logo
ما تأثير إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه على الملف السوري؟

ما تأثير إعلان حزب العمال الكردستاني حل نفسه على الملف السوري؟

الجزيرة١٢-٠٥-٢٠٢٥

دمشق- أفادت وسائل إعلام تركية، اليوم الاثنين، بأن حزب العمال الكردستاني قرر حل نفسه ووقف العمل المسلح في تركيا ، منهيا بذلك تمردا استمر 40 عاما.
من جانبها، قالت وكالة "فرات" القريبة من الحزب إن هذه القرارات صدرت في ختام مؤتمره الثاني عشر الذي عُقد قبل أيام. وأضافت أن المؤتمر قرر حل الهيكل التنظيمي للحزب وإنهاء "الكفاح" المسلح وجميع الأنشطة التي تتم باسمه، وأنه يرى أنه "أنجز مهمته التاريخية".
وتابعت الوكالة أن العمال الكردستاني يرى أن "الأحزاب السياسية الكردية ستضطلع بمسؤولياتها لتطوير الديمقراطية الكردية وضمان تشكيل أمة كردية ديمقراطية"، وأن العلاقات التركية الكردية بحاجة إلى إعادة صياغة.
أكراد سوريا
كشف مصدر خاص في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) للجزيرة نت أن مظلوم عبدي يشغل منصب القائد العام للقوات، فيما يتولى جيغر سوري قيادة القوات العسكرية بشكل كامل، وتُشرف جيندا، وهي أيضا سورية، على جهاز الاستخبارات العامة في شمال شرق سوريا. وأوضح أن جميع الأوامر تصدر من شخصية تُعرف بلقب "الدكتور"، وهي غير سورية تقيم في جبال قنديل.
ووفقا له، فإن الكوادر السورية التي تلقت تدريباتها في هذه الجبال لا يُسمح لها بمغادرة البلاد نظرا لأصولهم السورية. أما التركية الذين يتحدثون اللغة العربية ولا يحملون قيودا في السجلات الرسمية السورية، فسيُحتسبون كمواطنين سوريين من "مكتومي القيد" سابقا.
وأكد أن غالبية المقاتلين الأجانب سيغادرون الأراضي السورية بعد إعلان حل حزب العمال الكردستاني، حيث خرج عدد كبير منهم بالفعل، في حين أصبحت قيادة معظم الألوية العسكرية بأيدي ضباط عرب.
وفيما يتعلق بقرار الحزب، رجّح المصدر نفسه أن تتنصل منه القيادة العامة لـ"قسد"، وتزعم أنه تركي ولا تربطها به علاقات رسمية. إلا أن الخوف الأكبر، وفقا له، يكمن في إمكانية حدوث خيانة من قبل الحزب في تركيا، إذا تم التوصل إلى اتفاق مع الدولة التركية على حساب الوجود الكردي في سوريا.
وأكد المصدر ذاته أن الوضع الأمني في مناطق شرق سوريا مستقر في الوقت الراهن، وأن القيادة أغلقت باب الانتساب إلى التشكيلات العسكرية، مما أدى إلى انخفاض عدد المقاتلين إلى نحو النصف.
وبخصوص قوات "الأسايش" (الأمن الداخلي)، أوضح المصدر أنها قوة شرطة مدنية لا تشارك في المعارك، ويجري حاليا تأهيلها أكاديميا ونفسيا تمهيدا لدمجها مع جهاز الأمن العام السوري. كما أشار إلى استعدادات لدخول وفود من حكومة دمشق لتشغيل دوائر الدولة الرسمية.
وكشف أن قائد منطقة الرقة الحالي هو سوري كردي يُدعى "أنغين"، في حين يتولى "غريبوز"، وهو أيضا سوري كردي، قيادة منطقة الطبقة بريف الرقة. وأكد أن الجنرال مظلوم عبدي أبدى تشجيعه لقرار حل الحزب، مرجحا وجود وعود دولية بشأن مستقبل قوات "قسد" ضمن إطار الحل السياسي السوري، وهو ما يمنحه الكثير من الاطمئنان تجاه التفاهم مع الحكومة السورية.
تداعيات إقليمية
وفي أول رد فعل من جانب أنقرة، قال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر جليك إن التنفيذ الكامل لقرار العمال الكردستاني حلَّ نفسه وتسليم سلاحه بشكل كامل، بما يؤدي إلى إغلاق جميع فروعه وامتداداته وهياكله غير القانونية، سيكون نقطة تحول حاسمة.
يرى الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، أن التصور لتقدّم حل سياسي في سوريا شكّل أساسا في التطورات الأخيرة التي شهدتها تركيا، خاصة ما يتعلق بمسار التسوية بين الحكومة والأكراد. وقال للجزيرة نت إن الخطوة التي اتخذها الحزب، إن صحت، ينبغي أن تتبعها خطوات متبادلة من كلا الجانبين، خصوصا من أنقرة في إطار معالجتها للأزمة الأمنية المرتبطة بهذا الملف.
وأوضح أن لدى الجانب التركي مطالب تتعلق بقيادة الحزب وعلى رأسها الزعيم عبد الله أوجلان ، وأن هذه التطورات ستؤثر بشكل كبير على المشهد السياسي والأمني. وأضاف أن القضية الكردية لم تعد محصورة في الإطار الداخلي التركي، بل تمددت تداعياتها في السنوات الأخيرة لتشمل ساحات إقليمية ودولية متعددة، منها السورية.
وحول مستقبل قوات قسد، اعتبر عودة أوغلو أن الحديث عن تفكيكها أو تسليم سلاحها لا يزال مبكرا جدا، قائلا إنها تمثل حاليا "أداة للولايات المتحدة تحت مسمى مكافحة الإرهاب، وتحديدا تنظيم الدولة الإسلامية". ولفت إلى أن هناك معضلات هيكلية تعترض طريق اندماجها بشكل فردي داخل الجيش السوري، وهو أمر مرهون بشكل كبير بالتطورات الجارية في الداخل التركي، إضافة إلى ما قد تشهده الساحة السورية من تحولات.
وبشأن العلاقة بين قسد والحكومة السورية، أشار إلى وجود مشاورات تمت خلال الفترة الأخيرة خاصة فيما يتعلق بملف النفط وحقول الطاقة التي تسيطر عليها قسد تحت إشراف أميركي مباشر. وأكد أن غياب تحركات ملموسة بشأن الانسحاب الأميركي يكرس حالة الجمود في هذا الملف في ظل استمرار الخلافات بين الحكومة السورية وقسد.
أما عن الدور التركي في الملف السوري، فأوضح الباحث أنه يتوقف بدرجة كبيرة على المتغيرات الإقليمية والدولية، مشيرا إلى التحركات التركية الأخيرة تجاه إسرائيل وما قابلها من مساع أميركية لتنظيم إيقاع هذه العلاقة.
إعلان
وأكد أن أنقرة تسعى إلى إنجاح المسار السياسي السوري، وأن هذا النجاح مشروط بتحقيق تقدم في الوضع الأمني خاصة في شمال سوريا. وختم بأن ضبط الأمن في تلك المناطق سيكون عاملا إيجابيا في تعزيز الثقة والمضي قدما نحو بناء دولة سورية جديدة.
وبحسب خبراء، تشمل التأثيرات المحتملة على الملف السوري:
تخفيف الضغوط التركية على قوات سوريا الديمقراطية.
يُتوقع أن يؤدي حل الحزب إلى عدم شن عمليات عسكرية تركية ضد "قسد"، خاصة إذا انسحبت القيادات المرتبطة بالحزب من الأراضي السورية، مما قد يمنح الأكراد السوريين فرصة أكبر للمشاركة في إعادة تشكيل مستقبل سوريا سياسيا.
تحول مهم
من جانبه، قال فراس علاوي، الكاتب والباحث في العلاقات الدولية، للجزيرة نت، إن حل حزب العمال الكردستاني يمكن أن يُحدث تحولا مهما في المشهد السياسي والأمني في المنطقة. وأوضح أنه سيساعد في تهدئة الأجواء المتوترة خاصة على الحدود التركية السورية، مما قد يدفع أنقرة إلى إعادة النظر في إستراتيجياتها، سواء من ناحية التدخل في الشأن السوري أو التعاون مع دمشق.
وأضاف أنه سينعكس بشكل مباشر على القوى الكردية في سوريا، وعلى رأسها "قسد" و"حزب الاتحاد الديمقراطي"، نظرا لأن العمال الكردستاني يُعد الحليف الأبرز لهما. وتابع "بالتالي، فإن إضعاف الكردستاني سيؤثر سلبا على موقف قسد التفاوضي مع الحكومة السورية".
ورغم احتمال قيام قسد بحل نفسها أو تسليم السلاح، يرى علاوي أن ذلك يظل مرتبطا بسياق التفاهم، لا سيما بالاتفاق بين القيادة السورية ومظلوم عبدي، قائد قسد. وأوضح: "حل الحزب سيمنح دمشق أوراقا قوة إضافية، مقابل تراجع النفوذ الكردي، مما قد يسرّع تنفيذ الاتفاقات المبرمة بين الحكومتين السورية والتركية".
بَيد أنه حذر من سيناريوهات معاكسة، موضحا أنه "إذا انتقل قادة الحزب إلى الداخل السوري دون تفكيك منظومته العسكرية، فقد نشهد تصعيدا وتشددا أكبر في الموقف الكردي داخل سوريا، ما سينعكس سلبا على المنطقة برمتها".
وقال "في حال ضعُف نفوذ العناصر المتشددة داخل قسد، قد يكون الدور التركي أكثر تأثيرا دبلوماسيا. أما إذا تعزز هذا النفوذ، فقد نشهد تدخلا تركيا مباشرا، ولكن هذه المرة عبر الأدوات العسكرية".
وكانت "قسد" قد وقعت اتفاقا مع الحكومة السورية يقضي بدمج قواتها ضمن الجيش السوري الجديد، والتعاون في مجالات اقتصادية وسياسية خلال اجتماع جمَع الرئيس أحمد الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي في مارس/آذار الماضي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

العفو الدولية تدعو لخفض عدد المحتجزين في مخيمات بسوريا
العفو الدولية تدعو لخفض عدد المحتجزين في مخيمات بسوريا

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

العفو الدولية تدعو لخفض عدد المحتجزين في مخيمات بسوريا

دعت منظمة العفو الدولية إلى خفض عدد الأشخاص الذين اعتبرتهم محتجزين "تعسفيا ولأجل غير مسمى في شمال شرق سوريا" على خلفية انتمائهم المفترض إلى تنظيم الدولة الإسلامية. وأكدت المنظمة أن الفوضى الناجمة عن تقليص التمويل الأمييكي ينبغي أن تشكّل "حافزا عاجلا لهذا التقليص". وسجلت "العفو الدولية" أنه بعد أكثر من ست سنوات على الهزيمة الإقليمية لتنظيم الدولة، "لا تزال سلطات الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا تحتجز عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال بشكلٍ غير مشروع". وأضافت أن هذا الاحتجاز مستمر بسبب الاشتباه في "انتمائهم إلى تنظيم الدولة"، حيث يوزعون على أكثر من 20 منشأة احتجاز وفي مخيمي الهول وروج. وأكدت المنظمة أن من بين المحتجزين ناجون من جرائم يشملها القانون الدولي ، بما في ذلك جرائم الاتجار بالبشر التي ارتكبها تنظيم الدولة، ولم توجه لمعظم المحتجزين "أيّ تهم ولم يُمنحوا الفرصة للطعن في قانونية احتجازهم". وتابعت موضحة أن بعض المحتجزين تعرضوا لـ"التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة"، واعتبرت أن القرار المفاجئ الذي اتخذته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتقليص التمويل أدى إلى "حالة من الفوضى العارمة ترافقت مع تدهورٍ ملحوظ في الخدمات الأساسية داخل المخيمات". وأوضحت أن نفاد الموارد المؤقتة والتلويح بتقليصات إضافية في التمويل سيؤدي إلى "تفاقم حالة الاضطراب لدى سكان المخيمات"، وأضافت أن تقرير منظمة العفو الدولية العام الماضي وثق "كيف يعيش أشخاص في كلا المُخيَّمين ظروفًا غير إنسانية تعرض حياتهم للخطر". وأشارت إلى أن المحتجزين عانوا من أجل الحصول على الغذاء والماء والرعاية الصحية، كما أجبروا على التعايش مع واقع "غير مستقر تسوده الجريمة والعنف". وقالت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار: "إن الفوضى التي تسببت فيها إدارة ترامب نتيجة تقليص التمويل قد تؤدي إلى عواقب كارثية تطال عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والرجال المحتجزين في شمال شرق سوريا". واعتبرت أن من غير المعقول أن تُقدِم إدارة ترامب على "إضعاف أحد أكثر المخيمات هشاشة في العالم عبر وقف مفاجئ للتمويل المخصص للخدمات الأساسية"، وأكدت أن هذا الأمر يُلقي "عبئا هائلا على عاتق سلطات الإدارة الذاتية والجهات الإنسانية الفاعلة". وأجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع 27 شخصا في مارس/آذار الماضي، من بينهم عاملين في منظمات إنسانية وغير حكومية وممثلين عن سلطات الإدارة الذاتية، وسكان من مخيمي الهول وروج، حول مستقبل نظام الاحتجاز.

3 نجاحات استثنائية لأردوغان
3 نجاحات استثنائية لأردوغان

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

3 نجاحات استثنائية لأردوغان

شهدت تركيا في الأسبوع الماضي حركة غير مسبوقة في تاريخها. فقد أمضى الدبلوماسيون والصحفيون ورجال الأمن والمسؤولون الرسميون ليالي بلا نوم، وعانوا من إرهاق شديد أنهك قواهم. وبصفتي صحفيًا حاول أن يواكب كل ما جرى، ويكتب المقالات، ويُفسّر الأحداث التي عرضت على الشاشات ليل نهار، نالني نصيبي من هذا الأسبوع المذهل على هيئة تعبٍ شديد. كانت التطورات سريعة إلى حد أن ما نكتبه من مقالات، أو ما ننشره من مشاركات، كان يفقد راهنيته في غضون ساعات قليلة. لعل هذا ما دفع القنوات التلفزيونية إلى التخلّي عن إعداد التقارير الخبرية، واللجوء عوضًا عن ذلك إلى البثّ المباشر المتواصل، حيث راحوا يربطون المراسلين بالأحداث ليرووها لحظة بلحظة. كيف شارك أردوغان في اجتماع الرياض؟ كان العالم بأسره يترقب زيارة ترامب التاريخية لثلاث دول خليجية، وكان الإعلام التركي يغطي التطورات على رأس كل ساعة. لكن عندما أُعلن فجأة عن لقاء سيُعقد بين ترامب وأحمد الشرع، تحوّلت الأنظار كلها إلى الرياض. وكأنّ ذلك لم يكن كافيًا، فقد أُعلن أيضًا عن انضمام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وترامب، والشَرع، مما جعل من هذا الحدث محور اهتمام عالمي. في تلك الأثناء، كانت وزارات خارجية 32 دولةً عضوًا في حلف الناتو تعقد اجتماعًا في أنطاليا، وحين وصل خبر اللقاء الرباعي إلى هواتفهم المحمولة، كتب المساعدون ملاحظات خاصة وأبلغوا الوزراء به. فبدأت مئات القنوات التلفزيونية، المتواجدة هناك، بتحويل تغطيتها من أنطاليا إلى الرياض. سألتُ مسؤولًا رفيع المستوى يتابع مجريات اللقاء عن كيفية انضمام أردوغان للاجتماع، فأجابني: "ولي العهد السعودي هو من دعا أردوغان إلى الاجتماع. في الواقع، كان أردوغان يودّ الحضور إلى الرياض شخصيًا، لكن لأسبابٍ لوجيستية لم يكن ذلك ممكنًا، فشارك عبر نظام الاتصال المرئي". اللقاء الرباعي يُغضب إسرائيل بشدة يحمل هذا الاجتماع الرباعي في الرياض أهمية مصيرية لمستقبل سوريا. فالرجل الذي كان رأسه مطلوبًا سابقًا، بات يجلس أمام ترامب بوصفه رئيس دولة، وقد أصبح فاعلًا جديدًا في معادلة متغيرة بالمنطقة، وهذا التحول قد تمّ تثبيته بالفعل. في الحقيقة، من منح الشرع هذا الموقع الفريد، وأوصله إلى موقع الندّ لترامب، هما القائدان المشاركان في الاجتماع: محمد بن سلمان، ورجب طيب أردوغان. فلو لم تقدّم السعودية وتركيا هذا القدر من الدعم لسوريا، لما وافق ترامب على اللقاء. ومن هذا نفهم أنّ تحالف السعودية وتركيا قادر على حلّ مشاكل المنطقة. وقد انعكست أصداء هذا اللقاء بهتافات فرح في سوريا، وفخر في تركيا والسعودية، وغضب في إسرائيل. إذ تلقّت إسرائيل، التي كانت تخطّط لتقسيم سوريا وابتلاعها تدريجيًا، كلمات ترامب بشأن الشرع كصفعة مدوّية: "شاب، وسيم، حازم، ومقاتل…". وخلال اللقاء، قال ترامب للقادة الثلاثة: "سأطلب من إسرائيل أن تكف عن سلوكها العدائي تجاه سوريا وأن تلتزم التهدئة". أما الإعلام الإسرائيلي، فقد أفاض في نشر كل الكلمات القاسية التي كان نتنياهو يتمنّى لو قالها لترامب. ويا للأسف، فقد صبّت إسرائيل غضبها من هذا اللقاء في غزة، حيث قتلت مئات الفلسطينيين الأبرياء، وبدأت من جديد عملية احتلال مادي للأرض. عجز مليشيا YPG سيصيب إسرائيل بالذعر أكثر ما كانت تتحسّس منه تركيا هو رفض مليشيا YPG تسليم أسلحتها داخل سوريا، وإخلالها بالاتفاق المبرم مع دمشق. والسبب الوحيد وراء رفض YPG التخلي عن السلاح بينما يتخلى عنه حزب العمال الكردستاني (PKK)، هو الدعم الإسرائيلي لهم. وفي الاجتماع الرباعي، التفت ترامب إلى الشرع قائلًا: "تسلّم أنت السيطرة على سجون ومخيمات الدواعش، وسيد أردوغان، نرجو منكم دعم دمشق في هذا الأمر". مع أنّ هذا الموضوع لم يكن مطروحًا ضمن أجندة الاجتماع، إلا أنّ ترامب فتحه بنفسه. والمعنى من ذلك أنّ ذريعة دعم قوات سوريا الديمقراطية (YPG)، بالسلاح والمال، كانت محاربة تنظيم الدولة. فالمليشيا كانت تتولى إدارة تلك السجون والمخيمات، وتحصل بذلك من الولايات المتحدة على 142 مليون دولار سنويًا من الأموال والأسلحة. ومع زوال هذه المهمة، ستصبح YPG بلا دور، وستنقطع عنها المساعدات الأميركية، ولن تجد بدًا من الاندماج في الدولة السورية. وقد استقبل كلّ من أردوغان والشرع هذا التفاهم بارتياح كبير. وختم المسؤول التركي الذي قدّم هذه المعلومات قائلًا: "ستحزن إسرائيل كثيرًا من هذا، ونحن بدورنا نتحلى بالحذر. وغالبًا ما تكون اللوبيات الإسرائيلية قد بدأت العمل بالفعل لتغيير هذا القرار". لماذا لم يأتِ بوتين؟ فيما كنا نتابع المباحثات المتعلقة بسوريا في الرياض، دخل الرئيس الأوكراني زيلينسكي الأجواء التركية على متن طائرة خاصة متجهًا مباشرة إلى أنقرة. وكان ترامب في ذلك الوقت يصرّح من الرياض والإمارات قائلًا: "إن حضر بوتين، فأنا أيضًا سأحضر". وقد بذلت تركيا جهودًا كبيرة لإقناع بوتين بالحضور، لكنه أصرّ كعادته على موقفه، ورفض المشاركة في الاجتماع الذي فُرض عليه فرضًا من قبل زيلينسكي. وقد التقى زيلينسكي بأردوغان في أنقرة، ثم قرّر عدم المشاركة في المباحثات الروسية- الأوكرانية في إسطنبول، قبل أن يُقنعه أردوغان والمسؤولون الأتراك بالعدول عن قراره. فاجتمعت الوفود في قصر دولما بهتشه بإسطنبول، بعد أن أُنهك وزير الخارجية هاكان فيدان من اجتماعات أنطاليا، وانضم إليه رئيس الاستخبارات إبراهيم كالن، الذي كان لاعبًا رئيسًا في كواليس كل هذه الأحداث. لم يُتوصل إلى وقف إطلاق النار خلال الاجتماع، لكن تمّ الاتفاق على تبادل ألف أسير بين الطرفين، وهو ما ستساهم تركيا في إنجازه. وقد هيّأ هذا الاجتماع الأرضية المناسبة للقاء القادة لاحقًا. سألتُ مسؤولًا مطّلعًا: لماذا لم يأتِ بوتين؟ فقال: "بصراحة، شعرنا ببعض الانزعاج لعدم حضوره. فقد بذلنا جهودًا كبيرة لحلّ هذه الأزمة. لكن بوتين لا يريد لقاء زيلينسكي، بل يريد التوصل إلى اتفاق مع الغرب. وسيبدأ ذلك بالاجتماع مع ترامب أولًا، ثم التوافق على شروط الاتفاق مع الغرب، وبعدها يبحث السلام مع أوكرانيا. ولو حضر إلى إسطنبول ووجد ترامب هناك، لكان مضطرًا لتوقيع اتفاق لا يريده. كما أنّ فرض زيلينسكي للأمر الواقع قد أغضبه كثيرًا". غزة.. الحزن الوحيد المتبقي بينما لم تكن المباحثات بين أوكرانيا وروسيا قد انتهت بعد، انطلقت في إسطنبول مباحثات أخرى بشأن البرنامج النووي الإيراني داخل مبنى القنصلية الإيرانية التاريخي، وشاركت فيها وفود من بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيران، لمناقشة التهديدات التي كان ترامب يوجّهها لإيران من حين لآخر. لكن وسط كل هذه التطورات المتسارعة، بقيت هذه المباحثات في الظل. وبعد انتهاء جولته الخليجية، عاد ترامب إلى أميركا حاملًا في جعبته اتفاقات جعلته سعيدًا، وصرّح قائلًا: "طلب مني أحد القادة الثلاثة في الخليج أن أتدخّل، لأن الناس يموتون جوعًا في غزة". في تركيا، سعيت لمعرفة إن كان اجتماع أردوغان في الرياض قد أسفر عن قرار بخصوص غزة. وقد علمت أنّ أردوغان طرح موضوع غزة، لكن ترامب لم يصدر قرارًا واضحًا بشأنها. وما إن انتهت زيارة ترامب، حتى بدأت إسرائيل عدوانًا شاملًا على غزة بكل وحشيتها، متحدّية بذلك ترامب والعالم بأسره. ويا للأسى، فقد كانت غزة، وسط كل تلك اللقاءات الرامية للسلام، الموضوع الحزين الوحيد الذي بقي بلا حلّ.

بعد نهاية العمل المسلح في تركيا.. أسئلة السلام والقضية الكردية
بعد نهاية العمل المسلح في تركيا.. أسئلة السلام والقضية الكردية

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

بعد نهاية العمل المسلح في تركيا.. أسئلة السلام والقضية الكردية

جاء في بيان رسمي يمتلك صفة شرعية كاملة: بناءً على ما توصل إليه المؤتمر اللائحي لحزب العمال الكردستاني "PKK" المنعقد في 5-7 من مايو/ أيار 2025، قرّر الحزب ما كان يعتبره أنّه من الأحلام، وهو التالي: حلّ الحزب وتشكيلاته وتنظيماته. انتهاء العمل المسلّح والحرب مع الدولة التركية. الدخول في العمل الديمقراطي السلمي طويل المدى من أجل نيل الحقوق. إن شعبنا يراقب بدقة ومن قرب مسار عملية السلام. شارك في المؤتمر 232 ممثلًا في جوّ اتّسم بالسرية التامة في موقعين مختلفين في جبال قنديل، وبذلك تنتهي 41 سنة من المواجهات المسلحة، التي خلّفت أكثر من 50 ألف قتيل من الطرفين، وانتهى الحزب الذي أُسس سنة 1974 على يد عبدالله أوجلان في صورته التاريخية، ليبدأ النضال بشكل ومسار جديدين وفقًا للقانون. بثّ الحزب مشاهد من البيان الختامي للمؤتمر بتاريخ 12-5-2025، بقراءة جماعية لنصوص أكدت على التمسك بالحقوق عبر النضال الديمقراطي، والهتاف بحياة مؤسسه أوجلان. هذه الخطوة تعتبر من أهمّ الخطوات التي يشهدها التاريخ الحديث لتركيا، ومن أهم المحطات في تاريخ الصراع الكردي مع الدول الأربع التي يعيش فيها عشرات الملايين من الكُرد. على ماذا تدلّ هذه الخطوة المتفرّدة؟ أن النضال العسكري من أجل الحقوق لم يعد ذا مغزى عند توفر الشروط السلمية الديمقراطية، وأن أطراف النزاع لن تتمكن من إفناء بعضها بعضًا. تؤكد على التقدم الحاصل في تركيا منذ مجيء العدالة والتنمية ومرجعيته الإسلامية للعمل، التي لا تعترف بعلوّ مقام عِرق على عِرق آخر، وللرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورفاقه الدور الأبرز. التغيير في الذهنية القومية الطورانية، هذه الذهنية التي فرقت العالم الإسلامي كله وهو ما حذّر منه الإمام سعيد النورسي قبل قرن كامل، وجعل مكونات الشعوب في موقف عداء مع الدولة التركية، وهذا التغيير كامن وراء موقف التيارات القومية التركية الجديد بعد أن تبين لها أنها تسير على الطريق الخطأ، وأن الدولة التركية بسياستها القومية المتطرفة التي أسس لها الفكر القومي التغريبي فرقت بين أبنائها. وتدلّ قبل كل هذا على السطوة الروحية والمكانة العالية التي يتمتع بها المرشد الروحي والفكري للحزب، عبدالله أوجلان، الرجل الذي مرّ بمراحل فكرية مختلفة طيلة ستة وعشرين عامًا من السجن في جزيرة إمرالي، هذا الرجل قاد العمل السياسي والفكري لأنصاره من داخل الزنزانة! القوة الروحية التي يمتلكها على عناصر الحزب لم تُبقِ على منفذ يسمح لمن يريد المخالفة العبور منه. لكن حلّ حزب العمال الكردستاني، وتفكيك تنظيماته، ليس بعيدًا عن الأحداث الجارية التي مرّت خلال السنتين الماضيتين على المنطقة.. إن أحداث سوريا كانت عاملًا مؤثرًا جدًا، لأن القيادة السياسية التركية -وفي المقدمة "دولت بهتشلي"- كانت حذرة للغاية من ارتدادات انهيار النظام السوري على أمن تركيا، خاصة أن قوى إقليمية مستعدة لتقديم الدعم الكامل للحركة الكردية ضد تركيا. الدعم الجاهز للتقديم ليس من أجل الحق الكردي، وإنما من أجل إزعاج تركيا، واللعب بورقة القضية القومية الكردية في الشرق الأوسط، وبترك العمل المسلح سقطت هذه الورقة، ولم يعد اللعب بها -في المدى المنظور- متاحًا للقوى الإقليمية. إن ترك العمل المسلح، والذي يتزامن مع الحوارات الجارية في أنقرة-إمرالي، هو انتصار لمبدأ السلام، والاعتراف بالآخرين، كل الآخرين المختلفين دينًا وقوميةً، كما تنص نصوص الوحي الإلهي، وكذلك المبادئ التي اتفقت عليها العقول البشرية، وتجلت في صورة مبادئ ومعاهدات لحقوق الإنسان على المستوى العالمي. وما تم هو – كذلك- انتصار للشعبين التركي والكردي، وانهزام لقوى الشرّ المحلية والإقليمية والدولية. ماذا بعد؟ لا نقصد بـ"ماذا بعد؟" مصير آلاف المقاتلين؛ فأفق عملهم واضح وهو العمل السلمي الأهلي لمن أراد، والعودة إلى الحياة الطببعية الروتينية لمن لم يتقن العمل السياسي.. وإنما نقصد بـ"ماذا بعد؟" الخطوات العملية التي نتوقعها لتساعد القيادة العسكرية على قبول ترك أسلحتهم؟ وبما أن القيادة السياسية في الدولة التركية كانت على علم بكل الخطوات التي تتم، حتى بموعد عقد المؤتمر الخاتم للحزب، فهذا دليل على أن هناك مسارًا مرسومًا متفقًا عليه بين الطرفين، وأن العمل يجري من خلال رئاسة حزب "دام بارتي" القريب من الكرد، وبإشراف مباشر وحاسم من عبدالله أوجلان مع المؤسسة الرسمية للدولة، بمعنى أن هناك خطوات قانونية تؤطر العمل الجاري من أجل وضع نهاية للمشكلة، أو على الأقل الشروع بالخطوات الأولى من أجل الانتهاء منها، وهي مرحلة جديدة جدًا في تاريخ تركيا، وقد فتحت بابًا جديدًا، كما ورد في البيان الترحيبي لحزب العدالة والتنمية الحاكم. لكن نجاح المسار السلمي بحاجة إلى جملة من الأمور: الصدق، القيمة الإسلامية والإنسانية السامية، الصدق في النوايا، الصدق المثمِر للإخلاص في العمل، هؤلاء يعملون من أجل شعوبهم، من أجل خير هذه الشعوب وسعادتها في الدنيا والآخرة، وإن إحلال عملية السلام بين الأطراف المتقاتلة والمتصارعة يستوجب تجنب الخداع، فالحرب هي الخدعة وليس الصلح والسلام. هنا يتوجب تفعيل معايير السلم وسلوكياته، وتجنب كل ما يوحي بأن أحد الأطراف يبحث عن الوقيعة بالآخر تحت عنوان السلام الكاذب، ومما يشكل أمارة على صدق النوايا، الإفراج عن عشرات الآلآف من السجناء السياسيين بتهمة الانتماء لتنظيمات الحزب، وفي الصدارة صلاح الدين دميرتاش، وتخفيف ظروف أوجلان، والانفتاح الأولي على المسائل الثقافية لحين إقرارها في الصيغ القانونية، وتغيير الدستور بما يوافق رغبة الطرفين، لتدخل تركيا قرنها الجديد كما تنبأ به الرئيس رجب طيب أردوغان. التعلم من مرارة وآلام العقود السابقة، والبحث عن الأسباب الحقيقية من أجل حلها.. التجربة أثبتت أن سفك الدماء بين أبناء الشعب الواحد لن يأتي سوى بالهدم والتدمير، في حين أن الإنسان مكلف بالبناء والتعمير. تفعيل القيم الدينية والإنسانية، وفي المقدمة مبدأ "العدالة والمساواة"، وبالعدل قامت السماوات والأرض، وهو مقصد قرآني أمر الله، سبحانه، عبادَه بتحقيقه في الأرض.. غياب العدل يأتي بالظلم، والله لن يسمح للظالم أن يفلح، وإن عدم الالتزام بمبادئ العدل والمساواة يتسبب ببروز حركات متمردة أخرى، ليس شرطًا أن يكون في هذا الجيل، ربما في أجيال مقبلة. لهذا، لا مفرّ من القضاء على كل الأسباب المؤدية إلى تفجير المجتمعات. ما يجري على الأرض يحتم علينا أن نقول: "الحمد لله رب العالمين".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store