
"إف بي آي" كثف التركيز على مكافحة الإرهاب بعد ضربة إيران
أفادت رويترز -نقلا عمن وصفتهما بمصدرين مطلعين- بأن مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) كثف جهوده لمراقبة التهديدات المحتملة من إيران بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهاجمة منشآتها النووية.
وذكر المصدران أن مسؤولين بمكتب التحقيقات الفدرالي أبلغوا بعض الموظفين الأيام الماضية بأنه سيتم إعفاؤهم من تكليف بتخصيص جزء من وقتهم لإنفاذ قوانين الهجرة، وذلك بالنظر لارتفاع مستوى التهديد من إيران.
ويتعلق الأمر بالموظفين العاملين في مجالات مكافحة الإرهاب ومكافحة التجسس والأمن الإلكتروني الذين يعملون على ملفات مرتبطة بإيران.
وأفاد أحد المصدرين بأن المكاتب الميدانية لمكتب التحقيقات في شيكاغو ولوس أنجلوس وسان فرانسيسكو ونيويورك وفيلادلفيا ألغت نوبات عمل الموظفين المخصصة للعمل على قضايا الهجرة.
ورفض متحدث باسم مكتب التحقيقات التعليق على الأمر، لكنه قال في بيان: "إننا نقوم باستمرار بتقييم وإعادة تنظيم مواردنا للتعامل مع التهديدات الأكثر إلحاحا لأمننا القومي ولضمان سلامة الشعب الأميركي".
وردّت إيران على الضربات الأميركية بشن هجوم صاروخي على قاعدة جوية بها قوات أميركية في قطر -أول أمس الاثنين- دون أن يسفر الهجوم عن وقوع إصابات. وبدا أن وقف إطلاق النار، الذي أنهى أياما من الحرب المفتوحة بين إسرائيل وإيران، قد صمد أمس الثلاثاء بضغط من ترامب.
ومع ذلك، عبر مسؤولون أميركيون عن قلقهم من احتمال سعي إيران للرد على الأراضي الأميركية. وقال مصدر إن مكتب التحقيقات الفدرالي قلق بشكل خاص من إمكانية توجيه إيران لعملاء موجودين بالفعل في الولايات المتحدة لشن هجمات.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 28 دقائق
- الجزيرة
تأثير الهجمات الإسرائيلية على المدنيين والبنية التحتية بإيران
طهران- بعد 12 يوما من المواجهة العسكرية مع إسرائيل -وبدعم مباشر من الولايات المتحدة- دخلت إيران مرحلة "هدنة غير مستقرة" كما يصفها مراقبون. وبينما أعلنت القيادة الإيرانية أن الحرب انتهت بـ"نصر تاريخي" لا تزال أصداء القصف والدمار والهواجس الاقتصادية حاضرة في الشارع الإيراني. وفي أول خطاب له عقب إعلان وقف إطلاق النار، وصف الرئيس مسعود بزشكيان ما حدث بأنه "نصر مرهون بوحدة الشعب وصمود القوات المسلحة". وأكد أن الحرب فُرضت على بلاده بسبب ما سماه "مغامرة صهيونية عدوانية، لكنها انتهت بإرادة الشعب". وأشار بزشكيان إلى أن أهداف هذا الهجوم كانت واضحة وهي استهداف المنشآت النووية ، وزعزعة النظام السياسي، وإثارة اضطرابات اجتماعية، مؤكدا أن "جميعها فشلت". وشدد على ضرورة الحفاظ على "الوحدة الوطنية" قائلا إن "كل ما تحقق من انتصار يعود فضله إلى انسجام الدولة والشعب". من جانبها، ذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية أن الهجمات الصاروخية الأخيرة و"خاصة القصف الذي استهدف قاعدة العديد الجوية في قطر، كان العامل الحاسم في دفع واشنطن وإسرائيل إلى طلب التهدئة". وأوضحت الهيئة الإيرانية في بيان لها "العدو لم يتوقع هذا الرد الإيراني المباشر، لا من حيث النوعية ولا التوقيت. وقد اضطر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى مطالبة إيران بوقف إطلاق النار في خطوة وصفتها وسائل الإعلام المحلية بأنها التماس مهين". وقد تباينت مشاعر المواطنين الإيرانيين بعد وقف إطلاق النار، بين فئات عبّرت عن الفخر وارتياحها لما تعتبره "صمودا وطنيا" وأخرى تخشى تداعيات الحرب على الاقتصاد والأمن، في حين أبدت أصوات شكوكا في نوايا إسرائيل بخصوص الهدنة. وقال حسين وهو موظف من تبريز "هذا النصر ثمرة وحدة شعبنا. كانوا يظنون أننا سنتراجع، لكن إيران أثبتت أنها ما زالت قوية". وكذلك عبّرت ليلى (معلمة من طهران) عن ارتياحها، قائلة "منذ أسبوعين تقريبا ونحن مرتعبون من أصوات القصف والدفاعات الجوية. الآن فقط أستطيع أن أتنفس". أما مجتبى (صاحب متجر في شيراز) فأكد أن "الحرب توقفت، لكن الأسعار مستمرة في الارتفاع. أخشى أزمة اقتصادية جديدة بسبب كل ما حدث". وقالت زهراء، طالبة دراسات عليا من أصفهان، إن "الهدنة خطوة جيدة، لكن هل نثق بإسرائيل؟ لا أظن. هذه ليست نهاية القصة". ووفق مصادر رسمية، فإن قوات الحرس الثوري والجيش "ما زالوا على أهبة الاستعداد" ويجري تقييم شامل للأداء القتالي والتنسيق الدفاعي. وشددت مصادر عسكرية على أن إيران "لم تستخدم كل ما في جعبتها" وهي قادرة على "الردع المستدام" في حال تجدد العدوان. خسائر بشرية ومادية وأعادت إيران تأكيد تمسكها ببرنامجها النووي كمسألة "كرامة وسيادة وطنية". وعلى خلفية استهداف مواقع نووية خلال الحرب، صعّد البرلمان الإيراني من موقفه تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقال إبراهيم رضائي المتحدث باسم لجنة الأمن القومي "سنرد بحزم في حال أقدم العدو الإسرائيلي على أي عدوان جديد. البرلمان وافق على قرار يلزم الحكومة بتعليق التعاون مع الوكالة (الدولية للطاقة الذرية) ويجب مقاضاة مديرها العام بسبب تقاريره الكاذبة وتجسس بعض مفتشيه على منشآتنا". وفي خضم هذه الحرب التي اندلعت في 13 يونيو/حزيران الجاري، شهدت إيران موجة من الهجمات الجوية والصاروخية استهدفت ليس فقط مواقع عسكرية، بل أيضا مراكز مدنية حساسة مما أدى إلى خسائر بشرية ومادية. وأعلن المتحدث باسم وزارة الصحة أن نحو 90% من الضحايا من المدنيين. وقد تعرض مستشفى فارابي في كرمانشاه لأضرار كبيرة بعد انفجار ناجم عن هجوم على مركز مجاور، أدى لتدمير أجزاء من الأجنحة الطبية، مما تسبب في توقف مؤقت عن استقبال المرضى. كما أُصيب عدد من المرضى والعاملين، وسط استنكار واسع من قبل منظمات حقوقية اعتبرت هذا الهجوم خرقا واضحا لاتفاقيات حماية المنشآت الطبية. وفي سجن إيفين (شمالي العاصمة طهران) أصابت ضربة جوية مدخل السجن وبعض المباني الإدارية، مما أدى إلى أضرار هيكلية وسقوط عدد من الضحايا. ودعت منظمات حقوقية دولية إلى وقف مثل هذه الهجمات التي تنتهك قواعد القانون الدولي الإنساني. وفي إحدى أكثر الهجمات إثارة للجدل، استهدفت ضربات جوية مقر مؤسسة الإذاعة والتلفزيون بطهران، مما أدى لمقتل اثنين من كبار مسؤولي الإعلام وتعطيل بث بعض القنوات الرسمية. وهو ما اعتبرته إيران "محاولة لإسكات صوت المقاومة" بينما رأى محللون أن استهداف الإعلام يمثل تصعيدا في حرب المعلومات. حملة ممنهجة أما في قطاع الطاقة، فقد تعرضت منشآت حيوية في عسلويه (جنوبي إيران) لضربات متكررة، تسببت في اندلاع حرائق كبيرة وأدت إلى انقطاعات في التيار الكهربائي أثّرت على حياة ملايين المواطنين. وتعرض مخزن وقود رئيسي في طهران لهجوم صاروخي أدّى لاندلاع حريق ضخم تسبب في تدمير كميات كبيرة من الوقود مخزنة فيه، كما أدى إلى تعطيل إمدادات الوقود بعدة مناطق حيوية من المدينة، مما أثّر على حركة النقل وتزويد المحطات وفاقم حدة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة أصلا جراء الحرب. وأكدت السلطات الإيرانية أن هذا الاستهداف يندرج ضمن حملة ممنهجة لتقويض البنية التحتية الحيوية، في محاولة للضغط على الحكومة والشعب الإيراني. كما نددت به منظمات دولية معتبرة أن استهداف مرافق الطاقة والوقود يشكل انتهاكا لقوانين الحرب التي تحظر ضرب المنشآت المدنية التي تؤثر على حياة المدنيين. ومن جهة أخرى، تعرضت عدة أحياء سكنية شمال طهران وضواحي كرج وأصفهان لقصف صاروخي وطائرات بدون طيار، مما أدى إلى دمار واسع في المنازل وممتلكات المدنيين، وتسجيل عشرات القتلى والجرحى، إضافة لتشريد مئات العائلات، مع ارتفاع حالات النزوح الداخلي وسط موجة من الخوف وعدم الاستقرار. واستهدفت الهجمات أيضا مراكز بحثية وعلمية في ضواحي طهران وأصفهان، حيث لقي ما لا يقل عن 14 عالما وباحثا مصارعهم، بينما تعرضت المختبرات والمرافق العلمية لأضرار كبيرة. وأثارت هذه الخسائر استنكارا واسعا داخل الأوساط العلمية الإيرانية والدولية. وتعرضت مكتبة مركز وثائق الخارجية الإيرانية بالعاصمة لأضرار جسيمة أدت إلى تدمير أرشيفات تاريخية ودبلوماسية "لا تقدر بثمن". وأدانت هذا الهجوم جهات دولية مثل منظمة اليونسكو والاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات، معتبرة أن تدمير الممتلكات الثقافية يشكل انتهاكا صارخا لاتفاقيات حماية التراث الثقافي خلال النزاعات المسلحة. ويؤكد خبراء القانون الدولي أن استهداف المرافق المدنية والبنية التحتية الحيوية يُعد خرقا لاتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها، وقد يرقى إلى مستوى جرائم الحرب، خاصة مع ارتفاع نسبة الضحايا المدنيين. ودعت منظمات حقوقية دولية إلى تحقيقات مستقلة وشفافة للكشف عن ملابسات هذه الهجمات وضمان محاسبة المسؤولين عليها.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
كندا على مفترق الطرق.. تحديات اقتصادية ودبلوماسية
في عام 2025، تجد كندا نفسها في مفترق طرق حرجة، حيث تتأرجح بين قوتين عالميتين؛ الولايات المتحدة والصين. هذا الوضع لا يعكس فقط التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، بل يمثل اختبارًا حقيقيًّا لمرونة السياسة الخارجية الكندية، وقدرتها على التكيف مع المتغيرات العالمية. شهدت العلاقات الكندية الأميركية تدهورًا ملحوظًا بعد فرض إدارة ترامب تعريفات جمركية مرتفعة على الواردات الكندية، وردت أوتاوا بتدابير مماثلة، ما أدى إلى فترة طويلة من التوتر والشكوك في العلاقات الثنائية. هذا النزاع التجاري المتصاعد يسلط الضوء على هشاشة الروابط الاقتصادية بين الجارين، ويثير تساؤلات حول مستقبل التعاون بينهما. التحديات مع الصين في الوقت نفسه، فرضت الصين رسومًا انتقامية على صادرات كندا الزراعية، ما زاد من تعقيد الوضع. رغم ذلك، أبدى الطرفان استعدادًا للحوار، ما يعكس إدراكًا مشتركًا لأهمية التعاون الاقتصادي رغم الخلافات. هذه الديناميكية تشير إلى إستراتيجية كندية واضحة لتوسيع شراكاتها، بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على السوق الأميركية. قطاع الطاقة كأداة إستراتيجية برز قطاع الطاقة كنقطة محورية في إعادة رسم العلاقات، حيث أظهرت كندا مرونة عملية عبر زيادة صادرات النفط إلى الصين عبر خط أنابيب "ترانس ماونتن". هذه الخطوة تمثل محاولة محسوبة لتقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد على شريك اقتصادي واحد، وسط تصاعد حالة عدم اليقين الدولية. رغم هذه الجهود، لا تزال التحديات قائمة، سواء من القيود الصينية على بعض الصادرات الكندية، أو التوتر المستمر مع واشنطن. هذه المعادلة المعقدة تتطلب من كندا موازنة دقيقة بين مصالحها الاقتصادية والسياسية؛ للحفاظ على سيادتها واستقرارها الاقتصادي. دروس للشرق الأوسط ورغم أن هذا الصراع الاقتصادي يبدو بعيدًا عن منطقة الشرق الأوسط، فإن تداعياته قد تمتد بشكل غير مباشر إلى التوازنات الإقليمية. التقلبات في سوق الطاقة العالمي، والتحولات في تدفق الاستثمارات والتجارة، تؤثر على اقتصادات تعتمد بشكل كبير على التصدير النفطي، كما أن إعادة تشكيل التحالفات الاقتصادية قد تفتح الباب أمام فرص جديدة أو تهديدات إضافية، ما يضع دول المنطقة أمام تحدي إعادة تقييم تموضعها الإستراتيجي في ظل عالم تتغير فيه موازين القوى بسرعة. التكيف مع التحولات العالمية في مواجهة هذه الظروف، تسعى كندا إلى تطوير سياسات اقتصادية أكثر تنوعًا، تشمل تعزيز الابتكار والتكنولوجيا، لتعزيز قدرتها التنافسية على المستوى الدولي. تعتمد الحكومة على دعم القطاعات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة، لتقليل الاعتماد على صادرات المواد الخام، وهي خطوة مهمة لضمان استدامة النمو الاقتصادي في المستقبل. كما تعمل أوتاوا على توسيع شبكة اتفاقيات التجارة الحرة مع دول أخرى، خصوصًا في أوروبا وآسيا، لتقليل التأثر بالصراعات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. هذا التوجه يعكس رغبة في بناء جبهات اقتصادية متعددة تدعم الاقتصاد الوطني في مواجهة الصدمات الخارجية. التوازن السياسي والدبلوماسي على الصعيد الدبلوماسي، تتبع كندا سياسة متوازنة تحاول من خلالها الحفاظ على علاقات جيدة مع كلا القوتين العالميتين، دون الانحياز الواضح لإحداهما. هذا الأمر يتطلب مهارات تفاوضية عالية، حيث تحاول كندا أن تلعب دور الوسيط في بعض النزاعات، مستغلة سمعتها كدولة محايدة نسبيًّا وملتزمة بالقوانين الدولية. كما تعزز كندا دورها في المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، محاولةً التأثير إيجابًا على القرارات التي قد تدعم استقرار النظام الاقتصادي العالمي. ويُنظر إلى هذه الإستراتيجية على أنها سبيل لكندا لتعزيز صوتها على الساحة الدولية رغم حجمها النسبي. تمثل وضعية كندا في عام 2025 نموذجًا للتحديات التي تواجه الدول المتوسطة في عالم يتزايد فيه التنافس الإستراتيجي بين القوى العظمى؛ وستحدد قدرة كندا على تحقيق التوازن بين المصالح المتضاربة مسارها الاقتصادي ومكانتها السياسية في السنوات المقبلة. بالنسبة للشرق الأوسط، فإن هذه التجربة تقدم دروسًا قيمة حول أهمية المرونة والتكيف في مواجهة التحديات العالمية.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
كود الردع: الصراع السيبراني بين إيران وإسرائيل
شهدت الساحة السيبرانية في يونيو/ حزيران 2025 تصعيدًا حادًّا بين إيران وإسرائيل، عكس تحولًا جديدًا في طبيعة الاشتباك غير المعلن بين الطرفين؛ فقد تعرضت هواتف إسرائيلية لاختراق واسع النطاق، فيما اختُرِق البث التلفزيوني الرسمي الإيراني، وتلا ذلك إنذار عاجل بإخلاء مقري قناتي 12 و14 الإسرائيليتين. وفي هجوم آخر، شلّت عملية سيبرانية بنك "سبه" الحكومي في طهران، وقد أعلنت مجموعة تُدعى "العصفور المفترس" مسؤوليتها عنها، مؤكدةً "تدمير كافة بيانات البنك". لا يمكن قراءة هذه الحوادث بمعزل عن السياق الأوسع لصراع طويل الأمد؛ يتجاوز الحدود الجغرافية، ويُخاض عبر كودات وشبكات خفية. هذا الصراع، الذي يُعد نموذجًا أوليًّا لحروب القرن الحادي والعشرين، يختزل في جوهره ما يمكن تسميته بـ"كود الردع". تنشط مجموعات غير رسمية ذات طابع أيديولوجي أو قومي، مثل "حنظلة" و "الشبح العربي" و"عصا موسى"، في تنفيذ عمليات اختراق علنية تتسم بالجرأة والوضوح الإعلامي يشهد الصراع السيبراني بين إسرائيل وإيران تطورًا متسارعًا، يعكس تحوّلًا عميقًا في شكل النزاعات الحديثة، حيث بات الفضاء السيبراني لا مجرد ساحة خلفية للمواجهة، بل ميدانًا رئيسيًّا يؤثر في ميزان القوى ويعيد تعريف مفاهيم الردع والسيادة. لم يعد اختراق البنية التحتية أو تعطيل شبكة كهرباء أو تسريب بيانات، مجرد حوادث منفصلة، بل تحوّلت إلى أدوات إستراتيجية تُستخدم بوعي بالغ لإعادة تشكيل قواعد الاشتباك الإقليمي، من دون اللجوء إلى الحرب التقليدية. يعتمد النموذج الإيراني في هذا الصراع على بنية مرنة ومتشعبة، تستند إلى ما يمكن وصفه بـ'اللامركزية المنظمة'، حيث تتداخل الأذرع الرسمية مع الجهات غير الرسمية في شبكة عمل منسقة، تُخفي آثارها ضمن الضجيج الرقمي العالمي. الفرق الحكومية، مثل APT34 وAPT39، تؤدي أدوارًا استخباراتية طويلة المدى، تستهدف البنية المعلوماتية للخصوم، وتعمل على بناء قواعد بيانات متقدمة حول الأهداف الإستراتيجية. في الوقت ذاته، تنشط مجموعات غير رسمية ذات طابع أيديولوجي أو قومي، مثل "حنظلة" و "الشبح العربي" و"عصا موسى"، في تنفيذ عمليات اختراق علنية تتسم بالجرأة والوضوح الإعلامي. هذه المجموعات لا تحرص على الإخفاء بقدر ما تسعى إلى إرسال رسائل مباشرة، سواء عبر تلغرام أو عبر تسريبات على مواقع مفتوحة، ما يضيف بُعدًا نفسيًّا للهجمات، ويخلق حالة من القلق العام داخل الدولة المستهدفة. طبيعة هذه الجماعات تُتيح لإيران هامش مناورة كبيرًا؛ فهي تنفي رسميًّا علاقتها بها، لكنها في الواقع تستفيد منها سياسيًّا وأمنيًّا، وتوظفها في حروب رمادية يصعب تتبع مصدرها بدقة. هذا النمط من الهجمات يجعل من الصعب تحميل المسؤولية لأي جهة محددة، ويفتح المجال أمام ما يشبه 'الاشتباك المستدام' دون عتبة صريحة للحرب. على الجانب الآخر، تتبنى إسرائيل نهجًا شديد المركزية والانضباط، يعتمد على بنى أمنية عالية التنظيم والتقنية، تتصدرها 'الوحدة 8200'، المعروفة بكونها واحدة من أرفع وحدات الاستخبارات السيبرانية عالميًّا. العمليات الإسرائيلية غالبًا ما تُنفَّذ في صمت، وتُصمم لتكون دقيقة وفعّالة، وتُدار وفق أهداف إستراتيجية بعيدة المدى، ليس فقط لإحباط مخططات آنية، بل لتقويض القدرة المستقبلية للخصم على العمل. الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل عادة ما تتسم بالطابع النوعي، مثل اختراق أنظمة التحكم الصناعية، أو تعطيل الشبكات النووية، أو ضرب مراكز اتصالات حرجة في عمق الأراضي الإيرانية. تبرز "دودة ستوكسنت" بوصفها العلامة الفارقة في هذا المسار؛ فهي لم تكن مجرّد هجوم سيبراني، بل سابقة نوعية غيّرت وجه الحروب الرقمية. القدرة على إلحاق ضرر مادي ببنية نووية من خلال كود رقمي وحده، دون أي تدخل ميداني، أعادت تعريف معنى السلاح، وكسرت المعادلة التقليدية التي تربط الأثر العسكري بالقوة النارية. لقد فتحت "ستوكسنت" الباب أمام عصر جديد، يمكن فيه لدولة أن تعطل مشروعًا إستراتيجيًّا معاديًا وهي لا تزال خارج دائرة الاتهام الرسمي، بل وقد تظل غير مرئية بالكامل. بعد تصاعد التوتر في مناسبات متتالية، خاصة بعد عملية 'الأسد الصاعد'، أصبح الصراع السيبراني أكثر جرأة واستهدافًا للبنية الداخلية للدولة. محاولات تعطيل نظام 'تسوفار'، المعني بإنذار السكان في حالات الطوارئ، وكذلك استهداف البنية الإعلامية وشركات الطاقة، كل ذلك يشير إلى تحول نوعي في تفكير الفاعلين السيبرانيين: لم يعد الهدف فقط تجميع المعلومات أو استنزاف موارد الخصم، بل التأثير في القدرة على إدارة الدولة ذاتها في لحظات الأزمات، ما يعني أن السيبرانية أصبحت أداة لـ'تعطيل الدولة' وليس فقط إرباكها. وعلى خط موازٍ، أصبحت الحرب السيبرانية أيضًا قناة لحرب نفسية مديدة. تقوم إيران، وفق نمط متكرر، باختراق قواعد بيانات وشركات إسرائيلية، ثم تسريبها مع تعليقات دعائية تهدف إلى زعزعة ثقة الجمهور بقيادته، وإظهار هشاشة منظومته الأمنية. تستخدم في ذلك أدوات متطورة: روبوتات اجتماعية، وحملات مدفوعة بالذكاء الاصطناعي، ونشر منظم للروايات المضللة. والهدف ليس التأثير الآني فقط، بل نحت صورة نفسية طويلة الأمد مفادها أن الخصم مخترَق وضعيف، حتى وإن لم تسقط عليه قذيفة واحدة. تشهد الساحة السيبرانية حاليًّا سباقًا محمومًا نحو تطوير "أسلحة سيبرانية- جيل رابع" تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، ما يضيف طبقات جديدة من التعقيد لمعادلة الردع. كما برزت ظاهرة "الوكلاء السيبرانيين" كعنصر محوري في إستراتيجية التصعيد المحدود، حيث تتيح للدول تنفيذ عمليات معقدة مع الحفاظ على قابلية الإنكار. يشكل الصراع السيبراني بين إيران وإسرائيل نموذجًا أوليًّا لشكل جديد من أشكال التنافس الجيوسياسي، حيث تتحول الأصفار والآحاد إلى عملة جديدة للقوة والنفوذ الإشكال الأكبر، الذي يُضفي على هذا الصراع بعدًا غير تقليدي، هو غياب أية قواعد دولية ناظمة.. لا توجد اتفاقيات تحدد ما يشكّل "عدوانًا سيبرانيًّا"، ولا آليات محاسبة فعالة، ولا خطوط حمراء مُعترف بها عالميًّا. وهذا ما يجعل من الفضاء السيبراني منطقة شبه خارجة عن القانون، تُمارس فيها الدول ما تشاء، طالما أنها لا تُمسك متلبسة. هذا الغموض القانوني يوفر غطاءً مثاليًّا لكل من يريد أن يضرب خصمه دون أن يتحمل كلفة سياسية مباشرة، ويُغري بالمزيد من التصعيد التدريجي الذي يراكم التوتر دون أن يفضي بالضرورة إلى الحرب، لكنه في الوقت ذاته يقربها باستمرار. البعد السيبراني بات يضاف إلى عنصر مركزي في معادلة الردع، يكمّل القوة العسكرية، ويتجاوزها في بعض الحالات؛ فبينما تحتاج الصواريخ والطائرات إلى إذن سياسي وكلفة دبلوماسية، فإن الهجمات السيبرانية يمكن أن تُنفَّذ دون ضجيج، وتُحدث أثرًا بالغًا دون الحاجة إلى إعلان حالة حرب. وقد بات واضحًا أن كل طرف من الطرفين، إيران وإسرائيل، يعمل بوتيرة متسارعة على تعزيز ترسانته السيبرانية الهجومية والدفاعية، باعتبار أن الجولة القادمة من الصراع قد لا تُحسم في الجو أو البحر، بل في أعماق الكود، ومن خلال شبكات لا تُرى، لكنها تصوغ ملامح الأمن الإقليمي بعمق لا يقل عن أي معركة في الميدان. ختاماً، يشكل الصراع السيبراني بين إيران وإسرائيل نموذجًا أوليًّا لشكل جديد من أشكال التنافس الجيوسياسي، حيث تتحول الأصفار والآحاد إلى عملة جديدة للقوة والنفوذ. هذا التحول لا يعيد تعريف أدوات الردع فحسب، بل يطرح إشكاليات عميقة حول طبيعة الأمن القومي في القرن الحادي والعشرين. ويعكس في الوقت ذاته نموذجًا جديدًا للصراع، يتسم باللامركزية والغموض وعدم التماثل، يجسد ما يمكن تسميته "كود الردع" في العلاقات الدولية المعاصرة.