سلسلة معقدة مجهولة الهوية وعابرة للأوطان، تتكوّن من مصانع ومنصات للتوزيع وشركات لنقل السلع، متحرِّرة من هيمنة مؤسسات الدول التي تسعى إلى الدفاع عن سيادتها. وتقودنا هذه الوضعيات التي تتحكم فيها شبكات المعلوماتية، إلى الحديث عمّا يسميه البعض ومن بينهم نيكولاس مييالهي بعودة الإمبراطوريات في سياق المقاربة الجيوسياسية للذكاء الاصطناعي، وقد عبّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الأهمية التي أصبح الذكاء الاصطناعي يمثلها بالنسبة للرهانات الجيوسياسية بقوله، أمام طلاب مدارس روس وصحفيين سنة 2017، «من يصبح رائداً في مجال الذكاء الاصطناعي سيكون قائداً للعالم»، وقال إيلون ماسك صاحب «منصة إكس» في السياق نفسه: «إن الصراع بين الأمم من أجل التفوق في الذكاء الاصطناعي من المحتمل أن يتسبّب بنشوب الحرب العالمية الثالثة»، وبالتالي، فإن التطور السريع الحاصل في هذا المجال يجعل من هذا الذكاء أداة قوية على المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لأنه يمثل أبرز تجليات الثورة الرقمية، الأمر الذي يجعله يُسهم، بحسب الخبراء، في تحديد توجهات النظام الدولي خلال العقود المقبلة في سياق تسارع ديناميكي في مرحلة تقوم فيها السلطة والتكنولوجيا بدعم بعضهما، بشكل سيُفضي إلى خلق تصورات وعلاقات غير تقليدية بين الأقاليم والمعطيات الزمانية والمكانية. ومن الواضح أنه وفي سياق هذه التحولات الرقمية، تتقاسم الإمبراطوريتان الرقميتان: أمريكا والصين، الهيمنة على العالم وتحدِّدان المسارات الجيوسياسية الدولية خلال السنوات وربما العقود المقبلة، وتفرضان على القوى الأخرى إعادة التفكير في الرهانات المتعلقة بالسيادة الرقمية، خاصة أن الدول الأوروبية، على سبيل المثال، فقدت قدراتها التنافسية على المستوى الرقمي عندما تعاملت مع التقنية الرقمية الأمريكية وكأنها ملكية غربية مشتركة، الأمر الذي حرص الأمريكيون على تفنيده في مناسبات عديدة. ويفرض علينا مسار التحليل بداية، التساؤل مع السيد نيكولاس مييالهي، عن المبرّرات التي تدفعنا للحديث عن الإمبراطوريات الرقمية، وتتطلب الإجابة العودة إلى التصور التاريخي الذي يشير إلى أن الإمبراطوريات تميّزت بثلاثة مبادئ: 1- ممارستها للسلطة على امتداد أقاليم شاسعة، 2- عدم مساواة نسبية بين السلطة المركزية والجهات المتحكّم فيها إدارياً والذي عادة ما يتم تفسيره بوجود إرادة في التوسع، 3- بلورة مشروع سياسي اعتماداً على أشكال متعدّدة من التأثير الاقتصادي والمؤسساتي والأيديولوجي. ومن ثم، فإنه وخلافاً للفكرة الشائعة التي تفترض أن الثورة الرقمية تقود حتماً إلى وضعية من اللامركزية الاقتصادية، فإن الوقائع تثبت، حتى الآن، أن الذكاء الاصطناعي يتسبّب أو على الأقل يُرسِّخ حركة شاملة من مركزية السلطة بين أيدي مجموعة صغيرة من الفاعلين، الأمر الذي يجعل الإمبراطوريات الرقمية تستفيد من اقتصاد قائم على سلّم هرمي ومن وضعيات تتميز بتسارع مسار تركيز القوة في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية اعتماداً على ما يقدمه الذكاء الاصطناعي للقوى التي تحتكر عملية الابتكار والتطوير في هذا المجال. وتتحوّل بذلك الإمبراطوريات المُستحدثة إلى أقطاب مهيمنة تتحكم في مجموع الملفات والقضايا الدولية كما هي الحال بالنسبة لأمريكا والصين، بينما تحاول دول أخرى مثل القوى الأوروبية تبنّي استراتيجية «عدم الانحياز». ويمكن أن نستنتج تأسيساً على ما تقدم، أن أهم تجليات مكر التاريخ في الألفية الجديدة، يكمُن في انتقال المجتمع الدولي بعد عقود من نهاية الحرب الباردة من هيمنة إمبراطوريات قائمة على الردع النووي، إلى إمبراطوريات تسعى إلى إخضاع الدول والتحكم في مصير المجتمعات بناء على الذكاء الاصطناعي، الذي سمحت الثورة الرقمية ببلوغه مستويات غير مسبوقة من الدقة والتعقيد يمكنها أن تجعل الدول فاقدة لسيادتها.