
%75 من إيرادات الدولة خارج الرقابة .. هل فقدت الشرعية سيادتها الاقتصادية؟
قبل 3 دقيقة
في تصريح خطير وكاشف، أكد محافظ البنك المركزي اليمني في عدن ، أحمد المعبقي ، أن 147 جهة إيرادية لا تقوم بتوريد إيراداتها إلى حساب الحكومة أو حسابات البنك المركزي ، ما يعني أن نحو 75% من موارد الدولة تقع خارج دائرة الرقابة الرسمية
.
هذا التصريح لم يكن اقتصاديا فحسب ، بل حمل في طياته أبعادا سياسية وأمنية عميقة، تعكس حجم الانهيار المؤسسي الذي تعيشه الدولة اليمنية الشرعية ، والانقسام الكبير في بنية السلطة ، وتفتت القرار الاقتصادي والمالي.
ما كشفه المعبقي يعكس بوضوح اختلال البنية المالية للدولة ، حيث باتت معظم الموارد تدار خارج الإطار الرسمي ، وتوظف لمصالح قوى محلية متنفذة ، بعيدة عن رقابة البنك المركزي أو وزارة المالية . وهذا يشير إلى شلل تام في أدوات السياسة المالية والنقدية، وعجز كامل عن ضبط الإنفاق والإيرادات ، وهو ما يفسر الانهيار المستمر للعملة الوطنية وتضخم الأسعار ، والاعتماد المتزايد على المعونات والمنح الخارجية .
تجسد هذه الحالة صورة مصغّرة للانقسام السياسي الذي تعاني منه السلطة الشرعية ، والمتمثل في كونها ائتلافا هشاً من القوى السياسية والعسكرية غير المتفقة على برنامج وطني جامع ، هذا التباين العميق في الرؤى ، جعل من المناطق المحررة أرخبيل سلطات متنازعة ، حيث تسيطر كل فئة سياسية على مساحة جغرافية ، وتدير مواردها بشكل مستقل ، وتخلق لنفسها اقتصادا موازيا خاصا يعزز من سلطتها على الأرض .
بات تعدد مراكز الجباية ، بعضها خارج القانون والبعض الآخر دون رقابة فعلية ، ظاهرة تعكس غياب الدولة ، وتحول الدولة الشرعية إلى مظلة اسمية تستخدم فقط في الخطاب الرسمي ، حتى الإيرادات التي تُجبى باسم الدولة لا تصل كلها إلى الخزينة العامة ، بل يعاد توجيهها إلى قنوات موازية تخدم مصالح فصائل ومراكز نفوذ محلية .
إن تفشي ظاهرة شركات الصرافة وتكاثرها بشكل غير مسبوق ، ليس منفصلا عن واقع تآكل الدولة ، بل هو أحد تجلياته المباشرة. ففي ظل غياب الرقابة على 75% من الإيرادات ، فتحت الكثير من هذه الجهات حسابات وشركات صرافة خاصة ، ما أدى إلى توسع السوق السوداء ، وخلق بيئة خصبة لاقتصاد غير رسمي ، هذا النوع من الاقتصاد يعزز الفساد ، ويفتح الباب لغسيل الأموال ، ويعمّق التفاوت الاقتصادي ، ويُضعف أي محاولات للإصلاح أو الاستقرار النقدي .
إن عجز الدولة عن تنمية مواردها الذاتية ، واضطرارها إلى الاعتماد شبه الكامل على المنح والمساعدات الخارجية ، جعل من القرار الاقتصادي مرهونا بالشروط والاشتراطات السياسية والمالية لتلك الجهات المانحة ، ومع مرور الوقت لم تفقد الدولة فقط استقلال قرارها المالي ، بل فقدت أيضا حريتها في اتخاذ القرار السياسي ، ما جعل السلطة الشرعية رهينة للتحالفات الإقليمية ، ومرتبطة بمعادلات خارجية أكثر من ارتباطها بأولويات الداخل .
إن استمرار هذا التدهور في المالية العامة ، وغياب سلطة البنك المركزي عن إدارة السياسات النقدية ، يعني ببساطة أن الدولة اليمنية تتآكل من الداخل ، وفقدان البنك المركزي دوره في التحكم بمؤشرات التضخم واستقرار سعر الصرف ، يعكس حجم الانكشاف المالي ، ويفسّر الغلاء الفاحش وانعدام الأمان الاقتصادي لدى المواطنين ، ويجعل مستقبل البلاد الاقتصادي والسياسي مرهونا بالمجهول .
ما لم يتم التعامل مع مؤشرات تصريحات المعبقي بجدية ، وإعادة هيكلة الوضع السياسي باتجاه بناء سلطة موحدة ذات قرار سيادي واقتصادي مستقل ، فإن الانقسام سيستمر، وسيغدو كل طرف يسير في طريقه الخاص ، وتتحول الشرعية من مشروع دولة إلى مظلة فضفاضة لصراعات داخلية واقتصادات موازية ، لا تخدم إلا أمراء الحرب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


اليمن الآن
منذ 7 دقائق
- اليمن الآن
شركة النفط بعدن تعلن تخفيض في أسعار الوقود
في استجابة سريعة ومباشرة لأول تحسّن في سعر العملة المحلية، أعلنت شركة النفط فرع عدن عن تخفيض فوري في أسعار الوقود. هذا التخفيض، الذي يبدأ حيز التنفيذ صباح اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025، يشمل الديزل (50 ريالًا للتر) والبنزين المستورد (10 ريالات للتر)، وسيطبق التخفيض في جميع المحطات التابعة للشركة والمحطات الاهلية الواقعة ضمن النطاق الجغرافي التسويقي للشركة في كل من محافظات عدن، لحج، أبين، والضالع. اقرأ المزيد... عاجل: إحتجاجات شعبية غاضبة بسبب إنهيار الكهرباء 29 يوليو، 2025 ( 10:02 صباحًا ) دراسة: القهوة تقلل امتصاص الحديد وفيتامينات ب والكالسيوم 29 يوليو، 2025 ( 9:49 صباحًا ) وأكدت شركة النفط فرع عدن استمرار التخفيضات في أسعار الوقود مع أي تحسن مستقبلي في العملة المحلية


اليمن الآن
منذ 7 دقائق
- اليمن الآن
أسعار صرف الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي والريال السعودي في جميع المحافظات الثلاثاء 28 يوليو 2025
سجلت محلات الصرافة في العاصمة المؤقتة عدن سعر صرف 2830 ريالًا يمنيًا للشراء و2853 ريالًا للبيع مقابل الدولار الأمريكي، فيما بلغ سعر الريال السعودي 744 ريالًا يمنيًا للشراء و748 ريالًا للبيع. ووفقاً للمعلومات الواردة اليوم الثلاثاء 28 يوليو 2025 من محافظة حضرموت ومأرب وبقية المحافظات المحررة فقد تساوت أسعار الصرف مع عدن، حيث استقر الدولار الأمريكي عند 2830 ريالًا يمنيًا للشراء و2853 ريالًا للبيع، بينما بلغ سعر الريال السعودي 744 ريالًا يمنيًا للشراء و748 ريالًا للبيع. فيما سجلت صنعاء أسعارًا مختلفة، حيث بلغ سعر الدولار الأمريكي 533 ريالًا يمنيًا للشراء و535 ريالًا للبيع، بينما وصل الريال السعودي إلى 139.70 ريالًا يمنيًا للشراء و140.10 ريالًا للبيع. أسعار صرف الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي والريال السعودي في عدن وحضرموت وصنعاء الأحد 27 يوليو 2025 استقرار أسعار صرف الريال السعودي والدولار في عدن وصنعاء اليوم الأربعاء 23 يوليو 2025 تذبذب الريال السعودي والدولار في اليمن.. هذه أحدث التحديثات اليوم الاثنين 28 يوليو 2025


اليمن الآن
منذ 7 دقائق
- اليمن الآن
السوداني: تواصلنا مع إيران للتهدئة وأحبطنا هجمات ضد إسرائيل
كشف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني عن إحباط 29 محاولة لاستهداف إسرائيل, والقوات الأمريكية في بلاده خلال فترة الحرب بين إيران وإسرائيل الشهر الماضي. وقال السوداني في مقابلة مع "أسبوشيتدبرس" إنه "حاولت جماعات مسلحة في العراق إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة باتجاه إسرائيل وقواعد عراقية تستضيف قوات أمريكية، لكن عمليات أمنية حكومية عراقية أحبطت 29 محاولة". وأضاف السوداني: "نعلم أن الحكومة الإسرائيلية انتهجت، ولا تزال، سياسة توسيع نطاق الحرب في المنطقة.. ولذلك، حرصنا على عدم إعطاء أي مبرر لأي جهة لاستهداف العراق". وكشف عن أن حكومته تواصلت أيضا مع قادة إيران "لحثهم على التهدئة وإفساح المجال للحوار والعودة إلى المفاوضات". وقال السوداني إن الولايات المتحدة والعراق سيجتمعان بحلول نهاية العام "لترتيب العلاقة الأمنية الثنائية" بين البلدين. وأعرب عن أمله في تأمين استثمارات اقتصادية أمريكية - في النفط والغاز، وكذلك في مجال الذكاء الاصطناعي - والتي قال إنها ستساهم في تعزيز الأمن الإقليمي وتجعل "البلدين عظيمين معًا". وأعلنت الولايات المتحدة والعراق العام الماضي عن اتفاق لإنهاء مهمة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي. وفي مارس/آذار الماضي، أعلن السوداني مقتل عبد الله مكي مصلح الرفاعي، المعروف باسم "أبو خديجة"، زعيم داعش في العراق وسوريا في عملية عراقية أمريكية مشتركة. وكان من المفترض أن تُستكمل المرحلة الأولى من انسحاب قوات التحالف بحلول سبتمبر/أيلول 2025، ولكن لم تظهر بوادر تُذكر على حدوث ذلك. وقال السوداني إن وجود قوات التحالف أعطى "مبرراً" للجماعات العراقية لتسليح نفسها، ولكن بمجرد اكتمال انسحاب التحالف "لن تكون هناك حاجة أو مبرر لأي جماعة لحمل السلاح خارج نطاق الدولة". وعن علاقات بلاده مع سوريا، قال رئيس الوزراء العراقي إن حكومته تنسق مع الحكومة السورية الجديدة، لا سيما في المسائل الأمنية. وأضاف أنه "نحن والإدارة في سوريا لدينا بالتأكيد عدو مشترك وهو تنظيم داعش الذي يتواجد بشكل واضح ومعلن داخل سوريا". وكشف عن أن حكومته حذّرت السوريين من الأخطاء التي وقعت في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، حين أدى الفراغ الأمني الذي أعقب ذلك إلى سنوات من العنف الطائفي وصعود الجماعات الإرهابية المسلحة. ودعا السوداني القيادة السورية الحالية إلى السعي إلى "عملية سياسية شاملة تضم كل المكونات والمجتمعات". وقال: "لا نريد تقسيم سوريا.. هذا أمرٌ غير مقبول، ولا نريد بالتأكيد أي وجود أجنبي على الأراضي السورية"، في إشارةٍ إلى التوغلات الإسرائيلية في جنوب سوريا.