
كيف سحبت قرارات ترمب الغليان من فقاعة أسواق الأسهم؟
في اليومين التاليين لإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قرارات التعريفة الجمركية على شركاء بلاده التجاريين هوت مؤشرات الأسهم في الأسواق الكبرى حول العالم، لكن النصيب الأكبر من الهبوط كان لأسواق "وول ستريت"، وهذا طبيعي، ليس لأنها أكبر سوق أسهم، لكن أيضاً لأن معدلات ارتفاع مؤشراتها السنوية في الأعوام الثلاثة الأخيرة بالمتوسط السنوي كانت أكبر من بقية الأسواق حول العالم بكثير.
خلال الأسبوع الماضي خسر مؤشر "أس أند بي 500" القياسي في بورصة "وول ستريت" أكثر من 9 في المئة من قيمته، بينما فقدت بقية المؤشرات نسب متفاوتة هبطت بها عن مستويات نهاية العام الماضي بالقدر الذي جعلها تفقد كل مكاسبها في الأشهر الأخيرة. وإجمالاً، تشير بيانات نشرة "داو جونز" إلى أن 6.4 تريليون دولار تبخرت من قيمة الأسهم المسجلة على مؤشرات السوق.
قد يبدو هذا الرقم كبيراً جداً بما يصنع عناوين مثيرة في الأخبار، لكن الحقيقة أنه لا يتجاوز نسبة 10 في المئة من القيمة السوقية للشركات الكبرى. فمؤشر "راسل 3000" الذي يضم غالب الشركات الأميركية وصلت قيمته أخيراً إلى 64 تريليون دولار، وهو رقم قياسي بالفعل.
في رأي كثير من المحللين والمعلقين والاقتصاديين أن الأسواق، وبخاصة "وول ستريت"، وصلت إلى مرحلة غليان لفقاعة الأسهم، بل وتنبأ كثر منذ العام قبل الماضي بأن تلك الفقاعة على وشك الانفجار، قبل أن تأتي قرارات ترمب لتسحب كثيراً من حرارة الغليان في السوق.
توقعات الانفجار
في يوليو (تموز) 2023 نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن أحد أكبر المستثمرين الذين يستفيدون من انهيار الأسواق مارك سبيتزناجل الذي تكسب شركته الاستثمارية "يونيفرسال إنفستمنتز" المليارات من كل أزمة انهيار في سوق الأسهم، أن الانفجار القادم لفقاعة الأسهم سيهوي بنصف قيمتها، أي هبوطها بنسبة 50 في المئة.
توقع المستثمر أن يستمر منحى الارتفاع في أسعار الأسهم لفترة، لكنه سينتهي بانفجار الفقاعة وانهيار الأسواق نتيجة عمليات البيع الهائلة فجأةً، بحسب تعبيره. وأشار في تصريحاته إلى مصطلح "بجعة سوداء" الذي استخدمه للمرة الأولى نسيم طالب أستاذ المالية في كتابه الشهير بهذا العنوان عام 2007، أي قبل انهيار سوق قروض الرهن العقاري والأزمة المالية العالمية في 2008.
وقدر سبيتزناجل وقتها أن تراجع معدلات التضخم وبدء البنوك المركزية في خفض أسعار الفائدة سيزيد من غليان السوق وكبر حجم الفقاعة، بالتالي سيستمر منحى الارتفاع في المؤشرات الذي بدأ مع "فورة أسهم شركات الذكاء الاصطناعي". أما العامل المحفز لانفجار الفقاعة فهو الارتفاع الهائل في الدين العام الأميركي الذي تجاوز 34 تريليون دولار، وفي رأيه أن هذا سيجعل من الصعب على بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي التدخل لتخفيف حدة الوضع في ظل توقعاته بدخول أكبر اقتصاد في العالم في ركود.
لم يحدث ما توقعه المستثمر الشهير، لكن بعد عام، وفي يوليو 2024 توقع أحد كبار المستثمرين المخضرمين في السوق أن يكون انفجار فقاعة الأسهم القادم أكبر بكثير من انهيارات سابقة، وأن ينتهي الارتفاع المستمر منذ فترة في المؤشرات إلى فقاعة قابلة للانفجار، مما يؤدي إلى انهيار السوق بصورة "تدمي القلوب". وحذر جون هوسمان رئيس صندوق "هوسمان إنفستمنت تراست"، في مذكرة لعملائه من أن التقييم المبالغ فيه للأصول و"عوامل داخلية في السوق" ستقود إلى "موجة مضاربات هائلة" تنتهي بانهيار الأسواق.
قدر هوسمان أن ينهار المؤشر القياسي في "وول ستريت" بنسبة 64 في المئة نتيجة انفجار الفقاعة و"الهبوط الحر" لمؤشرات الأسهم، وذكر ثلاثة عوامل أساسية لتوقعاته وهي، المبالغة في قيمة الأصول، وعوامل داخلية سيئة في السوق، والتطرف في توجه المنحنى. ومر العام الماضي ولم يحدث انفجار الفقاعة، بل على العكس واصلت مؤشرات الأسهم الارتفاع.
تصحيح ضروري
في مارس (آذار) الماضي وفي مقابلة مع "بلومبيرغ" قال المستثمر البريطاني يريمي غرانثام الذي توقع أزمات الأسواق الشهيرة السابقة بدقة إن السوق الأميركية الآن في وضع ما قبل انفجار الفقاعة.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وسبق أن تنبأ غرانثام بدقة بأزمة أسواق اليابان عام 1989 وبأزمة السوق المعروفة بانهيار "دوت كوم" عام 2000، وكذلك بأزمة انهيار السوق العقارية الأميركية عام 2008 وما تبعه من أزمة مالية عالمية. وقال المستثمر البريطاني، وهو الشريك المؤسس لشركة إدارة الاستثمارات "جي أم أو"، في مقابلته عن السوق الأميركية، "كثيراً ما نظرت إليها من منظور أنها كلما ارتفعت وزاد حجمها لمدة أطول أصبحت مثيرة وعالية الخطورة، وهي الآن قد تجاوزت مستوى الفقاعة الهائلة".
إذا أخذنا في الاعتبار أن مؤشر "أس أند بي 500" يواصل الارتفاع بمتوسط سنوي يتجاوز نسبة 10 في المئة منذ أزمة وباء كورونا فلك أن تتخيل حجم التصحيح الضروري ليعود المؤشر للتوازن. ففي النهاية لا يمكن أن تواصل مؤشرات الأسهم الارتفاع طوال الوقت، وللسوق دورات من ارتفاع وهبوط، لكن ما حدث في السنوات الأخيرة كان مبالغة هائلة في قيمة الأصول، بما فيها الأسهم.
يعني ذلك ارتفاع أسعار الأسهم نتيجة المضاربات وليس بسبب الزيادة في القيمة المادية للشركات التي تطرحها، وهذا ما يولد ما تسمى "الثروة الورقية"، أي مئات المليارات لحملة تلك الأسهم لا تعكس عائدات ولا أرباح للشركات. ونتيجة فترة غليان فقاعة الأسهم الطويلة تراكمت تريليونات من تلك الثروة الورقية، تشكل تلك التريليونات "جرثومة أزمة" في النظام المالي وتحتاج الأسواق إلى هبوط تصحيحي للتخلص من تلك الزيادة شبه الوهمية في القيمة.
التعريفة وسيلة تبريد
صحيح أن عمليات الهبوط التصحيحي لا تكون بنسب كبيرة في وقت قصير، إنما كلما تضخمت الفقاعة زادت نسبة الهبوط، وهناك أسباب كثيرة تؤدي إلى عمليات البيع الهائلة التي تهوي بأسعار الأسهم، منها ما يتعلق بأسعار الفائدة وتوقعات النمو الاقتصادي ومعدلات التضخم أو الأزمات المفاجئة مثل الحروب واسعة النطاق أو الأوبئة الكاسحة كما حدث مع جائحة "كوفيد-19".
ربما جاءت عملية "تبريد غليان فقاعة" السوق هذه المرة بصورة مختلفة، لكن ما أعلنه الرئيس ترمب من تعريفة جمركية بهذه الصورة وعلى هذا النطاق الواسع كان بمثابة "أزمة" من نوع ما للنظام التجاري العالمي، مما دفع المستثمرين إلى البيع الكبير للأسهم ونقل استثماراتهم إلى ملاذات آمنة كالذهب وغيره.
ليس فرض التعريفة الجمركية في حد ذاته ما سبب هلع البيع في أسواق الأسهم، إنما توقعات المستثمرين لتأثير تلك القرارات على الاقتصاد الأميركي من احتمالات زيادة معدلات التضخم ودخول أكبر اقتصاد في العالم مرحلة ركود. وإذا أثبتت الأيام المقبلة أن تلك التوقعات مبالغ فيها، سيتوقف الهبوط في مؤشرات الأسهم، حتى مع أن الفقاعة تحتاج إلى تبخر مزيد من التريليونات من الأسواق لتهدئة غليان قيمة الأصول.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 28 دقائق
- Independent عربية
ترمب يفرض 50 في المئة رسوما تجارية على الاتحاد الأوروبي من أول يونيو
قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب اليوم الجمعة إنه يوصي بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 في المئة على السلع المقبلة من الاتحاد الأوروبي اعتباراً من الأول من يونيو (حزيران) المقبل، مشيراً إلى أن التعامل مع التكتل في شأن التجارة صعب. وذكر ترمب على منصة "تروث سوشيال" التي يمتلكها، أن "التعامل مع الاتحاد الأوروبي، الذي تشكل بالأساس لاستغلال الولايات المتحدة من الناحية التجارية، صعب جداً... مناقشاتنا معهم لا تفضي إلى أي نتيجة!". وذكرت صحيفة "فايننشيال تايمز" اليوم أن المفاوضين التجاريين للرئيس الأميركي يضغطون على الاتحاد الأوروبي لخفض الرسوم الجمركية من جانب واحد على السلع الأميركية. ووفقاً للصحيفة، فإن المفاوضين يقولون إنه من دون تنازلات لن يحرز الاتحاد تقدماً في المحادثات لتجنب رسوم مضادة إضافية بنسبة 20 في المئة. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمها القول إن الممثل التجاري الأميركي جيميسون جرير يستعد لإبلاغ المفوض التجاري الأوروبي ماروش شفتشوفيتش اليوم بأن "مذكرة توضيحية" قدمتها بروكسل في الآونة الأخيرة للمحادثات لا ترقى إلى مستوى التوقعات الأميركية. ولم تتمكن وكالة "رويترز" من التأكد من صحة التقرير على الفور، ولم يرد مكتب الممثل التجاري الأميركي بعد على طلب الوكالة للتعليق الذي أرسل خارج ساعات العمل الرسمية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقال المتحدث باسم المفوضية الأوروبية لشؤون التجارة أولوف جيل لـ"رويترز" عبر البريد الإلكتروني "أولوية الاتحاد الأوروبي هي السعي إلى اتفاق عادل ومتوازن مع الولايات المتحدة... اتفاق تستحقه علاقاتنا التجارية والاستثمارية الضخمة". وأضاف أن الاتحاد يواصل التفاعل بصورة نشطة مع الولايات المتحدة، وأنه من المقرر أن يتحدث شفتشوفيتش مع جرير اليوم. وذكرت الصحيفة أن الاتحاد الأوروبي يسعى إلى التوصل إلى نص إطاري متفق عليه بصورة مشتركة للمحادثات، لكن الجانبين لا يزالان متباعدين إلى حد كبير. وفرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 25 في المئة على السيارات والصلب والألمنيوم من الاتحاد الأوروبي في مارس (آذار) و20 في المئة على سلع أخرى من الاتحاد في أبريل (نيسان). وخفضت بعد ذلك الرسوم البالغة 20 في المئة إلى النصف حتى الثامن من يوليو (تموز)، مما أعطى مهلة 90 يوماً لإجراء محادثات للتوصل إلى اتفاق أكثر شمولاً في شأن الرسوم الجمركية. ورداً على ذلك، علق الاتحاد الذي يضم 27 دولة خططه لفرض رسوم جمركية مضادة على بعض السلع الأميركية، واقترح إلغاء جميع الرسوم الجمركية على السلع الصناعية من كلا الجانبين، غير أن إعلان ترمب اليوم يشكل مواجهة جديدة في العلاقات التجارية بين الطرفين.


الموقع بوست
منذ 32 دقائق
- الموقع بوست
الذهب يتجه لتسجيل أفضل أداء أسبوعي في أكثر من شهر
يتجه الذهب خلال التعاملات، اليوم الجمعة، لتسجيل أفضل أداء أسبوعي في أكثر من شهر، إذ أدى تراجع الدولار وتزايد المخاوف إزاء أوضاع المالية العامة في أكبر اقتصاد في العالم إلى دعم الإقبال على الملاذ الآمن. وصعد الذهب في المعاملات الفورية 0.2 بالامئة إلى 3299.79 دولار للأونصة (الأوقية). وزادت العقود الأميركية الآجلة للذهب 0.2 بالمئة أيضا إلى 3299.60 دولار. وارتفع المعدن النفيس بنحو ثلاثة بالمائة منذ بداية الأسبوع وحتى الآن ويتجه لتحقيق أفضل أداء أسبوعي منذ أوائل أبريل.


الوئام
منذ ساعة واحدة
- الوئام
هل تنهار العلاقة الأطول؟.. كندا تتحدى سياسات ترمب الحمائية
خاص – الوئام في ظل التوترات المتصاعدة بين واشنطن وأوتاوا، وفي وقت تتداعى فيه أسس النظام التجاري الغربي بسبب سياسات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الحمائية، اجتمع مسؤولون أمريكيون وكنديون في محاولة لإعادة الاستقرار إلى العلاقات الثنائية التي طالما شكلت حجر زاوية في الاقتصادين. اللقاءات الجانبية ضمن قمة مجموعة السبع في بانف بكندا تعكس أهمية اللحظة ومحاولة احتواء التصعيد قبل أن يتحول إلى أزمة استراتيجية طويلة الأمد. محاولة لخفض التوتر على هامش قمة مجموعة السبع في بانف، التقى وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت مع وزير المالية الكندي فرانسوا فيليب شامبان لمناقشة التوترات التجارية المستمرة. ورغم التكتم على تفاصيل المحادثات، وصف شامبان اللقاء بالإيجابي، مشيرًا إلى 'تقدم ملموس وإحساس بالوحدة' بين دول المجموعة. من جانبه، صرّح بيسنت بأن اليوم كان 'مثمرًا جدًا'. اتفاق اقتصادي وأمني جديد في الوقت ذاته، كان الوزير الكندي المكلّف بالعلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، دومينيك لوبلان، يجتمع مع مسؤولين من إدارة ترمب في واشنطن لبحث اتفاق اقتصادي وأمني جديد. وشدد رئيس الوزراء الكندي مارك كارني في أوتاوا على أن حكومته 'لن تتعجل لكنها مصممة على تحقيق أفضل صفقة لكندا. قمة السبع تبحث الاستقرار العالمي تركز اجتماعات مجموعة السبع على تنسيق الجهود بين الاقتصادات الغربية الكبرى لتحقيق استقرار اقتصادي عالمي. غير أن السياسات التجارية الحمائية التي ينتهجها ترمب، بما في ذلك فرض رسوم جمركية مرتفعة على واردات من الحلفاء، أثارت مخاوف في الأسواق المالية، ودفعت الشركات لتقليص استثماراتها وخطط التوظيف. وتشهد العلاقات التجارية بين كندا والولايات المتحدة توترًا مستمرًا منذ أشهر. بينما تحتفظ واشنطن بتعريفات بنسبة 25% على سلع لا تدخل ضمن اتفاق التجارة الأمريكي المكسيكي الكندي، ردّت كندا بتعريفات انتقامية على واردات أمريكية بقيمة 43 مليار دولار. ومع ذلك، منحت أوتاوا إعفاءات مؤقتة لقطاعات السيارات والصناعات التحويلية لتسهيل التحول نحو مورّدين جدد. لا اتفاقات جديدة أفادت مصادر مطلعة أنه لا توجد خطط أمريكية حالية للإعلان عن اتفاقيات تجارية جديدة مع بقية دول مجموعة السبع عند اختتام القمة المالية. لكن اللقاء الثنائي بين بيسنت وشامبان يشير إلى سعي حثيث من قبل الطرفين لتجنب تصعيد إضافي. وسط هذه الأجواء، حذّر كارني من أن نمط العلاقات الاقتصادية التقليدية بين كندا والولايات المتحدة، وخصوصًا سلاسل التوريد المتكاملة، قد أصبح شيئًا من الماضي. واعتبر شامبان، في مداخلته الافتتاحية بالقمة، أن التجارة الحرة والعادلة أمر أساسي لتحقيق استقرار اقتصادي عالمي، رغم اعترافه بأن سياسات الرسوم الأمريكية تخلق توترات داخل المجموعة. التأثيرات الاقتصادية تشير البيانات الأولية إلى أن الاقتصاد الكندي بدأ يعاني من آثار السياسات التجارية الأمريكية، لاسيما الرسوم الجمركية على السيارات والفولاذ والألمنيوم. هذا التأثير بات ملموسًا في سوق العمل الكندية، في ظل اعتماد البلاد على السوق الأمريكية التي تشكل نحو خُمس الناتج المحلي الكندي.