
بعد مرور عام، لا تزال التساؤلات قائمة حول حادث تحطم طائرة الرئيس الإيراني
صعد إبراهيم رئيسي سريعاً في هيكل السلطة في إيران، لكن رئاسته انتهت فجأةً، بحادث تحطم مروحية، لم يُسهم تفسيره الرسمي - المتعلق بالطقس - في تهدئة أمة غارقة في الشكوك.
في 19 مايو/أيار 2024، توفي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية في محافظة أذربيجان الشرقية، بالقرب من الحدود مع أذربيجان. كما قُتل في الحادث أيضا وزير الخارجية آنذاك، حسين أمير عبد اللهيان، وعدد من كبار المسؤولين.
بعد عام، لا يزال التفسير الرسمي - أن سوء الأحوال الجوية تسبب في اصطدام الطائرة بجبل - موضع تساؤل واسع النطاق داخل إيران، حيث يسود انعدام ثقة الجمهور في روايات الحكومة.
التقارير الرسمية والتناقضات
أصدر الجيش الإيراني ثلاثة تقارير تستبعد التخريب أو الاغتيال.
وأشار أحدثها إلى تراكم الضباب المتصاعد كسبب.
مع ذلك، صرّح رئيس الأركان السابق في عهد رئيسي بأن الطقس كان صافيا، ويشير منتقدون إلى احتمال وجود أعطال فنية بالطائرة.
بينما حاولت الدولة إغلاق القضية، تزايدت التكهنات العامة.
ولم تؤدِّ الصور المحدودة والضبابية لحطام الطائرة إلا إلى تأجيج الشكوك.
شكوك داخلية ورحلة مثيرة للجدل
جاء الحادث بعد تغيير في خطط سفر رئيسي.
ووفقاً لـ مجتبى موسوي، الذي ترأس شقيقه فريق أمن رئيسي وتوفي في الحادث، فإن الرحلة إلى حدود أذربيجان لم تكن الوجهة الأصلية - وقد عارضتها وحدة الأمن بشدة.
وقال إنه تم تقديم خطاب رسمي يعترض على الزيارة.
رفض الجيش هذه التعليقات ووصفها بأنها محاولة "لزرع الشك"، لكن هذه الرواية اكتسبت زخماً، لا سيما في ظل التوترات الإقليمية واجتماع رئيسي مع الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، قبل وقت قصير من الحادث.
شائعات التصفية السياسية
ألمح سياسيون متشددون علناً إلى أن رئيسي ربما يكون قد قُتل عمداً.
ادعى عضو البرلمان، حامد رسايي، أنه "أقُصي" لإزالة عقبة داخلية أمام التطورات الإقليمية.
وذهب نائب آخر، وهو كامران غضنفري، إلى أبعد من ذلك، مدعياً وجود عملية مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل وأذربيجان أسفرت عن مقتله - دون تقديم أدلة.
تتزامن هذه الادعاءات مع أحداث إقليمية، بما في ذلك مقتل قادة من حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني على يد إسرائيل.
وقد نفى المسؤولون الإسرائيليون أي تورط في الحادث.
في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع تظهر امرأة، عُرِّفت بأنها والدة رئيسي، في حالة من الضيق الشديد، وهي تقول: "أياً كان من قتلك، أرجو من الله أن يُقتل".
لم يتسن التحقق من صحة الفيديو بشكل مستقل، ولكنه انتشر على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي.
غموض حول موقع التحطم
كانت التقارير الإعلامية الإيرانية الأولية متناقضة.
قال البعض إن رئيسي واصل رحلته براً، ووصف آخرون الحادث بأنه "هبوط اضطراري".
وسرعان ما تحول السرد إلى حادث تحطم مميت، وبدأت حملة وطنية للدعاء.
كان رئيسي على متن إحدى ثلاث طائرات هليكوبتر تحلّق في دوائر.
أدلى المسؤولون بتصريحات متضاربة حول ترتيبات الموكب.
استغرق تحديد موقع الحطام أكثر من 16 ساعة، على الرغم من مزاعم بأن أحد الركاب رد على اتصال عبر هاتف محمول بعد الحادث.
أعلنت تركيا أن إحدى طائراتها المسيرة حددت الموقع، لكن بي بي سي الخدمة الفارسية وجدت أن الإحداثيات التي تمت مشاركتها غير دقيقة.
بدلاً من ذلك، كانت مجموعة من سائقي الدراجات النارية عبر الطرق الوعرة أول من وصل إلى الموقع، وهي حقيقة لم تعترف بها وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية.
جثث محترقة، وأمتعة غير محترقة
أظهرت الصور المنشورة جثثاً متفحمة، إلا أن بعض المتعلقات والأمتعة بدت سليمة نسبياً.
زعم أحد المشاركين في التأبين، وهو مؤيد للحكومة، أن جثمان رئيسي كان محترقاً بشدة لدرجة أنه تم إجراء "التيمم" للكفن، بدلاً من الغسل التقليدي.
وبحسب ما ورد، لم يُسمح لزوجة الرئيس ووالدته برؤية الجثمان.
صرح بعض المسؤولين لاحقاً بأنه لم يتم العثور على أجزاء من جثمان رئيسي، ما زاد من شكوك الرأي العام.
إرث من انعدام الثقة
لا يمكن فصل الشكوك المحيطة بوفاة رئيسي عن تاريخ إيران الطويل من السرية.
من إسقاط طائرة أوكرانية عام 2020، إلى وفاة الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى الشرطة، إلى عقود سابقة من الاغتيالات السياسية، شهد الإيرانيون مراراً وتكراراً روايات رسمية لم تحل ألغاز تلك الأحداث.
حتى لو كان حادث التحطم عرضياً بحتاً، فإن سجل الدولة أدى إلى عدم تصديق رواية الأجهزة الأمنية من قِبل مواطنيها.
صعود رئيسي وأفوله السياسي
كان رئيسي، رجل الدين ورئيس السلطة القضائية السابق، يُنظر إليه في السابق على أنه "خليفة محتمل" للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
بدعم من النخبة المحافظة في إيران، انتُخب عام 2021، مع وعوده بالإصلاح الاقتصادي والاستقرار السياسي.
لكن رئاسته واجهت صعوبات.
ارتفع التضخم بشكل حاد، وتعثرت دبلوماسيته الدولية، وأدت الاحتجاجات التي أعقبت وفاة الشابة مهسا أميني إلى إضعاف إدارته بشكل أكبر.
ووصف محللون من مختلف الأطياف السياسية حكومته بأنها غير فعالة.
بحلول عام 2024، كان مستقبل رئيسي السياسي غامضاً. لقد أنهى موته فجأةً مشروعاً سعى إلى بناء جيل جديد من القيادة "الشبابية والثورية".
نهاية مفتوحة
على الرغم من جهود الدولة لتصوير رئيسي على أنه "شهيد"، إلا أن ظروف وفاته زادت من سخرية الرأي العام.
وبعد مرور عام على الحادث، لا تزال فكرة أن الرئيس الإيراني اختفى في سحابة، بالنسبة لكثير من الإيرانيين، غير معقولة لدرجة يصعب تقبلها.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ 13 ساعات
- BBC عربية
بعد مرور عام، لا تزال التساؤلات قائمة حول حادث تحطم طائرة الرئيس الإيراني
صعد إبراهيم رئيسي سريعاً في هيكل السلطة في إيران، لكن رئاسته انتهت فجأةً، بحادث تحطم مروحية، لم يُسهم تفسيره الرسمي - المتعلق بالطقس - في تهدئة أمة غارقة في الشكوك. في 19 مايو/أيار 2024، توفي الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحية في محافظة أذربيجان الشرقية، بالقرب من الحدود مع أذربيجان. كما قُتل في الحادث أيضا وزير الخارجية آنذاك، حسين أمير عبد اللهيان، وعدد من كبار المسؤولين. بعد عام، لا يزال التفسير الرسمي - أن سوء الأحوال الجوية تسبب في اصطدام الطائرة بجبل - موضع تساؤل واسع النطاق داخل إيران، حيث يسود انعدام ثقة الجمهور في روايات الحكومة. التقارير الرسمية والتناقضات أصدر الجيش الإيراني ثلاثة تقارير تستبعد التخريب أو الاغتيال. وأشار أحدثها إلى تراكم الضباب المتصاعد كسبب. مع ذلك، صرّح رئيس الأركان السابق في عهد رئيسي بأن الطقس كان صافيا، ويشير منتقدون إلى احتمال وجود أعطال فنية بالطائرة. بينما حاولت الدولة إغلاق القضية، تزايدت التكهنات العامة. ولم تؤدِّ الصور المحدودة والضبابية لحطام الطائرة إلا إلى تأجيج الشكوك. شكوك داخلية ورحلة مثيرة للجدل جاء الحادث بعد تغيير في خطط سفر رئيسي. ووفقاً لـ مجتبى موسوي، الذي ترأس شقيقه فريق أمن رئيسي وتوفي في الحادث، فإن الرحلة إلى حدود أذربيجان لم تكن الوجهة الأصلية - وقد عارضتها وحدة الأمن بشدة. وقال إنه تم تقديم خطاب رسمي يعترض على الزيارة. رفض الجيش هذه التعليقات ووصفها بأنها محاولة "لزرع الشك"، لكن هذه الرواية اكتسبت زخماً، لا سيما في ظل التوترات الإقليمية واجتماع رئيسي مع الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، قبل وقت قصير من الحادث. شائعات التصفية السياسية ألمح سياسيون متشددون علناً إلى أن رئيسي ربما يكون قد قُتل عمداً. ادعى عضو البرلمان، حامد رسايي، أنه "أقُصي" لإزالة عقبة داخلية أمام التطورات الإقليمية. وذهب نائب آخر، وهو كامران غضنفري، إلى أبعد من ذلك، مدعياً وجود عملية مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل وأذربيجان أسفرت عن مقتله - دون تقديم أدلة. تتزامن هذه الادعاءات مع أحداث إقليمية، بما في ذلك مقتل قادة من حركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني على يد إسرائيل. وقد نفى المسؤولون الإسرائيليون أي تورط في الحادث. في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع تظهر امرأة، عُرِّفت بأنها والدة رئيسي، في حالة من الضيق الشديد، وهي تقول: "أياً كان من قتلك، أرجو من الله أن يُقتل". لم يتسن التحقق من صحة الفيديو بشكل مستقل، ولكنه انتشر على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي. غموض حول موقع التحطم كانت التقارير الإعلامية الإيرانية الأولية متناقضة. قال البعض إن رئيسي واصل رحلته براً، ووصف آخرون الحادث بأنه "هبوط اضطراري". وسرعان ما تحول السرد إلى حادث تحطم مميت، وبدأت حملة وطنية للدعاء. كان رئيسي على متن إحدى ثلاث طائرات هليكوبتر تحلّق في دوائر. أدلى المسؤولون بتصريحات متضاربة حول ترتيبات الموكب. استغرق تحديد موقع الحطام أكثر من 16 ساعة، على الرغم من مزاعم بأن أحد الركاب رد على اتصال عبر هاتف محمول بعد الحادث. أعلنت تركيا أن إحدى طائراتها المسيرة حددت الموقع، لكن بي بي سي الخدمة الفارسية وجدت أن الإحداثيات التي تمت مشاركتها غير دقيقة. بدلاً من ذلك، كانت مجموعة من سائقي الدراجات النارية عبر الطرق الوعرة أول من وصل إلى الموقع، وهي حقيقة لم تعترف بها وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية. جثث محترقة، وأمتعة غير محترقة أظهرت الصور المنشورة جثثاً متفحمة، إلا أن بعض المتعلقات والأمتعة بدت سليمة نسبياً. زعم أحد المشاركين في التأبين، وهو مؤيد للحكومة، أن جثمان رئيسي كان محترقاً بشدة لدرجة أنه تم إجراء "التيمم" للكفن، بدلاً من الغسل التقليدي. وبحسب ما ورد، لم يُسمح لزوجة الرئيس ووالدته برؤية الجثمان. صرح بعض المسؤولين لاحقاً بأنه لم يتم العثور على أجزاء من جثمان رئيسي، ما زاد من شكوك الرأي العام. إرث من انعدام الثقة لا يمكن فصل الشكوك المحيطة بوفاة رئيسي عن تاريخ إيران الطويل من السرية. من إسقاط طائرة أوكرانية عام 2020، إلى وفاة الشابة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى الشرطة، إلى عقود سابقة من الاغتيالات السياسية، شهد الإيرانيون مراراً وتكراراً روايات رسمية لم تحل ألغاز تلك الأحداث. حتى لو كان حادث التحطم عرضياً بحتاً، فإن سجل الدولة أدى إلى عدم تصديق رواية الأجهزة الأمنية من قِبل مواطنيها. صعود رئيسي وأفوله السياسي كان رئيسي، رجل الدين ورئيس السلطة القضائية السابق، يُنظر إليه في السابق على أنه "خليفة محتمل" للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. بدعم من النخبة المحافظة في إيران، انتُخب عام 2021، مع وعوده بالإصلاح الاقتصادي والاستقرار السياسي. لكن رئاسته واجهت صعوبات. ارتفع التضخم بشكل حاد، وتعثرت دبلوماسيته الدولية، وأدت الاحتجاجات التي أعقبت وفاة الشابة مهسا أميني إلى إضعاف إدارته بشكل أكبر. ووصف محللون من مختلف الأطياف السياسية حكومته بأنها غير فعالة. بحلول عام 2024، كان مستقبل رئيسي السياسي غامضاً. لقد أنهى موته فجأةً مشروعاً سعى إلى بناء جيل جديد من القيادة "الشبابية والثورية". نهاية مفتوحة على الرغم من جهود الدولة لتصوير رئيسي على أنه "شهيد"، إلا أن ظروف وفاته زادت من سخرية الرأي العام. وبعد مرور عام على الحادث، لا تزال فكرة أن الرئيس الإيراني اختفى في سحابة، بالنسبة لكثير من الإيرانيين، غير معقولة لدرجة يصعب تقبلها.


BBC عربية
منذ 5 أيام
- BBC عربية
وثائق قضائية تكشف استعانة إيران بعصابات إجرامية لتنفيذ اغتيالات في الخارج
كثّف النظام الإيراني في السنوات الأخيرة من محاولاته لاختطاف أو اغتيال معارضين وصحفيين وخصوم سياسيين خارج البلاد، بحسب تقارير لوكالات استخبارات غربية، تشير إلى تصاعد حاد في هذه الأنشطة. وتصاعدت هذه المحاولات بشكل كبير منذ عام 2022، وكان من بين الأهداف المفترضة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفي المملكة المتحدة، تحقق الشرطة مع عدد من الإيرانيين الذين اعتُقلوا في وقت سابق من هذا الشهر، بشبهة التخطيط لهجوم إرهابي، وتفهم بي بي سي أن الهدف المحتمل كان السفارة الإسرائيلية في لندن. كما تتضمن وثائق قضائية من تركيا والولايات المتحدة - اطلعت عليها وحدتا "بي بي سي آي تحقيقات" و"بي بي سي الفارسية" - أدلة على أن إيران استعانت بعصابات إجرامية لتنفيذ عمليات قتل على أراض أجنبية، وهي اتهامات سبق للنظام الإيراني أن نفى صحتها، ولم يرد المسؤولون الإيرانيون على طلب جديد للتعليق. واسم واحد تكرر ظهوره مراراً في تلك الوثائق: ناجي شريفي زندشتي، وهو زعيم عصابة إيرانية معروف بتهريب المخدرات عبر الحدود الدولية. وقد ورد اسمه في لائحة اتهام تركية على صلة بعملية اغتيال وقعت عام 2017 في إسطنبول، راح ضحيتَها سعيد كريميان، رئيس شبكة تلفزيونية فارسية كانت تبث أفلاماً وبرامج غربية إلى داخل إيران. واعتبرت السلطات الإيرانية أن سعيد كريميان يمثل تهديداً للقيم الإسلامية، وبعد ثلاثة أشهر من اغتياله، كانت محكمة الثورة الإسلامية في طهران قد حكمت عليه غيابياً بالسجن ست سنوات. ورأى مسؤولون أمريكيون وأتراك أن مقتله مرتبط بصراع بين عصابات المافيا. لكن في عام 2019، حين اغتيل مسعود مولوي، المنشق عن الحرس الثوري الإيراني، في إسطنبول، ألقى ذلك الضوء على الدور المزعوم لزندشتي في اغتيال كريميان. كان مولوي قد بدأ في كشف ملفات فساد على أعلى مستويات القيادة الإيرانية، واكتشفت الشرطة التركية أن بستاني زندشتي كان حاضراً في موقع اغتيال مولوي، وأن سائقه كان موجوداً في موقع مقتل كريميان. واشتبهت الشرطة في أن البستاني والسائق أُرسلا من قبل زندشتي. وقد اعتُقل زندشتي على خلفية مقتل كريميان، لكن أُفرج عنه بعد ستة أشهر فقط، في خطوة أثارت جدلاً قانونياً واسعاً في تركيا، وأصدر قاضٍ في محكمة عليا أمراً بإعادة اعتقاله، لكنه كان قد غادر البلاد بالفعل. ثم فرّ إلى إيران، ما أثار شبهة بأنه ربما كان يعمل لصالح الاستخبارات الإيرانية منذ البداية. ويقول جنكيز إردينتش، وهو صحفي استقصائي تركي، إنه عندما يُقتل أشخاص مغضوب عليهم من قبل النظام الإيراني، يكون رجال زندشتي في موقع الجريمة، ويضيف: "ليست هذه هي المرة الأولى، فهناك دائماً علاقة بين الجريمة المنظمة وأجهزة الاستخبارات". وقبل أكثر من ثلاثة عقود، أُدين زندشتي في إيران بتهريب المخدرات وصدر بحقه حكم بالإعدام، لكن شائعات أشارت إلى أن هروبه من السجن - الذي قاده إلى تركيا - ربما كان مخططاً له من قبل الاستخبارات الإيرانية. "إذا تمكّن شخص محكوم بالإعدام في إيران من الفرار بعد قتله حارساً، فمن غير المرجح أن ينجو بحياته، إلا إذا كان هناك ما هو أبعد من ذلك"، وفق شهادة شخص مقرّب من زندشتي، حجبت بي بي سي هويته حفاظاً على سلامته. ويضيف: "الطريقة الوحيدة المعقولة التي تمكّنه من العودة والعيش بحرية، هي أن يكون قد عمل لصالح أجهزة الاستخبارات الإيرانية، بحيث يبدو هروبه جزءاً من قصة غطاء مخططة لأداء مهام استخباراتية مع الأجهزة الأمنية والحرس الثوري". في عام 2020، ورد اسم زندشتي مجدداً في لائحة اتهام تركية تتعلق باختطاف حبيب شعب، المعارض الإيراني الذي جرى استدراجه إلى إسطنبول، ثم اختُطف، وظهر لاحقاً على التلفزيون الرسمي الإيراني. وقد صدر حكم بالإعدام على شعب وتم تنفيذه، وأُلقي القبض على ابن شقيقة زندشتي في تركيا على صلة باختفائه، فيما نفى زندشتي أي دور له في القضية. ثم في عام 2021، ذُكر اسم زندشتي في مخطط داخل الولايات المتحدة ووفقاً لوثائق محكمة في ولاية مينيسوتا، تم توثيق اتصالات بين زندشتي وكندي على صلة مباشرة بعضو في عصابة "ملائكة الجحيم" الإجرامية. وزُعم أن زندشتي عرض 370 ألف دولار مقابل اغتيال اثنين من المنشقين الإيرانيين في ولاية ماريلاند، وقد تدخّل مكتب التحقيقات الفيدرالي واعتقل رجلين قبل تنفيذ العملية. كشفت تحقيقاتنا في وثائق المحاكم أيضاً أن الحرس الثوري الإيراني، ولا سيما "فيلق القدس" المسؤول عن العمليات الخارجية، كان يتعاون مع منظمات إجرامية مثل عصابة "لصوص الشرف" - وهي شبكة إجرامية دولية معروفة تنشط في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق - لتنفيذ عمليات اختطاف واغتيال. وتقول مصادر استخباراتية أمريكية وإسرائيلية إن وحدة 840 التابعة لفيلق القدس مسؤولة بشكل رئيسي عن التخطيط لإنشاء بنى تحتية لعمليات إرهابية خارج إيران. وفي مارس/آذار، أدانت هيئة محلفين في نيويورك رجلين على صلة بعصابة "لصوص الشرف" بتهمة التخطيط لاغتيال الناشطة الإيرانية-الأميركية مسيح علي نجاد، ويُزعم أن عملاء إيرانيين عرضوا 500 ألف دولار مقابل قتلها، وقبل ذلك بعامين، أُلقي القبض على رجل يحمل سلاحاً محشواً بالقرب من منزلها في بروكلين. وبعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني، القائد البارز في الحرس الثوري، على يد الولايات المتحدة، توعّدت إيران بالانتقام، ومنذ ذلك الحين، تقول واشنطن إن طهران تخطط لاغتيال مسؤولين سابقين في إدارة ترامب ممن شاركوا في عملية الاغتيال، من بينهم مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، ومايك بومبيو، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية ووزير الخارجية. وخلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام الماضي، اتّهم الادعاء إيران بالتخطيط لاغتيال دونالد ترامب، وهو ما نفته طهران بشدة. ورداً على تصاعد هذه التهديدات، فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عقوبات على شخصيات مرتبطة بعمليات الاستخبارات الإيرانية، من بينهم زندشتي، وعدد من الدبلوماسيين الإيرانيين، وأعضاء في الحرس الثوري. وينفي زندشتي بشدة أن يكون قد عمل مع أجهزة الاستخبارات الإيرانية. وفي عام 2024، قال كين ماكالوم، مدير جهاز الاستخبارات الداخلية البريطانية، إن هناك 20 تهديداً موثوقاً به استهدف أشخاصاً داخل المملكة المتحدة على صلة بإيران. وفي إحدى الحوادث غرب لندن، اعتُقل رجل شيشاني بالقرب من قناة "إيران إنترناشيونال"، وهي محطة تلفزيونية ناطقة بالفارسية في لندن، وقد أُدين بتهمة جمع معلومات لصالح عملاء إيرانيين. وفي العام الماضي، تعرّض بوريا زيراتي، المذيع المقيم في لندن ويعمل لدى "إيران إنترناشيونال"، لهجوم بسكين، وبعد فترة قصيرة، اعتُقل رجلان في رومانيا بطلب من شرطة مكافحة الإرهاب البريطانية. وقالت مصادر في الأجهزة الأمنية البريطانية لبي بي سي إن الرجلين ينتميان إلى عصابة "لصوص الشرف"، ويُشتبه في أنهما استُأجرا من قبل عملاء إيرانيين. وكانت سيما ثابت، المذيعة في "إيران إنترناشيونال"، من بين المستهدفين، لكن محاولة تفجير سيارتها باءت بالفشل. وتقول سيما، التي اطلعت على ملف القضية لدى الشرطة: "عندما أدركوا أنهم لا يستطيعون زرع قنبلة في سيارتي، طلب العملاء من الرجل تنفيذ المهمة بطريقة هادئة". وتتابع: "سألهم: ماذا تقصدون بالهدوء؟ فأجابوا: أن يكون صامتاً، مثل طعنة بسكين في المطبخ". وبعد اغتيال أربعة من القادة الأكراد الإيرانيين على يد مسلحين ملثمين داخل مطعم في برلين عام 1992، حمّل المدّعون الألمان القيادة الإيرانية بأكملها مسؤولية العملية، وقد نُفذ الهجوم من قبل عملاء إيرانيين وعناصر من حركة حزب الله. وصدرت مذكرة توقيف دولية بحق وزير الاستخبارات الإيراني، فيما أعلنت المحكمة أن عملية الاغتيال نُفذت بعلم المرشد الأعلى لإيران ورئيس الجمهورية. ولجأ النظام الإيراني إلى استخدام منظمات إجرامية لتنفيذ عمليات خطف واغتيال، في محاولة لعدم ربط هذه الهجمات به بشكل مباشر. لكن مات جوكس، رئيس وحدة مكافحة الإرهاب في الشرطة البريطانية، يقول إن اختراق هذه الجماعات الإجرامية يبقى سهلاً نسبياً، لأنها لا تحمل ولاءً أيديولوجياً للنظام الإيراني. وهذا ما يسميه "الاختراق الزاحف" من قبل إيران، والذي تحاول الشرطة تعطيله.


BBC عربية
منذ 7 أيام
- BBC عربية
ترامب يرفع العقوبات عن سوريا، ويمد غصن الزيتون إلى إيران
أثارت التطورات المتلاحقة في الشرق الأوسط أثناء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لدول خليجية وعقد قمة أمريكية خليجية، اهتمام المحللين والخبراء والصحف العالمية، ليس فقط لطبيعة الوفد الأمريكي الذي يضم غالبية من رجال الأعمال، ولا حجم الاستثمارات الخليجية التي سيحصل عليها ترامب، ولكن أيضا لتأثير القرارات التي يتخذها ترامب على المنطقة بأسرها. ونشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تقريراً مطولاً لمجموعة من المراسلين حول الزيارة ونتائجها، خاصة على سوريا وإيران، بعنوان "ترامب يرفع العقوبات عن سوريا، ويمد غصن الزيتون لإيران". وجاء في التقرير أن ترامب أعلن من السعودية، يوم الثلاثاء، عن خطط لرفع العقوبات المفروضة على الحكومة السورية، وشدد على استعداده للتفاوض مع إيران، مما يُشير إلى إعادة ترتيب للسياسة الخارجية الأمريكية، وأنه لا يوجد فيها "أعداء دائمين". وأضاف التقرير أن خطاب ترامب في الرياض قدم "رؤية شاملة وإن كانت متناقضة" في بعض الأحيان، لدور القوة العسكرية الأمريكية في العالم. فقد أعلن معارضته للتدخلات الأمريكية السابقة في الشرق الأوسط، ولكنه أعرب أيضاً عن استعداده لاستخدام القوة للدفاع عن الولايات المتحدة وحلفائها. وأعلن ترامب هذه التصريحات في إطار سعيه "للحصول على أموال من هذه المنطقة الغنية بالنفط للاقتصاد الأمريكي"، وهو ما ظهر من اللحظة الأولى لنزوله من طائرة الرئاسة الأمريكية وهو يلوح بقبضته، ويحيي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بحرارة، وبدا أنه "يركز" على تأمين مجموعة من الصفقات لعمالقة التكنولوجيا ورجال الأعمال الذين اصطحبهم معه. وعلقت الصحيفة على حديث ترامب عن التحديات الأمنية التي تُعاني منها منطقة الشرق الأوسط، ورغبته في أن يكون للولايات المتحدة دورٌ في معالجتها، وإعلانه أنه لن يسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي. لكنه كان قد صرح من قبل باستعداده التوصل إلى اتفاق، وحثّ طهران على قبول عرضه. وعن أسباب رفع العقوبات عن سوريا، أوضحت الصحيفة أن ثمة منتقدين داخل الولايات المتحدة وخارجها قالوا إن الإبقاء على العقوبات لفترة طويلة جداً قد يؤدي إلى نفور القادة الجدد الذين قد يكونون منفتحين على التعاون مع واشنطن، وقد يزيد من اعتماد سوريا على داعمين آخرين، بما في ذلك تركيا. ومن التناقض أيضا، كما تقول الصحيفة، أن ترامب طالما قال إن حلفاء الولايات المتحدة يستغلون مظلتها العسكرية دون أن يقدموا الكثير في المقابل، ولكنه في السعودية تعهد بأنه لن يتردد أبداً "في استخدام القوة الأمريكية إذا كان ذلك ضرورياً للدفاع عن الولايات المتحدة، أو للمساعدة في الدفاع عن حلفائنا، و لن نرحم أي عدو يحاول إيذاءنا أو إيذاءهم". واعتبرت الصحيفة أن تصريحات ترامب، ورفع العقوبات عن سوريا والانفتاح على إيران، كانت تمثل "صفعة" لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كان "يشعر بالألم" بالفعل من قرار ترامب عدم زيارة إسرائيل، رغم وجوده في المنطقة. وقالت الصحيفة إن الزيارة تمثل "عرضاً رائعاً للوحدة بين القادة السعوديين والأمريكيين"، وقد مرت ثماني سنوات منذ أن زار ترامب المملكة لأول مرة كرئيس للولايات المتحدة، وخلال تلك الفترة، صمدت علاقته الشخصية بولي العهد السعودي أمام تحديات كبيرة. "المصالح الخاصة الهائلة" وأبرزت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية زيارة ترامب ونتائجها والمكاسب التي سيحققها شخصيا من هذه الزيارة، في مقال بعنوان "المصالح الخاصة الهائلة لدونالد ترامب"، للكاتب إدوارد لوس. وقال الكاتب إن قطر لم تجد أفضل من طائرة جامبو بقيمة 400 مليون دولار لتهديها لترامب، بعد أن كان قد أعرب عن "حنين" لهذه الطائرة، وتفقدها في مطار بالم بيتش بعد أسابيع من عودته للرئاسة. لكن الكاتب يرى أن امتنان ترامب "لن يستمر طويلاً"، وضرب مثلاً بما حدث مع مارك زوكربيرغ، مؤسس شركة ميتا مالكة فيسبوك، والذي دفع مليون دولار لحفل تنصيب ترامب و25 مليون دولار لتسوية دعوى تشهير ضده، لكن هذه الأموال لم تنقذه من دفع غرامات مالية كبيرة. ومع هذا، يشير الكاتب إلى أنه لا يمكن لأحد أن يقول "لا" لترامب. وتحدث عن القوانين الأمريكية المتعلقة بالأخلاقيات الخاصة بتضارب المصالح، وقال: "أصبحت قواعد الأخلاقيات الفيدرالية الآن مجرد قواعد شكلية"، وستكون مفاجأة للمسؤولين السابقين الذين طُلب منهم الإفصاح عن هدايا بمئات من الدولارات، عندما يعلمون أن المحامين الذين يعملون لصالح ترامب اعتبروا أن هدية بقيمة 400 مليون دولار لا تُخالف بند المكافآت في الدستور الأمريكي. وينطبق الأمر نفسه على عملة "ميمكوين" ($Trump) التي أصدرها ترامب قبل أيام قليلة من أدائه اليمين الدستورية، حيث سيحضر أكبر 220 مستثمراً في عملة ترامب عشاءً خاصاً معه الأسبوع المقبل. وقال الكاتب ساخراً "يبدو أن هذا أيضاً مُطابق للمواصفات القانونية". وأشار الكاتب إلى الأموال التي دفعها صندوق استثماري في أبوظبي، وبلغت ملياري دولار عبر شركة العملات المشفرة "وورلد ليبرتي فاينانشال" المملوكة لعائلة ترامب بأغلبية أسهمها، وفي المقابل رفع ترامب قيود بايدن على صادرات أشباه الموصلات إلى مجموعة من الدول، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة. كما وعدت الإمارات باستثمار 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة على مدى العقد المقبل. وختم الكاتب المقال بالقول إنه من الصعب "التوفيق بين هذه الصفقات، وبين وعد ترامب بأن تكون أمريكا أولاً". فطائرة قطر المجانية ستؤثر على شركة بوينغ، المتعاقدة على إعادة إمداد أسطول طائرات الرئاسة الأمريكية، وهناك شكوك حول أن أجندة الرئيس الأمريكي الحقيقية هي "ترامب أولاً"، كما تقول الصحيفة. "ترامب المسكين" وطائرة قطر أما صحيفة الغارديان البريطانية فنشرت مقالاً عن الهدايا التي تلقاها ترامب، وجاء بعنوان ساخر: "ترامب المسكين: لا يمكنك حتى قبول طائرة فاخرة من قطر دون أن تُتهم بالفساد هذه الأيام"، للكاتبة مارينا هايد. ووصفت الكاتبة ترامب بأنه "الإمبراطور" الذي سيكون "أحمقاً" لو لم يقبل هذه الطائرة، وبعد انتهاء "إمبراطورية ترامب الثانية"، ستُنقل الطائرة إلى مكتبة ترامب الرئاسية وتصبح ملكاً خاصاً له. ومع هذا يصف ترامب هذه الصفقة مع حكومة أجنبية بأنها "شفافة للغاية"، وقالت الكاتبة ساخرةً إنها تعتقد أنه "ربما نتفق" حول ذلك، لكن أكثر ما يُثير الغموض في الأمر هو فكرة أن ترامب يخطط أصلاً لإنشاء مكتبة رئاسية. وأضافت أن الطائرة الجامبو الفاخرة ليست أجمل هدية لترامب خلال الشهر الماضي، فهناك في المركز الأول اللوحة التي أرسلها فلاديمير بوتين إلى الرئيس ترامب، والتي كشف فنانها الروسي مؤخراً أن بوتين أخبره شخصياً أنها خطوة حيوية في إصلاح علاقة روسيا بالولايات المتحدة، وكان هناك "قلق" من قبول ترامب لوحة فنية ثمينة من بوتين. وأشارت الكاتبة إلى أنه يصعب عدم الاعتقاد بأن ترامب "لا يُستغل" من جانب من يمنحونه الهدايا. وأضافت الكاتبة أن ذلك يزيد الغضب من سلوك ترامب، لأن أكبر هدية حصل عليها كانت الفوز برئاسة "أعظم قوة في القرن الحادي والعشرين"، مضيفة أن ذلك يأتي في ظل "انعدام الشعور بالخجل تماماً"، كما تقول الكاتبة.