logo
الحروب والرهانات الجيوسياسية

الحروب والرهانات الجيوسياسية

الجمهوريةمنذ 6 ساعات

الصين والولايات المتحدة مترابطتان اقتصادياً بشكل كبير، لدرجة أنّ «إمبراطورية الوسط» قد تصبح خصماً لا يُحارَب مباشرةً، بل يُعزَل ويُطوَّق ويُوضَع في حالة من التفوّق العسكري الأميركي.
ما يحدث منذ بداية الحرب في أوكرانيا وصولاً إلى غزة، لبنان، سوريا، وأخيراً إيران، ليس سوى حرب عالمية غير متماثلة ذات تداعيات جيوسياسية واقتصادية كبرى، تهدف إلى ضمان استمرارية الهيمنة الأميركية، والحفاظ على أحادية القطب في العالم، وسيادة الدولار، واستعمار أسواق جديدة لاقتصاد أميركي مثقل بالديون. كما حدث في أوكرانيا. فإلى جانب اتفاقات المعادن النادرة واستغلال الموارد الطبيعية، يشارك أكبر مدير أصول في العالم، «بلاك روك»، في إعادة الإعمار والزراعة والصناعة، إلى جانب بنوك مثل «جي بي مورغان» واستراتيجيِّين كـ «ماكنزي».
التطويق العسكري للصين خُطِّط له منذ سنوات. فإلى جانب وجود البحرية الأميركية في بحر الصين، أو في جزر المحيط الهندي مثل «دييغو غارسيا» في الجنوب، تمتد القواعد العسكرية الأميركية من اليابان إلى كوريا الجنوبية، إلى غوام، الفيليبين، ومناطق أخرى في الشرق. أمّا في الغرب، فهناك قواعد في أوزبكستان، طاجيكستان، تركمانستان وقيرغيزستان، تُستخدَم أيضاً للتشويش الإلكتروني على الصين والتحكّم في اتصالاتها.
تشكّل إيران، نظراً لموقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية، جسراً يَربط روسيا بالصين، وتُعدّ عضواً أساسياً في مجموعة «بريكس» ومنظمة «شنغهاي للتعاون». نُضيف إلى ذلك اتفاقية التعاون الاستراتيجي الموقّعة مع الصين عام 2021، التي تؤمّن استثمارات صينية ضخمة بقيمة 400 مليار دولار مقابل أسعار جذابة للنفط الإيراني.
جغرافياً أيضاً، فإنّ إيران، كما أوكرانيا، تقع على مسار مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، التي صُدّت عبر الممر الهندي الذي دُشِّن في أيلول 2023، قبل هجوم غزة تحت راية زائفة في 7 تشرين الأول. علماً أنّ الهند دعمت إسرائيل في حربها ضدّ «حماس» والإبادة في غزة.
لذلك، يجب إسقاط إيران. وتحت ذريعة «التهديد النووي»، بدأت إسرائيل الحرب. لكن لا يجب أن نُخدَع: إنّها الولايات المتحدة مَن تخوض الحرب باستخدام إسرائيل، وليس العكس. النظام الإيراني مدعو لتغيير سياسته تجاه الغرب، وإلّا فمصيره في خطر. فخُطَط واشنطن تتطلّب ذلك.
يجب تدمير محور المقاومة والسيطرة على إيران لضمان الهيمنة الأميركية على غرب آسيا والشرق الأوسط، واستعمار فلسطين - التي باتت مغيّبة الآن بسبب الأحداث الجارية، وتسلّم إلى مجازر أو تهجير لا يعلمها إلّا الله - وتدمير القدرات العسكرية الإيرانية، حتى في حال تغيير النظام كما حدث في سوريا، وكسر هذا الجسر الحيَوي بين روسيا والصين، وزعزعة «البريكس» ومشروعهم لعملة موحّدة بديلة، والأهم، توجيه رسالة ردع لكل مَن قد يُهدِّد «البترو دولار» وعملة الإمبراطورية، بما في ذلك ممالك الخليج.
إنّها بداية عصر جديد: عصر حرب باردة مع الصين. الإمبراطورية الأميركية، المثقلة بالديون والمشكلات الاجتماعية الداخلية، تقاتل للحفاظ على سيطرتها. إنّها حرب باردة متعدّدة الأوجه: اقتصادية، تجارية، عسكرية، وقبل كل شيء، تكنولوجية، مع التنافس على الذكاء الاصطناعي، النانو تكنولوجيا، الروبوتات، الفيزياء الكمومية، وغيرها.
يجب على «حزب الله» في لبنان أن يفهم أنّ هذه الأحداث لا تتجاوزه فحسب، بل تتجاوز دولاً بكاملها وقوى إقليمية. إنّها حرب بين قوّتَين عظميَين، عملاقَين، وفي هذه الحالة، يجب خفض الرأس كما يقول مثل لبناني شهير. هناك تغيير هائل في منطقتنا، لأنّ الصيغة القديمة منذ قيام نظام الملالي في 1979، التي غذّت الصراع السنّي-الشيعي، وقدّمت فوائد كبرى للغرب، قد تغيّرت.
الانخراط العسكري في هذا الصراع الجديد لن يكون انتحارياً فحسب، بل عديم الجدوى وخطير جداً، إذ يمنح العدو الإسرائيلي ذريعة قد تكون هذه المرّة لتدمير لبنان بالكامل. أضف إلى ذلك، أنّنا لا نستطيع محاربة إمبراطورية تدعم (حتى ولو بشكل ضعيف) الجيش اللبناني، وهي متغلغلة في معظم مؤسسات وصفوف الدولة اللبنانية، وتتحكّم فيها، وتسمح لشعبها باستخدام الدولار، ويمكنها أن تخنقه وتعزله عن العالم في لحظة. والأهم من ذلك، عندما تسعى هذه الإمبراطورية إلى استقرار لبنان، من أجل مصالحها بالطبع، لكنّها في الوقت نفسه تمدّ يَد العون، وفقاً لمصالحها، لمساعدة البلد على الخروج من أزمته الاقتصادية المستمرة منذ 6 سنوات، التي لم تفعل فيها الطبقة السياسية الفاسدة سوى مراكمة الثروات على حساب الشعب اللبناني. للمرّة الأولى تتقاطع مصالح الولايات المتحدة ولبنان! يجب على لبنان أن يغتنم الفرصة، محافظاً على سيادته، ومحرّراً أراضيه المحتلة، وهذا لا يمكن أن يتمّ إلّا عبر الديبلوماسية.
كما قال باولو كويلو في «دليل محارب لأجل النور»: «كل غضب الطائر لا يمكنه فعل شيء ضدّ القط». لذلك، يجب إعلان الحياد، ويجب على «حزب الله» أن يتحلّى بالحكمة لا بالإيديولوجيا، وأن ينفصل عن إيران، ويُعيد تعريف وطنيّته ومصلحته الشيعية، ويُسلّم سلاحه رسمياً للدولة، لنتمكن من بناء دولة قوية تواكب التحوّلات الإقليمية وتستفيد منها.
يجب على اللبنانيِّين أن يستوعبوا التحوّلات القادمة. كما يجب أن يُدركوا أنّ نموذجهم الاقتصادي القديم أصبح متجاوَزاً. عليهم تبنّي رؤية اقتصادية وثقافية ملائمة للمستقبل. يجب الاستثمار في الزراعة وحمايتها، في البنية التحتية، في التكنولوجيا، الصناعة والتصدير، وألّا يعتمدوا فقط على السياحة مع البقاء كـ «مجتمع استهلاكي». يجب على لبنان أن يُنتِج.
يجب على اللبنانيِّين أن يتحاوروا معاً، وأن يصبح لبنان ملتقى تعيش فيه كل الأديان بسلام. نموذج ثقافي يتعلّم فيه الناس محو الفساد من عقولهم أولاً، ليتمكنوا من مَحوِه من مؤسساتهم العامة. لقد حان الوقت لتولد الجمهورية اللبنانية من جديد من رمادها وتُنير العالم.
لبنان لا يملك لا القوة ولا الوزن لمجاراة خطط عملاق مثقل بالعجز، جائع، يستولي على ثروات الآخرين، وعلى حافة الإفلاس لدرجة أنّ العالم بأسره يدعو بصمت لنجاته، لأنّ سقوطه يعني كارثة اقتصادية كبرى تُهدّد الكوكب بأسره. ببساطة، نحن أمام إمبراطورية تحارب من أجل استمرار نظامها الاقتصادي الرأسمالي الإمبريالي وبقائها القطب الأوحد وتُطبّق مقولة «لامبيدوزا» في رواية «الفهد»: «ليبقى كل شيء على حاله، يجب أن يتغيّر كل شيء».

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عطية: السلام في المنطقة سينعكس إيجابًيا على لبنان
عطية: السلام في المنطقة سينعكس إيجابًيا على لبنان

المركزية

timeمنذ 28 دقائق

  • المركزية

عطية: السلام في المنطقة سينعكس إيجابًيا على لبنان

المركزية - اعتبر النائب سجيع عطية أن "التوافق على الملف الأميركي–الإيراني–الإسرائيلي تم لإنهاء الصراع حول الملف النووي وقد نفّذوا "مسرحية" دامت 12 يومًا وأعلنوا السلام ومن الطبيعي ان ينعكس ذلك إيجابًيا على لبنان لأن إيران ستقوم بتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة مما سينعكس على واقع حزب الله". وأشار عطية في حديث الى "صوت كل لبنان"، الى أن "الحوار بين رئيس الجمهورية جوزاف عون وحزب الله في هذه المرحلة سيكون أسهل وأسرع فحزب الله حزب عقلاني ومنطقي وملف تسليم سلاحه أصبح في خواتيمه".

"جريمة موصوفة" تطال معلّمة متقاعدة على باب المصرف... وتهديد بالتصعيد!
"جريمة موصوفة" تطال معلّمة متقاعدة على باب المصرف... وتهديد بالتصعيد!

ليبانون ديبايت

timeمنذ 39 دقائق

  • ليبانون ديبايت

"جريمة موصوفة" تطال معلّمة متقاعدة على باب المصرف... وتهديد بالتصعيد!

وأشار منصور إلى أنّ المعلّمة (ك.ع) توجّهت صباح الأربعاء إلى المصرف لسحب تعويضها التقاعدي، الذي لا يتجاوز 400 دولار، غير أن الصدمة – بحسب قوله – كانت في تعامل المصرف معها، إذ "رفض دفع المبلغ نقدًا، وأجبرها على استلامه عبر بطاقة مصرفية محدودة الصلاحية، لا تتيح السحب النقدي، بل تُستخدم فقط لشراء سلع استهلاكية، كمواد التنظيف ومعجون الأسنان، ما يُعدّ إهانة صريحة لكرامة المعلّمين واعتداءً على حقوقهم". وأضاف: "ما يحصل اليوم هو امتداد لقرارات تعسفية جائرة وُضعت في عهد حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، الذي نهب ودائع الناس وفرّ من المحاسبة، بينما لا تزال السياسات المالية المجحفة التي سُنّت في عهده تُطبّق على من أفنوا أعمارهم في خدمة الوطن". وحمّل منصور الدولة اللبنانية والسلطات المصرفية والمالية المسؤولية الكاملة عن هذه "السياسات اللاإنسانية التي تحوّل المتقاعدين إلى متسوّلين على أبواب المصارف"، متسائلًا: "هل يكون جزاء سنوات التضحية والتفاني هو الذل والإذلال؟ وهل باتت كرامة المعلّم رهينة بطاقات إلكترونية لا تُصرف نقدًا؟". ووجّه نداءً إلى جميع المعلّمين المتعاقدين والمتقاعدين، وكل الأحرار في القطاع التربوي، داعيًا إلى "التحرّك فورًا ورفع الصوت في وجه هذه السياسات الظالمة"، مؤكدًا أن "الصمت لم يعد خيارًا، فاليوم كانت (ك.ع) الضحية، وغدًا قد يكون الدور على آخرين". كما دعا إلى إطلاق حملة إعلامية وإلكترونية لكشف هذه التجاوزات، ومراسلة وزارة المالية ومصرف لبنان للمطالبة بإلغاء هذا القرار "الاستعبادي"، وختم بالقول: "لن نسكت، لن نستسلم، وسنواجه كل من يعبث بكرامتنا وحقوقنا، حتى إسقاط هذه القوانين المهينة".

مكافأة بـ5 ملايين دولار من واشنطن.. ما هو سببها؟
مكافأة بـ5 ملايين دولار من واشنطن.. ما هو سببها؟

ليبانون 24

timeمنذ ساعة واحدة

  • ليبانون 24

مكافأة بـ5 ملايين دولار من واشنطن.. ما هو سببها؟

أعلنت الولايات المتحدة، أمس الثلاثاء، عن عرض مكافأة مالية تبلغ 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى تحديد مكان رجل أعمال أميركي محتجز في أفغانستان منذ عام 2022. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس في مؤتمر صحفي إن المحتجز يدعى محمود شاه حبيبي، وهو رجل أعمال أميركي يحمل أيضا الجنسية الأفغانية، وقد تم اختطافه في العاصمة كابل بتاريخ 10 آب 2022، إلى جانب سائقه عندما كانا داخل سيارة. وأكدت بروس أن حبيبي كان يعمل مستشارا لشركة اتصالات محلية في كابل حين تم احتجازه، واتهمت المتحدثة الحكومة الأفغانية التي تقودها حركة طالبان بالمسؤولية عن احتجازه، قائلة "لم نتلقَ أي أنباء عنه منذ اعتقاله الأول، ولم تقدّم طالبان أي معلومات عن مكان وجوده أو حالته الصحية". ويأتي هذا الإعلان بعد أشهر من إطلاق الحكومة الأفغانية سراح أميركيَين، هما راين كوربيت وويليام مكينتي، في يناير/كانون الثاني الماضي ضمن صفقة تبادل مع الولايات المتحدة شملت الإفراج عن سجين أفغاني، وتمّ ذلك بوساطة من دولة قطر. وتسيطر طالبان على الحكم في أفغانستان منذ آب 2021 عقب انسحاب القوات الأميركية. وبلغ إجمالي المدفوعات ضمن برنامج "مكافآت من أجل العدالة"، الذي أُطلق عام 1984، أكثر من 250 مليون دولار تم تقديمها لأكثر من 125 شخصا في أنحاء العالم مقابل معلومات ساعدت في حماية الأمن القومي الأميركي أو تحديد مواقع تهديدات أمنية. (الجزيرة نت)

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store