logo
قنصل الصين بالإسكندرية: علاقاتنا مع مصر نموذج حي لتكامل الحضارات- صور

قنصل الصين بالإسكندرية: علاقاتنا مع مصر نموذج حي لتكامل الحضارات- صور

مصراويمنذ يوم واحد
الإسكندرية – محمد البدري:
أكد القنصل العام لجمهورية الصين الشعبية في الإسكندرية، يانغ يي، على متانة الروابط الثقافية والتاريخية بين مصر والصين، مشيرًا إلى أن التبادل الحضاري بين البلدين "يعبر البحار والصحارى ويضيء دروب المستقبل"، على حد تعبيره.
جاء ذلك خلال ندوة نظمتها مكتبة الإسكندرية بعنوان تاريخ الصين والاستعراب الصيني حتى العصر الحديث، اليوم الأحد، ضمن فعاليات معرض المكتبة الدولي للكتاب، بمشاركة الدكتورة سحر سالم أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، وأدار الندوة الدكتور محمد الجمل مدير مركز دراسات الحضارة الإسلامية بمكتبة الإسكندرية
وأوضح "يانغ يي" أن العلاقات بين الحضارتين المصرية والصينية تضرب بجذورها في التاريخ، وتجلّت عبر طرق الحرير البرية والبحرية، التي أسهمت في تبادل المعرفة الدينية والعلمية والسياسية والاقتصادية، ضمن إطار من الاحترام والتكافؤ.
وأعرب القنصل الصيني عن سعادته بالتواجد في مكتبة الإسكندرية، واصفًا إياها بأنها "صرح ثقافي يحمل مكانة خاصة في الوجدان الصيني"، مشيدًا بجهودها في تعزيز التواصل الثقافي بين الشعوب. كما أثنى على دراسة قدمتها الباحثة المصرية الدكتورة سحر، تناولت التفاعل بين أسرة تانغ الصينية والدولة الطولونية في مصر، مؤكّدًا أنها تسلط الضوء على عمق العلاقات الممتدة عبر قرون.
وسلّط يانغ يي الضوء على أبرز محطات التواصل الحضاري، من بينها رحلات العلماء المسلمين الصينيين إلى مصر، مثل "ما ده شين"، الذي وثّق مشاهداته في القاهرة ومكة المكرمة وإسطنبول، وكذلك تجربة الفقيه الصيني "ما جيان"، الذي درس بالأزهر الشريف وأسهم في حركة الترجمة المتبادلة بين الأدب الإسلامي والكونفوشيوسي.
وفي سياق الحديث عن المساندة السياسية المتبادلة، أشار القنصل إلى دعم الصين ومصر لبعضهما في مقاومة الاستعمار خلال القرن العشرين، مستشهدًا باهتمام المثقفين الصينيين بالتجربة المصرية ضد الاحتلال البريطاني، إضافة إلى دعم المسلمين والعرب للصين في مواجهة الغزو الياباني إبان الحرب العالمية الثانية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، استعرض يانغ تجربة التبادل التجاري بين البلدين بعيدًا عن المركزية الغربية، ومن ذلك تصدير الصين لفول الصويا إلى مصر في القرن التاسع عشر لمكافحة الآفات الزراعية، وتكامل الصناعات اليدوية بين الجانبين في مجالات متنوعة بينها التبغ والسجائر.
كما أشار القنصل إلى رمزية بعض الموروثات الثقافية المشتركة بين الحضارتين، مثل تشابه المسلات المصرية والأواني اليشمية الصينية، والتي تعكس – بحسب وصفه – رؤية مشتركة لعلاقة الإنسان بالكون.
وشدّد يانغ يي على أن العلاقات المصرية الصينية، تاريخيًا ومعاصرًا، تمثل نموذجًا حيًا لتكامل الحضارات بعيدًا عن الهيمنة، مؤكدًا أن هذا الإرث الثقافي يُعدّ أساسًا لبناء "مجتمع المستقبل المشترك الصيني-المصري" القادر على مواجهة تحديات العالم المتغير، ومشيرًا إلى استمرار دعم بلاده لمبادرات التبادل الثقافي، لاسيما من خلال منصات الفكر والحوار مثل مكتبة الإسكندرية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قنصل الصين بالإسكندرية: علاقاتنا مع مصر نموذج حي لتكامل الحضارات- صور
قنصل الصين بالإسكندرية: علاقاتنا مع مصر نموذج حي لتكامل الحضارات- صور

مصراوي

timeمنذ يوم واحد

  • مصراوي

قنصل الصين بالإسكندرية: علاقاتنا مع مصر نموذج حي لتكامل الحضارات- صور

الإسكندرية – محمد البدري: أكد القنصل العام لجمهورية الصين الشعبية في الإسكندرية، يانغ يي، على متانة الروابط الثقافية والتاريخية بين مصر والصين، مشيرًا إلى أن التبادل الحضاري بين البلدين "يعبر البحار والصحارى ويضيء دروب المستقبل"، على حد تعبيره. جاء ذلك خلال ندوة نظمتها مكتبة الإسكندرية بعنوان تاريخ الصين والاستعراب الصيني حتى العصر الحديث، اليوم الأحد، ضمن فعاليات معرض المكتبة الدولي للكتاب، بمشاركة الدكتورة سحر سالم أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، وأدار الندوة الدكتور محمد الجمل مدير مركز دراسات الحضارة الإسلامية بمكتبة الإسكندرية وأوضح "يانغ يي" أن العلاقات بين الحضارتين المصرية والصينية تضرب بجذورها في التاريخ، وتجلّت عبر طرق الحرير البرية والبحرية، التي أسهمت في تبادل المعرفة الدينية والعلمية والسياسية والاقتصادية، ضمن إطار من الاحترام والتكافؤ. وأعرب القنصل الصيني عن سعادته بالتواجد في مكتبة الإسكندرية، واصفًا إياها بأنها "صرح ثقافي يحمل مكانة خاصة في الوجدان الصيني"، مشيدًا بجهودها في تعزيز التواصل الثقافي بين الشعوب. كما أثنى على دراسة قدمتها الباحثة المصرية الدكتورة سحر، تناولت التفاعل بين أسرة تانغ الصينية والدولة الطولونية في مصر، مؤكّدًا أنها تسلط الضوء على عمق العلاقات الممتدة عبر قرون. وسلّط يانغ يي الضوء على أبرز محطات التواصل الحضاري، من بينها رحلات العلماء المسلمين الصينيين إلى مصر، مثل "ما ده شين"، الذي وثّق مشاهداته في القاهرة ومكة المكرمة وإسطنبول، وكذلك تجربة الفقيه الصيني "ما جيان"، الذي درس بالأزهر الشريف وأسهم في حركة الترجمة المتبادلة بين الأدب الإسلامي والكونفوشيوسي. وفي سياق الحديث عن المساندة السياسية المتبادلة، أشار القنصل إلى دعم الصين ومصر لبعضهما في مقاومة الاستعمار خلال القرن العشرين، مستشهدًا باهتمام المثقفين الصينيين بالتجربة المصرية ضد الاحتلال البريطاني، إضافة إلى دعم المسلمين والعرب للصين في مواجهة الغزو الياباني إبان الحرب العالمية الثانية. وعلى الصعيد الاقتصادي، استعرض يانغ تجربة التبادل التجاري بين البلدين بعيدًا عن المركزية الغربية، ومن ذلك تصدير الصين لفول الصويا إلى مصر في القرن التاسع عشر لمكافحة الآفات الزراعية، وتكامل الصناعات اليدوية بين الجانبين في مجالات متنوعة بينها التبغ والسجائر. كما أشار القنصل إلى رمزية بعض الموروثات الثقافية المشتركة بين الحضارتين، مثل تشابه المسلات المصرية والأواني اليشمية الصينية، والتي تعكس – بحسب وصفه – رؤية مشتركة لعلاقة الإنسان بالكون. وشدّد يانغ يي على أن العلاقات المصرية الصينية، تاريخيًا ومعاصرًا، تمثل نموذجًا حيًا لتكامل الحضارات بعيدًا عن الهيمنة، مؤكدًا أن هذا الإرث الثقافي يُعدّ أساسًا لبناء "مجتمع المستقبل المشترك الصيني-المصري" القادر على مواجهة تحديات العالم المتغير، ومشيرًا إلى استمرار دعم بلاده لمبادرات التبادل الثقافي، لاسيما من خلال منصات الفكر والحوار مثل مكتبة الإسكندرية.

ندوة بمكتبة الإسكندرية تسلط الضوء على مسار العائلة المقدسة في مصر (صور)
ندوة بمكتبة الإسكندرية تسلط الضوء على مسار العائلة المقدسة في مصر (صور)

مصراوي

timeمنذ 5 أيام

  • مصراوي

ندوة بمكتبة الإسكندرية تسلط الضوء على مسار العائلة المقدسة في مصر (صور)

الإسكندرية - محمد البدري ومحمد عامر: نظّمت مكتبة الإسكندرية ندوة ثقافية بعنوان "مصادر رحلة العائلة المقدسة"، اليوم الأربعاء، وذلك ضمن البرنامج الثقافي للدورة العشرين لمعرض المكتبة الدولي للكتاب، بحضور عدد من المتخصصين والمهتمين بالشأنين الثقافي والديني. جاء ذلك بحضور الكاتب الصحفي الدكتور أحمد إبراهيم الشريف، رئيس القسم الثقافي بجريدة اليوم السابع ومؤلف كتاب "رحلة الخير – العائلة المقدسة في مصر"؛ والدكتورة مونيكا ميمي، أستاذة الترجمة بكلية الألسن جامعة عين شمس، ومترجمة النسخة الفرنسية من الكتاب؛ بالإضافة إلى الدكتورة ميرى مجدي، أستاذ الدراسات القبطية بقسم الإرشاد السياحي بجامعة الإسكندرية. وقدّمت الندوة النائبة منى عمر، عضو مجلس النواب. وأكدت النائبة منى عمر خلال كلمتها أن الكتاب يُعد مشروعًا قوميًّا توثيقيًّا صادرًا عن المركز القومي للترجمة بوزارة الثقافة، ويتوافر بثلاث لغات: العربية والإنجليزية والفرنسية. وأضافت أن مصر، بمسار العائلة المقدسة، تمتلك أحد أبرز ركائز السياحة الدينية، مشيرة إلى أن استقبال الحج المسيحي يفتح آفاقًا اقتصادية ويعزز رسالتها التاريخية كموطن آمن لجميع الأديان. ومن جانبها، استعرضت الدكتورة ميرى مجدي جهود الدولة في تطوير 25 نقطة من نقاط المسار، عبر ثماني محافظات، تشمل محطات تاريخية وروحية مرّت بها العائلة المقدسة خلال رحلتها داخل مصر. وبيّنت أن الرحلة تبدأ من مدينة رفح شمال سيناء، مرورًا بعدة مواقع منها الفرما، وتل بسطا، وبلبيس، ووادي النطرون، والمطرية، ومصر القديمة، وصولًا إلى صعيد مصر، حيث استقرت العائلة في دير السيدة العذراء بجبل قسقام بأسيوط، الذي يُعد أقدس محطات المسار. كما تطرقت إلى أبرز المصادر القبطية التي وثّقت هذه الرحلة، ومنها الميامر وسير القديسين والمخطوطات والآثار المحلية التي توضح التفاصيل بدقة. فيما أشار الكاتب أحمد إبراهيم الشريف إلى أن الكتاب تخطّى الإطار التوثيقي نحو تقديم سرد إنساني درامي يبرز حفاوة المصريين بالعائلة المقدسة، معتبرًا أن هذه الرحلة تجسّد القيم الإنسانية المتأصلة في وجدان الشعب المصري. وأضاف الشريف أن اختيار موضوع الكتاب جاء ضمن توجه ثقافي يهدف إلى نقل المضمون المصري إلى العالم من خلال الترجمة العكسية، في محاولة لإبراز خصوصية مصر وأهميتها على الساحة الدولية. ووصفت الدكتورة مونيكا ميمي، تجربتها في ترجمة الكتاب إلى الفرنسية بأنها رحلة روحية وفكرية، مشددة على أن الترجمة تجاوزت النقل اللغوي لتُعيد تشكيل المعاني بما يتناسب مع وجدان القارئ الغربي، وهو ما يسهم في دعم السياحة الدينية. يُذكر أن فعاليات الدورة العشرين لمعرض مكتبة الإسكندرية الدولي للكتاب تتواصل حتى 21 يوليو الجاري، بتنظيم مشترك مع الهيئة المصرية العامة للكتاب واتحادي الناشرين المصريين والعرب، وتُقام في مقر المكتبة بكورنيش الإسكندرية، إلى جانب فعاليات متزامنة في "بيت السناري" بالقاهرة و"قصر خديجة" بحلوان. ويشارك في المعرض 79 دار نشر مصرية وعربية، وتُقدم 215 فعالية ثقافية متنوعة بمشاركة نحو 800 مفكر ومبدع ومتخصص في مجالات الفكر والأدب والعلوم الإنسانية والتطبيقية.

هل تصمَم المنتجات كي لا تدوم طويلاً؟
هل تصمَم المنتجات كي لا تدوم طويلاً؟

إيجيبت 14

timeمنذ 6 أيام

  • إيجيبت 14

هل تصمَم المنتجات كي لا تدوم طويلاً؟

صمتت سماعتا الأذن للأبد رغم أنه لم يمر على شرائي لهما سوى سنة واحدة، وباءت كل محاولات إصلاحهما بالفشل. أداء هاتفي المحمول بدأ يضعف، وأصبح يحتاج إلى الشحن على فترات متقاربة، الثلاجة ذات العامين توقفت عن العمل وتكلف إصلاحها من قبل الفني التابع للوكيل 'المعتمد' مبلغاً كبيراً، فضلاً عن انتظار طال أسبوعين للحصول على قطعة الغيار اللازمة وسط موجة حر شديد تمر بها البلاد. سوء حظ؟ كنت في زيارة إلى والدتي مؤخراً، ولفت انتباهي ماكينة الخياطة التي اشترتها قبل أكثر من أربعة عقود، والتي لا تزال تعمل على أكمل وجه – ويحتاج حملها إلى قوة بدنية لا بأس بها. وها هي المروحة صفراء اللون لا تزال تلطف أجواء الصيف الحارة رغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً على اقتنائها. الثلاجة، وموقد الغاز وغيرهما، كلها لا تزال بحالة جيدة رغم قدم طُرُزها – بينما بلوغ أي من الأجهزة في منزلي عامه العاشر بات هو الاستثناء. فما الذي حدث؟ هل يعمد المصنعون إلى تصميم منتجات بحيث يكون عمرها قصيراً؟ ولماذا أصبح من الصعب إصلاح بعض الأجهزة؟ هل يمكن تفسير ذلك بالممارسة التي تعرف بـ 'التقادم المخطط له' (planned obsolescence)؟ وهل صرنا نسارع إلى تغيير ما نمتلكه من مقتنيات حتى وإن لم يكن بها عيب؟ وما تأثير ذلك على البيئة؟ مشكلة مصابيح الكهرباء في بداية القرن العشرين، واجه أعضاء اتحاد مصنّعي المصابيح الكهربائية الذي كان يعرف باسم 'اتحاد فيباس' Phoebus cartel مشكلة تتمثل في أن تلك المصابيح تدوم لفترات طويلة، فقرروا تقصير العمر الافتراضي لتلك المصابيح إلى متوسط 1000 ساعة من أجل زيادة المبيعات. الشركات التي كانت تخالف تلك 'المعايير' كان يتم تغريمها. ورغم أن بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939 أذنت بنهاية ذلك الاتحاد لأنها جعلت من المستحيل على أعضائه مواصلة التنسيق فيما بينهم، فإن ذلك لم يؤد إلى تغيير الطريقة التي باتت تصنع بها المصابيح التقليدية. يعتبر هذا مثالاً على تصميم منتجات قصيرة العمر عمداً، وهو ما يشير إليه مصطلح 'التقادم المخطط له' الذي تتحدث مصادر عديدة عن أن أول من استخدمه كان سمسار العقارات الأمريكي، برنارد لندن، ضمن ورقة بحثية عام 1932 بعنوان 'إنهاء الكساد من خلال التقادم المخطط له'. اقتراح لندن كان يهدف بالأساس إلى تحفيز الاقتصاد والقضاء على الكساد وخلق وظائف جديدة من خلال تشجيع الناس على شراء سلع ومنتجات جديدة تحل محل منتجاتهم القديمة، حيث كان يأسف لضعف الإقبال على السلع الجديدة 'لأن الناس يتمسكون بأشيائهم القديمة البالية ويحتفظون بها لفترة أطول مما ينبغي'. لكن الفكرة تطورت وأصبحت ممارسة يعمد إليها المصنعون لزيادة أرباحهم. ربما يبدو استبدال السلع والمنتجات طوال الوقت، وشراء أشياء غير ضرورية شيئاً عادياً في العصر الحالي، لكن الأمر لم يكن كذلك في الماضي. فقد كانت الخامات أعلى تكلفة، ويتطلب إنتاجها الكثير من الوقت والجهد، وكان يُعد التوفير وتجنب الهدر من الفضائل. انتشرت النزعة الاستهلاكية (consumerism) ومفهوم الاستهلاك على نطاق واسع (mass consumption) في الولايات المتحدة خلال عشرينيات القرن الماضي، وتعمقت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. فالمنتجات التي كانت في السابق متاحة لعدد محدود من الأشخاص نظراً لارتفاع أسعارها وندرتها باتت في متناول الطبقة المتوسطة. وشهد الاقتصاد الأمريكي نمواً بمعدل أسرع من معدل الزيادة السكانية، وأصبح المعروض من السلع أكثر من احتياجات السكان. ووجدت القيادات الاقتصادية أنفسها أمام خيارين: إما تخفيض الإنتاج أو زيادة الاستهلاك لتحفيز النمو الاقتصادي، فلجأت إلى الخيار الثاني. ابتكر خبير الإعلانات الشهير إرنست إلمو كالكينز مصطلح 'هندسة المستهلك' الذي يشير إلى وسائل التأثير على سلوك المستهلكين لخلق الطلب على السلع والبضائع وزيادة الاستهلاك، بما في ذلك ما وصفه بـ'التقادم المصطنع'. وها نحن نتعرض منذ عقود لوابل تلو الآخر من الإعلانات التي تشجعنا على اقتناء أحدث الطرز وآخر الصيحات، وتحاول إقناعنا بأن النسخة الجديدة من المنتج أفضل من النسخة السابقة، وهو ما يطبّع ثقافة الهدر والتخلص من الأشياء. زيادة المبيعات ومن ثم الأرباح ليست السبب الوحيد. أحياناً يكون السبب هو الرغبة في إنتاج بضائع خفيفة الوزن أو صغيرة الحجم على سبيل المثال، وهو ما قد يعني اختيار خامات تؤدي إلى متانة أقل وعمر أقصر. تقليل النفقات من خلال استخدام مكونات أقل جودة، أو التعهيد الخارجي (outsourcing)، قد يكون له دور كذلك. لكن هل تصمم الشركات المصنعة منتجاتها بطريقة تجعل أعمارها الافتراضية قصيرة؟ يقول البروفيسور جوش لِباوسكي أستاذ الجغرافيا بجامعة ميموريال أوف نيوفاوندلاند بكندا، الذي له عدة مؤلفات تتناول التجارة العالمية في النفايات الإلكترونية، وتأثير تلك النفايات على البيئة والصحة، إن 'من الصعب الإجابة على هذا السؤال، إذ إنه من الناحية القانونية، يجب إثبات أن الشركة المتهمة بالتقادم المخطط له فعلت ذلك عن عمد، وهذا شيء ليس بالسهل'. يضيف لِباوسكي:'ما من شك في أن نماذج أعمال العديد من العلامات التجارية قائمة على شراء الأفراد للإصدارات الجديدة للأجهزة، حتى ولو كانت أجهزتهم الحالية تعمل جيداً من الناحية التقنية. من منظور بيئي، أكثر جهاز 'مستدام' هو الجهاز الذي تمتلكه بالفعل. وكلما طالت مدة استخدامك له، كلما أسهمت في الحفاظ على الطاقة والمواد التي استخدمت في صنعه. عندما يكون نموذج عمل الشركة قائماً على النمو، يكون هناك حافز لتقصير عمر استخدام الجهاز، وهو ما يؤدي إلى زيادة الطلب على الطاقة، والخامات اللازمة لتصنيع نماذج جديدة'. كثيرا ما يضطر المستهلكون، ولا سيما في البلدان الغنية، إلى شراء منتج جديد بدلاً من إصلاح منتجهم القديم لارتفاع سعر تكلفة الإصلاح أو استحالته، أو لعدم سهولة الحصول على قطع الغيار أو الأدوات اللازمة، ولا سيما في حالة الأجهزة الإلكترونية. يؤدي ذلك إلى أن يصبح من الأرخص أو الأسهل شراء منتج جديد، وهو ما يؤدي بدوره إلى استهلاك مفرط للمصادر وزيادة النفايات الإلكترونية. كان ذلك هو السبب الرئيسي وراء ظهور حركة 'الحق في الإصلاح' (Right to Repair) في الولايات المتحدة، التي تدعو إلى أن يكون للمستهلكين الحق في إصلاح منتجاتهم بأنفسهم، أو اللجوء إلى فنيين مستقلين، بهدف تعزيز الاستدامة ومواجهة ثقافة التقادم المخطط له. اكتسبت هذه الحملة زخماً في بداية العقد الثاني من القرن الحالي، وانتشرت في مختلف أنحاء العالم، لا سيما مع التعقيدات المتزايدة لتصميمات الأجهزة الإلكترونية التي باتت تحتوي على مكونات ملكيتها حكر على الشركة المصنعة، أو تحتوي على أقفال برمجية وغيرها من القيود الرقمية التي تمنع إصلاحها من قبل أطراف خارجية. تقول البروفيسورة أليكس سيمز، أستاذة القانون التجاري بجامعة أوكلاند بنيوزيلاندا، لبي بي سي عربي إن ' الحق في الإصلاح لا يقتصر على المنتجات التالفة، بل يشمل أيضاً القدرة على استعمال المنتجات. حالياً، يتزايد إدماج البرمجيات في الكثير من المنتجات، التي من الممكن أن تُستغل في منع الناس من استخدامها بشكل كامل أو جزئي – على سبيل المثال، الطابعات التي تتوقف عن العمل إذا لم تدفع الاشتراك. أو سيارات تسلا التي لا تجر عربة مقطورة إذا لم يُستخدم قضيب قطر مصرّح به'. تضم الحركة حالياً عشرات المنظمات غير الحكومية والجماعات التي تطالب بسن تشريعات تعزز الحق في الإصلاح – وقد نجحت بالفعل في إقناع المشرعين في عدد من الولايات الأمريكية والاتحاد الأوروبي بإصدار قوانين وقواعد في هذا الشأن، أو تنشر كتيبات إصلاح إلكترونية مجانية لعدد كبير من المنتجات، من الملابس إلى الأجهزة الإلكترونية والسيارات والمعدات الطبية وغيرها. من بين المواقع التي تقدم هذه الخدمات IFixit وThe Restart Project. وقد قوبلت الحركة بمقاومة من الشركات المصنعة، وبعض جماعات حماية المستهلك تركزت حول مخاوف تتعلق بالأساس بالسلامة والأمن وحقوق الملكية الفكرية. تقول سيمز إن ' الاعتراض الرئيسي هو مدى سلامة عملية الإصلاح إذا نفذها أشخاص غير معتمدين. لكن هيئة الإنتاجية الأسترالية على سبيل المثال بحثت في هذا الموضوع وتوصلت إلى أنه ليست هناك خطورة متزايدة، بل إن عدم السماح لأشخاص غير معتمدين من الممكن أن يكون أكثر خطورة في بعض الحالات لأن ذلك يدفع الناس إلى محاولة إصلاح الأجهزة بأنفسهم من دون أن يكون لديهم المعرفة أو التدريب اللازمان. ينبغي التنبيه هنا إلى أن بعض المنتجات تحتاج إلى أشخاص محترفين لإجراء عملية الإصلاح، لكن الكثير منها لا يحتاج إلى ذلك'. تكلفة بيئية باهظة تشكل النفايات الإلكترونية مشكلة كبيرة نظراً لما تحتوي عليه من مواد ضارة بالبيئة وبصحة البشر إذا لم يتم التخلص منها بالشكل الصحيح. ولا شك أن قصر العمر الافتراضي للمنتجات، والرغبة في امتلاك طرز أحدث أو أكثر أناقة طوال الوقت تؤدي إلى تزايد تلك النفايات. بل إن بعض شركات التجزئة، ولا سيما تلك المتخصصة في مجالات كالأجهزة الإلكترونية والأزياء، تتخلص من منتجات بها عيوب بسيطة بدلاً من بيعها بأسعار أرخص، أو المنتجات التي لم تتمكن من بيعها للحفاظ على قيمتها وتفردها، أو لأن ذلك هو الخيار الأرخص. يقول البروفيسور لِباوسكي: 'في الوقت الحالي، يتم إنتاج عدد من الأجهزة يفوق ما يمكن بيعه'، وإن تقديرات الاتحاد الأوروبي تشير إلى أن شركات التجزئة تدمر سنويات أجهزة إلكترونية جديدة تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات. ويضيف أنه من بين الحلول الممكنة 'إلزام الشركات بتوزيع الأجهزة الفائضة على المؤسسات العامة مثل المكتبات'. وقد بدأت بعض العلامات التجارية في مجال الأزياء بيع منتجاتها الفائضة لمتاجر التخفيضات، أو التبرع بها للمنظمات الخيرية أو إعادة تدويرها. وتلفت البروفيسورة سيمز إلى أنه 'مقارنة بإعادة التدوير، فإن إصلاح المنتجات أفضل بكثير من حيث استهلاك الموارد، وأفضل للكوكب ولصحة الناس التي تعمل في مراكز إعادة التدوير. للأسف هناك أشخاص يفرطون في الاستهلاك ويشترون أجهزة جديدة رغم أن أجهزتهم لا تزال تعمل بشكل جيد. إذا ما تبرعوا بمنتجاتهم القديمة أو باعوها بأسعار رخيصة، وكان بالإمكان إصلاحها بتكلفة زهيدة، سوف يعني ذلك شراء عدد أقل من البضائع بشكل عام'. قصر أعمار المنتجات مقارنة بالماضي ليس مجرد سوء حظ، بل نتيجة لنظام استهلاكي قائم على التبديل السريع والتحديث المستمر. وتحقيق مستقبل أكثر استدامة يتطلب أن يصمم المصنعون منتجات قابلة للإصلاح وتدوم لفترات أطول، وأن يعيد المستهلكون التفكير فيما يشترونه وما إذا كان بالفعل ضرورياً، وفي أثر ذلك على البيئة والصحة العامة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store