logo
القوة الناعمة أجدى من نرجسية غشوم

القوة الناعمة أجدى من نرجسية غشوم

الصحراءمنذ 3 أيام
في هذا العالم المليء بالصراعات والتحديات المختلفة، تتنافس كبريات الدول وما يتبعها من جيوش وكيانات إلى السباق نحو حيازة آليات التدمير، والقضاء على الآخر في دوامة مطاردة المصالح، وإثبات الذات، وإشباع الغرائز السياسية التسلطية، وتحقيق الأطماع التوسعية بمفاهيمها المختلفة، فلا تفكير لجل القادة خارج دائرة حيازة أسباب القوة والتفوق العسكري؛ كل بما أوتي من قوة وسمحت به ظروفه المحيطة، وأعانته عليه تحالفاته، أو تفاهماته، أو تبعياته، في هذا العالم الذي هذه بعض ملامحه التي تجسدها الدول العظمى، والقوى المهيمنة وتنكشف كثيرا من خلال تصرفات بعض القادة الذين منهم؛ بل بالأحرى في طليعتهم في هذا المنوال الرئيس الأمريكي اترامب الذي عرف كثيرا بتعاليه على جلاسه ونرجسيته التي لا يوازيها سوى النهم في جمع المال والسعي في حيازة المزيد رغم ما أوتي منه.
لقد تابع العالم كثيرا من مواقف الرؤساء والزعماء والقادة المحرجة التي يوقعهم فيها اترامب خلال لقاءاته معهم وكيف كان للباقة وحذاقة بعضهم تفوق في النهاية على سلطوية ونرجسية هذا الرئيس الذي يقود أكبر قوة في العالم؛ تهيمن على اقتصاد العالم وسياسته، ولها النفوذ العسكري؛ لكن يد الله فوق أيديهم.
وبالرغم مما بذل هذا الرئيس من إنهاء حروب في جغرافيات محددة مثل التوقيع على إنهاء الحرب القديمة الطويلة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في واشنطن، وقبل ذلك توقيف الحرب التي كانت ستكون مدمرة ولها عواقب وخيمة على السلام في العالم والتي نشبت بين باكستان والهند، طبعا بذل اترامب جهدا في إنهاء هذه الحرب من خلال اتصالات هاتفية محدودة مع زعماء وقادة البلدين، وتمكن من إنهاء الحرب بين إيران وربيبه المدلل إن جاز هذا التعبير مع أنه دعم طرفا خبيثا ظالما وغضَّ الطرف عن تجاوزاته واعتداءاته المتكررة على سيادة الدول، وأغمض العينين وأكثر عن جرائمه في غزة العزة والكرامة؛ ولم يتألم إن كان في قلبه مكان لذلك وهو يشاهد أشلاء النساء والأطفال في مشاهد يومية متكررة عرَّت قبح العالم؛ وماز الله بها الخبيث من الطيب، فمن كال في قلبه مثقال ذرة من إحساس بشري سيتألم لا محالة للمدنيين العُزَّل في مستشفيات غزة، وفي بقايا دورها، وأثر شوارعها، وأطلال أسواقها، وسيبلغ به الألم والتأثر مداه وهو يشاهد أجساد الأطفال مُقطعة بفعل آلة الغدر والقهر؛ حتى أن الأمر بلغ من الفظاعة بأن يرفع جنين قطع رأسه وهو في بطن أمه!! أي وحشية هذه؟ أي عداء؟ أي ظلم؟ أي قهر؟، لقد اسمع هذا المشهد كل حي، وتفاعل معه كل صاحب ضمير مهما كانت نسبة الإنسانية فيه ضعيفة، ونقيض ذلك يُجسد المقولة: ما لجرح بميت إيلام.
لقد تابعنا مرارا فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني وهو يندد ويطالب بإنهاء المعاناة في غزة وتوقيف آلة الحرب المدمرة التي تطحن أجساد الأبرياء؛ من ذلك ما كان أيام توليه قيادة القارة الإفريقية ومنه ما كان في مناسبات دولية أخرى، عبر عن ذلك تعبيرا مسطورا تارة، ومنطوقا تارات أخر، وعلى نهجه سارت الخارجية الموريتانية مرات عدة، وهذا جهد بلادنا ولا ينبغي أن نخدع أنفسنا بحديث الذات أن لنا جهدا فوق المطالبة والتنديد؛ ولقد يُعذر باذلُ مبلغِ الجهد.
أما بخصوص صدى اللقاءات الجارية حاليا بين فخامة رئيس الجمهورية وبقية المدعوين من القادة الأفارقة مع الرئيس الأمريكي وأعوانه فإن ما تناهى إلى مسامعنا من حيثياتها وكواليسها يحسب حسابا جيدا بضارب كبير؛ حسب منطق الامتحانات التي يجريها طلاب الباكلوريا حاليا، فلقد حاز فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني كامل الاحترام والتقدير في الخطاب والمعاملة والاعتبار أكثر من أي رئيس إفريقي حاضر في هذه اللقاءات المشهودة والمتابعة من العالم بأسره، وما كان ذلك بمحض الصدف؛ فالأشياء لا تقع من تلقاء نفسها، بل إن طبيعة فخامة الرئيس الغزواني الهادئة، ونجاحه في زرع السلام والتآخي إبان توليه رئاسة القارة الإفريقية حيث كانت بين يديه ملفاتها التي ذللها معتمدا على إطفاء الحرائق الدبلوماسية، وتجفيف منابع الخلاف، وردم كل ما من شأنه إنبات شوك الحروب أو إيقاظ جذوة الفتن، كل ذلك كان له رصيدا ناعما حرَّك مشاعر الدبلوماسية المؤثرة في العالم تُجاهه، احتراما وتقديرا، وهو ما ظهر على لسان اترامب الذي لا يجامل وإن اقتضت اللباقة الدبلوماسية ذلك، بل يتعدى بالألفاظ، ويهين بالإشارات، ويستفز بالحركات.
لقد نجح الغزواني في كسب وُدِّ قادة العالم بالقوة الناعمة التي تقهر نرجسية كل سلطان غشوم، وتسلح بأمن وأمان بلاده، وهدوءها السياسي الذي عمل على تجسيده منذ توليه مقاليد الحكم؛ وزاد المجتمعين معه زهوا به أن بلاده أصبحت تدخل نوادي تصدير الغاز مشاركة وإضافة؛ لا بسطا ليد المتسول، لينضاف ذلك إلى الإمكانيات الهائلة والمقدرات التي حبا الله بها بلادنا؛ والتي حتما سيكون لها التأثير والنجاعة الأفيد في ظل قيادة منفتحة على قوى التحكم والتأثير في العالم دون ذوبان زائد أو تفريط مخل.
أخيرا يمكن القول بكامل الثقة أن ما يحاول عبثا بعض المرجفين والمشوشين على النجاحات الدبلوماسية المشهودة من خلال نفث سموم الافتراء حول إمكانية نقاش استئناف علاقات بلادنا مع كيان الغدر والخيانة أو الانتظام فيما يعارض قول الباري جل وعلا في حصر الدين القويم عند الله في الإسلام أمر في غاية الزور والبهتان؛ وحري به أن لا يخرج إلا من فيي من يخرج من ضئضئ من قابلوا نبي الهدى والسلام بفحش القول وعظيم الشنآن.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

موريتانيا في قلب التحولات الدولية: حضور استراتيجي في قمة البيت الأبيض الأمريكية-الإفريقية
موريتانيا في قلب التحولات الدولية: حضور استراتيجي في قمة البيت الأبيض الأمريكية-الإفريقية

الصحراء

timeمنذ يوم واحد

  • الصحراء

موريتانيا في قلب التحولات الدولية: حضور استراتيجي في قمة البيت الأبيض الأمريكية-الإفريقية

في خطوة نوعية تعكس المكانة المتنامية للجمهورية الإسلامية الموريتانية على الساحة الدولية، جاءت مشاركة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني في القمة المصغرة الأمريكية–الإفريقية بالبيت الأبيض، بوصفها دليلاً واضحًا على الثقة المتزايدة في الدور الموريتاني إقليميًا ودوليًا. تكتسي هذه القمة أهمية خاصة، ليس فقط من حيث توقيتها والسياقات التي انعقدت فيها، بل أيضًا بالنظر إلى مخرجاتها السياسية والاقتصادية المنتظرة، حيث أرست أسسًا جديدة لشراكة قائمة على المصالح المتبادلة، بعيدًا عن منطق الإملاء والتبعية، نحو تعاون يرتكز على الاستثمار المشترك في القطاعات الحيوية، وعلى رأسها المعادن الاستراتيجية، التي أضحت محور تنافس دولي متسارع على خيرات القارة الإفريقية. لقد ناقشت القمة ملفات مصيرية تتعلق بالسلم والأمن والتنمية المستدامة، مع إيلاء اهتمام خاص لقضايا مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية، إلى جانب التباحث حول آليات تعزيز التجارة الدولية، بما في ذلك تخفيض الرسوم الجمركية على الصادرات الإفريقية، كخطوة داعمة لتمكين اقتصادات القارة. وهكذا، أرست القمة ملامح مرحلة جديدة من العلاقات البراغماتية القائمة على الندية والتكامل، في ظل مشهد دولي متغير تحكمه مصالح استراتيجية متشابكة وتحديات عابرة للحدود. وتأتي المشاركة الموريتانية الرفيعة في هذا المحفل الدولي لتؤكد مجددًا نجاعة السياسة الخارجية التي تنتهجها البلاد تحت القيادة الرشيدة لفخامة الرئيس، سياسةٌ تتسم بالحكمة، والهدوء، وبعد النظر، ما مكن موريتانيا من حجز مكانتها المستحقة ضمن الصفوف الأمامية للدبلوماسية الدولية، كدولة صغيرة من حيث الكثافة السكانية، لكنها كبيرة بطموحاتها، وغنية بمواردها، ومؤهلة لأن تكون شريكًا محوريًا في محيطها الإقليمي والقاري والدولي. إنها لحظة تأسيس جديدة، تؤشر على تحوّل نوعي في مكانة موريتانيا، وتجسد رؤية استراتيجية متبصرة تبني جسور الثقة والمصداقية، وتفتح آفاقًا واعدة لشراكات عادلة ومثمرة، تعود بالنفع على الشعب الموريتاني وشعوب القارة الإفريقية قاطبة.

موريتانيا والولايات المتحدة: شراكة استراتيجية تقوم على المصالح المتبادلة
موريتانيا والولايات المتحدة: شراكة استراتيجية تقوم على المصالح المتبادلة

الصحراء

timeمنذ يوم واحد

  • الصحراء

موريتانيا والولايات المتحدة: شراكة استراتيجية تقوم على المصالح المتبادلة

تتجسد الرؤية التنموية الطموحة لفخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني اليوم واقعا حقيقيا حيث تضع الانفتاح الاقتصادي، وتنويع الشركاء في صلب أولوياتها لإرساء أسس تعاون وتبادل عالمي مستدام، اذ تتقدم بلادنا بثقة نحو بناء شراكات دولية متميزة، وفي مقدمة هذه الشراكات، تحتل الولايات المتحدة الأمريكية موقعًا استراتيجيًا بارزًا نظرًا لما توفره من فرص استثمارية ودبلوماسية وأمنية متقدمة تعزز آفاق التنمية الوطنية ، وتتميز العلاقة بين واشنطن ونواكشوط بوضوح المصالح المتبادلة وواقعية التوجهات، إذ ترتكز على مبدأ الشراكة القائمة على ربح متبادل، حيث تسعى بلادنا إلى تعزيز مسار التنمية وتسريع وتيرة النمو، بينما تنظر واشنطن إلى نواكشوط كشريك موثوق ومحوري، يمتلك موقعًا استراتيجيًا بالغ الأهمية في منطقة الساحل والصحراء، مما يجعل هذه الشراكة نموذجًا قويًا للتعاون المبني على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. يُقود هذا الحراك الاستراتيجي اليوم باقتدار وحنكة فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي جعل من الانفتاح على الشركاء الدوليين أداة أساسية لتعزيز مكانة بلادنا الاقتصادية والجيوسياسية، وتمثل الزيارة التي يقوم بها فخامة الرئيس الي واشنطن محطة مفصلية في الجهود الرامية لترسيخ حضور بلادنا كفاعل على الساحة الدولية، من خلال مقاربة شاملة تُوازن بين بناء اقتصاد تنافسي حديث يقوم على تنمية رأس المال البشري، وتعزيز التعاون الأمني والسياسي مع القوى الكبرى، حيث يقود الي جانبه و فدًا رفيع المستوى يضم وزراء ومستشارين ورجال أعمال، بهدف ترجمة الإرادة السياسية إلى شراكات ملموسة تدعم مسار التنمية الوطنية، وتفتح آفاقًا جديدة أمام الاقتصاد الوطني في قطاعات حيوية وفي هذا السياق، سنحاول في هذا المقال أن نستعرض، من منظور استراتيجي، أهم النقاط التي تُحدد طبيعة الاحتياجات المتبادلة بين واشنطن ونواكشوط، وكيف يمكن توظيف هذه المصالح المشتركة في بناء شراكة استراتيجية متوازنة تعود بالنفع على الطرفين. أولاً: حاجة موريتانيا إلى الولايات المتحدة شريك اقتصادي واستثماري موثوق تسعى بلادنا بشكل استراتيجي إلى تنويع شركائها الاقتصاديين لتقليل مخاطر الاعتماد المفرط على أسواق محدودة أو مهيمنة مثل أوروبا والصين، التي رغم أهميتها، قد تكون عرضة لتقلبات سياسية وجيواقتصادية تؤثر سلبًا على استقرار العلاقات التجارية والاستثمارية، و في هذا الإطار، تُعد الولايات المتحدة الأمريكية شريكًا اقتصاديًا ذا وزن عالمي يفتح أمام بلادنا آفاقًا واسعة للاستفادة من سوق عملاقة تضم مليارات المستهلكين، وشبكة ضخمة من الشركات متعددة الجنسيات التي تتمتع بخبرات تقنية واستثمارية رائدة عبر مختلف القطاعات، علاوة على ذلك، تتمتع الولايات المتحدة بمؤسسات تمويل دولي قوية، مثل مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية (DFC)، التي تلعب دورًا محوريًا في توجيه الاستثمارات الضخمة نحو مشاريع البنية التحتية الحيوية والطاقة المستدامة في الدول النامية، بما يشمل تمويل شبكات الكهرباء، مشاريع النقل، و الطاقات المتجددة، حيث يمكن ان تتيح هذه المؤسسات لبلادنا الحصول على دعم مالي وتقني يمكنه دفع عجلة التنمية الوطنية، وتحفيز النمو الاقتصادي عبر استحداث فرص عمل جديدة، وتحسين الخدمات الأساسية. ويأتي هذا التنويع في الشراكات الاقتصادية أيضًا ليعزز من قدرة بلادنا على دمج نفسها في سلاسل القيمة العالمية، ويمنحها إمكانية الاستفادة من التقنيات الحديثة والمعرفة المتقدمة التي ترافق الاستثمارات الأمريكية، ما يرفع من مستوى تنافسيتها الإقليمية والعالمية، هذا التوجه لا يسهم فقط في تعزيز صمود الاقتصاد الوطني أمام التقلبات الخارجية، بل يفتح أيضًا المجال لإصلاحات هيكلية وتطوير قطاعات واعدة، مثل التكوين التقني، والزراعة، والطاقات النظيفة، عبر تبني نماذج شراكة مستدامة ومتوازنة تخدم مصالح بلادنا طويلة المدى. نقل المعرفة والتكنولوجيا يُعد بناء قدرات الشباب وربط التعليم بسوق العمل أولوية محورية في الأجندة الوطنية ، إذ يمثل الاستثمار في الكفاءات ركيزة أساسية لبناء اقتصاد حديث ومتنوع، وتتمتع الجامعات الأمريكية ومراكز الابتكار، مثل وادي السيليكون (Silicon Valley) وغيره من الأقطاب البحثية الرائدة، بخبرات متقدمة في تطوير الأبحاث الزراعية والصناعية والتكنولوجية، ومن شأن إرساء شراكات أكاديمية ومهنية مع هذه المؤسسات أن يسهم في تحديث القطاعات الحيوية داخل بلادنا، ويعزز قدراتها على ربط مخرجات التعليم مباشرةً بالأسواق الإقليمية والعالمية، وفتح آفاق جديدة أمام رواد الأعمال الشباب في مجالات الابتكار والتكنولوجيا. دعم دبلوماسي وسياسي من الناحية الدبلوماسية، يُعد توطيد العلاقة مع واشنطن ورقة قوة مهمة لبلادنا، ليس فقط داخل مجلس الأمن والمنظمات الدولية، بل أيضًا في كسب ثقل أكبر داخل المؤسسات المالية متعددة الأطراف مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتعزز هذه الشراكة مكانة نواكشوط كطرف موثوق به في إدارة ملفات معقدة تخص منطقة الساحل والصحراء، من أمن ومكافحة الإرهاب والهجرة العابرة للحدود، إلى دور الوساطة بين الأطراف المتنازعة، كما يُتيح الانفتاح على الولايات المتحدة توسيع دوائر التعاون مع حلفائها الاستراتيجيين في أوروبا والعالم العربي، خاصة من خلال المبادرات التنموية والأمنية المشتركة، وكذلك مع بلدان القارة الإفريقية التي تتشارك مع بلادنا نفس التحديات والفرص، مما يمكّنها من أن تكون همزة وصل حقيقية بين فضاء الساحل الإفريقي وفضاءات المغرب العربي والخليج العربي، ويعزز موقعها الجيوسياسي كلاعب مسؤول وفاعل في محيطها الإقليمي والدولي. تعزيز الأمن والدفاع في منطقة الساحل والصحراء، حيث تنشط جماعات مسلحة وإرهابية عابرة للحدود وتستفيد من الفراغات الأمنية وضعف التنسيق الإقليمي، تبدو الحاجة أكثر إلحاحًا اليوم لبناء شراكة أمنية فعالة مع قوى كبرى مثل الولايات المتحدة، وتكتسب هذه الشراكة بعدًا جديدًا في ظل التحديات العالمية التي أفرزتها الحرب الروسية الأوكرانية، وما رافقها من إعادة تشكيل موازين القوى العالمية وسباق النفوذ في مناطق استراتيجية، إضافة إلى تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، وما لذلك من انعكاسات على الأمن الطاقوي وسلاسل الإمداد العالمية. في هذا السياق، تجد بلادنا نفسها معنية بتعزيز قدراتها الأمنية والاستخباراتية ليس فقط لحماية حدودها ومواطنيها، وإنما أيضًا لتأمين سواحلها الأطلسية التي أصبحت أكثر أهمية في ظل تزايد الأنشطة البحرية غير المشروعة والتدفقات غير النظامية، حيث تملك الولايات المتحدة خبرات متقدمة في مجالات التدريب العسكري، وأمن الحدود، والمراقبة البحرية، والدعم اللوجستي، وهي خبرات يمكن أن تشكل عنصرًا حاسمًا في تمكين الجيش والأجهزة الأمنية الموريتانية من رفع جاهزيتها وحماية الاستقرار الوطني والإقليمي في مواجهة التهديدات المستجدة والمتشابكة. كما أن انخراط بلادنا في شراكات أمنية مدروسة يعزز موقعها كركيزة استقرار ضمن المنظومة الإفريقية والعربية، ويمنحها دورًا أكبر في التنسيق مع حلفاء الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ومنع التمدد المحتمل لأي قوى أو شبكات تستغل النزاعات العالمية لإعادة التموضع في منطقة الساحل والصحراء. الوصول إلى السوق الأمريكية يمثل السوق الأمريكي اليوم فرصة حيوية لتسويق المنتجات الوطنية الموريتانية، ولا سيما في مجالات الصناعات الحرفية ، والمنتجات الزراعية، والمنتجات البحرية التي تتمتع فيها بلادنا بمزايا تنافسية معتبرة، ففي ظل التوترات الجيوسياسية الأخيرة والتحولات في سلاسل الإمداد العالمية، باتت الأسواق الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، تسعى بشكل متزايد إلى تنويع مورديها وتقليل الاعتماد المفرط على بعض المصادر الآسيوية، خاصة في المنتجات البحرية التي تأتي منها نسبة كبيرة عبر شبكات طويلة ومعقدة قد تتأثر بالأزمات العالمية أو سياسات الحماية التجارية. وتملك بلادنا أحد أغنى الشواطئ بالثروات السمكية على مستوى إفريقيا، مع إمكانية توفير منتجات بحرية عالية الجودة وتطبيق معايير استدامة وصحة غذائية يمكن أن تفتح الأبواب أمامها للدخول إلى السوق الأمريكية بصفة مورد بديل موثوق، ومع تطوير سلاسل القيمة المحلية وتعزيز قدرات التخزين والمعالجة والتعبئة، يمكن للمنتجات البحرية الموريتانية أن تنافس فعليًا في قطاعات الأسماك الطازجة والمجمدة والمعلبة، مما يرفع القيمة المضافة ويعزز مداخيل آلاف الأسر. إضافة إلى ذلك، فإن تطوير قنوات تجارة إلكترونية موجهة خصيصًا للأسواق الخارجية، بما فيها السوق الأمريكية، سيتيح تسويق هذه المنتجات بشكل مباشر ويضمن وصولها إلى المستهلك النهائي بأقل كلفة، وهو ما يعكس رؤية حديثة للاقتصاد الوطني تقوم على الابتكار والتصدير الذكي. ثانيًا: حاجة الولايات المتحدة إلى موريتانيا في المقابل، ترى الولايات المتحدة أن الشراكة مع موريتانيا تخدم أهدافًا استراتيجية تتجاوز العلاقة الاقتصادية التقليدية. الموقع الجغرافي الاستراتيجي تقع بلادنا عند تقاطع جغرافي فريد يربط شمال إفريقيا بغربها، وتشرف على واجهة بحرية أطلسية تمتد لأكثر من 700 كيلومتر، ما يمنحها أهمية جيوسياسية خاصة في تأمين أحد الممرات البحرية الحيوية ، ويجعلها هذا الموقع حلقة وصل طبيعية بين بلدان المغرب العربي وفضاء الساحل والصحراء، ونافذة استراتيجية نحو الأسواق الإفريقية جنوب الصحراء، كما يعزز موقع بلادنا أهميتها في مراقبة التحركات الأمنية في منطقة الساحل، التي تشهد تحديات متزايدة بفعل الأنشطة الإرهابية، الهجرة غير النظامية، وشبكات تهريب الأسلحة والمخدرات العابرة للحدود، هذا الامتداد الساحلي والحدودي يمنحها دورًا محوريًا في جهود تأمين الحدود البحرية والبرية وحماية الممرات التجارية في المحيط الأطلسي، وهو ما يفسر اهتمام القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، بتعزيز التعاون الأمني مع نواكشوط ودعم قدراتها كدولة استقرار ومراقبة في محيط مضطرب. وبفضل هذا العمق الجغرافي، يمكن لبلادنا أن تتحول إلى منصة لوجستية وتجارية متقدمة تربط الأسواق الإفريقية بالفضاءات الأطلسية والأوروبية والأمريكية، بما يعزز موقعها كمحور استراتيجي للتجارة والأمن معًا. الموارد الطبيعية والفرص الاقتصادية تمتلك بلادنا واحدًا من أكثر المخزونات المعدنية تنوعًا ووفرةً في منطقة الساحل وغرب إفريقيا؛ إذ تحتل موقعًا متقدمًا عالميًا في احتياطات الحديد عالي الجودة، إلى جانب ثروات كبيرة من الذهب، والنحاس والفوسفات والحديد، والمعادن الثقيلة مثل اليورانيوم والتيتانيوم والزركون، والتي تكتسب أهمية استراتيجية في الصناعات التكنولوجية والعسكرية الحديثة، وتعزز هذه الثروات مكانة بلادنا كمورد موثوق للمواد الخام التي يحتاجها الاقتصاد العالمي، خاصة في ظل التوجه نحو إعادة تشكيل سلاسل التوريد وتقليل الاعتماد على أسواق قد تشهد توترات حادة مثل بعض مناطق آسيا أو أوروبا الشرقية. وعلاوة على ذلك، تُعد احتياطيات الغاز الطبيعي، خاصة في حقل السلحفاة-آحميم المشترك مع السنغال وحقل بير الله وبندا وشنقيط وغيرهم، من الأصول الاستراتيجية التي تفتح أمام بلادنا آفاقًا لتكون مورِّدًا موثوقًا للغاز والنفط نحو أوروبا وأمريكا في مرحلة التحول الطاقوي، وهو ما يتماشى مع سعي الولايات المتحدة لتعزيز أمنها الطاقوي عبر شركاء مستقرين وبيئة استثمارية واضحة، ولا يقتصر الأمر على الموارد التقليدية فقط؛ إذ تتمتع بلادنا بإمكانات هائلة لتطوير مشاريع الطاقات المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إضافة إلى موقعها الواعد في خارطة إنتاج الهيدروجين الأخضر، الذي بات يُنظر إليه عالميًا كمصدر طاقة بديل يُقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري، وهنا يمكن للولايات المتحدة أن تجد في بلادنا شريكًا استراتيجيًا لدعم انتقالها نحو اقتصاد منخفض الكربون، عبر الاستثمار في البنية التحتية، ونقل التكنولوجيا، وتطوير مشاريع إنتاج وتصدير الهيدروجين النظيف. إن تنويع واشنطن لمصادر إمداداتها من المواد الخام والمعادن الاستراتيجية والطاقة النظيفة يُعد ركيزة أساسية لحمايتها من التقلبات الجيوسياسية ومخاطر الاحتكار أو تعطّل خطوط التوريد التقليدية، وهو ما يجعل من بلادنا لاعبًا صاعدًا في تلبية هذه الحاجة، خاصة مع توفر عوامل الاستقرار السياسي والإطار القانوني المشجع للاستثمار طويل الأمد. سوق ناشئة للاستثمار بفرص تنموية متنوعة رغم محدودية عدد السكان نسبيًا، تُعد بلادنا سوقًا بكرًا واعدة في عدة مجالات حيوية مثل الطاقة والزراعة والبنية التحتية، وهي قطاعات تتوافق مع التوجه الأمريكي المتزايد نحو تحفيز شركاتها للعمل في إفريقيا، خاصة في إطار مشاريع الطاقات وتعزيز الأمن الغذائي، ففي قطاع الزراعة مثلًا، يوفّر حوض نهر السنغال ظروفًا مثالية لتطوير زراعات مروية حديثة، حيث يمتد على طول المناطق الزراعية الخصبة جنوب البلاد، ويُمثل رافدًا حيويًا لدعم الإنتاج الزراعي وتحقيق الاكتفاء الغذائي، فضلًا عن فرص تصدير الفائض إلى أسواق إقليمية وعالمية، كما دشّن فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، قبل مغادرته إلى واشنطن، سد فم لكليتة الذي يُعد من المشاريع المائية الكبرى لدعم الزراعة المروية وتوفير مخزون مائي مستدام لفائدة المزارعين، بما يعزز مرونة الإنتاج في مواجهة التغيرات المناخية، وتُضاف إلى ذلك برامج توسعة المساحات الصالحة للزراعة، والاستثمار في نظم الري الحديثة، وتطوير سلاسل القيمة الزراعية. أما على مستوى الطاقة، فتجمع بلادنا بين مشاريع الغاز الطبيعي (مثل حقل السلحفاة–آحميم) والإمكانات الضخمة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ما يجعلها مرشحة لتكون مركزًا إقليميًا لإنتاج وتصدير الطاقة النظيفة بما في ذلك مشاريع الهيدروجين الأخضر، وفي جانب البنية التحتية، تحتاج البلاد إلى استثمارات ضخمة لتطوير الموانئ والطرق والسكك الحديدية وربط المناطق الزراعية والمعدنية بمراكز التصدير، وهو ما يفتح آفاقًا مهمة أمام الشركات الأمريكية العاملة في هذه المجالات الحيوية. كل ذلك يجعل من بلادنا سوقًا ناشئة تحمل فرصًا جذابة للاستثمار النوعي طويل الأمد، وتتماشى مع رؤية الولايات المتحدة لتنويع شراكاتها الاقتصادية في إفريقيا وتعزيز حضور شركاتها في المشاريع الكبرى ذات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية. شريك موثوق في ملفات إقليمية ودولية تؤدي بلادنا دورًا مهمًا كوسيط هادئ في عدد من النزاعات المعقدة في المنطقة، مثل الوضع في مالي الذي يُعد أحد أخطر بؤر التهديد الأمني في الساحل، والأزمة الليبية التي تؤثر مباشرة على استقرار شمال إفريقيا وجنوبها، وبفضل حيادها النسبي وعلاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف، تحظى بلادنا بقبول إقليمي يجعلها شريكًا موثوقًا في جهود التسوية والحوار، وتُشكّل هذه الأدوار قيمة مضافة للولايات المتحدة في إطار التنسيق الأمني والسياسي، إذ تحتاج واشنطن إلى شركاء موثوقين محليين يمتلكون القدرة على التواصل الفعال مع الفاعلين في الميدان، خصوصًا في مناطق الهشاشة الأمنية، كما يعزز صوت بلادنا في المحافل الدولية — كالاتحاد الإفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية — حضور القضايا المرتبطة بمنطقة الساحل، سواء تعلق الأمر بالتنمية المستدامة أو مكافحة الإرهاب أو مواجهة التحديات المناخية ، ومن خلال انفتاحها المتوازن على محيطها العربي والإفريقي، يمكن لبلادنا أن تُشكل جسرًا لدعم المبادرات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون لتعزيز الأمن الإقليمي وإيجاد حلول سلمية للنزاعات الممتدة، بما يجعل من نواكشوط شريكًا استراتيجيًا مسؤولًا وفعّالًا ضمن منظومة الأمن والاستقرار في غرب إفريقيا والساحل والمغرب العربي. آفاق الشراكة: مقاربة واقعية قائمة على المصالح المشتركة لقد أدركت بلادنا، بقيادتها الرشيدة، أن بناء شراكة استراتيجية مع قوة عالمية كبرى مثل الولايات المتحدة لا يعد مجرد ترف دبلوماسي، بل هو رافعة أساسية لتعزيز قدراتها الاقتصادية والسيادية على حد سواء، فواشنطن اليوم ترى في نواكشوط شريكًا موثوقًا ومستقرًا في منطقة تعج بالأزمات الأمنية والسياسية المتشابكة، ما يجعلها حليفًا استراتيجيًا لا غنى عنه في جهود تحقيق الاستقرار الإقليمي، وفي ضوء هذه المصالح المشتركة، تُفتح أمام الطرفين آفاق واسعة للتعاون في مجالات لدعم جهود تأمين الاستقرار السياسي والأمني في منطقة الساحل والصحراء. غير أن نجاح هذه الشراكة الاستراتيجية بين بلادنا والولايات المتحدة لا يقتصر على توقيع الاتفاقيات أو التصريحات السياسية، بل يتوقف بشكل جوهري على قدرة المسؤولين على التفاوض بفعالية اكبر، وتحويل هذه الفرص الواعدة إلى برامج ومشاريع عملية ملموسة قابلة للتنفيذ في اقرب الأوقات، هذه المشاريع يجب أن تخلق قيمة مضافة حقيقية، تعكس تطلعات الشعب الموريتاني في تحسين جودة الحياة، ورفع معدلات التشغيل، وتعزيز قدرات الاقتصاد الوطني على مواجهة التقلبات والأزمات العالمية المتلاحقة، مثل الاضطرابات في الأسواق العالمية، والتغيرات المناخية، والتحديات الأمنية الإقليمية، فمن هذا المنطلق، تكون نواكشوط مركز استقرار إقليمي، وقاعدة انطلاق قوية لمرحلة جديدة من النمو والازدهار، ليس فقط داخل بلادنا، بل في عمق فضاء الساحل وغرب إفريقيا، حيث يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في دفع مسارات التعاون الإقليمي والتنمية الاقتصادية، وتعزيز الأمن والاستقرار، بما يخدم مصالحها الوطنية ويحقق تطلعات شعوب المنطقة بأسرها.

السفير الفرنسي يكتب: موريتانيا-فرنسا: علاقة قائمة على الاحترام والصداقة لمواجهة التحديات المشتركة
السفير الفرنسي يكتب: موريتانيا-فرنسا: علاقة قائمة على الاحترام والصداقة لمواجهة التحديات المشتركة

الصحراء

timeمنذ يوم واحد

  • الصحراء

السفير الفرنسي يكتب: موريتانيا-فرنسا: علاقة قائمة على الاحترام والصداقة لمواجهة التحديات المشتركة

لطالما ساد الاحترام والصداقة، العلاقات بين فرنسا وموريتانيا"،هذه الكلمات ألقاها فخامة رئيس الجمهورية، محمد ولد الشيخ الغزواني، منذ أكتوبر 2023، إلا أن صداها لا يزال اليوم متواصلا بشكل أعمق. مع بدء العطلة الصيفية واحتفال فرنسا بعيدها الوطني في 14 يوليو، يبدو لي من المناسب التأمل في العام المثمر الذي انقضى، والذي تميز من جديد بتعميق العلاقات بين فرنسا وموريتانيا. في الواقع، وفي سياق تأزم إقليمي متزايد، لا تزال العلاقة بين بلدينا نموذجًا للاستقرار. فكانت الأحداث الدولية العديدة التي جمعتنا هذا العام خير شاهد علي ذلك: دورة الألعاب الأولمبية في باريس، حيث تم تكريم الوفد الموريتاني، رمزيًا، من قِبل السيد كامل ولد الدوا، حامل العلم الفرنسي المولد في فرنسا؛ قمة الفرنكوفونية في فيليه كوتيريه Villers-Cotterêts ، حيث جددنا تأكيد الصلة الوثيقة التي تجمعنا عبر اللغة الفرنسية، والتي أعلم أن الرئيس غزواني والموريتانيين متمسكون بها بشدة؛ وأخيرًا، مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات في نيس (UNOC)، الذي شاركت فيه موريتانيا مشاركة متميزة بالتصديق على معاهدةBBNJ لحماية التنوع البيولوجي في أعالي البحار، مما يُذكرنا بأن النضال من أجل الحفاظ على المحيطات يُمثل تحديًا يُوحد بلدينا، "الجارين" على طول ساحل المحيط الأطلسي. وإلى جانب هذه الاحداث، تندرج الصداقة بين بلدينا في إطاررؤية مشتركة لإعادة بناء العلاقات بين أفريقيا وأوروبا. وفي هذا الصدد، أودّ أن أُشيد بالتزام الرئيس غزواني، خلال رئاسته للاتحاد الأفريقي، بتعددية العلاقات لتكون أكثر شمولًا واحترامالاحتياجات البلدان الأفريقية. ونحن ندعم هذه الأولويات ونتطلع إلى مواصلة معالجتها معًا. هذه الأسس المتينة تُرشدنا في رغبتنا في توطيد هذه العلاقة القيّمة وتعميقها في جميع المجالات. - أولاً وقبل كل شيء، في المجال الاقتصادي يتزايد انجذاب الشركات الفرنسية للسوق الموريتاني، مدفوعةً بشكل خاص بالمسار الإيجابي للاقتصاد الكلي للبلاد. وكانتالفرص الواضحة التي توفرها موريتانيا تتجلي بشكل متزايد في فرنسا، ويسعدنا دعم هذا التطور. في وقتٍ تؤثر فيه الاضطرابات الاقتصادية العالمية علينا جميعاً، تقع على عاتقنا مسؤولية بناء علاقة اقتصادية ثنائية، متينة تعود بالنفع على بلدينا. ويسعدني أننا، في هذا السياق، تمكنا من حشد أدوات تمويل جديدة، مثل القروض بشروط ميسرة، بتمويل من الخزانة الفرنسية. ويتجلى ذلك في توقيع قرض ميسّر بقيمة 2 ملياري أوقية جديدة(MRU) في أبريل الماضي لتوسيع شبكة آفطوط الساحلي، التي تزود نواكشوط بمياه الشرب من نهر السنغال. وسيوفر هذا المشروع الضخم، الذي تقوده شركات فرنسية، فرص عمل جديدة، ويعزز نقل الخبرات في قطاع المياه الحيوي. في المجمل، يوجد في موريتانيا أكثر من ثلاثين شركة فرنسية. وقد وفرت هذه الشركات أكثر من 2000 فرصة عمل مباشرة، كونتمئات الشباب الموريتانيين، عن طريق التبادلات بلغت قيمتها الإجمالية 14 مليار أوقية جديدة. - في ظلّ تراجع بعض الشركاء التقليديين عن التزاماتهم، تُستكمل هذه الأولوية الاقتصادية بإعادة التزامٍنا الكبير بدعم التنمية. وهكذا، كان عام 2024 عامًا قياسيًا لتدخلات الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD) في موريتانيا، حيث بلغت مخصصات التمويلاتالجديدة ما يقارب 5 مليارات أوقية جديدة، ليصل حجم التمويلاتالجارية للتنفيذ حاليًا إلى أكثر من 20 مليار أوقية جديدة، بما في ذلك التمويل المخصص لعام 2025. ويجري تعميم هذا الالتزام في جميع أنحاء موريتانيا دعمًا لجهود الحكومة، مع التركيز على تحقيق آثار ملموسة على السكان. وأخص بالذكر: - خط الكهرباء، الجهد العالي بين نواكشوط والنعمة،والذي من شأنه أن يُسرّع وصول الكهرباء إلى السكان، لا سيما في لعصابة والحوضين. - دعم قطاعي الحليب والبستنة لتعزيز تنمية الألبان في الحوضين، والبستنة في غور غول وغيدي ماغا ولعصابة؛ - مشروع دعم الثروة الحيوانية في الحوض الشرقي، الذي زرته في ديسمبر الماضي لإظهار دعم فرنسا لجهود السلطات الموريتانية في الاستجابة للتدفق الهائل للاجئين والنازحين في هذه المنطقة. وفي قطاع الصحة، تشرفت بالمشاركة إلى جانب الرئيس غزواني في 8 مايو في حفل وضع حجر الأساس للمركز الوطني الجديد لنقل الدم في نواكشوط، بتمويل من الوكالة الفرنسية للتنمية والذي يُظهر التزامنا المشترك بالحد من وفيات الأمهات والرضع في موريتانيا. ويتميز عامي 2024 و2025 أيضًا بإعادة إطلاق أنشطة بروباركوProparco، وهي بنية تابعة للوكالة الفرنسية للتنمية مسؤولة عن القطاع الخاص، والتي منحت ووقعت ثلاثة خطوط ضمان لصالح بنوك BEA وGBM وBMI لتعزيز الواردات التي تحتاجها البلاد. وأخيرًا، واصلت منظمة Expertise France تنفيذ محفظتها المكونة من 14 مشروعًا، بما في ذلك برنامج دعم الحوكمة المالية والإدارية (PAGFAM) لإصلاح المالية العامة والإدارة الوطنية. - ومن المحاور الرئيسية لعلاقتنا، التعاون الثقافي والتعليمي، الذي لا يزال يتماشى بشكل وثيق مع أولوية الرئيس غزواني لتمكين الشباب. ويجري أيضًا تنفيذ هذه الأولوية في المجال الثقافي. وفي هذا الصدد، واصل المعهد الفرنسي في موريتانيا فتح أبوابه أمام التعبير الفني للشباب الموريتاني، بل ونظم أيضًا عبرالأراضي الموريتانية قافلة فريدة زارت أطار وكيفه ونواذيبو في ديسمبر الماضي لتقديم عروض ومعارض وأفلام. وقد تخللت فعاليات هامة، مثل العرض الأول في موريتانيا لفيلم "الشاي الأسود" لعبد الرحمن سيساكو، أو تنظيم حفل موسيقي كلاسيكي. فكان برنامجًا غنيًا ومتنوعًا يحتفي بجميع ثقافات هذا البلد، دون إغفال ثقافته التقليدية كموسيقى أزوان. يُشكل التعاون الأكاديمي والتعليمي ركيزةً أساسيةً أخرى لدعم الشباب: o سواءً في مجال التعليم العالي، من خلال إنشاء مركز تعليمي جامعي، بالتعاون الوثيق مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، والذي يهدف إلى دعم تحديث ممارسات التدريس في التعليم العالي الموريتاني؛ o ومن خلال حركية الطلاب، مع الزيادة المطردة في عدد الطلاب الموريتانيين في فرنسا خلال السنوات الأربع الماضية: 250 طالبًا هذا العام، من بينهم حوالي أربعين طالبًا حاصلين على منح دراسية من الحكومة الفرنسية. وفي المجموع، يدرس أكثر من 1100 شاب موريتاني في فرنسا. o وأنا سعيدٌ أيضًا بإنشاء جمعية "خريجي فرنسا في موريتانيا"، التي انبثقت من مبادرة خريجي التعليم العالي الفرنسي السابقين، والتي تحتفل هذا العام بالذكرى السنوية الثانية لتأسيسها. إنها تُجسّد حيوية تبادلاتنا وتشهد على متانة روابط الصداقة والمعرفة والقيم المشتركة بين بلدينا. وكم كان من دواعي الفخر والسرور أن أرى أحد هؤلاء الخريجين، السيد سيدي ولد التاه، خريج جامعة باريس السابعة (دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد) وجامعة نيس صوفيا أنتيبوليس (دكتوراه في الاقتصاد)، يُنتخب رئيسًا للبنك الأفريقي للتنمية (BAD) في 29 مايو/أيار. تهانينا له ولموريتانيا! o وأخيرًا، ثمرة التعاون بين بلدينا في المجال التعليمي، حصول ثلاث مدارس موريتانية خاصة على الاعتمادللتعليم باللغة الفرنسية، وهي الآن جزء من الشبكة الدولية لوكالة التعليم الفرنسي في الخارج، إلى جانب المدرسة الفرنسية تيودور مونو. أرحب بهذا الفصل الجديد، وآمل أن يمهد الطريق لتعزيز التعليم باللغة الفرنسية في موريتانيا. - لا تكتمل هذه النظرة العامة إلا بالتعاون في مجالي الأمن والدفاع، على أساس الاحترام المتبادل لسيادة بلدينا ومصالحهما المتبادلة. وقد أبرز انعقاد اللجنة العسكرية المشتركة الرابعة بين بلدينا في نواكشوط في 25 يونيو/حزيران متانة تعاوننا مع القوات المسلحة الموريتانية. وقد سمح لنا هذا الاجتماع، الذي يُعقد كل عامين، بوضع برنامج عمل طموح لتطوير مشاريع مشتركة في مجالات تدريب الضباط، والتدريب البحري، والهندسة العسكرية، والخدمات اللوجستية. ويتجلى هذا التعاون رفيع المستوى بين قواتنا المسلحة بشكل خاص في المجال البحري، كما يتضح من توقف سفينة دورية أعالي البحار "كوماندانت بوانت" في ميناء نواكشوط في مايو/أيار الماضي. علاوة على ذلك، ندعم إنشاء مدرسة جديدة ضمنالأكاديمية البحرية لمساعدة موريتانيا في مواجهة تحديات الأمن البحري. وأخيرًا، تُكمّل هذه الجهود المشتركة بشكل كامل المبادرات متعددة الأطراف، لا سيما في إطار الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو). وفي مجال الأمن الداخلي، تطور التعاون بشكل أكبر في مجالات مكافحة الهجرة غير الشرعية والاتجار بالأشخاص والبضائع. هذا العام أيضًا، نُظمت أو ستُنظم نحو ستين دورة تكوينية رفيعة المستوى في مجالات مُحددة، مثل مكافحة تزوير الوثائق، وإدارة الحشود، وإدارة الأزمات في المؤسسات العقابية(السجون). وللسنة الثانية على التوالي، تم اختيار ضابط موريتاني ومفوض شرطة لمتابعة دورة في أكاديميات الشرطة الفرنسية. علاوة على ذلك، وبالتعاون الوثيق مع الجهات المؤسسية الموريتانية الفاعلة في مجالي الأمن والعدالة، ولا سيما المحكمة الخاصة المُنشأة حديثًا، ستُموّل فرنسا، ابتداءً من سبتمبر 2025، مشروعًا طموحًا لتعزيز نظام العدالة الجنائية المتعلق بتهريب المهاجرين والاتجار بالبشر. وأخيرًا، يُستكمل هذا التعاون بتعاون وثيق في مجال الأمن المدني، بهدف العمل مع السلطات الموريتانية لتعزيز الشبكة الإقليمية من أجل تحسين جهود الإغاثة للسكان الذين يواجهون عواقب تغير المناخ، مثل حرائق الغابات والفيضانات. * تعكس هذه النظرة العامة لتعاوننا ثراء وكثافة وعمق روابطنا. كما تُبرز جسامة التحديات المشتركة التي نواجه، سواءً في مجال التنمية الاقتصادية، أو تعزيز السلام، أو الحفاظ على بيئتنا، أو مكافحة الإرهاب. إن الطريق صعب ووعر، لكن المسار مستقيم، وأنا مقتنع بأن موريتانيا وفرنسا معًا سوف ترتقيان إلى مستوى التحدي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store