logo
ترف المثقف وقضايا الأمة

ترف المثقف وقضايا الأمة

الصحراء١١-٠٤-٢٠٢٥

انشغل بعض كتّاب المقالات والمثقفين العرب بالحديث عن تأثير ما ينتهجه الرئيس الأميركي من سياسات اقتصادية وتوجّهات سياسية تمسّ بالنظام العالمي الذي ساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتهدد بدخول العالم في ركود اقتصادي مدمر ومؤلم.
حذر أولئك من أن ما يحدث وما يقوم به الرئيس الأميركي ترامب يهدد بليبرالية متوحشة، كما قالوا، تحل محل الليبرالية الرأسمالية المعتدلة الديمقراطية، التي سادت منذ عقود عديدة، لصالح المليارديرات من الأغنياء وأصحاب شركات التكنولوجيا والخدمات الرقمية الذين يمتلك الواحد منهم ثروة تفوق ثروة أمم بكاملها. ومنهم من ذهب للخوض في تأثير هذه السياسات على العالم العربي.
ليس لديّ ما يحرّم على أي كان أن يكتب عما يريد، لكنْ، ثمة شجون يثيرها الخوض المتزايد لأولئك المثقفين، عبر مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، في مثل هذه القضايا تحليلًا ووصفًا تاريخيًا وفلسفيًا، وكأنها أصبحت قضايا محورية، تهمّ المواطن العربي من عامة الناس أكثر من أي قضية أخرى من قضاياه الشائكة، التي تكاد تخنقه كلما طلع عليه نهار.
لا أريد أن أدخل في معمعة التمييز بين الليبرالية السياسية والليبرالية الاقتصادية كنهج رأسمالي ظل سائدًا منذ أن وضع "آدم سميث" سياسته الاقتصادية الشهيرة بقوله "دعه يمر دعه يعمل"، إلى أن جاء "جون مينارد كينز" بعد الكساد العظيم في بداية ثلاثينيات القرن الماضي وطرح نظريات اقتصادية جديدة.
لا أريد أن أخوض في عواقب نهج الحماية الاقتصادية الذي أقدم عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بأسلوب زعماء المافيا، كما قالت مجلة الإيكونوميست البريطانية، عندما أعلن عن فرض تعريفات جمركية على 185 دولة.
ما أريد قوله هو: فليحدث لليبرالية، يا سادة، ما يحدث، نتيجة ما قام به ترامب، ولتتحول إلى ليبرالية متوحشة، وإن كنت أعتقد أنها توحشت قبل اليوم، كما تحولت الرأسمالية الغربية إلى رأسمالية متوحشة منذ زمن طويل.
ثم لماذا ينبغي للمواطن العربي أن يقلق من مصير الليبرالية سواء بمفهومها السياسي القيمي المتصل بالحرية كقيمة عليا، أو بمفهومها الاقتصادي المتصل بحرية العمل، والتداول، والإنتاج والسوق؟ وهي ليست، كما يزعم الكاتب، من مفردات واقعه في الحاضر، ولم تكن كذلك خلال قرنين من القهر والذل عاشهما؛ ذل على يد الإمبريالية الاستعمارية، وآخر على يد كيانات نُصّبت على شعوبنا لتحكمه بالحديد والنار.
إذن أين هي "الحرية" التي ينبغي للعربي أن يخشى أن يفقدها، وهي غير موجودة؟ وأين هي الاقتصادات العربية الإنتاجية المتطورة ذات القدر المعقول من الاستقلال والكفاية؟ أوَ لا تزال أقوى اقتصادات دولنا اقتصادات ريعية تعتمد على ما يستخرج من باطن الأرض، مع أننا نحمد الله على ما أفاء به على أصحابها، ومن استفادوا منها من نِعَم؟
أو ليست بقية اقتصاداتنا العربية هشّة لا هي ريعية ولا هي إنتاجية؟ أو لم تتحول معظم الدول العربية إلى دول متسولة مدينة لا تملك قرارها ولا تتحكم بمصيرها؟ ثم هناك من يخشى من تحول الليبرالية السياسية إلى فاشية قادمة، على حساب الديمقراطية الحقيقية من حيث هي الأداة الأفضل لتداول السلطة والمشاركة الشعبية في تقرير المصير. فمنذ متى حُكمت بلداننا بنهج ديمقراطي حقيقي يقترب، ولو بمقدار ضئيل، من النهج الديمقراطي الغربي من حيث تداول السلطة؟
أو لا يتجاوز الواقع السياسي وواقع الحريات في بعض بلداننا أسوأ فصول الفاشية؟ وإذا كان هناك من يخشى أن تتحول الرأسمالية الليبرالية إلى رأسمالية قاسية متوحشة فليراجع تاريخ حركة ما اتفق على تسميته بالنهضة الأوروبية الغربية.
صحيح أنّ بعض فصول تلك النهضة الفكرية والثقافية والعلمية انبثقت من عقول عبقرية لا يستطيع أحد أن ينكر دورها وفعلها، ولكن ألم تصاحبها حركة إمبريالية استعمارية شرقًا وغربًا تواطأت معها بعض العقول الثقافية والفكرية المبدعة في أوروبا؟
ها هي أفريقيا تعاني حتى اليوم بعد أن استعبدت شعوبها وبيع الملايين منهم في سوق النخاسة ونهبت خيراتها. وكذلك شعوب كثيرة في آسيا شرقها وغربها، ولعل الدور الذي لعبته شركة الهند الشرقية خير دليل على ذلك. وأما العالم الجديد بقارتيه الشمالية والجنوبية، وبقارة أستراليا فقد ارتكبت فيه الثقافة الرأسمالية الغربية أفظع جرائم الإبادة الجماعية التي أفنت أكثر من مئة مليون من السكان الأصليين.
ترف المثقف وقضايا الأمة
أما في وطننا العربي فما زالت الإمبريالية الغربية تفعل بنا الأفاعيل وهي تحمي إسرائيل أداتها الكولونيالية الإحلالية، وإن كانت تخلت عن الاستعمار المباشر في أماكن أخرى من العالم فإنها ما تزال تمارسه عندنا.
إذن فلماذا يخشى كاتب مثقف عربي من عواقب سياسات الرئيس الأميركي على الديمقراطية والليبرالية والرأسمالية المعتدلة في الوطن العربي؟! لماذا ينبغي لي أن أخاف مما هو غير موجود؟ فلتتوحش الليبرالية ولتتوحش الرأسمالية الليبرالية منها وغيرها، فليس الحديث عنها ولا مطالعتها من أولويات مواطن عربي (فلسطيني يُقتل أهله كل دقيقة).
وإني لأعجب لمن يرى أهوال غزة وفلسطين ثم يسحب يراعه ليتحفنا بتحليل عن مآلات ومستقبل الليبرالية والديمقراطية. أوَ ليس من الأجدى أن يكرس الكاتب فكره لطرح القضايا التي تقضّ مضاجعنا، يا سادة، وما أكثرها وما أوجعها. قولوا لنا كيف يمكن لأمة استبيحت كرامتها أن تستعيد حريتها المستباحة في داخل أوطانها. قولوا لنا لماذا آلت ثورات الربيع العربي إلى ما آلت إليه، ولماذا قتل الألوف في الساحات والميادين وتربع القاتل آمنًا فوق أشلاء المواطن والوطن.
قولوا لنا لماذا أصبحت الغلبة للثورة المضادة وعساكرها يلاحقون أنفاس الناس وأحلامهم وأرزاقهم.
قولوا لنا لماذا نفشل في الحرب وفي السلم وفي التنمية وفي التعليم ونتخلف وراء الدنيا بأسرها منذ دهور.
قولوا لنا كيف يمكن لنا مثل بقية الأمم الحرة أن نشفى من داء الاستبداد المزمن على كراسي الحكم في ديارنا، وأن نصبح أحرارًا من دون أن ندمر السلم الأهلي ونسفك الدماء.
قولوا لنا كيف نحيي في قلوبنا وعقولنا الشعور والإدراك بأننا أمة واحدة قطب حتى نستعيد هويتنا المغيبة. ليس هذا والله أيها السادة زمن الترف الفكري، بل هو زمن البحث الجاد عن الحقيقة وعن الدواء.
نقلا عن الجزيرة نت

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

روما.. انطلاق خامس جولة مفاوضات نووية بين طهران وواشنطن

timeمنذ ساعة واحدة

روما.. انطلاق خامس جولة مفاوضات نووية بين طهران وواشنطن

الجولة الخامسة من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.ويترأس الوفد الإيراني وزير الخارجية عباس عراقجي، والوفد الأمريكي مبعوث الرئيس دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف. واتخذت قوات الأمن الإيطالية تدابير أمنية مشددة في مقر انعقاد المفاوضات ومحيطه.وتظاهر شخصان أمام مقر انعقاد المفاوضات ضد إدارة طهران. وتواصل طهران وواشنطن عملية التفاوض بشأن الملف النووي، حيث تسعى إيران إلى رفع العقوبات المفروضة عليها مقابل الحد من بعض أنشطتها النووية، بما لا يمس حقها في الاستخدام السلمي للطاقة الذرية. وسبق للمبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، أن أدلى بتصريحات لقناة "إيه بي سي نيوز"، قال فيها إن "تخصيب اليورانيوم خط أحمر واضح جدا لإدارة ترامب. لا يمكننا السماح بذلك، لأن التخصيب يُمكّن من التسليح". يُذكر أن الولايات المتحدة ألمحت سابقًا إلى إمكانية القبول بتخصيب منخفض النسبة من قبل إيران، إلا أن موقفها الأخير يشير إلى تشدد أكبر في هذا الملف، وسط تباعد في المواقف بين الطرفين.وفي 11 ماي الجاري، انتهت جولة رابعة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة في سلطنة عمان، وبينما وصفت طهران تلك الجولة بأنها "صعبة، ولكنها مفيدة" اعتبرتها واشنطن "مشجعة".

Tunisie Telegraph لقاء مثير في البيت الأبيض بين ترامب ورامافوزا
Tunisie Telegraph لقاء مثير في البيت الأبيض بين ترامب ورامافوزا

تونس تليغراف

timeمنذ 15 ساعات

  • تونس تليغراف

Tunisie Telegraph لقاء مثير في البيت الأبيض بين ترامب ورامافوزا

أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب جدلًا واسعًا بعد تصريحاته الأخيرة التي هاجم فيها الحكومة الجنوب إفريقية، متهمًا إياها بـ'التمييز العنصري الممنهج' ضد المزارعين البيض، وهو ما اعتبره مراقبون تكريسًا لازدواجية الخطاب الحقوقي في تعاطي ترامب مع القضايا الدولية. لقاء مثير وادعاءات خطيرة في اجتماع رسمي عُقد في البيت الأبيض يوم 21 ماي 2025، عرض ترامب على الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا مقاطع فيديو مثيرة للجدل تتضمن تصريحات لشخصيات سياسية بارزة مثل جوليوس ماليما وجاكوب زوما، قال إنها تحرض على العنف ضد البيض، وخاصة المزارعين. واصفًا الوضع في جنوب إفريقيا بـ'إبادة جماعية بيضاء'. وقد نفت الرئاسة الجنوب إفريقية هذه الادعاءات بشكل قاطع، معتبرة أن ما يتم تداوله يدخل في إطار حملات التضليل التي تهدف إلى تشويه صورة الحكومة والإصلاحات الجارية في البلاد. تجميد المساعدات… والضغط السياسي وكان ترامب قد وقع، في فيفري 2025، أمرًا تنفيذيًا يقضي بتجميد المساعدات الأمريكية لجنوب إفريقيا، متهمًا حكومة رامافوزا بمصادرة أراضٍ من الأقليات العرقية دون تعويض، وبدعم مواقف 'معادية لإسرائيل' على خلفية الحرب في غزة. كما أطلق برنامجًا حكوميًا خاصًا بـ'استقبال لاجئين من الأفريكانيين'، وهي خطوة أثارت موجة انتقادات داخلية ودولية، إذ اعتبرها محللون تمييزًا انتقائيًا يتنافى مع سياسة ترامب السابقة تجاه اللاجئين، خصوصًا القادمين من دول الجنوب العالمي. جنوب إفريقيا ترد: حملة دعائية ومغالطات وزارة الخارجية الجنوب إفريقية ردّت سريعًا على قرارات ترامب، ووصفت تصريحاته بأنها 'حملة دعائية تهدف إلى تشويه مشروع إصلاح الأراضي'، مؤكدة أن جميع السياسات المتخذة تتم وفقًا للدستور، ولا تستهدف أي مجموعة عرقية، بل تسعى إلى تصحيح مظالم الماضي الاستعماري والفصل العنصري. كما جددت جنوب إفريقيا التزامها بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، داعية إلى الحوار بدلًا من تصعيد التوترات الدبلوماسية. ازدواجية في الخطاب الحقوقي؟ ويرى العديد من المراقبين أن مواقف ترامب تعكس ازدواجية في الخطاب الحقوقي، حيث يتبنى خطابًا حقوقيًا انتقائيًا يخدم أجندته السياسية والانتخابية، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية لسنة 2026. وفي هذا السياق، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريرًا انتقدت فيه نهج ترامب، معتبرة أنه 'يوظف قضايا حقوق الإنسان لأغراض سياسية، بينما يغض الطرف عن انتهاكات داخلية تتعلق بالتمييز ضد الأقليات والمهاجرين'. العلاقات الثنائية على المحك وفي ظل هذا التصعيد، عبّر الرئيس رامافوزا عن رغبته في إعادة ضبط العلاقات الثنائية بين البلدين، ودعا ترامب لحضور قمة مجموعة العشرين المقبلة المزمع عقدها في جوهانسبرغ، إلا أن الأخير لم يصدر أي تأكيد رسمي بشأن مشاركته حتى اللحظة.

غضب في جنوب أفريقيا من مزاعم ترامب خلال اجتماع مع رامابوسا
غضب في جنوب أفريقيا من مزاعم ترامب خلال اجتماع مع رامابوسا

إذاعة المنستير

timeمنذ 20 ساعات

  • إذاعة المنستير

غضب في جنوب أفريقيا من مزاعم ترامب خلال اجتماع مع رامابوسا

عبر مواطنو جنوب أفريقيا اليوم الخميس، عن استيائهم، بعدما هيمنت ما قالوا إنها مزاعم كاذبة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إبادة جماعية للبيض على محادثته مع الرئيس سيريل رامابوسا، وشكك كثيرون في ما إذا كانت رحلته إلى واشنطن تستحق كل هذا العناء. وضم رامابوسا لاعبي جولف ذوي بشرة بيضاء يتمتعون بالشعبية في جنوب أفريقيا إلى وفده، وكان يأمل أن تؤدي المحادثات مع ترامب في البيت الأبيض أمس الأربعاء إلى إعادة ضبط العلاقات مع الولايات المتحدة التي تدهورت منذ تولي الرئيس الأمريكي ترامب منصبه في جانفي. لكن ترامب أمضى معظم المحادثة في مواجهة زائره بالادعاءات الكاذبة بأن مزارعي الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا يتعرضون للقتل المنهجي ومصادرة أراضيهم. وكتبت ريبيكا ديفيس من صحيفة ديلي مافريك "لم يتحول إلى زيلينسكي آخر... لم يتعرض لإهانة شخصية من قبل أفظع ثنائي متنمر في العالم". وكان في هذا ربط بين لقاء رامابوسا واجتماع عُقد في البيت الأبيض في فيفري، انتقد فيه ترامب ونائبه جيه دي فانس الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ووصفاه بأنه جاحد لفضل الولايات المتحدة بعد المساعدات العسكرية التي قدمتها لبلاده. وحاول زيلينسكي بشدة الدفاع عن قضيته. وبالنسبة إلى البعض، أثارت رباطة جأش رامابوسا تساؤلات حول ما تحقق جراء تعرضه للانتقاد. وقال سوبيلو موثا (40 عاما)، العضو في إحدى النقابات العمالية، في شوارع جوهانسبرغ "نحن ... نعلم أنه لا توجد إبادة جماعية للبيض. لذا كانت تلك الزيارة بلا جدوى بالنسبة لي". ووصل رئيس جنوب أفريقيا مستعدا لاستقبال عدواني نظرا للإجراءات التي اتخذها ترامب في الأشهر القليلة الماضية، إذ ألغى المساعدات لبلده، وعرض اللجوء على الأقلية البيضاء وطرد سفير البلاد وانتقد قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها على الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية. لكن ترامب أراد فقط طوال الوقت مناقشة معاملة البيض في جنوب أفريقيا وعرض مقطع فيديو وتصفح مقالات قال إنها تثبت مزاعمه. ودافع المتحدث باسم وزارة الخارجية كريسبين فيري عن طريقة تعامل رامابوسا مع اللقاء، قائلا إن من المهم أن يتحاور الزعيمان. وأضاف لرويترز "ليس من طبيعة الرئيس (رامابوسا) أن يكون متحفزا. إنه ينظر إلى القضايا بهدوء وواقعية. أعتقد أن هذا ما نتوقعه من رؤسائنا".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store