logo
أصداء هيروشيما في غزة... ما الذي سيشهده العالم لاحقاً

أصداء هيروشيما في غزة... ما الذي سيشهده العالم لاحقاً

الرأيمنذ يوم واحد
- القوة النارية التراكمية التي أُطلقت على غزة تعادل 6 انفجارات بحجم قنبلة هيروشيما
مع بدء غبار الحرب بالانقشاع فوق غزة، تلوح في الأفق لحظة حاسمة - لحظة سعى صناع القرار الإسرائيليون جاهدين لتأجيلها... عودة الصحافة المستقلة غير المقيدة.
لما يقرب من عامين، مُنع الصحافيون الأجانب من الوصول وأخضعوا لقيود شديدة، حيث أحكم الجيش الإسرائيلي قبضته على وصولهم وسرديتهم.
ومع ذلك، لا يوجد حصار معلوماتي دائم. وإذا فشلت في النهاية الخطط واسعة الانتشار للتدمير الشامل والإبادة البشرية والتهجير القسري للفلسطينيين - إذا لم «يتجسد» التطهير العرقي - فإن ما سيكشفه هؤلاء الصحافيون قد يُثير عواقب ليست المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية مستعدة لمواجهتها يؤثر على سمعة إسرائيل لعقود طويلة.
يُحيي العالم ذكرى القصف الاميركي النووي لهيروشيما وناغازاكي، الذي أحرق مدينتين عام 1945 وترك ندبة في ضمير الإنسانية. بعد مرور ما يقرب من 80 عاماً، تواجه غزة قصفاً يتجاوز إجمالي قوته التفجيرية، وفقاً للخبراء، قوة هيروشيما مرات عدة. ورغم عدم إسقاط أي رأس نووي، فإن النتيجة - الإبادة والمجاعة والنزوح الجماعي - لها صدى مخيف. وعندما تعود الكاميرات، قد يثبت الحساب الأخلاقي أنه لا يزال قائماً.
في الواقع، أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت إسرائيل، بناءً على تعليمات مباشرة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى منع الصحافيين الدوليين من دخول غزة هو الحجم الكارثي للمعاناة الإنسانية. لقد مُحيت عائلات بأكملها، والشوارع، التي كانت تعج بالحياة في يوم من الأيام، أصبحت الآن أطلالاً لا يمكن التعرف عليها.
لكن الأهم من ذلك كله، هو الحجم الهائل للدمار الذي أحدثه القصف الجوي الإسرائيلي الذي ترغب تل أبيب في إخفائه.
وتشير تقديرات موثوقة إلى أن إجمالي حمولة المتفجرات التي أُلقيت على غزة تجاوزت 100.000 طن. لفهم حجم هذا الرقم:
- بلغ إجمالي قصف الحلفاء لمدينة دريسدن خلال الحرب العالمية الثانية 3900 طن.
- تعرضت هامبورغ، إحدى أكثر المدن تعرضاً للقصف الجوي، لقصف جوي كثيف، بلغ 8500 طن.
- لندن، التي عانت لسنوات من الهجوم الجوي، تلقت 18300 طن.
غزة وحدها تلقت أكثر من كل المدن الثلاث مجتمعة. في أوائل عام 2024، أشارت التقديرات بالفعل إلى إسقاط أكثر من 70 ألف طن من الذخائر.
وبحلول نهاية ذلك العام، تجاوز الرقم 85 ألفاً. وبحلول منتصف 2025، تم تجاوز عتبة 100 ألف طن، ما يجعل هذا القصف واحداً من أشد القصف في التاريخ العسكري الحديث.
ووفقاً لمحللين عدة، بمن فيهم البروفيسور بول روجرز من جامعة برادفورد، فإن القوة النارية التراكمية التي أُطلقت على غزة تعادل ستة انفجارات بحجم قنبلة هيروشيما. أنتجت قنبلة هيروشيما ما يقارب 15-16 كيلوطن (15.000 - 16.000 طن) من القوة التفجيرية المكافئة لمادة «تي إن تي». ورغم أن المقارنة غير دقيقة - بالنظر إلى أن الحملة الإسرائيلية نُفذت عبر مئات الآلاف من الغارات الجوية لاقل من سنتين بدلاً من انفجار فوري واحد - إلا أن المقارنة تساعد على تصور حجم الدمار الذي أحدثته.
لماذا تُهم هذه الأرقام؟
لا يقتصر الأمر على القوة النارية فحسب، بل يتعلق أيضاً بالجغرافيا، والكثافة السكانية، وتدمير الحياة نفسها. تبلغ مساحة غزة 360 كيلومتراً مربعاً فقط.
هذا يعني أن حملة القصف تمثل أعلى كثافة متفجرة لكل كيلومتر مربع في أي صراع حديث. لم تُستهدف أي منطقة بهذه القسوة والمنهجية في مثل هذه المساحة الصغيرة تضرر أكثر من 70 في المئة من المباني في شمال غزة أو دُمر بالكامل.
وتجاوز عدد القتلى المدنيين 60.000 إلى 70.000، حسب المصدر الرسمي الصحي في غزة. ودُمِّرت أحياء بأكملها، بما في ذلك المستشفيات والمدارس ومرافق المياه والمخابز. هذه ليست مجرد حرب، بل هي محوٌّ لمشهد مدينة وإفقارٌ ممنهجٌ لشعبٍ بأكمله.
الاستخدام الإستراتيجي للتدمير
يجادل النقاد بأن نية إسرائيل ليست عسكريةً فحسب.
إن تدمير البنية التحتية لغزة هو شكلٌ من أشكال التهجير الإستراتيجي للسكان، بجعل غزة غير صالحة للسكن، تزيد تل أبيب الضغط على الفلسطينيين للرحيل، رغم الحماية الدولية من التهجير القسري.
ومع ذلك، ورغم نطاق الدمار، لا يزال أكثر من مليوني فلسطيني مقيمين. وهنا يكمن الخطر على إسرائيل: إذا فشل التطهير العرقي، وبقي الناس، فسيصبحون شهوداً.
وخلال مهمة إغاثة، مُنع مراسل «بي بي سي» على متن طائرة بريطانية تُلقي الطعام في غزة من تصوير أي صور للقطاع. كان صحافياً على درايةٍ عميقةٍ بغزة، وقد أُفيد بأنه شعر بالدمار لما لم يستطع إلا أن يلمحه من الأعلى - أنقاضٌ مُدمَّرة، ومدنٌ مهجورة، وأرضٌ خانقة.
كان صمته على الشاشة أبلغ من الكلام. لقد أدركت تل أبيب تماماً ما قد تُثيره حتى بضع ثوانٍ من لقطات غير خاضعة للرقابة: غضب عالمي، وإجراءات قانونية، وانهيار رواية «الحرب الدقيقة» المُصاغة بعناية.
ويبدو أن القيادة العسكرية والسياسية تُدرك تماماً أن التهديد الحقيقي ليس الهزيمة العسكرية، بل فضح السردية.
ولطالما اعتمدت إسرائيل على ركيزتين إستراتيجيتين لاحتواء رد الفعل العالمي: هيمنة السردية والتغييرات الميدانية التي لا رجعة فيها.
تُصوّر الأولى عملياتها العسكرية كأعمال دفاع عن النفس ضرورية، بينما تُرسي الثانية «حقائق» مادية من خلال المستوطنات والمناطق العازلة وإخلاء السكان.
إلا أن الحرب على غزة اختبرت حدود كليهما. وإذا بقي الفلسطينيون - مصدومين ولكنهم لا يزالون على أرضهم - فإن هذه الاستراتيجيات تنهار إلى فشل ذريع. وبمجرد سقوط الحواجز أمام وصول الصحافة، قد تجد إسرائيل أن التحدي الأكبر الذي تواجهه ليس حماس، بل التاريخ.
لن يواجه الصحافيون العائدون إلى غزة ساحة معركة، بل مقبرة. سيتجولون في الأحياء المدمرة حياً حياً وسيصورون المستشفيات التي قُصفت رغم إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) المسبقة، وسيتحدثون إلى عائلات نجت من أساليب التجويع المتعمدة، وصوّروا أطفالهم وهم يموتون دون ماء أو خبز. لن يكونوا شخصيات مجهولة، بل سيُسمّون ويُجرون مقابلات ويُسمعون في جميع أنحاء العالم.
ستُشكّل الأدلة المُجمّعة العمود الفقري للسجلات القانونية والتاريخية. بالفعل، ترسم شهادات الناجين ولقطات الطائرات من دون طيار التي نشرتها المنظمات غير الحكومية صورةً مُرعبة. لكن هذه الروايات، التي لا تزال هامشية في وسائل الإعلام الغربية، ستصبح محوريةً بمجرد التحقق منها بشكل مستقل.
تواطؤ وسائل الإعلام وخطر التمزق
لطالما فشلت وسائل الإعلام الغربية في مواجهة الفظائع في الوقت الفعلي. من رواندا إلى البوسنة، غالباً ما وصل الصحافيون متأخرين جداً - أو تم تكميم أفواههم حتى فات الأوان.
في رواندا، استغرقت الصحافة أسابيع لتسمية «إبادة جماعية» كانت تتكشف على مرأى من الجميع.
في البوسنة، وقعت مذبحة سريبرينيتشا بعد سنوات من التغطية المُلطّفة التي وصفت التطهير العرقي الصربي بأنه «صراع مُعقّد».
في غزة، يكون التواطؤ أكثر حدة. رددت وسائل إعلام رائدة التصورات الحكومية الإسرائيلية، واصفةً المجاعة الجماعية بأنها «متنازع عليها»، ومصوّرةً الحصار بأنه «سياسة أمنية».
لكن الوضع قد يتغير. فثقة الجمهور في هذه الروايات آخذة في التآكل. وقد يُفسد الصحافيون العائدون من غزة هذا التفاهم القائم منذ زمن، خاصةً إذا تناقضت لقطاتهم ومقابلاتهم مع أشهر من التقارير الرسمية.
لم يعد السؤال المطروح هو ما إذا كانت وسائل الإعلام ستغطي غزة، بل ما إذا كانت ستجرؤ على نقل ما تراه.
فإذا عاد الصحافيون قبل اكتمال التهجير القسري، فإن إسرائيل تُخاطر ليس فقط بسمعتها، بل بالكشف القانوني أيضاً. قد تُؤدي أدلة جرائم الحرب - كالتهجير القسري، واستخدام التجويع كسلاح، وتدمير البنية التحتية المدنية - إلى مقاضاة بموجب القانون الدولي. وقد حذّرت المحكمة الجنائية الدولية بالفعل من أنها تراقب الوضع. وقد تُبادر الدول ذات الولاية القضائية العالمية إلى رفع دعاوى قضائية.
وكما كان الحال مع مرتكبي «الإبادة الجماعية» في رواندا وقادة صربيا، غالباً ما تتبع الإجراءات القانونية سيل الصور، وليس انتصار المعركة.
لعقود، صوّرَت إسرائيل نفسها كديمقراطية. وقد مكّن هذا السرد من تأطير الحروب الموسعة حسب الضرورة. لكن من دون نزوح جماعي، ومن دون تهجير سكان غزة من أرضهم، سيشهد العالم فشل هذا السرد.
ومع حرية الوصول غير المقيدة، سيكشف الصحفيون الهجمات غير المتناسبة على البنية التحتية المدنية، وخرافة «الضربات الجراحية»، والاستهداف الممنهج للمستشفيات والمدارس والملاجئ.
إن أكثر وسائل الحماية فعالية لإسرائيل - الغطاء الدبلوماسي الأميركي والأوروبي - بدأ يتصدع. إذا وثّق الصحافيون العائدون فظائع لا يمكن انكارها، فسيتزايد الضغط على الحكومات الغربية لتجميد مبيعات الأسلحة، وربط المساعدات بشروط، ودعم تحقيقات جرائم الحرب.
وبالفعل، تدعو بعض البرلمانات إلى فرض حظر وتحقيقات مستقلة.
ما بدا مستحيلاً في السابق - العقوبات الغربية على إسرائيل - قد يصبح قابلاً للتطبيق سياسياً إذا أصبحت تكلفته المعنوية باهظة للغاية.
ولعل أعمق جرح سيكون رمزياً. فالرواية الصهيونية، المبنية على فكرة اللجوء من الاضطهاد، قد تتصدع بشكل لا رجعة فيه. قد تقلب صور غزة - عندما يبثها صحافيون من لندن أو باريس أو ساو باولو أو جوهانسبورغ - قطبية التعاطف العالمي.
قد يُنظر إلى «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» ليس كضحية، بل ككيان خطر مسلح نووياً وتوسعي.
لو نجحت الخطة - نقل الفلسطينيين إلى الخارج - لربما أصبحت غزة منطقة صامتة. الأراضي الخالية لا تشهد. لكن إن بقي أهلها، فسيكونون الأرشيف الحي لهذه الحرب. سيتحدثون، ويكتبون، ويصورون، ويتذكرون. سيعلمون أطفالهم ليس فقط البقاء، بل الصمود والكرامة وما فعل الصهاينة بهم، وستبقى قصصهم بعد هذه الحرب.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قمة مرتقبة بين ترامب وبوتين لإنهاء حرب أوكرانيا
قمة مرتقبة بين ترامب وبوتين لإنهاء حرب أوكرانيا

الوطن الخليجية

timeمنذ 29 دقائق

  • الوطن الخليجية

قمة مرتقبة بين ترامب وبوتين لإنهاء حرب أوكرانيا

أعلن الكرملين، الخميس، عن التوصل إلى اتفاق مبدئي مع واشنطن لعقد قمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، خلال 'الأيام المقبلة'، في خطوة قد تشكل تحولًا لافتًا في مسار الحرب المستمرة في أوكرانيا منذ أكثر من ثلاث سنوات. وقال المستشار الرئاسي الروسي يوري أوشاكوف إن القمة 'تم التوافق عليها من حيث المبدأ بناءً على اقتراح من الجانب الأميركي'، مضيفًا أن التحضيرات التفصيلية بدأت مع المسؤولين الأميركيين، وأن موعدها المرجح سيكون 'الأسبوع المقبل'، دون الكشف عن المكان المحدد للاجتماع. وتُعد هذه القمة الأولى بين رئيس أميركي وآخر روسي منذ لقاء جنيف في يونيو 2021 الذي جمع الرئيس الروسي بنظيره السابق جو بايدن. لكنها تحمل طابعًا مختلفًا هذه المرة، إذ تأتي وسط سعي ترامب إلى التوسط لوقف العملية العسكرية الروسية المستمرة في أوكرانيا، والتي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين. وكان ترامب قد صرّح الأربعاء بأن لقاءه مع بوتين قد يتم 'قريبًا جدًا'، في ما يبدو محاولة لإثبات دوره القيادي على الساحة الدولية، خصوصًا في ظل الانتقادات المتزايدة له بسبب مواقفه المتذبذبة تجاه روسيا منذ حملته الانتخابية. كما يأتي هذا الحراك بعد يوم من لقاء جرى في موسكو بين بوتين والمبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، حيث طُرح اقتراح أميركي بعقد اجتماع ثلاثي يضم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. إلا أن أوشاكوف أوضح أن 'هذا الخيار لم يُناقش تفصيليًا، ولم يُعلق عليه الجانب الروسي إطلاقًا'. في المقابل، شدد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، صباح الخميس، على أن عقد اجتماع مباشر مع بوتين يمثل المسار الوحيد للتوصل إلى حلول واقعية، مجددًا دعوته لعقد قمة ثنائية أو ثلاثية. وقال على حساباته الرسمية: 'قلنا مرارًا في أوكرانيا إن إيجاد حلول حقيقية قد يكون فعالًا على مستوى القادة. من الضروري تحديد توقيت لمثل هذه الصيغة ومجموعة القضايا التي سيتم البحث فيها.' وجاءت هذه التصريحات بعد مكالمة هاتفية أجراها مع ترامب، شارك فيها أيضًا عدد من القادة الأوروبيين، في أعقاب زيارة ويتكوف لموسكو. وأكد زيلينسكي أنه سيجري محادثات إضافية خلال اليوم، تشمل المستشار الألماني فريدريش ميرتس، ومسؤولين فرنسيين وإيطاليين، إضافة إلى تواصل بين مستشاري الأمن القومي في عدد من الدول. ورغم ثلاث جولات سابقة من المفاوضات المباشرة بين موسكو وكييف، أبرزها في إسطنبول، لم تُحقق أي منها تقدمًا ملموسًا نحو وقف إطلاق النار، إذ تصطدم المساعي التفاوضية بتباين جذري في مطالب الطرفين. فموسكو تطالب بانسحاب أوكراني كامل من الأراضي التي ضمتها روسيا، وتدعو إلى وقف الدعم العسكري الغربي، بينما تتمسك كييف بسيادتها الكاملة ورفضها لأي حلول تُكرّس ما تسميه 'الاحتلال الروسي'. وكانت موسكو قد رفضت مرارًا الاجتماع مع زيلينسكي دون 'توافر شروط موضوعية للسلام'، كما شككت مرارًا بشرعية بقائه في الحكم بعد انتهاء ولايته الدستورية. القمة المرتقبة بين بوتين وترامب تفتح بابًا جديدًا – لكنه محفوف بالشكوك – لإمكانية تخفيف حدة واحدة من أكثر النزاعات دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وبينما تسعى واشنطن إلى إعادة التموضع من بوابة الوساطة، تصر كييف على عدم تهميش قيادتها في أي مفاوضات قد تحدد مستقبل البلاد. ورغم أن تفاصيل الاجتماع لم تُعلن رسميًا بعد، إلا أن مجرد الإعلان عن هذه القمة يعكس تحركًا أميركيًا لكسر الجمود، في وقت باتت فيه ملامح الحرب مرشحة لمزيد من التعقيد أو الانفراج، تبعًا لمآلات هذا اللقاء الحاسم.

أصداء هيروشيما في غزة... ما الذي سيشهده العالم لاحقاً
أصداء هيروشيما في غزة... ما الذي سيشهده العالم لاحقاً

الرأي

timeمنذ يوم واحد

  • الرأي

أصداء هيروشيما في غزة... ما الذي سيشهده العالم لاحقاً

- القوة النارية التراكمية التي أُطلقت على غزة تعادل 6 انفجارات بحجم قنبلة هيروشيما مع بدء غبار الحرب بالانقشاع فوق غزة، تلوح في الأفق لحظة حاسمة - لحظة سعى صناع القرار الإسرائيليون جاهدين لتأجيلها... عودة الصحافة المستقلة غير المقيدة. لما يقرب من عامين، مُنع الصحافيون الأجانب من الوصول وأخضعوا لقيود شديدة، حيث أحكم الجيش الإسرائيلي قبضته على وصولهم وسرديتهم. ومع ذلك، لا يوجد حصار معلوماتي دائم. وإذا فشلت في النهاية الخطط واسعة الانتشار للتدمير الشامل والإبادة البشرية والتهجير القسري للفلسطينيين - إذا لم «يتجسد» التطهير العرقي - فإن ما سيكشفه هؤلاء الصحافيون قد يُثير عواقب ليست المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية مستعدة لمواجهتها يؤثر على سمعة إسرائيل لعقود طويلة. يُحيي العالم ذكرى القصف الاميركي النووي لهيروشيما وناغازاكي، الذي أحرق مدينتين عام 1945 وترك ندبة في ضمير الإنسانية. بعد مرور ما يقرب من 80 عاماً، تواجه غزة قصفاً يتجاوز إجمالي قوته التفجيرية، وفقاً للخبراء، قوة هيروشيما مرات عدة. ورغم عدم إسقاط أي رأس نووي، فإن النتيجة - الإبادة والمجاعة والنزوح الجماعي - لها صدى مخيف. وعندما تعود الكاميرات، قد يثبت الحساب الأخلاقي أنه لا يزال قائماً. في الواقع، أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت إسرائيل، بناءً على تعليمات مباشرة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى منع الصحافيين الدوليين من دخول غزة هو الحجم الكارثي للمعاناة الإنسانية. لقد مُحيت عائلات بأكملها، والشوارع، التي كانت تعج بالحياة في يوم من الأيام، أصبحت الآن أطلالاً لا يمكن التعرف عليها. لكن الأهم من ذلك كله، هو الحجم الهائل للدمار الذي أحدثه القصف الجوي الإسرائيلي الذي ترغب تل أبيب في إخفائه. وتشير تقديرات موثوقة إلى أن إجمالي حمولة المتفجرات التي أُلقيت على غزة تجاوزت 100.000 طن. لفهم حجم هذا الرقم: - بلغ إجمالي قصف الحلفاء لمدينة دريسدن خلال الحرب العالمية الثانية 3900 طن. - تعرضت هامبورغ، إحدى أكثر المدن تعرضاً للقصف الجوي، لقصف جوي كثيف، بلغ 8500 طن. - لندن، التي عانت لسنوات من الهجوم الجوي، تلقت 18300 طن. غزة وحدها تلقت أكثر من كل المدن الثلاث مجتمعة. في أوائل عام 2024، أشارت التقديرات بالفعل إلى إسقاط أكثر من 70 ألف طن من الذخائر. وبحلول نهاية ذلك العام، تجاوز الرقم 85 ألفاً. وبحلول منتصف 2025، تم تجاوز عتبة 100 ألف طن، ما يجعل هذا القصف واحداً من أشد القصف في التاريخ العسكري الحديث. ووفقاً لمحللين عدة، بمن فيهم البروفيسور بول روجرز من جامعة برادفورد، فإن القوة النارية التراكمية التي أُطلقت على غزة تعادل ستة انفجارات بحجم قنبلة هيروشيما. أنتجت قنبلة هيروشيما ما يقارب 15-16 كيلوطن (15.000 - 16.000 طن) من القوة التفجيرية المكافئة لمادة «تي إن تي». ورغم أن المقارنة غير دقيقة - بالنظر إلى أن الحملة الإسرائيلية نُفذت عبر مئات الآلاف من الغارات الجوية لاقل من سنتين بدلاً من انفجار فوري واحد - إلا أن المقارنة تساعد على تصور حجم الدمار الذي أحدثته. لماذا تُهم هذه الأرقام؟ لا يقتصر الأمر على القوة النارية فحسب، بل يتعلق أيضاً بالجغرافيا، والكثافة السكانية، وتدمير الحياة نفسها. تبلغ مساحة غزة 360 كيلومتراً مربعاً فقط. هذا يعني أن حملة القصف تمثل أعلى كثافة متفجرة لكل كيلومتر مربع في أي صراع حديث. لم تُستهدف أي منطقة بهذه القسوة والمنهجية في مثل هذه المساحة الصغيرة تضرر أكثر من 70 في المئة من المباني في شمال غزة أو دُمر بالكامل. وتجاوز عدد القتلى المدنيين 60.000 إلى 70.000، حسب المصدر الرسمي الصحي في غزة. ودُمِّرت أحياء بأكملها، بما في ذلك المستشفيات والمدارس ومرافق المياه والمخابز. هذه ليست مجرد حرب، بل هي محوٌّ لمشهد مدينة وإفقارٌ ممنهجٌ لشعبٍ بأكمله. الاستخدام الإستراتيجي للتدمير يجادل النقاد بأن نية إسرائيل ليست عسكريةً فحسب. إن تدمير البنية التحتية لغزة هو شكلٌ من أشكال التهجير الإستراتيجي للسكان، بجعل غزة غير صالحة للسكن، تزيد تل أبيب الضغط على الفلسطينيين للرحيل، رغم الحماية الدولية من التهجير القسري. ومع ذلك، ورغم نطاق الدمار، لا يزال أكثر من مليوني فلسطيني مقيمين. وهنا يكمن الخطر على إسرائيل: إذا فشل التطهير العرقي، وبقي الناس، فسيصبحون شهوداً. وخلال مهمة إغاثة، مُنع مراسل «بي بي سي» على متن طائرة بريطانية تُلقي الطعام في غزة من تصوير أي صور للقطاع. كان صحافياً على درايةٍ عميقةٍ بغزة، وقد أُفيد بأنه شعر بالدمار لما لم يستطع إلا أن يلمحه من الأعلى - أنقاضٌ مُدمَّرة، ومدنٌ مهجورة، وأرضٌ خانقة. كان صمته على الشاشة أبلغ من الكلام. لقد أدركت تل أبيب تماماً ما قد تُثيره حتى بضع ثوانٍ من لقطات غير خاضعة للرقابة: غضب عالمي، وإجراءات قانونية، وانهيار رواية «الحرب الدقيقة» المُصاغة بعناية. ويبدو أن القيادة العسكرية والسياسية تُدرك تماماً أن التهديد الحقيقي ليس الهزيمة العسكرية، بل فضح السردية. ولطالما اعتمدت إسرائيل على ركيزتين إستراتيجيتين لاحتواء رد الفعل العالمي: هيمنة السردية والتغييرات الميدانية التي لا رجعة فيها. تُصوّر الأولى عملياتها العسكرية كأعمال دفاع عن النفس ضرورية، بينما تُرسي الثانية «حقائق» مادية من خلال المستوطنات والمناطق العازلة وإخلاء السكان. إلا أن الحرب على غزة اختبرت حدود كليهما. وإذا بقي الفلسطينيون - مصدومين ولكنهم لا يزالون على أرضهم - فإن هذه الاستراتيجيات تنهار إلى فشل ذريع. وبمجرد سقوط الحواجز أمام وصول الصحافة، قد تجد إسرائيل أن التحدي الأكبر الذي تواجهه ليس حماس، بل التاريخ. لن يواجه الصحافيون العائدون إلى غزة ساحة معركة، بل مقبرة. سيتجولون في الأحياء المدمرة حياً حياً وسيصورون المستشفيات التي قُصفت رغم إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) المسبقة، وسيتحدثون إلى عائلات نجت من أساليب التجويع المتعمدة، وصوّروا أطفالهم وهم يموتون دون ماء أو خبز. لن يكونوا شخصيات مجهولة، بل سيُسمّون ويُجرون مقابلات ويُسمعون في جميع أنحاء العالم. ستُشكّل الأدلة المُجمّعة العمود الفقري للسجلات القانونية والتاريخية. بالفعل، ترسم شهادات الناجين ولقطات الطائرات من دون طيار التي نشرتها المنظمات غير الحكومية صورةً مُرعبة. لكن هذه الروايات، التي لا تزال هامشية في وسائل الإعلام الغربية، ستصبح محوريةً بمجرد التحقق منها بشكل مستقل. تواطؤ وسائل الإعلام وخطر التمزق لطالما فشلت وسائل الإعلام الغربية في مواجهة الفظائع في الوقت الفعلي. من رواندا إلى البوسنة، غالباً ما وصل الصحافيون متأخرين جداً - أو تم تكميم أفواههم حتى فات الأوان. في رواندا، استغرقت الصحافة أسابيع لتسمية «إبادة جماعية» كانت تتكشف على مرأى من الجميع. في البوسنة، وقعت مذبحة سريبرينيتشا بعد سنوات من التغطية المُلطّفة التي وصفت التطهير العرقي الصربي بأنه «صراع مُعقّد». في غزة، يكون التواطؤ أكثر حدة. رددت وسائل إعلام رائدة التصورات الحكومية الإسرائيلية، واصفةً المجاعة الجماعية بأنها «متنازع عليها»، ومصوّرةً الحصار بأنه «سياسة أمنية». لكن الوضع قد يتغير. فثقة الجمهور في هذه الروايات آخذة في التآكل. وقد يُفسد الصحافيون العائدون من غزة هذا التفاهم القائم منذ زمن، خاصةً إذا تناقضت لقطاتهم ومقابلاتهم مع أشهر من التقارير الرسمية. لم يعد السؤال المطروح هو ما إذا كانت وسائل الإعلام ستغطي غزة، بل ما إذا كانت ستجرؤ على نقل ما تراه. فإذا عاد الصحافيون قبل اكتمال التهجير القسري، فإن إسرائيل تُخاطر ليس فقط بسمعتها، بل بالكشف القانوني أيضاً. قد تُؤدي أدلة جرائم الحرب - كالتهجير القسري، واستخدام التجويع كسلاح، وتدمير البنية التحتية المدنية - إلى مقاضاة بموجب القانون الدولي. وقد حذّرت المحكمة الجنائية الدولية بالفعل من أنها تراقب الوضع. وقد تُبادر الدول ذات الولاية القضائية العالمية إلى رفع دعاوى قضائية. وكما كان الحال مع مرتكبي «الإبادة الجماعية» في رواندا وقادة صربيا، غالباً ما تتبع الإجراءات القانونية سيل الصور، وليس انتصار المعركة. لعقود، صوّرَت إسرائيل نفسها كديمقراطية. وقد مكّن هذا السرد من تأطير الحروب الموسعة حسب الضرورة. لكن من دون نزوح جماعي، ومن دون تهجير سكان غزة من أرضهم، سيشهد العالم فشل هذا السرد. ومع حرية الوصول غير المقيدة، سيكشف الصحفيون الهجمات غير المتناسبة على البنية التحتية المدنية، وخرافة «الضربات الجراحية»، والاستهداف الممنهج للمستشفيات والمدارس والملاجئ. إن أكثر وسائل الحماية فعالية لإسرائيل - الغطاء الدبلوماسي الأميركي والأوروبي - بدأ يتصدع. إذا وثّق الصحافيون العائدون فظائع لا يمكن انكارها، فسيتزايد الضغط على الحكومات الغربية لتجميد مبيعات الأسلحة، وربط المساعدات بشروط، ودعم تحقيقات جرائم الحرب. وبالفعل، تدعو بعض البرلمانات إلى فرض حظر وتحقيقات مستقلة. ما بدا مستحيلاً في السابق - العقوبات الغربية على إسرائيل - قد يصبح قابلاً للتطبيق سياسياً إذا أصبحت تكلفته المعنوية باهظة للغاية. ولعل أعمق جرح سيكون رمزياً. فالرواية الصهيونية، المبنية على فكرة اللجوء من الاضطهاد، قد تتصدع بشكل لا رجعة فيه. قد تقلب صور غزة - عندما يبثها صحافيون من لندن أو باريس أو ساو باولو أو جوهانسبورغ - قطبية التعاطف العالمي. قد يُنظر إلى «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط» ليس كضحية، بل ككيان خطر مسلح نووياً وتوسعي. لو نجحت الخطة - نقل الفلسطينيين إلى الخارج - لربما أصبحت غزة منطقة صامتة. الأراضي الخالية لا تشهد. لكن إن بقي أهلها، فسيكونون الأرشيف الحي لهذه الحرب. سيتحدثون، ويكتبون، ويصورون، ويتذكرون. سيعلمون أطفالهم ليس فقط البقاء، بل الصمود والكرامة وما فعل الصهاينة بهم، وستبقى قصصهم بعد هذه الحرب.

البابا ينتقد «الردع النووي» في الذكرى 80 لقنبلة هيروشيما
البابا ينتقد «الردع النووي» في الذكرى 80 لقنبلة هيروشيما

الرأي

timeمنذ يوم واحد

  • الرأي

البابا ينتقد «الردع النووي» في الذكرى 80 لقنبلة هيروشيما

انتقد البابا ليو الرابع عشر «الأمن الوهمي» لنظام الردع النووي العالمي، وذلك في مناشدة لمناسبة الذكرى الثمانين لإلقاء الولايات المتحدة قنبلة ذرية على مدينة هيروشيما اليابانية في نهاية الحرب العالمية الثانية. وقال في عظته الأسبوعية، اليوم، إن الدمار الذي لحق بهيروشيما وأودى بحياة نحو 78 ألف شخص فور إلقاء القنبلة، يجب أن يكون «تحذيراً عالمياً من الدمار الذي تسببه... الأسلحة النووية». وأضاف «آمل أن يفسح الأمن الوهمي القائم على التهديد بالدمار المتبادل في العالم المعاصر الذي يتسم بالتوتر الشديد والصراعات الدموية المجال أمام... ممارسة الحوار». ومع قبول الكنيسة الكاثوليكية ضمنياً لعقود من الزمن، نظام الردع النووي الذي تطور في الحرب الباردة، غيّر سلفه الراحل البابا فرنسيس تعاليم الكنيسة للتنديد بحيازة الأسلحة النووية. ودعم فرنسيس، معاهدة الأمم المتحدة لعدم انتشار الأسلحة النووية التي دخلت حيز التنفيذ رسمياً في 2021، لكنها لم تحظ بدعم أي من الدول المسلحة نووياً. وجاءت مناشدة البابا، بعد ساعات من حضور ممثلين من 120 دولة، منها الولايات المتحدة، الاحتفال السنوي في هيروشيما لإحياء ذكرى القصف بالقنبلة الذرية. وكان بين الحضور وفد من الأساقفة الكاثوليك من اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، بينهم الكاردينالان بلايز سوبيتش من شيكاغو وروبرت مكلروي من واشنطن. وقال الأساقفة في بيان مشترك، «نندد بشدة بكل الحروب والصراعات وباستخدام الأسلحة النووية وحيازتها وبالتهديد باستخدام الأسلحة النووية».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store