
كيف يصوغ الشرع مخرجًا لسوريا الجديدة؟
ما إن انتهت الترتيبات الأساسية لحكومة الشرع حتى بدأت تظهر إلى السطح تحديات جديدة لها تضاف إلى التحديات التي ظهرت منذ اللحظات الأولى، متمثلة في التمرّد الفاشل في الساحل الذي قام به فلول النظام يوم 6 مارس/ آذار 2025، وتداعياته التي عرفت بأحداث الساحل، ثم تنسيق بين أطراف سورية أخرى شرق وجنوب سورية تسعى لإضعاف الحكومة المركزية مع دول تسعى لزعزعة الحكم، وأخيرًا بناء مؤسسات الجيش واحتواء القوى العسكرية الثورية المشاركة في عملية ردع العدوان.
وبعد مرور نحو خمسة أشهر على سقوط النظام ومن السعي الدؤوب مع الحلفاء الإقليميين والدوليين لا يزال موضوع الاقتصاد يراوح مكانه، والعقوبات الأميركية المعيقة ما زالت باقية، وما خفف منها لم تظهر آثاره بعد، وكان على الشرع أن يتبنّى إستراتيجية فعالة لمواجهة تلك التحديات.
بناء القوة من خلال السلام
في البداية استند الرئيس الشرع في مواجهة تلك التحديات إلى مبادئ أساسية لا تمثل إستراتيجية متكاملة، إلا أنها أخذت تتبلور مع الوقت وتسارع الأحداث، حتى أصبح بالإمكان النظر إليها كإستراتيجية واضحة المعالم، وبالتزامن مع نضوج هذه الإستراتيجية، يمكن ملاحظة أن ملامح الشخصية العسكرية المتسلحة بالقوة والتي ظهرت خلال معركة ردع العدوان أخذت بالتواري منذ اليوم الأول لصالح شخصية رجل الدولة.
لقد لاحظ الشرع بشيء من الواقعية أن مزيدًا من الحرب لن يؤدي إلى السلام بالضرورة، بل إلى تأجيل بناء الدولة، بل واحتمال انهيارها، وأن اللحظة التي أحدثها التغيير يجب ألا تنفد قبل استغلالها كاملة لاستعادة الدولة وعلاقاتها الدولية، وتنظيف البيئة المحلية والإقليمية المسمومة التي تسببت بها سياسات النظام السابق، إذا ما أراد تحقيق تقدم في استقرار الدولة، واستعادة مكانتها في المجتمع الدولي.
وجد الشرع كذلك أن الاستناد إلى السلام هو المدخل لبناء القوة، وأن استخدام المزيد من القوة لبناء الدولة سيكون بمنزلة تحطيم ما تبقى من القوة فيها، فقرر استخدام السلام وتصفير المشاكل إلى الحدود القصوى؛ باعتبار ذلك أنسب طريق لاستقرار الدولة وإعادة التموضع في العلاقات الخارجية.
هكذا بدأ سريعًا بالتحرك بالاستعانة بالحلفاء، لإنشاء علاقات دولية جديدة والتعريف بهُوية الحكم الجديد وسياساته العامة، آخذًا بالحسبان تهدئة المخاوف الناشئة عن الخلفية الأيديولوجية، وبالتزامن أخذ يرسل رسائل إلى كافة الدول المعني بها، عبر التصريحات ووسائل الإعلام، وقد نجح في تقديم ذلك، وفاجأ الجميع بالانفتاح والرغبة في بناء سوريا المستقرة، ومنْع أن تكون منطلقًا للهجمات أو الإضرار بالدول الأخرى، والتركيز على المستقبل والتنمية بدل الماضي، وأظهر عقلانية واعتدالًا على غير المتوقع.
الاستناد إلى نفوذ الحلفاء
عكس الشرع جميع السياسات الخارجية التي طبقها بشار الأسد، ونجح في تسويق صورة عن سوريا جديدة يطمح الجميع أن يكون مثلها، ولكن ذلك ما كان ليتحقق بسرعة كبيرة لولا مساعدة الحلفاء.
فالواقع أن الشرع استند إلى ثلاث دول رئيسية معنية أكثر من غيرها بتحقيق الاستقرار في سوريا، وتثبيت نتائج التحول الرئيسية المتمثلة في طرد الإيرانيين من سوريا، ووقف تدفق السلاح إلى حزب الله، وإنهاء التهديد الدولي المتمثل في صناعة وتصدير الكبتاغون إلى دول الإقليم والعالم، وتفكيك شبكاته، وإنهاء أزمات المنطقة التي تحول دون تنميتها، وفتح أفق جديد لها، هذه الدول التي استند لها هي: تركيا، والسعودية، وقطر.
كانت دول المنطقة قد تلقت خبر سقوط النظام وصعود الحكم الجديد بحذر ملحوظ، باستثناء تركيا وقطر، وأدرك الشرع منذ اللحظة الأولى الحاجة إلى حامل عربي مكافئ للحامل الإقليمي التركي.
كانت تركيا أول دولة أرسلت مسؤولًا رفيعًا إلى دمشق في الأيام الأولى لسقوط النظام، كان هذا أمرًا مفهومًا، فقد كانت تركيا حليفة للمعارضة وحاضنة لها في سنوات الثورة الأربع عشرة، ولكن التخلص من إرث نظام الأسد وتصفير المشاكل يتطلب احتضانًا عربيًا يتيح من جهة فرصة للتكافؤ والتوازن الإقليمي بين الشمال والجنوب، وفي نفس الوقت يكون بوابة للاحتضان العربي الشامل، وأساسًا لتبديد المخاوف، وهو أمر سيجنّب البلاد تكلفة نشوء سياسة المحاور والاستقطاب.
ساعدت تركيا وقطر في التمهيد لعلاقة جديدة مع المملكة، وفي الوقت نفسه أظهر الشرع وفريقه رغبة كبيرة بالعلاقة مع المملكة السعودية، وأرسل بالتزامن رسائل عديدة وتصريحات مختلفة تهدف للتأكيد على أن دمشق تسعى لعلاقات استثنائية مع المملكة، ولم يأخذ الأمر وقتًا طويلًا حتى استضاف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الشرع وبدأت مرحلة جديدة.
ومع يقين المملكة بأن احتضان الحكم في دمشق في مصلحتها ومصلحة المنطقة لم تتردد في تقديم الدعم السياسي والمالي اللازم لإعادة سوريا إلى العالم، ورفع العقوبات المطبقة عليها بسبب سياسات الأسد القمعية في سنوات الثورة.
مع إعادة التموضع السوري في العلاقات الدولية، وتوسع الاحتضان العربي والأوروبي، وتزايد الاهتمام بترسيخ الاستقرار في سوريا لتعزيز نتائج التغيير الحاصل في الحكم، صارت الأرضية مواتية للعمل على رفع العقوبات بالتعاون والاستناد إلى الحلفاء، وقد تمّ بالفعل رفع معظم العقوبات الأوروبية، أو تجميدها أو تخفيفها، وبقيت العقوبات الأميركية تشكل العقبة الرئيسية.
ولا تزال الحكومة تعمل مستعينة بكل أوراقها وعلاقاتها الدولية الجديدة من أجل إزالة العقوبات الرئيسية منها، وبشكل خاص المتعلقة بالبنك المركزي ونظام سويفت للتحويلات المالية، وتفكيك المقاربة الأميركية الحذرة والمتأثرة بالمقاربة الإسرائيلية في التعامل مع الحكم الجديد بدمشق.
الاستناد إلى شرعية الثورة
على الرغم من أن علاقة هيئة تحرير الشام بالثورة السورية شهدت تطورات وعلى مراحل مختلفة، فإنها في نهاية المطاف تبنَّت علم الثورة بينما كانت تعد وتخطط لعملية ردع العدوان التي أنهت نظام الأسد.
وحين انتصرت قوات قيادة العمليات العسكرية، كان الشرع بحاجة لتوسيع القاعدة الاجتماعية لتوطين الحكم الجديد، ولم يكن هذا ممكنًا دون أن يتم نسبة النصر إلى تراكم طويل من النضال منذ أول يوم لاندلاع الثورة في 2011، وليس إلى هيئة تحرير الشام وحسب، وقد فعل ذلك، وصار الخطاب السياسي يقرّ ويؤكد بكل الطرق وفي كل المناسبات على هذه المرجعية للشرعية.
لكن بقدر ما ستسمح هذه الشرعية المستمدة من نضال السوريين وكفاحهم في الاستقرار ومساندة الحكم والعمل على استقراره وتعزيز السلام، بقدر ما سترفع الطموحات إلى مستوى تحقيق تطلعات السوريين من الثورة، وفي شكل أكثر تحديدًا إنشاء نظام سياسي ديمقراطي تعددي يحترم الحريات الشخصية والعامة، ويحافظ على الكرامة الإنسانية لمواطنيه.
وهو أمر سيقود إلى مؤتمر للحوار الوطني، ثم إعلان دستوري، ثم تشكيل حكومة انتقالية تعكس تنوّع المجتمع السوري، ومن الواضح أن إرضاء المجتمع السوري وأخذ تطلعاته بجدية حتى الآن عزز القاعدة الاجتماعية للحكم، وجعل معظم المناطق السورية مستقرة وداعمة للحكومة المركزية في دمشق.
مواجهة التقسيم والتمرّد
استخدم الشرع تكتيكًا مستمدًا من السيرة النبوية الشريفة، حين فتح النبي (صلى الله عليه وسلم) مكة عفا عن أعدائه إذا تركوا سلاحهم ودخلوا بيوتهم، فأعلن الشرع عند دخول دمشق أن الحكم الجديد سيتعامل بالعفو عن جميع منتسبي قوات الجيش والأمن السابقين باستثناء مرتكبي المجازر والجرائم ومن تلطخت أيديهم بدماء السوريين، أراد تغليب مصلحة الدولة على الانتقام، وتحقيق السلام على العقاب، ولكن أحداث الساحل ومحاولة التمرد المسلحة من فلول النظام أجبرت الحكومة في دمشق على استخدام القوة، ووقوع ضحايا، كان هذا هو الاستثناء الوحيد.
أراد الشرع رأب الصدع بالتفاوض واستخدام كل عناصر القوة لكن دون الدخول في صراع مسلح، فاتبع إستراتيجية تفاوض معقدة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية التي أنشأت الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا، مستفيدًا من تقاطع المصالح بين الولايات المتحدة، وتركيا، واستقرار المنطقة، وتضييق خيارات قيادة القوات مع الإعلان الأميركي عن نيّة الانسحاب العسكري من شرق الفرات، ورغبة الجيش التركي بعملية عسكرية حاسمة، فانتهى الأمر بلقاء تفاوضي مباشر سهّله الأميركيون، ثم توقيع اتفاق مشترك بناء على قاعدة سلطة سياسية مركزية في دمشق، ودمج قوات قسد العسكرية داخل الجيش، وُقع الاتفاق بإشراف أميركي، وهو في طريقه للتنفيذ.
وبطبيعة الحال يواجه بعض الصعوبات من قبل قيادات قسد؛ لأنه يعني فعليًا تفكيك مشروعهم، ومحاولات عرقلته من قبل أطراف أخرى تأمل بتدخل دولي جديد، ودور روسي يساند في إضعاف الحكم المركزي وإنشاء حكم لا مركزي سيمهّد بالضرورة للانفصال.
الأمر نفسه جرى في الجنوب، حيث سعى أحد رؤساء مشيخة العقل في السويداء إلى عرقلة استقرار الدولة وبسط سيطرتها على المحافظة والتواصل مع الإسرائيليين، إلا أن الشرع حافظ على مد العلاقة مع أطراف مختلفة، مؤيدة للحكومة المركزية في دمشق، واحتواء الأنشطة الهادفة إلى زعزعة الاستقرار وإفشال السيطرة الحكومية، فاتبع نهج النفس الطويل، وضبط ردود الأفعال والتصريحات، وأظهر سياسة ضبط النفس طويلة المدى.
وبالرغم من حدوث بعض الاشتباكات في منطقة جرمانا في محيط العاصمة مع مليشيات تتبع الشيخ الهجري، فإنها سرعان ما تنتهي باتفاق لإعادة الأمن.
وساهمت التصريحات الإسرائيلية المتكررة عن حماية إسرائيلية لدروز سوريا وقصف أماكن تابعة للقوات الحكومية لدعم مقاتلي جرمانا، في توسع القاعدة الاجتماعية الداعمة للشيخ الهجري ومشروعه في إضعاف الدولة، وإنشاء حكم ذاتي في السويداء موالٍ للإسرائيليين ومدعوم منهم.
استخدم الشرع الإستراتيجية نفسها في بناء مؤسسات الدولة، حيث تم تطبيق العزل السياسي في الحدود الدنيا، واستيعاب كوادر النظام في منظومة الحكم الجديد، وفي الوقت نفسه سعى لبناء مؤسسة الجيش على أساس الاحتواء وتوزيع المكاسب في مقايضة السلاح وبناء الجيش، الذي سيستغرق منه وقتًا طويلًا بعض الشيء، إذ من غير الممكن أن يتم بناء جيش من الصفر في وقت قصير.
ثم عمل على استيعاب المنشقين السابقين مجددًا في قوات الجيش، واستطاع بذلك منع اقتتال داخلي محتمل، وضمان حرص الجميع على استقرار الدولة، صحيح أن عمليات الإدماج الكاملة في الجيش للفصائل لا تزال بطيئة وفي بدايتها، لكن توفير التمويل والسلاح العسكري الإستراتيجي أمر ضروري.
في المآلات
لا يزال الرئيس الشرع يظهر التزامًا بالإستراتيجية التي اتّبعها، وقد حقّقت حتى الآن نجاحات في مختلف الصعد، هذه الإستراتيجية غير المألوفة والمرغوبة في آن معًا في سوريا ساعدت في الإمساك بزمام الأمور في العلاقات الدولية، وساهمت في الحد من التدخل الإسرائيلي الذي حاول الإسرائيليون استخدامه للضغط على دمشق، وعدم الانجرار إلى مواجهة مبكرة معها، وساعد في منح الشرع فرصة لتحقيق التوازن بين المصالح السورية ومصالح الدول المتضاربة: أوروبا، روسيا، الولايات المتحدة، وتركيا، والدول العربية، وضمان المكاسب الإستراتيجية للإقليم والأمن العالمي، والظهور بمظهر الضامن وتعزيز الثقة به كقائد.
نجحت إستراتيجية قوة السلام وعمليات الاحتواء المرافقة لها تلك في تغليب منطق الدولة، والحشد لبنائها، مستفيدة من زخم التغيير، وشرعية الثورة، لكن الوقت الطويل الذي تستلزمه تلك الإستراتيجية لتحقيق نتائجها قد يأكل من الشرعية وقد يضعف الحماس والالتفاف حول الحكم الجديد، وسيتطلب الإبقاء على الزخم أمرين على الأقل: تحقيق إنجازات ملموسة أكثر تظهر تحسينًا في حياة السوريين اليومية، وتوسيع مشاركة الكفاءات السورية في مؤسسات الحكم على نحو يضمن شعورها بعدم التهميش.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
هل تفعلها سوريا كما فعلتها ألمانيا وكوريا؟
حين تُرفع العقوبات، لا تُفتح فقط الأبواب أمام المال والمشاريع، بل تُطرح أسئلة عميقة: هل يمكن إعادة بناء بلد خرج بعد عقد من الحرب، دون إعادة إنتاج الأسباب التي أوصلته إلى الانهيار؟ إن ما تحتاجه سوريا اليوم ليس مجردَ إعمار للبنية التحتية، بل تعافيًا سياسيًا ومجتمعيًا يضع الأسس لدولة حديثة عادلة ومشتركة. إنّ التحولات العميقة في رواندا، وألمانيا، وكوريا، وأميركا، لا تمنحنا وصفات جاهزة، لكنها تكشف كيف يمكن للدول أن تنهض من تحت الركام إذا امتلكت إرادة جماعية ورؤية واضحة. فهي تساعدنا على تمييز ما يُصلح الدول بعد الصراع، وما يُعيدها إلى الدوامة. ومن هنا، نفهم أن الإعمار لا يبدأ من المال، بل من الإصلاح والمؤسسات. العراق بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، خُصصت مبالغ ضخمة لإعادة الإعمار، لكن النتائج كانت كارثية. غابت الرؤية الوطنية، وهيمنت المرجعيات الدينية على المشهد السياسي، وتشكّلت مليشيات طائفية موازية لمؤسسات الدولة تُدار من الخارج، ما أدى إلى تآكل السلطة المركزية. تزامن ذلك مع انتشار واسع للفساد المالي والإداري، وغياب أي مساءلة حقيقية، مما حوّل الإعمار إلى أداة تعميق للانقسام بدل أن يكون وسيلة لتجاوزه. تجربة إعادة الإعمار بقيادة الرئيس رفيق الحريري بعد الحرب الأهلية بدت واعدة في بدايتها، لكنها افتقرت إلى استقلالية القرار الوطني، الذي كانت تهيمن عليه آنذاك أجهزة المخابرات السورية، بالإضافة إلى غياب إصلاح جذري في بنية الدولة. تركّز الجهد بشكل مفرط على دور الحريري كمحرّك للإعمار، على حساب بناء مؤسسات فاعلة ومستقلة. تم التركيز على البنيان العمراني، فيما غابت المحاسبة والشفافية، واستُبدلت الدولة بشبكات مصالح طائفية، ما أدى لاحقًا إلى انهيار شامل في مؤسسات الدولة ومقوماتها الاقتصادية. كما تكشف لنا التجارب السابقة: لا يمكن بناء دولة عادلة ما لم تتوفر مصالحة وطنية شاملة، وعدالة انتقالية، وهوية وطنية جامعة، وفي حال التغاضي عما سبق فإن أي مشروع إعمار لن يكون إلا استراحة قصيرة في طريق أزمة أعمق. تجارب النجاح: من رماد الدمار إلى نهضة الدول.. كيف نجحت رواندا وكوريا وألمانيا وأميركا؟ رواندا خرجت من إحدى أفظع الإبادات في القرن العشرين، لكنها اختارت طريق المصالحة الجماعية بدل الثأر. أنشأت محاكم شعبية (غاتشاكا)، وركزت على التعليم، وتمكين المرأة، واستخدام التقنية والحكومة الإلكترونية. فنجحت في التحول من دولة فاشلة إلى واحدة من أكثر الدول كفاءة في أفريقيا. ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، كانت البلاد مدمرة اقتصاديًا وسياسيًا. لكن تجربة مشروع مارشال فيها لم تكن ناجحة بسبب المال، علمًا بأنها ليست أكثر المستفيدين أوروبيًا منها، بل لأن الشعب الألماني امتلك مشروعًا للإصلاح وإعادة البناء. ارتبط الدعم الخارجي بحكومة شرعية، ومؤسسات منتخبة، وقانون صارم ضد الفساد. ويُعزى تميز النجاح الألماني مقارنة بدول أوروبية أخرى إلى عدة عوامل: وجود قاعدة صناعية وتعليمية متقدمة نسبيًا قبل الحرب. تمكين القيادة المحلية من إدارة الدعم بدل فرضه من الخارج. البيروقراطية الفعالة. الإرادة الشعبية الواضحة للنهوض من جديد. كوريا الجنوبية بعد الحرب الكورية، كانت من بين أفقر دول العالم. لكنها اختارت طريق التنمية من خلال التعليم، والإصلاح الزراعي، والتصنيع الموجه للتصدير. بدعم من الدولة، نشأت شركات وطنية كبرى واستثمرت في الإنسان قبل البنيان، مما مهّد لتحولها إلى قوة اقتصادية عالمية. ما تعلّمناه من التحولات الكبرى الناجحة: التنمية ليست منحة خارجية، بل رؤية داخلية. إعادة الإعمار الناجحة تبدأ من الإنسان، ومن الثقة بين الدولة والمجتمع، ومن العدالة، قبل أن تبدأ من التمويل أو العقود. ما الذي تحتاجه سوريا؟ سوريا لا تحتاج فقط إلى أموال أو مؤتمرات، بل إلى رؤية وطنية جذرية تُرسي أسس الدولة الجديدة على أربعة محاور مترابطة: هيئة وطنية مستقلة لإدارة الإعمار: تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة، وتخضع لمجلس رقابي متعدد التمثيل وبرلمان محترف فاعل، مما يضمن الشفافية التامة في التمويل والتنفيذ. مصالحة وطنية عميقة: لا تستند إلى تسويات فوقية، بل إلى حوار مجتمعي شامل يشمل جميع الضحايا والفاعلين، وتؤطره آليات العدالة الانتقالية والمساءلة. اقتصاد إنتاجي وتنمية متوازنة: يقوم على دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والتعليم المهني، والزراعة والصناعة، والانتقال إلى اقتصاد حيوي لا رَيعي. سيادة وطنية وشراكات نزيهة: الانفتاح على التمويل الخارجي يجب ألا يتحول إلى وصاية سياسية، بل إلى شراكات إستراتيجية تحفظ القرار الوطني. وفي الوقت ذاته، من الضروري أن يعي كل من يعوّل على الخارج أو يراهن على تدخلاته، أن هذا الخيار لم يكن يومًا مسارًا ناجحًا لبناء الأوطان. فالتجارب القاسية في الإقليم والعالم أثبتت أن الاستقرار لا يُستورد، وأن التنمية الحقيقية لا تُبنى على انتظار الخارج، بل على إرادة الداخل. خاتمة رفع العقوبات لا يعني بالضرورة بداية التعافي، بل هو فرصة مشروطة. نجاحها يتوقف على خيارات الداخل أكثر من الخارج. سوريا اليوم أمام مفترق طرق: إما أن تختار طريق رواندا، وألمانيا، وكوريا في لحظاتها التحولية، فتنهض ببطء ولكن بثقة، أو تعيد تكرار أخطاء العراق، ولبنان فتُغرق نفسها في دوامة جديدة. لكن ما تحقق حتى الآن ليس بالقليل: من التحرير العسكري لأجزاء واسعة من البلاد، إلى تعزيز الانفتاح الإقليمي، وصولًا إلى رفع العقوبات. كلها مؤشرات على أن مشروع الدولة السورية الجديدة يسير بثبات نحو استعادة السيادة والفاعلية. وتبقى إحدى المهام المصيرية أمام القيادة اليوم هي استكمال استعادة وحدة الأراضي السورية، لا سيما في شمال شرق البلاد، وتوحيد المؤسسة العسكرية والأمنية، وتشكيل البرلمان الفاعل، بما يعزز الشعور الوطني ويؤسس لبيئة سياسية واقتصادية مستقرة. ويبقى السؤال: هل تنجح القيادة؟ وفي مقدمتها الرئيس الشرع في إنجاز المهام الكبرى القادمة من إعادة بناء المؤسسات، وتحقيق العدالة إلى إطلاق تنمية حقيقية؟ إنها لحظة كتابة التاريخ مجددًا لا ترميمه، إعادة الإعمار ليست إعادة بناء لما كان، بل رؤية إبداعية لما يجب أن يكون.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
مجلس أوروبا: ما يحصل في غزة "قد يرقى لمستوى إبادة جماعية"
أكدت مقررة في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، أمس الجمعة، أن ما يحدث في قطاع غزة"قد يرقى إلى مستوى تطهير عرقي وإبادة جماعية"، ووصفت "المجزرة التي تجري حاليا" بأنها "مأساة هائلة". وتحدثت ساسكيا كلويت، مقررة الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا عن "الحاجة العاجلة لإنهاء الأزمة الإنسانية المتعلقة بالنساء والأطفال والرهائن في غزة"، مؤكدة أنها "مأساة هائلة تَسبّب فيها الإنسان والبشرية جمعاء، لأننا تركناها تجري على مرأى منا من دون أن نتدخل". وتحدثت كلويت عن "حصار تام" مرتبط بمنع دخول "الإمدادات الإنسانية الأساسية منذ الثاني من مارس/آذار"، واحتجاز السكان الفلسطينيين في قطاع غزة "في مساحة تتقلص باستمرار"، وانعدام الأمن في ما يسمى "المناطق الآمنة". وقالت "كل هذا، بالإضافة إلى التصريحات التي أدلى بها أعضاء الحكومة الإسرائيلية بشأن سكان غزة، يجعل من الصعب جدا تجاهل حقيقة أن هذه الإجراءات قد ترقى إلى مستوى تطهير عرقي وإبادة جماعية". وشددت على أن "العقاب الجماعي وتجريد الفلسطينيين من الطابع الإنساني يجب أن ينتهيا على الفور". ولفتت كلويت إلى أنه "من الواضح أن الحكومة الإسرائيلية لا تحترم القانون الإنساني الدولي، الذي ينص على تقديم المساعدات الإنسانية من دون قيود وعوائق، وبكميات كافية لضمان صحة السكان". إعلان وحضت كلويت إسرائيل "مرة أخرى على وقف عمليات قتل شعب غزة على الفور والوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي بشكل كامل، ومنح المنظمات الإنسانية على الفور إمكان الوصول بشكل مستقل ومحايد ومن دون عوائق" و"ضمان توفير الإمدادات الكافية من السلع الأساسية في قطاع غزة على الفور". ودعت المقررة أيضا إلى التراجع فورا عن "الخطط الرامية إلى طرد سكان غزة من القطاع التي من شأنها أن تحرم أطفال غزة الحق في مستقبل داخل وطنهم". وطالبت كلويت بأن "يقوم المجتمع الدولي حاليا بواجبه عبر قول الحقيقة واحترام التزاماته القانونية بموجب اتفاقيات جنيف ، وبينها اتفاقية الإبادة الجماعية". وقالت "أدعو الدول الأعضاء في مجلس أوروبا إلى بذل كل ما في وسعها لضمان وقف إطلاق النار واحترام القانون الدولي". ويضم مجلس أوروبا، وهو الجهة المراقبة للحقوق والديمقراطية في القارة، 46 دولة عضوا.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
وزارة الخزانة الأميركية تصدر ترخيصا لتخفيف بعض العقوبات على سوريا
أعلنت وزارة الخزانة الأميركية إصدار ترخيص عام لتخفيف بعض العقوبات المفروضة على سوريا، في حين وعد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بـ"مزيد من النجاحات". وقال بيان للوزارة إن الترخيص العام بشأن سوريا يوفر إعفاء فوريا للعقوبات بما يتماشى مع إعلان ترامب وقف جميع العقوبات على دمشق. كما أن الترخيص يسمح بالمعاملات المحظورة ويرفع بشكل فعّال العقوبات وسيتيح تمكين الاستثمار ونشاط القطاع الخاص بما يتوافق مع إستراتيجية الرئيس "أميركا أولا". وقالت الوزارة إن قراراتها تمنح إعفاءات بموجب "قانون قيصر"، ما يمكّن شركاء الولايات المتحدة والحلفاء ودول المنطقة من إطلاق العنان لإمكانيات سوريا بشكل أكبر. وذكر البيان أن الولايات المتحدة ملتزمة بدعم سوريا مستقرة وموحدة وتعيش في سلام داخلي ومع جيرانها، مضيفا أن تمديد تخفيف العقوبات الأميركية جاء ليشمل الحكومة السورية الجديدة على أساس التزامها بعدم توفير ملاذ آمن للتنظيمات الإرهابية وضمان حماية الأقليات. الخطوة الأولى وكانت وكالة أسوشيتد برس قد نقلت عن مسؤولين أميركيين أن من المتوقع أن تبدأ الخطوة الأولى من خطوات إعفاء سوريا من العقوبات الجمعة أو الثلاثاء. وقالت الوكالة إن مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب يقترحون إعفاء سوريا من العقوبات 6 أشهر ضمن خطوات رفعها نهائيا كما تعهد ترامب، وإن المسؤولين يؤيدون توسيع قواعد وزارة الخزانة بشأن ما يمكن للشركات الأجنبية عمله بسوريا. في السياق ذاته، قال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني "نعد شعبنا بمزيد من النجاحات في الأشهر المقبلة بعد القرارات المتتالية برفع العقوبات". وأضاف قائلا إن "سوريا تستحق مكانة عظيمة وبلدا مزدهرا وتمثيلا يليق بها على الساحة الدولية". وكان الرئيس الأميركي أعلن رفع العقوبات عن سوريا، ورحبت وزارة الخارجية السورية بقرار ترامب، واعتبرته "خطوة مشجعة نحو إنهاء معاناة الشعب السوري". وتطالب السلطات الجديدة في دمشق، منذ توليها الحكم، المجتمع الدولي برفع العقوبات المفروضة على قطاعات ومؤسسات رئيسية في البلاد منذ اندلاع الثورة عام 2011، وتعتبرها خطوة أساسية لتعافي الاقتصاد والشروع في مرحلة إعادة الإعمار.