logo
سوريا... منطق الغنيمة وإكسير المواطنة

سوريا... منطق الغنيمة وإكسير المواطنة

الشرق الأوسطمنذ 3 أيام
منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024، دخلت سوريا مرحلة انتقالية صعبة، تقودها حكومة جديدة برئاسة أحمد الشرع. كان من المفترض أن تفتح هذه المرحلة الباب أمام إعادة بناء الدولة وترميم ما تهدّم من مؤسسات ومجتمع، غير أن ما تكشّف على الأرض يشير إلى ديناميكيات مختلفة تماماً؛ حيث أخذت التكوينات الطائفية والمناطقية تتحول إلى ما يُشبه القبائل السياسية، تخوض صراعاً محموماً على غنائم ما بعد النظام، لا على مشروع وطني جامع.
تُظهر الأدبيات الحديثة في الاقتصاد السياسي للنزاعات أن الحروب الأهلية لا تُخاض فقط بدوافع آيديولوجية أو تحت شعارات المظلومية، بل غالباً ما تتحوّل إلى مساحات مفتوحة للسعي وراء المكاسب، ويُعاد تعريف العنف فيها بوصفه أداة للغنيمة لا وسيلة للتحرر. وقد تفسّر ثلاث فرضيات هذا التحول: أولاها فرضية المظالم؛ حيث يؤدي التهميش السياسي والاقتصادي والاجتماعي إلى دفع فئات معينة إلى العنف، وثانيتها فرضية الطمع التي ترى أن الفاعلين لا يتحركون بدافع الغضب فقط، بل وفق حسابات دقيقة تتعلّق بالربح والخسارة، أما ثالثتها فهي فرضية التعبئة التي تربط إمكانية الانخراط في العنف بقدرة الجماعات على التنظيم وتوفير التمويل وتقدير فرص النصر والفشل.
ما يجري في سوريا اليوم يبدو أقرب إلى تطبيق حي لهذه النظريات؛ فبعد انهيار المؤسسات الأمنية التقليدية، نشأت على أنقاضها تشكيلات مسلحة ترتبط بانتماءات طائفية وقبلية ومناطقية، وانخرطت لاحقاً في «التهجين الأمني» عبر انضمامها الشكلي إلى أجهزة الدولة الجديدة دون أن تنصاع فعلياً لها. كل واحد من هذه التشكيلات بات يتصرف بصفته قبيلة سياسية تسعى إلى تثبيت سيطرتها على قطعة من الكيان السوري، وتحكمها بمنطق الغنيمة. وقد تحولت مساحات الدولة إلى مجالات نفوذ، تتقاسمها هذه القبائل على أساس القوة والتفاهمات الظرفية، لا وفق دستور أو عقد وطني.
في هذا السياق، لم يعد العنف مجرد أداة لتحقيق أهداف سياسية، بل أصبح مشروعاً مستمراً يدرّ الغنائم. تتلقّى بعض التشكيلات رواتب من الدولة أو من رعاة إقليميين، في حين تعتمد أخرى على موارد بديلة من خلال التهريب، والخطف، وفرض الإتاوات، والسيطرة على المعابر والثروات. تتسابق هذه التشكيلات على نهب الأملاك العامة والخاصة، واحتلال مقرات الدولة، ومصادرة ممتلكات المهجّرين، وتحتكر السلع المدعومة، وتتاجر بالوقود والقمح كأنها موارد لقبائل في صحراء مفتوحة.
تدريجياً، أخذت هذه الحالة تكرّس ما يُشبه الاقتصاد الرمزي للغنيمة؛ حيث لا يصبح الهدف من السيطرة هو الحكم أو الإصلاح، بل الحفاظ على موقع يسمح بمراكمة النفوذ والثروة. ومع غياب سلطة مركزية رادعة، تفقد الدولة قدرتها على احتكار الإكراه المشروع، وتتآكل سيادتها لمصلحة هذه التكوينات القبلية التي باتت تفرض أنظمة محلية موازية، وتمارس الحكم على المجتمعات بقوة السلاح لا الشرعية.
إن أخطر ما في هذا التحول أن الغنيمة أصبحت بديلاً عن السياسة، والنهب بديلاً عن التمثيل، والاستيلاء بديلاً عن المفاوضة. لا عجب إذن أن تفشل كل مبادرات المصالحة؛ لأن تكلفة السلام لدى هذه القوى أعلى من تكلفة استمرار النزاع، ومردود الحرب يفوق ما قد يُنتج من أي تسوية. الحالة الرمادية التي تعيشها سوريا اليوم ليست سوى انعكاس لهذه المعادلة: لا حرب شاملة، ولا سلام فعلياً، بل إدارة ذكية للنزاع تحفظ التوازن بين القبائل المتصارعة وتضمن استمرار تدفق الغنائم.
وأمام هذا الواقع، لا يمكن الحديث عن مشروع وطني دون تفكيك نظام الغنائم الجديد، ولا عن استقرار دون إعادة بناء الدولة على أسس السيادة والمؤسساتية والمواطنة. وإذا لم يتم كسر منطق الغنيمة، وتجفيف مصادر تمويل هذه الكيانات المسلحة، وإعادة احتكار الدولة للعنف والإدارة والثروة، فإن سوريا ستظل رهينة لعصبية القبيلة السياسية، تتقاسمها الميليشيات كما تتقاسم الصحراء مواردها المتنازَع عليها. إن إعادة التوازن في سوريا لا تتطلّب فقط إصلاحات سياسية، بل مواجهة جذرية لمنظومة الغنيمة التي تُغذّي استمرار الفوضى وتحول دون قيام الدولة، وهنا يجب أن تتدخل القوى التي تريد الخير لسوريا موحدة، وعلى رأسها السعودية، بدعم من دول الاعتدال والمجتمع الدولي والقلقين من الفوضى لقطع الطريق على ذرائع إسرائيل.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الرئيس اللبناني: لا رجوع عن تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة
الرئيس اللبناني: لا رجوع عن تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة

العربية

timeمنذ 41 دقائق

  • العربية

الرئيس اللبناني: لا رجوع عن تطبيق حصرية السلاح بيد الدولة

أكد الرئيس اللبناني جوزيف عون أن تطبيق قرار حصرية السلاح هو قرار متّخذ ولا رجوع عنه، ويتم بروية تحفظ وحدة لبنان وتمنع الإضرار بالسلم الأهلي. وأشار إلى أن إسرائيل لا تزال حتى الآن تمتنع عن الالتزام باتفاق 26 تشرين الثاني 2024، وتواصل اعتداءاتها على لبنان من دون الاستجابة للدعوات الدولية بوقف الأعمال العدائية. كما شدّد الرئيس عون على أن أي حلّ يحتاج إلى جهة تضمن تنفيذه، خصوصًا أن إسرائيل لم تلتزم بتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته، في حين أن لبنان التزم الاتفاق، ونشر الجيش جنوب الليطاني. ولفت إلى أن استمرار الوجود الإسرائيلي في التلال الخمس يُعدّ عائقًا أمام استكمال انتشار الجيش. وأعلن أن عدد الجيش في الجنوب سيرتفع إلى عشرة آلاف عنصر مع نهاية العام الجاري، وأنه حيثما حلّ الجيش صادر الأسلحة والذخائر وأنهى كل المظاهر المسلحة، مؤكداً أن القرار بإنقاذ الدولة نهائي، ولن يُوفّر أي جهد في سبيل تحقيق ذلك. وكانت مصادر لبنانية لـ"العربية/الحدث أفادت في وقت سابق بأن الولايات المتحدة تُصرّ على وضع جدول زمني لتسليم السلاح إلى الدولة اللبنانية قبل نهاية العام الجاري. وأكدت المصادر أن الردّ اللبناني على طرح المبعوث الأميركي توم برّاك لم يتضمّن أية جداول زمنية أو خطوات عملية لتنفيذ عملية حصر السلاح بيد الدولة. وأضافت المصادر أن برّاك لم يُقدّم أية ضمانات من جانب بلاده لإرغام إسرائيل على الانسحاب من النقاط الخمس الحدودية المتنازع عليها. برّاك يلتقي بري وفي وقت سابق اليوم بحث الموفد الخاص إلى لبنان وسوريا توماس برّاك مع رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، تطورات الأوضاع في لبنان والمنطقة. واستقبل بري اليوم السفير برّاك والوفد المرافق في حضور السفيرة الأميركية لدى لبنان ليزا جونسون والمستشار الإعلامي للرئيس بري علي حمدان. فيما تناول اللقاء "تطورات الأوضاع في لبنان والمنطقة والمستجدات السياسية والميدانية". وقال براك: "اللقاء مع رئيس المجلس كان ممتازاً ونعمل قدما للوصول إلى الاستقرار وعليكم أن تتحلّوا بالأمل". الزيارة الثالثة لبيروت وكان الموفد الرئاسي الأميركي، برّاك، وصل أول أمس الأحد إلى بيروت في زيارة هي الثالثة، للقاء المسؤولين اللبنانيين. والتقى أمس الاثنين رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس مجلس الوزراء نواف سلام. وسلّم الرئيس عون الموفد الرئاسي الأميركي ، خلال لقائه أمس، مشروع المذكرة الشاملة، باسم الدولة اللبنانية، لتطبيق ما تعهد به لبنان منذ إعلان اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل في 27 نوفمبر / تشرين الثاني الماضي وحتى البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الحالية. وكان برّاك سلّم المسؤولين اللبنانيين في زيارته الأولى في 19 يوني/ حزيران الماضي مقترحات لتنفيذ الترتيبات الأمنية لوقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل. وفي زيارته الثانية في السابع من الشهر الحالي تسلّم باراك من الرئيس عون رداً على المقترحات التي حملها إلى المسؤولين اللبنانيين في زيارته الأولى.

خادم الحرمين وولي العهد يهنئان الرئيس المصري بذكرى اليوم الوطني لبلاده
خادم الحرمين وولي العهد يهنئان الرئيس المصري بذكرى اليوم الوطني لبلاده

عكاظ

timeمنذ ساعة واحدة

  • عكاظ

خادم الحرمين وولي العهد يهنئان الرئيس المصري بذكرى اليوم الوطني لبلاده

بعث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، برقية تهنئة، لرئيس جمهورية مصر العربية الرئيس عبدالفتاح السيسي، بمناسبة ذكرى اليوم الوطني لبلاده. وأعرب الملك سلمان، عن أصدق التهاني وأطيب التمنيات بالصحة والسعادة لفخامته، ولحكومة وشعب جمهورية مصر العربية الشقيق اطراد التقدم والازدهار. وأشاد بعمق ومتانة العلاقات الأخوية التي تربط بين البلدين الشقيقين، والتي يسعى الجميع لتعزيزها وتطويرها في المجالات كافة. كما بعث ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، برقية تهنئة، لرئيس جمهورية مصر العربية الرئيس عبدالفتاح السيسي،، بمناسبة ذكرى اليوم الوطني لبلاده. وعبر ولي العهد، عن أطيب التهاني وأصدق التمنيات بموفور الصحة والسعادة لفخامته، ولحكومة وشعب جمهورية مصر العربية الشقيق المزيد من التقدم والازدهار. أخبار ذات صلة

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store