
اكذوبة تغير المواقف الدولية.. وخاصة الاوربية، تجاه القضية الفلسطينية، ومجازر غزة بالذات!سعد ناجي جواد
اكذوبة تغير المواقف الدولية.. وخاصة الاوربية، تجاه القضية الفلسطينية، ومجازر غزة بالذات!
د. سعد ناجي جواد*
منذ اسابيع غير قليلة بدأت تنتشر احاديث ومقولات مفادها ان الموقف الدولي، وبالذات الأوربي يشهد تغيرا في نظرته إلى حرب الابادة المستمرة في غزة، وبلغ التفاؤل عند عدد من المتابعين إلى حد انهم تصوروا ان هناك تغيرا جذريا في المواقف الاوربية وان مسالة حل الدولتين ستعود بقوة الى الساحة الدولية.
ربما اكون واحدا من اكثر المشككين بهذه الفكرة وارفض ان اصدق هذا الاستنتاج. ورفضي هذا لا ينبع من روح سوداوية او يأس قاتم، ولكنه تشائم ينبع من إيماني بان من أصر على زرع كيان غريب في قلب الامة العربية ولأسباب دينية وسياسية، بل واعتبر ذلك النصر النهائي في الحروب الصليبية (هذا ما اكدته أعمال وتصريحات ظهرت بعد احتلال سوريا وفلسطين والعراق بعد الحرب العالمية الثانية) كلها ادلة على ان هذه العقيدة والفكرة لم تتغير لحد الان، جولا يمكن ان تتغير بسهولة.
وقبل تحليل الأحاديث الرسمية التي تقال هذه الايام ومحاولة تحليلها، اسمح لنفسي ان أضرب مثلا اوليا. في مقارنة ما يجري في غزة منذ سبعة عشر شهرا من ابادة جماعية لا تستثني احد، وفي معدل قتل للفلسطينيين يصل إلى سبعين شهيدا يوميا، بل والتركيز على استهداف الأطفال، مع ما حدث ويحدث في أوكرانيا، هل هناك من يستطيع ان يساوي بين الحدثين في معدل الضحايا او حجم التدمير؟ ولكن لننظر كيف تعامل المجتمع الدولي مع ذلك الحدث، ليس فقط الولايات المتحدة، ولكن الدول الاوربية قاطبة. اولا وقبل كل شيء فانها جميعا قاطعت روسيا تماما وفرضت كل أنواع العقوبات الاقتصادية عليها، وقطعت العلاقات الدبلوماسية معها، وحرمتها من التواجد في كل الساحات الدولية وفي كل المجالات وصولا إلى المشاركة في الفعاليات الفنية والرياضية، وجعلت من روسيا دولة منبوذة أوربيا ومن قبل كل حلفاء الولايات المتحدة، والاهم ايدت كل القرارات التي صدرت من المحاكم الدولي لملاحقة القيادات الروسية، بينما اسرائيل لا تزال قادرة على المشاركة في كل الفعاليات الدولية، بل وتشجيعها عندما تتواجد في هكذا فعاليات. (اخرها كان في مسابقة الأغنية الاوربية، حيث كادت الأغنية الاسرائيلية ان تحصد الجائزة الاولى بفضل تصويت مؤيدي الصهاينة لها، وفي الوقت الذي كان فيه هذا الاحتفال يمضي كان الاحتلال يقصف خيام النازحين والمدارس المتهالكة التي يأوون اليها). واذا ما عدنا إلى الوراء وقارنا عدد الشهداء الذي سقطوا من الأشقاء الكويتيين جراء الاجتياح العراقي غير المبرر سنجد انه يشكل اقل من نصف بالمائة مع ما سقط ويسقط من شهدا في غزة لوحدها، والكل يعرف ماذا كانت نتيجة الاجتياح العراقي ومقدار القرارات الدولية التي اتخذت ضد الشعب العراقي والحصار اللاإنساني الذي اُخضِعَ له، والملايين الذي راحوا ضحيته وضحية حربين شنت على العراق وتوجت باحتلاله، كل ذلك لان العراق (اعتدى على دولة مجاورة)، واليوم اسرائيل حولت منطقة يسكنها مليوني إنسان إلى ارض جرداء، وتصر على حرمان سكانها من ابسط متطلبات الحياة وقتلت اكثر من ثمانين الف فلسطيني، ومع ذلك لا يزال هناك في اوروبا صحف وسياسيين وإعلاميين ومحطات فضائية مهمة تتحدث عن (حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها وفي البقاء) وفي الاحتفاظ بالمستعمرات لحماية امنها القومي [كذا]. وغير ذلك من أمور التي لا يمكن تفسيرها إلا بكونها دعم لا متناهي للاحتلال وللقتل اليومي للفلسطينيين.
في العودة إلى التصريحات التي اعتُبِرَت (تغييرا جذريا في المواقف الاوربية) فان كل ما ترشح لحد الان هو أقوال فقط، مثل الرغبة في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ودعوة لقبول فلسطين دولة كاملة العضوية في الامم المتحدة (للعلم فقط فانه في عام 2024 صوتت الجمعية العامة، وكذلك مجلس الامن، بأغلبية ساحقة على قبول فلسطين كعضو كامل، ولكن الولايات المتحدة افشلت هذا التوجه باستخدام حق الفيتو). علما بان الغالبية العظمى من الدول التي تحاول الان ان تقنعنا بانها قد غيرت موقفها، خاصة فرنسا وبريطانيا، ما تزال لحد اللحظة تزود دولة الاحتلال بأسلحة ودعم استخباراتي وغيره، وقبلها ساهمت مع الولايات المتحدة، وبدون تفويض دولي في الهجمات على اليمن التي وقفت وتقف إلى جانب غزة.
ثم ان بريطانيا الدولة المسؤولة الاولى عن ضياع فلسطين وتأسيس الكيان الغاصب على ارضها، ما تزال لحد الان لم تعترف بخطأها، (في عام 2017 اقامت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي احتفالا كبيرا في الذكرى المئوية لوعد بلفور المشئوم، وتفاخرت بان بلدها أصدر تلك الوثيقة)، وذهبت بريطانيا ابعد من ذلك بان شددت القوانين (التي تعرف بالعقوبات لمن يتهم بمعادة السامية) تصل إلى السجن والغرامة وحتى سحب الجنسية ورفع العلم الفلسطيني ولبس الكوفية اعتبر من ضمن الأفعال التي تستوجب العقاب (لانها تجرح مشاعر الصهاينة). والاهم انها وفرنسا، على سبيل المثال، لم يقدما على كسر الحصار المفروض على غزة وادخال مساعدات إنسانية اليها، وهم قادرون على ذلك. وآخر تطورات الموقف الأوربي (الإيجابية) هو نجاح اليمين المتطرف المؤيد لإسرائيل في الانتخابات الأخيرة في ألمانيا، واليوم مستشار المانيا الجديد ليس لديه اي هم سوى زيادة العقوبات على روسيا وإعلان دعمه لاسرائيل.
ان من يريد حقا ان يقف إلى جانب الحق الفلسطيني فعليه اولا وقبل كل شيء ان يقطع علاقاته الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، مع الكيان الذي توكّد كل المواثيق المواثيق والقرارات الدولية انه كيان محتل، وخاصة تلك الصادرة عن الامم المتحدة، والتي وضعت اغلبها من قبل الدول الاوربية نفسها، مثل القرار 242 و 338، والتي توكّد على ضرورة انسحاب اسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967. وآخر هذه القرارات هو ذلك الذي اصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الاول 2024، والذي دعا إلى اقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967. وتصدرت بريطانيا وألمانيا أبرز الدول التي امتنعت عن التصويت ومعهما كندا وأستراليا وإيطاليا وهولندا وبولندا والسويد والنمسا والدانمارك وسويسرا وأوكرانيا. ولعل هذا النموذج يوضح الموقف الحقيقي من مسالة تغير المواقف الاوربية.
حدثان أثارا التفاؤل الكبير، الاول جاء في بيان صادر عن أيرلندا والنرويج وسلوفينيا وإسبانيا، دعا إلى منح فلسطين عضوية كاملة بالأمم المتحدة والاعتراف بدولتها على أساس حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية،
والثاني هو البيان الذي اصدره قادة فرنسا وبريطانيا وكندا، وجاء فيه: 'سنتخذ إجراءات إذا لم توقف إسرائيل هجومها بغزة وترفع القيود عن المساعدات…. [و] نعارض بشدة توسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.. وإن مستوى المعاناة الإنسانية في غزة لا يطاق'. كما نص البيان على أنه 'إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري الجديد وترفع القيود التي تفرضها على المساعدات الإنسانية، فإننا سوف نتخذ خطوات ملموسة أخرى ردا على ذلك….. [بالاضافة إلى] رفض توسيع المستوطنات في الضفة الغربية ( امس فقط أعلنت حكومة الاحتلال انها ستبني 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية وعلى الحدود مع الأردن)…. [ولوح البيان بان موقعيه قد يتخذون] اجراءات بينها العقوبات… لان رفض اسرائيل تقديم مساعدات أساسية للمدنيين في غزة غير مقبول' . اما وزير الخارجية الفرنسي جان نوبل بارو فلقد اكد في مقابلة مع اذاعة فرانس إنتر 'إن الوضع لا يمكن احتماله؛ لأن العنف الأعمى من جانب الحكومة الإسرائيلية وحظر دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة قد حوّل القطاع إلى مكان للموت، ولن أقول إلى مقبرة' واخيراً وليس اخراً صرح الرئيس الفرنسي ماكرون أن 'قيام دولة فلسطينية' بشروط ليس 'مجرد واجب أخلاقي، بل مطلب سياسي'، من دون أن يوضح ما إذا كان سيعترف بدولة فلسطينية.
نعم من وجهة نظري المتواضعة تبقى كل هذه التطورات جيدة على المستوى الشفهيّ، ولكن اذا ما اردنا ان نحللها او نطبقها على ارض الواقع سنجد: اولا انها جاءت بعد اكثر من 17 شهرا من الابادة والتدمير المستمرين، ومن تجويع شعب غزة، (قارن مع المدة التي استغرقها الغرب في اتخاذ قراراته ضد روسيا). ثانيا، واذا ما افترضنا جدلا ان هناك حقيقة (صحوة ضمير) مفاجئة بعد كل هذه المدة، فان لغة البيان المذكور أعلاه توكد عدم جديته، فهو يقول (سنتخذ إجراء) إذا لم ترعو إسرائيل (ونعارض) ما يقوم به جيش الاحتلال، والأخيرة مستمرة في غيها. ثالثا ان هذه الدول لم تتخذ خطوة واحدة لتدلل على انها تعني ما تقول في هذا المجال، مثل سحب السفراء او تعليق التمثيل الدبلوماسي، او ايقاف المساعدات العسكرية او الطلب من السفراء الإسرائيليين مغادرة عواصمهم او رفض دخول وفود اسرائيلية إلى بلدانهم، وهي الاجراءت التي اتخذتها نفس الدول ضد روسيا مثلا وبلمح البصر.
ان من سيحقق قيام الدولة الفلسطينية وانهاء الاحتلال هو قدرات الامة العربية إذا استخدمت بصورة صحيحة وفعالة، وقبل ان يحدث ذلك، فان ما سيساعد على حدوثه مهما طال الزمن، هو المقاومة الفلسطينية التي استطاعت ان تلقن الاحتلال وقياداته دروسا لن ينساها. وفي نفس الوقت فان صمودها هو الذي اجبر ويجبر الاطراف المختلفة على طرح مشاريع او في الحقيقة افكار للتسوية، تبقى على الورق وليست للتطبيق.
كاتب واكاديمي عراقي
2025-05-31
The post اكذوبة تغير المواقف الدولية.. وخاصة الاوربية، تجاه القضية الفلسطينية، ومجازر غزة بالذات!سعد ناجي جواد first appeared on ساحة التحرير.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وكالة الصحافة المستقلة
منذ 15 ساعات
- وكالة الصحافة المستقلة
الصين تتهم بيت هيجسيث 'بزرع الانقسام' في آسيا في خطاب 'مليء بالاستفزازات'
المستقلة/- اتهمت الحكومة الصينية رئيس الدفاع الأمريكي بيت هيجسيث بمحاولة 'زرع الانقسام' في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وذلك على خلفية خطابه في مؤتمر دفاعي في سنغافورة، حيث حذّر من أن الصين تُشكّل تهديدًا 'وشيك'. ويوم السبت، صرّح هيجسيث بأن الصين 'تستعدّ بشكل موثوق لاستخدام القوة العسكرية لتغيير ميزان القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ'، وأنها تُجري تدريبات على 'الخطوة الحقيقية' المتمثلة في غزو تايوان. وقال وزير الدفاع الأمريكي في كلمة رئيسية ألقاها في منتدى حوار شانغريلا الدفاعي: 'لا داعي لتجميل الأمر. التهديد الذي تُشكّله الصين حقيقي، وقد يكون وشيكًا'، داعيًا الدول الآسيوية إلى زيادة إنفاقها الدفاعي. ويوم الأحد، أدانت وزارة الخارجية الصينية تصريحاته، واصفةً إياها بأنها 'مليئة بالاستفزازات وتهدف إلى زرع الانقسام'. 'تجاهل هيجسيث عمدًا دعوة دول المنطقة إلى السلام والتنمية، وروج بدلًا من ذلك لعقلية الحرب الباردة لمواجهة الكتل، وشتم الصين بادعاءات تشهيرية، ووصفها زورًا بأنها 'تهديد'.' 'كانت هذه التصريحات مليئة بالاستفزازات وتهدف إلى زرع الفرقة. الصين تستنكرها وتعارضها بشدة، وقد احتجت بشدة لدى الولايات المتحدة.' كما رد البيان على ادعاء هيجسيث بأن الصين تسعى إلى أن تصبح 'قوة مهيمنة' في المنطقة. 'لا تستحق أي دولة في العالم أن تُوصف بالقوة المهيمنة سوى الولايات المتحدة نفسها، التي تُعتبر أيضًا العامل الرئيسي في تقويض السلام والاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.' اتهمت الوزارة هيجسيث بـ'اللعب بالنار' فيما أسمته 'قضية تايوان'. يزعم الحزب الشيوعي الصيني الحاكم أن تايوان مقاطعة صينية، يديرها انفصاليون بشكل غير قانوني، وقد تعهد بضمها. ترفض حكومة تايوان المنتخبة ديمقراطيًا، وغالبية شعبها، احتمال حكم الحزب الشيوعي الصيني. وفي حديثه للصحفيين صباح الأحد، رفض وزير الدفاع الأسترالي، ريتشارد مارليس، انتقاد الصين لهيجسيث. وقال: 'ما شهدناه من الصين هو أكبر زيادة في القدرات العسكرية بالمعنى التقليدي من قِبل أي دولة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية'. وأضاف: 'هذه إحدى السمات الرئيسية لتعقيد المشهد الاستراتيجي الذي نواجهه جميعًا في المنطقة، والذي يواجهه العالم أجمع'. وأكد مارليس أن أستراليا عملت مع شركاء إقليميين، بمن فيهم الولايات المتحدة والفلبين، 'على مدى فترة طويلة من الزمن لدعم النظام العالمي القائم على القواعد'، بما في ذلك عمليات حرية الملاحة، للتأكيد على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. والولايات المتحدة ليست من الدول الموقعة على هذه الاتفاقية. حوار شانغريلا هو مؤتمر سنوي يستضيف العشرات من القادة ووزراء الدفاع والقادة العسكريين من جميع أنحاء العالم، على مدى ثلاثة أيام من حلقات النقاش والخطابات. لكن معظم التفاعلات المهمة تجري على هامش الاجتماعات، من خلال اجتماعات خاصة بين الممثلين. وشهدت السنوات الماضية تبادلًا لاذعًا بين الولايات المتحدة والصين، ولكن من حين لآخر عُقدت اجتماعات مهمة، بما في ذلك العام الماضي مع وزير الدفاع الصيني، دونغ جون، وسلف هيغسيث، لويد أوستن. مع ذلك، لم ترسل الصين هذا العام سوى وفد صغير بقيادة نائب رئيس جامعة الدفاع الوطني التابعة لجيش التحرير الشعبي، الأدميرال هو غانغفنغ. بعد ظهر يوم السبت، صرّح هو أمام لجنة بأنّ المتحدثين حاولوا 'إثارة الفتنة والانقسام والتحريض على المواجهات في المنطقة' من خلال انتقادات للصين. وقال إنّ الوضع البحري في المنطقة 'مستقرّ عمومًا' لكنه يواجه 'تحديات جسيمة'، واتهم دولًا لم يُسمّها بزيادة الوجود العسكري وانتهاك السيادة الإقليمية لدول أخرى 'باسم ما يُسمّى بحرية الملاحة' ودعم 'قوى استقلال تايوان الانفصالية'. تدّعي الصين ملكيتها لجزء كبير من بحر الصين الجنوبي، حيث تتداخل مطالب السيادة بين عدة دول. وقد رفضت حكمًا صادرًا عن محكمة لاهاي بأنّ مطالبها غير قانونية.


ساحة التحرير
منذ 2 أيام
- ساحة التحرير
اكذوبة تغير المواقف الدولية.. وخاصة الاوربية، تجاه القضية الفلسطينية، ومجازر غزة بالذات!سعد ناجي جواد
اكذوبة تغير المواقف الدولية.. وخاصة الاوربية، تجاه القضية الفلسطينية، ومجازر غزة بالذات! د. سعد ناجي جواد* منذ اسابيع غير قليلة بدأت تنتشر احاديث ومقولات مفادها ان الموقف الدولي، وبالذات الأوربي يشهد تغيرا في نظرته إلى حرب الابادة المستمرة في غزة، وبلغ التفاؤل عند عدد من المتابعين إلى حد انهم تصوروا ان هناك تغيرا جذريا في المواقف الاوربية وان مسالة حل الدولتين ستعود بقوة الى الساحة الدولية. ربما اكون واحدا من اكثر المشككين بهذه الفكرة وارفض ان اصدق هذا الاستنتاج. ورفضي هذا لا ينبع من روح سوداوية او يأس قاتم، ولكنه تشائم ينبع من إيماني بان من أصر على زرع كيان غريب في قلب الامة العربية ولأسباب دينية وسياسية، بل واعتبر ذلك النصر النهائي في الحروب الصليبية (هذا ما اكدته أعمال وتصريحات ظهرت بعد احتلال سوريا وفلسطين والعراق بعد الحرب العالمية الثانية) كلها ادلة على ان هذه العقيدة والفكرة لم تتغير لحد الان، جولا يمكن ان تتغير بسهولة. وقبل تحليل الأحاديث الرسمية التي تقال هذه الايام ومحاولة تحليلها، اسمح لنفسي ان أضرب مثلا اوليا. في مقارنة ما يجري في غزة منذ سبعة عشر شهرا من ابادة جماعية لا تستثني احد، وفي معدل قتل للفلسطينيين يصل إلى سبعين شهيدا يوميا، بل والتركيز على استهداف الأطفال، مع ما حدث ويحدث في أوكرانيا، هل هناك من يستطيع ان يساوي بين الحدثين في معدل الضحايا او حجم التدمير؟ ولكن لننظر كيف تعامل المجتمع الدولي مع ذلك الحدث، ليس فقط الولايات المتحدة، ولكن الدول الاوربية قاطبة. اولا وقبل كل شيء فانها جميعا قاطعت روسيا تماما وفرضت كل أنواع العقوبات الاقتصادية عليها، وقطعت العلاقات الدبلوماسية معها، وحرمتها من التواجد في كل الساحات الدولية وفي كل المجالات وصولا إلى المشاركة في الفعاليات الفنية والرياضية، وجعلت من روسيا دولة منبوذة أوربيا ومن قبل كل حلفاء الولايات المتحدة، والاهم ايدت كل القرارات التي صدرت من المحاكم الدولي لملاحقة القيادات الروسية، بينما اسرائيل لا تزال قادرة على المشاركة في كل الفعاليات الدولية، بل وتشجيعها عندما تتواجد في هكذا فعاليات. (اخرها كان في مسابقة الأغنية الاوربية، حيث كادت الأغنية الاسرائيلية ان تحصد الجائزة الاولى بفضل تصويت مؤيدي الصهاينة لها، وفي الوقت الذي كان فيه هذا الاحتفال يمضي كان الاحتلال يقصف خيام النازحين والمدارس المتهالكة التي يأوون اليها). واذا ما عدنا إلى الوراء وقارنا عدد الشهداء الذي سقطوا من الأشقاء الكويتيين جراء الاجتياح العراقي غير المبرر سنجد انه يشكل اقل من نصف بالمائة مع ما سقط ويسقط من شهدا في غزة لوحدها، والكل يعرف ماذا كانت نتيجة الاجتياح العراقي ومقدار القرارات الدولية التي اتخذت ضد الشعب العراقي والحصار اللاإنساني الذي اُخضِعَ له، والملايين الذي راحوا ضحيته وضحية حربين شنت على العراق وتوجت باحتلاله، كل ذلك لان العراق (اعتدى على دولة مجاورة)، واليوم اسرائيل حولت منطقة يسكنها مليوني إنسان إلى ارض جرداء، وتصر على حرمان سكانها من ابسط متطلبات الحياة وقتلت اكثر من ثمانين الف فلسطيني، ومع ذلك لا يزال هناك في اوروبا صحف وسياسيين وإعلاميين ومحطات فضائية مهمة تتحدث عن (حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها وفي البقاء) وفي الاحتفاظ بالمستعمرات لحماية امنها القومي [كذا]. وغير ذلك من أمور التي لا يمكن تفسيرها إلا بكونها دعم لا متناهي للاحتلال وللقتل اليومي للفلسطينيين. في العودة إلى التصريحات التي اعتُبِرَت (تغييرا جذريا في المواقف الاوربية) فان كل ما ترشح لحد الان هو أقوال فقط، مثل الرغبة في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ودعوة لقبول فلسطين دولة كاملة العضوية في الامم المتحدة (للعلم فقط فانه في عام 2024 صوتت الجمعية العامة، وكذلك مجلس الامن، بأغلبية ساحقة على قبول فلسطين كعضو كامل، ولكن الولايات المتحدة افشلت هذا التوجه باستخدام حق الفيتو). علما بان الغالبية العظمى من الدول التي تحاول الان ان تقنعنا بانها قد غيرت موقفها، خاصة فرنسا وبريطانيا، ما تزال لحد اللحظة تزود دولة الاحتلال بأسلحة ودعم استخباراتي وغيره، وقبلها ساهمت مع الولايات المتحدة، وبدون تفويض دولي في الهجمات على اليمن التي وقفت وتقف إلى جانب غزة. ثم ان بريطانيا الدولة المسؤولة الاولى عن ضياع فلسطين وتأسيس الكيان الغاصب على ارضها، ما تزال لحد الان لم تعترف بخطأها، (في عام 2017 اقامت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي احتفالا كبيرا في الذكرى المئوية لوعد بلفور المشئوم، وتفاخرت بان بلدها أصدر تلك الوثيقة)، وذهبت بريطانيا ابعد من ذلك بان شددت القوانين (التي تعرف بالعقوبات لمن يتهم بمعادة السامية) تصل إلى السجن والغرامة وحتى سحب الجنسية ورفع العلم الفلسطيني ولبس الكوفية اعتبر من ضمن الأفعال التي تستوجب العقاب (لانها تجرح مشاعر الصهاينة). والاهم انها وفرنسا، على سبيل المثال، لم يقدما على كسر الحصار المفروض على غزة وادخال مساعدات إنسانية اليها، وهم قادرون على ذلك. وآخر تطورات الموقف الأوربي (الإيجابية) هو نجاح اليمين المتطرف المؤيد لإسرائيل في الانتخابات الأخيرة في ألمانيا، واليوم مستشار المانيا الجديد ليس لديه اي هم سوى زيادة العقوبات على روسيا وإعلان دعمه لاسرائيل. ان من يريد حقا ان يقف إلى جانب الحق الفلسطيني فعليه اولا وقبل كل شيء ان يقطع علاقاته الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية، مع الكيان الذي توكّد كل المواثيق المواثيق والقرارات الدولية انه كيان محتل، وخاصة تلك الصادرة عن الامم المتحدة، والتي وضعت اغلبها من قبل الدول الاوربية نفسها، مثل القرار 242 و 338، والتي توكّد على ضرورة انسحاب اسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967. وآخر هذه القرارات هو ذلك الذي اصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر/ كانون الاول 2024، والذي دعا إلى اقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967. وتصدرت بريطانيا وألمانيا أبرز الدول التي امتنعت عن التصويت ومعهما كندا وأستراليا وإيطاليا وهولندا وبولندا والسويد والنمسا والدانمارك وسويسرا وأوكرانيا. ولعل هذا النموذج يوضح الموقف الحقيقي من مسالة تغير المواقف الاوربية. حدثان أثارا التفاؤل الكبير، الاول جاء في بيان صادر عن أيرلندا والنرويج وسلوفينيا وإسبانيا، دعا إلى منح فلسطين عضوية كاملة بالأمم المتحدة والاعتراف بدولتها على أساس حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والثاني هو البيان الذي اصدره قادة فرنسا وبريطانيا وكندا، وجاء فيه: 'سنتخذ إجراءات إذا لم توقف إسرائيل هجومها بغزة وترفع القيود عن المساعدات…. [و] نعارض بشدة توسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.. وإن مستوى المعاناة الإنسانية في غزة لا يطاق'. كما نص البيان على أنه 'إذا لم توقف إسرائيل هجومها العسكري الجديد وترفع القيود التي تفرضها على المساعدات الإنسانية، فإننا سوف نتخذ خطوات ملموسة أخرى ردا على ذلك….. [بالاضافة إلى] رفض توسيع المستوطنات في الضفة الغربية ( امس فقط أعلنت حكومة الاحتلال انها ستبني 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية وعلى الحدود مع الأردن)…. [ولوح البيان بان موقعيه قد يتخذون] اجراءات بينها العقوبات… لان رفض اسرائيل تقديم مساعدات أساسية للمدنيين في غزة غير مقبول' . اما وزير الخارجية الفرنسي جان نوبل بارو فلقد اكد في مقابلة مع اذاعة فرانس إنتر 'إن الوضع لا يمكن احتماله؛ لأن العنف الأعمى من جانب الحكومة الإسرائيلية وحظر دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة قد حوّل القطاع إلى مكان للموت، ولن أقول إلى مقبرة' واخيراً وليس اخراً صرح الرئيس الفرنسي ماكرون أن 'قيام دولة فلسطينية' بشروط ليس 'مجرد واجب أخلاقي، بل مطلب سياسي'، من دون أن يوضح ما إذا كان سيعترف بدولة فلسطينية. نعم من وجهة نظري المتواضعة تبقى كل هذه التطورات جيدة على المستوى الشفهيّ، ولكن اذا ما اردنا ان نحللها او نطبقها على ارض الواقع سنجد: اولا انها جاءت بعد اكثر من 17 شهرا من الابادة والتدمير المستمرين، ومن تجويع شعب غزة، (قارن مع المدة التي استغرقها الغرب في اتخاذ قراراته ضد روسيا). ثانيا، واذا ما افترضنا جدلا ان هناك حقيقة (صحوة ضمير) مفاجئة بعد كل هذه المدة، فان لغة البيان المذكور أعلاه توكد عدم جديته، فهو يقول (سنتخذ إجراء) إذا لم ترعو إسرائيل (ونعارض) ما يقوم به جيش الاحتلال، والأخيرة مستمرة في غيها. ثالثا ان هذه الدول لم تتخذ خطوة واحدة لتدلل على انها تعني ما تقول في هذا المجال، مثل سحب السفراء او تعليق التمثيل الدبلوماسي، او ايقاف المساعدات العسكرية او الطلب من السفراء الإسرائيليين مغادرة عواصمهم او رفض دخول وفود اسرائيلية إلى بلدانهم، وهي الاجراءت التي اتخذتها نفس الدول ضد روسيا مثلا وبلمح البصر. ان من سيحقق قيام الدولة الفلسطينية وانهاء الاحتلال هو قدرات الامة العربية إذا استخدمت بصورة صحيحة وفعالة، وقبل ان يحدث ذلك، فان ما سيساعد على حدوثه مهما طال الزمن، هو المقاومة الفلسطينية التي استطاعت ان تلقن الاحتلال وقياداته دروسا لن ينساها. وفي نفس الوقت فان صمودها هو الذي اجبر ويجبر الاطراف المختلفة على طرح مشاريع او في الحقيقة افكار للتسوية، تبقى على الورق وليست للتطبيق. كاتب واكاديمي عراقي 2025-05-31 The post اكذوبة تغير المواقف الدولية.. وخاصة الاوربية، تجاه القضية الفلسطينية، ومجازر غزة بالذات!سعد ناجي جواد first appeared on ساحة التحرير.


ساحة التحرير
منذ 2 أيام
- ساحة التحرير
القيامة المحتملة!وليد عبد الحي
القيامة المحتملة! وليد عبد الحي لنتخيل السيناريو التالي: التنظيم السياسي (س) تمكن من امتلاك اسلحة بيولوجية، او جرثومية او شعاعية او نووية ؟ وهدد هذا التنظيم دولة كبرى إذا لم تنفذ طلباته ؟ هل هذا ممكن؟ ولكن ما الذي يمكن ان يوصلنا الى هذا السيناريو؟ 1- مشاعية المعرفة العلمية: فالتطور المعرفي وتزايد الترابط بين الشبكات العلمية والقدرة على اختراق المنظومات العلمية بل الوصول الى ادق اسرارها يساعد في هذا الاتجاه، فالجامعات تدرس طلابها هذه الموضوعات وتختبرهم فيها. 2- انتشار السلاح النووي :بدأت الولايات المتحدة انتاج السلاح النووي خلال الحرب العالمية الثانية، وبعدها بدأ الانتشار بفضل انتقال العلماء وبفضل تنامي البحث العلمي ،فارتفع عدد النادي النووي من 1 الى 5 دول (فرنسا، امريكا، روسيا، بريطانيا،الصين) ثم اصبح العدد 8 دول بانضمام الهند وباكستان وكوريا الشمالية، ثم اصبح من المسلم به ان اسرائيل دولة نووية، ثم هناك 6 دول توجد فيها قواعد عسكرية تتبع دولا او احلافا اخرى وتضم هذه القواعد اسلحة نووية، ثم هناك دول كانت فيها قواعد لاسلحة نووية (جنوب افريقيا وكازخستان وأوكرانيا).فإذا كان هناك 9 دول لديها سلاح نووي فهناك 8 دول لديها قدرات كافية لانتاجه. بالمقابل هناك 26 دولة لديها اسلحة كيماوية و20 دولة لديها اسلحة بيولوجية . ويكفي ان نشير الى انه حتى منتصف ثمانينات القرن الماضي كان هناك دولة واحدة فقط لديها قدرة على انتاج الطائرات المسيرة ، لكنها الآن اصبحت مشاعا للانتاج من قبل اي تنظيم، وهو ما يعني ان السر التكنولوجي لم يعد بدلالاته القديمة. 3- الانتقام الدولي: عندما تشعر احدى الدول ان دولة ما تضايقها بشكل استراتيجي، فقد تتيح لخصوم تلك الدولة الوصول لاسلحة الدمار الشامل (البيولوجي او الكيماوي او الاشعاعي او النووي)، ولدينا نموذج اسرائيل كحالة شاخصة على تاكيد ذلك، وعندما حاول الرئيس الامريكي كينيدي ضبط الامر ، كانت نهايته. 4- وجود علماء اسلحة دمار شامل لديهم الاستعداد الكامل للتعاون مع تنظيمات سواء تحت ضغط الغواية المالية او الاندفاع الآيديولوجي او الديني ..او غير ذلك، ولعل تتبع نشاطات مجموعة العالم الباكستاني عبدالقدير خان جديرة بالذكر هنا. 5- دلالات المنحنى السوقي(Logistic Curve ) ، فنقاط التحول الكبرى في التكنولوجيا تتناقص الى حدود العقدين تقريبا، وهو ما يعني ان القفزات التكنولوجية قد تفرز اسلحة اخطر مما هو قائم ، وقد دل الاتجاه الأعظم للتكنولوجيا على ان التطور في هذا المجال تجاوز حتى الخيال العلمي، وهو ما يعني ان التقدم التقني قد يصبح اقل تكلفة وايسر حصولا على مكوناته الاولية بل وأيسر انتاجه. 6- ان تفاقم الاستبداد والفقر والعنصرية … الخ في المسرح الدولي سيعزز نزعة الخلاص بالقوة للمجتمعات المقهورة ، ويعزز النزعة 'الانتحارية ' على قاعدة 'علي وعلى اعدائي'. 7- دخول 'السيبرانية' الى المجال العسكري دفاعا وهجوما، وأعتقد ان البعد السيبراني سيدفع العالم الى إعادة النظر في معنى أسلحة الدمار الشامل بخاصة من حيث قدرتها على تسهيل تشغيل الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، مثل التلاعب بأنظمة التحكم وجمع البيانات (SCADA) والتسبب في تسرب عنصر كيميائي قاتل من منشأة لتصنيع المواد الكيميائية على غرار ما حدث في بوبال الهندية عام 1984. ويتبين من التقارير الدولية أن الأسلحة السيبرانية لديها بالفعل القدرة على تمكين وقوع حوادث أسلحة كيميائية وبيولوجية وإشعاعية ونووية، بخاصة إذا كانت المنشآت المستهدفة أو مشغلوها يعتمدون على تكنولوجيا المعلومات، فمن الممكن استخدام الأسلحة السيبرانية للتلاعب بوظائفها أو تعطيلها بطرق قد تؤدي إلى إطلاق مواد ضارة من أسلحة الدمار الشامل، ويمكن للأسلحة السيبرانية أن تُمكّن من وقوع أحداث أيضًا من خلال التسبب في سوء فهم المشغلين للمواقف واتخاذهم إجراءات سلبية دون قصد. 8- ثمة من تتلبسه هواجس اخرى مثل امكانية سيطرة جماعات على اسلحة دمار شامل في دول 'فاشلة او تتمزق جغرافيا'، ولو اخذنا مثالا على كوريا الشمالية، فهي دولة يمكن ان تحدث فيها اضطرابات، او دولة كباكستان النووية، او دول فيها مخزونات من الاسلحة البيولوجية او الكيماوية، بل حتى الاتحاد السوفييتي عند تفككه وقف على اعتاب مثل هذا الاحتمال. يكفي التذكير بانه في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينات ، نظمت جماعة أوم شينريكيو اليابانية برامج للأسلحة الكيميائية والبيولوجية، واستخدمت عوامل بيولوجية ولو انها فشلت، واستخدمت عوامل كيميائية مع بعض التأثير ، وفي عامي 1994 و1995 بدأت جماعات الميليشيات في الولايات المتحدة في استكشاف العوامل البيولوجية في التسعينيات وقامت بعدة محاولات في هذا المجال ، لكن فشلها لا يعني انتهاء المحاولات. ولندلل على ان هاجس انتشار اسلحة الدمار الشامل ليس امرا مبالغا فيه، ننقل حرفيا ما قاله الرئيس الروسي الحالي 'بوتين ' عام 2012، حيث قال حرفيا: ' في المستقبل البعيد، سيتم تطوير أنظمة أسلحة قائمة على مبادئ جديدة (شعاعية، وجيوفيزيائية، وموجية، والجينية، وسيكوفيزيائية، وغيرها من التقنيات). كل هذا، بالإضافة إلى الأسلحة النووية، وهذا سيوفر أدوات جديدة كليًا لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية. ستكون أنظمة الأسلحة عالية التقنية هذه مماثلة في فعاليتها للأسلحة النووية، لكنها ستكون أكثر 'قبولًا' من حيث الأيديولوجية السياسية والعسكرية. وبهذا المعنى، سيلعب التوازن الاستراتيجي للقوى النووية دورًا متضائلًا تدريجيًا في ردع العدوان والفوضى' فإذا اضفنا للمشهد السابق، ان عدد الحروب الداخلية(كمؤشر على الدول الفاشلة ) يتزايد بشكل اكبر كثيرا من عدد الحروب 'بين الدول'، فان ذلك يعزز هواجس الفوضى التي يتخوف بوتين منها، فإذا دعمنا ذلك بمؤشر آخر هو ان هناك 95 دولة حاليا تقع في دائرة المؤشر السلبي في مقياس الاستقرار السياسي، وان هناك 79 تنظيما مسلحا تصنفه الولايات المتحدة كمنظمات 'ارهابية'، فان الهواجس الامنية تزداد عمقا. هل يمكن للرشد السياسي ان يمنع القيامة المحتملة ؟ ان القدرة على التكيف مع التغير المتسارع في كل مناحي الحياة وبخاصة التكنولوجي يتراجع ، ويبدو ان التزاحم بين قوى المجتمع الدولي ستتبلور على النحو التالي: 1- صراع بين نموذج العولمة وبين نموذج ويستفاليا القومي 2- الصراع بين الترابط العضوي(الاقتصاد والتكنولوجيا والثقافي) وبين الترابط الآلي(الدين واللغة واللون..الخ) 3- الصراع على المراكز القطبية بين القوى القديمة والقوى الصاعدة 4- الصراع الجيواستراتيجي على القطبية الاقليمية. 5- الصراع بين الدولة وبين ما دون الدولة وما فوق الدولة. ان العالم اعقد كثيرا مما يبدو للوهلة الأولى، لكن مناهج فهم هذا التعقيد لا تتطور في الدول النامية مقدار تطورها في الدول المتقدمة ،وهو ما يجعل الحوار يدور في حلقة مفرغة…ربمأ. 2025-05-31 The post القيامة المحتملة!وليد عبد الحي first appeared on ساحة التحرير.