
لماذا تراجع الاهتمام الإعلامي بغزة؟
منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لم تمر ليلة على أهالي غزة من دون قتل أو خوف أو تشريد أو جوع؛ إنها مأساة متكاملة الأركان، ومحرقة مستديمة، يبدو أن الأفق لا يحمل أملاً قريباً في خمود نيرانها.
لم يكن الإعلام غائباً -بالطبع- عن تقصي أبعاد تلك المحرقة، وتسليط الضوء على تفاصيلها المُوجعة، وسرد قصصها الغارقة في المعاناة، ولكن المتابعة الإعلامية لتلك المأساة لم تكن قادرة دوماً على مواكبتها بالدرجة المناسبة من الاهتمام في كل الأوقات، وذلك لسببين:
أما السبب الأول، فيعود إلى ما نعرفه من أن الإعلام يؤدي أدواره التأثيرية في تشكيل الرأي العام تجاه القضايا والتطورات المُهمة، من خلال عمليات مُحددة، تأتي على رأسها عملية تشكيل إطار القضايا الحيوية.
وفي عملية تشكيل إطار القضايا، قد تُسلِّط وسائل الإعلام الضوء على قضايا بعينها، أو تحجبه، أو تقلصه إزاء قضايا أخرى، من دون النظر إلى مدى أهمية تلك القضايا في سُلَّم أولويات الجمهور.
ويعتقد باحثون إعلاميون أن إغفال الإعلام قضايا مهمة، أو منحها مساحات وأوقات عرض لا تتناسب مع مدى أهميتها المُفترضة، يؤدي تلقائياً إلى تقليل الاهتمام بها من قبل قطاعات الجمهور.
وكذلك تعرض وسائل الإعلام القضايا المختلفة على جمهورها بشكل مرتب تبعاً لأهميتها. ووفق نظرية «تحديد الأولويات» (Agenda Setting)، فإن «ثمة علاقة إيجابية بين ما تلح عليه وسائل الإعلام في رسائلها، وبين ما يراه الجمهور مُهماً»، ويرى بعض الباحثين أن تلك النقطة بالذات تمثل مكمن أهم تأثير لوسائل الاتصال؛ أي «مقدرتها على ترتيب أجندة الجمهور بخصوص القضايا والموضوعات المطروحة».
ورغم بعض التشكيك في قدرة تلك النظرية على توضيح التأثير المباشر لوسائل الإعلام على الخرائط الإدراكية والمعرفية، واتجاهات الجمهور حيال القضايا محل الاهتمام، فإن لا أحد يدحض وجود روابط بين التعرض لوسائل الإعلام من جهة، واتجاهات الجمهور نحو قضايا معينة ومدى إدراكه لها من جهة ثانية.
ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية التي لا تريد أن توقف حربها على قطاع غزة من دون تحقيق «النصر الواضح» -الذي يعني نزع «حماس» من السلطة، وطرد قادتها إلى الخارج، بعد تجريدها من سلاحها- تدرك هذا الأمر جيداً، ولذلك، فإنها تجيد استخدام الوقت الذي تعرف أنه كفيل بأن يدفع قضية غزة إلى مراتب بعيدة في الأهمية ضمن قوائم الأخبار.
وعلى مدى الثلاثين يوماً الفائتة، أمكنني أن أرصد تراجع صدارة أخبار غزة قوائمَ الأخبار المُهمة، في أجندات وسائل الإعلام الرئيسة الإخبارية، لصالح أخبار أخرى. ففي أحد الأيام سيكون هناك خبر عن اختيار بابا جديد للفاتيكان، وفي يوم آخر سيكون الخبر عن المفاوضات النووية الأميركية- الإيرانية، ثم اندلاع الصراع المُسلح بين الهند وباكستان. وفي أيام أخرى، ستتصدر قوائمَ الاهتمامات أخبارُ الغارات الإسرائيلية على دمشق، أو أنباء التوترات الطائفية في الساحل السوري، وقبلها كانت الأخبار عن حظر الأردن لجماعة «الإخوان»، وقد حدث هذا كله طبعاً قبل أن تكتسح أخبار إجراءات ترمب الجمركية، وما خلَّفته من أضرار اقتصادية، مانشيتات الصحف وشاشات التلفاز.
وأما السبب الثاني وراء تراجع الاهتمام بأخبار غزة، فيكمن في مشكلة «تعب الأخبار» (News Fatigue)، إذ يؤدي التعرض المستمر والمكثف للأخبار السيئة والمُرهقة عاطفياً إلى إصابة قطاعات من الجمهور بالإحباط واليأس، وهيمنة نزعة سوداوية على مزاجه، فيقاطع الأخبار عموماً، أو ينصرف عن متابعة تلك التطورات التي ترهقه وتؤذي شعوره.
وببساطة شديدة، فإن «تعب الأخبار» هو حالة تصيب الفرد والجماعة جراء التعرض المتكرر لسيل من الأخبار والمعالجات الإعلامية لظواهر سلبية أو قصص مؤلمة، بما يؤثر تأثيراً ضاراً في الصحة النفسية، وفي الاتجاهات الوجدانية، ويعزز حالة التوتر وعدم اليقين.
وكان تقرير قد صدر أخيراً عن معهد «رويترز» للأخبار، أفاد بأن نحو 38 في المائة من إجمالي عينة تبلغ أكثر من 93 ألف شخص في 46 دولة، أفادوا بأنهم باتوا يتجنبون التزود بالأخبار المتعلقة بالأحداث الجادة، رغم أنهم يطالعون وسائل الإعلام بانتظام.
لقد تراجع الاهتمام الإعلامي بحرب غزة بشكل لا يعكس مدى أهميتها الإخبارية والسياسية والإنسانية، وكان هذا التراجع يحدث باطراد كلما طال أمد الحرب، وهو أمر لا يعود إلى تضاؤل القيمة الخبرية أو السياسية لأحداث غزة بالضرورة، وإنما يعود إلى ديناميات العملية الإخبارية نفسها في الأساس.
ويبدو أن الحكومة الإسرائيلية لا تجيد استخدام المناورات السياسية وترسانة الأسلحة التي تمتلكها في تلك المعركة فقط، ولكنها تلعب أيضاً على عاملَي: «الأجندة الإخبارية» التي لا تقبل بالثبات، من جانب، وتداعيات «تعب الأخبار»، و«إرهاق الرحمة»، من جانب آخر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 34 دقائق
- الشرق الأوسط
إسرائيل تستدعي سفير إسبانيا في تل أبيب
ذكرت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، اليوم الأربعاء، أن وزارة الخارجية الإسرائيلية أعلنت استدعاء سفير إسبانيا لديها بعد أن وصف رئيس الوزراء الإسباني إسرائيل بأنها «دولة إبادة جماعية». وقالت الصحيفة إن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز وصف إسرائيل في جلسة برلمانية بأنها «دولة إبادة جماعية»، مؤكداً أن بلاده لا تربطها أي علاقات تجارية مع إسرائيل. وأضافت الصحيفة أنه رداً على ذلك، قالت «الخارجية الإسرائيلية» إنها سوف تستدعي السفير الإسباني لتقديم احتجاج.


الشرق الأوسط
منذ 34 دقائق
- الشرق الأوسط
بريطانيا تعلق مفاوضات التجارة الحرة مع إسرائيل وتستدعي سفيرتها
علّقت الحكومة البريطانية، الثلاثاء، مفاوضات التجارة الحرة مع إسرائيل وفرضت عقوبات جديدة على مستوطنين في الضفة الغربية احتجاجاً على ممارساتها في قطاع غزة. كذلك، أعلن وزير الخارجية ديفيد لامي أن وزارته استدعت السفيرة الإسرائيلية تسيبي هاتوفيلي رداً على تكثيف إسرائيل غاراتها وتوسيع عملياتها العسكرية في القطاع الفلسطيني المحاصر، مع استمرار الحرب الدائرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023. من جهتها، قللت الحكومة الإسرائيلية من أهمية إعلان بريطانيا تعليق مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، قائلة إن الحكومة البريطانية الحالية لم تحرز أي تقدم على الإطلاق في المفاوضات. وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان «هذه الاتفاقية كانت ستخدم مصلحة البلدين على حد سواء. وإذا كانت الحكومة البريطانية... على استعداد لإلحاق الضرر بالاقتصاد البريطاني، فهذا قرارها وحدها». وانتقدت إسرائيل عقوبات فرضتها بريطانيا على مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية، ووصفت القرار بأنه «غير مبرر ومؤسف».


عكاظ
منذ 35 دقائق
- عكاظ
بتوجيه خالد الفيصل.. نائب أمير مكة يتفقد المشاعر المقدسة للتأكد من جاهزيتها لموسم الحج
بتوجيه من مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد بن فيصل بن عبدالعزيز، تفقد نائب أمير المنطقة الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز، اليوم، يرافقه عددٌ من مسؤولي الجهات ذات العلاقة المشاعر المقدسة للوقوف على جاهزيتها لموسم حج 1446هـ. واستهل جولته بزيارة نقطة الفرز بمركز الشميسي, واستمع إلى شرح عن دور القوات الخاصة لأمن الطرق في المركز والإجراءات الأمنية المطبقة لتسهيل دخول الحجاج لمكة المكرمة وآلية ضبط المخالفين ومنعهم من الدخول ويضم (16) مسارًا مزودة بأحدث التقنيات الذكية، وتحتوي على مكاتب إدارية لأمن الطرق، ومبنى مخصص لـ(10) جهات حكومية، ومساكن للعاملين، وتسهم النقطة في تسهيل حركة المركبات، والتيسير على القادمين إلى مكة المكرمة خلال المواسم. وزار مركز العمليات الأمنية الموحد (911) بالعاصمة المقدسة، واستمع إلى شرح من قائد المركز الوطني للعمليات الأمنية العقيد عمر بن عيضة الطلحي، حول مهمات المركز ودوره في تقديم الخدمات الأمنية والإنسانية للمواطنين والمقيمين والزوار. واطّلع على سير العمل في المركز الذي يضم 47 غرفة عمليات، وآلية استقبال البلاغات وتصنيفها وتحويلها للجهات المختصة في وقت قياسي، باستخدام أحدث الوسائل التقنية، ضمن منصة موحدة تعزز سرعة الاستجابة وكفاءة التنسيق بين الجهات، بما يضمن أمن وسلامة ضيوف الرحمن. وتابع آلية استقبال المكالمات الواردة من الحجاج بعدة لغات على مدى الساعة، واطلع على غرفة المتابعة الأمنية التي تبث مباشرة من محافظات المنطقة والمشاعر المقدسة، إلى جانب تفقده قاعة إدارة الأزمات والكوارث ودورها في التعامل مع الحالات الطارئة خلال موسم الحج. وفي مشعر عرفات، اطلع نائب أمير منطقة مكة المكرمة على عدد من المشاريع التي تنفذها شركة «كدانة» استعدادًا لموسم الحج، شملت مشروع تخفيف أثر الإجهاد الحراري في محيط مسجد نمرة، على مساحة تُقدّر بـ(85) ألف متر مربع، ويهدف إلى توفير بيئة أكثر راحة وأمانًا للحجاج يوم عرفة، من خلال زراعة أكثر من (2,000) شجرة، وإنشاء (320) مظلة، وتركيب (350) مروحة رذاذ، مع تجهيز بنية تحتية كاملة لشبكات المياه والكهرباء. أخبار ذات صلة ووقف على مشروع تظليل المسارات في مشعر عرفات، المنفذ على مساحة 60 ألف متر مربع، ويهدف إلى تلطيف الأجواء وتوفير سُبل الراحة للحجاج. وفي مشعر مزدلفة، تفقد نائب أمير المنطقة، مشروع مسار المشاعر للمشاة الذي يمتد على مساحة (170) ألف متر مربع، بأرضيات مطاطية وزراعة (20) ألف شجرة، ويسهم في تعزيز جودة الخدمات ورفع مستوى السلامة لراحة الحجاج. واطلع على مشروع مراكز الانطلاق للمساعدات الأولية، الذي يضم 71 موقعًا موزعًا على مسارات المشاة في منى ومزدلفة وعرفات، لتقديم الإسعافات الأولية والدعم اللوجستي العاجل للحجاج. واختتم سموه جولته التفقدية بالوقوف على مشروع إنشاء مستشفى الطوارئ في مشعر منى، الذي يقام على مساحة (5,300) متر مربع، ويضم أكثر من (180) سريرًا، ما يعزز الطاقة الاستيعابية للرعاية الصحية الطارئة في المشاعر المقدسة خلال موسم الحج.